كتاب : المبسوط
المؤلف : محمد بن أحمد بن أبي سهل شمس الأئمة السرخسي

وَلَا يَكُونُ لِرَبِّ السَّلَمِ أَنْ يَقْبِضَهُ لِأَنَّهُ يَصِيرُ بِهِ مُسْتَبْدِلًا وَفِي الشِّرَاءِ لَوْ أَمَرَهُ أَنْ يَطْحَنَهُ فَفَعَلَ جَازَ وَكَانَ الدَّقِيقُ لِلْمُشْتَرِي وَكَذَلِكَ فِي الشِّرَاءِ لَوْ أَمَرَهُ أَنْ يُلْقِيَهُ فِي الْبَحْرِ فَفَعَلَ جَازَ وَكَانَ الثَّمَنُ مُقَرَّرًا عَلَيْهِ وَلَوْ أَمَرَهُ بِذَلِكَ فِي السَّلَمِ لَمْ يَجُزْ ثَمَّ .
قَالَ ( فِي الشِّرَاءِ وَلَهُ أَنْ يَبِيعَهُ إذَا كَانَ لَهُ الْبَائِعُ فِي غَرَائِرِ الْمُشْتَرِي بِأَمْرِهِ قَبْلَ هَذَا غَلَطَ ) لِأَنَّ الْغَرَائِرَ نَائِبَةٌ عَنْهُ فِي الْأَحْرَازِ لَا فِي مَعْرِفَةِ الْقَدْرِ فَكَأَنَّهُ قَبَضَهُ بِنَفْسِهِ فَلَا يَتَصَرَّفُ فِيهِ حَتَّى يَكِيلَهُ وَلَكِنَّ مَا ذَكَرَهُ فِي الْكِتَابِ أَصَحُّ لِمَا بَيَّنَّا أَنَّ أَمْرَهُ إيَّاهُ بِالْكَيْلِ مُعْتَبَرٌ لِمُصَادَفَتِهِ مِلْكَهُ فَكَانَ الْبَائِعُ فِي الْكَيْلِ كَالنَّائِبِ عَنْهُ وَالْغَرَائِرُ فِي الْقَبْضِ وَالْإِحْرَازِ تَنُوبُ عَنْهُ وَفِعْلُ نَائِبِهِ كَفِعْلِهِ بِنَفْسِهِ وَفِي السَّلَمِ إنْ كَانَ فِي الْغَرَائِرِ طَعَامٌ لِرَبِّ السَّلَمِ فَكَالَهُ فِيهِ بِأَمْرِهِ فَقَدْ قِيلَ لَا يَصِيرُ قَابِضًا لِمَا ذَكَرْنَا أَنَّ أَمْرَهُ غَيْرُ مُعْتَبَرٍ فِي مِلْكِ الْغَيْرِ قَالَ : رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَالْأَصَحُّ عِنْدِي أَنَّهُ يَصِيرُ قَابِضًا هُنَا لِأَنَّهُ أَمَرَهُ بِخَلْطِ طَعَامِ السَّلَمِ بِطَعَامِهِ عَلَى وَجْهٍ لَا يُمْكِنُ التَّمَيُّزُ مُعْتَبَرٌ فَيَصِيرُ بِهَذَا الْخَلْطِ قَابِضًا وَهُوَ مِثْلُ مَا ذُكِرَ فِي كِتَابِ الصَّرْفِ لَوْ دَفَعَ إلَى صَائِغٍ نِصْفَ دِرْهَمِ فِضَّةٍ وَقَالَ : زِدْ مِنْ عِنْدِكَ نِصْفَ دِرْهَمٍ وَصُغْ لِي مِنْهُمَا خَاتَمًا فَفَعَلَ ذَلِكَ جَازَ وَصَارَ بِالْخَلْطِ قَابِضًا لَهُ .

قَالَ : ( وَإِذَا أَسْلَمَ الرَّجُلُ فِي كُرِّ حِنْطَةٍ ثُمَّ أَسْلَمَ الْمُسْلَمُ إلَيْهِ إلَى رَبِّ السَّلَمِ فِي كُرِّ حِنْطَةٍ وَأَجَلُهُمَا وَاحِدٌ وَصِفَتُهُمَا وَاحِدَةٌ أَوْ مُخْتَلِفَةٌ لَمْ يَكُنْ أَحَدُهُمَا قِصَاصًا بِالْآخِرِ إذَا حَلَّا وَإِنْ تَقَاصَّا ) لِأَنَّ الْمُسْلَمَ فِيهِ مَبِيعٌ فَيَسْتَحِقُّ قَبْضَهُ بِحُكْمِ الْعَقْدِ وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُقْضَى بِهِ دَيْنٌ آخَرُ لِأَنَّ الْمُسْتَحَقَّ بِعَقْدِ السَّلَمِ قَبْضٌ بِكَيْلٍ بَعْدَ عَقْدِ السَّلَمِ وَلَا يَحْصُلُ ذَلِكَ بِقَضَاءِ دَيْنٍ آخَرَ بِهِ فَإِذَا تَقَاصَّا مِنَّا فَلَا بُدَّ مِنْ أَنْ يَكُونَ أَحَدُهُمَا قَابِضًا الْمُسْلَمَ فِيهِ وَيَكُونُ دَيْنًا عَلَيْهِ وَذَلِكَ غَيْرُ جَائِزٍ ، قَالَ : ( فَإِنْ كَانَ أَوَّلُهُمَا مُسْلَمًا وَالْآخِرُ قَضَاءً لَا يَصِيرُ أَحَدُهُمَا قِصَاصًا فِي الْحَالِ مِنْ قِبَلِ أَنَّ الْقِصَاصَ عِبَارَةٌ عَنْ الْمُسَاوَاةِ وَلَا مُسَاوَاةَ بَيْنَهُمَا ) لِأَنَّ أَحَدَهُمَا مُعَجَّلٌ وَالْآخَرَ مُؤَجَّلٌ وَالْمُعَجَّلُ خَيْرٌ مِنْ الْمُؤَجَّلِ إلَّا إذَا حَلَّ الْأَجَلُ فِي السَّلَمِ فَحِينَئِذٍ يَكُونُ أَحَدُهُمَا قِصَاصًا بِالْآخَرِ وَلَا بَأْسَ بِأَنْ يَكُونَ قِصَاصًا إذَا كَانَ سَوَاءً تَقَاصَّا أَوْ لَمْ يَتَقَاصَّا لِوُجُودِ الْقَبْضِ بِكَيْلٍ بَعْد عَقْدِ السَّلَمِ وَهُوَ قَبْضُ الْمُسْتَقْرِضِ أَلَا تَرَى أَنَّ رَبَّ السَّلَمِ لَوْ غَصَبَ مِنْ الْمُسْلَمِ إلَيْهِ كُرًّا بَعْدَ مَا حَلَّ طَعَامُ السَّلَمِ كَانَ مُسْتَوْفِيًا حَقَّهُ بِطَرِيقِ الْمُقَاصَّةِ فَكَذَلِكَ إذَا اسْتَقْرَضَ وَهَذَا لِأَنَّ فِي بَابِ الْمُقَاصَّةِ آخِرُ الدَّيْنَيْنِ قَضَاءٌ مِنْ أَوَّلِهِمَا وَلَا يَكُونُ أَوَّلُ الدَّيِّنَيْنِ قَضَاءً عَنْ آخِرِهِمَا لِأَنَّ الْقَضَاءَ يَتْلُو الْوُجُوبَ وَلَا يَسْبِقُهُ وَلِهَذَا فِي الدَّيْنِ الْمُشْتَرَكِ لَوْ وَجَبَ لِلْمَدِينِ عَلَى أَحَدِ الشَّرِيكَيْنِ دَيْنٌ بِقَدْرِ حِصَّةٍ وَصَارَ قِصَاصًا كَانَ لِلشَّرِيكِ الْآخَرِ أَنْ يَرْجِعَ عَلَيْهِ بِنِصْفِهِ لِأَنَّهُ صَارَ مُسْتَوْفِيًا حِصَّتَهُ وَلَوْ كَانَ دَيْنُ الْمَدْيُونِ عَلَيْهِ سَابِقًا عَلَى دَيْنِهِمَا فَصَارَ قِصَاصًا لَمْ يَكُنْ لِشَرِيكِهِ أَنْ يَرْجِعَ عَلَيْهِ بِشَيْءٍ

لِأَنَّهُ صَارَ بِنَصِيبِهِ قَابِضًا دَيْنًا عَلَيْهِ لَا مُقْتَضِيًا إذَا ثَبَتَ هَذَا فَنَقُولُ إذَا كَانَ آخِرُ الدَّيْنَيْنِ قَرْضًا فَالْمُسْلَمُ إلَيْهِ بِمَا أَوْجَبَ لَهُ مِنْ الْقَرْضِ يَصِيرُ قَاضِيًا طَعَامَ السَّلَمِ وَرَبُّ السَّلَمِ يَكُونُ مُسْتَوْفِيًا وَإِذَا كَانَ الْقَرْضُ أَوَّلًا لَمْ يَكُنْ قِصَاصًا وَإِنْ تَقَاضَيَا بِهِ لِأَنَّ رَبَّ السَّلَمِ يَصِيرُ قَاضِيًا بِطَعَامِ السَّلَمِ مَا عَلَيْهِ مِنْ الْقَرْضِ وَدَيْنُ السَّلَمِ يَجِبُ قَبْضُهُ وَلَا يَجُوزُ قَضَاءُ دَيْنٍ آخَرَ بِهِ فَإِنْ كَانَ لِلْمُسْلَمِ إلَيْهِ كُرُّ حِنْطَةٍ دَيْنًا عَلَى رَجُلٍ أَوْ اسْتَقْرَضَ مِنْ رَجُلٍ كُرًّا فَقَالَ : لِصَاحِبِ السَّلَمِ كُلُّهُ فَاكْتَالَهُ رَبُّ السَّلَمِ كَيْلًا وَاحِدًا جَازَ وَيَصِيرُ قَابِضًا لِأَنَّ الْقَرْضَ لَا يُشْتَرَطُ فِيهِ الْكَيْلُ أَلَا تَرَى أَنَّ الْمُقْرِضَ لَوْ اسْتَرَدَّ مَا أَقْرَضَ وَلَمْ يَكِلْهُ كَانَ لَهُ أَنْ يَتَصَرَّفَ فِيهِ وَالْمُسْتَقْرِضُ لَوْ قَبَضَ وَلَمْ يَكِلْ كَانَ لَهُ أَنْ يَتَصَرَّفَ فِيهِ وَرَبُّ السَّلَمِ فِي الْقَبْضِ مِنْ الْمُقْرِضِ أَوْ الْمُسْتَقْرِضِ نَائِبٌ عَنْ الْمُسْلَمِ إلَيْهِ فَكَمَا قَبَضَهُ تَمَّ فِيهِ مِلْكُ الْمُسْلَمِ إلَيْهِ قَبْلَ أَنْ يَكِيلَهُ ثُمَّ إنَّمَا يَكِيلُهُ بَعْدَ ذَلِكَ لِنَفْسِهِ بِحُكْمِ السَّلَمِ فَلِهَذَا يَكْفِيهِ كَيْلٌ وَاحِدٌ بِخِلَافِ مَا سَبَقَ مِنْ الشِّرَاءِ فَإِنَّ الْمُسْلَمَ إلَيْهِ لَمَّا اشْتَرَاهُ بِشَرْطِ الْكَيْلِ لَا يَتَعَيَّنُ مِلْكُهُ إلَّا بِالْكَيْلِ فَكَانَ الْكَيْلُ الْأَوَّلُ مِنْ رَبِّ السَّلَمِ كَتَعْيِينِ مِلْكِ الْمُسْلَمِ إلَيْهِ فَلَا بُدَّ مِنْ أَنْ يَكِيلَهُ لِنَفْسِهِ بَعْدَ ذَلِكَ كَيْلًا مُسْتَقْبَلًا

قَالَ : ( وَإِنْ تَتَارَكَا السَّلَمَ وَرَأْسُ الْمَالِ ثَوْبٌ فَهَلَكَ عِنْدَ الْمُسْلَمِ إلَيْهِ فَعَلَيْهِ قِيمَتُهُ ) وَكَذَلِكَ لَوْ تَتَارَكَا بَعْدَ هَلَاكِهِ وَهَذِهِ أَرْبَعَةُ فُصُولٍ ( أَحَدُهُمَا ) أَنْ يَشْتَرِيَ عَيْنًا بِدَرَاهِمَ فَتَقَابَضَا ثُمَّ تَقَايَلَا ثُمَّ هَلَكَ الْمَبِيعُ قَبْلَ الرَّدِّ بَطَلَتْ الْإِقَالَةُ سَوَاءٌ كَانَ الثَّمَنُ قَائِمًا أَوْ هَالِكًا لِأَنَّ الْإِقَالَةَ رَفْعُ الْعَقْدِ وَإِنَّمَا يُرْفَعُ الشَّيْءُ مِنْ الْمَحِلِّ الْوَارِدِ عَلَيْهِ وَمَحِلُّ الْعَقْدِ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ وَالْمَعْقُودُ عَلَيْهِ الْمَبِيعُ دُونَ الثَّمَنِ فَإِنَّ الثَّمَنَ مَعْقُودٌ بِهِ وَلِهَذَا شَرَطَ قِيَامَ الْمِلْكِ فِي الْمَبِيعِ عِنْدَ الْعَقْدِ دُونَ الثَّمَنِ فَإِنْ كَانَ الْمَبِيعُ هَالِكًا عِنْدَ الْإِقَالَةِ فَالْإِقَالَةُ بَاطِلَةٌ لِفَوَاتِ مَحِلِّهَا وَكَذَلِكَ إذَا هَلَكَ بَعْدَ الْإِقَالَةِ قَبْلَ الرَّدِّ لِأَنَّ الْعَارِضَ مِنْ هَلَاكِ الْمَحِلِّ بَعْدَ الْإِقَالَةِ قَبْلَ الرَّدِّ كَالْمُقْتَرِنِ بِالْإِقَالَةِ أَلَا تَرَى أَنَّ هَلَاكَ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ بَعْدَ الْعَقْدِ قَبْلَ الْقَبْضِ يُبْطِلُ الْعَقْدَ وَيُجْعَلُ كَالْمُقْتَرِنِ بِالْعَقْدِ ( وَالثَّانِي ) لَوْ تَبَايَعَا عَبْدًا بِجَارِيَةٍ وَتَقَابَضَا ثُمَّ تَقَايَلَا ثُمَّ هَلَكَ أَحَدُهُمَا بَقِيَتْ الْإِقَالَةُ لِأَنَّ ابْتِدَاءَ الْإِقَالَةِ بَعْدَ هَلَاكِ أَحَدِ الْعِوَضَيْنِ صَحِيحٌ فَإِنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَعْقُودٌ عَلَيْهِ بِدَلِيلِ أَنَّهُ يَشْتَرِطُ قِيَامَ الْمِلْكِ فِي الْعِوَضَيْنِ جَمِيعًا لِلْمُتَعَاقِدَيْنِ بِخِلَافِ الثَّمَنِ أَلَا تَرَى أَنَّ بَعْدَ هَلَاكِ أَحَدِهِمَا يُمْكِنُ فَسْخُ الْعَقْدِ بِرَدِّ الْآخَرِ بِالْعَيْبِ فَكَذَلِكَ بِالْإِقَالَةِ وَإِذَا جَازَ ابْتِدَاءُ الْإِقَالَةِ بَعْدَ هَلَاكِ أَحَدِهِمَا فَكَذَلِكَ تَبْقَى الْإِقَالَةُ فِي الْقَائِمِ وَعَلَيْهِ رَدُّ قِيمَةِ الْهَالِكِ لِأَنَّهُ تَعَذَّرَ رَدُّ الْعَيْنِ مَعَ بَقَاءِ السَّبَبِ الْمُوجِبِ لِلرَّدِّ فَتُرَدُّ الْقِيمَةُ إذْ الْقِيمَةُ سُمِّيَتْ قِيمَةً لِقِيَامِهَا مَقَامَ الْعَيْنِ وَلَوْ هَلَكَا جَمِيعًا بَعْدَ الْإِقَالَةِ قَبْلَ التَّرَادِّ بَطَلَتْ الْإِقَالَةُ

لِأَنَّ ابْتِدَاءَ الْإِقَالَةِ بَعْدَ هَلَاكِهِمَا بَاطِلٌ إذَا لَمْ يَبْقَ شَيْءٌ مِنْ الْمَحِلِّ الَّذِي تَنَاوَلَهُ الْعَقْدُ فَكَذَلِكَ لَا تَبْقَى الْإِقَالَةُ بَعْدَ هَلَاكِهِمَا ( وَالثَّالِثُ ) السَّلَمُ إذَا تَقَايَلَا وَرَأْسُ الْمَالِ عَيْنٌ فَهَلَكَتْ بَعْدَ الْإِقَالَةِ لَمْ تَبْطُلْ الْإِقَالَةُ لِأَنَّ ابْتِدَاءَ الْإِقَالَةِ بَعْدَ هَلَاكِ رَأْسِ الْمَالِ صَحِيحٌ فَإِنَّ السَّلَمَ بِمَنْزِلَةِ بَيْعِ الْمُقَابَضَةِ لِأَنَّ الْمُسْلَمَ فِيهِ مَبِيعٌ مَعْقُودٌ عَلَيْهِ فَجَازَتْ الْإِقَالَةُ بَعْدَ هَلَاكِ مَا يُقَابِلُهُ وَإِذَا بَقِيَتْ الْإِقَالَةُ فَعَلَيْهِ رَدُّ قِيمَةِ رَأْسِ الْمَالِ لِتَعَذُّرِ رَدِّ الْعَيْنِ مَعَ بَقَاءِ السَّبَبِ الْمُوجِبِ لَهُ وَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمَطْلُوبِ فِي مِقْدَارِ الْقِيمَةِ إذَا اخْتَلَفَا لِأَنَّ الطَّالِبَ يَدَّعِي عَلَيْهِ زِيَادَةً وَهُوَ مُنْكِرٌ لِتِلْكَ الزِّيَادَةِ ( وَالرَّابِعُ ) الصَّرْفُ فَإِنَّهُمَا لَوْ تَصَارَفَا دِينَارًا بِعَشَرَةِ دَرَاهِمَ وَتَقَابَضَا وَهَلَكَ الْبَدَلَانِ جَمِيعًا ثُمَّ تَقَايَلَا ثُمَّ هَلَكَ الْبَدَلَانِ قَبْلَ التَّرَادِّ جَازَتْ الْإِقَالَةُ لِأَنَّ الْمَعْقُودَ عَلَيْهِ مَا اسْتَوْجَبَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فِي ذِمَّةِ صَاحِبِهِ أَلَا تَرَى أَنَّ بَعْدَ الْإِقَالَةِ لَا يَلْزَمُهُ رَدَّ الْمَقْبُوضِ بِعَيْنِهِ وَلَكِنْ إنْ شَاءَ رَدَّهُ وَإِنْ شَاءَ رَدَّ مِثْلَهُ فَلَا يَكُونُ هَلَاكُ الْمَقْبُوضِ مَانِعًا مِنْ الْإِقَالَةِ هَذَا هُوَ الصَّحِيحُ فِي تَخْرِيجِ هَذِهِ الْمَسَائِلِ وَقَعَ فِي الْأَصْلِ تَشْوِيشٌ وَتَقْدِيمٌ وَتَأْخِيرٌ وَأَلْفَاظٌ وَذَلِكَ كُلُّهُ غَلَطٌ مِنْ الْكَاتِبِ وَقَدْ تَكَلَّفَ لِتَصْحِيحِهِ بَعْضُ مَشَايِخِنَا رَحِمَهُمُ اللَّهُ فَإِنَّهُ قَالَ : بَعْدَ مَسْأَلَةِ الْقَرْضِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ اشْتَرَيَا جَارِيَةً بِعَبْدٍ وَتَقَابَضَا فَمَاتَ أَحَدُهُمَا فِي يَدَيْهِ ثُمَّ تَنَاقَضَا أَنَّهُ جَائِزٌ وَمَعْنَى هَذَا الِاسْتِشْهَادِ أَنَّ الْقَرْضَ وَإِنْ كَانَ فِي مَعْنَى الْبَيْعِ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ تَمْلِيكُ الطَّعَامِ بِمِثْلِهِ فَلَيْسَ بِبَيْعٍ حَقِيقَةً فَلَا يُشْتَرَطُ فِيهِ مِنْ الْكَيْلِ مَا يُشْتَرَطُ فِي الْمَبِيعِ كَمَا

أَنَّ الْإِقَالَةَ فِي حُكْمِ الْبَيْعِ وَلَكِنْ لَيْسَ بِبَيْعٍ عَلَى الْحَقِيقَةِ فَيَجُوزُ بَعْدَ هَلَاكِ أَحَدِ الْعِوَضَيْنِ وَإِنْ كَانَ لَا يَجُوزُ ابْتِدَاءً الْبَيْعُ فَإِنَّهُ لَوْ اشْتَرَى عَبْدًا بِقِيمَةِ جَارِيَةٍ هَالِكَةٍ لَا يَجُوزُ وَإِلَيْهِ أَشَارَ بِقَوْلِهِ وَلَيْسَ هَذَا بِمَنْزِلَةِ شِرَاءِ الْحَيِّ قَبْلَ أَنْ يَمُوتَ يَعْنِي شِرَاءَ الْحَيِّ بِقِيمَةِ الْمَيِّتِ أَوْ شِرَاءَ الْحَيِّ بِالْحَيِّ إذَا مَاتَ أَحَدُهُمَا قَبْلَ الْقَبْضِ وَلَكِنَّ هَذَا تَكَلُّفٌ وَلَا يَلِيقُ هَذَا اللَّفْظُ بِفَصَاحَةِ مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللَّهُ فَإِنَّ شِرَاءَ الْحَيِّ يُعْلَمُ أَنَّهُ يَكُونُ قَبْلَ أَنْ يَمُوتَ فَعَرَفْنَا أَنَّهُ غَلَطٌ مِنْ الْكَاتِبِ ثُمَّ قَالَ : وَكَذَلِكَ السَّلَمُ لِأَنَّ السَّلَمَ بَيْعٌ يَعْنِي أَنَّ الْإِقَالَةَ بَعْدَ هَلَاكِ رَأْسِ الْمَالِ يَجُوزُ كَمَا يَجُوزُ فِي بَيْعِ الْمُقَابَضَةِ الْإِقَالَةُ بَعْدَ هَلَاكِ أَحَدِهِمَا ثُمَّ قَالَ وَلَا يُشْبِهُ هَذَا الْأَثْمَانَ الدَّنَانِيرُ بِالدَّرَاهِمِ ، يَعْنِي أَنَّ فِي عَقْدِ الصَّرْفِ تَجُوزُ الْإِقَالَةُ بَعْدَ هَلَاكِهِمَا بِخِلَافِ بَيْعِ الْمُقَابَضَةِ وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ قَالَ : الدَّنَانِيرُ وَالدَّرَاهِمُ يَعْنِي إذَا اشْتَرَيَا عَيْنًا بِنَقْدٍ ثُمَّ تَقَايَلَا فَهَلَكَ الْمَعْقُودُ عَلَيْهِ بَطَلَتْ الْإِقَالَةُ فَإِنْ كَانَ الثَّمَنُ قَائِمًا وَقَدْ قَرَّرْنَا هَذَا الْفَرْقَ

قَالَ : ( وَإِذَا أَسْلَمَ الرَّجُلُ إلَى رَجُلٍ دَرَاهِمَ فِي كُرِّ حِنْطَةٍ فَوَجَدَ فِيهَا دَرَاهِمَ سَتُّوقَةً فَجَاءَ يَرُدُّهَا فَقَالَ : الْمُسْلَمُ إلَيْهِ هَذَا مِنْ نِصْفِ رَأْسِ الْمَالِ وَقَدْ بَطَلَ نِصْفُ السَّلَمِ وَقَالَ : رَبُّ السَّلَمِ بَلْ هُوَ ثُلُثُ رَأْسِ الْمَالِ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُسْلَمِ إلَيْهِ ) لِأَنَّ السَّتُّوقَةَ لَيْسَتْ مِنْ جِنْسِ الدَّرَاهِمِ فَقَدْ عَلِمْنَا أَنَّ الْمُسْلَمَ لَمْ يَتِمَّ فِي جَمِيعِ الْكُرِّ وَحَاصِلُ الِاخْتِلَافِ بَيْنَهُمَا فِي قَبْضِ الْمُسْلَمِ إلَيْهِ مِقْدَارُ حَقِّهِ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ فَرَبُّ السَّلَمِ يَدَّعِي عَلَيْهِ أَنَّهُ قَبَضَ ثُلُثَيْ حَقِّهِ وَالْمُسْلَمُ إلَيْهِ يُنْكِرُ الْقَبْضَ فِيمَا زَادَ عَلَى النِّصْفِ فَكَانَ الْقَوْلُ قَوْلَ الْمُنْكِرِ مَعَ يَمِينِهِ وَعَلَى الْمُدَّعِي أَنْ يُثْبِتَ مَا يَدَّعِيهِ بِالْبَيِّنَةِ وَإِذَا أَسْلَمَ عَشَرَةَ دَرَاهِمَ فِي كُرِّ حِنْطَةٍ فَأَقَامَ رَبُّ السَّلَمِ الْبَيِّنَةَ أَنَّهُمَا تَفَرَّقَا قَبْلَ قَبْضِ الْمُسْلَمِ إلَيْهِ رَأْسَ الْمَالِ وَأَقَامَ الْمُسْلَمُ إلَيْهِ الْبَيِّنَةَ أَنَّهُ قَبَضَ رَأْسَ الْمَالِ قَبْلَ أَنْ يَفْتَرِقَا فَالسَّلَمُ جَائِزٌ وَيُؤْخَذُ بَيِّنَةُ الْمُسْلَمِ إلَيْهِ لِأَنَّهَا تُثْبِتُ الْقَبْضَ فِي الْمَجْلِسِ وَبَيِّنَةُ رَبِّ السَّلَمِ تَنْفِي ذَلِكَ وَالْبَيِّنَاتُ تَتَرَجَّحُ بِالْإِثْبَاتِ وَلَمْ يَذْكُرْ فِي الْكِتَابِ أَنَّهُ لَوْ لَمْ يَكُنْ لَهُمَا بَيِّنَةٌ فَالْقَوْلُ قَوْلُ مِنْ يَكُونُ ؟ وَأُورِدَ هَذَا فِي اخْتِلَافِ زُفَرَ وَيَعْقُوبَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ وَقَالَ : عَلَى قَوْلِ زُفَرَ الْقَوْلُ قَوْلُ مِنْ يَدَّعِي الْقَبْضَ مِنْهُمَا لِأَنَّ الْعَقْدَ لَا يَتِمُّ إلَّا بِقَبْضِ رَأْسِ الْمَالِ فَكَانَ اتِّفَاقُهُمَا عَلَى الْعَقْدِ اتِّفَاقًا مِنْهُمَا عَلَى قَبْضِ رَأْسِ الْمَالِ وَاَلَّذِي يُنْكِرُ الْقَبْضَ فِي حُكْمِ الرَّاجِعِ عَنْ الْإِقْرَارِ وَقَدْ قَرَّرْنَا هَذَا الْمَعْنَى فِي الْأَجَلِ فَكَذَلِكَ فِي قَبْضِ رَأْسِ الْمَالِ وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ الْقَوْلُ قَوْلُ الَّذِي فِي يَدِهِ رَأْسُ الْمَالِ لِأَنَّ الْآخَرَ يَدَّعِي تَمَلُّكَ مَا فِي يَدِهِ عَلَيْهِ وَهُوَ

مُنْكِرٌ وَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُنْكِرِ فَإِنْ كَانَ رَأْسُ الْمَالِ فِي يَدِ رَبِّ السَّلَمِ فَظَاهِرٌ لِأَنَّ الْمُسْلَمَ إلَيْهِ يَدَّعِي أَنَّهُ يَمْلِكُ مَا فِي يَدِهِ بِالْقَبْضِ وَأَنَّهُ غَصَبَهُ مِنْهُ بَعْدَ ذَلِكَ وَإِنْ كَانَ فِي يَدِ الْمُسْلَمِ إلَيْهِ فَرَبُّ السَّلَمِ يَدَّعِي أَنَّهُ غَصَبَهُ مِنْهُ وَالْمُسْلَمُ إلَيْهِ مُنْكِرٌ لِذَلِكَ فَكَانَ الْقَوْلُ قَوْلَ الْمُنْكِرِ لِذَلِكَ فَلَوْ كَانَتْ الدَّرَاهِمُ فِي يَدِ رَبِّ السَّلَمِ بِأَعْيَانِهَا فَقَالَ : الْمُسْلَمُ إلَيْهِ أَوْدَعْتُهَا إيَّاهُ أَوْ غَصَبَهَا بَعْدَ قَبْضِي لَهَا وَقَدْ قَامَتْ الْبَيِّنَةُ بِالْقَبْضِ فَكَانَ الْقَوْلُ قَوْلُهُ وَيُقْضَى لَهُ بِالدَّرَاهِمِ لِأَنَّهُ لَمَّا أَثْبَتَ قَبْضَهُ بِالْبَيِّنَةِ فَقَدْ تَمَّ مِلْكُهُ فِيهَا ثُمَّ ظَهَرَتْ فِي يَدِ غَيْرِهِ بَعْدَ ذَلِكَ فَيُؤْمَرُ بِرَدِّهَا عَلَيْهِ سَوَاءٌ زَعَمَ أَنَّ وُصُولَهَا إلَى يَدِهِ الْوَدِيعَةِ أَوْ بِالْغَصْبِ

وَلَوْ أَسْلَمَ فُلُوسًا فِي طَعَامٍ يَجُوزُ لِأَنَّ هَذَا عَدَدِيٌّ مُتَقَارِبٌ يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ ثَمَنًا فِي بَابِ الْبَيْعِ فَيَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ رَأْسُ الْمَالِ فِي بَابِ السَّلَمِ وَلَا يَجُوزُ فِي الصُّفْرِ رَجُلٌ بَاعَ عَبْدًا أَوْ ثَوْبًا بِشَيْءٍ مِمَّا يُكَالُ أَوْ يُوزَنُ ثُمَّ تَفَرَّقَا قَبْلَ أَنْ يَقْبِضَ الْمُشْتَرِي مَا اشْتَرَى فَالْبَيْعُ جَائِزٌ لِأَنَّهُمَا تَفَرَّقَا عَنْ عَيْنٍ بِدَيْنٍ وَذَلِكَ جَائِزٌ فِي الْبَيْعِ كَمَا لَوْ اشْتَرَى شَيْئًا بِثَمَنٍ مُؤَجَّلٍ وَقَبَضَ الْمُشْتَرِي وَتَفَرَّقَا أَوْ تَفَرَّقَا قَبْلَ قَبْضِ الْمُشْتَرِي وَقَدْ بَيَّنَّا أَنَّ الْقِيَاسَ فِي السَّلَمِ هَكَذَا وَلَكِنَّا تَرَكْنَا الْقِيَاسَ هُنَاكَ لِمُقْتَضَى اسْمِ السَّلَمِ وَإِلَيْهِ أَشَارَ فِي الْفَرْقِ فَقَالَ : لَوْ بَاعَهُ ثَوْبًا بِحِنْطَةٍ وَسَمَّى الْكَيْلَ وَلَمْ يَجْعَلْ لَهُ أَجَلًا كَانَ جَائِزًا وَلَوْ أَسْلَمَ هَذَا الثَّوْبُ فِي كُرِّ حِنْطَةٍ مَوْصُوفَةٍ وَلَمْ يَجْعَلْ لَهُ أَجَلًا كَانَ فَاسِدًا وَمَعْنَى هَذَا الِاسْتِشْهَادِ أَنَّ التَّأْجِيلَ فِي السَّلَمِ فِي الْمُسْلَمِ فِيهِ جُعِلَ شَرْطًا لِتَحَقُّقِ مَعْنَى الِاسْمِ فَكَذَلِكَ التَّعْجِيلُ فِي رَأْسِ الْمَالِ مُقْتَضَى الِاسْمِ بِخِلَافِ الْبَيْعِ وَقَدْ بَيَّنَّا أَنَّ جَوَازَ أَخْذِ الرَّهْنِ بِالْمُسْلَمِ فِيهِ وَإِنْ بِهَلَاكِ الرَّهْنِ يَصِيرُ الْمُرْتَهِنُ مُسْتَوْفِيًا حَقَّهُ مِنْ مَالِيَّةِ الرَّاهِنِ إذَا كَانَ فِيهِ وَفَاءٌ بِحَقِّهِ فَسَقَطَ حَقُّ رَبِّ السَّلَمِ عَنْ الْمُطَالَبَةِ بَعْدَ هَلَاكِ الرَّهْنِ فِي يَدِهِ وَقَدْ بَيَّنَّا أَيْضًا جَوَازَ التَّوْكِيلِ بِدَفْعِ رَأْسِ الْمَالِ وَأَنَّ الْقَبْضَ مِنْ الْوَكِيلِ فِي مَجْلِسِ الْعَقْدِ بِمَنْزِلَةِ الْقَبْضِ مِنْ الْمُوَكِّلِ وَيَسْتَوِي إنْ كَانَ الْوَكِيلُ شَرِيكًا لِرَبِّ السَّلَمِ أَوْ أَجْنَبِيًّا لِأَنَّ أَدَاءَهُ قَامَ مَقَامَ أَدَاءِ الْمُوَكِّلِ بِحُكْمِ الْوَكَالَةِ إذَا قَبَضَ الْمُسْلَمُ إلَيْهِ حَتَّى لَوْ تَبَرَّعَ أَجْنَبِيٌّ بِأَدَاءِ رَأْسِ الْمَالِ وَقَبَضَهُ الْمُسْلَمُ إلَيْهِ قَبْلَ أَنْ يُفَارِقَ رَبَّ السَّلَمِ كَانَ جَائِزًا .

وَإِنْ كَانَ بِالْمُسْلَمِ كَفِيلٌ فَاسْتَوْفَى الْكَفِيلُ السَّلَمَ مِنْ الْمُسْلَمِ إلَيْهِ عَلَى وَجْهِ الِاقْتِضَاءِ ثُمَّ بَاعَهُ وَرَبِحَ فِيهِ فَذَلِكَ حَلَالٌ لَهُ إذَا قَضَى رَبَّ السَّلَمِ طَعَامًا مِثْلَهُ لِأَنَّ عَقْدَ الْكَفَالَةِ كَمَا يُوجِبُ لِرَبِّ السَّلَمِ عَلَى الْكَفِيلِ يُوجِبُ لِلْكَفِيلِ عَلَى الْمُسْلَمِ إلَيْهِ إلَّا أَنَّ مَالَ الْكَفِيلِ عَلَى الْمُسْلَمِ إلَيْهِ مُؤَجَّلٌ إلَى وَقْتِ أَدَائِهِ الطَّعَامَ إلَى رَبِّ السَّلَمِ فَإِذَا اسْتَوْفَى قَبْلَ الْأَجَلِ فَقَدْ اسْتَعْجَلَ دَيْنًا لَهُ مُؤَجَّلًا وَالْمَقْبُوضُ بِهَذَا السَّبَبِ يَمْلِكُ مِلْكًا صَحِيحًا فَإِنَّمَا تَصَرُّفٌ وَرِبْحٌ فِي مِلْكٍ حَلَالٍ لَهُ فَلِهَذَا طَابَ لَهُ الرِّبْحُ وَلَا خِلَافَ فِي هَذَا إذَا تَقَرَّرَ مِلْكُهُ بِأَدَاءِ طَعَامِ السَّلَمِ وَإِنَّمَا الْخِلَافُ فِيمَا إذَا كَانَ السَّلَمُ إلَيْهِ هُوَ الَّذِي قَضَى رَبُّ السَّلَمِ طَعَامَ السَّلَمِ فَإِنَّهُ يَرْجِعُ عَلَى الْكَفِيلِ بِطَعَامٍ مِثْلِ مَا دَفَعَ إلَيْهِ لِأَنَّهُ إنَّمَا أَعْطَاهُ فِي ذَلِكَ لِيَسْقُطَ دَيْنُ رَبِّ السَّلَمِ عَنْهُ بِأَدَائِهِ وَلَمْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَكَانَ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ عَلَيْهِ بِمَا أَدَّى ثُمَّ قَالَ : فِي هَذَا الْكِتَابِ فَمَا رَبِحَ يَطِيبُ لِلْكَفِيلِ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ كَمَا حَكَاهُ عَنْهُمَا فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ وَذُكِرَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ قَالَ : أَحَبُّ إلَيَّ أَنْ يَرُدَّهُ عَلَى الَّذِي قَضَاهُ وَلَا أُجْبِرُهُ عَلَيْهِ فِي الْقَضَاءِ وَفِي كِتَابِ الْكَفَالَةِ قَالَ : لَهُ أَنْ يَتَصَدَّقَ بِالْفَضْلِ وَوَجْهُ تِلْكَ الرِّوَايَةِ أَنَّ الْمُسْلَمَ إلَيْهِ إنَّمَا رَضِيَ بِقَبْضِهِ وَيَمْلِكُهُ بِشَرْطِ أَنْ يُؤَدِّيَ عَنْهُ طَعَامَ السَّلَمِ فَإِذَا لَمْ يَفْعَلْ لَمْ يَتِمَّ رِضَاهُ وَصَارَ هَذَا كَالْمَقْبُوضِ بِغَيْرِ إذْنِهِ فَإِنَّمَا حَصَلَ لَهُ الرِّبْحُ فِيهِ بِسَبَبٍ خَبِيثٍ شَرْعًا وَالسَّبِيلُ فِي الْكَسْبِ الْخَبِيثِ التَّصَدُّقُ وَوَجْهُ رِوَايَةِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ أَنَّ مَعْنَى الْخُبْثِ لَيْسَ فِي مَعْنَى السَّبَبِ بَلْ لِخَلَلٍ فِي رَضَا الْمُسْلَمِ إلَيْهِ فَإِذَا رَدَّهُ

عَلَيْهِ مَعَ الرِّبْحِ انْعَدَمَ الْخُبْثُ فَكَانَ هَذَا أَوْلَى الْوَجْهَيْنِ وَلَكِنْ لَا يَجُوزُ عَلَيْهِ فِي الْقَضَاءِ لِأَنَّ الْمُتَصَرِّفَ إنَّمَا رَبِحَ عَلَى مِلْكِ نَصِيبِهِ وَوَجْهُ رِوَايَةِ هَذَا الْكِتَابِ أَنَّ الْمَقْبُوضَ كَانَ مَمْلُوكًا لَهُ مِلْكًا صَحِيحًا وَكَانَ التَّصَرُّفُ فِيهِ مُطْلَقًا لَهُ شَرْعًا فَالرِّبْحُ الْحَاصِلُ بِهِ يَكُونُ حَلَالًا أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ أَدَّى طَعَامَ السَّلَمِ كَانَ الرِّبْحُ طَيِّبًا لَهُ فَإِذَا لَمْ يُؤَدِّ فَإِنَّمَا يَثْبُتُ حَقُّ الرُّجُوعِ لِلْمُسْلِمِ إلَيْهِ عَلَى الْكَفِيلِ يَكُنْ فِي ذِمَّتِهِ وَبَانَ لِحَقِّهِ دَيْنٌ لَا يَتَمَكَّنُ فِيهِ خُبْثٌ فِيمَا حَصَلَ لَهُ مِنْ الْكَسْبِ كَمَا إذَا وَجَبَ عَلَيْهِ دَيْنٌ آخَرُ بِسَبَبٍ آخَرَ هَذَا إذَا قَبَضَهُ الْكَفِيلُ عَلَى وَجْهِ الِاقْتِضَاءِ فَأَمَّا إذَا قَبَضَهُ عَلَى وَجْهِ الرِّسَالَةِ بِأَنْ يُسْلِمَ إلَيْهِ الْمُسْلَمُ إلَيْهِ طَعَامَ السَّلَمِ لِيَكُونَ رَسُولَهُ فِي تَبْلِيغِهِ إلَى رَبِّ السَّلَمِ فَتَصَرَّفَ فِيهِ وَرَبِحَ فَالرِّبْحُ لَا يَطِيبُ لَهُ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ وَيَطِيبُ لَهُ فِي قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ لِأَنَّهُ أَمِينٌ فِيمَا قَبَضَهُ عَلَى وَجْهِ الرِّسَالَةِ كَالْمُودَعِ وَقَدْ بَيَّنَّا الْخِلَافَ فِي الْمُودَعِ إذَا تَصَرَّفَ فِي الْوَدِيعَةِ وَرَبِحَ فِي كِتَابِ الْوَدِيعَةِ وَإِنْ قَضَى الْكَفِيلُ السَّلَمَ مِنْ مَالِ قَبْلَ أَنْ يَقْبِضَهُ مِنْ الْمَكْفُولِ عَنْهُ ثُمَّ صَالَحَ الْمَكْفُولُ عَنْهُ عَلَى دَرَاهِمَ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا يُكَالُ أَوْ يُوزَنُ أَوْ عَلَى عُرُوضٍ أَوْ حَيَوَانٍ فَهُوَ جَائِزٌ وَلَا يَكُونُ اسْتِبْدَالًا لِأَنَّ الْكَفِيلَ هُنَا مُقْرِضٌ مَعْنَاهُ أَنَّ مَا يَرْجِعُ بِهِ الْكَفِيلُ عَلَى الْمُسْلَمِ إلَيْهِ لَا يَكُونُ مُسْلَمًا فِيهِ لِأَنَّ الْمُسْلَمَ فِيهِ مَا يَجِبُ بِعَقْدِ السَّلَمِ وَوُجُوبُ هَذَا بِعَقْدِ الْكَفَالَةِ ثُمَّ الْكَفَالَةُ تُوجِبُ طَعَامَ السَّلَمِ عَلَى الْكَفِيلِ لَا لِلْكَفِيلِ فَعَرَفْنَا أَنَّهُ دَيْنٌ آخَرُ بِمَنْزِلَةِ سَائِرِ الدُّيُونِ فَلَمْ يَكُنْ اسْتِبْدَالًا وَلِأَنَّهُ يَصِيرُ كَالْمُقْرِضِ لِمَا أَدَّى مِنْ

الْمُسْلَمِ إلَيْهِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ قَرْضًا عَلَى الْحَقِيقَةِ حَتَّى لَوْ أَجَّلَ الْمَكْفُولُ عَنْهُ فِيهِ لَزِمَهُ الْأَجَلُ وَالْأَجَلُ فِي بَدَلِ الْقَرْضِ لَا يَلْزَمُ فَعَرَفْنَا أَنَّ مُرَادَهُ أَنَّهُ دَيْنٌ آخَرُ سِوَى السَّلَمِ فَيَجُوزُ الِاسْتِبْدَالُ بِهِ قَبْلَ الْقَبْضِ وَإِنْ أَكْفَلَ رَجُلٌ لِرَبِّ السَّلَمِ بِرَأْسِ مَالِهِ قَبْلَ أَنْ يُتَرَادَّا فَالْكَفَالَةُ بَاطِلَةٌ لِأَنَّ الْكَفَالَةَ بِمَا هُوَ وَاجِبٌ فِي ذِمَّةِ الْأَصِيلِ وَقِيلَ الْإِقَالَةُ الْوَاجِبُ فِي ذِمَّةِ الْأَصِيلِ لِرَبِّ السَّلَمِ الْمُسْلَمُ فِيهِ لَا رَأْسُ الْمَالِ وَإِنَّمَا كَفَلَ بِمَا لَيْسَ بِوَاجِبٍ لَهُ وَلَمْ يُضِفْ الْكَفَالَةَ إلَى سَبَبِ الْوُجُوبِ فَكَانَ بَاطِلًا بِخِلَافِ مَا لَوْ قَالَ : إذَا تَقَايَلْتُمَا الْعَقْدَ فَأَنَا كَفِيلُ بِرَأْسِ الْمَالِ لَكَ وَلِأَنَّ رَأْسَ الْمَالِ قَبْلَ الْإِقَالَةِ حَقُّ الْمُسْلَمِ إلَيْهِ فَإِنَّمَا كَفَلَ عَنْهُ بِمَا هُوَ حَقُّهُ وَذَلِكَ لَيْسَ مِنْ مَوْضُوعِ الْكَفَالَةِ فِي شَيْءٍ .

قَالَ : ( وَإِذَا أَسْلَمَ الرَّجُلُ فِي بَعْضِ الْأَدْهَانِ الْمُرَبَّى بِالْبَنَفْسَجِ وَالزِّئْبَقِ وَالْحِنَّا وَغَيْرَهُ يَجُوزُ ) لِأَنَّهُ مَوْزُونٌ مَضْبُوطٌ بِالْوَصْفِ مَقْدُورُ التَّسْلِيمِ ، مِنْ أَصْحَابِنَا رَحِمَهُمُ اللَّهُ مِنْ قَالَ : هَذَا يَجُوزُ فِي الدُّهْنِ الصَّافِي أَمَّا الْمُرَبَّى بِالْبَنَفْسَجِ وَغَيْرِهِ فَلَا لِأَنَّ الْمُرَبَّى يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ مَا يُرَى بِهِ مِنْ الْأَدْوِيَةِ وَالرَّيَاحِينِ وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ يَجُوزُ لِأَنَّهُ يُمْكِنُ إعْلَامُهُ بِإِعْلَامِ قَدْرِ مَا يُؤَدَّى بِهِ .
قَالَ : ( وَكُلُّ شَيْءٍ وَقَعَ عَلَيْهِ كَيْلُ الرِّطْلِ فَهُوَ مَوْزُونٌ يُرِيدُ بِهِ الْأَدْهَانَ وَنَحْوَهَا ) لِأَنَّ الرِّطْلَ إنَّمَا يَعْدِلُ بِالْوَزْنِ إلَّا أَنَّهُ يَشُقُّ عَلَيْهِمْ وَزْنُ الدُّهْنِ بِالْأَمْنَاءِ وَالسَّنَجَاتِ فِي كُلِّ وَقْتٍ لِأَنَّهُ لَا يَتَمَسَّكُ إلَّا فِي وِعَاءٍ وَفِي وَزْنٍ كُلُّ وِعَاءٍ نَوْعُ حَرَجٍ فَاتُّخِذَ الرِّطْلُ لِذَلِكَ تَيْسِيرًا فَعَرَفْنَا أَنَّ مَا يَقَعُ عَلَيْهِ كَيْلُ الرِّطْلُ فَهُوَ مَوْزُونٌ فَيَجُوزُ السَّلَمُ فِيهِ بِذِكْرِ الْوَزْنِ

وَإِذَا أَسْلَمَ النَّصْرَانِيُّ إلَى النَّصْرَانِيِّ فِي خَمْرٍ بِكَيْلٍ مَعْلُومٍ فَهُوَ جَائِزٌ وَهَذَا عِنْدَنَا بِنَاءً عَلَى الْأَصْلِ الَّذِي بَيَّنَّا فِي كِتَابِ الْغَصْبِ أَنَّ الْخَمْرَ مَالٌ مُتَقَوِّمٌ فِي حَقِّهِمْ بِمَنْزِلَةِ الْخَلِّ وَالْعَصِيرِ فِي حَقِّنَا فَيَجُوزُ السَّلَمُ فِيمَا بَيْنَهُمْ بِذِكْرِ الْكَيْلِ وَالْوَزْنِ وَإِنْ أَسْلَمَ أَحَدُهُمَا قَبْلَ قَبْضِ خَمْرِ السَّلَمِ بَطَلَ السَّلَمُ وَرَدَّ الْمُسْلَمُ إلَيْهِ رَأْسَ الْمَالِ لِأَنَّ الْإِسْلَامَ وَجَدَ الْخَمْرَ مَمْلُوكَةً بِالْعَقْدِ غَيْرَ مَقْبُوضَةٍ فَيَجْعَلُ وُجُودَ إسْلَامِ أَحَدِهِمَا عِنْدَ الْقَبْضِ كَوُجُودِهِ عِنْدَ الْعَقْدِ وَهَذَا لِأَنَّ قَبْضَ الْمُسْلَمِ فِيهِ قَبْضُ تَمَلُّكٍ فَإِنَّهُ بِعَقْدِ السَّلَمِ مِلْكُ الْمُسْلَمِ فِيهِ دَيْنًا وَإِنَّمَا يَتَعَيَّنُ مِلْكُهُ بِالْقَبْضِ فَإِنْ كَانَ رَبُّ السَّلَمِ هُوَ الَّذِي أَسْلَمَ فَالْمُسْلِمُ لَا يَمْلِكُ الْخَمْرَ بِحُكْمِ عَقَدِهِ فَإِنْ كَانَ الْمُسْلَمُ إلَيْهِ هُوَ الَّذِي أَسْلَمَ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَمْلِكَ الْخَمْرَ مِنْ غَيْرِهِ بِعَقْدٍ فَعَلِمْنَا أَنَّهُ تَحَقَّقَ فَوَاتُ قَبْضِ الْمُسْلَمِ فِيهِ وَذَلِكَ مُبْطِلٌ لِلْعَقْدِ فَإِنَّ الْمُسْلَمَ فِيهِ مَبِيعٌ وَمَتَى تَحَقَّقَ فَوَاتُ قَبْضِ الْمَبِيعِ بَطَلَ الْبَيْعُ كَمَا إذَا تَحَقَّقَ ذَلِكَ بِالْهَلَاكِ فِي بَيْعِ الْعَيْنِ وَإِنْ كَانَ قَبَضَ بَعْضَهُ بَطَلَ مَا بَقِيَ وَجَازَ مَا قَبَضَ لِأَنَّ مِلْكَهُ تَمَّ فِي الْمَقْبُوضِ فَبِإِسْلَامِهِ بَعْدَ ذَلِكَ لَا يَبْطُلُ وَلَكِنَّ إسْلَامَهُ يَمْنَعُ مِنْ قَبْضِ مَا بَقِيَ فَيَبْطُلُ الْعَقْدُ فِيهِ لِفَوَاتِ الْقَبْضِ وَهَذَا لِأَنَّ السَّبَبَ الطَّارِئَ يُلَاقِي الْمُنْتَهِي بِالْعَفْوِ عَنْهُ وَالْقَائِمَ بِالرَّدِّ قَالَ : اللَّهُ تَعَالَى { وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنْ الرِّبَا إنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ } فَبِنُزُولِ حُكْمِ الرِّبَا إنَّمَا لَزِمَهُمْ تَرْكُ مَا لَمْ يَقْبِضُوا لَا رَدُّ مَا قَبَضُوا مِنْهُ فَهَذَا مِثْلُهُ ثُمَّ النَّصْرَانِيُّ وَالْمُسْلِمُ فِي حُكْمِ السَّلَمِ سَوَاءٌ مَا خَلَا الْخَمْرَ حَتَّى لَا يَجُوزَ السَّلَمُ بَيْنَهُمْ فِي الْمُنْقَطِعِ لِأَنَّ فَسَادَ ذَلِكَ

فِيمَا بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ لِعَجْزِ الْعَاقِدِ عَنْ تَسْلِيمِ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ وَهُوَ فِي ذَلِكَ كَالْمُسْلِمِينَ وَالسَّلَمُ بَيْنَهُمْ فِي الْخِنْزِيرِ لَا يَجُوزُ بِمَنْزِلَةِ السَّلَمِ فِي الشَّاةِ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ لِأَنَّ امْتِنَاعَ جَوَازُ السَّلَمِ فِي الْحَيَوَانِ لِمَعْنَى الْجَهَالَةِ وَهُمْ يَسْتَوُونَ فِي ذَلِكَ بِالْمُسْلِمِينَ

وَإِذَا أَسْلَمَ فِي طَعَامٍ جَيِّدٍ مِنْ طَعَامِ الْعِرَاقِ أَوْ الشَّامِ فَهُوَ جَائِزٌ بِخِلَافِ مَا لَوْ أَسْلَمَ فِي طَعَامِ قَرْيَةٍ أَوْ قَرَاحٍ بِعَيْنِهِ لِأَنَّ ذَلِكَ يُتَوَهَّمُ انْقِطَاعُهُ بِآفَةِ فَأَمَّا طَعَامُ وِلَايَةٍ كَالْعِرَاقِ وَالشَّامِ لَا يُتَوَهَّمُ انْقِطَاعُهُ عُرْفًا بِآفَةٍ فَإِنَّمَا أَسْلَمَ فِيمَا هُوَ مَقْدُورُ التَّسْلِيمِ وَقْتَ وُجُوبِ التَّسْلِيمِ .

وَلَا بَأْسَ بِالسَّلَمِ فِي الصُّوفِ وَزْنًا لِأَنَّهُ مَوْزُونٌ مَعْلُومٌ فِي نَفْسِهِ وَإِنْ اشْتَرَى كَذَا جَزَّةً بِغَيْرِ وَزْنٍ لَمْ يَجُزْ لِلْجَهَالَةِ لِأَنَّ مِقْدَارَ الصُّوفِ فِي كُلِّ جَزَّةٍ غَيْرُ مَعْلُومٍ وَذَلِكَ يَتَفَاوَتُ عَلَى وَجْهٍ يُفْضِي إلَى الْمُنَازَعَةِ بَيْنَهُمَا وَإِنْ أَسْلَمَ فِي صُوفِ غَنَمٍ بِعَيْنِهَا لَمْ يَجُزْ لِأَنَّ ذَلِكَ يُتَوَهَّمُ انْقِطَاعُهُ بِالْهَلَاكِ وَلِأَنَّ تَعَيُّنَ مَحِلِّ الْمُسْلَمِ فِيهِ كَتَعَيُّنِ الْمُسْلَمِ فِيهِ وَلِأَنَّهُ لَوْ بَاعَ الصُّوفَ الَّذِي عَلَى ظَهَرِ الشَّاةِ بِعَيْنِهِ لَا يَجُوزُ فَكَذَلِكَ إذَا أَسْلَمَ فِيهِ وَكَذَلِكَ أَلْبَانُهَا وَسُمُونُهَا لَمَا بَيَّنَّا وَلِأَنَّ هَذِهِ الْأَعْيَانَ مَا دَامَتْ مُتَّصِلَةً بِالْحَيَوَانِ فَهِيَ وَصْفٌ لِلْحَيَوَانِ وَلَا تَثْبُتُ فِيهَا الْمَالِيَّةُ مَقْصُودًا إلَّا بَعْدَ الِانْفِصَالِ فَلَا تَكُونُ قَابِلَةً لِلْعَقْدِ مَقْصُودًا وَكَذَلِكَ إنْ أَسْلَمَ فِي سَمْنٍ حَدِيثٍ أَوْ زَيْتٍ حَدِيثٍ فِي غَيْرِ حِينِهِ وَجَعَلَ أَجَلَهُ فِي حِينِهِ فَلَا خَيْرَ فِيهِ لِأَنَّهُ مُنْقَطِعٌ فِي الْحَالِ مِنْ أَيْدِي النَّاسِ وَكَذَلِكَ لَا خَيْرَ فِي السَّلَمِ فِي الْحِنْطَةِ الْحَدِيثَةِ لِأَنَّهَا الْيَوْمَ مُنْقَطِعَةٌ عَنْ أَيْدِي النَّاسِ وَلَا يُدْرَى أَيَكُونُ فِي تِلْكَ السَّنَةِ أَمْ لَا فَلَا يَكُونُ مَقْدُورُ التَّسْلِيمِ لَهُ وَبِدُونِ قُدْرَةِ التَّسْلِيمِ لَا يَجُوزُ الْعَقْدُ

قَالَ : ( وَإِذَا أَسْلَمَ فِي حِنْطَةٍ مِنْ حِنْطَةِ هَرَاةَ خَاصَّةً وَهِيَ تَنْقَطِعُ مِنْ أَيْدِي النَّاسِ فَلَا خَيْرَ فِيهِ ) كَمَا لَوْ أَسْلَمَ فِي طَعَامٍ قَرَاحٍ بِعَيْنِهِ قِيلَ لَمْ يُرِدْ بِهَذَا هَرَاةَ خُرَاسَانَ وَإِنَّمَا مُرَادُهُ قَرْيَةٌ مِنْ الْعِرَاقِ تُسَمَّى هَرَاةَ وَتِلْكَ الْقَرْيَةُ يُتَوَهَّمُ أَنْ يُصِيبَهَا آفَةٌ فَأَمَّا هَرَاةُ خُرَاسَانَ لَا يُتَوَهَّمُ انْقِطَاعُ طَعَامِهَا فَهُوَ وَالسَّلَمُ فِي طَعَامِ الْعِرَاقِ سَوَاءٌ .

ثُمَّ قَالَ : ( وَإِنْ أَسْلَمَ فِي ثَوْبٍ هَرَوِيٍّ فَلَا بَأْسَ بِهِ ) مِنْ أَصْحَابِنَا رَحِمَهُمُ اللَّهُ مَنْ يَقُولُ لِأَنَّ الثَّوْبَ الْهَرَوِيَّ لَا يُتَوَهَّمُ انْقِطَاعُهُ بِخِلَافِ الطَّعَامِ فَالْمُرَادُ قَدْ يَسْتَأْصِلُ طَعَامَ هَرَاةَ وَلَا يَسْتَأْصِلُ حَرَكَةَ هَرَاةَ وَهَذَا ضَعِيفٌ قَالُوا قَدْ يَسْتَأْصِلُ حَرَكَةَ هَرَاةَ أَيْضًا وَلَكِنَّ الْمَعْنَى الصَّحِيحَ فِي الْفَرْقِ أَنَّ نِسْبَةَ الثَّوْبِ إلَى هَرَاةَ لِبَيَانِ جِنْسِ الْمُسْلَمِ فِيهِ لَا لِتَعَيُّنِ الْمَكَانِ فَإِنَّ الثَّوْبَ الْهَرَوِيَّ مَا يُنْسَجُ عَلَى صِفَةٍ مَعْلُومَةٍ فَسَوَاءٌ نُسِجَ عَلَى تِلْكَ الصِّفَةِ بِهَرَاةَ أَوْ بِغَيْرِ هَرَاةَ يُسَمَّى هَرَوِيًّا بِمَنْزِلَةِ الزِّنْدِيجِيِّ وَالْوَذَارِيِّ وَإِلَى هَذَا أَشَارَ فِي الْكِتَابِ فَقَالَ : الثَّوْبُ الْهَرَوِيُّ مِنْ الثِّيَابِ بِمَنْزِلَةِ الْحِنْطَةِ مِنْ الْحُبُوبِ يَعْنِي بِهَذَا بَيَانَ الْجِنْسِ بِخِلَافِ الْحِنْطَةِ فَإِنَّ حِنْطَةَ هَرَاةَ مَا تَنْبُتُ بِأَرْضِ هَرَاةَ حَتَّى أَنَّ النَّابِتَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ لَا يُنْسَبُ إلَى هَرَاةَ وَإِنْ كَانَ بِتِلْكَ الصِّفَةِ فَكَانَ هَذَا تَعْيِينًا مِنْهُ لِلْمَكَانِ وَلِذَلِكَ يُتَوَهَّمُ انْقِطَاعُهُ وَقَالَ : مَشَايِخُنَا رَحِمَهُمُ اللَّهُ إنَّ نَسَبَ الطَّعَامِ إلَى مَوْضِعٍ يُعْلَمُ أَنَّ مُرَادَهُ بِذَلِكَ بَيَانُ الصِّفَةِ فَذَلِكَ لَا يُفْسِدُ السَّلَمَ كَالْحُمْرَانِيِّ سَحَارِيٍّ فَإِنَّهُ يَذْكُرُ ذَلِكَ لِبَيَانِ صِفَةِ جَوْدَةِ الْحِنْطَةِ فَلَا يَخْتَصُّ بِهِ مَا يَثْبُتُ فِي تِلْكَ الْقَرْيَةِ فَكَأَنَّهُ قَالَ : فِي حِنْطَةٍ جَيِّدَةٍ وَوَقَعَ فِي الْأَصْلِ وَالثَّوْبِ الْهَرَوِيِّ لَا يَصْنَعُ بِغَيْرِ تِلْكَ الْبِلَادِ وَهُوَ غَلَطٌ بَلْ الصَّحِيحُ أَنَّ الثَّوْبَ الْهَرَوِيَّ يُصْنَعُ فِي غَيْرِ تِلْكَ الْبِلَادِ وَعَلَى مَا بَيَّنَّا أَنَّهُ اسْمٌ لِلْمَنْسُوجِ بِصِفَةِ فَيُسَمَّى بِهِ وَإِنْ نُسِجَ فِي غَيْرِ هَرَاةَ

قَالَ : ( وَلَا بَأْسَ بِالسَّلَمِ فِي الْبَوَادِي وَالْحَصِيرِ إذَا وُصِفَ الطُّولُ وَالْعَرْضُ وَالصِّفَةُ ) لِأَنَّهُ مَذْرُوعٌ مَعْلُومٌ كَالثِّيَابِ فَالْحَصِيرُ مَا يُتَّخَذُ مِنْ الْبَرْدِيِّ وَالْحَشِيشِ وَالْبُورِيَا مَا يُتَّخَذُ مِنْ الْقَصَبِ وَلَا بَأْسَ بِالسَّلَمِ فِي نَصْلِ السَّيْفِ إذَا كَانَ مَعْلُومَ الطُّولِ وَالْعَرْضِ وَالصِّفَةِ لِأَنَّ ذَلِكَ لَا يَتَفَاوَتُ فِي الْمَالِيَّةِ بَعْدَ بَيَانِ نَوْعِ الْحَدِيدِ الْأَشْيَاءِ يَسِيرًا وَذَلِكَ غَيْرُ مُعْتَبَرٌ كَمَا فِي الثِّيَابِ وَالْجَيِّدِ مِنْ الطَّعَامِ

وَلَا خَيْرَ فِي السَّلَمِ فِي الطَّلْعِ وَهُوَ اسْمٌ لِأَوَّلِ مَا يَبْدُو مِنْ النَّخِيلِ قِيلَ هُوَ شَيْءٌ أَحْمَرُ مِثْلُ لِسَانِ الْبَقَرِ يَبْدُو مِنْ النَّخْلِ ثُمَّ يَخْرُجُ التَّمْرُ مِنْهُ وَقَدْ يُقْطَعُ ذَلِكَ فَيُؤْكَلُ كَمَا هُوَ أَوْ يُطْبَخُ مِنْهُ الْمَرَقَةُ لِحُمُوضَةٍ فِيهِ وَهُوَ عَدَدِيٌّ مُتَفَاوِتٌ يَخْتَلِفُ فِيهِ الصَّغِيرُ وَالْكَبِيرُ وَتَتَفَاوَتُ آحَادُهُ فِي الْمَالِيَّةِ فَلَا يَجُوزُ السَّلَمُ فِيهِ كَذَلِكَ

قَالَ : ( وَلَا يَجُوزُ لِلشَّرِيكَيْنِ قِسْمَةُ السَّلَمِ وَغَيْرِهِ مِنْ الدُّيُونِ قَبْلَ الْقَبْضِ ) لِأَنَّ الْقِسْمَةَ لِلْحِيَازَةِ وَذَلِكَ بِأَنْ يَجْعَلَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا نُصِيبَهُ فِي حَيِّزِهِ وَفِي الدَّيْنِ لَا يَتَحَقَّقُ ذَلِكَ ثُمَّ الْقِسْمَةُ لِتَوْفِيرِ الْمَنْفَعَةِ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فِي نَصِيبِهِ وَقَطْعِ الِانْتِفَاعِ عَنْ نَصِيبِهِ وَذَلِكَ لَا يَتَحَقَّقُ فِي الدَّيْنِ قَبْلَ الْقَبْضِ فَإِذَا كَانَ الشَّرْطُ فِي عَقْدِ السَّلَمِ أَنْ يُوفِيَهُ فِي مَكَانِ كَذَا فَقَالَ : الْمُسْلَمُ إلَيْهِ خُذْهُ فِي مَكَان آخَرَ وَخُذْ مِنِّي الْكُرَّ إلَى ذَلِكَ الْمَكَانِ فَقَبَضَهُ كَانَ قَبْضُهُ جَائِزًا لِأَنَّهُ أَخَذَ حَقَّهُ وَلَا يَجُوزُ أَخْذُ الْكِرَا إلَّا أَنَّهُ يَمْلِكُ الْمَقْبُوضَ بِقَبْضِهِ وَإِنَّمَا يَحْمِلُ مِلْكَ نَفْسِهِ وَالْإِنْسَانُ فِي حَمْلِ مِلْكِ نَفْسِهِ لَا يَسْتَوْجِبُ الْأَجْرَ عَلَى الْغَيْرِ وَإِنَّمَا يَسْتَوْجِبُ الْأَجْرَ عَلَى الْغَيْرِ بِعَمَلٍ يُعْمَلُ لِلْغَيْرِ لَا لِنَفْسِهِ فَعَلَيْهِ رَدُّ مَا أَخَذَ مِنْ الْكِرَا وَهُوَ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ رَضِيَ بِقَبْضِهِ وَإِنْ شَاءَ يَرُدُّهُ حَتَّى يُوفِيَهُ فِي الْمَكَانِ الَّذِي شَرَطَ لِأَنَّهُ إنَّمَا رَضِيَ بِقَبْضِهِ فِي غَيْرِ ذَلِكَ الْمَكَانِ بِشَرْطِ أَنْ يُسْلِمَ لَهُ الْكِرَا فَإِذَا لَمْ يُسْلِمْ لَا يَكُونُ رَاضِيًا بِهِ وَبِدُونِ رِضَاهُ لَا يَسْقُطُ مَا كَانَ مُسْتَحَقًّا لَهُ وَهُوَ الْمُطَالَبَةُ بِالْإِيفَاءِ فِي الْمَكَانِ الْمَشْرُوطِ فَإِنَّ هَلَكَ الْمَقْبُوضُ فِي يَدِهِ فَلَا شَيْءَ لَهُ لِأَنَّهُ تَمَّ قَبْضُهُ لِلْمُسْلَمِ فِيهِ وَإِنَّمَا كَانَ الْبَاقِي لَهُ مُجَرَّدُ خِيَارٍ وَقَدْ سَقَطَ ذَلِكَ بِهَلَاكِ الْمَقْبُوضِ فِي يَدِهِ وَالْخِيَارُ لَيْسَ بِمَالٍ فَلَا يَسْتَوْجِبُ حَقَّ الرُّجُوعِ بِشَيْءٍ عِنْدَ سُقُوطِ خِيَارِهِ

قَالَ : ( وَلَا خَيْرَ فِي أَنْ يُسْلِمَ الْعُرُوضَ فِي تُرَابِ الْمَعْدِنِ وَلَا فِي تُرَابِ الصَّوَّاغِينَ ) لِأَنَّ عَيْنَ التُّرَابِ غَيْرُ مَقْصُودٍ بَلْ مَا فِيهِ مِنْ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَقَدْ بَيَّنَّا أَنَّ السَّلَمَ فِي الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ لَا يَجُوزُ وَلِأَنَّ بِذِكْرِ وَزْنِ التُّرَابِ لَا يَصِيرُ مَا هُوَ الْمَقْصُودُ مَعْلُومًا وَقَدْ يَخْلُو بَعْضُ التُّرَابِ مِنْهُ وَقَدْ يَقِلُّ فِيهِ وَقَدْ يَكْثُرُ فَعَرَفْنَا أَنَّمَا هُوَ الْمَقْصُودُ مَجْهُولٌ جَهَالَةً لَا تَقْبَلُ الْإِعْلَامَ فَكَانَ الْعَقْدُ بَاطِلًا لِذَلِكَ .

وَلَا بَأْسَ بِأَنْ يُسْلِمَ الْحِنْطَةَ وَمَا أَشْبَهَهَا فِيمَا يُوزَنُ أَوْ يُكَالُ بِالرِّطْلِ لِمَا بَيَّنَّا أَنَّ مَا يُكَالُ بِالرِّطْلِ فَهُوَ مَوْزُونٌ وَاسِلَامُ الْمَكِيلِ فِي مَوْزُونٍ هُوَ مَبِيعٌ جَائِزٌ لِأَنَّهُ لَا يَجْتَمِعُ فِي الْبَدَلَيْنِ أَحَدُ الْوَصْفَيْنِ وَهُوَ الْجِنْسِيَّةُ وَالْقَدْرُ الْوَاحِدُ وَإِذَا اخْتَلَفَ النَّوْعَانِ مِمَّا يُكَالُ فَلَا بَأْسَ بِهِ اثْنَانِ بِوَاحِدٍ يَدًا بِيَدٍ وَلَا خَيْرَ فِيهِ نَسِيئَةً وَكَذَلِكَ الْمَوْزُونَاتُ وَقَدْ بَيَّنَّا هَذِهِ الْفُصُولَ فِي أَوَّلِ الْكِتَابِ

وَلَا بَأْسَ بِالْبَنَفْسَجِ بِالْحِنَّا وَالزِّئْبَقِ وَالْوَرْدِ رِطْلَيْنِ بِرِطْلٍ فَإِنَّ الْأَدْهَانَ أَجْنَاسٌ مُخْتَلِفَةٌ عِنْدَنَا وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ مَا اتَّحَدَ أَصْلُهُ مِنْهَا جِنْسٌ وَاحِدٌ وَفِيمَا اخْتَلَفَ أَصْلُهُ لَهُ قَوْلَانِ لِأَنَّ الِاسْمَ وَالْهَيْئَةَ وَاحِدٌ وَإِنَّمَا اخْتَلَفَ فِيهَا الرَّائِجَةُ وَبِاخْتِلَافِ الرَّائِجَةِ لَا يَخْتَلِفُ الْجِنْسُ كَالْمُنْتِنِ مِنْ اللَّحْمِ مَعَ غَيْرِ الْمُنْتِنِ وَلَكِنَّا نَقُولُ بِمَا حَلَّ بِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِنْ الصِّفَةِ اخْتَلَفَ الْأَصْلُ وَالْمَقْصُودُ وَمَنْعُ عَوْدِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا إلَى مِثْلِ حَالِ صَاحِبِهِ فَيَخْتَلِفُ الْجِنْسُ كَالثِّيَابِ وَالْوَذَارِيِّ مَعَ الزِّنْدِيجِيِّ جِنْسَانِ مَعَ اتِّحَادِ الْأَصْلِ لِاخْتِلَافِ الْمَقْصُودِ وَعَلَى هَذَا الزُّبْدُ مَعَ السَّمْنِ وَكَذَلِكَ الزَّيْتُ الْمَطْبُوخُ مَعَ غَيْرِ الْمَطْبُوخِ وَالدُّهْنُ الْمُرَبَّى بِالْبَنَفْسَجِ مَعَ غَيْرِ الْمُرَبَّى يَجُوزُ بَيْعُ رِطْلٍ مِنْ الْمَطْبُوخِ وَالْمُرَبَّى بِرِطْلَيْنِ مِنْ غَيْرِ الْمَطْبُوخِ وَغَيْرِ الْمُرَبَّى لِأَنَّ تِلْكَ الرَّائِجَةَ بِمَنْزِلَةِ زِيَادَةٍ فِي عَيْنِهَا فَكَأَنَّهُ بَاعَ رِطْلًا مِنْ زَيْتٍ وَبَقْلِهِ بِرِطْلَيْنِ مِنْ زَيْتٍ فَيَكُونُ الْمِثْلُ بِالْمِثْلِ وَالْبَاقِي بِإِزَاءِ الزِّيَادَةِ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ قَالَ : هَذَا إذَا كَانَ الْمَطْبُوخُ يُنْتَقَصُ إذَا ذَهَبَتْ تِلْكَ الرَّائِجَةُ مِنْهُ فَإِنْ كَانَ لَا يُنْتَقَصُ فَقَدْ عَرَفْنَا أَنَّهُ لَيْسَ بِزِيَادَةٍ فِي الْعَيْنِ فَلَا يَجُوزُ بَيْعُهُ بِغَيْرِ الْمَطْبُوخِ إلَّا رِطْلًا بِرِطْلٍ بِخِلَافِ الْمُرَبَّى بِالْبَنَفْسَجِ مَعَ الْمُرَبَّى بِالْيَاسَمِينِ فَهُنَاكَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا لَا يَصِيرُ مِثْلَ صَاحِبِهِ بِحَالٍ وَهُنَا غَيْرُ الْمَطْبُوخِ مِنْ الزَّيْتِ يُطْبَخُ فَيَكُونُ مِثْلَ الْمَطْبُوخِ فَتُعْتَبَرُ الْمُمَاثَلَةُ بِاعْتِبَارِ الْمَالِ

وَعَلَى هَذَا الْأَلْبَانُ فَإِنَّهَا أَجْنَاسٌ عِنْدَنَا وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ الْكُلُّ جِنْسٌ وَاحِدٌ لَبَنُ الْإِبِلِ وَالْبَقَرِ وَالْغَنَمِ لِاتِّفَاقِ الِاسْمِ وَالْهَيْئَةِ وَتَقَارُبِ الْمَقْصُودِ وَلَكِنَّا نَقُولُ أُصُولُهَا أَجْنَاسٌ وَاللَّبَنُ يَتَوَلَّدُ مِنْ الْعَيْنِ كَالْوَلَدِ فَكَانَ اخْتِلَافُ جِنْسِ الْأَصْلِ دَلِيلًا عَلَى اخْتِلَافِ أَجْنَاسِهَا وَلَا تَقَارُبَ فِي الْمَقْصُودِ أَيْضًا فَإِنَّ مَقْصُودَ الْمَسْلَى يَحْصُلُ بِلَبَنِ الْبَقَرِ دُونَ لَبَنِ الْإِبِلِ حَتَّى إنَّ مَا يَكُونُ أَصْلُهُ جِنْسًا وَاحِدًا كَالْبَقَرِ مَعَ الْجَوَامِيسِ وَالْعِرَابِ مَعَ الْبَخَاتِيِّ وَالْمَعْزِ مَعَ الضَّأْنِ فَلَبَنُهُمَا جِنْسٌ وَاحِدٌ وَدَلِيلُ اتِّحَادِ جِنْسِ الْأَصْلِ تَكْمِيلُ نِصَابِ الْبَعْضِ بِالْبَعْضِ فِي بَابِ الزَّكَاةِ وَكَذَلِكَ اللُّحُومُ أَجْنَاسٌ مُخْتَلِفَةٌ عِنْدَنَا وَلِلشَّافِعِيِّ قَوْلَانِ فِي أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ يَقُولُ كَذَلِكَ لِاخْتِلَافِ الْهَيْئَةِ هُنَا أَلَا تَرَى أَنَّهُ يُمْكِنُ تَمْيِيزُ الْبَعْضِ عَنْ الْبَعْضِ بِرُؤْيَةِ الْأَعْيَانِ بِخِلَافِ الْأَدْهَانِ وَالْأَلْبَانِ وَفِي الْقَوْلِ الْآخَرِ يَقُولُ الْكُلُّ جِنْسٌ وَاحِدٌ لِاتِّفَاقِ اسْمِ الْعَيْنِ وَهُوَ اللَّحْمُ وَتَقَارُبِ الْمَقْصُودِ مِنْهَا فَإِنَّ كُلَّهَا يَصْلُحُ لِمَا هُوَ الْمَقْصُودُ وَهُوَ اتِّخَاذُ الْمَرَقَةِ مِنْهَا وَعِنْدَنَا هِيَ أَجْنَاسٌ لِأَنَّ أُصُولَهَا أَجْنَاسٌ حَتَّى لَا يُضَمُّ الْبَعْضُ إلَى الْبَعْضِ فِي حُكْمِ الزَّكَاةِ وَكَذَلِكَ الْأَسَامِي مُخْتَلِفَةٌ لِاخْتِلَافِ الْإِضَافَةِ كَدَقِيقِ الْحِنْطَةِ مَعَ دَقِيقِ الشَّعِيرِ وَالثَّوْبِ الْهَرَوِيِّ مَعَ الْمَرْوِيِّ وَكَذَا لَحْمُ الْبَقَرِ وَالْغَنَمِ وَالْمَقْصُودُ أَيْضًا فَبَعْضُ النَّاسِ يَرْغَبُ فِي بَعْضِ اللُّحُومِ دُونَ الْبَعْضِ فَرُبَّمَا يَنْفَعُهُ الْبَعْضُ وَيَضُرُّهُ الْبَعْضُ وَلَا تَفَاوَتَ فِي الْمَقْصُودِ أَبْلَغَ مِنْ هَذَا وَلَكِنْ مَعَ اخْتِلَافِ الْجِنْسِ هِيَ مَوْزُونَةٌ كُلُّهَا فَكَذَلِكَ لَا يَجُوزُ بَيْعُ الْبَعْضِ بِالْبَعْضِ نَسِيئَةً وَيَجُوزُ مُتَفَاضِلًا يَدًا بِيَدٍ لِانْعِدَامِ أَحَدِ الْوَصْفَيْنِ .

قَالَ : ( وَلَا خَيْرَ فِي الْحِنْطَةِ بِالدَّقِيقِ مُتَسَاوِيًا وَلَا مُتَفَاضِلًا ) لِأَنَّ مِنْ الْحِنْطَةِ وَالدَّقِيقِ شُبْهَةَ الْمُجَانَسَةِ فَإِنَّ عَمَلَ الطَّحْنِ فِي الصُّورَةِ هُوَ تَفْرِيقُ الْأَجْزَاءِ وَإِنْ كَانَ فِي الْحُكْمِ الدَّقِيقِ غَيْرَ الْحِنْطَةِ وَيُجْعَلُ الدَّقِيقُ حَاصِلًا بِالطَّحْنِ وَلِهَذَا كَانَ لِلْغَاصِبِ إذَا طَحَنَ الْحِنْطَةَ إلَّا أَنَّ الرِّبَا مَبْنِيٌّ عَلَى الِاحْتِيَاطِ فَالشُّبْهَةُ فِيهِ تَعْمَلُ عَلَى الْحَقِيقَةِ وَعِنْدَ وُجُودِ حَقِيقَةِ الْمُجَانَسَةِ لَا يَجُوزُ بَيْعُ الْبَعْضِ بِالْبَعْضِ إلَّا مُتَسَاوِيًا فَكَذَلِكَ إذَا وَجَبَتْ شُبْهَةُ الْمُجَانِسَةِ وَلَا يُعْرَفُ التَّسَاوِي فِي الْكَيْلِ بَيْنَ الدَّقِيقِ وَالْحِنْطَةِ فَالدَّقِيقُ لَا يَصِيرُ حِنْطَةً قَطُّ وَلَكِنَّ الْحِنْطَةَ تُطْحَنُ وَلَا يُدْرَى أَنَّ بَعْدَ الطَّحْنِ يَتَسَاوَيَانِ فِي الْمِكْيَالِ أَمْ لَا فَإِذَا كَانَ بِالتَّسَاوِي فِي الْمِعْيَارِ فِي الْحَالِ لَا يُعْلَمُ التَّسَاوِي بَيْنَهُمَا بَعْدَ الطَّحْنِ لَا يَجُوزُ بَيْعُ أَحَدِهِمَا بِآخَرَ وَكَذَلِكَ بَيْعُ الْحِنْطَةِ بِالنُّخَالَةِ وَالنُّخَالَةُ أَجْزَاءُ الْحِنْطَةِ كَالدَّقِيقِ إلَّا أَنَّهُ جُزْءٌ خَشِنٌ وَالدَّقِيقُ جُزْءٌ لَيِّنٌ

فَأَمَّا بَيْعُ الدَّقِيقِ بِالدَّقِيقِ عِنْدَنَا كَيْلًا بِكَيْلٍ يَجُوزُ وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ لَا يَجُوزُ لِأَنَّ الدَّقِيقَ لَا يَعْتَدِلُ فِي الدُّخُولِ فِي الْكَيْلِ فَإِنَّهُ يَنْكَبِسُ بِالْكَبْسِ وَالْكَيْلُ عِنْدَهُ لَا يَكُونُ مِعْيَارًا شَرْعًا إلَّا فِيمَا يَعْتَدِلُ فِي الْكَيْلِ وَلِهَذَا قَالَ : وَلَا يَجُوزُ بَيْعُ الْبَاقِلَاءِ وَالرُّطَبِ بِالرُّطَبِ وَالْمَطْعُومِ بِالْمَطْعُومِ إذَا قُوبِلَ بِجِنْسِهِ فَشَرْطُ جَوَازِ الْبَيْعِ عِنْدَهُ التَّسَاوِي فِي الْمِعْيَارِ الشَّرْعِيِّ وَذَلِكَ لَا يُوجَدُ فِيمَا لَا يَعْتَدِلُ بِالْكَيْلِ وَلَكِنَّا نَقُولُ الْكَيْلُ فِيمَا هُوَ مَكِيلٌ مِعْيَارٌ شَرْعِيٌّ وَالدَّقِيقُ مَكِيلٌ وَمَعْرِفَةُ كَوْنِهِ مَكِيلًا بِالرُّجُوعِ إلَى عُرْفِ النَّاسِ وَهُمْ يَكِيلُونَ الدَّقِيقَ كَالْحِنْطَةِ

وَيَجُوزُ السَّلَمُ فِي الدَّقِيقِ كَيْلًا كَمَا يَجُوزُ فِي الْحِنْطَةِ فَكَانَ الْكَيْلُ فِيهِ مِعْيَارًا شَرْعِيًّا وَمَا يُتَوَهَّم فِيهِ مِنْ التَّفَاوُتِ عِنْدَ التَّكَلُّفِ فِي كَيْلِ الدَّقِيقِ يُتَوَهَّمُ فِي الْحِنْطَةِ أَيْضًا ثُمَّ يَسْقُطُ اعْتِبَارُهُ وَوَجَبَ بِنَاءُ الْحُكْمِ عَلَى الْوَسَطِ مِنْ ذَلِكَ فَكَذَلِكَ الدَّقِيقُ

وَلَا يَجُوزُ بَيْعُ السَّوِيقِ بِالدَّقِيقِ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ مُتَسَاوِيًا وَلَا مُتَفَاضِلًا وَقَالَ : أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى يَجُوزُ الْبَيْعُ تَسَاوِيًا أَوْ تَفَاضُلًا بَعْدَ أَنْ يَكُونَ يَدًا بِيَدٍ لِأَنَّهُمَا جِنْسَانِ مُخْتَلِفَانِ فَإِنَّ الِاسْمَ مُخْتَلِفٌ وَالْمَقْصُودَ مُخْتَلِفٌ لِأَنَّهُ يَقْصِدُ بِالدَّقِيقِ اتِّحَادَ الْخُبْزِ وَالْعَصَايِدِ وَالْأَطْوِلَةِ مِنْهُ وَلَا يَحْصُلُ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ بِالسَّوِيقِ إنَّمَا يُلَتُّ بِالسَّمْنِ وَالْعَسَلِ فَيُؤْكَلُ كَذَلِكَ أَوْ يُضْرَبُ بِالْمَاءِ فَيُشْرَبُ فَكَانَ التَّفَاوُتُ بَيْنَهُمَا فِي الْمَقْصُودِ أَظْهَرَ مِنْ التَّفَاوُتِ فِي الْهَرَوِيِّ وَالْمَرْوِيِّ مِنْ الثِّيَابِ وَكَذَلِكَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا لَا يَصِيرُ مِثْلَ صَاحِبِهِ بِحَالٍ فَالسَّوِيقُ لَا يَصِيرُ دَقِيقًا وَالدَّقِيقُ لَا يَصِيرُ سَوِيقًا بِحَالٍ وَاخْتِلَافُ الْجِنْسِ يُعْرَفُ بِهَذَا ثُمَّ اتِّحَادُ الْأَصْلِ لَا يَمْنَعُ اخْتِلَافَ الْجِنْسِ بِاعْتِبَارِ هَذِهِ الْمَعَانِي كَالْأَدْهَانِ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ يَجُوزُ الْبَيْعُ مُتَسَاوِيًا لَا مُتَفَاضِلًا لِأَنَّ الدَّقِيقَ قَدْ يَصِيرُ سَوِيقًا بِأَنْ يُرَشَّ عَلَيْهِ الْمَاءُ ثُمَّ يُقْلَى فَيَصِيرُ سَوِيقًا وَبِبَغْدَادَ يُتَّخَذُ السَّوِيقُ بِهَذِهِ الصِّفَةِ فَتُعْتَبَرُ الْمُسَاوَاةُ بَيْنَهُمَا لِجَوَازِ الْعَقْدِ بِاعْتِبَارِ الْمَالِ وَلَأَبِي حَنِيفَةَ طَرِيقَانِ ( أَحَدُهُمَا ) أَنَّ السَّوِيقَ أَجْزَاءُ الْحِنْطَةِ الْمَقْلِيَّةِ وَالدَّقِيقَ أَجْزَاءُ حِنْطَةٍ غَيْرِ مَقْلِيَّةٍ وَبَيْعُ الْحِنْطَةِ الْمَقْلِيَّةِ بِغَيْرِ الْمَقْلِيَّةِ لَا يَجُوزُ بِحَالٍ فَكَذَلِكَ بَيْعُ السَّوِيقِ بِالدَّقِيقِ وَتَحْقِيقُ هَذَا أَنَّهُمَا إنَّمَا جُعِلَا جِنْسًا وَاحِدًا بَلْ الطَّحْنُ فَعَرَفْنَا أَنَّهُمَا جِنْسٌ وَاحِدٌ بَعْدَ الطَّحْنِ فِيهِمَا عَمَلٌ بِصِفَةٍ وَاحِدَةٍ فَلَا يُوجِبُ اخْتِلَافَ الْجِنْسِ وَإِذَا كَانَ جِنْسًا وَاحِدًا تُعْتَبَرُ الْمُمَاثَلَةُ عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي صَارَ مَالَ الرِّبَا وَهُوَ قَبْلَ الْقَلْيِ وَالطَّحْنِ وَبِتَسَاوِيهِمَا كَيْلًا فِي الْحَالِ لَا تَظْهَرُ تِلْكَ الْمُمَاثَلَةُ

فَلَا يَجُوزُ الْعَقْدُ وَالطَّرِيقُ الْآخَرُ أَنَّ بَيْعَ الْحِنْطَةِ بِالسَّوِيقِ لَا يَجُوزُ بِالِاتِّفَاقِ وَرِبَا الْفَضْلِ لَا يَثْبُتُ إلَّا بِاعْتِبَارِ الْمُجَانَسَةِ وَلَا مُجَانَسَةَ بَيْنَ الْحِنْطَةِ وَالسَّوِيقِ صُورَةً فَعَرَفْنَا أَنَّ الْمُجَانَسَةَ بِاعْتِبَارِ مَا فِي الضِّمْنِ وَاَلَّذِي فِي ضِمْنِ الْحِنْطَةِ دَقِيقٌ فَتَثْبُتُ الْمُجَانَسَةُ بَيْنَ السَّوِيقِ وَالدَّقِيقِ بَعْدَ الطَّحْنِ كَمَا تَثْبُتُ الْمُجَانَسَةُ بَيْنَ السَّوِيقِ وَالْحِنْطَةِ بِاعْتِبَارِ مَا فِي الضِّمْنِ قَبْلَ الطَّحْنِ يُوَضِّحُهُ أَنَّ بَيْعَ الْحِنْطَةِ بِالدَّقِيقِ رِبًا وَبَيْعَ الْحِنْطَةِ بِالسَّوِيقِ رِبًا وَمَنْ ضَرُورَةِ كَوْنِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا جِنْسًا لِلْحِنْطَةِ أَنْ يَكُونَ أَحَدُهُمَا جِنْسًا لِلْآخِرِ وَإِنَّمَا اخْتَلَفَ الِاسْمُ لِلصَّنْعَةِ لَا اسْمِ الْعَيْنِ فَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَجْزَاءٌ مُتَفَرِّقَةٌ فِيمَا كَانَ لَهُ لَتُّ الْحِنْطَةِ قَبْلَ التَّفْرِيقِ وَلَيْسَ فِيهِ أَكْثَرُ مِنْ أَنَّهُ فَاتَ بَعْضُ الْمَقَاصِدِ فِي السَّوِيقِ وَبِهِ لَا يَخْتَلِفُ الْجِنْسُ كَالْحِنْطَةِ الْمَقْلُوَّةِ بِغَيْرِ الْمَقْلُوَّةِ وَالْعِلْكَةِ مَعَ الرَّخْوَةِ وَاَلَّتِي أَكَلَهَا السُّوسُ فَإِنَّهَا لَا تَصْلُحُ لِلزِّرَاعَةِ وَاِتِّخَاذُ الْهَرِيسَةِ وَالْكُشْكِ مِنْهَا وَلَا يُوجِبُ ذَلِكَ اخْتِلَافُ الْجِنْسِ فَكَذَلِكَ الدَّقِيقُ مَعَ السَّوِيقِ

وَلَا خَيْرَ فِي الزَّيْتِ بِالزَّيْتُونِ إلَّا أَنْ يُعْلَمَ أَنَّ مَا فِي الزَّيْتُونِ أَقَلُّ فَحِينَئِذٍ يَجُوزُ وَالْأَصْلُ فِي جِنْسِ هَذِهِ الْمَسَائِلِ أَنَّ الْمُجَانَسَةَ بَيْنَ الشَّيْئَيْنِ تَكُونُ بِاعْتِبَارِ الْعَيْنِ تَارَةً وَبِاعْتِبَارِ مَا فِي الضِّمْنِ أُخْرَى فَفِيمَا وُجِدَتْ الْمُجَانَسَةُ عَيْنًا لَا تُعْتَبَرُ فِي الضِّمْنِ حَتَّى يَجُوزَ بَيْعُ قَفِيزِ حِنْطَةٍ عِلْكَةٍ بِقَفِيزِ حِنْطَةٍ أَكَلَهَا السُّوسُ وَلَا يُعْتَبَرُ مَا فِي الضِّمْنِ وَفِي الْحِنْطَةِ بِالدَّقِيقِ تُعْتَبَرُ الْمُجَانَسَةُ بِمَا فِي الضِّمْنِ حَقِيقَةً وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ شَيْئًا آخَرَ حُكْمًا ثُمَّ لَا مُجَانَسَةَ بَيْنَ الزَّيْتِ وَالزَّيْتُونِ صُورَةً فَإِنَّمَا تُعْتَبَرُ الْمُجَانَسَةُ بِمَا فِي الضِّمْنِ وَهُوَ الزَّيْتُ الَّذِي فِي الزَّيْتُونِ وَبَيْعُ أَحَدُهُمَا بِالْآخَرِ عَلَى أَرْبَعَةِ أَوْجُهٍ إنْ عُلِمَ أَنَّ مَا فِي الزَّيْتُونِ مِنْ الزَّيْتِ أَكْثَرُ مِنْ الْمُنْفَصِلِ فَقَدْ يَتَحَقَّقُ الْفَضْلُ الْخَالِي عَنْ الْعِوَضِ فَلَا يَجُوزُ الْبَيْعُ وَكَذَلِكَ إنْ عُلِمَ أَنَّهُ مَيْلَهُ لِأَنَّ تُفْلَ الزَّيْتُونِ يَكُونُ فَضْلًا خَالِيًا عَنْ الْعِوَضِ وَإِنْ كَانَ لَا يُعْلَمُ كَيْفَ هُوَ لَا يَجُوزُ الْعَقْدُ عِنْدَنَا وَقَالَ : زُفَرُ يَجُوزُ لِأَنَّ الْأَصْلَ فِي مُقَابَلَةِ مَالٍ بِمَالٍ مُتَقَوِّمٍ جَوَازُ الْعَقْدِ وَإِنَّمَا الْفَسَادُ بِوُجُودِ الْفَضْلِ الْخَالِي عَنْ الْعِوَضِ فَمَا لَمْ يَعْلَمْ بِهِ لَا يُفْسِدُ الْبَيْعَ وَعِنْدَنَا الْفَضْلُ الَّذِي هُوَ يُتَوَهَّمُ الْوُجُودُ كَالْمُتَحَقِّقِ فِي بَابِ الرِّبَا احْتِيَاطًا لِمَا رُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { نَهَى عَنْ الرِّبَا وَالرِّيبَةِ } وَالرِّيبَةُ شُبْهَةُ الرِّبَا وَقَالَ : ابْنُ مَسْعُودٍ كُنَّا نَدَعُ تِسْعَةَ أَعْشَارِ الْحَلَالِ مَخَافَةَ الْحَرَامِ فَإِذَا لَمْ تُعْلَمُ الْمُسَاوَاةُ جُعِلَ ذَلِكَ لِتَحَقُّقِ الْفَضْلِ احْتِيَاطًا فَيَفْسُدُ الْعَقْدُ وَإِنْ عُلِمَ أَنَّ مَا فِي الزَّيْتُونِ مِنْ الزَّيْتِ أَقَلُّ مِنْ الْمُنْفَصِلِ فَالْبَيْعُ جَائِزٌ لِأَنَّ الْمِثْلَ يَصِيرُ بِإِزَاءِ الْمِثْلِ وَالْبَاقِيَ مِنْ الزَّيْتِ بِإِزَاءِ

التُّفْلِ فَلَا يَظْهَرُ الْفَضْلُ الْخَالِي عَنْ الْمُقَابَلَةِ بِهَذَا الطَّرِيقِ

وَكَذَلِكَ دُهْنُ السِّمْسِمِ بِالسِّمْسِمِ وَالْعَصِيرُ بِالْعِنَبِ وَاللَّبَنُ بِالسَّمْنِ وَالرُّطَبُ بِالدُّبْسِ وَلَا خَيْرَ فِي شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ نَسِيئَةً لِوُجُودِ الْجِنْسِيَّةِ بَيْنَهُمَا بِاعْتِبَارِ مَا فِي الضِّمْنِ .

وَلَا بَأْسَ بِخَلِّ الْخَمْرِ بِخَلِّ السُّكَّرِ مُتَفَاضِلًا يَدًا بِيَدٍ لِأَنَّهُمَا جِنْسَانِ فَإِنَّ أَصْلَهُمَا جِنْسَانِ لِأَنَّ السُّكَّرَ مَاءُ التَّمْرِ وَالْخَمْرِ بِالْعِنَبِ وَكَمَا أَنَّ الْعِنَبَ مَعَ التَّمْرِ جِنْسَانِ فَكَذَلِكَ الْخَلُّ الْمُتَّخَذُ مِنْهُمَا فَيَجُوزُ بَيْعُ أَحَدِهِمَا بِالْآخَرِ مُتَفَاضِلًا وَلَا خَيْرَ فِي ذَلِكَ نَسِيئَةً لِأَنَّهُ جَمِيعُهَا قَدْرٌ وَاحِدٌ وَهُوَ الْكَيْلُ وَالْوَزْنُ

وَإِنْ اشْتَرَى شَاةً بِصُوفٍ وَعَلَى ظَهْرِهَا صُوفٌ أَوْ شَاةً فِي ضَرْعِهَا لَبَنٌ بِلَبَنٍ فَإِنَّ ذَلِكَ لَا يَجُوزُ إلَّا بِطَرِيقِ الِاعْتِبَارِ وَهُوَ أَنْ يُعْلَمَ أَنَّ اللَّبَنَ الْمُنْفَصِلَ أَكْثَرُ مِمَّا فِي الضَّرْعِ وَأَنَّ الصُّوفَ الْمَجْزُوزَ أَكْثَرُ مِمَّا عَلَى ظَهْرِ الشَّاةِ وَذَكَرَ الطَّحَاوِيُّ أَنَّ هَذَا عَلَى الْخِلَافِ وَجَعَلَهُ نَظِيرَ بَيْعِ لَحْمِ الشَّاةِ بِالشَّاةِ فَإِنَّ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى يَجُوزُ بَيْعُ لَحْمِ الشَّاةِ بِالشَّاةِ الْحَيَّةِ عَلَى كُلِّ حَالٍ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ لَا يَجُوزُ إلَّا بِطَرِيقِ الِاعْتِبَارِ وَهُوَ أَنْ يُعْلَمَ أَنَّ اللَّحْمَ الْمُنْفَصِلَ أَكْثَرُ مِنْ اللَّحْمِ الَّذِي فِي الشَّاةِ فَيَكُونُ الْمِثْلُ بِالْمِثْلِ وَالْبَاقِي بِإِزَاءِ الْمَسْقَطِ وَهُوَ الْقِيَاسُ لِأَنَّ الْمُجَانَسَةَ بَيْنَ الشَّاةِ وَاللَّحْمِ ثَابِتَةٌ بِاعْتِبَارِ مَا فِي الضِّمْنِ فَلَا يَجُوزُ الْبَيْعُ إلَّا بِطَرِيقِ الِاعْتِبَارِ كَمَا فِي الْفُصُولِ الْمُتَقَدِّمَةِ وَبَيَانُ ذَلِكَ أَنَّ اللَّحْمَ مَوْجُودٌ فِي الشَّاةِ وَهُوَ الْمَقْصُودُ وَبِهِ تَخْتَلِفُ الْمَالِيَّةُ أَلَا تَرَى أَنَّ الشَّاةَ فِي الْغَنِيمَةِ مِنْ جُمْلَةِ الطَّعَامِ يُبَاحُ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْغَانِمِينَ تَنَاوُلُهُ وَذَلِكَ بِاعْتِبَارِ مَا فِيهِ مِنْ اللَّحْمِ بَلْ وُجُودُ اللَّحْمِ فِي الشَّاةِ أَبَيْنُ وَأَظْهَرُ مِنْ وُجُودِ الدُّهْنِ فِي السِّمْسِمِ فَإِنَّ ذَلِكَ حَادِثٌ بِالْعَصِيرِ حُكْمًا وَلِهَذَا كَانَ مِلْكًا لِلْغَاصِبِ وَاللَّحْمُ لَا يَحْدُثُ بِالذَّبْحِ وَلِهَذَا لَوْ غَصَبَ شَاةً فَذَبَحَهَا لَمْ يَكُنْ اللَّحْمُ لَهُ وَالذَّبْحُ نُقْصَانٌ مَحْضٌ بِمَنْزِلَةِ الْقَطْعِ فِي الثَّوْبِ فَلَا يَحْدُثُ بِهِ اللَّحْمُ وَهُوَ إزْهَاقُ الْحَيَاةِ فَيَفُوتُ بِهِ مَعْنَى النَّسْلِ بِمَنْزِلَةِ الْقَلْيِ فِي الْحِنْطَةِ يُفَوِّتُ مَا كَانَتْ الْحِنْطَةُ بِاعْتِبَارِهِ مُثْبَتَةً وَإِذَا ثَبُتَ أَنَّ اللَّحْمَ مَوْجُودٌ قَبْلَ الذَّبْحِ لَا يَجُوزُ الْبَيْعُ إلَّا بِطَرِيقِ الِاعْتِبَارِ وَجْهُ قَوْلِهِمَا أَنَّهُ بَاعَ عَدَدِيًّا مُتَفَاوِتًا بِوَزْنِيٍّ فَيَجُوزُ كَيْفَ مَا كَانَ

كَمَا لَوْ بَاعَ الثَّوْبَ بِالْقُطْنِ وَبَيَانُهُ الْوَصْفُ أَنَّ الْحَيَوَانَ عَدَدِيٌّ مُتَفَاوِتٌ وَلِهَذَا لَا يَجُوزُ السَّلَمُ فِيهَا

وَيَجُوزُ بَيْعُ الشَّاةِ بِالشَّاتَيْنِ وَتَأْثِيرُهُ أَنَّ الْمُجَانَسَةَ بِاعْتِبَارِ مَا فِي الضِّمْنِ إنَّمَا تُطْلَبُ إذَا كَانَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ الْبَدَلَيْنِ مُقَدَّرًا فَأَمَّا إذَا لَمْ يَكُنْ أَحَدُهُمَا مُقَدَّرًا لَا يَشْتَغِلُ بِطَلَبِ الْمُجَانَسَةِ بَيْنَهُمَا وَبِهَذَا يَقَعُ الْفَرْقُ بَيْنَ هَذَا وَبَيْنَ مَا تَقَدَّمَ مِنْ الْفُصُولِ وَلَكِنْ بِهَذَا التَّقْرِيرِ يَتَّضِحُ الْفَرْقُ فِي جَمِيعِ الْفُصُولِ فَإِنَّ بَيْعَ دُهْنِ الْجَوْزِ بِالْجَوْزِ لَا يَجُوزُ إلَّا بِطَرِيقِ الِاعْتِبَارِ وَالْجَوْزِ لَيْسَ بِمُقَدَّرِ وَلِهَذَا يَجُوزُ بَيْعُ جَوْزَةٍ بِجَوْزَتَيْنِ وَلَكِنْ نَقُولُ اللَّحْمُ فِي شِرَاءِ الْحَيَوَانِ غَيْرُ مَقْصُودٍ وَإِنَّمَا الْمَقْصُودُ مِنْهُ الدَّرُّ وَالنَّسْلُ وَالْإِسَامَةُ لِيَزْدَادَ عَيْنُهَا بِالسِّمَنِ فَأَمَّا اللَّحْمُ آخَرُ الْمَقَاصِدِ مِنْ الْحَيَوَانِ وَإِنَّمَا تُعْتَبَرُ الْمُجَانَسَةُ بِمَا فِي الضِّمْنِ إذَا كَانَ مَقْصُودًا وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ أَنَّ الْمَالِيَّةَ فِي الْحَيَوَانِ لَا تَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ اللَّحْمِ فَقَدْ نَرَى فَرَسَيْنِ أَوْ نَجِيبَيْنِ يَتَسَاوَيَانِ فِي اللَّحْمِ وَيَتَفَاوَتَانِ فِي الْقِيمَةِ تَفَاوُتًا فَاحِشًا وَالْبَيْعُ مُبَادَلَةُ مَالٍ بِمَالٍ فَإِذَا كَانَتْ مَالِيَّةُ الْحَيَوَانِ لَا تُعْرَفُ بِمِقْدَارِ اللَّحْمِ لَا يُعْتَبَرُ ذَلِكَ فِي الْبَيْعِ قَبْلَ الذَّبْحِ بِخِلَافِ جَمِيعِ مَا تَقَدَّمَ فَالْمَالِيَّةُ هُنَا تَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ مِقْدَارِ الدَّقِيقِ فِي الْحِنْطَةِ وَالدُّهْنِ فِي السِّمْسِمِ وَالْجَوْزِ وَنَحْوِ ذَلِكَ نُوَضِّحُهُ أَنَّ اللَّحْمَ فِي الْحَيَوَانِ وَإِنْ كَانَ مَوْجُودًا حَقِيقَةً فَهُوَ كَالْمَعْدُومِ حُكْمًا حَتَّى لَوْ أَخَذَ بِضْعَةً مِنْ لَحْمِ الْحَيَوَانِ لَا يُبَاحُ تَنَاوُلُهَا عَرَفْنَا أَنَّ مَقْصُودَ اللَّحْمِ حَاصِلٌ بِالذَّبْحِ حُكْمًا فَلَا يُعْتَبَرُ قَبْلَهُ وَعَلَى هَذَا الْحَرْفِ نَقُولُ فِي مَسْأَلَةِ الصُّوفِ وَاللَّبَنِ الْجَوَابِ قَوْلُهُمْ جَمِيعًا فَإِنَّهُ مَالٌ مَوْجُودٌ قَبْلَ الْفَصْلِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ مُفَصَّلٌ مِنْ الْحَيَوَانِ فَيَجُوزُ الِانْتِفَاعُ بِهِ وَهَذَا لِأَنَّهُ لَا حَيَاةَ فِي الصُّوفِ

وَاللَّبَنِ فَكَانَ الْحَالُ فِيهِمَا قَبْلَ الذَّبْحِ وَبَعْدَ الذَّبْحِ سَوَاءً وَعَلَى الطَّرِيقِ الْأَوَّلِ هُوَ عَلَى الْخِلَافِ كَمَا ذَكَرَهُ الطَّحَاوِيُّ لِأَنَّ مَالِيَّةَ الشَّاةِ لَا تُعْرَفُ بِمَا عَلَى ظَهْرِهَا مِنْ الصُّوفِ وَلَا بِمَا فِي ضَرْعِهَا مِنْ اللَّبَنِ كَمَا لَا تُعْرَفُ مَالِيَّةُ الْحَيَوَانِ بِمِقْدَارِ اللَّحْمِ

فَإِنْ بَاعَ لَحْمَ شَاةٍ بِالْبَقَرِ وَالْإِبِلِ جَازَ عِنْدَنَا وَعَلَى قَوْلِ زُفَرَ وَالشَّافِعِيِّ رَحِمَهُمَا اللَّهُ لَا يَجُوزُ بَيْعُ اللَّحْمِ بِالْحَيَوَانِ أَصْلًا لِحَدِيثِ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { نَهَى عَنْ بَيْعِ اللَّحْمِ بِالْحَيَوَانِ } وَرُوِيَ أَنَّ جَزُورًا نُحِرَ عَلَى عَهْدِ أَبِي بَكْرٍ فَجَاءَ رَجُلٌ بِعَنَاقٍ وَقَالَ : أَعْطَوْنِي بِهَذَا الْعَنَاقِ قِطْعَةً مِنْ هَذَا اللَّحْمِ فَقَالَ : أَبُو بَكْرٍ هَذَا لَا يَصْلُحُ وَلَكِنَّا نَقُولُ هُمَا جِنْسَانِ مُخْتَلِفَانِ فَيَجُوزُ بَيْعُ أَحَدِهِمَا بِالْآخَرِ كَيْفَ مَا كَانَ يَدًا بِيَدٍ كَمَا يَجُوزُ بَيْعُ الشَّاةِ بِالْبَقَرِ وَالْأَصْلُ فِيهِ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { وَإِذَا اخْتَلَفَ النَّوْعَانِ فَبِيعُوا كَيْفَ شِئْتُمْ بَعْدَ أَنْ يَكُونَ يَدًا بِيَدٍ } وَالْمُرَادُ بِالنَّهْيِ عَنْ بَيْعِ الْحَيَوَانِ إذَا كَانَ أَحَدُهُمَا نَسِيئَةً فَقَدْ ذُكِرَ ذَلِكَ فِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ وَبِهِ نَقُولُ فَإِنَّ السَّلَمَ فِي كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا لَا يَجُوزُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَتَأْوِيلُ حَدِيثِ أَبِي بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ ذَلِكَ الْبَعِيرَ كَانَ مِنْ إبِلِ الصَّدَقَةِ فَكَرِهَ أَبُو بَكْرٍ بَيْعَ لَحْمِهِ لِأَنَّهُ إنَّمَا نُحِرَ لِيُتَصَدَّقَ بِهِ عَلَى الْفُقَرَاءِ فَلِهَذَا قَالَ : لَا يَصْلُحُ

وَإِذَا أَسْلَمَ الرَّجُلُ حِنْطَةً فِي شَعِيرٍ وَزَيْتٍ كَانَ بَاطِلًا فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَقَالَ : أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى يَجُوزُ فِي حِصَّةِ الزَّيْتِ لِأَنَّ الْفَسَادَ بِوُجُودِ الْعِلَّةِ الْمُفْسِدَةِ وَذَلِكَ فِي الشَّعِيرِ خَاصَّةً فَإِنَّ صِحَّةَ الْكَيْلِ لَمَّا جَمَعَ الْبَدَلَيْنِ حَرُمَ النَّسَاءُ وَفِي حِصَّةِ الزَّيْتِ لَمْ يُوجَدْ ذَلِكَ فَإِنَّ إسْلَامَ الْمَكِيلِ فِي الْمَوْزُونِ صَحِيحٌ وَثُبُوتَ الْحُكْمِ بِحَسْبِ الْعِلَّةِ وَلَيْسَ مِنْ ضَرُورَةِ فَسَادِ الْعَقْدِ فِي أَحَدِهِمَا فَسَادُ الْعَقْدِ فِي الْآخَرِ كَمَا لَوْ بَاعَ عَبْدًا وَمُدَبَّرًا وَكَمَا لَوْ بَاعَ عَبْدَيْنِ فَهَلَكَ أَحَدُهُمَا قَبْلَ الْقَبْضِ لَا يَفْسُدُ الْعَقْدُ فِي الْآخَرِ وَأَبُو حَنِيفَةَ يَقُولُ الْعِلَّةُ الْمُفْسِدَةُ لِلْعَقْدِ وُجِدَتْ فِي الْكُلِّ أَمَّا فِي حِصَّةِ الشَّعِيرِ فَظَاهِرٌ وَفِي حِصَّةِ الزَّيْتِ فَقَدْ جُعِلَ قَبُولُ الْعَقْدِ فِي الشَّعِيرِ شَرْطًا فِي قَبُولِ الْعَقْدِ فِي الزَّيْتِ لِأَنَّ مَنْ جَمَعَ بَيْنَ الشَّيْئَيْنِ فِي الْعَقْدِ الْوَاحِدِ فَإِنَّهُ يَكُونُ شَارِطًا عَلَيْهِ قَبُولَ الْعَقْدِ فِي كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا وَلِهَذَا لَوْ قُبِلَ الْعَقْدُ فِي أَحَدِهِمَا دُونَ الْآخَرِ لَا يَجُوزُ وَهَذَا شَرْطٌ فَاسِدٌ وَالسَّلَمُ يَفْسُدُ بِالشَّرْطِ الْفَاسِدِ يُوَضِّحُهُ أَنَّ فَسَادَ الْعَقْدِ فِي الشَّعِيرِ لِاشْتِرَاطِ الْأَجَلِ وَاشْتِرَاطِ الْأَجَلِ فِي الْعَقْدِ وَالْعَقْدُ وَاحِدٌ فَإِذَا تَمَكَّنَ فِيهِ الشَّرْطُ الْفَاسِدُ فَسَدَ الْعَقْدُ كُلُّهُ بِخِلَافِ بَيْعِ الْقِنِّ وَالْمُدَبَّرِ فَالْعَقْدُ فِي الْمُدَبَّرِ لَيْسَ بِفَاسِدٍ وَلِهَذَا لَوْ أَجَازَ الْقَاضِي بَيْعَهُ جَازَ وَلَكِنَّهُ غَيْرُ نَافِذٍ لِحَقِّ الْمُدَبِّرِ وَذَلِكَ لِمَعْنًى فِيهِ لَا فِي الْعَقْدِ فَلِهَذَا لَا يَتَعَدَّى إلَى الْآخَرِ وَكَذَلِكَ لَوْ هَلَكَ أَحَدُ الْعَبْدَيْنِ فَالْمُفْسِدُ فَوَّتَ الْقَبْضَ وَذَلِكَ لِمَعْنًى فِي الْهَالِكِ لَا فِي الْعَقْدِ وَنَظَائِرُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ تُذْكَرُ فِي بَابِ الْبُيُوعِ الْفَاسِدَةِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَكَذَلِكَ إنْ أَسْلَمَ فَوَهِيَّةً فِي فَوَهِيَّةٍ

وَمَرْوِيَّةٍ لِأَنَّ الْجِنْسَ يُحَرِّمُ النَّسَاءَ كَالْكَيْلِ وَبِهَذَا يَتَبَيَّنُ أَنَّ الطَّرِيقَ مَا قُلْنَا دُونَ مَا يَقُولُهُ بَعْضُ مَشَايِخِنَا رَحِمَهُمُ اللَّهُ لِأَبِي حَنِيفَةَ إذَا كَانَ الْفَسَادُ قَوِيًّا مُجْمَعًا عَلَيْهِ وَيُمْكِنُ فِي الْبَعْضِ تَعَدِّي إلَى مَا بَقِيَ فَإِنَّ فَسَادَ الْعَقْدِ بِسَبَبِ الْجِنْسِيَّةِ غَيْرُ مَجْمَعٍ عَلَيْهِ وَقَدْ سَوَّى بَيْنَ الْفَصْلَيْنِ فَعَرَفْنَا أَنَّ الطَّرِيقَ مَا قُلْنَا

قَالَ : ( وَلَا بَأْسَ بِأَنْ يُسْلِمَ الْفُلُوسَ فِيمَا يُوزَنُ ) لِأَنَّ الْفُلُوسَ عَدَدِيَّةٌ مُتَقَارِبَةٌ فَيَجُوزُ إسْلَامُهَا فِي كُلِّ مَكِيلٍ أَوْ مَوْزُونٍ إلَّا الصُّفْرَ خَاصَّةً فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ إسْلَامُ الْفُلُوسِ فِيهِ لِلْجِنْسِيَّةِ فَالْفُلُوسُ صُفْرٌ فَإِنْ قِيلَ إذَا كَانَتْ الْفُلُوسُ صُفْرًا وَالصُّفْرُ مَوْزُونٌ فَيَنْبَغِي أَنْ لَا يَجُوزَ إسْلَامُ الْفُلُوسِ فِي الْمَوْزُونَاتِ قُلْتُ الصُّفْرُ مَوْزُونٌ فِي الْعُرْفِ لَا بِالنَّصِّ وَلَا عُرْفَ فِيهِ فِي الْفُلُوسِ الرَّائِجَةِ أَلَا تَرَى أَنَّهَا لَا تَتَفَاوَتُ فِي الْمَالِيَّةِ بِتَفَاوُتِ الْوَزْنِ وَكَذَلِكَ لَوْ أَسْلَمَ سَيْفًا فِي شَيْءٍ مِمَّا يُوزَنُ كَانَ جَائِزًا لِأَنَّ السَّيْفَ خَرَجَ مِنْ أَنْ يَكُونَ مَوْزُونًا عَادَةً إلَّا فِي الْحَدِيدِ فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ إسْلَامُ السَّيْفِ فِي الْحَدِيدِ لِلْمُجَانَسَةِ وَكَذَلِكَ كُلُّ إنَاءٍ خَرَجَ بِالصَّنْعَةِ مِنْ الْوَزْنِ فَلَا بَأْسَ بِأَنْ يُسْلِمَهُ فِي الْمَوْزُونَاتِ إلَّا فِي نَوْعِهِ .

وَلَا بَأْسَ بِأَنْ يَبِيعَ إنَاءً مَصُوغًا بِإِنَاءٍ مَصُوغٍ مِنْ نَوْعِهِ يَدًا بِيَدٍ وَإِنْ كَانَ أَكْثَرَ مِنْهُ فِي الْوَزْنِ إذَا كَانَ ذَلِكَ الْإِنَاءُ لَا يُبَاعُ وَزْنًا لِأَنَّهُ عَدَدِيٌّ مُتَفَاوِتٌ كَالثِّيَابِ وَهَذَا بِخِلَافِ أَوَانِي الْفِضَّةِ وَالذَّهَبِ فَإِنَّهُ يَجْرِي فِيهَا رِبَا الْفَضْلِ وَإِنْ كَانَتْ لَا تُبَاعُ وَزْنًا فِي الْعَادَةِ لِأَنَّ صِفَةَ الْوَزْنِ فِي الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ مَنْصُوصٌ عَلَيْهَا فَلَا يَتَغَيَّرُ ذَلِكَ بِالصَّنْعَةِ وَلَا يَخْرُجُ مِنْ أَنْ يَكُونَ مَوْزُونًا بِالْعَادَةِ وَالْعَادَةُ لَا تُعَارِضُ النَّصَّ فَأَمَّا فِي الْحَدِيدِ وَالشَّبَهِ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ صِفَةُ الْوَزْنِ ثَابِتَةٌ فِي الْعُرْفِ فَيَخْرُجُ مِنْ أَنْ يَكُونَ مَوْزُونًا بِالصَّنْعَةِ وَبِالْعُرْفِ وَبِتَعَارُفِ النَّاسِ بِيعَ الْمَصُوغُ مِنْهُ عَدَدًا

فَأَمَّا بَيْعُ فَلْسٍ بِغَيْرِ عَيْنِهِ بِفَلْسَيْنِ بِغَيْرِ أَعْيَانِهِمَا لَا يَجُوزُ لِأَنَّ الْفُلُوسَ الرَّائِجَةَ أَمْثَالٌ مُتَسَاوِيَةٌ قَطْعًا لِاصْطِلَاحِ النَّاسِ عَلَى سُقُوطِ قِيمَةِ الْجَوْدَةِ فِيهَا لِيَكُونَ أَحَدُ الْفَلْسَيْنِ فَضْلًا خَالِيًا عَنْ الْعِوَضِ مَشْرُوطًا فِي الْبَيْعِ وَذَلِكَ هُوَ الرِّبَا بِعَيْنِهِ وَإِنْ بَاعَ فَلْسًا بِعَيْنِهِ بِفَلْسٍ بِغَيْرِ أَعْيَانِهِمَا لَمْ يَجُزْ أَيْضًا لِأَنَّهُ لَوْ أَجَازَ أَمْسَكَ الْفَلْسَ الْمُعَيَّنَ وَطَالَبَهُ بِفَلْسَيْنِ آخَرَيْنِ أَوْ أَسْلَمَ إلَيْهِ الْفَلْسَ الْمُعَيَّنَ ثُمَّ قَبَضَ ذَلِكَ مِنْهُ بِعَيْنِهِ مَعَ فَلْسٍ آخَرَ لِاسْتِحْقَاقِهِ فَلْسَيْنِ فِي ذِمَّتِهِ فَيَكُونُ الْفَلْسُ الْآخَرُ فَضْلًا خَالِيًا عَنْ الْعِوَضِ وَكَذَلِكَ لَوْ بَاعَ فَلْسَيْنِ بِأَعْيَانِهِمَا بِفَلْسٍ بِغَيْرِ عَيْنِهِ لَا يَجُوزُ لِأَنَّهُ لَوْ جَازَ بِقَبْضِ الْمُشْتَرِي الْفَلْسَيْنِ ثُمَّ دَفَعَ إلَيْهِ أَحَدَهُمَا فَكَانَ مَا اسْتَوْجَبَ فِي ذِمَّتِهِ فَيَبْقَى الْآخَرُ لَهُ بِغَيْرِ عِوَضٍ فَأَمَّا إذَا بَاعَ فَلْسًا بِعَيْنِهِ بِفَلْسَيْنِ بِأَعْيَانِهِمَا يَجُوزُ فِي قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ وَلَا يَجُوزُ فِي قَوْلِ مُحَمَّدٍ وَهَذَأ يَنْبَنِي عَلَى أَنَّ الْفُلُوسَ لَا تَتَعَيَّنُ بِالتَّعْيِينِ مَا دَامَتْ رَائِجَةً عِنْدَ مُحَمَّدٍ وَعَلَى قَوْلِهِمَا تَتَعَيَّنُ بِالتَّعَيُّنِ إذَا قُوبِلَتْ بِجِنْسِهَا حَتَّى لَوْ هَلَكَ أَحَدُهُمَا قَبْلَ الْقَبْضِ بَطَلَ الْعَقْدُ عِنْدَهُمَا وَمُحَمَّدٌ رَحِمَهُ اللَّهُ يَقُولُ الْفُلُوسُ الرَّائِجَةُ ثَمَنٌ وَالْأَثْمَانُ لَا تَتَعَيَّنُ فِي الْعُقُودِ بِالتَّعْيِينِ كَالدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ أَلَا تَرَى أَنَّهَا لَوْ قُوبِلَتْ بِخِلَافِ جِنْسِهَا لَمْ تَتَعَيَّنْ حَتَّى لَوْ اشْتَرَى بِفُلُوسٍ مُعَيَّنَةٍ شَيْئًا فَهَلَكَتْ قَبْلَ التَّسْلِيمِ لَا يَبْطُلُ الْعَقْدُ وَلَوْ اشْتَرَى بِهَا جَازَ فَكَذَلِكَ إذَا قُوبِلَتْ بِجِنْسِهَا لِأَنَّ مَا يَتَعَيَّنُ بِالتَّعْيِينِ فَالْجِنْسُ وَغَيْرُ الْجِنْسِ فِيهِ سَوَاءٌ كَالْمَكِيلَاتِ وَالْمَوْزُونَاتِ وَمَا لَا تَتَعَيَّنُ فَالْجِنْسُ وَغَيْرُ الْجِنْسِ

فِيهِ سَوَاءٌ كَالذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَهُمَا يَقُولَانِ الْفُلُوسُ عَدَدِيٌّ وَالْعَدَدِيُّ يَتَعَيَّنُ بِالتَّعْيِينِ فَيَجُوزُ بَيْعُ الْوَاحِدِ مِنْهُ بِالْمُثَنَّى كَمَا لَوْ بَاعَ جَوْزَةً بِجَوْزَتَيْنِ بِأَعْيَانِهِمَا وَتَحْقِيقُهُ أَنَّ صِفَةَ الثَّمَنِيَّةِ فِي الْفُلُوسِ لَيْسَتْ بِصِفَةٍ لَازِمَةٍ وَلَا هُوَ ثَابِتٌ بِأَصْلِ الْخِلْقَةِ بَلْ يُعَارِضُ اصْطِلَاحَ النَّاسِ وَالْعَاقِدُ إنْ قَصَدَ تَصْحِيحَ الْعَقْدِ وَلَا وَجْهَ لِتَصْحِيحِ الْعَقْدِ إلَّا بِأَنْ تَتَعَيَّنَ الْفُلُوسُ وَتَخْرُجُ مِنْ أَنْ تَكُونَ رَائِجَةً ثَمَنًا فِي حَقِّهِمَا فَيُجْعَلُ كَأَنَّهُمَا أَعْرَضَا عَنْ ذَلِكَ الِاصْطِلَاحِ .
وَالدَّلِيلُ عَلَى أَنَّ مَعْنَى الثَّمَنِيَّةِ فِي الْفُلُوسِ بِالِاصْطِلَاحِ أَنَّهُ يَصْلُحُ ثَمَنُ الْخَسِيسِ مِنْ الْأَشْيَاءِ دُونَ النَّفِيسِ وَأَنَّهُ يُرَوِّجُ بَعْضَ الْأَشْيَاءِ دُونَ الْبَعْضِ وَيَرُوجُ فِي بَعْضِ الْمَوَاضِعِ دُونَ الْبَعْضِ بِخِلَافِ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ فَإِنْ قِيلَ تَحْتَ هَذَا الْكَلَامِ فَسَادٌ فَإِنَّهُ خَرَجَ فِي حَقِّهِمَا مِنْ أَنْ يَكُونَ ثَمَنًا كَانَ هَذَا بَيْعُ قِطْعَةِ صُفْرٍ بِقِطْعَتَيْنِ مِنْ صُفْرٍ وَذَلِكَ لَا يَجُوزُ قُلْنَا الِاصْطِلَاحُ فِي الْفُلُوسِ عَلَى صِفَةِ الثَّمَنِيَّةِ وَالْعَدَدِ فِيهِمَا فِي هَذِهِ الْمُبَايَعَةِ إعْرَاضًا عَنْ اعْتِبَارِ صِفَةِ الثَّمَنِيَّةِ فِيهَا وَمَا أَعْرَضَ عَنْ اعْتِبَارِ صِفَةِ الْعَدَدِ فِيهَا وَلَيْسَ مِنْ ضَرُورَةِ خُرُوجِهَا مِنْ أَنْ تَكُونَ ثَمَنًا فِي حَقِّهِمَا خُرُوجُهَا مِنْ أَنْ تَكُونَ عَدَدِيَّةً كَالْجَوْزِ وَالْبِيضِ فَهُوَ عَدَدِيٌّ وَلَيْسَ بِثَمَنٍ فَهَذَا بِاتِّفَاقِهِمَا يَصِيرُ بِهَذِهِ الصِّفَةِ .

قَالَ : ( وَلَا بَأْسَ بِأَنْ يَشْتَرِيَ شُقَّةَ خَزٍّ بِشُقَّةِ خَزٍّ هِيَ أَكْثَرُ مِنْهَا وَزْنًا ) لِأَنَّهَا لَا تُوزَنُ وَإِنَّمَا تُذْرَعُ كَسَائِرِ الثِّيَابِ وَبَيْعُ مَا لَيْسَ بِمَكِيلٍ أَوْ مَوْزُونٍ بِجِنْسِهِ يَدًا بِيَدٍ يَجُوزُ كَيْفَ مَا كَانَ

قَالَ : ( وَلَا بَأْسَ بِالتَّمْرِ بِالرُّطَبِ مِثْلًا بِمِثْلٍ وَإِنْ كَانَ الرُّطَبُ يَنْقُصُ إذَا جَفَّ ) وَهَذِهِ مَسَائِلُ ( أَحَدُهُمَا ) بَيْعُ الرُّطَبِ بِالرُّطَبِ كَيْلًا بِكَيْلٍ جَائِزٌ عِنْدَنَا وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ لَا يَجُوزُ وَكَذَلِكَ الْبَاقِلَّا وَعَلَّلَ فِي كِتَابِهِ فَقَالَ : لِأَنَّ بَيْنَ الْبَاقِلَّتَيْنِ فَضَاءً وَمُتَّسَعًا مَعْنَاهُ أَنَّهُ لَا يَعْتَدِلُ فِي الدُّخُولِ فِي الْكَيْلِ حَتَّى لَا يَنْضَمُّ بَعْضُهُ إلَى بَعْضٍ بَلْ يَتَجَافَى وَيَتَفَاوَتُ مِقْدَارُ التَّجَافِي فِيهِ فَلَا يَكُونُ الْكَيْلُ فِيهِ مِعْيَارًا شَرْعِيًّا وَالْمُخَلِّصُ عَنْ الرِّبَا يَكُونُ بِالتَّسَاوِي فِي الْمِعْيَارِ الشَّرْعِيِّ وَقَاسَ بَيْعَ الْحِنْطَةِ الْمَقْلِيَّةِ بِغَيْرِ الْمَقْلِيَّةِ فَإِنَّ الْمَقْلِيَّةَ لَا تَعْتَدِلُ فِي الدُّخُولِ فِي الْكَيْلِ لِانْتِفَاخٍ يَحْدُثُ فِيهَا بِالْقَلْيِ أَوْ صُخُورٍ فَإِنَّهَا إذَا قُلِيَتْ رَطْبَةً انْتَفَخَتْ وَإِذَا قُلِيَتْ يَابِسَةً ضَمُرَتْ وَحُجَّتُنَا فِي ذَلِكَ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { التَّمْرُ بِالتَّمْرِ كَيْلًا بِكَيْلٍ } وَالتَّمْرُ اسْمٌ لِلثَّمَرَةِ الْخَارِجَةِ مِنْ النَّخْلِ مِنْ حِينِ يَنْعَقِدُ عَلَيْهَا صُورَتُهَا إلَى أَنْ تُدْرَكَ فَكَانَ الرُّطَبُ تَمْرًا وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ قَوْلُ الْقَائِلِ وَمَا الْعَيْشُ إلَّا نَوْمَةٌ وَشَرْقٌ وَتَمْرٌ عَلَى رُءُوسِ النَّخِيلِ وَمَاءٌ وَالْمُرَادُ الرُّطَبُ وَالْمَعْنَى فِيهِ أَنَّ الرُّطَبَ أَمْثَالٌ مُتَسَاوِيَةٌ بِدَلِيلِ ثُبُوتِ حُكْمِ الرِّبَا فِيهَا وَقَدْ بَيَّنَّا أَنَّ حُكْمَ الرِّبَا لَا يَثْبُتُ فِي الْمَالِ مَا لَمْ يَصِرْ أَمْثَالًا مُتَسَاوِيَةً وَإِنَّمَا صَارَتْ أَمْثَالًا مُتَسَاوِيَةً بِصِفَةِ الْكَيْلِ فَكَانَ الْكَيْلُ فِيهَا عِيَارًا شَرْعِيًّا وَالْأَصْلُ أَنَّهُ يُرَاعِي وُجُودَ الْمُسَاوَاةِ بَيْنَ الْمِثْلَيْنِ عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي صَارَ مَالُ الرِّبَا كَمَا فِي الْحِنْطَةِ وَغَيْرِهَا وَبِهِ فَارَقَ الْمَقْلُوَّةَ فَإِنَّ الْحِنْطَةَ لَا تُخْلَقُ كَذَلِكَ بَلْ تَكُونُ فِي الْأَصْلِ غَيْرَ مَقْلُوَّةٍ وَتَصِيرُ مَالُ الرِّبَا بِتِلْكَ الصِّفَةِ فَتُرَاعَى تِلْكَ

الْمُمَاثَلَةُ وَبَعْدَ الْقَلْيِ لَا تُعْرَفُ تِلْكَ الْمُمَاثَلَةُ وَإِنْ تُسَاوَيَا فِي الْكَيْلِ فَلِهَذَا لَا يَجُوزُ بَيْعُ الْمَقْلِيَّةِ بِغَيْرِ الْمَقْلِيَّةِ وَلَا بِالْمَقْلِيَّةِ فَإِنْ قِيلَ هَذَا فَاسِدٌ فَقَدْ جَوَّزْتُمْ بَيْعَ الْحِنْطَةِ الرَّطْبَةِ بِالْحِنْطَةِ الرَّطْبَةِ كَيْلًا بِكَيْلٍ وَالرُّطُوبَةُ صِفَةٌ حَادِثَةٌ بِصُنْعِ الْعِبَادِ كَالْقَلْيِ ( قُلْنَا ) الْحِنْطَةُ فِي الْأَصْلِ تُخْلَقُ رَطْبَةً وَيَكُونُ مَالُ الرِّبَا عَلَى هَذِهِ الصِّفَةِ فَإِذَا بُلْتَ بِالْمَاءِ عَادَتْ إلَى تِلْكَ الصِّفَةِ فَإِذَا وُجِدَتْ الْمُمَاثَلَةُ عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي صَارَتْ مَالَ الرِّبَا جَازَ الْعَقْدُ وَهِيَ لَا تُخْلَقُ فِي الْأَصْلِ مَقْلُوَّةً حَتَّى يَكُونَ هَذَا إعَادَةً إلَى تِلْكَ الصِّفَةِ فِيهَا فَأَمَّا بَيْعُ الرُّطَبِ بِالتَّمْرِ كَيْلًا بِكَيْلٍ يَجُوزُ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَلَا يَجُوزُ فِي قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ وَالشَّافِعِيِّ رَحِمَهُمَا اللَّهُ لِحَدِيثِ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ { أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سُئِلَ عَنْ بَيْعِ الرُّطَبِ بِالتَّمْرِ فَقَالَ : صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَيَنْقُصُ إذَا جَفَّ قَالُوا نَعَمْ فَقَالَ : عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ فَلَا إذًا } وَفِي حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ عَلَيْهِ السَّلَامُ { نَهَى عَنْ بَيْعِ الرُّطَبِ بِالتَّمْرِ كَيْلًا وَعَنْ بَيْعِ الْعِنَبِ بِالزَّبِيبِ كَيْلًا } ثُمَّ فِي قَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ أَيَنْقُصُ إذَا جَفَّ إشَارَةٌ إلَى أَنَّهُ يُشْتَرَطُ لِجَوَازِ الْعَقْدِ الْمُمَاثَلَةُ فِي أَعْدَلِ الْأَحْوَالِ وَهُوَ مَا بَعْدَ الْجَفَافِ وَلَا يُعْرَفُ ذَلِكَ بِالْمُسَاوَاةِ فِي الْكَيْلِ فِي الْحَالِ فَهَذَا الْحَدِيثُ دَلِيلُ الشَّافِعِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَيْضًا فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى مِنْ هَذَا الْوَجْهِ وَاعْتِبَارُ الْمُمَاثَلَةِ فِي أَعْدَلِ الْأَحْوَالِ صَحِيحٌ كَمَا فِي بَيْعِ الْحِنْطَةِ بِالدَّقِيقِ فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ لَتَفَاوُتٍ بَيْنَهُمَا بَعْدَ الطَّحْنِ وَلِأَنَّ الْعَقْدَ جَمَعَ بَيْنَ الْبَدَلَيْنِ أَحَدُهُمَا عَلَى

هَيْئَةِ الِادِّخَارِ وَالْآخِرُ لَيْسَ عَلَى هَيْئَةِ الِادِّخَارِ وَلَا يَتَمَاثَلَانِ عِنْدَ التَّسَاوِي فِي الصِّفَةِ فَلَا يَجُوزُ بَيْعُ الْمَقْلِيَّةِ بِغَيْرِ الْمَقْلِيَّةِ وَهَذَا بِخِلَافِ الْجَوْدَةِ وَالرَّدَاءَةِ فَالرَّدَاءَةُ مِنْ نَوْعِ الْعَيْبِ وَالرُّطُوبَةُ فِي الرُّطَبِ لَيْسَ بِعَيْبٍ فَإِنَّ الْعَيْبَ مَا يَخْلُو عَنْهُ أَصْلُ الْفِطْرَةِ السَّلِيمَةِ فَأَمَّا مَا لَا يَخْلُو عَنْ أَصْلِ الْفِطْرَةِ السَّلِيمَةِ لَا يَكُونُ عَيْبًا كَالصَّغِيرِ فِي الْآدَمِيِّ وَانْعِدَامُ الْعَقْلِ بِسَبَبِهِ وَهَذَا بِخِلَافِ الْحَدِيثُ مَعَ الْعِتْقِ وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْ الْبَدَلَيْنِ هُنَاكَ عَلَى هَيْئَةِ الِادِّخَارِ ثُمَّ الْحَدِيثُ إذَا عَتَقَ لَا يَظْهَرُ فِيهِ التَّفَاوُتُ إلَّا شَيْءٌ يَسِيرٌ لَا يُمْكِنُ التَّحَرُّزُ عَنْهُ وَذَلِكَ عَفْوًا كَالتُّرَابِ فِي الْحِنْطَةِ وَدَخَلَ أَبُو حَنِيفَةَ بَغْدَادَ فَسُئِلَ عَنْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَكَانُوا أَشَدَّ يَدًا عَلَيْهِ لِمُخَالَفَتِهِ الْخَبَرَ فَقَالَ : الرُّطَبُ لَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يَكُونَ تَمْرًا أَوْ لَيْسَ بِتَمْرٍ فَإِنْ كَانَ تَمْرًا جَازَ الْعَقْدُ عَلَيْهِ لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { التَّمْرُ بِالتَّمْرِ } وَإِنْ لَمْ يَكُنْ تَمْرًا جَازَ لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { وَإِذَا اخْتَلَفَ النَّوْعَانِ فَبِيعُوا كَيْفَ شِئْتُمْ } فَأُورِدَ عَلَيْهِ حَدِيثُ سَعْدٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ فَقَالَ : مَدَارُ هَذَا الْحَدِيثِ عَلَى زَيْدِ بْنِ أَبِي عَيَّاشٍ وَزَيْدُ بْنُ أَبِي عَيَّاشٍ لَا يُقْبَلُ حَدِيثُهُ وَاسْتَحْسَنَ مِنْهُ أَهْلُ الْحَدِيثِ هَذَا الطَّعْنَ حَتَّى قَالَ : ابْنُ الْمُبَارَكِ كَيْفَ يُقَالُ أَبُو حَنِيفَةَ لَا يَعْرِفُ الْحَدِيثَ وَهُوَ يَقُولُ زَيْدُ بْنُ أَبِي عَيَّاشٍ مِمَّنْ لَا يُقْبَلُ حَدِيثُهُ وَهَذَا الْكَلَامُ فِي الْمُنَاظَرَةِ يَحْسُنُ لِدَفْعِ شَغَبِ الْخَصْمِ وَلَكِنَّ الْحُجَّةَ لَا تَتِمُّ بِهَذَا لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ هُنَا قِسْمًا ثَالِثًا كَمَا فِي الْمَقْلِيَّةِ بِغَيْرِ الْمَقْلِيَّةِ وَلَكِنَّ الْحُجَّةَ لِأَبِي حَنِيفَةَ الِاسْتِدْلَال بِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { التَّمْرُ بِالتَّمْرِ

مِثْلٌ بِمِثْلٍ يَدٌ بِيَدٍ كَيْلٌ بِكَيْلٍ } وَقَدْ بَيَّنَّا أَنَّ التَّمْرَ اسْمٌ لِلثَّمَرَةِ الْخَارِجَةِ مِنْ النَّخِيلِ حِينَ تَنْعَقِدُ صُورَتُهَا إلَى أَنْ تُدْرِكَ وَمَا يَتَرَدَّدُ عَلَيْهَا مِنْ الْأَوْصَافِ بِاعْتِبَارِ الْأَحْوَالِ لَا يُوجِبُ تَبَدُّلَ اسْمِ الْعَيْنِ كَالْآدَمِيِّ يَكُونُ صَبِيًّا ثُمَّ شَابًّا ثُمَّ كَهْلًا ثُمَّ شَيْخًا فَإِذَا ثَبَتَ أَنَّ الْكُلَّ تَمْرٌ يُرَاعَى وُجُودُ الْمُمَاثَلَةِ حَالَةَ الْعَقْدِ عَلَى الصِّفَةِ الَّتِي دَخَلَتْ فِي الْعَقْدِ لِأَنَّ اعْتِبَارَ الْمُمَاثَلَةِ سَبَبُ الْمُقَابَلَةِ وَذَلِكَ يَكُونُ عِنْدَ الْعَقْدِ وَمَا كَانَ اعْتِبَارُ الْمُسَاوَاةِ إلَّا نَظِيرَ الْأَجْوَدِ فَكَمَا لَا يُعْتَبَرُ التَّفَاوُتُ فِي ذَلِكَ فَكَذَلِكَ فِي هَذَا وَقَدْ تَحَقَّقَتْ الْمُسَاوَاةُ بَيْنَهُمَا فِي الْكَيْلِ فِي الْحَالِ لِأَنَّ الرُّطُوبَةَ الَّتِي فِي الرُّطَبِ مَقْصُودَةٌ وَهِيَ شَاغِلَةٌ لِلْكَيْلِ فَلَا يَظْهَرُ التَّفَاوُتُ إلَّا بَعْدَ ذَهَابِهَا بِالْجَفَافِ فَلَا يَتَبَيَّنُ بِهِ أَنَّ التَّفَاوُتَ كَانَ مَوْجُودًا وَقْتَ الْعَقْدِ بِخِلَافِ الْحِنْطَةِ بِالدَّقِيقِ فَإِنَّ بِالطَّحْنِ تَتَفَرَّقُ الْأَجْزَاءُ وَلَا يَفُوتُ جُزْءٌ شَاغِلٌ لِلْكَيْلِ فَتَبَيَّنَ بِالتَّفَاوُتِ بَيْنَهُمَا بَعْدَ الطَّحْنِ أَنَّهُمَا لَمْ يَكُونَا مُتَسَاوِيَيْنِ عِنْدَ الْعَقْدِ وَكَذَا الْمَقْلِيَّةُ بِغَيْرِ الْمَقْلِيَّةِ فَإِنَّ بِالْقَلْيِ لَا يَفُوتُ جُزْءٌ شَاغِلٌ لِلْكَيْلِ إنَّمَا تَنْعَدِمُ اللَّطَافَةُ الَّتِي كَانَتْ بِهَا الْحِنْطَةُ مُنْبِتَةً وَلَمَّا ظَهَرَ التَّفَاوُتُ بَعْدَ الْقَلْيِ عَرَفْنَا أَنَّ هَذَا التَّفَاوُتَ كَانَ مَوْجُودًا عِنْدَ الْعَقْدِ ثُمَّ صَاحِبُ الشَّرْعِ أَسْقَطَ اعْتِبَارَ التَّفَاوُتِ فِي الْجَوْدَةِ بِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَيِّدُهَا وَرَدِيئُهَا سَوَاءٌ وَاعْتُبِرَ التَّفَاوُتُ بَيْنَ النَّقْدِ وَالنَّسِيئَةِ حَتَّى شَرْطَ الْيَدِ بِالْيَدِ ، وَصِفَةُ الْجَوْدَةِ لَا تَكُونُ حَادِثَةً بِصُنْعِ الْعِبَادِ وَالتَّقَاوَةُ بَيْنَ النَّقْدِ وَالنَّسِيئَةِ حَادِثٌ بِصُنْعِ الْعِبَادِ وَهُوَ اشْتِرَاطُ الْأَجَلِ فَصَارَ هَذَا أَصْلًا إنَّ كُلَّ تَفَاوُتٍ يَنْبَنِي

عَلَى صُنْعِ الْعِبَادِ فَذَلِكَ مُفْسِدٌ لِلْعَقْدِ وَفِي الْمَقْلُوَّةِ بِغَيْرِ الْمَقْلُوَّةِ وَالْحِنْطَةِ بِالدَّقِيقِ بِهَذِهِ الصِّفَةِ وَكُلُّ تَفَاوُتٍ يَنْبَنِي عَلَى مَا هُوَ ثَابِتٌ بِأَصْلِ الْخِلْقَةِ مِنْ غَيْرِ صُنْعِ الْعِبَادِ فَهُوَ سَاقِطُ الِاعْتِبَارِ وَالتَّفَاوُتُ بَيْنَ الرُّطَبِ وَالتَّمْرِ بِهَذِهِ الصِّفَةِ فَلَا يَكُونُ مُعْتَبَرًا كَالتَّفَاوُتِ بَيْنَ الْجَيِّدِ وَالرَّدِيءِ قَالَ : ( وَبَيْعُ الْعِنَبِ بِالزَّبِيبِ كَبَيْعِ الرُّطَبِ بِالتَّمْرِ ) .

فَأَمَّا بَيْعُ الْحِنْطَةِ الْمَبْلُولَةِ بِالْيَابِسَةِ أَوْ الرَّطْبَة بِالْيَابِسَةِ يَجُوزُ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَفِي قَوْلِ مُحَمَّدٍ لَا يَجُوزُ وَذُكِرَ فِي نُسَخِ أَبِي حَفْصٍ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ كَقَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى وَهُوَ قَوْلُهُ الْآخَرُ فَأَمَّا قَوْلُهُ الْأَوَّلُ كَقَوْلِ مُحَمَّدٍ فَأَبُو حَنِيفَةَ مَرَّ عَلَى أَصْلِهِ وَهُوَ اعْتِبَارُ الْمُسَاوَاةِ فِي الْكَيْلِ عِنْدَ الْعَقْدِ وَمُحَمَّدٌ مَرَّ عَلَى أَصْلِهِ وَهُوَ اعْتِبَارُ الْمُمَاثَلَةِ فِي أَعْدَلِ الْأَحْوَالِ كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حَدِيثِ سَعْدٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ وَذَلِكَ لَا يُوجَدُ فِي الْحِنْطَةِ الرَّطْبَةِ وَالْمَبْلُولَةِ بَعْد الْجُفُوفِ وَأَبُو يُوسُفَ يَقُولُ الْقِيَاسُ مَا قَالَهُ أَبُو حَنِيفَةَ وَلَكِنْ تَرَكْتُ الْقِيَاسَ فِي الرُّطَبِ بِالتَّمْرِ لِلْحَدِيثِ وَالْمَخْصُوصُ مِنْ الْقِيَاسِ بِالْأَثَرِ لَا يَلْحَقُ بِهِ إلَّا مَا كَانَ فِي مَعْنَاهُ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ وَالْحِنْطَةُ الرَّطْبَةُ لَيْسَتْ فِي مَعْنَى الرُّطَبِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ فَالرُّطُوبَةُ فِي الرُّطَبِ مَقْصُودَةٌ وَفِي الْحِنْطَةِ غَيْرُ مَقْصُودَةٍ بَلْ هُوَ عَيْبٌ فَلِهَذَا أَخَذْتُ فِيهِ بِالْقِيَاسِ وَأَبُو حَنِيفَةَ يَقُولُ تَأْوِيلُ الْحَدِيثِ إنْ صَحَّ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سُئِلَ عَنْ بَيْعِ الرُّطَبِ بِالتَّمْرِ نَسِيئَةً وَقَدْ نُقِلَ ذَلِكَ فِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ وَفَائِدَةُ قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَيَنْقُصُ إذَا جَفَّ أَنَّ الرُّطَبَ إذَا جَفَّ يَنْقُصُ إلَّا أَنْ يَحِلَّ الْأَجَلُ فَلَا يَكُونُ هَذَا التَّصَرُّفُ مُفِيدًا وَكَانَ السَّائِلُ وَصِيًّا لِيَتِيمٍ فَلَمْ يَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي ذَلِكَ التَّصَرُّفِ مَنْفَعَةً لِلْيَتِيمِ بِاعْتِبَارِ النُّقْصَانِ عِنْدَ الْجُفُوفِ فَمَنَعَ الْوَصِيَّ مِنْهُ عَلَى طَرِيقِ الْإِشْفَاقِ لَا عَلَى وَجْهِ بَيَانِ فَسَادِ الْعَقْدِ فَأَمَّا الْحِنْطَةُ الْمَبْلُولَةُ بِالْمَبْلُولَةِ تَجُوزُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى لِمَا

قُلْنَا وَلَا يَجُوزُ عِنْدَ مُحَمَّدٍ وَكَذَلِكَ الزَّبِيبُ الْمُنْقِعُ بِالْمُنْقِعِ وَالتَّمْرُ الْمُنْقِعُ بِالْمُنْقِعِ وَمُحَمَّدٌ يُفَرِّقُ بَيْنَ هَذِهِ الْفُصُولِ وَبَيْنَ بَيْعِ الرُّطَبِ بِالرُّطَبِ فَيَقُولُ هُنَاكَ التَّفَاوُتُ يَظْهَرُ بَعْدَ خُرُوجِ الْبَدَلَيْنِ عَنْ الِاسْمِ الَّذِي عُقِدَ بِهِ الْعَقْدُ فَلَا يَكُونُ ذَلِكَ تَفَاوُتًا فِي الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ وَهَذِهِ الْفُصُولُ تُظْهِرُ التَّفَاوُتَ بَعْدَ الْجُفُوفِ مَعَ بَقَاءِ الْبَدَلَيْنِ عَلَى الِاسْمِ الَّذِي عُقِدَ بِهِ الْعَقْدُ فَبِهَذَا الْحَرْفِ يَتَّضِحُ مَذْهَبُهُ فِي هَذِهِ الْفُصُولِ ثُمَّ ذَكَرَ بَيْعَ الْحِنْطَةِ الْمَقْلِيَّةِ بِغَيْرِ الْمَقْلِيَّةِ وَقَدْ بَيَّنَّا الْحُكْمَ فِيهِ وَأَهْلُ الْأَدَبِ طَعَنُوا عَلَيْهِ فِي هَذَا اللَّفْظِ فَقَالُوا إنَّمَا يُقَالُ حِنْطَةٌ مَقْلُوَّةٌ فَأَمَّا الْمَقْلِيَّةُ الْمُبْغَضَةُ يُقَالُ قَلَاهُ يَقْلِيهِ إذَا أَبْغَضَهُ وَلَكِنَّا نَقُولُ مُحَمَّدٌ كَانَ فَصِيحًا فِي اللُّغَةِ إلَّا أَنَّهُ رَأَى اسْتِعْمَالَ الْعَوَامّ هَذَا اللَّفْظَ فِي الْحِنْطَةِ وَمَقْصُودُهُ بَيَانُ الْأَحْكَامِ لَهُمْ فَاسْتَعْمَلَ فِيهِ اللُّغَةَ الَّتِي هِيَ مَعْرُوفَةٌ عِنْدَهُمْ وَمَا كَانَ يَخْفَى عَلَيْهِ هَذَا الْفَرْقُ

وَلَا يَجُوزُ الْحِنْطَةُ بِالسَّوِيقِ مُتَسَاوِيًا وَلَا مُتَفَاضِلًا إلَّا أَنْ تَكُونَ الْحِنْطَةُ أَكْثَرَ وَمَعَ السَّوِيقِ فِضَّةٌ أَوْ ذَهَبٌ فَيَكُونُ مَا مَعَهُ بِفَضْلِ الْحِنْطَةِ لِأَنَّ الصِّحَّةَ مَقْصُودُ الْمُتَعَاقِدَيْنِ وَمَتَى أَمْكَنَ تَحْصِيلُ مَقْصُودِهِمَا بِطَرِيقٍ جَائِزٍ شَرْعًا يَحْمِلُ مُطْلَقَ كَلَامِهِمَا عَلَيْهِ وَيَجْعَلُ كَأَنَّهُمَا صَرَّحَا بِذَلِكَ كَمَا لَوْ بَاعَ نِصْفَ عَبْدٍ مُشْتَرَكٍ بَيْنَهُ وَبَيْنَ غَيْرِهِ يَجُوزُ الْبَيْعُ وَيَنْصَرِفُ تَسْمِيَةُ النِّصْفِ مُطْلَقًا إلَى نَصِيبِهِ خَاصَّةً وَكَذَا لَوْ قَالَ : لِرَجُلٍ أَوْصَيْتُ لَكَ بِثُلُثَيْ يَجُوزُ وَيُحْمَلُ عَلَى إيجَابِ ثُلُثِ الْمَالِ لِأَنَّهُ عَرَفَ أَنَّهُ مَقْصُودُهُ فَهَذَا مِثْلُهُ وَالْأَصْلُ فِيهِ قَوْله تَعَالَى { فَبَشِّرْ عِبَادِ الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ } وَقَالَ : النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { لَا تَظُنَّنَّ بِكَلِمَةٍ خَرَجَتْ مِنْ فَمِ أَخِيكَ الْمُسْلِمِ سُوءًا وَأَنْتَ تَجِدُ لَهَا فِي الْخَيْرِ مَحْمَلًا } .

وَلَوْ أَسْلَمَ ثَوْبًا فَوْهِيًّا فِي ثَوْبٍ مَرْوِيٍّ وَيَجْعَلُ مِنْ الْمُسْلَمِ إلَيْهِ فَضْلُ دَرَاهِمَ أَوْ مَتَاعٍ جَازَ لِأَنَّ مَا يَخُصُّ الدَّرَاهِمَ أَوْ الْمَتَاعَ مِنْ الثَّوْبِ الْفَوْهِيِّ يَكُونُ مَبِيعًا وَمَا يَخُصُّ الثَّوْبَ الْهَرَوِيَّ مِنْهُ يَكُونُ رَأْسَ الْمَالِ وَإِسْلَامُ الْفَوْهِيِّ فِي الْمَرْوِيِّ جَائِزٌ وَكَذَلِكَ لَوْ أَعْطَاهُ ثَوْبًا فِي حِنْطَةٍ وَشَعِيرٍ فَجَعَلَ بَعْضَهُ عَاجِلًا وَبَعْضَهُ إلَى أَجَلٍ فَهُوَ جَائِزٌ لِأَنَّ مَا يَخُصُّ الْعَاجِلَ مِنْهُ إنْ كَانَ بِعَيْنِهِ فَهُوَ مُتَقَابِضَةٌ وَإِنْ كَانَ بِغَيْرِ عَيْنِهِ وَكَانَ مَوْصُوفًا فَهُوَ ثَمَنٌ وَمَا يَخُصُّ الْأَجَلَ فَهُوَ بَيْعُ الثَّوْبِ بِثَمَنٍ مُؤَجَّلٍ وَهَذَا لِأَنَّ الثَّوْبَ مَبِيعٌ وَالْمَكِيلُ إذَا كَانَ بِعَيْنِهِ يَكُونُ مَبِيعًا وَإِذَا كَانَ بِغَيْرِ عَيْنِهِ وَمَا يُقَابِلُهُ مَبِيعٌ فَهُوَ ثَمَنٌ وَالْبَيْعُ بِثَمَنٍ مُؤَجَّلٍ صَحِيحٌ إذَا كَانَ مَعْلُومَ الْوَصْفِ وَلَوْ أَعْطَاهُ ثَوْبًا فَوْهِيًّا فِي ثَوْبٍ فَوْهِيٍّ بِنَسِيئَةٍ فَهُوَ مَرْدُودٌ لِأَنَّهُ لَا وَجْهَ لِتَصْحِيحِهِ بَيْعًا مُقَابَضَةً فَإِنَّ أَحَدَ الْبَدَلَيْنِ لَيْسَ بِمُعَيَّنٍ وَلَا وَجْهَ لِتَصْحِيحِهِ سَلَمًا لِأَنَّ الْبَدَلَيْنِ مِنْ جِنْسٍ وَاحِدٍ وَلَا وَجْهَ لِتَصْحِيحِهِ قَرْضًا فَإِنَّ اسْتِقْرَاضَ الثَّوْبِ لَا يَجُوزُ فَإِنْ زَادَ فِيهِ دِرْهَمًا مَعَ الثَّوْبِ الَّذِي عَجَّلَ أَوْ زَادَهُ الْآخَرُ مَعَ ثَوْبِهِ دِرْهَمًا عَاجِلًا كَانَ ذَلِكَ كُلُّهُ أَوْ آجِلًا كَانَ ذَلِكَ فَاسِدًا لِأَنَّ الزِّيَادَةَ بَيْعٌ يُقْصَدُ بِهَا إخْرَاجُ الْعَيْنِ مِنْ الْعَقْدِ وَإِدْخَالُ الرُّخَصِ فِيهِ وَقَدْ تَعَذَّرَ تَصْحِيحُ الْأَصْلِ هُنَا فَلَا يُمْكِنُ تَصْحِيحُ الْبَيْعِ لِأَنَّ ثُبُوتَ الْبَيْعِ بِثُبُوتِ الْأَصْلِ وَإِذَا أَثْبَتْنَا الْحُكْمَ فِي الْبَيْعِ بِدُونِ الْأَصْلِ لَمْ يَكُنْ بَيْعًا وَكَذَا لَوْ كَانَتْ الزِّيَادَةُ دَنَانِيرَ أَوْ ثَوْبًا يَهُودِيًّا أَوْ كُرَّ حِنْطَةٍ أَوْ غَيْرَ ذَلِكَ لِأَنَّهُ بَيْعٌ لِلْأَصْلِ حِينَ أَوْجَبَهُ بِاسْمِ الزِّيَادَةِ عَيْنًا كَانَ أَوْ دَيْنًا

وَإِنْ أَسْلَمَ طَعَامًا فِي شَيْءٍ مِمَّا يُوزَنُ وَزَادَ مَعَ ذَلِكَ دَرَاهِمَ أَوْ دَنَانِيرَ أَوْ ثَوْبًا عَاجِلًا فَهُوَ جَائِزٌ لِأَنَّ الْعَقْدَ فِي الْأَصْلِ الْمُؤَاجَلَةِ بِمُقَابَلَةِ بَعْضِهِ يَكُونُ دَيْنًا بِدَيْنٍ وَإِنْ كَانَتْ الزِّيَادَةُ صَحِيحَةً هُنَا فَيَثْبُتُ حُكْمُهُ فِي الزِّيَادَةِ أَيْضًا وَإِنْ جَعَلَهُ مُؤَجَّلًا لَمْ يَجُزْ لِأَنَّ الْمُسْلَمَ فِيهِ دَيْنٌ فَالزِّيَادَةُ مِنْ الَّذِي عَلَيْهِ السَّلَمُ دَرَاهِمَ أَوْ دَنَانِيرَ أَوْ ثَوْبًا أَوْ شَيْئًا مِمَّا يُوزَنُ عَاجِلًا فَهُوَ جَائِزٌ وَإِنْ جَعَلَهُ مُؤَجَّلًا فَهُوَ جَائِزٌ أَيْضًا إذَا كَانَ مَعْلُومًا فِي نَفْسِهِ لِأَنَّ رَأْسَ الْمَالِ عَيْنٌ فَلَا يَخُصُّ الْمُسْلَمَ فِيهِ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ يَكُونُ عَقْدُ السَّلَمِ فِيهِ صَحِيحًا وَمَا يَخُصُّ الزِّيَادَةَ يَكُونُ بَيْعًا بِثَمَنٍ إلَى أَجَلٍ مَعْلُومٍ وَذَلِكَ جَائِزٌ أَيْضًا

فَأَمَّا إذَا أَسْلَمَ عَشَرَةَ دَرَاهِمَ فِي كُرِّ حِنْطَةٍ ثُمَّ إنَّ الْمُسْلَمَ إلَيْهِ زَادَ كُرًّا آخَرَ أَوْ نِصْفَ كُرٍّ لَا تَجُوزُ الزِّيَادَةُ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ جَعْلُ الزِّيَادَةِ ثَمَنًا وَجَعْلُ الدَّرَاهِمِ مَبِيعًا فَلَا بُدَّ مِنْ أَنْ يُجْعَلَ زِيَادَةً فِي الْمُسْلَمِ فِيهِ وَالزِّيَادَةُ فِي الْمُسْلَمِ فِيهِ مِنْ الْمُسْلَمِ إلَيْهِ عَلَى سَبِيلِ الِالْتِحَاقِ بِأَصْلِ الْعَقْدِ لَا يَجُوزُ لِأَنَّ عَقْدَ السَّلَمِ جُوِّزَ بِخِلَافِ الْقِيَاسِ لِحَاجَةِ النَّاسِ إلَيْهِ وَلَا حَاجَةَ لَهُ إلَى الزِّيَادَةِ بَلْ حَاجَتُهُ إلَى زِيَادَةِ رَأْسِ الْمَالِ فَلَا جَرَمَ الزِّيَادَةُ فِي رَأْسِ الْمَالِ عَلَى سَبِيلِ الِالْتِحَاقِ بِأَصْلِ الْعَقْدِ جَائِزَةٌ فِي الْمَجْلِسِ

قَالَ : ( وَإِنْ أَسْلَمَ طَعَامًا فِي ثِيَابٍ مُخْتَلِفَةٍ أَوْ فِي أَشْيَاءَ مِنْ الْوَزْنِيَّاتِ مُخْتَلِفَةٍ وَلَمْ يُسَمِّ رَأْسَ مَالِ كُلِّ صِنْفٍ مِنْهَا فَهُوَ فَاسِدٌ ) فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ بِنَاءً عَلَى أَصْلِهِ فِي اشْتِرَاطِ إعْلَامِ قَدْرِ رَأْسِ الْمَالِ فِيمَا يَتَعَلَّقُ الْعَقْدُ عَلَى قَدْرِهِ وَقَدْ سَبَقَ بَيَانُهُ .

وَلَا بَأْسَ بِأَنْ يَشْتَرِيَ الرَّجُلُ الشَّاةَ الْحَيَّةَ بِالشَّاةِ الْمَذْبُوحَةِ يَدًا بِيَدٍ لِأَنَّهُ بَيْعٌ عَدَدِيٌّ فَوْرِيٌّ فَالشَّاةُ الْحَيَّةُ لَا تُوزَنُ وَلَا خَيْرَ فِيهِ نَسِيئَةً لِأَنَّ النَّسِيئَةِ إنْ كَانَتْ فِي الشَّاةِ الْحَيَّةِ فَهُوَ سَلَمٌ فِي الْحَيَوَانِ وَإِنْ كَانَتْ فِي الْبَدَلِ الْآخَرِ فَهُوَ سَلَمٌ فِي اللَّحْمِ وَلَوْ كَانَتَا شَاتَيْنِ مَذْبُوحَتَيْنِ قَدْ سُلِخَتَا اشْتَرَاهُمَا رَجُلٌ بِشَاةٍ مَذْبُوحَةٍ لَمْ تُسْلَخْ كَانَ ذَلِكَ جَائِزًا أَيْضًا لِأَنَّ الْمِثْلَ مِنْ لَحْمِ الشَّاةِ بِمُقَابَلَةٍ مِنْ الشَّاتَيْنِ وَالْبَاقِي مِنْ لَحْمِ الشَّاتَيْنِ بِإِزَاءِ الْجِلْدِ وَالسَّقَطِ فَيَجُوزُ ذَلِكَ وَيُحْمَلُ مُطْلَقُ كَلَامِهِمَا عَلَيْهِ لِتَحْصِيلِ مَقْصُودِهِمَا وَلَوْ كَانَتْ الشَّاةُ لَيْسَ مَعَهَا جِلْدٌ كَانَ ذَلِكَ فَاسِدًا لِأَنَّ الْعَقْدَ اشْتَمَلَ عَلَى اللَّحْمِ فَقَطْ مِنْ الْجَانِبَيْنِ وَاللَّحْمُ مَوْزُونٌ فَإِذَا وُجِدَتْ الْجِنْسِيَّةُ وَالْوَزْنُ حَرُمَ التَّفَاضُلُ

قَالَ : ( وَلَا بَأْسَ بِكُرِّ حِنْطَةٍ وَكُرِّ شَعِيرٍ بِثَلَاثَةِ أَكْرَارِ حِنْطَةٍ وَكُرِّ شَعِيرٍ يَدًا بِيَدٍ ) فَتَكُونُ حِنْطَةُ هَذَا بِشَعِيرِ هَذَا وَشَعِيرُ هَذَا بِحِنْطَةِ هَذَا عِنْدَنَا اسْتِحْسَانًا وَالْقِيَاسُ أَنْ لَا يَجُوزَ وَهُوَ قَوْلُ زُفَرَ وَالشَّافِعِيِّ رَحِمَهُمَا اللَّهُ وَكَذَلِكَ لَوْ بَاعَ مُدَّ عَجْوَةٍ وَزَبِيبٍ بِمُدَّيْ عَجْوَةٍ وَزَبِيبٍ أَوْ بَاعَ دِينَارًا وَدِرْهَمٍ بِدِرْهَمَيْنِ وَدِينَارَيْنِ فَأَمَّا إذَا بَاعَ دِرْهَمًا جَيِّدًا وَدِرْهَمًا زَيِّفًا بِدِرْهَمَيْنِ جَيِّدِينَ يَجُوزُ عِنْدَ أَصْحَابِنَا رَحِمَهُمُ اللَّهُ وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ لَا يَجُوزُ وَكَذَلِكَ لَوْ بَاعَ دِينَارًا نَيْسَابُورِيًّا أَوْ دِينَارًا هَرَوِيًّا بِدِينَارَيْنِ نَيْسَابُورِيِّينَ أَوْ هَرَوِيَّيْنِ وَهَذَا بِنَاءً عَلَى الْأَصْلِ الَّذِي تَقَدَّمَ فَإِنَّ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ لِلْجَوْدَةِ قِيمَةٌ فِي الْأَمْوَالِ الرِّبَوِيَّةِ عِنْدَ الْمُقَابَلَةِ بِجِنْسِهَا فَإِنَّمَا يَنْقَسِمُ الدِّرْهَمَانِ الْجَيِّدَانِ عَلَى الْجَيِّدِ وَالزَّيِّفِ بِاعْتِبَارِ الْقِيمَةِ فَيُصِيبُ الْجَيِّدُ أَكْثَرَ مِنْ وَزْنِهِ وَالزَّيِّفُ أَقَلَّ مِنْ وَزْنِهِ وَذَلِكَ رِبًا وَعِنْدَنَا لَا قِيمَةَ لِلْجَوْدَةِ فِي الْأَمْوَالِ الرِّبَوِيَّةِ عِنْدَ الْمُقَابَلَةِ بِجِنْسِهَا فَالْمُقَابَلَةُ بِاعْتِبَارِ الْأَجْزَاءِ وَيَجُوزُ الْعَقْدُ لِوُجُودِ الْمُسَاوَاةِ فِي الْوَزْنِ عَمَلًا بِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { الذَّهَبُ بِالذَّهَبِ مِثْلٌ بِمِثْلٍ وَالْفِضَّةُ بِالْفِضَّةِ مِثْلٌ بِمِثْلٍ يَدٌ بِيَدٍ } وَبِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { جَيِّدُهَا وَرَدِيئُهَا سَوَاءٌ }

وَأَمَّا الْكَلَامُ فِي الْفَصْلِ الثَّانِي فَوَجْهُ الْقِيَاسِ فِيهِ أَنَّ الْعَقْدَ مَتَى اشْتَمَلَ عَلَى أَعْوَاضٍ مِنْ أَجْنَاسٍ مُخْتَلِفَةٍ يَنْقَسِمُ الْبَعْضُ عَلَى الْبَعْضِ بِاعْتِبَارِ الْقِيمَةِ كَمَا لَوْ بَاعَ عَبْدًا أَوْ ثَوْبًا بِجَارِيَةٍ وَحِمَارٍ وَهَذَا لِأَنَّ الِانْقِسَامَ يَكُونُ عَلَى وَجْهٍ يَعْتَدِلُ فِيهِ النَّظَرُ مِنْ الْجَانِبَيْنِ حَالَ بَقَاءِ الْعَقْدِ وَحَالَ انْفِسَاخِهِ فِي الْبَعْضِ يُعَارِضُ وَإِنَّمَا يَكُونُ ذَلِكَ فِي الِانْقِسَامِ بِاعْتِبَارِ الْقِيمَةِ وَأَمَّا فِي صَرْفِ الْجِنْسِ إلَى خِلَافِ الْجِنْسِ يَتَضَرَّرُ أَحَدُهُمَا عِنْدَ انْفِسَاخِ الْعَقْدِ فِي الْبَعْضِ بِعَارِضٍ وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ أَنَّهُ بَاعَ قَفِيزَ تَمْرٍ بِقَفِيزَيْ تَمْرٍ لَا يَجُوزُ وَلَا يُجْعَلُ التَّمْرُ مِنْ كُلِّ جَانِبٍ بِمُقَابَلَةِ النَّوَى مِنْ الْجَانِبِ الْآخَرِ وَلَوْ بَاعَ مَنًّا مِنْ لَحْمٍ بِنَوَى لَحْمٍ لَا يَجُوزُ وَلَا يُجْعَلُ اللَّحْمُ مِنْ كُلِّ جَانِبٍ بِمُقَابَلَةِ الْعَظْمِ مِنْ الْجَانِبِ الْآخَرِ حَتَّى يَجُوزَ وَلَوْ اشْتَرَى عَبْدًا بِأَلْفِ دِرْهَمٍ نَسِيئَةً ثُمَّ بَاعَهُ مِنْ الْبَائِعِ مَعَ آخَرَ بِأَلْفٍ وَخَمْسِمِائَةِ لَا يَجُوزُ الْعَقْدُ فِيمَا اشْتَرَاهُ لِأَنَّهُ اشْتَرَى مَا بَاعَ بِأَقَلّ مِمَّا بَاعَ وَتَصْحِيحُ الْعَقْدِ هُنَا يُمْكِنُ بِأَنْ يُجْعَلَ بِمُقَابَلَةِ الْعَبْدِ الْأَوَّلِ مِنْ الثَّمَنِ الثَّانِي مِثْلَ الثَّمَنِ الْأَوَّلِ وَالْبَاقِي بِإِزَاءِ الْآخَرِ وَمَعَ ذَلِكَ اُعْتُبِرَ الِانْقِسَامُ بِالْقِيمَةِ فَهَذَا مِثْلُهُ يَدُلُّ عَلَيْهِ أَنَّ فِي الْأَمْوَالِ الرِّبَوِيَّةِ يُصْرَفُ الْجِنْسُ إلَى الْجِنْسِ لَا إلَى خِلَافِ الْجِنْسِ فَإِنَّهُ إذَا بَاعَ ثَوْبًا وَعَشَرَةً بِثَوْبٍ وَعَشَرَةٍ بِشَرْطِ قَبْضِ الدَّرَاهِمِ فِي الْمَجْلِسِ لِأَنَّهُ يُجْعَلُ صَرْفًا فِي حَقِّ الدَّرَاهِمِ وَوَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ الِاسْتِدْلَال بِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { فَإِذَا اخْتَلَفَ النَّوْعَانِ فَبِيعُوا كَيْفَ شِئْتُمْ بَعْدَ أَنْ يَكُونَ يَدًا بِيَدٍ } وَقَدْ اشْتَمَلَ الْعَقْدُ هُنَا عَلَى نَوْعَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ فَيَنْبَغِي أَنْ يَجُوزَ الْعَقْدُ كَيْفَ شَاءَ

الْمُتَعَاقِدَانِ وَالْمَعْنَى فِيهِ مَا بَيَّنَّا أَنَّ تَحْصِيلَ مَقْصُودِ الْمُتَعَاقِدَيْنِ مُمْكِنٌ بِطَرِيقٍ شَرْعِيٍّ وَهُوَ صَرْفُ الْجِنْسِ إلَى خِلَافِ الْجِنْسِ فَيَجِبُ الْمَصِيرُ إلَيْهِ وَيُجْعَلُ ذَلِكَ كَالْمُصَرَّحِ بِهِ وَهَذَا لِأَنَّ الِانْقِسَامَ فِي سَائِرِ الْمُعَاوَضَاتِ بِاعْتِبَارِ الْقِيمَةِ لَيْسَ بِمُقْتَضَى الْعَقْدِ بَلْ لِلْمُعَاوَضَةِ وَالْمُسَاوَاةِ إذْ لَيْسَ صَرْفُ الْبَعْضِ أَوْلَى مِنْ الْبَعْضِ فَيَصِيرُ الِانْقِسَامُ وَالتَّوْزِيعُ بِاعْتِبَارِ الْقِيمَةِ لِلْمُعَاوَضَةِ وَذَلِكَ غَيْرُ مَوْجُودٍ هُنَا لِأَنَّهُ لَوْ صَرَفَ الْجِنْسَ إلَى الْجِنْسِ فَسَدَ الْعَقْدُ وَلَوْ صَرَفَ الْجِنْسَ إلَى خِلَافِ الْجِنْسِ صَحَّ الْعَقْدُ وَلَا مُعَاوَضَةَ بَيْنَ الْجَائِزِ وَالْفَاسِدِ الْجَائِزُ مَشْرُوعٌ بِأَصْلِهِ وَوَصْفِهِ وَالْفَاسِدُ مَشْرُوعٌ بِأَصْلِهِ حَرَامٌ بِوَصْفِهِ فَإِذَا لَمْ تَتَحَقَّقْ الْمُعَاوَضَةُ عَلَى وَجْهِ الْمُسَاوَاةِ لَا يُصَارُ إلَى الِانْقِسَامِ بِاعْتِبَارِ الْقِيمَةِ وَلَكِنْ يَتَرَجَّحُ مَا هُوَ مَشْرُوعٌ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ عَلَى مَا هُوَ مَشْرُوعٌ مِنْ وَجْهٍ دُونَ وَجْهٍ بِخِلَافِ النَّوَى مَعَ التَّمْرِ فَالتَّمْرُ وَالنَّوَى كُلُّهُ مَكِيلٌ مِنْ جِنْسٍ وَاحِدٍ وَلَوْ صَرَّحَ بِصَرْفِ التَّمْرِ إلَى النَّوَى لَمْ يَجُزْ الْعَقْدُ وَكَذَلِكَ الْعَظْمُ مَعَ اللَّحْمِ لِأَنَّهُ مُرَكَّبٌ فِيهِ خَلْقُهُ كَالنَّوَى فِي التَّمْرِ فَإِذَا كَانَ عِنْدَ التَّصْحِيحِ لَا يَصِحُّ الْعَقْدَ فَعِنْدَ الْإِطْلَاقِ لَا يُحْمَلُ عَلَيْهِ أَيْضًا فَأَمَّا مَسْأَلَةُ الْعَبْدَيْنِ ( قُلْنَا ) فَصْلُ الْمُعَاوَضَةِ يَتَحَقَّقُ هُنَاكَ لِأَنَّ جِهَاتِ الْجَوَازِ تَكْثُرُ فَإِنَّهُ إنْ جَعَلَ بِمُقَابِلَتِهِ مِثْلَ الثَّمَنِ الْأَوَّلِ يَجُوزُ وَكَذَلِكَ إنْ جَعَلَ بِمُقَابِلَتِهِ أَكْثَرَ مِنْ الثَّمَنِ الْأَوَّلِ فَلِكَثْرَةِ جِهَاتِ الْجَوَازِ يَتَحَقَّقُ مَعْنَى الْمُعَاوَضَةِ وَيَجِبُ الْمَصِيرُ إلَى الِانْقِسَامِ بِاعْتِبَارِ الْقِيمَةِ وَهُنَا لَا وَجْهَ لِلْجَوَازِ إلَّا وَاحِدٌ وَهُوَ صَرْفُ الْجِنْسِ إلَى خِلَافِ الْجِنْسِ يُوَضِّحُهُ أَنَّ شَرْطَ الْجَوَازِ هُنَاكَ أَنْ لَا يَكُونَ الثَّمَنُ الثَّانِي أَقَلَّ

مِنْ الثَّمَنِ الْأَوَّلِ فَكَأَنَّهُمَا وَلَوْ صَرَّحَا بِهَذَا لَمْ يَصِرْ مِقْدَارُ الثَّمَنِ مَعْلُومًا فَلَا يَجُوزُ الْعَقْدُ فَإِنْ قِيلَ الْمُعَاوَضَةُ هُنَا تَتَحَقَّقُ أَيْضًا فَإِنَّهُ إذَا جَعَلَ الدَّرَاهِمَ بِمُقَابَلَةِ الدِّينَارَيْنِ يَجُوزُ وَإِنْ جَعَلَ نِصْفَ دِرْهَمٍ وَالنِّصْفَ الْبَاقِي بِمُقَابَلَةٍ الدِّينَارِ وَنِصْفَ دِينَارٍ بِمُقَابَلَةِ نِصْفِ الدِّينَارِ وَالْبَاقِي بِمُقَابَلَةِ دِرْهَمٍ وَنِصْفٍ يَجُوزُ أَيْضًا ( قُلْنَا ) نَعَمْ وَلَكِنَّ هَذَا بِطَرِيقِ صَرْفِ الْجِنْسِ إلَى خِلَافِ الْجِنْسِ وَنَحْنُ ادَّعَيْنَا أَنَّهُ لَا وَجْهَ لِلْجَوَازِ هُنَا إلَّا هَذَا الطَّرِيقَ فَكَيْفَ مَا يَشْتَغِلُ بِهِ لَا يَخْرُجُ بِهِ الطَّرِيقُ مِنْ أَنْ يَكُونَ عَيْنًا وَإِذَا اشْتَرَى ثَوْبًا وَعَشَرَةً بِثَوْبٍ وَعَشَرَةٍ ( قُلْنَا ) هُنَاكَ الْعَقْدُ صَحِيحٌ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَصْرِفَ الْجِنْسَ إلَى خِلَافِ الْجِنْسِ فَإِنَّ الْقَبْضَ فِي مَجْلِسِ شَرْطِ بَقَاءِ الْعَقْدِ صَحِيحًا لَا شَرْطَ الِانْعِقَادِ صَحِيحًا وَنَحْنُ إنَّمَا صَحَّحْنَا هَذَا التَّصْحِيحَ الْعَقْدُ لَا لِلْبَقَاءِ صَحِيحًا فَلَا يَلْزَمُ

قَالَ : ( وَإِنْ اشْتَرَى قَفِيزَ حِنْطَةٍ بِنِصْفِ قَفِيزٍ هُوَ أَجْوَدُ مِنْهُ فَلَا خَيْرَ فِيهِ ) لِأَنَّهُ لَا قِيمَةَ لِلْجَوْدَةِ فَنِصْفُ الْقَفِيزِ بِمُقَابَلَةِ نِصْفِ قَفِيزٍ وَالنِّصْفُ الْآخَرُ خَالٍ عَنْ الْعِوَضِ وَبِهَذِهِ الْمَسْأَلَةِ يَتَبَيَّنُ أَنَّ أَدْنَى مَا يَكُونُ مَالُ الرِّبَا مِنْ الْحِنْطَةِ نِصْفُ قَفِيزٍ لِمَا بَيَّنَّا إنَّهَا إنَّمَا تَصِيرُ مَالَ الرِّبَا لِكَوْنِهَا مَكِيلًا وَالْمَكِيلُ مَا يُعْرَفُ مِقْدَارُهُ بِالْكَيْلِ وَذَلِكَ يُوجَدُ فِي نِصْفِ قَفِيزٍ وَلَا يُوجَدُ فِيمَا دُونَهُ

وَلَا بَأْسَ بِأَنْ يَشْتَرِيَ الْكُفُرَّى بِمَا يُنَاسِبُ مِنْ التَّمْرِ يَدًا بِيَدٍ لِأَنَّ الْكُفُرَّى لَيْسَ بِتَمْرٍ وَلَا يُكَالُ أَيْضًا وَلَا خَيْرَ فِيهِ إذَا كَانَ الْكُفُرَّى نَسِيئَةً لِأَنَّهُ مَجْهُولٌ فِيهِ الصَّغِيرُ وَالْكَبِيرُ وَهُوَ عَدَدِيٌّ مُتَفَاوِتٌ فَإِنَّ آحَادَهُ تَتَفَاوَتُ فِي الْمَالِيَّةِ ، قَالَ : ( وَلَا خَيْرَ فِي التَّمْرِ بِالْبُسْرِ اثْنَانِ بِوَاحِدٍ وَإِنْ كَانَ الْبُسْرُ لَمْ يَحْمَرَّ وَلَمْ يَصْفَرَّ ) لِأَنَّ الْبُسْرَ تَمْرٌ عَلَى مَا بَيَّنَّا أَنَّ التَّمْرَ اسْمٌ لِثَمَرَةٍ خَارِجَةٍ مِنْ النَّخْلِ مِنْ حِينَ تَنْعَقِدُ صُورَتُهَا إلَى أَنْ تُدْرَكَ فَأَمَّا فِي الْكُفُرَّى قَبْلَ انْعِقَادِ صُورَةِ التَّمْرِ فَلَا يَكُونُ تَمْرًا وَكَذَلِكَ فِي كُلِّ صِنْفٍ مِنْ صُنُوفِ التَّمْرِ فَلَا خَيْرَ فِي بَعْضِهِ بِبَعْضٍ إلَّا مِثْلًا بِمِثْلٍ يَدًا بِيَدٍ وَلَا خَيْرَ فِي أَنْ يَبْتَاعَ حِنْطَةً مُجَازَفَةً بِحِنْطَةٍ مُجَازَفَةٍ وَكَذَلِكَ كُلُّ مَكِيلٍ أَوْ مَوْزُونٍ لِأَنَّ الْمُسَاوَاةَ فِي الْقَدْرِ شَرْطٌ لِجَوَازِ الْعَقْدِ إذَا صَارَتْ الْأَمْوَالُ أَمْثَالًا مُتَسَاوِيَةً وَعِنْدَ الْبَيْعِ مُجَازَفَةً لَا تَظْهَرُ الْمُسَاوَاةُ فِي الْقَدْرِ فَلَا يَجُوزُ الْعَقْدُ

قَالَ : ( فَإِنْ تَبَايَعَ صُبْرَةً بِصُبْرَةٍ مُجَازَفَةً ثُمَّ كِلْنَا بَعْدَ ذَلِكَ فَكَانَتَا مُتَسَاوِيَيْنِ لَمْ يَجُزْ الْعَقْدُ عِنْدَنَا ) وَقَالَ : زُفَرُ يَجُوزُ لِأَنَّ مَا هُوَ شَرْطُ الْجَوَازِ وَهِيَ الْمُمَاثَلَةُ قَدْ تَبَيَّنَ أَنَّهُ كَانَ مَوْجُودًا وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَعْلُومًا لِلْمُتَعَاقِدَيْنِ فَجَازَ الْعَقْدُ كَمَا لَوْ زَوَّجَتْ امْرَأَةٌ نَفْسَهَا مِنْ رَجُلٍ وَهُنَاكَ شَاهِدَانِ يَسْمَعَانِ كَلَامَهُمَا وَالْمُتَعَاقِدَانِ لَا يَعْلَمَانِ ذَلِكَ كَانَ النِّكَاحُ جَائِزًا وَحُجَّتُنَا فِي ذَلِكَ أَنَّ الْمُعْتَبَرَ لِجَوَازِ الْعَقْدِ الْعِلْمُ بِالْمُسَاوَاةِ عِنْدَ الْعَقْدِ لِأَنَّهُ إذَا لَمْ يُعْلَمْ ذَلِكَ كَانَ الْفَضْلُ مَعْدُومًا مَوْهُومًا وَمَا هُوَ مَوْهُومُ الْوُجُودِ يُجْعَلُ كَالْمُتَحَقِّقِ فِيمَا بَنَى أَمَرَهُ عَلَى الِاحْتِيَاطِ كَمَا فِي الْعُقُوبَاتِ الَّتِي تَنْدَرِئُ بِالشُّبُهَاتِ وَلِأَنَّ بَابَ الرِّبَا مَبْنِيٌّ عَلَى الِاحْتِيَاطِ فَالْفَضْلُ الْمَوْهُومُ فِيهِ كَالْمُتَحَقِّقِ وَكَذَلِكَ لَوْ بَاعَ الْحِنْطَةَ بِالْحِنْطَةِ وَزْنًا بِوَزْنِ لَا يَجُوزُ لِأَنَّ الْحِنْطَةَ مَكِيلَةٌ فَشَرْطُ الْجَوَازِ فِيهَا الْمُمَاثَلَةُ فِي الْكَيْلِ وَبِالْمُسَاوَاةِ فِي الْوَزْنِ لَا تُعْلَمُ الْمُمَاثَلَةُ فِي الْكَيْلِ وَهَذَا بِخِلَافِ مَا لَوْ أَسْلَمَ فِي الْحِنْطَةِ وَزْنًا فَإِنَّهُ يَجُوزُ عَلَى مَا ذَكَرَهُ الطَّحَاوِيُّ لِأَنَّ فِي الْمُسْلَمِ فِيهِ لَا تُعْتَبَرُ الْمُمَاثَلَةُ وَإِنَّمَا يُعْتَبَرُ الْإِعْلَامُ عَلَى وَجْهٍ لَا يَبْقَى بَيْنَهُمَا مُنَازَعَةً فِي التَّسْلِيمِ وَذَلِكَ يُحَصَّلُ بِذِكْرِ الْوَزْنِ كَمَا يُحَصَّلُ بِذِكْرِ الْكَيْلِ وَبِهَذِهِ الْمَسْأَلَةِ يَتَبَيَّنُ الْجَوَابُ عَنْ الْإِشْكَالِ الَّذِي ذَكَرْنَا فِي مَسْأَلَةِ عِلَّةِ الرِّبَا عَلَى مَنْ عَلَّلَ فِي مَسْأَلَةِ بَيْعِ الْحَفْنَةِ بِالْحَفْنَتَيْنِ أَنَّهُ إنَّمَا جَازَ لِأَنَّ لِلْجَوْدَةِ مِنْ الْحَفْنَةِ فِيمَا عِنْدَ مُقَابَلَتِهَا بِجِنْسِهَا لِأَنَّ سُقُوطَ قِيمَةِ الْجَوْدَةِ بِاعْتِبَارِ كَوْنِ الْمَالِ مِنْ ذَوَاتِ الْأَمْثَالِ وَالْمُمَاثَلَةُ بِالْمِعْيَارِ وَلَا مِعْيَارَ لِلْحَفْنَةِ بِخِلَافِ الْقَفِيزِ فَزِدْ

عَلَى هَذَا الْكَلَامِ مَسْأَلَةَ الْغَصْبِ وَهُوَ أَنْ يُقَالَ لَا قِيمَةَ لِلْجَوْدَةِ مِنْ الْحَفْنَةِ أَيْضًا حَتَّى إذَا غَصَبَ حَفْنَةً مِنْ حِنْطَةٍ وَذَهَبَتْ جَوْدَتُهَا عِنْدَهُ فَاسْتَرَدَّهَا صَاحِبُهَا لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَضْمَنَ الْغَاصِبُ النُّقْصَانَ لِأَنَّا نَقُولُ لَا قِيمَةَ لِلْجَوْدَةِ مِنْهَا لِأَنَّهَا مَوْزُونَةٌ لَا لِأَنَّهَا مَكِيلَةٌ وَكَمَا أَنَّ اعْتِبَارَ الْكَيْلِ يُسْقِطُ قِيمَةَ الْجَوْدَةِ فَكَذَلِكَ بِاعْتِبَارِ الْوَزْنِ إلَّا أَنَّ الشَّرْعَ أَسْقَطَ اعْتِبَارَ الْوَزْنِ فِي الْحِنْطَةِ فِي حُكْمِ الرِّبَا حَيْثُ نَصَّ عَلَى الْمُمَاثَلَةِ فِيهِ كَيْلًا بِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { الْحِنْطَةُ بِالْحِنْطَةِ كَيْلٌ بِكَيْلٍ } فَلِذَا جَوَّزْنَا بَيْعَ الْحَفْنَةِ بِالْحَفْنَتَيْنِ وَلَمْ يَجْعَلْ لِلْجَوْدَةِ مِنْ الْحَفْنَةِ قِيمَةً فِي الْغَصْبِ كَمَا جَوَّزْنَا السَّلَمَ فِي الْحِنْطَةِ بِذِكْرِ الْوَزْنِ

قَالَ : ( وَلَا خَيْرَ فِي شِرَاءِ التَّمْرِ عَلَى رُءُوسِ النَّخْلِ بِالتَّمْرِ كَيْلًا أَوْ مُجَازَفَةً عِنْدَنَا ) وَقَالَ : الشَّافِعِيُّ يَجُوزُ شِرَاءُ التَّمْرِ عَلَى رُءُوسِ النَّخْلِ بِتَمْرٍ مَجْذُوذٍ عَلَى الْأَرْضِ خَرْصًا فِيمَا دُونَ خَمْسَةِ أَوْسُقٍ وَلَا يَجُوزُ فِيمَا زَادَ عَلَى خَمْسَةِ أَوْسُقٍ وَلَهُ فِي مِقْدَارِ خَمْسَةِ أَوْسُقٍ قَوْلَانِ وَحُجَّتُهُ فِي ذَلِكَ حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ { أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنْ الْمُزَابَنَةِ وَرَخَّصَ فِي الْعَرَايَا } وَهِيَ أَنْ تُبَاعَ بِخَرْصِهَا فِيمَا دُونَ خَمْسَةِ أَوْسُقٍ .
وَالدَّلِيلُ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِالْعَرَايَةِ الَّتِي رَخَّصَ فِيهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا قُلْنَا قَوْلَ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ فَإِنَّهُ لَمَّا سُئِلَ مَا عَرَايَاكُمْ هَذِهِ قَالَ : إنَّ الرُّطَبَ لَيَأْتِينَا وَلَمْ يَكُنْ فِي أَيْدِينَا بَعْدُ مَا نَبْتَاعُهُ بِهِ وَعِنْدَنَا فَضَالَاتٌ مِنْ التَّمْرِ فَرَخَّصَ لَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ نَبْتَاعَ بِخَرْصِهَا تَمْرًا فَنَأْكُلُ مَعَ الْيَابِسِ الرُّطَبَ وَلِأَنَّ مَا عَلَى رُءُوسِ النَّخْلِ لَا يَتَأَتَّى فِيهَا الْكَيْلُ فَأَقَامَ الشَّرْعُ الْخَرْصَ فِيهَا مَقَامَ الْكَيْلِ لِلْحَاجَةِ تَيْسِيرًا بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَا مَوْضُوعَيْنِ عَلَى الْأَرْضِ وَهَذِهِ الْحَاجَةُ فِي الْقَلِيلِ دُونَ الْكَثِيرِ وَالتَّفَاوُتُ مَعَ الْخَرْصِ يَنْعَدِمُ أَوْ يَقِلُّ فِي الْقَلِيلِ وَيَكْثُرُ فِي الْكَثِيرِ .
وَالْفَرْقُ بَيْنَ التَّفَاوُتِ الْكَثِيرِ وَالْيَسِيرِ فِي التَّبَرُّعِ أَصْلٌ حَتَّى إنَّ الزِّيَادَةَ تَدْخُلُ فِي الْكَيْلَيْنِ يُجْعَلُ عَفْوًا بِخِلَافِ مَا زَادَ عَلَى ذَلِكَ وَحُجَّتُنَا فِي ذَلِكَ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { التَّمْرُ بِالتَّمْرِ كَيْلٌ بِكَيْلِ } وَمَا عَلَى رُءُوسِ النَّخْلِ تَمْرٌ فَلَا يَجُوزُ بَيْعُهُ بِالتَّمْرِ إلَّا كَيْلًا بِكَيْلٍ وَهَذَا الْحَدِيثُ عَامٌّ مُتَّفَقٌ عَلَى قَبُولِهِ فَيَتَرَجَّحُ عَلَى الْخَاصِّ الْمُخْتَلَفِ فِي قَبُولِهِ وَالْعَمَلُ بِهِ وَنَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى

اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { عَنْ الْمُحَاقَلَةِ وَالْمُزَابَنَةِ } فَالْمُحَاقَلَةُ بَيْعُ الْحِنْطَةِ فِي سُنْبُلِهَا بِحِنْطَةٍ وَالْمُزَابَنَةُ بَيْعُ التَّمْرِ عَلَى رُءُوسِ النَّخْلِ بِالتَّمْرِ خَرْصًا وَأَمَّا الْعَرِيَّةُ الَّتِي فِيهَا الرُّخْصَةُ بِقَوْلِهِ وَرَخَّصَ فِي الْعَرَايَا هِيَ الْعَطِيَّةِ دُونَ الْبَيْعِ قَالَ : صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { لِلْخَرَّاصِينَ حَقِّقُوا فِي الْخَرْصِ فَإِنَّ فِي الْمَالِ الْعَرِيَّةَ وَالْوَصِيَّةَ } وَالْمَخْرُوصُ لَهُ لَا يَسْتَحِقُّ التَّخْفِيفَ بِسَبَبِ الْبَيْعِ بَلْ بِسَبَبِ الْعَطَا وَقَالَ : الْقَائِلُ شَاعِرُ الْأَنْصَارِ لَيْسَتْ بِسَنْهَاءٍ وَلَا رَجَبِيَّةٍ وَلَكِنْ عَرَايَا فِي السِّنِينَ الْحَوَائِجِ وَالِافْتِخَارُ بِالْعَطَاءِ دُونَ الْبَيْعِ وَتَفْسِيرُ الْعَرِيَّةِ أَنْ يَهَبَ الرَّجُلُ ثَمَرَ نَخْلِهِ مِنْ بُسْتَانِهِ لِرَجُلٍ ثُمَّ يَشُقُّ عَلَى الْمُعْرِي دُخُولُ الْمُعَرَّى لَهُ فِي بُسْتَانِهِ كُلَّ يَوْمٍ لِكَوْنِ أَهْلِهِ فِي الْبُسْتَانِ وَلَا يَرْضَى مِنْ نَفْسِهِ خُلْفَ الْوَعْدِ وَالرُّجُوعَ فِي الْهِبَةِ فَيُعْطِيَهُ مَكَانَ ذَلِكَ تَمْرًا مَحْدُودًا بِالْخَرْصِ لِيَدْفَعَ الضَّرَرَ عَنْ نَفْسِهِ وَلَا يَكُونُ مُخْلِفًا لِلْوَعْدِ وَهَذَا عِنْدَنَا جَائِزٌ لِأَنَّ الْمَوْهُوبَ لَمْ يَصِرْ مِلْكًا لِلْمَوْهُوبِ لَهُ مَا دَامَ مُتَّصِلًا بِمِلْكِ الْوَاهِبِ فَمَا يُعْطِيهِ مِنْ التَّمْرِ لَا يَكُونُ عِوَضًا عَنْهُ بَلْ هِبَةً مُبْتَدَأَةً وَإِنَّمَا سُمِّيَ ذَلِكَ بَيْعًا مَجَازًا لِأَنَّهُ فِي الصُّورَةِ عِوَضٌ يُعْطِيهِ لِلتَّحَرُّزِ عَنْ خُلْفِ الْوَعْدِ وَاتَّفَقَ أَنَّ ذَلِكَ كَانَ فِيمَا دُونَ خَمْسَةِ أَوْسُقٍ فَظَنَّ الرَّاوِي أَنَّ الرُّخْصَةَ مَقْصُورَةٌ عَلَى هَذَا فَنَقَلَ كَمَا وَقَعَ عِنْدَهُ وَالْقِيَاسُ مَعْنَى فِي الْمَسْأَلَةِ لِأَنَّهُ بَاعَ مَكِيلًا بِمَكِيلٍ مِنْ جِنْسِهِ فَلَا يَجُوزُ لِطَرِيقِ الْخَرْصِ كَمَا لَوْ كَانَا مَوْضُوعَيْنِ عَلَى الْأَرْضِ أَوْ كَانَا عَلَى رُءُوسِ النَّخِيلِ وَكَمَا فِي سَائِرِ الْمَكِيلَاتِ مِنْ الْحِنْطَةِ وَالشَّعِيرِ فَإِنَّهُ لَوْ بَاعَ الشَّعِيرَ الْمُتَحَصِّلَ بِشَعِيرٍ مِثْلِهِ بِطَرِيقِ الْخَرْصِ لَمْ يُجْزِئْ

كَذَلِكَ الْحِنْطَةُ وَالشَّافِعِيُّ لَا يَجُوزُ ذَلِكَ فِي الْحِنْطَةِ لِمَعْنَيَيْنِ ( أَحَدُهُمَا ) أَنَّ شِرَاءَ الْحِنْطَةِ فِي سُنْبُلِهَا بِالدَّرَاهِمِ عِنْدَهُ لَا يَجُوزُ لِأَنَّهُ شِرَاءُ مَا لَمْ يَرَهُ بِخِلَافِ الشَّعِيرِ فَإِنَّهُ ظَاهِرٌ مَرْئِيٌّ .
( وَالثَّانِي ) أَنَّهُ بَيْعُ مَطْعُومٍ بِمَطْعُومٍ مِنْ جِنْسِهِ لَمْ يُعْرَفْ التَّسَاوِي بَيْنَهُمَا فِي الْمِعْيَارِ الشَّرْعِيِّ

قَالَ : ( وَلَا بَأْسَ بِشِرَاءِ فَضْلِ الْحِنْطَةِ بِحِنْطَةِ مُجَازَفَةً أَوْ كَيْلًا بَعْدَ أَنْ يَكُونَ بِعَيْنِهِ ) لِأَنَّ الْفَضْلَ لَيْسَ بِمَكِيلٍ وَلَا مَوْزُونٍ إنَّمَا هُوَ عَلَفُ الدَّوَابِّ بِمَنْزِلَةِ الْحَشِيشِ ثُمَّ بَيْعُ الزَّرْعِ النَّابِتِ قَبْلَ أَنْ يَصِيرَ مُنْتَفَعًا بِهِ لَا يَجُوزُ سَوَاءٌ بَاعَهُ بِالنَّقْدِ أَوْ بِغَيْرِهِ لِأَنَّ الْبَيْعَ يَخْتَصُّ بِعَيْنِ مَالٍ مُتَقَوِّمٍ وَالزَّرْعُ فِي أَوَّلِ مَا يَبْدُو قَبْلَ أَنْ يَصِيرَ مُنْتَفَعًا بِهِ لَا يَكُونُ مَالًا مُتَقَوِّمًا أَمَّا بَعْدَ مَا صَارَ مُنْتَفَعًا بِهِ بِحَيْثُ يَعْمَلُ فِيهِ الْمَنَاجِلُ وَمَشَافِرُ الدَّوَابُّ يَجُوزُ بَيْعُهُ لِأَنَّهُ مَالٌ مُتَقَوِّمٌ مُنْتَفَعٌ بِهِ فَإِنْ بَاعَهُ بِشَرْطِ الْقَطْعِ أَوْ مُطْلَقًا جَازَ لِأَنَّ مُقْتَضَى مُطْلَقِ الْبَيْعِ تَسْلِيمُ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ عَقِيبَهُ فَهُوَ وَشَرْطُ الْقَطْعِ سَوَاءٌ وَإِنْ بَاعَهُ بِشَرْطِ التَّرْكِ فِي أَرْضِهِ حَتَّى يُدْرِكَ فَلَا خَيْرَ فِيهِ لِأَنَّهُ إنْ كَانَ بِمُقَابَلَةِ مَنْفَعَةِ التَّرْكِ بَعْضُ الْبَدَلِ فَهُوَ إجَارَةٌ مَشْرُوطَةٌ فِي الْبَيْعِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ بِمُقَابَلَتِهَا شَيْءٌ مِنْ الْبَدَلِ فَهُوَ إعَارَةٌ مَشْرُوطَةٌ فِي الْعَقْدِ وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مُفْسِدٌ لِلْعَقْدِ وَإِنْ اشْتَرَاهُ مُطْلَقًا ثُمَّ تَرَكَهُ إلَى وَقْتِ الْإِدْرَاكِ فَإِنْ كَانَ التَّرْكُ بِإِذْنِ الْبَائِعِ فَالْفَضْلُ طَيِّبٌ لِلْمُشْتَرِي لِأَنَّهُ تَبَرَّعَ عَلَيْهِ بِمَنَافِعِ أَرْضِهِ وَإِنْ كَانَ التَّرْكُ بِغَيْرِ إذَنْ الْبَائِعِ فَعَلَيْهِ أَنْ يَتَصَدَّقَ بِالْفَضْلِ لِأَنَّهُ حَصَلَ لَهُ بِكَسْبٍ خَبِيثٍ فَإِنَّهُ غَاصِبٌ لِلْأَرْضِ وَالزِّيَادَةُ إنَّمَا حَصَلَتْ بِقُوَّةِ الْأَرْضِ فَكَانَ بِمَنْزِلَةِ مَنْ غَصَبَ أَرْضًا وَزَرَعَهَا فَعَلَيْهِ أَنْ يَتَصَدَّقَ بِالْفَضْلِ قَالَ : ( وَإِنْ اسْتَأْجَرَ الْأَرْضَ مُدَّةً مَعْلُومَةً بِأَجْرٍ مَعْلُومٍ لِيَتْرُكَ الْفَضْلَ فِيهَا فَذَلِكَ جَائِزٌ ) لِأَنَّ اسْتِئْجَارَ الْأَرْضِ صَحِيحٌ إذَا كَانَ الْمُسْتَأْجِرُ يَتَمَكَّنُ مِنْ اسْتِيفَاءِ مَنْفَعَتِهَا وَالتَّمَكُّنُ هُنَا مَوْجُودٌ لِاشْتِغَالِهَا بِزَرْعِهِ بِمَعْنَى أَنَّهُ

وَصَلَتْ مَنْفَعَةُ الْأَرْضِ إلَى زَرْعِهِ فَصَارَ كَأَنَّ زَرْعَهُ اسْتَوْفَى مَنْفَعَةَ الْأَرْضِ وَإِنْ اسْتَأْجَرَهَا إلَى وَقْتِ الْإِدْرَاكِ فَهُوَ فَاسِدٌ لِجَهَالَةِ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ وَقَدْ يَتَقَدَّمُ الْإِدْرَاكُ إذَا تَعَجَّلَ الْحَرُّ وَقَدْ يَتَأَخَّرُ إذَا طَالَ الْبَرْدُ وَيَلْزَمُهُ أَجْرُ الْمِثْلِ لِأَنَّهُ اُسْتُوْفِيَ فِي الْمَنْفَعَةِ بِحُكْمِ عَقْدٍ فَاسِدٍ وَلَا يُجَاوِزُ بِهِ مَا سَمَّى لِانْعِدَامِ الْمُقَوَّمِ فِي الزِّيَادَةِ ثُمَّ يُرْفَعُ مِنْ الْغَلَّةِ مَا غَرِمَ فِيهِ وَيَتَصَدَّقُ بِالْفَضْلِ لِأَنَّهُ حَصَلَ بِحُكْمِ عَقْدٍ فَاسِدٍ فَتَمَكَّنَ فِيهِ نَوْعٌ خَبِيثٌ .

قَالَ : ( وَلَا بَأْسَ بِأَنْ يَبْتَاعَ زَرْعَ الْحِنْطَةِ بَعْدَ مَا أَدْرَكَ بِغَيْرِ الْحِنْطَةِ عِنْدَنَا ) وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ لَا يَجُوزُ فِي أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ لِأَنَّهُ اشْتَرَى مَا لَمْ يَرَهُ وَبَيَانُهُ يَأْتِي فِي مَوْضِعِهِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى

قَالَ : ( وَإِذَا كَانَ الشَّيْءُ مِمَّا يُكَالُ أَوْ يُوزَنُ بَيْنَ رَجُلَيْنِ وَهُمَا نَوْعَانِ فَاقْتَسَمَاهُ مُجَازَفَةً فَأَخَذَ أَحَدُهُمَا أَحَدَ النَّوْعَيْنِ وَالْآخَرُ النَّوْعَ الْآخَرَ بِغَيْرِ كَيْلٍ وَأَخَذَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا نِصْفَ نَوْعٍ مُجَازَفَةً فَهُوَ جَائِزٌ إذَا اصْطَلَحَا عَلَيْهِ ) لِأَنَّهُمَا جِنْسَانِ مُخْتَلِفَانِ وَالْمُعَاوَضَةُ عِنْدَ اخْتِلَافِ الْجِنْسِ يَدًا بِيَدٍ يَجُوزُ كَيْفَ مَا كَانَ وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يَأْخُذُ نِصْفَ النَّوْعِ الَّذِي أَخَذَهُ بِتَقْدِيمِ مِلْكِهِ وَالنِّصْفُ الْآخَرُ عِوَضًا عَمَّا تَرَكَهُ لِصَاحِبِهِ مِنْ نَصِيبِهِ فِي النَّوْعِ الْآخَرِ وَبَيْعُ الْحِنْطَةِ بِالشَّعِيرِ مُجَازَفَةً يَجُوزُ .

قَالَ : ( وَلَا يَجُوزُ شِرَاءُ اللَّبَنِ فِي الضَّرْعِ كَيْلًا وَلَا مُجَازَفَةً بِدَرَاهِمَ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ ) لِنَهْيِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ الْغَرَرِ مَا يَكُونُ مَسْتُورَ الْعَاقِبَةِ وَلَا يُدْرَى أَنَّ مَا فِي الضَّرْعِ رِيحٌ أَوْ دَمٌ أَوْ لَبَنٌ وَلِأَنَّ الْبَيْعَ يَخْتَصُّ بِعَيْنِ مَالٍ مُتَقَوِّمٍ بِنَفْسِهِ وَاللَّبَنُ فِي الضَّرْعِ بِمَنْزِلَةِ الصِّفَةِ فِي الْحَيَوَانِ وَلَا يَكُونُ مَالًا مُتَقَوِّمًا بِنَفْسِهِ قَبْلَ الْحَلْبِ وَأَوْصَافُ الْحَيَوَانِ لَا تَقْبَلُ الْبَيْعَ كَالْيَدِ وَالرِّجْلِ وَلِأَنَّ اللَّبَنَ يَزْدَادُ سَاعَةً فَسَاعَةً وَتِلْكَ الزِّيَادَةُ لَا يَتَنَاوَلُهَا الْبَيْعُ وَاخْتِلَاطُ الْمَبِيعِ بِمَا لَيْسَ بِمَبِيعٍ مِنْ مِلْكِ الْبَائِعِ عَلَى وَجْهٍ يَتَعَذَّرُ تَمْيِيزُهُ مُبْطِلٌ لِلْبَيْعِ ثُمَّ تَتَمَكَّنُ الْمُنَازَعَةُ بَيْنَهُمَا فِي التَّسْلِيمِ لِأَنَّ الْمُشْتَرِيَ يَسْتَعْصِي فِي الْحَلْبِ وَالْبَائِعَ يُطَالِبُهُ بِتَرْكِ دَاعِيَةِ اللَّبَنِ وَكَذَلِكَ بَيْعُ أَوْلَادِهَا فِي بُطُونِهَا لَا يَجُوزُ لِمَعْنَى الْغُرُورِ وَانْعِدَامِ الْمَالِيَّةِ وَالتَّقَوُّمِ فِيهِ مَقْصُودًا قَبْلَ الِانْفِصَالِ وَعَجَزَ الْبَائِعُ عَنْ تَسْلِيمِهِ وَاسْتَدَلَّ { بِنَهْيِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ بَيْعِ حَبَلِ الْحَبَلَةِ } مِنْهُمْ مِنْ يَرْوِي بِالْكَسْرِ الْحَبَلَةِ فَيَتَنَاوَلُ بَيْعَ الْحَمْلِ وَمِنْهُمْ مِنْ يَرْوِي بِالنَّصْبِ الْحَبَلَةِ فَيَكُونُ الْمُرَادُ بَيْعُ مَا يَحْمِلُ هَذَا الْحَمْلُ بِأَنْ وَلَدَتْ النَّاقَةُ ثُمَّ حَبِلَتْ وَلَدُهَا فَالْمُرَادُ بَيْعُ حَمْلِ وَلَدِهَا وَقَدْ كَانُوا فِي الْجَاهِلِيَّةِ يَعْتَادُونَ ذَلِكَ فَأَبْطَلَ ذَلِكَ كُلَّهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { بِنَهْيِهِ عَنْ بَيْعِ الْمَضَامِينِ وَالْمَلَاقِيحِ وَعَنْ بَيْعِ حَبَلِ الْحَبَلَةِ } قِيلَ الْمَضَامِينُ مَا تَتَضَمَّنُهُ الْأَصْلَابُ وَالْمَلَاقِيحُ مَا تَتَضَمَّنُهُ الْأَرْحَامُ وَقِيلَ عَلَى عَكْسِ هَذَا الْمَضَامِينِ مَا تَضُمُّهُ الْأَرْحَامُ وَالْمَلَاقِيحُ مَا تَضُمُّهُ الْأَصْلَابُ وَكَذَلِكَ شِرَاءُ أَصْوَافِهَا عَلَى ظُهُورِهَا

لِأَنَّ الصُّوفَ قَبْلَ الْجِزَازِ وَصْفٌ لِلْحَيَوَانِ وَلَيْسَ بِمَالِ مُتَقَوِّمٍ فِي نَفْسِهِ وَلِأَنَّ الْمُنَازَعَةَ بَيْنَمَا يَتَمَكَّنُ فِي التَّسْلِيمِ فَإِنَّ الْمُشْتَرِيَ يَسْتَعْصِي فِي الْجِزَازِ وَالْبَائِعَ يَمْنَعُهُ مِنْ ذَلِكَ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ أَنَّهُ جَوَّزَ ذَلِكَ لِأَنَّ الصُّوفَ عَيْنُ مَالٍ ظَاهِرٍ وَقَاسَهُ بِبَيْعِ قَوَائِمِ الْخِلَافِ وَذَلِكَ جَائِزٌ وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا عَلَى ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ أَنَّ النُّمُوَّ فِي أَغْصَانِ الشَّجَرَةِ يَكُونُ مِنْ رَأْسِهَا لَا مِنْ أَصْلِهَا فَلَا يَخْتَلِطُ مِلْكُ الْبَائِعِ بِمِلْكِ الْمُشْتَرِي وَأَمَّا النُّمُوُّ فِي الصُّوفِ يَكُونُ مِنْ أَصْلِهِ وَذَلِكَ يَتَبَيَّنُ فِيمَا إذَا حَصَبَ الصُّوفَ عَلَى ظَهْرِ الشَّاةِ ثُمَّ تَرَكَهُ حَتَّى نَمَا فَالْمَحْصُوبُ يَكُونُ عَلَى رَأْسِهِ لَا فِي أَصْلِهِ فَيَخْتَلِطُ مِلْكُ الْبَائِعِ بِمِلْكِ الْمُشْتَرِي مَعَ أَنَّ مَا يَكُونُ مُتَّصِلًا بِحَيَوَانٍ فَهُوَ وَصْفٌ مَحْضٌ بِخِلَافِ مَا يَكُونُ مُتَّصِلًا بِالشَّجَرَةِ فَهُوَ عَيْنُ مَالٍ مَقْصُودٍ مِنْ وَجْهٍ فَيَجُوزُ بَيْعُهُ لِذَلِكَ

قَالَ : ( وَكُلُّ شَيْءٍ اشْتَرَاهُ مِنْ الثِّمَارِ عَلَى رَأْسِ الشَّجَرِ بِصِنْفٍ مِنْ غَيْرِهِ يَدًا بِيَدٍ فَلَا بَأْسَ بِهِ وَشِرَاءُ الثِّمَارِ قَبْلَ أَنْ تَصِيرَ مُنْتَفَعًا بِهَا لَا يَجُوزُ ) لِأَنَّهُ إذَا كَانَ بِحَيْثُ لَا يَصْلُحُ لَتَنَاوُلِ بَنِي آدَمَ أَوْ عَلَفِ الدَّوَابِّ فَهُوَ لَيْسَ بِمَالٍ مُتَقَوِّمٍ فَإِنْ صَارَ مُنْتَفَعًا بِهِ وَلَكِنْ لَمْ يَبْدُ صَلَاحُهُ بَعْدُ بِأَنْ كَانَ لَا يَأْمَنُ الْعَاهَةَ وَالْفَسَادَ عَلَيْهِ فَاشْتَرَاهُ بِشَرْطِ الْقَطْعِ يَجُوزُ وَإِنْ اشْتَرَاهُ بِشَرْطِ التَّرْكِ لَا يَجُوزُ وَإِنْ اشْتَرَاهُ مُطْلَقًا يَجُوزُ عِنْدَنَا لِأَنَّ مُطْلَقَ الْعَقْدِ يَقْتَضِي تَسْلِيمَ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ فِي الْحَالِ فَهُوَ وَشَرْطُ الْقَطْعِ سَوَاءٌ وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ لَا يَجُوزُ هَذَا الْعَقْدُ { لِنَهْيِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ بَيْعِ الثِّمَارِ حَتَّى يَبْدُوَ صَلَاحُهَا } أَوْ قَالَ : حَتَّى يَزْهَى أَوْ قَالَ : حَتَّى تُؤْمَنُ الْعَاهَةُ وَتَأْوِيلُهُ عِنْدَنَا فِي الْبَيْعِ بِشَرْطِ التَّرْكِ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ أَرَأَيْتَ لَوْ أَذْهَبَ اللَّهُ تَعَالَى الثَّمَرَةَ بِمَا يَسْتَحِلُّ أَحَدُكُمْ مَالَ أَخِيهِ الْمُسْلَمِ وَإِنَّمَا يُتَوَهَّمُ هَذَا إذَا اشْتَرَى بِشَرْطِ التَّرْكِ إلَى أَنْ يَبْدُوَ صَلَاحُهَا أَمَّا إذَا اشْتَرَاهَا بَعْدَ مَا بَدَا صَلَاحُهَا إلَّا أَنَّهَا لَمْ تُدْرِكْ بَعْدَ شَرْطِ الْقَطْعِ يَجُوزُ وَكَذَلِكَ مُطْلَقًا وَيُؤْمَرُ بِأَنْ يَقْطَعَهَا فِي الْحَالِ بِمُقْتَضَى مُطْلَقُ الْعَقْدِ وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ يَتْرُكُهَا إلَى وَقْتِ الْإِدْرَاكِ لِأَنَّهُ هُوَ الْمُتَعَارَفُ بَيْنَ النَّاسِ وَلَوْ اشْتَرَاهَا بِشَرْطِ التَّرْكِ فَالْعَقْدُ فَاسِدٌ عِنْدَنَا جَائِزٌ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ لِأَنَّهُ مُتَعَارَفٌ بَيْنَ النَّاسِ وَمِنْ الشَّرَائِطِ فِي الْعُقُودِ مَا يُجَوِّزُ الْعُرْفُ كَمَا إذَا اشْتَرَى نَعْلًا وَشِرَاكَيْنِ بِشَرْطِ أَنْ يَحْذُوهَا الْبَائِعُ وَلَكِنَّا نَقُولُ إنْ كَانَ بِمُقَابَلَةِ مَنْفَعَةِ التَّرْكِ شَيْءٌ مِنْ الْبَدَلِ فَهَذِهِ إجَارَةٌ مَشْرُوطَةٌ فِي الْبَيْعِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فَهِيَ إعَارَةٌ

مَشْرُوطَةٌ فِي الْبَيْعِ وَقَدْ وَرَدَ الشَّرْعُ بِالنَّهْيِ عَنْ ذَلِكَ حَيْثُ نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ صَفْقَتَيْنِ فِي صَفْقَةٍ وَعَنْ بَيْعٍ وَشَرْطٍ وَعَنْ بَيْعٍ وَسَلَفٍ وَكُلُّ عُرْفٍ وَرَدَ النَّصُّ بِخِلَافِهِ فَهُوَ غَيْرُ مُعْتَبَرٍ ثُمَّ إنَّ الثِّمَارَ عَلَى رُءُوسِ الْأَشْجَارِ تَزْدَادُ وَهَذِهِ الزِّيَادَةُ تَحْدُثُ مِنْ مِلْكِ الْبَائِعِ بَعْدَ الْبَيْعِ فَكَأَنَّهُ ضَمَّ الْمَعْدُومَ إلَى الْمَوْجُودِ وَاشْتَرَاهُمَا فَكَانَ بَاطِلًا وَفَصْلُ النَّعْلِ مُسْتَحْسَنٌ مِنْ الْقِيَاسِ وَلَا يَتَمَكَّنُ فِي ذَلِكَ الشَّرْطِ شِرَاءُ الْمَعْدُومِ فَأَمَّا إذَا تَنَاهَى عِظَمُ الثِّمَارِ وَصَارَ بِحَيْثُ لَا يَزْدَادُ ذَلِكَ وَلَكِنْ لَمْ يَنْضَجْ فَإِنْ اشْتَرَاهُ بِشَرْطِ الْقَطْعِ أَوْ مُطْلَقًا يَجُوزُ وَإِنْ اشْتَرَاهُ بِشَرْطِ التَّرْكِ فَفِي الْقِيَاسِ الْعَقْدُ فَاسِدٌ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ لِمَا قُلْنَا وَجَوَّزَ مُحَمَّدٌ الْعَقْدَ فِي هَذَا الْفَصْلِ اسْتِحْسَانًا لِأَنَّهُ شَرْطٌ مُتَعَارَفٌ وَمُدَّةُ التَّرْكِ يَسِيرَةٌ وَقَدْ يَتَحَمَّلُ الْيَسِيرَ فِيمَا لَا يَتَحَمَّلُ فِيهِ الْكَثِيرَ مَعَ أَنَّهُ لَا يُؤْخَذُ لِلزِّيَادَةِ مِنْ مِلْكِ الْبَائِعِ بَعْدَ هَذَا وَلَكِنَّ الشَّمْسَ تُنْضِجُهُ بِتَقْدِيرِ اللَّهِ وَيَأْخُذُ اللَّوْنَ مِنْ الْقَمَرِ بِتَقْدِيرِ اللَّهِ وَالطَّعْمَ مِنْ الْكَوَاكِبِ بِتَقْدِيرِ اللَّهِ فَلَمْ يَبْقَ فِيهِ إلَّا عَمَلُ الشَّمْسِ وَالْقَمَرِ وَالْكَوَاكِبِ فَلِهَذَا قَالَ مُحَمَّدٌ اسْتَحْسَنَ أَنَّ أُجَوِّزَهُ بِخِلَافِ مَا قَبْلَ أَنْ يَتَنَاهَى عِظَمُهُ فَإِنْ اشْتَرَاهُ مُطْلَقًا ثُمَّ تَرَكَهُ إلَى وَقْتِ الْإِدْرَاكِ فَهُوَ عَلَى قِيَاسِ مَا قَدَّمْنَا مِنْ التَّفْصِيلِ فِي الْفَصْلِ إلَّا فِي فَصْلَيْنِ ( أَحَدُهُمَا ) أَنَّ هُنَاكَ لَوْ اسْتَأْجَرَ الْأَرْضَ مُدَّةً مَعْلُومَةً يَجُوزُ وَهُنَا لَوْ اسْتَأْجَرَ الْأَشْجَارَ مُدَّةً مَعْلُومَةً لَا يَجُوزُ بِحَالٍ لِأَنَّ اسْتِئْجَارَ الْأَرْضِ بِالدَّرَاهِمِ صَحِيحٌ وَاسْتِئْجَارُ الْأَشْجَارِ لَا يَجُوزُ بِحَالٍ ( وَالثَّانِي ) أَنَّ هُنَاكَ لَوْ اسْتَأْجَرَ الْأَرْضَ إلَى

وَقْتِ الْإِدْرَاكِ يَلْزَمُهُ أَجْرُ الْمِثْلِ وَلَا يَطِيبُ لَهُ الْفَضْلُ وَهُنَا لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ مِنْ الْأَجْرِ وَيَطِيبُ لَهُ الْفَضْلُ لِأَنَّ اسْتِئْجَارَ الْأَشْجَارِ لَا يَجُوزُ لَهُ بِحَالٍ فَلَا يَنْعَقِدُ الْعَقْدُ عَلَيْهِمَا فَاسِدًا أَيْضًا وَبِدُونِ انْعِقَادِ الْعَقْدِ لَا يَجِبُ الْأَجْرُ وَإِذَا صَارَ الْعَقْدُ لَغْوًا بَقِيَ مُجَرَّدُ الْإِذْنِ وَالتَّرْكُ مَتَى كَانَ بِإِذْنِ الْبَائِعِ فَالْفَضْلُ يَطِيبُ لَهُ وَلَمْ يَذْكُرْ فَصْلًا آخَرَ فِي الْكِتَابِ وَهُوَ مَا إذَا صَارَ بَعْضُ الثِّمَارِ مُنْتَفَعًا بِهِ وَلَمْ يَخْرُجْ الْبَعْضُ بَعْدُ أَوْ لَمْ يَصِرْ مُنْتَفَعًا بِهِ وَلَمْ يَخْرُجْ الْبَعْضُ أَوْ لَمْ يَصِرْ مُنْتَفَعًا بِهِ كَالتِّينِ وَنَحْوِهِ فَاشْتَرَى الْكُلَّ فَظَاهِرُ الْمَذْهَبِ أَنَّ هَذَا الْعَقْدَ لَا يَجُوزُ عِنْدَنَا خِلَافًا لِمَالِكٍ فَإِنَّهُ يَقُولُ وُجُودُ صِفَةِ الْمَالِيَّةِ وَالتَّقَوُّمِ فِي شَيْءٍ مِمَّا هُوَ الْمَقْصُودُ يُجْعَلُ كَوُجُودِهِ فِي الْكُلِّ لِلْحَاجَةِ إلَى ذَلِكَ كَمَا أَنَّ فِي بَابِ الْإِجَارَةِ يَجْعَلُ وُجُودَ جُزْءٍ مِنْ الْمَنْفَعَةِ كَوُجُودِ الْكُلِّ فِي حَقِّ جَوَازِ الْعَقْدِ أَوْ يَجْعَلُ مَا خَرَجَ أَصْلًا وَمَا لَمْ يَخْرُجْ مِنْهُ جُعِلَ تَبَعًا لَهُ فِي حَقِّ جَوَازِ الْعَقْدِ لِتَعَامُلِ النَّاسِ وَلَكِنَّا نَقُولُ جَمَعَ فِي الْعَقْدِ بَيْنَ الْمَعْدُومِ وَالْمَوْجُودِ وَالْمَعْدُومُ لَا يَقْبَلُ الْبَيْعَ وَحِصَّةُ الْمَوْجُودِ مِنْ الْبَدَلِ غَيْرُ مَعْلُومٍ فَلَا يَجُوزُ الْعَقْدُ وَجَعَلَ الْمَعْدُومَ حَقِيقَةً مَوْجُودًا حُكْمًا لِلضَّرُورَةِ وَذَلِكَ فِيمَا لَا يَقْبَلُ الْعَقْدُ بَعْدَ الْوُجُودِ حَقِيقَةً فَأَمَّا الثِّمَارُ تَقْبَلُ الْعَقْدَ بَعْدَ الْوُجُودِ قَالَ : رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَكَانَ شَيْخُنَا الْإِمَامُ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ يُفْتِي بِجَوَازِ هَذَا الْبَيْعِ فِي الثِّمَارِ وَالْبَاذِنْجَانِ وَالْبِطِّيخِ وَغَيْرِ ذَلِكَ وَهَكَذَا حُكِيَ عَنْ الشَّيْخِ الْإِمَامِ أَبِي بَكْرٍ مُحَمَّدِ بْنِ الْفَضْلِ قَالَ : أَجْعَلُ الْمَوْجُودَ أَصْلًا فِي الْعَقْدِ وَمَا يَحْدُثُ بَعْدَ ذَلِكَ تَبَعًا قَالَ : أَسْتَحْسِنُ فِيهِ لِتَعَامُلِ النَّاسِ فَإِنَّهُمْ

تَعَامَلُوا بِبَيْعِ ثِمَارِ الْكَرْمِ بِهَذِهِ الصِّفَةِ وَلَهُمْ فِي ذَلِكَ عَادَةٌ ظَاهِرَةٌ وَفِي نَزْعِ النَّاسِ عَنْ عَادَتِهِمْ حَرَجٌ بَيِّنٌ قَالَ : وَقَدْ رَأَيْتُ رِوَايَةً فِي هَذَا عَنْ مُحَمَّدٍ وَهُوَ فِي بَيْعِ الْوَرْدِ عَلَى الْأَشْجَارِ فَإِنَّ الْوَرْدَ مَثَلًا حَقٌّ ثُمَّ جَوَّزَ الْبَيْعَ فِي الْكُلِّ مُطْلَقًا بِهَذَا الطَّرِيقِ قَالَ : الشَّيْخُ الْإِمَامُ وَلَكِنَّ الْأَوَّلَ عِنْدِي أَصَحُّ لِأَنَّ الْمَصِيرَ إلَى هَذَا الطَّرِيقِ عِنْدَ تَحَقُّقِ الضَّرُورَةِ وَلَا ضَرُورَةَ فِي الْبَاذِنْجَانِ وَالْبِطِّيخِ فَإِنَّهُ يُمْكِنُهُ أَنْ يَبِيعَ أُصُولَهَا حَتَّى يَكُونَ مَا يَحْدُثُ مِنْ مِلْكِ الْمُشْتَرِي لَهُ وَفِي الثِّمَارِ كَذَلِكَ فَإِنَّهُ يُمْكِنُهُ أَنْ يَشْتَرِيَ الْمَوْجُودَ الْمُنْتَفَعَ بِهِ بِبَعْضِ الثَّمَنِ ثُمَّ يُؤَخِّرَ الْعَقْدَ فِيمَا بَقِيَ إلَى أَنْ يَصِيرَ مُنْتَفَعًا بِهِ أَوْ يَشْتَرِيَ الْمَوْجُودَ بِجَمِيعِ الثَّمَنِ وَيَحِلُّ لِلْبَائِعِ أَنْ يَنْتَفِعَ بِمَا يَحْدُثُ فَيَحْصُلُ مَقْصُودُهُمَا بِهَذَا الطَّرِيقِ

قَالَ : ( وَإِنْ اشْتَرَى طَعَامًا بِطَعَامٍ مِثْلِهِ فَعَجَّلَهُ لَهُ وَتَرَكَ الَّذِي اشْتَرَى وَلَمْ يَقْبِضْ حَتَّى افْتَرَقَا فَلَا بَأْسَ بِهِ عِنْدَنَا ) وَقَالَ : الشَّافِعِيُّ يَبْطُلُ الْبَيْعُ وَالتَّقَابُضُ فِي الْمَجْلِسِ فِي بَيْعِ الطَّعَامِ بِالطَّعَامِ مِنْ جِنْسِهِ أَوْ مِنْ خِلَافِ جِنْسِهِ لَيْسَ بِشَرْطٍ عِنْدَنَا وَقَالَ الشَّافِعِيُّ : هُوَ شَرْطٌ عِنْدِي وَاسْتَدَلُّوا بِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْأَشْيَاءِ الْأَرْبَعَةِ يَدًا بِيَدٍ وَالْمُرَادُ بِهِ الْقَبْضُ أَلَا تَرَى أَنَّ هَذَا اللَّفْظَ فِي الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ أَفَادَ شَرْطَ الْقَبْضِ ثُمَّ قَالَ : فِي آخِرِ الْحَدِيثِ وَإِذَا اخْتَلَفَ النَّوْعَانِ فَبِيعُوا كَيْفَ شِئْتُمْ بَعْدَ أَنْ يَكُونَ يَدًا بِيَدٍ وَهَذَا يَنْصَرِفُ إلَى جَمِيعِ مَا سَبَقَ ثُمَّ فُهِمَ مِنْهُ فِي بَيْعِ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ شَرْطُ الْقَبْضِ فِي الْمَجْلِسِ فَكَذَلِكَ فِي الْأَشْيَاءِ الْأَرْبَعَةِ وَلِأَنَّ الْعَقْدَ جَمَعَ بَيْنَ بَدَلَيْنِ لَوْ قُوبِلَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِجِنْسِهِ عَيْنًا يَحْرُمُ التَّفَاضُلُ بَيْنَهُمَا فَيُشْتَرَطُ الْقَبْضُ فِيهِ فِي الْمَجْلِسِ كَبَيْعِ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَهَذَا لِأَنَّ بِالِاتِّفَاقِ يَحْرُمُ النَّسَاءُ هُنَا مَعَ اخْتِلَافِ الْجِنْسِ وَلَيْسَ ذَلِكَ لِلتَّفَاوُتِ فِي الْمَالِيَّةِ لِأَنَّ حَقِيقَةَ التَّفَاضُلِ عِنْدَ اخْتِلَافِ الْجِنْسِ يَجُوزُ فَعَرَفْنَا أَنَّ حُرْمَةَ النَّسَاءِ لِوُجُوبِ الْقَبْضِ فِي الْمَجْلِسِ وَلَنَا فِي الْمَسْأَلَةِ طَرِيقَانِ ( أَحَدُهُمَا ) أَنَّ الْقَبْضَ حُكْمٌ لِلْعَقْدِ فَلَا يُشْتَرَطُ اقْتِرَانُهُ بِالْعَقْدِ كَالْمِلْكِ فَإِنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَتَأَخَّرَ عَنْ حَالَةِ الْعَقْدِ بِخِيَارِ شَرْطٍ أَوْ نَحْوِهِ وَهَذَا لِأَنَّ حُكْمَ الشَّيْءِ يَعْقُبُهُ وَلَا يَقْتَرِنُ بِهِ وَإِنَّمَا يَقْتَرِنُ بِالشَّيْءِ شَرْطُهُ وَالْقَبْضُ فِي كُلِّ بَيْعٍ إنَّمَا يُسْتَحَقُّ بِالْعَقْدِ فَيَكُونُ حُكْمَ الْعَقْدِ لَا شَرْطَهُ وَسَاعَاتُ الْمَجْلِسِ إنَّمَا تُجْعَلُ كَحَالَةِ الْعَقْدِ فِيمَا هُوَ شَرْطُ الْعَقْدِ فَأَمَّا فِي الْحُكْمِ مَجْلِسُ الْعَقْدِ وَمَا بَعْدَهُ سَوَاءٌ وَهَذَا بِخِلَافِ

الصَّرْفِ فَالْقَبْضُ الَّذِي هُوَ حُكْمُ الْعَقْدِ لَا يُشْتَرَطُ هُنَاكَ عِنْدَنَا وَإِنَّمَا يُشْتَرَطُ التَّعْيِينُ لِأَنَّ التَّعَيُّنَ شَرْطُ الْعَقْدِ بِدَلِيلِ { نَهْيِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ الْكَالِئِ بِالْكَالِئِ } وَالنُّقُودُ لَا تَتَعَيَّنُ فِي الْعُقُودِ فَكَانَ اشْتِرَاطُ الْقَبْضِ لِلتَّعْيِينِ وَلَيْسَ أَحَدُ الْبَدَلَيْنِ فِي الصَّرْفِ بِأَوْلَى مِنْ الْآخَرِ بِهَذَا شَرَطْنَا الْقَبْضَ فِيهِمَا لِلتَّعَيُّنِ وَفِي بَابِ السَّلَمِ شَرَطْنَا الْقَبْضَ فِي رَأْسِ الْمَالِ لِلتَّعْيِينِ حَتَّى لَا يَكُونَ دَيْنًا بِدَيْنٍ وَلَكِنَّ مَا يُقَابِلُهُ وَهُوَ السَّلَمُ فِيهِ مُؤَجَّلٌ فَلَا يُشْتَرَطُ التَّعْيِينُ فِيهِ بِمُقْتَضَى الْعَقْدِ ثُمَّ يَرُدُّ عَقْدُ الصَّرْفِ وَالسَّلَمِ عَلَى مَا يَتَعَيَّنُ بِالتَّعْيِينِ إلَّا أَنَّهُ يَشُقُّ عَلَى كُلِّ تَاجِرٍ مَعْرِفَةُ مَا يَتَعَيَّنُ وَمَعْرِفَةُ مَا لَا يَتَعَيَّنُ فَأَقَامَ الشَّرْعُ اسْمَ الصَّرْفِ وَالسَّلَمِ مُقَامَ عَدَمِ التَّعْيِينِ فِي الْبَدَلَيْنِ تَيْسِيرًا عَلَى النَّاسِ وَالطَّرِيقَةُ ( الثَّانِيَةُ ) مَا عَلَّلَ فِي الْكِتَابِ وَقَالَ : لِأَنَّهُ حَاضِرٌ لَيْسَ لَهُ أَجَلٌ وَمَعْنَى هَذَا أَنَّ الْحُرْمَةَ بِاعْتِبَارِ فَضْلٍ فِي الْمَالِيَّةِ حَقِيقَةً أَوْ حُكْمًا بِاشْتِرَاطِ الْأَجَلِ وَذَلِكَ لَا يُوجَدُ هُنَا فَالتُّجَّارُ لَا يَفْصِلُونَ فِي الْمَالِيَّةِ بَيْنَ الْمَقْبُوضِ فِي الْمَجْلِسِ وَبَيْنَ غَيْرِ الْمَقْبُوضِ بَعْدَ أَنْ يَكُونَ حَالًّا وَإِذَا لَمْ يَتَمَكَّنْ فَضْلٌ خَالٍ عَنْ الْمُقَابَلَةِ كَانَ الْعَقْدُ جَائِزًا كَمَا فِي بَيْعِ الْعَبِيدِ وَالدَّوَابِّ بِجِنْسِهِ أَوْ بِغَيْرِ جِنْسِهِ وَأَمَّا الصَّرْفُ وَالسَّلَمُ فَقَدْ اخْتَصَّا بِاسْمٍ شَرْعًا وَاخْتِصَاصُهُمَا بِاسْمٍ لِاخْتِصَاصِهِمَا بِحُكْمٍ يَقْتَضِيهِ ذَلِكَ الِاسْمُ وَهُوَ صَرْفُ مَا فِي يَدِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا إلَى يَدِ صَاحِبهِ بِالْقَبْضِ فِي الْمَجْلِسِ وَلِهَذَا شَرَطْنَا ذَلِكَ مَعَ اخْتِلَافِ الْجِنْسِ وَالسَّلَمُ أَخْذُ عَاجِلٍ بِآجِلٍ فَشَرَطْنَا التَّعْجِيلَ فِي أَحَدِ الْبَدَلَيْنِ بِمُقْتَضَى الِاسْمِ وَقَدْ يُؤْخَذُ حُكْمُ الْعَقْدِ مِنْ اسْمِهِ

كَالْكَفَالَةِ وَالْحَوَالَةِ وَالنِّكَاحِ فَأَمَّا هَذَا الْبَيْعُ كَسَائِرِ الْبُيُوعِ فِي الِاسْمِ وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْ الْعِوَضَيْنِ فِيهِ يَتَعَيَّنُ بِالتَّعْيِينِ فَيَكُونُ حُكْمُ الْعَقْدِ فِيهِ اسْتِحْقَاقَ التَّسْلِيمِ لَا وُجُوبَ الْقَبْضِ فِي الْمَجْلِسِ كَمَا فِي سَائِرِ الْبُيُوعِ وَقَدْ بَيَّنَّا فِي أَوَّلِ الْكِتَابِ أَنَّ الْمُرَادَ مِنْ قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَدًا بِيَدٍ أَيْ عَيْنًا بِعَيْنٍ .
لِأَنَّ التَّعْيِينَ بِالْإِشَارَةِ بِالْيَدِ كَمَا أَنَّ الْقَبْضَ يَكُونُ بِالْيَدِ فَيَصْلُحُ ذِكْرُ الْيَدِ كِنَايَةً عَنْهُمَا وَلَكِنْ لَوْ كَانَ مُرَادُهُ الْقَبْضُ لَقَالَ : مِنْ يَدٍ إلَى يَدٍ فَلِمَا قَالَ : يَدًا بِيَدٍ عَرَفْنَا أَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ قَوْلِهِ عَيْنًا بِعَيْنٍ وَأَمَّا بَيْعُ الْعَبْدِ بِالْعَبْدَيْنِ وَالثَّوْبِ بِالثَّوْبَيْنِ فَجَائِزٌ بِدُونِ الْقَبْضِ فِي الْمَجْلِسِ لِأَنَّهُمَا يَفْتَرِقَانِ عَنْ عَيْنٍ بِعَيْنٍ وَكَذَلِكَ بَيْعُ الْعَبْدِ وَالثَّوْبِ بِالنَّقْدِ لِأَنَّهُمَا يَفْتَرِقَانِ عَنْ عَيْنٍ بِدَيْنٍ وَذَلِكَ جَائِزٌ وَلَوْ شَرَطَ فِيهِ أَجَلَ يَوْمٍ فِي الْعَيْنِ كَانَ فَاسِدًا لِأَنَّ الْعَيْنَ لَا تَقْبَلُ الْأَجَلَ فَالْمَقْصُودُ بِالْأَجَلِ أَنْ يَحْصُلَ فِي الْمُدَّةِ فَيُسْلِمَهُ وَذَلِكَ فِي الْعَيْنِ لَا يَتَحَقَّقُ وَلِأَنَّهُ مَنْفَعَةٌ فِي اشْتِرَاطِ الْأَجَلِ فِي الْعَيْنِ لَا يَدًا بِيَدٍ لَا يَسْقُطُ بِالتَّعَرُّفِ بَعْدَ أَنْ كَانَ مَمْلُوكًا لِغَيْرِهِ بِالْعَقْدِ لِأَنَّ الْأَجَلَ لَا يَمْنَعُ الْمِلْكَ وَلَكِنْ فِيهِ ضَرَرٌ عَلَى الْمُشْتَرِي مِنْ حَيْثُ قُصُورُ يَدِهِ عَنْ الْعَيْنِ إلَى مُضِيِّ الْأَجَلِ وَجَوَازُ الشَّرْطِ فِي الْعَقْدِ الِانْتِفَاعُ بِهِ لَا لِضَرَرٍ بِغَيْرِهِ

قَالَ : ( وَإِذَا اشْتَرَى طَعَامًا بِطَعَامٍ مِثْلِهِ وَاشْتَرَطَ أَحَدُهُمَا عَلَى صَاحِبِهِ أَنْ يُوفِيَهُ طَعَامَهُ فِي مَنْزِلِهِ لَمْ يَجُزْ ) لِأَنَّ شَرْطَ الْمُسَاوَاةِ عِنْدَ اتِّحَادِ الْجِنْسِ ثَابِتٌ بِالنَّصِّ وَبِهَذَا الشَّرْطِ مُتَمَكِّنٌ فِي أَحَدِ الْجَانِبَيْنِ فَضْلٌ وَهُوَ مَنْفَعَةُ الْحَمْلِ إلَى مَنْزِلِهِ لِيُوفِيَهُ فِيهِ فَتَنْعَدِمُ بِهِ الْمُسَاوَاةُ وَإِنْ كَانَ اشْتَرَاهُ بِغَيْرِ جِنْسِهِ بِأَنْ اشْتَرَاهُ خَارِجًا مِنْ الْمِصْرِ وَشَرَطَ أَنْ يُوفِيَهُ فِي مَنْزِلِهِ فِي الْمِصْرِ فَالْعَقْدُ فَاسِدٌ أَيْضًا لِأَنَّ وُجُوبَ التَّسْلِيمِ بِالْعَقْدِ فِي الْمَوْضُوعِ الَّذِي فِيهِ الْمَعْقُودُ عَلَيْهِ فَالْمُشْتَرِي يَمْلِكُ بِنَفْسِ الْعَقْدِ وَهُوَ عَيْنٌ فَإِذَا اشْتَرَطَ لِنَفْسِهِ مَنْفَعَةَ الْحَمْلِ عَلَى الْبَائِعِ فَسَدَ بِهِ الْعَقْدُ كَمَا لَوْ شَرَطَ أَنْ يَطْحَنَهُ وَإِنْ كَانَ اشْتَرَاهُ فِي الْمِصْرِ وَشَرَطَ أَنْ يَحْمِلَهُ إلَى مَنْزِلِهِ فَالْعَقْدُ فَاسِدٌ فَإِنْ شَرَطَ أَنْ يُوفِيَهُ فِي مَنْزِلِهِ فَفِي الْقِيَاسِ الْعَقْدُ فَاسِدٌ وَهُوَ قَوْلُ مُحَمَّدٍ وَفِي الِاسْتِحْسَانِ هُوَ جَائِزٌ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى وَجْهُ الْقِيَاسِ مَا بَيَّنَّا أَنَّ بِنَفْسِ الْعَقْدِ صَارَ الْمَبِيعُ مَمْلُوكًا لِلْمُشْتَرِي فِي الْمَوْضِعِ الَّذِي فِيهِ الْمَعْقُودُ عَلَيْهِ فَفِي اشْتِرَاطِ تَسْلِيمِهِ فِي مَكَان آخَرَ شَرَطَهُ مَنْفَعَةٌ لَا يَقْبِضُهُ الْعَقْدُ فَإِنْ كَانَ بِمُقَابِلَتِهَا شَيْءٌ مِنْ الْبَدَلِ فَهِيَ إجَارَةٌ مَشْرُوطَةٌ فِي الْبَيْعِ وَإِلَّا فَهِيَ إعَارَةٌ مَشْرُوطَةٌ فِي الْبَيْعِ وَذَلِكَ مُفْسِدٌ لِلْبَيْعِ كَمَا لَوْ اشْتَرَاهَا خَارِجَ الْمِصْرِ أَوْ كَانَ الشَّرْطُ بِلَفْظِ الْحَمْلِ وَإِنَّمَا اسْتَحْسَنَ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَبُو يُوسُفَ لِلْعُرْفِ فَإِنَّ الْإِنْسَانَ يَشْتَرِي الْحَطَبَ فِي الْمِصْرِ وَلَا يَكْتَرِي دَابَّةً أُخْرَى لِتَحْمِلَهُ إلَى مَنْزِلِهِ وَلَكِنَّ الْبَائِعَ هُوَ الَّذِي يَتَكَلَّفُ لِذَلِكَ وَمَا كَانَ مُتَعَارَفًا وَلَيْسَ فِي عَيْنِهِ نَصٌّ يُبْطِلُهُ فَالْقَوْلُ بِجَوَازِهِ وَاجِبٌ لِمَا فِي النَّزْعِ عَنْ

الْعَادَةِ مِنْ حَرَجٍ بَيْنَ وَمِثْلِ هَذِهِ الْعَادَةِ لَا تُوجَدُ خَارِجَ الْمِصْرِ بَلْ إذَا اشْتَرَى الْحِنْطَةَ أَوْ الْحَطَبَ خَارِجَ الْمِصْرِ فَالْمُشْتَرِي هُوَ الَّذِي يَتَكَلَّفُ الْحَمْلَ ذَلِكَ يُوَضِّحُهُ أَنَّ نَوَاحِي الْمِصْرَ كَنَاحِيَةٍ وَاحِدَةٍ حَتَّى أَنَّ قِيمَةَ مَا لَهُ حَمْلٌ وَمُؤْنَةٌ لَا يَخْتَلِفُ فِي نَوَاحِي الْمِصْرِ بِخِلَافِ الْمِصْرِ مَعَ الْقَرْيَةِ فَقِيمَتُهَا فِي الْمِصْرِ أَكْثَرُ مِنْ قِيمَتِهَا خَارِجَ الْمِصْرِ وَمَا كَانَ ذَلِكَ إلَّا لِأَنَّ الْمُشْتَرِي هُوَ الَّذِي يَتَكَلَّفُ بِالنَّقْلِ ثُمَّ هَذَا الِاسْتِحْسَانُ عِنْدَ بَعْضِ مَشَايِخِنَا رَحِمَهُمْ اللَّهُ تَعَالَى فِي لَفْظِ الْحَمْلِ وَالْإِيفَاءِ سَوَاءٌ وَقَالُوا لَا فَرْقَ خُصُوصًا فِي لِسَانِ الْفَارِسِيَّةِ بَيْنَ أَنْ يَقُولَ يَسَار نَجَاته مِنْ أَوْ بيادخانه مِنْ أَوْ يرد بخانه مِنْ وَالْأَصَحُّ هُوَ الْفَرْقُ مِنْ قَبْلِ أَنَّ الْإِيفَاءَ مِنْ مُقْتَضَيَاتِ الْعَقْدِ فَالْعَقْدَ يُوجِبُ إيفَاءَ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ لَا مَحَالَةَ فَكَانَ شَرْطُ الْإِيفَاءِ مُلَائِمًا لِمُقْتَضَى الْعَقْدِ فَأَمَّا الْحَمْلُ لَيْسَ مِنْ مُقْتَضَيَاتِ الْعَقْدِ أَلَا تَرَى أَنَّ الْعَقْدَ قَدْ يَخْلُو عَنْهُ بِأَنْ يُسَلِّمَهُ إلَى الْمُشْتَرِي فِي ذَلِكَ الْمَكَانِ وَشَرْطُ الْحَمْلِ لَا يُلَائِمُ مُقْتَضَى الْعَقْدِ فَلِهَذَا أَخَذْنَا فِيهِ بِالْقِيَاسِ

قَالَ : ( وَإِنْ اشْتَرَى شَعِيرًا بِصُوفٍ مُتَفَاضِلًا فَلَا بَأْسَ بِهِ ) لِأَنَّهُمَا جِنْسَانِ لِاخْتِلَافِ الِاسْمِ وَالْهَيْئَةِ وَالْمَقْصُودِ وَأَصْلُهُمَا وَإِنْ كَانَ نَوْعًا وَاحِدًا وَلَكِنْ بِاخْتِلَافِ هَذِهِ الْمَعَانِي يَخْتَلِفُ الْجِنْسُ مَعَ اتِّحَادِ الْأَصْلِ كَالثِّيَابِ الْمُتَّخَذَةِ مِنْ الْقُطْنِ

وَكَذَلِكَ الْقُطْنُ بِالْكَتَّانِ وَالْمُشَاقَةُ بِالْكَتَّانِ لَا بَأْسَ بِهِ مُتَفَاضِلًا لَأَنَّهُمَا جِنْسَانِ مُخْتَلِفَانِ إلَّا فِي رِوَايَةٍ عَنْ أَبِي يُوسُفَ قَالَ : الْمُشَاقَةُ وَالْكَتَّانُ جِنْسٌ وَاحِدٌ فَلَا يَجُوزُ بَيْعُ أَحَدِهِمَا بِالْآخَرِ إلَّا وَزْنًا بِوَزْنٍ بِمَنْزِلَةٍ أَنْوَاعِ التَّمْرِ وَالْحَدِيدِ وَالنُّحَاسِ وَكَذَلِكَ جِنْسَانِ لَا بَأْسَ بِبَيْعِ أَحَدِهِمَا بِالْآخِرِ مُتَفَاضِلًا وَلَا خَيْرَ فِي أَنْ يُسَلِّمَ هَذَا فِي شَيْءٍ مِنْ الْمَوْزُونَاتِ لِأَنَّ الْكُلَّ مَوْزُونٌ بِثَمَنٍ

وَكَذَلِكَ الْأَوَانِي الْمُتَّخَذَةُ مِنْ الصُّفْرِ وَالنُّحَاسِ إذَا كَانَ يُبَاعُ وَزْنًا لَا يَجُوزُ إسْلَامُهُمَا فِي الْمَوْزُونَاتِ أَمَّا أَوَانِي الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ فَيَجُوزُ إسْلَامُهُمَا فِي الْمَوْزُونَاتِ مِنْ الزَّعْفَرَانِ وَالسُّكَّرِ وَغَيْرِهِمَا كَمَا يَجُوزُ إسْلَامُ الدَّرَاهِمِ فِي هَذِهِ الْأَشْيَاءِ لِأَنَّ صِفَةَ الثَّمَنِيَّةِ لَهَا ثَابِتَةٌ بِأَصْلِ الْخِلْقَةِ فَلَا تَتَغَيَّرُ بِالصِّفَةِ وَعِنْدَ زُفَرَ لَا يَجُوزُ لِأَنَّهُ مَوْزُونٌ مُثَمَّنٌ حَتَّى يَتَعَيَّنَ بِالْعَقْدِ فِي التَّعْيِينِ فَهَذَا كَالْمُتَّخِذِ مِنْ الصُّفْرِ وَالْحَدِيدِ

وَإِذَا كَانَ شَرْطُ السَّلَمِ طَعَامًا وَسَطًا فَأَعْطَاهُ أَجْوَدَ أَوْ أَرْدَأَ فَرَضِيَ بِهِ جَازَ لِأَنَّهُ إنْ أَعْطَاهُ أَجْوَدَ فَقَدْ أَحْسَنَ فِي قَضَاءِ الدَّيْنِ وَإِنْ أَعْطَاهُ أَرْدَأَ فَقَدْ أَحْسَنَ الْآخَرُ إلَى أَسِيرِهِ حِينَ رَضِيَ مِنْهُ بِهِ وَأَبْرَأهُ مِنْ صِفَةِ الْجَوْدَةِ حِينَ تَجُوزُ بِدُونِ حَقِّهِ فَجَازَ ذَلِكَ

وَذَكَرَ الطَّحَاوِيُّ أَنَّهُ لَوْ أَسْلَمَ إلَيْهِ دَرَاهِمَ فِي حِنْطَةٍ فَقَبَضَهَا رَبُّ السَّلَمِ فَوَجَدَ بِهَا عَيْبًا وَقَدْ تَعَيَّبَ عِنْدَهُ فَإِنْ رَضِيَ الْمُسْلَمُ إلَيْهِ أَنْ يَقْبَلَهَا مَعَ الْعَيْبِ الْحَادِثِ رَدَّ الْمَقْبُوضَ وَطَالَبَهُ رَبُّ السَّلَمِ بِحَقِّهِ وَإِنْ أَبَى أَنْ يَرْضَى لَمْ يَرْجِعْ رَبُّ السَّلَمِ عَلَيْهِ بِشَيْءٍ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ لِأَنَّ الْفَائِتَ وَصْفٌ وَلَا قِيمَةَ لِلصِّفَةِ فِي الْأَمْوَالِ الرِّبَوِيَّةِ مُنْفَرِدَةً عَنْ الْأَصْلِ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ رَجَعَ بِحِصَّةِ نُقْصَانِ الْعَيْبِ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ لِأَنَّ بِقَدْرِ مَا يَرْجِعُ يَخْرُجُ مِنْ أَنْ يَكُونَ رَأْسُ الْمَالِ بِمَنْزِلَةِ مَا لَوْ حَطَّ بَعْضَهُ فَلَا يُؤَدِّي إلَى الرِّبَا إذَا رَجَعَ بِحِصَّةِ الْعَيْبِ بِهَذَا الطَّرِيقِ وَقَالَ : أَبُو يُوسُفَ إنْ أَبَى الْمُسْلَمُ إلَيْهِ أَنْ يَقْبَلَ الْمَعِيبَ غَرِمَ رَبُّ السَّلَمِ طَعَامًا قَبْلَ الْمَقْبُوضِ وَرَجَعَ بِحَقِّهِ وَهُوَ مُسْتَقِيمٌ عَلَى أَصْلِهِ فِي رَدِّ الْمِثْلِ عِنْدَ تَعَذُّرِ رَدِّ الْعَيْنِ لِصَاحِبِ الدَّيْنِ إذَا وَجَدَ الْمَقْبُوضُ زُيُوفًا وَقَدْ هَلَكَ فِي يَدِهِ وَفِي اخْتِلَافِ زُفَرَ وَيَعْقُوبَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ

قَالَ : ( لَوْ قَالَ : لِآخَرَ اشْتَرَيْتُ مِنْكَ كُرَّ حِنْطَةٍ وَسَطٍ إلَى أَجَلِ كَذَا بِهَذِهِ الْعَشَرَةِ دَرَاهِمِ عَلَى أَنْ تُؤَدِّيَهَا إلَيَّ فِي مَكَانِ كَذَا فَهُوَ سَلَمٌ جَائِزٌ عِنْدَنَا ) وَقَالَ : زُفَرُ لَا يَجُوزُ لِأَنَّهُ بَيْعُ مَا لَيْسَ عِنْدَ الْإِنْسَانِ وَهُوَ مَنْهِيٌّ عَنْهُ شَرْعًا وَإِنَّمَا الرُّخْصَةُ فِي السَّلَمِ خَاصَّةً فَإِذَا ذُكِرَ لَفْظُ السَّلَمِ جَازَ بِطَرِيقِ الرُّخْصَةِ وَإِلَّا فَهُوَ فَاسِدٌ وَلَا كُنَّا نَقُولُ قَدْ أَتَيْنَا بِمَعْنَى السَّلَمِ وَذَكَرَ شَرَائِطَهُ وَالْعِبْرَةُ لِلْمَعْنَى دُونَ الْأَلْفَاظِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ قَالَ : مَلَّكْتُكَ هَذِهِ الْعَيْنَ بِعَشَرَةِ دَرَاهِمَ وَقَبِلَ الْآخَرُ كَانَ بَيْعًا وَإِنْ لَمْ يَذْكُرَا لَفْظَ الْبَيْعِ وَهَذَا عَلَى أَصْلِ زُفَرَ أَظْهَرُ فَإِنَّهُ يَجْعَلُ الْهِبَةَ بِشَرْطِ الْعِوَضِ بَيْعًا ابْتِدَاءً

ثُمَّ خَتَمَ الْبَابَ بِفَصْلٍ مِنْ فُصُولِ التَّحَالُفِ وَهُوَ مَا إذَا اشْتَرَى عَبْدَيْنِ وَقَبَضَهُمَا وَهَلَكَ أَحَدُهُمَا عِنْدَهُ ثُمَّ اخْتَلَفَا فِي الثَّمَنِ فَعَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ الْقَوْلُ قَوْلُ الْمُشْتَرِي وَلَا يَتَحَالَفَانِ لَا فِي الْقَائِمِ وَلَا فِي الْهَالِكِ إلَّا أَنْ يَشَاءَ الْبَائِعُ أَنْ يَأْخُذَ الْحَيَّ وَلَا يَأْخُذُ مِنْ ثَمَنِ الْمَيِّتِ شَيْئًا وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ يَتَحَالَفَانِ وَيَتَرَادَّانِ الْقَائِمُ وَقِيمَةُ الْهَالِكِ وَهَذَا بِنَاءً عَلَى مَا إذَا اخْتَلَفَا فِي الثَّمَنِ بَعْدَ هَلَاكِ السِّلْعَةِ فَإِنَّ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ هَلَاكَ السِّلْعَةِ يَمْنَعُ جَرَيَانِ التَّحَالُفِ بَيْنَهُمَا وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ لَا يَمْنَعُ وَبَيَانُ هَذَا الْفَصْلِ يَأْتِي فِي بَابِهِ إنْ شَاءَ اللَّهُ فَلَمَّا كَانَ مِنْ أَصْلِ مُحَمَّدٍ أَنَّ هَلَاكَ جَمِيعِ السِّلْعَةِ لَا يَمْنَعُ جَرَيَانِ التَّحَالُفِ فَكَذَلِكَ هَلَاكُ الْبَعْضِ ثُمَّ التَّحَالُفِ فَسْخُ الْعَقْدِ فِي الْقَائِمِ مِنْهُمَا عَلَى الْعَيْنِ مُمْكِنٌ فَرَدَّ الْعَيْنَ وَفِي الْهَالِكِ رَدُّ الْعَيْنِ مُتَعَذَّرٌ فَيَقُومُ رَدُّ الْقِيمَةِ مَقَامَ رَدِّ الْعَيْنِ كَمَا لَوْ كَانَ الْكُلُّ هَالِكًا عِنْدَهُ وَالْقَوْلُ فِي قِيمَةِ الْهَالِكِ قَوْلُ الْمُشْتَرِي مَعَ يَمِينِهِ لِإِنْكَارِهِ الزِّيَادَةِ بِمَنْزِلَةِ الْغَاصِبِ مَعَ الْمَغْصُوبِ مِنْهُ إذَا اخْتَلَفَا فِي قِيمَةِ الْمَغْصُوبِ وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ لَوْ كَانَا قَائِمَيْنِ فُسِخَ الْعَقْدُ فِيمَا بَيْنَهُمَا بِالتَّحَالُفِ وَلَوْ كَانَا هَالِكَيْنِ لَمْ يَجُزْ التَّحَالُفُ بَيْنَهُمَا فَإِذَا مَاتَ أَحَدُهُمَا يُعْتَبَرُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فِي نَفْسِهِ كَمَا فِي الْفَسْخِ بِسَبَبِ الرَّدِّ بِالْعَيْبِ ثُمَّ تَفْسِيرُ قَوْلِهِ أَنَّ الْمُشْتَرِي يَحْلِفُ بِاَللَّهِ مَا اشْتَرَاهُمَا بِأَلْفَيْنِ ثُمَّ يَحْلِفُ الْبَائِعُ بِاَللَّهِ مَا بَاعَهُمَا بِأَلْفٍ كَمَا يَدَّعِيهِ الْمُشْتَرِي وَلَا يُفَضِّلُ أَحَدُهُمَا عَنْ الْآخَرِ فِي الْيَمِينِ لِأَنَّهُ إذَا فَضَّلَ أَحَدُهُمَا عَنْ الْآخَرِ فِي التَّحَالُفِ يَفُوتُ مَقْصُودُ الْيَمِينِ فَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا

يَكُونُ بَارًّا فِي يَمِينِهِ وَإِنْ كَانَ الْحَالُ كَمَا يَدَّعِيهِ خَصْمُهُ فَلِهَذَا يَجْمَعُ بَيْنَهُمَا فِي التَّحَالُفِ فَإِذَا تَحَالَفَا تُرَدُّ الْعَيْنُ مِنْهُمَا ثُمَّ يَحْلِفُ الْمُشْتَرِي فِي حِصَّةِ الْهَالِكِ بِاَللَّهِ مَا عَلَيْهِ مِنْ ثَمَنِهِ إلَّا خَمْسُمِائَةٍ إذَا كَانَتْ قِيمَتُهُمَا سَوَاءً وَإِنْ اخْتَلَفَا فِي قِيمَةِ الْهَالِكِ فَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ الْقَوْلُ فِي قِيمَتِهِ قَوْلُ الْبَائِعِ مَعَ يَمِينِهِ وَإِنْ اخْتَلَفَا فِي قِيمَةِ الْحَيِّ لِتَوْزِيعِ الثَّمَنِ عَلَيْهِمَا تَحْكُمُ قِيمَتُهُ فِي الْحَالِ فَإِنْ كَانَتْ مِثْلَ مَا يَقُولُهُ الْبَائِعُ أَوْ أَقَلَّ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْبَائِعُ مَعَ يَمِينِهِ وَإِنْ كَانَتْ مِثْلَ مَا يَقُولُهُ الْمُشْتَرِي أَوْ أَكْثَرَ مِنْهُ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُشْتَرِي مَعَ يَمِينِهِ وَإِنْ كَانَتْ فِيمَا بَيْنَ ذَلِكَ يَحْلِفُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى دَعْوَى صَاحِبِهِ فَإِذَا حَلَفَا اُعْتُبِرَتْ قِيمَتُهُ فِي الْحَالُ لِتَوْزِيعِ الثَّمَنِ عَلَيْهِمَا وَأَمَّا بَيَانُ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ فَإِنَّهُ يَقُولُ الصَّفْقَةُ صَفْقَةٌ وَاحِدَةٌ وَالْمَقْصُودُ بِالتَّحَالُفِ هُوَ الْفَسْخُ فَإِذَا تَعَذَّرَ ذَلِكَ بِهَلَاكِ بَعْضِ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ يَجْعَلُ بِمَنْزِلَةِ مَا لَوْ تَعَذَّرَ بِهَلَاكِ الْكُلِّ أَلَا تَرَى أَنَّهُمَا لَوْ كَانَا قَائِمَيْنِ لَمْ يَسْتَقِمْ ثُبُوتُ حُكْمِ التَّحَالُفِ وَالْفَسْخِ فِي أَحَدِهِمْ دُونَ الْآخَرِ فَكَذَلِكَ بَعْدَ هَلَاكِ أَحَدِهِمَا بِخِلَافِ الرَّدّ بِالْعَيْبِ لِأَنَّ الْعَيْبَ مِمَّا لَا يَمْنَعُ تَمَامَ الصَّفْقَةِ فَإِذَا هَلَكَ أَحَدُهُمَا فِي يَدِهِ وَوَجَدَ بِالْآخَرِ عَيْبًا فَرَدَّهُ يَكُونُ هَذَا تَفْرِيقًا لِلصَّفْقَةِ قَبْلَ التَّمَامِ وَذَلِكَ لَمْ يَجُزْ بِخِلَافِ مَا نَحْنُ فِيهِ فَإِنَّ جَهَالَةَ الثَّمَنِ تَمْنَعُ تَمَامَ الصَّفْقَةِ فَلَوْ قُلْنَا فَإِنَّهُ يَجُوزُ رَدُّهُ يَكُونُ الْقَوْلُ فِي الثَّمَنِ قَوْلَ الْمُشْتَرِي إلَّا إنْ شَاءَ الْبَائِعُ أَنْ يَأْخُذَ الْحَيَّ وَلَا يَأْخُذَ مِنْ ثَمَنِ الْهَالِكِ شَيْئًا فَحِينَئِذٍ يَصِيرُ الْهَالِكُ كَأَنْ لَمْ يَتَنَاوَلْهُ الْعَقْدُ وَكَأَنَّهُ مَا اشْتَرَى إلَّا الْقَائِمَ

ثُمَّ عِنْدَ ذَلِكَ يَحْلِفُ الْمُشْتَرِي بِاَللَّهِ مَا اشْتَرَاهُمَا بِأَلْفَيْنِ ثُمَّ يَحْلِفُ الْبَائِعُ بِاَللَّهِ مَا بَاعَهُمَا بِأَلْفٍ لِأَنَّ مِنْ اشْتَرَى شَيْئَيْنِ بِأَلْفَيْنِ ثُمَّ حَلَفَ مَا اشْتَرَى أَحَدُهُمَا بِأَلْفٍ كَانَ صَادِقًا وَكَذَلِكَ مِنْ بَاعَ شَيْئَيْنِ بِأَلْفٍ ثُمَّ حَلَفَ مَا بَاعَ أَحَدَهُمَا بِخَمْسِمِائَةِ كَانَ صَادِقًا فَلِهَذَا يَجْمَعُ بَيْنَهُمَا فِي التَّحَالُفِ فَإِذَا تَحَالَفَا رَدَّ الْعَيْنَ وَلَا شَيْءَ لِلْبَائِعِ عَلَى الْمُشْتَرِي فِي الْهَالِكِ مِنْ ثَمَنٍ وَلَا قِيمَةَ لِأَنَّهُ قَدْ أَبْرَأَهُ مِنْ ذَلِكَ حِينَ رَضِيَ بِأَنْ يَأْخُذَ الْحَيَّ فَقَطْ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ

بَابُ الْوَكَالَةِ فِي السَّلَمِ قَالَ : ( وَإِذَا وَكَّلَ الرَّجُلُ الرَّجُلَ أَنْ يُسْلِمَ لَهُ عَشْرَةَ دَرَاهِمَ فِي كُرِّ حِنْطَةِ فَأَسْلَمَهَا الْوَكِيلُ بِشُرُوطِ السَّلَمِ وَدَفَعَ الدَّرَاهِمَ مِنْ عِنْدِهِ فَهُوَ جَائِزٌ ) لِأَنَّ السَّلَمَ عَقْدُ تُمْلِيكِ الْآمِرِ بِمُبَاشَرَتِهِ بِنَفْسِهِ فَيَجُوزُ مِنْهُ تَوْكِيلُ غَيْرِهِ بِهِ كَبَيْعِ الْعَيْنِ لِأَنَّ الْوَكِيلَ يَقُومُ مَقَامَ الْمُوَكِّلِ فِي تَحْصِيلِ مَقْصُودِهِ وَهَذَا عَقْدُ يَمْلِكْ الْمَأْمُورُ مُبَاشَرَتِهِ لِنَفْسِهِ فَيَصِحُّ مِنْهُ مُبَاشَرَتُهُ لِغَيْرِهِ بِأَمْرِهِ كَالْبَيْعِ لِأَنَّ الْعَاقِدَ بَاشَرَ الْعَقْدَ بِأَهْلِيَّتِهِ وَوِلَايَتِهِ الْأَصْلِيَّةِ سَوَاءً بَاشَرَ لِنَفْسِهِ أَوْ لِغَيْرِهِ وَالْأَصْلُ فِيهِ قَوْله تَعَالَى { فَابْعَثُوا أَحَدَكُمْ بِوَرِقِكُمْ هَذِهِ إلَى الْمَدِينَةِ } الْآيَةَ وَمَنْ دَفْعَ إلَى آخَرَ دَرَاهِمَ لِيَشْتَرِيَ بِهَا شَيْئًا فَإِنَّ الْمَدْفُوعَ إلَيْهِ يَكُونُ وَكِيلًا مِنْ جِهَةِ الدَّافِعِ وَرُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { أَنَّهُ دَفْعَ إلَى حَكِيمِ بْنِ حِزَامٍ أَوْ إلَى عُرْوَةَ الْبَارِقِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا دِينَارًا لِيَشْتَرِيَ لَهُ بِهِ أُضْحِيَّةً } فَدَلَّ أَنَّ التَّوْكِيلَ جَائِزٌ فِي الْبَيْعِ فَكَذَلِكَ فِي السَّلَمِ لِأَنَّ السَّلَمَ نَوْعُ بَيْعٍ عَلَى مَا عَرَفَ وَكَذَلِكَ النَّاسُ تَعَامَلُوا مِنْ لَدُنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلَى يَوْمِنَا هَذَا التَّوْكِيلُ فِي الْبَيْعِ وَالسَّلَمِ جَمِيعًا فَإِذَا عَرَفْنَا هَذَا فَنَقُولُ الْوَكِيلُ فِي السَّلَمِ كَالْعَاقِدِ لِنَفْسِهِ فِي حُقُوقِ الْعَقْدِ حَتَّى تَتَوَجَّهُ عَلَيْهِ الْمُطَالَبَةُ بِتَسْلِيمِ رَأْسِ الْمَالِ دُونَ الْمُوَكِّلِ وَكَذَلِكَ حَقُّ قَبْضِ الْمُسْلَمِ فِيهِ عِنْدَ حُلُولِ الْأَجَلِ يَكُونُ لِلْوَكِيلِ دُونُ الْمُوَكِّلِ وَهَذَا عِنْدَنَا وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ ذَلِكَ لِلْمُوَكِّلِ كُلُّهُ وَعَلَيْهِ وَأَصْلُ الْمَسْأَلَةِ فِي الْبَيْعِ فَإِنَّ حُقُوقَ الْعَقْدِ فِي الْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ تَتَعَلَّقُ بِالْوَكِيلِ عِنْدَنَا وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ

بِالْمُوَكِّلِ ، قَالَ : ( لِأَنَّ الْوَكِيلَ سَفِيرٌ وَمُعَبِّرٌ عَنْهُ بِمَنْزِلَةِ الرَّسُولِ فَإِذَا عَقْدَ الْعَقْدَ خَرَجَ مِنْ الْوَسَطِ وَصَارَ فِي الْحُكْمِ كَأَنَّ الْمُوَكِّلَ عَقَدَهُ بِنَفْسِهِ ) أَلَا تَرَى أَنَّ مَا هُوَ حُكْمُ الْعَقْدِ وَهُوَ الْمِلْكُ يَثْبُتُ لِلْمُوَكِّلِ دُونَ الْوَكِيلِ فَكَذَلِكَ فِي سَائِرِ أَحْكَامِهِ وَشَبَّهَ هَذَا بِالْوَكِيلِ بِالنِّكَاحِ فَإِنَّهُ لَا يَتَوَجَّهُ عَلَيْهِ الْمُطَالَبَةُ بِالصَّدَاقِ وَلَا يَكُونُ لَهُ حَقُّ قَبْضِ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ بَلْ ذَلِكَ كُلُّهُ لِلْمُوَكِّلِ وَالْجَامِعُ بَيْنَهُمَا أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَقْدُ مُعَاوَضَةٍ فَتَتَعَلَّقُ أَحْكَامُهُ بِمِنْ قَصَدَ تَحْصِيلُهُ لِنَفْسِهِ دُونَ مَنْ عَبَّرَ عَنْهُ وَلَنَا أَنَّ الْعَاقِدَ هُوَ الْوَكِيلُ وَسَبَبُ تَعَلُّقِ حُقُوقُ الْعَقْدِ بِالْمَرْءِ مُبَاشَرَتُهُ الْعَقْدَ وَثُبُوته الْحُكْمِ بِاعْتِبَارِ السَّبَبِ فَإِذَا كَانَ هُوَ الْعَاقِدُ حَقِيقَةً وَحُكْمًا تَتَعَلَّقُ حُقُوقُ الْعَقْدِ بِهِ كَمَا لَوْ بَاشَرَ الْعَقْدَ لِنَفْسِهِ وَهَذَا لِأَنَّ وِلَايَتَهُ مُبَاشَرَةُ الْعَقْدِ بِاعْتِبَارِ أَهْلِيَّتِهِ وَبِاعْتِبَارِ كَوْنِ مَا هُوَ رُكْنُ الْعَقْدِ وَهُوَ الْكَلَامُ مِنْ خَالِصِ حَقِّهِ وَذَلِكَ لَا يَخْتَلِفُ بِمُبَاشَرَتِهِ لِنَفْسِهِ أَوْ لِغَيْرِهِ وَنُفُوذِهِ شَرْعًا بِاعْتِبَارِ وِلَايَتِهِ الْأَصْلِيَّةِ لَا أَنْ يُثْبِتَ لَهُ بِأَمْرِ الْمُوَكِّلِ إيَّاهُ وِلَايَةً لَمْ تَكُنْ ثَابِتَةً مِنْ قَبْلِ هَذَا لِبَيَانِ أَنَّهُ عَاقِدٌ حَقِيقَةً وَشَرْعًا وَمَنْ حَيْثُ الْحُكْمُ فَلِأَنَّهُ مُسْتَغْنٍ عَنْ إضَافَةِ الْعَقْدِ إلَى الْمُوَكِّلِ وَلَوْ كَانَ مُعَبِّرًا عَنْهُ لَمْ يَسْتَغْنِ عَنْ ذِكْرِهِ عِنْدَ الْعَقْدِ فَثَبَتَ أَنَّهُ عَاقِدٌ حُكْمًا مُبَاشِرٌ لِلْعَقْدِ بِخِلَافِ الرَّسُولِ فَإِنَّهُ عِبَارَةٌ عَنْ مَبْلَغِ الْأَمْرِ إلَى مَنْ أُرْسِلَ إلَيْهِ وَلَا يُسْتَغْنَى عَنْ الْإِضَافَةِ إلَيْهِ وَكَذَلِكَ الْوَكِيلُ بِالنِّكَاحِ فَإِنَّهُ لَا يُسْتَغْنَى عَنْ إضَافَةِ الْعَقْدِ إلَى الْمُوَكِّلِ حَتَّى لَوْ قَالَ : تَزَوَّجْتُكِ كَانَ النِّكَاحُ لَهُ دُونَ الْمُوَكِّلِ

فَأَمَّا حُكْمُ الْعَقْدِ وَهُوَ الْمِلْكُ فَفِيهِ طَرِيقَانِ ( أَحَدُهُمَا ) أَنَّهُ يَثْبُتُ لِلْوَكِيلِ ثُمَّ يَنْتَقِلُ مِنْهُ إلَى الْمُوَكِّلِ مِنْ سَاعَتِهِ كَمَا اتَّفَقَا عَلَيْهِ بِالتَّوْكِيلِ السَّابِقِ وَمُبَاشَرَتِهِ السَّبَبِ تَسْتَدْعِي ثُبُوتَ الْحُكْمِ إلَّا أَنَّهُ يَسْتَقِرُّ لَهُ فَيَثْبُتُ أَوَّلًا لَهُ ثُمَّ يَنْتَقِلُ مِنْهُ إلَى غَيْرِهِ وَلِهَذَا لَوْ كَانَ قَرِيبَهُ لَا يُعْتَقُ عَلَيْهِ وَلَوْ كَانَتْ زَوْجَتُهُ لَا يُفْسِدُ النِّكَاحَ لِأَنَّ ذَلِكَ يَسْتَدْعِي مِلْكًا مُسْتَقِرًّا وَلَا يَثْبُتُ ذَلِكَ لِلْوَكِيلِ وَعَلَى الطَّرِيقِ الْآخَرِ وَهُوَ الْأَصَحُّ لِسَبَبٍ يَنْعَقِدُ حُكْمُهُ مُوجِبًا لِلْوَكِيلِ إلَّا أَنَّ الْمُوَكِّلَ قَامَ مَقَامَهُ فِي ثُبُوتِ الْمِلْكِ لَهُ بِالتَّوْكِيلِ السَّابِقِ فَيَثْبُتُ لِلْمُوَكِّلِ عَلَى وَجْهِ الْخِلَافَةِ عَنْ الْوَكِيلِ كَالْعَبْدِ يَقْبَلُ الْهِبَةَ وَالصَّدَقَةِ وَيَصْطَادُ فَيَقَعُ الْمِلْكُ فِيهِ لِمَوْلَاهُ عَلَى وَجْهِ الْخِلَافَةِ وَإِذَا ثَبُتَ أَنَّ الْوَكِيلَ كَالْعَاقِدِ لِنَفْسِهِ كَانَ هُوَ الْمُطَالَبُ بِتَسْلِيمِ رَأْسِ الْمَالِ فَإِذَا نَقَدَهُ مِنْ عِنْدِهِ رَجَعَ بِمِثْلِهِ عَلَى الْأَمْرِ لِأَنَّهُ نَقَدَ مَالَ نَفْسِهِ فِي عَقْدِ حَصَلَ مَقْصُودُ ذَلِكَ الْعَقْدِ لِلْآمِرِ فَأَمْرُهُ إيَّاهُ بِالْعَقْدِ يَكُونُ أَمْرًا بِأَدَاءِ رَأْسِ الْمَالِ مِنْ عِنْدِهِ عَلَى أَنْ يَرْجِعَ عَلَيْهِ بِمِثْلِهِ وَكَذَلِكَ الْوَكِيلُ هُوَ الَّذِي يَقْبِضُ الطَّعَامَ إذَا حَلَّ الْأَجَلُ بِمَنْزِلَةِ الْعَاقِدِ لِنَفْسِهِ وَالْغُنْمُ بِمُقَابِلَةِ الْغُرْمِ فَإِذَا كَانَ هُوَ الْمُطَالِبُ بِتَسْلِيمِ رَأْسِ الْمَالِ كَانَ حَقُّ قَبْضِ الطَّعَامِ إلَيْهِ أَيْضًا فَإِذَا قَبَضَهُ كَانَ لَهُ حَبْسُهُ حَتَّى يَسْتَوْفِيَ الدَّرَاهِمَ مِنْ الْمُوَكِّلِ عِنْدَنَا خِلَافًا لِزُفَرَ كَذَلِكَ الْوَكِيلُ بِالشِّرَاءِ إذَا نَقَدَ الثَّمَنَ مِنْ مَالِ نَفْسِهِ وَقَبَضَ السِّلْعَةَ كَانَ لَهُ أَنْ يَحْبِسَهُ أَمَّا إذَا هَلَكَ فِي يَدِهِ قَبْلَ أَنْ يَحْبِسَهُ فَإِنَّمَا يُهْلِكُ مِنْ مَالِ الْمُوَكِّلِ وَلِلْوَكِيلِ أَنْ يُرْجِعَ عَلَيْهِ بِمَا أَدَّى مِنْ الدَّرَاهِمِ لِأَنَّهُ فِي أَصْلِ

الْقَبْضِ عَامِلٌ لَهُ حَتَّى يَتَعَيَّنَ بِهِ مِلْكُ الْمُوَكِّلِ فِي السَّلَمِ وَيَتِمُّ مِلْكُهُ بِهِ فِي الْمُشْتَرِي فَيَكُونُ هَلَاكُهُ فِي يَدِ الْوَكِيلِ كَهَلَاكِهِ فِي يَد الْمُوَكِّلِ فَإِنْ لَمْ يُهْلِكْ وَأَرَادَ الْوَكِيلُ حَبْسُهُ بِالثَّمَنِ فَلَهُ ذَلِكَ عِنْدَنَا وَقَالَ : زُفَرُ لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ لِأَنَّ الْمُوَكِّلَ صَارَ قَابِضًا بِقَبْضِ الْوَكِيلِ بِدَلِيلِ أَنَّ هَلَاكَهُ فِي يَدِ الْوَكِيلِ كَهَلَاكِهِ فِي يَدِ الْمُوَكِّلِ فَكَأَنَّهُ قَبَضَ حَقِيقَةً ثُمَّ دَفَعَهُ إلَى الْوَكِيلِ وَهَذَا لِمَعْنَيَيْنِ : ( أَحَدُهُمَا ) أَنَّ الْمَقْبُوضَ أَمَانَةٌ فِي يَدِ الْوَكِيلِ وَالثَّمَنُ دَيْنٌ لَهُ عَلَى صَاحِبِهِ وَلَيْسَ لِلْأَمِينِ أَنْ يَحْبِسَ الْأَمَانَةَ بِدَيْنِهِ عَلَى صَاحِبِهَا وَالثَّانِي أَنَّ الْوَكِيلَ لَمَا قَبَضَهُ مَعَ عِلْمِهِ أَنَّ الْمُوَكِّلَ يَصِيرُ بِهِ قَابِضًا فَقَدْ رَضِيَ بِقَبْضِ الْمُوَكِّلِ فَكَانَ بِمَنْزِلَةِ مَا لَوْ سَلَّمَهُ إلَيْهِ ثُمَّ أَرَادَ أَنْ يَسْتَرِدَّهُ مِنْهُ أَوْ بِمَنْزِلَةِ بَائِعِ سَلَمِ السِّلْعَةِ إلَى الْمُشْتَرِي ثُمَّ أَرَادَ أَنْ يَسْتَرِدَّهَا لِلْحَبْسِ بِالثَّمَنِ وَلَنَا أَنَّ الْمُوَكِّلَ مِلْكُ الْمُشْتَرِي بِعَقْدِ بَاشَرَهُ الْوَكِيلُ بِبَدَلٍ اسْتَوْجَبَهُ الْوَكِيلُ عَلَيْهِ حَالًا وَإِلَّا فَكَانَ لَهُ أَنْ يَحْبِسَ الْعَيْنَ بِهِ كَالْبَائِعِ مَعَ الْمُشْتَرِي وَهَذَا لِأَنَّ الْوَكِيلَ مَعَ الْمُوَكِّلِ بِمَنْزِلَةِ الْبَائِعِ مَعَ الْمُشْتَرِي إمَّا لِأَنَّ الْمُوَكِّلِ يَتَلَقَّى الْمِلْكَ فِيهِ مِنْ الْوَكِيلِ بِعِوَضٍ وَلِهَذَا لَوْ اخْتَلَفَ الْوَكِيلُ وَالْمُوَكِّلُ فِي الثَّمَنِ تَحَالَفَا وَلَوْ وَجَدَ بِهِ الْمُوَكِّلُ عَيْبًا رَدَّهُ عَلَى الْوَكِيلِ قَوْلُهُ بِأَنْ الْمُوَكِّلَ صَارَ قَابِضًا بِقَبْضِ الْوَكِيلِ فَفِيهِ طَرِيقَتَانِ ( أَحَدُهُمَا ) أَنَّ قَبْضَ الْوَكِيلِ مُتَرَدَّدٌ لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ لَضَمِّ مَقْصُودِ الْوَكِيلِ وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ لِأَحْيَاءِ حَقِّ نَفْسِهِ وَإِنَّمَا يَتَبَيَّنُ أَحَدُهُمَا عَنْ الْآخَرِ بِحَبْسِهِ فَكَانَ الْأَمْرُ فِيهِ مَوْهُومًا فِي الِابْتِدَاءِ إنْ لَمْ يَحْبِسْهُ عَنْهُ عَرَفْنَا أَنَّهُ كَانَ عَامِلًا

لِلْمُوَكِّلِ وَإِنْ حَبَسَهُ عَنْهُ عَرَفْنَا أَنَّهُ كَانَ عَامِلًا لِنَفْسِهِ وَإِنَّ الْمُوَكِّلَ لَمْ يَصِرْ قَابِضًا بِقَبْضِهِ ( وَالثَّانِي ) إنَّ هَذَا قَبْضٌ لَا يُمْكِنُ التَّحَرُّزُ عَنْهُ لِأَنَّ الْوَكِيلَ لَا يَتَوَصَّلُ إلَى الْحَبْسِ مَا لَمْ يَقْبِضْ وَلَا يُمْكِنُهُ أَنْ يَقْبِضَ عَلَى وَجْهٍ لَا يَصِيرُ الْمُوَكِّلُ بِهِ قَابِضًا وَمَا لَا يُمْكِنُ التَّحَرُّزُ عَنْهُ فَهُوَ عَفْوٌ فَلَا يَسْقُطُ بِهِ حَقُّهُ فِي الْحَبْسِ لِأَنَّ سُقُوطَ حَقِّهِ بِاعْتِبَارِ رِضَاهُ بِتَسْلِيمِهِ وَلَا يَتَحَقَّقُ مِنْهُ الرِّضَا فِيمَا لَا طَرِيقَ لَهُ إلَّا التَّحَرُّزَ عَنْهُ فَإِذَا حَبَسَهُ الْوَكِيلُ وَهَلَكَ فِي يَدِهِ فَعَلَى قَوْلِ زُفَرَ هُوَ غَاصِبٌ فَعَلَيْهِ ضَمَانُ مِثْلِهِ وَفِي قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ يُهْلِكُ فِي يَدِهِ هَلَاكَ الرَّهْنِ مَضْمُونًا بِالْأَقَلِّ مِنْ قِيمَتِهِ وَمَنْ الثَّمَنِ وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى يَهْلَكُ هَلَاكَ الْمَبِيعِ مَضْمُونًا بِالثَّمَنِ قَلَّ أَوْ كَثُرَ وَهَذَا الْخِلَافُ ذَكَرَهُ فِي كِتَابِ الْوَكَالَةِ فَأَبُو يُوسُفَ يَقُولُ إنَّمَا كَانَ مَضْمُونًا عَلَيْهِ بِالْحَبْسِ بِحَقِّهِ بَعْدَ أَنْ لَا يَكُونَ مَضْمُونًا فَيَكُونُ فِي مَعْنَى الْمَرْهُونِ بِخِلَافِ الْمَبِيعِ فَإِنَّهُ مَضْمُونٌ بِنَفْسِ الْعَقْدِ حَبَسَهُ أَوْ لَمْ يَحْبِسْهُ يُوَضِّحُهُ أَنَّهُ يَحْبِسُهُ لِيَسْتَوْفِيَ مَا أَدَّى عَنْهُ مِنْ الدَّيْنِ وَالْحَبْسِ لِلِاسْتِيفَاءِ حُكْمُ الرَّهْنِ وَلِأَنَّ بِهَلَاكِهِ لَا يَنْفَسِخُ أَصْلُ الْبَيْعِ بِخِلَافِ الْمَبِيعِ إذَا هَلَكَ فِي يَدِ الْبَائِعِ وَسُقُوطُ الثَّمَنِ هُنَاكَ لِانْفِسَاخِ الْبَيْعِ وَهُمَا يَقُولَانِ الْوَكِيلُ مَعَ الْمُوَكِّلِ كَالْبَائِعِ مَعَ الْمُشْتَرِي بِدَلِيلِ مَا بَيَّنَّا فَكَمَا أَنَّ الْمَبِيعَ إذَا هَلَكَ فِي يَدِ الْبَائِعِ سَقَطَ الثَّمَنُ قَلَّ أَوْ كَثُرَ فَكَذَلِكَ هُنَا وَلَا نَقُولُ الْعَقْدُ لَا يَنْفَسِخُ هُنَا بَلْ انْفَسَخَ فِيمَا بَيْنَ الْمُوَكِّلِ وَالْوَكِيلِ وَإِنْ لَمْ يَنْفَسِخْ فِي حَقِّ الْبَائِعِ وَهُوَ كَمَا لَوْ وَجَدَ الْمُوَكِّلُ بِالْمُشْتَرِي عَيْبًا فَرَدَّهُ وَرَضِيَ بِهِ الْوَكِيلُ فَإِنَّهُ

يَلْزَمُ الْوَكِيلُ وَيَنْفَسِخُ الْعَقْدُ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمُوَكِّلُ وَالدَّلِيلُ عَلَى أَنَّ هَذَا لَيْسَ نَظِيرُ الرَّهْنِ أَنَّ هَذَا الْحَبْسَ ثَبَتَ فِي النِّصْفِ الشَّائِعِ فِيمَا يَحْتَمِلُ الْقِسْمَةَ وَالْحَبْسَ بِحُكْمِ الرَّهْنِ لَا يَثْبُتُ فِي الْجُزْءِ الشَّائِعِ فِيمَا يَحْتَمِلُ الْقِسْمَةَ وَإِنَّمَا يَثْبُتُ ذَلِكَ بِحُكْمِ الْبَيْعِ فَعَرَفْنَا أَنَّهُ كَالْمَبِيعِ

قَالَ : ( وَإِنْ كَانَ الْوَكِيلُ دَفْعَ رَأْسَ الْمَالِ مِنْ مَالِ الْمُوَكِّلِ وَأَخَذَ بِالسَّلَمِ كَفِيلًا أَوْ رَهْنًا فَهُوَ جَائِزٌ ) لِأَنَّ مُوجِبَ الرَّهْنِ بِثُبُوتِ يَدِ الِاسْتِيفَاءِ وَالْوَكِيلُ يَمْلِكُ الِاسْتِيفَاءَ حَقِيقَةً فَيَمْلِكُ أَخْذَ الرَّهْنِ بِهِ وَالْكَفَالَةِ لِلتَّوْثِيقِ وَالْوَكِيلُ هُوَ الْمُطَالِبُ بِالْمُسْلَمِ فِيهِ فَكَانَ لَهُ أَنْ يَتَوَثَّقَ بِأَخْذِ الْكَفِيلِ بِهِ لِأَنَّهُ مَلَكَ الْمُطَالَبَةَ فَمَلَكَ التَّوَثُّقَ بِالْمُطَالَبَةِ

قَالَ : ( فَإِنْ حَلَّ السَّلَمِ فَأَخَّرَهُ الْوَكِيلُ مُدَّةً مَعْلُومَةً فَهُوَ جَائِزٌ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ وَيَضْمَنُ طَعَامَ السَّلَمِ لِلْمُوَكِّلِ ) وَعَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ لَا يَصِحُّ تَأْخِيرُهُ وَكَذَلِكَ إنْ أَبْرَأَ الْمُسْلَمُ إلَيْهِ عَنْ طَعَامِ السَّلَمِ وَأَصْلُ هَذَا أَنَّ طَعَامَ السَّلَمِ أَصْلٌ يَقْبَلُ الْإِبْرَاءَ قَبْلَ الْقَبْضِ وَأَصْلُ هَذَا فِيمَا إذَا عَقْدَ لِنَفْسِهِ ثُمَّ أَبْرَأَهُ عَنْ طَعَامِ السَّلَمِ صَحَّ أَبَرَاؤُهُ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ وَرَوَى الْحَسَنُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ مَا لَمْ يَقْبَلُ الْمُسْلَمُ إلَيْهِ فَإِذَا قَبِلَ كَانَ فَسْخًا لَعَقَدَ السَّلَمِ لِأَنَّ الْمُسْلَمَ فِيهِ مَبِيعٌ وَتَمْلِيكُ الْمَبِيعِ مِنْ الْبَائِعِ قَبْلَ الْقَبْضِ لَا يَجُوزُ مَا لَمْ يَقْبَلْ فَإِذَا قَبِلَ انْفَسَخَ الْعَقْدُ كَالْمُشْتَرَى إذَا وَهَبَ الْمَبِيعَ مِنْ الْبَائِعِ قَبْلَ الْقَبْضِ وَوَجْهُ ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ أَنَّ الْمُسْلَمَ فِيهِ دَيْنٌ لَا يَسْتَحِقُّ قَبْضَهُ فِي الْمَجْلِسِ فَيَصِحُّ الْإِبْرَاءُ عَنْهُ كَالثَّمَنِ فِي الْبَيْعِ بِخِلَافِ بَدَلِ الصَّرْفِ أَوْ رَأْسِ مَالِ السَّلَمِ فَإِنَّ قَبْضَهُ فِي الْمَجْلِسِ مُسْتَحَقٌّ وَهَذَا لِأَنَّ اسْتِحْقَاقَ الْقَبْضِ فِي الْمَجْلِسِ لِلتَّعْيِينِ الَّذِي هُوَ شَرَطَ الْعَقْدِ وَالْإِبْرَاءِ مُفَوِّتٌ لِذَلِكَ وَأَمَّا الدَّيْنُ الَّذِي لَا يَسْتَحِقُّ قَبْضَهُ فِي الْمَجْلِسِ فَتَعْيِينُهُ لَيْسَ شَرْطًا لِجَوَازِ إسْقَاطِ الْقَبْضِ فِيهِ بِالْإِبْرَاءِ يُوَضِّحُهُ أَنَّ الْمُسْلَمَ فِيهِ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ دَيْنٌ يَجِبُ بِالْعَقْدِ كَانَ بِمَنْزِلَةِ الثَّمَنِ وَمِنْ حَيْثُ إنَّ الْعَقْدَ يُضَافُ إلَيْهِ وَيُورِدُ عَلَيْهِ كَانَ بِمَنْزِلَةِ الْمَبِيعِ فَتُوَفِّرُ حَظَّهُ عَلَيْهِمَا فَنَقُولُ لِشَبَهِهِ بِالْبَيْعِ لَا يَجُوزُ الِاسْتِبْدَالُ بِهِ قَبْلَ الْقَبْضِ وَلِشَبَهِهِ بِالثَّمَنِ يَجُوزُ إسْقَاطُ الْقَبْضِ فِيهِ بِالْإِبْرَاءِ إذَا ثَبَتَ هَذَا فِيمَا إذَا كَانَ عَقْدُ السَّلَمِ فَنَقُولُ لِنَفْسِهِ فَكَذَلِكَ الْجَوَابُ إذَا كَانَ وَكِيلًا يَصِحُّ أَبَرَاؤُهُ وَيَضْمَنُ مِثْلَهُ لِلْمُوَكِّلِ

فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ وَلَا يَصِحُّ أَبَرَاؤُهُ فِي قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ وَكَذَلِكَ الْخِلَافُ فِي الْمُتَارَكَةِ إذَا تَارِكَ الْوَكِيلُ السَّلَمِ مَعَ الْمُسْلَمِ إلَيْهِ وَكَذَلِكَ الْخِلَاف فِي الْوَكِيلِ بِالْبَيْعِ إذَا أَبْرَأَ الْمُشْتَرِي عَنْ الثَّمَنِ أَوْ وَهَبَهُ لَهُ أَوْ أَجَّلَهُ فِيهِ صَحَّ ذَلِكَ وَضَمِنَهُ لِلْمُوَكِّلِ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ وَقَالَ : أَبُو يُوسُفَ لَا يَصِحُّ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ أَسْتَحْسِنُ ذَلِكَ وَأَدْعُ الْقِيَاسَ فِيهِ قَالَ : مُحَمَّدُ بْنُ مُقَاتِلٍ وَهَذَا عَجَبٌ مِنْ أَبِي يُوسُفَ يَقُولُ أَسْتَحْسِنُ وَالْقِيَاسَ مَا قَالَهُ لِأَنَّ الثَّمَنَ وَالْمُسْلَمَ فِيهِ مِلْكُ الْمُوَكِّلِ فَإِنَّهُ بَدَلُ مِلْكِهِ وَإِنَّمَا يَمْلِكُ الْبَدَلَ بِمِلْكِ الْأَصْلِ أَلَا تَرَى أَنَّ بِقَبْضِهِ يَتَعَيَّنُ مِلْكُ الْمُوَكِّلِ وَإِنَّمَا يَتَعَيَّنُ بِالْقَبْضِ مِلْكُ مِنْ كَانَ مَالِكًا قَبْلَهُ فَالْوَكِيلُ تَصْرِفُ فِي مِلْكِ الْغَيْرِ بِخِلَافِ مَا أَمَرَهُ بِهِ فَلَا يَنْفُذُ تَصَرُّفُهُ كَمَا لَوْ قَبْضَهُ فَوَهَبَهُ مِنْهُ وَدَلِيلُ أَنَّ تَصَرُّفَهُ بِخِلَافِ مَا أَمَرَهُ بِهِ فَلَا يَنْفُذُ تَصَرُّفُهُ كَمَا لَوْ قَبَضَهُ فَوَهَبَهُ مِنْهُ وَدَلِيلُ أَنَّ تَصَرُّفَهُ مَا أَمَرَهُ بِهِ أَنَّ الْوَكِيلَ ضَامِنٌ عِنْدَكُمْ وَلَا يَضْمَنُ إلَّا بِالْخِلَافِ وَالدَّلِيلُ عَلَى أَنَّهُ مِلْكُ الْمُوَكِّلِ أَنَّ الْمُوَكِّلَ لَوْ كَانَ هُوَ الَّذِي أَبْرَأهُ عَنْهُ صَحَّ وَلَوْ قَبَضَهُ جَازَ قَبْضُهُ وَكَذَلِكَ لَوْ اشْتَرَى بِهِ شَيْئًا أَوْ صَالَحَ مِنْهُ عَلَى عَيْنٍ بِالثَّمَنِ صَحَّ وَلَوْ كَانَ لِلْمُشْتَرِي عَلَى الْمُوَكِّلِ دَيْن فَاشْتَرَى مِنْ الْوَكِيلِ شَيْئًا حَتَّى وَجَبَ لِلْمُوَكِّلِ عَلَى الْمُشْتَرِي دَيْنٌ أَيْضًا يَصِيرُ قِصَاصًا بِدَيْنِهِ فَبِهِ يَتَبَيَّنُ أَنَّ الثَّمَنَ الَّذِي يَجِبُ بِعَقْدِ الْوَكِيلِ مِلْكُ الْمُوَكِّلِ وَإِنَّ الزَّكَاةَ فِي هَذَا الْمَالِ تَجِبُ عَلَى الْمُوَكِّلِ فَعَرَفْنَا أَنَّ الْمِلْكَ لَهُ .
وَجْهُ قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ أَنَّ الْوَكِيلَ تَصَرَّفَ فِي خَالِصِ حَقِّهِ

فَيَنْفُذُ تَصَرُّفُهُ كَمَا لَوْ كَانَ عَاقِدًا لِنَفْسِهِ وَبَيَانُ الْوَصْفِ فِي التَّأْجِيلِ ظَاهِرٌ لِأَنَّهُ يُؤَخِّرُ الْمُطَالَبَةَ وَلَا يَسْقُطُ أَصْلُ الثَّمَنِ وَالْمُطَالَبَةُ حَقُّ الْوَكِيلِ حَتَّى يَنْفَرِدَ بِهِ عَلَى وَجْهٍ لَا يَمْلِكُ أَحَدٌ عَزْلَهُ عَنْهُ وَلَيْسَ لِأَحَدٍ أَنْ يُطَالِبَ إلَّا بِأَمْرِهِ وَكَذَلِكَ الْإِبْرَاءُ فَإِنَّهُ إسْقَاطُ حَقِّ الْقَبْضِ وَالْقَبْضُ خَالِصُ حَقِّهِ لِأَنَّهُ حُكْمُ الْعَقْدِ وَهُوَ فِي حُكْمِ الْعَقْدِ بِمَنْزِلَةِ الْعَاقِدِ لِنَفْسِهِ بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَا يَعْزِلُهُ أَحَدٌ عَنْهُ وَأَنَّ الْمُشْتَرِيَ لَا يُجْبَرُ عَلَى التَّسْلِيمِ إلَّا إلَيْهِ وَإِنَّمَا يَخْلُفُهُ الْمُوَكِّلُ فِي مِلْكِ الْمَالِ بِمُقَابَلَةِ مِلْكِهِ وَالْمَالُ هُوَ الْمَقْبُوضُ دُونَ الدَّيْنِ وَالدَّيْنُ لَيْسَ بِمَالٍ حَتَّى أَنَّ مَنْ حَلَفَ أَنْ لَا مَالَ لَهُ وَلَهُ دُيُونٌ عَلَى النَّاسِ لَا يَحْنَثُ فَعَرَفْنَا أَنَّ الْقَبْضَ خَالِصٌ حَقُّهُ فَيَصِحُّ إسْقَاطُهُ بِالْأَبْرَاءِ ثُمَّ يَتَعَدَّى هَذَا التَّصَرُّفُ إلَى إبْطَالِ حَقِّ الْمُوَكِّلِ فِي الْمَالِ بِاعْتِبَارِ الْمَالِ لِأَنَّهُ لَوْ قَبَضَ كَانَ الْمَقْبُوضُ مِلْكَهُ وَقَدْ فَاتَ ذَلِكَ بِإِسْقَاطِهِ فَيَكُونُ ضَامِنًا لَهُ كَالرَّاهِنِ إذَا أَعْتَقَ الْمَرْهُونُ يَنْفُذُ تَصَرُّفُهُ لِمُصَادِفَةِ حَقِّهِ وَيَضْمَنُ قِيمَةَ الْمَالِيَّةِ لِلْمُرْتَهِنِ لِأَنَّهُ تَلَفَهُ بِتَصَرُّفِهِ مِلْكَ الْمَالِيَّةِ وَكَذَلِكَ أَحَدُ الشَّرِيكَيْنِ إذَا أَعْتَقَ وَهُوَ مَيْسُورٌ وَهُوَ مَسْقَطٌ لِلْقَبْضِ عَلَى وَجْهٍ يَتَضَمَّنُ تَمْلِيكِ الدَّيْنِ مِمَّنْ عَلَيْهِ فَمِنْ حَيْثُ إنَّهُ إسْقَاطٌ صَحَّ مِنْهُ وَبَرِئَ الْمُشْتَرِي وَمَنْ حَيْثُ إنَّهُ تَمْلِيكُ الثَّمَنِ الَّذِي هُوَ حَقُّ الْمُوَكِّلِ مِنْ الْمُشْتَرِي صَارَ ضَامِنًا لَهُ كَالْوَكِيلِ بِالشِّرَاءِ إذَا رَضِيَ بِالْعَيْبِ وَإِلَى الْمُوَكِّلِ أَنْ يَرْضَى بِهِ فَإِنَّ رِضَى الْوَكِيلِ يُعْتَبَرُ بِانْقِطَاعِ مُنَازَعَتِهِ مَعَ الْبَائِعِ غَيْرُ مُعْتَبَرٍ فِي إلْزَامِ الْمُوَكِّلِ فَيَخْتَصُّ هُوَ بِضَرَرِهِ وَهَذَا لِأَنَّ الْإِسْقَاطَ أَصْلٌ فِي الْإِبْرَاءِ وَمَعْنَى التَّمْلِيكِ بَيْعٌ وَلِهَذَا

صَحَّ بِدُونِ الْقَبُولِ وَإِنْ كَانَ يَرْتَدُّ بِالرَّدِّ وَأَمَّا قَبْضُ الثَّمَنِ فَالْمَقْبُوضُ عَيْنُ مِلْكِ الْمُوَكِّلِ فَهِبَتُهُ بَعْدَ ذَلِكَ تُصْرَفُ فِي حَقِّ الْغَيْرِ

وَأَمَّا فَصْلُ الْمُقَاصَّة فَهُوَ عَلَى ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ إنْ كَانَ دَيْنُ الْمُشْتَرِي عَلَى الْوَكِيلِ وَهُوَ مِثْلُ الثَّمَنِ يَصِيرُ قِصَاصًا بِدَيْنِهِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى وَيَضْمَنُ لِلْمُوَكِّلِ مِثْلَهُ وَإِنْ كَانَ دَيْنُ الْمُشْتَرِي عَلَى الْمُوَكِّلِ يَصِيرُ قِصَاصًا بِالِاتِّفَاقِ لِأَنَّ بِاعْتِبَارِ الْمَالِ الْحَقِّ لِلْمُوَكِّلِ وَلِهَذَا لَوْ أَسْلَمَ إلَيْهِ الْمُشْتَرِي جَازَ قَبْضُهُ فَيَصِيرُ قِصَاصًا بِدَيْنِهِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ وَيَضْمَنُ الْمُوَكِّلُ مِثْلَهُ وَإِنْ كَانَ دَيْنُ الْمُشْتَرِي عَلَى الْمُوَكِّلِ يَصِيرُ قِصَاصًا بِالِاتِّفَاقِ لِأَنَّ بِاعْتِبَارِ الْمَالِ الْحَقُّ لِلْمُوَكِّلِ فَيَصِيرُ قِصَاصًا بِدَيْنِهِ وَإِنْ كَانَ الدَّيْنُ لَهُ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا صَارَ قِصَاصًا بِدَيْنِ الْوَكِيلِ لِأَنَّهُ لَوْ جَعَلَ قِصَاصًا بِدَيْنِ الْوَكِيلِ كَانَ ضَامِنًا لِلْمُوَكِّلِ مِثْلُهُ ثُمَّ يَحْتَاجُ إلَى قَضَاءِ دَيْنِهِ بِهِ وَإِذَا جَعَلَ قِصَاصًا بِدَيْنِ الْمُوَكِّلِ لَمْ يَضْمَنْ أَحَدٌ شَيْئًا فَرَجَّحْنَا هَذَا الْجَانِبَ لِهَذَا

وَالَابُّ وَالْوَصِيُّ يَصِحُّ أَبَرَاؤُهُمَا وَتَأْجِيلُهُمَا فِيمَا وَجَبَ لِلصَّبِيِّ بِعَقْدِهِمَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى وَكَانَا ضَامِنِينَ لَهُ فَأَمَّا فِيمَا وَجَبَ لَا بِعَقْدِهِمَا لَا يَصِحُّ لِأَنَّهُمَا ثَابِتَانِ أَمَرَا بِالتَّصَرُّفِ فِي مَالِهِ عَلَى وَجْهِ الْأَحْسَنِ وَذَلِكَ لَا يَحْصُلُ بِالْإِبْرَاءِ

قَالَ : ( وَالتَّأْجِيلُ وَالْمُتَارَكَةُ مِنْ الْوَكِيلِ بِالثَّمَنِ صَحِيحٌ فِي حَقِّ الْمُسْلَمِ إلَيْهِ بِخِلَافِ الْوَكِيل بِالشِّرَاءِ فَإِنَّ إقَالَتَهُ لَا تَصِحُّ ) لِأَنَّ هُنَاكَ عَيْنَ الْمُشْتَرِي مَمْلُوكٌ لِلْمُوَكِّلِ فَالْإِقَالَةُ تُصْرَفُ مِنْهُ فِي مَحِلٍّ هُوَ حَقُّ الْغَيْرِ وَهُنَا الْمُسْلَمُ فِيهِ دَيْنٌ وَالثَّابِتُ بِهِ حَقُّ الْقَبْضِ مَا دَامَ فِي الذِّمَّةِ وَهُوَ حَقُّ الْوَكِيلُ وَإِنْ احْتَالَ بِالْمُسْلَمِ فِيهِ عَلَى مَلِيءٍ أَوْ غَيْرِ مَلِيءٍ جَازَ عَلَيْهِ خَاصَّةً وَيَضْمَنُ لِلْأُمِّ طَعَامَهُ لِأَنَّهُ تَصَرَّفَ فِي خَالِصِ حَقِّهِ بِالتَّحْوِيلِ مِنْ مَحِلٍّ إلَى مَحِلٍّ فَهُوَ عَلَى الْخِلَافِ الَّذِي بَيَّنَّا فِي الْإِبْرَاءِ وَيَسْتَوْفِي فِي حُكْمِ الضَّمَانِ أَنْ يَكُونَ الْمُحْتَالُ عَلَيْهِ أَعْلَى أَوْ أَسْفَلَ بِخِلَافِ الْأَبِ وَالْوَصِيِّ فَإِنَّهُمَا لَوْ قَبِلَا الْحَوَالَةَ عَلَى مَنْ هُوَ أَعْلَى لَمْ يَضْمَنَا شَيْئًا لِأَنَّهُ تَصَرُّفٌ مِنْهُمَا فِي حَقِّ الصَّبِيِّ عَلَى وَجْهِ الْأَحْسَنِ وَهُمَا يَمْلِكَانِ الْمُبَادَلَةِ فِي حَقِّهِ بِصِفَةِ النَّظَرِ فَإِذَا بَادَلَا ذِمَّةً بِذِمَّةٍ عَلَى وَجْهِ النَّظَرِ لَمْ يَضْمَنَا وَالْوَكِيلُ لَا يَمْلِكُ مِثْلَهُ فِي حَقِّ الْمُوَكِّلِ فَلِهَذَا ضَمِنَهُ

قَالَ : ( وَإِنْ اقْتَضَى الطَّعَامُ أَدْوَنَ مِنْ شَرْطِهِ فَهُوَ جَائِزٌ ) لِأَنَّهُ أَبْرَأَهُ عَنْ صِفَةِ الْجُودَةِ وَلَوْ أَبْرَأَهُ عَنْ أَصْلِهِ جَازَ وَضَمِنَ لِلْمُوَكِّلِ مِثْلَ طَعَامِهِ عِنْدَهُمَا فَكَذَلِكَ إذَا رَضِيَ بِدُونِ حَقِّهِ

وَإِذَا عَقَدَ الْوَكِيلُ السَّلَمَ ثُمَّ أَمَرَ الْمُوَكِّلَ بِأَدَاءِ رَأْسِ الْمَالِ وَذَهَبَ الْوَكِيلُ بَطَلَ السَّلَمُ لِأَنَّ وُجُوبَ قَبْضِ رَأْسِ الْمَالِ قَبْلَ الِافْتِرَاقِ مِنْ حُقُوقِ الْعَقْدِ فَيَتَعَلَّقُ بِالْعَاقِدِ وَهُوَ الْوَكِيلُ وَالْمُوَكِّلُ فِيهِ كَأَجْنَبِيِّ آخَرَ فَلَا مُعْتَبَرَ بِبَقَائِهِ فِي الْمَجْلِسِ بَعْدَ ذَهَابِ الْعَاقِدِ وَلَا بِذَهَابِهِ إذَا بَقِيَ الْمُتَعَاقِدَانِ فِي الْمَجْلِسِ

فَإِذَا وَكَّلَهُ أَنْ يُسْلِمَ لَهُ عَشْرَةَ دَرَاهِمَ فِي كُرِّ حِنْطَةٍ فَأَسْلَمَهَا فِي قَفِيزِ حِنْطَةٍ فَهُوَ جَائِزٌ عَلَى الْوَكِيلِ دُونَ الْمُوَكِّلِ لِأَنَّهُ وَكِيلٌ بِالشِّرَاءِ فَالْمُسْلَمُ فِيهِ مَبِيعٌ وَرَبُّ السَّلَمِ مُشْتَرٍ وَالْوَكِيلُ بِالشِّرَاءِ لَا يَمْلِكُ الشِّرَاءِ فِي حَقِّ الْمُوَكِّلِ بِالْغَبْنِ الْفَاحِشِ لِمَا فِيهِ مِنْ التُّهْمَةِ أَنَّهُ بَاشَرَ التَّصَرُّفَ لِنَفْسِهِ ثُمَّ لَمَّا عَلِمَ بِالْغَبْنِ أَرَادَ أَنْ يُلْزِمُهُ الْمُوَكِّلُ فَإِذَا نَفَذَ الْعَقْدُ عَلَيْهِ ضَمِنَ لِلْمُوَكِّلِ كُلَّ دَرَاهِمِهِ لِأَنَّهُ قَضَى بِدَرَاهِمِهِ دَيْنَ نَفْسِهِ فَإِنْ أَسْلَمَهَا فِي حِنْطَةٍ يَكُونُ نُقْصَانُهَا عَنْ رَأْسِ الْمَالِ مِمَّا يَتَغَابَنُ النَّاسُ فِي مِثْلِهِ جَازَ عَلَى الْمُوَكِّلِ لِأَنَّ هُنَا الْعُذْرَ لَا يُسْتَطَاعُ الِامْتِنَاعُ عَنْهُ إلَّا بِحَرَجٍ فَكَانَ عَفْوًا فِي تَصَرُّفِهِ لِغَيْرِهِ شِرَاءً كَانَ أَوْ بَيْعًا

قَالَ : ( وَإِذَا وَكَّلَهُ أَنْ يُسْلِمَ لَهُ عَشَرَةَ دَرَاهِمَ فِي طَعَامٍ فَالطَّعَامُ الدَّقِيقُ وَالْحِنْطَةُ عِنْدَنَا اسْتِحْسَانًا وَفِي الْقِيَاسِ هَذَا التَّوْكِيلُ بَاطِلٌ ) لِأَنَّ اسْمَ الطَّعَامِ حَقِيقَةً لِكُلِّ مَطْعُومٍ بِدَلِيلِ مَا لَوْ حَلَفَ أَنْ لَا يَأْكُلَ طَعَامًا وَمَا أَوْصَى لِلْإِنْسَانِ بِطَعَامِهِ وَالْمَطْعُومَاتُ أَجْنَاسٌ مُخْتَلِفَةٌ وَجَهَالَةُ الْجِنْسِ تَمْنَعُ صِحَّةَ الْوَكَالَةِ وَلَكِنْ اسْتَحْسَنَ فَقَالَ : السَّلَمُ بَيْعٌ وَالطَّعَامُ إذَا أُطْلِقَ عِنْدَ ذِكْرِ الْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ يُرَادُ بِهِ الْحِنْطَةِ وَدَقِيقِهَا فَإِنَّ سُوقَ الطَّعَامِ الْمَوْضِعُ الَّذِي يُبَاعُ فِيهِ الْحِنْطَةُ وَدَقِيقُهَا وَبَائِعُ الطَّعَامِ مِنْ يَبِيعُ الْحِنْطَةِ وَدَقِيقِهَا دُونَ مِنْ يَبِيعْ الْفَوَاكِهِ وَهَذَا لِأَنَّ الشِّرَاءَ لَا يَتِمُّ إلَّا بِالْبَائِعِ فَكُلُّ مَا يُسَمِّي بَائِعُهُ بَائِعُ الطَّعَامِ يَصِيرُ هُوَ بِهِ مُشْتَرِيًا لِلطَّعَامِ بِخِلَافِ الْأَكْلِ فَإِنَّهُ يَتِمُّ بِالْآكِلِ وَالْوَصِيَّةِ تُتِمُّ بِالْمُوصَى فَاعْتَبَرْنَا فِيهِمَا حَقِيقَةَ الِاسْمِ قَالُوا وَهَذَا إذَا كَانَتْ الدَّرَاهِمُ كَثِيرَةً فَأَمَّا إذَا كَانَتْ قَلِيلَةً فَإِنَّمَا يَنْصَرِفُ إلَى الْخُبْزِ فَأَمَّا الدَّقِيقُ فَفِيهِ رِوَايَتَانِ وَفِي رِوَايَةٍ هُوَ بِمَنْزِلَةِ الْحِنْطَةِ لِأَنَّهُ يُذْكَرُ كَمَا وَهَذَا الْقِيَاسُ وَالِاسْتِحْسَانُ ثَابِتٌ فِي الْوَكِيلِ بِالشِّرَاءِ وَإِذَا ثَبَتَ أَنَّ اسْمَ الطَّعَامِ يَتَنَاوَلُ الْحِنْطَةِ وَدَقِيقُهَا فَالتَّوْكِيلُ صَحِيحٌ لِأَنَّهُ إنْ كَثُرَتْ الدَّرَاهِمُ عَرَفْنَا أَنَّ مُرَادَهُ الْحِنْطَةُ فَإِذَا قُلْتَ عَرَفْنَا أَنَّ مُرَادَهُ الدَّقِيقُ وَالْمَعْلُومُ دَلَالَةً كَالْمَعْلُومِ نَصَّا فَنَقُولُ إذَا وَكَّلَهُ بِأَنْ يُسْلِمَ لَهُ دَرَاهِمَ فِي طَعَامٍ فَأَسْلَمَ فِي شَعِيرٍ أَوْ غَيْرِهِ فَهُوَ مُخَالِفٌ وَلِلْمُوَكِّلِ أَنْ يَضْمَنَ الْوَكِيلُ دَرَاهِمَهُ لِأَنَّ عَقْدَهُ نَفَذَ عَلَى نَفْسِهِ ثُمَّ قَضَى بِدَرَاهِمِ الْآمِرِ دَيْنَ نَفْسِهِ وَإِنْ شَاءَ الْآمِرُ أَخَذَهَا مِنْ الْمُسْلَمِ إلَيْهِ لِأَنَّ الْمَقْبُوضَ مِنْ الدَّرَاهِمِ عَيْنُ مِلْكِهِ فَهُوَ أَحَقُّ بِهِ

فَإِنَّ أَخْذَهَا مِنْ الْمُسْلَمِ إلَيْهِ يَبْطُلُ السَّلَمِ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْوَكِيلِ وَإِنْ كَانَ قَدْ فَارَقَهُ لِأَنَّ رَأْسَ الْمَالَ اسْتَحَقَّ انْتَقَضَ الْقَبْضُ فِيهِ مِنْ الْأَصْلِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فَارَقَهُ حَتَّى أَعْطَاهُ مِثْلَهَا كَانَ السَّلَمُ صَحِيحًا بَيْنَهُمَا لِأَنَّ الْمَقْبُوضَ لَمَّا اسْتَحَقَّ فَكَأَنَّهُ لَمْ يَقْبِضْ إلَى آخَرِ الْمَجْلِسِ وَعَقَدُ السَّلَمِ مَا تَعَلَّقَ بِعَيْنِ تِلْكَ الدَّرَاهِمِ بَلْ تَعَلَّقَ بِمِثْلِهَا فِي ذِمَّتِهِ وَإِنْ أَخَذَهَا مِنْ الْوَكِيلِ يَبْقَى عَقْدُ السَّلَمِ بَيْنَهُمَا صَحِيحًا لِأَنَّهُ يَمْلِكُ رَأْسَ الْمَالِ بِالضَّمَانِ وَإِذَا وَكَّلَهُ بِأَنْ يَأْخُذَهُ دَرَاهِمَ فِي طَعَامٍ مُسَمَّى فَأَخَذَهَا الْوَكِيلُ ثُمَّ دَفَعَهَا إلَى الْمُوَكِّلِ فَالطَّعَامُ عَلَى الْوَكِيلِ وَلِلْوَكِيلِ عَلَى الْمُوَكِّلِ دَرَاهِمُ قَرْضٍ لِأَنَّ أَصْلَ التَّوْكِيلِ بَاطِلٌ فَإِنَّ الْمُسْلَمَ إلَيْهِ أَمَرَهُ بِبَيْعِ الطَّعَامِ فِي ذِمَّتِهِ وَلَوْ أَمَرَهُ أَنْ يَبِيعَ عَيْنَ مَالِهِ عَلَى أَنْ يَكُونَ الثَّمَنُ لِلْآمِرِ كَانَ بَاطِلًا فَكَذَلِكَ إذَا أَمَرَهُ أَنْ يَبِيعَ طَعَامًا فِي ذِمَّتِهِ وَهَذَا لِأَنَّهُ إنَّمَا يُعْتَبَرُ أَمْرَهُ فِيمَا لَا يَمْلِكُ الْمَأْمُورُ بِدُونِ أَمَرَهُ وَهُوَ فِي قَبُولِ السَّلَمِ فِي الطَّعَامِ مُسْتَغْنٍ عَنْ أَمْرِ الْغَيْرِ وَقَبُولُ السَّلَمِ مِنْ صَنِيعِ الْمَفَالِيسِ فَالتَّوْكِيلُ بِهِ بَاطِلٌ كَالتَّكَدِّي فَالْحَاصِلُ أَنَّ التَّوْكِيلَ مِنْ الْمُسْلَمِ إلَيْهِ بِقَبُولِ عَقْدِ السَّلَمِ بَاطِلٌ وَالتَّوْكِيلُ مِنْ رَبِّ السَّلَمِ بِإِعْطَاءِ الدَّرَاهِمِ فِي طَعَامِ السَّلَمِ جَائِزٌ وَإِذَا بَطَلَ التَّوْكِيلُ كَانَ الْوَكِيلُ عَاقِدًا لِنَفْسِهِ فَيَجِبُ الطَّعَامُ فِي ذِمَّتِهِ وَرَأْسُ الْمَالِ مَمْلُوكٌ لَهُ فَإِذَا أَسْلَمَهُ إلَى الْآمِرِ عَلَى وَجْهِ التَّمْلِيكِ مِنْهُ كَانَ قَرْضًا لَهُ عَلَيْهِ

قَالَ : ( وَإِذَا دَفْعَ إلَيْهِ عَشْرَةَ دَرَاهِمَ وَأَمَرَهُ أَنْ يُسْلِمَهَا فِي ثَوْبٍ لَمْ تَصِحَّ الْوَكَالَةُ حَتَّى تَتَبَيَّنَ الْجِنْسَ ) لِأَنَّ الثِّيَابَ أَجْنَاسٌ مُخْتَلِفَةٌ وَمَعَ جَهَالَةِ الْجِنْسِ لَا يَقْدِرُ الْوَكِيلُ عَلَى تَحْصِيلِ مَقْصُودِ الْمُوَكِّلِ فَيَبْطُلُ التَّوْكِيلُ فَإِنَّ الْوَكِيلَ كَانَ عَاقِدًا لِنَفْسِهِ وَرُوِيَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ قَالَ : يَنْظُرُ الْوَكِيلُ إلَى لِبَاسِ الْمُوَكِّلِ فَإِذَا اشْتَرَى الْوَكِيلُ مِنْ جِنْسِ لِبَاس الْمُوَكِّلِ يَجُوزُ وَيَلْزَمُ الْمُوَكِّلَ لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّ الْإِنْسَانَ إنَّمَا يَأْمُرُ غَيْرُهُ بِشِرَاءِ الثَّوْبِ لِيَلْبَسَهُ فَيَعْتَبِرُ بِثِيَابِهِ فَإِنْ سَمَّى الْمُوَكِّلُ ثَوْبًا يَهُودِيًّا أَوْ غَيْرِهِ جَازَ لِأَنَّ الْجِنْسَ صَارَ مَعْلُومًا وَإِنَّمَا بَقِيَتْ الْجَهَالَةُ فِي الصِّفَةِ وَلَا تَأْثِيرَ لِجَهَالَةِ الصِّفَةِ فِي الْعُقُودِ الْمَبْنِيَّةِ عَلَى التَّوَسُّعِ وَالْوَكَالَةُ بِهَذِهِ الصِّفَةِ فَإِنْ خَالَفَهُ الْوَكِيلُ فَأَسْلَمَ فِي غَيْرِهِ أَوْ إلَى غَيْرِ الْأَجَلِ الَّذِي سَمَّاهُ كَانَ عَاقِدًا لِنَفْسِهِ وَلِلْمُوَكِّلِ أَنْ يَضْمَنَهُ دَرَاهِمَهُ فَإِنْ ضَمِنَهُ إيَّاهَا جَازَ السَّلَمُ وَإِنْ ضَمِنَهَا الْمُسْلَمُ إلَيْهِ بَطَلَ السَّلَمُ لِانْتِقَاضِ قَبَضَهُ فِي رَأْسِ الْمَالِ بَعْدَ الِانْتِقَاضِ مِنْ الْأَصْلِ

قَالَ : ( وَإِذَا دَفْعَ الْوَكِيلُ الدَّرَاهِمَ سَلَّمَهَا عَلَى مَا أَمَرَهُ بِهِ الْآمِرُ وَلَمْ يُشْهِدْ عَلَى الْمُسْلَمِ إلَيْهِ بِالِاسْتِيفَاءِ ثُمَّ جَاءَ الْمُسْلَمُ إلَيْهِ بِدَرَاهِمَ زُيُوفٍ يَرُدُّهَا عَلَيْهِ فَقَالَ : وَجَدْتُهَا فِيهَا فَهُوَ مُصَدَّقٌ ) لِأَنَّهُ يُنْكِرُ اسْتِيفَاءَ حَقِّهِ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ مَعَ يَمِينِهِ وَيَقْضِي لَهُ عَلَى الْوَكِيلِ بِبَدَلِهِ وَيَرْجِعُ بِهِ الْوَكِيلُ عَلَى الْمُوَكِّلِ لِأَنَّهُ فِي تَصَرُّفُهُ عَامِلٌ لَهُ فَيَرْجِعُ عَلَيْهِ بِمَا يَلْحَقُهُ بِالْعُهْدَةِ وَإِنْ كَانَ أَشْهَدَ عَلَيْهِ بِالِاسْتِيفَاءِ لَمْ يُصَدَّقْ بَعْدَ ذَلِكَ عَلَى ادِّعَائِهِ أَنَّهُ زُيَّفٌ مَعْنَاهُ إذَا أَقَرَّ الْمُسْلَمُ إلَيْهِ بِاسْتِيفَاءِ الْجِيَادِ أَوْ بِاسْتِيفَاءِ حَقِّهِ أَوْ بِاسْتِيفَاءِ رَأْسِ الْمَالِ فَهُوَ مُنَاقِضٌ بَعْدَ ذَلِكَ فِي دَعْوَاهُ أَنَّهُ زُيُوفٌ فَلَا يُسْمَعُ بَعْدَ ذَلِكَ مِنْهُ وَلَا تُقْبَلُ بَيِّنَتُهُ عَلَيْهِ وَلَا يَتَوَجَّهُ الْيَمِينُ عَلَى خَصْمِهِ فَأَمَّا إذَا أَقَرَّ بِاسْتِيفَاءِ الدَّرَاهِمِ فَاسْمُ الدَّرَاهِمِ يَتَنَاوَلُ الزُّيُوفَ وَالْجِيَادَ فَلَا يَكُونُ مُنَاقِضًا فِي قَوْلِهِ وَجَدْتُهَا زُيُوفًا .

قَالَ : ( وَاذَا وَكَّلَهُ بِأَنْ يُسْلِمَ لَهُ عَشَرَةَ دَرَاهِمَ مِنْ الدَّيْنِ الَّذِي لَهُ عَلَيْهِ فِي حِنْطَةٍ فَأَسْلَمَهَا لَهُ فَهُوَ عَاقِدٌ لِنَفْسِهِ حَتَّى يَقْبِضَ الطَّعَامَ فَيُرِدْهُ إلَى الْآمِرِ مَكَانَ دَيْنِهِ ) فَحِينَئِذٍ يُسْلِمُ لِلْآمِرِ إذَا تُرَاضِيَا عَلَيْهِ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَقَالَ : أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ هُوَ جَائِزٌ عَلَى الْآمِرِ وَكَذَلِكَ لَوْ أَمَرَهُ أَنْ يَصْرِفَهَا لَهُ بِدَنَانِيرَ أَوْ يُشْتَرَى لَهُ بِهَا شَيْئًا سَمَّاهُ وَجْهُ قَوْلِهِمَا أَنَّ الدَّيْنَ فِي ذِمَّةِ الْمَدْيُونِ مِلْكُ صَاحِبِ الدَّيْنِ بِدَلِيلِ أَنْ يُطَالِبَهُ بِالتَّسْلِيمِ وَيَنْفَرِدُ بِاسْتِيفَاءِ جِنْسِهِ مِنْ مَالِهِ وَيُشْتَرَى مِنْهَا شَيْئًا فَيَجُوزُ فَإِنَّمَا أَضَافَ التَّوْكِيلُ إلَى مُلْكِهِ وَذَلِكَ صَحِيحٌ كَمَا لَوْ كَانَتْ الدَّرَاهِمُ وَدِيعَةً لَهُ فِي يَدِهِ أَوْ غَصْبًا فَوَكَّلَهُ أَنْ يَشْتَرِيَ لَهُ بِهَا وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ أَنَّهُ لَوْ عَيَّنَ الْمُسْلَمُ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ أَسْلَمَهَا فِي طَعَامٍ إلَى فُلَانٍ أَوْ عَيَّنَ الْبَائِعُ أَوْ الْمَبِيعَ بِقَوْلِهِ اشْتَرِ لِي بِهَا عَبْدَ فُلَانٍ فَإِنَّهُ يَصِحُّ فَكَذَلِكَ إذَا أُطْلِقَ لِأَنَّ تَسْمِيَةَ مِنْ يُعَامِلُهُ الْوَكِيلُ لَيْسَ بِشَرْطِ لِصِحَّةِ الْوَكَالَة يُوَضِّحُهُ أَنَّهُ لَوْ قَالَ : تَصَدَّقْ بِمَا لِي عَلَيْكَ عَلَى الْمَسَاكِينِ يَجُوزُ بِمَنْزِلَةِ مَا لَوْ قَالَ : تَصَدَّقْ بِهِ عَلَى فُلَانٍ فَكَذَلِكَ إذَا أَمَرَهُ بِالشِّرَاءِ بِهِ وَلَأَبِي حَنِيفَةَ حَرْفَانِ ( أَحَدُهُمَا ) أَنَّهُ أَمَرَهُ بِصَرْفٍ فِي الدَّيْنِ إلَى مِنْ يَخْتَارُهُ الْمَدْيُونُ بِنَفْسِهِ وَذَلِكَ بَاطِلٌ كَمَا لَوْ قَالَ : ادْفَعْ مَا لِي عَلَيْكَ مِنْ الدَّيْنِ إلَى مِنْ يَثْبُتُ أَوْ أَلْقِهِ فِي الْبَحْرِ كَانَ صَحِيحًا وَالْمَعْنَى فِي الْفَرْقِ أَنَّ الْمَدْيُونَ إنَّمَا يَقْضِي الدَّيْنَ بِمِلْكِ نَفْسِهِ وَهُوَ فِي تَصَرُّفِهِ فِي مِلْكِ نَفْسه بِالدَّفْعِ إلَى الْغَيْرِ لَا يَحْتَاجُ إلَى إذْنِ الْآمِرِ فَكَانَ وُجُودُ أَمْرِهِ كَعَدَمِهِ فَأَمَّا فِي الْعَيْنِ تَصَرُّفُهُ فِي مِلْكِ الْغَيْرِ وَلَا يَمْلِكُ ذَلِكَ إلَّا بِإِذْنِ

مَنْ لَهُ الْحَقُّ وَهَذَا بِخِلَافِ مَا إذَا عَيَّنَ الْمُسْلَمُ إلَيْهِ أَوْ الْبَائِعُ لِأَنَّ مِنْ أَمَرَهُ بِالصَّرْفِ إلَيْهِ هُنَاكَ مَعْلُومًا فَكَانَ أَمْرُهُ مُعْتَبَرًا فِي تَوْكِيلِهِ ذَلِكَ الرَّجُلِ بِالْقَبْضِ لَهُ أَوَّلًا ثُمَّ لِنَفْسِهِ وَكَذَلِكَ إذَا عَيَّنَ الْمَتَاعَ لِأَنَّ بِتَعَيُّنِهِ يَتَعَيَّنُ الْمَالِكُ فَالْإِنْسَانُ فِي الْعَادَةِ يُشْتَرَى الشَّيْءَ مِنْ مَالِكِهِ وَهُنَا لَا يُمْكِنُ اعْتِبَارَ أَمْرِهِ فِي تَوْكِيلِ الْقَابِضِ بِقَبْضِهِ لِأَنَّهُ تَوْكِيلُ الْمَجْهُولِ وَذَلِكَ بَاطِلٌ وَهَذَا بِخِلَافِ قَوْلِهِ تَصَدَّقْ بِمَا لِي عَلَيْكَ لِأَنَّ الْمُتَصَدِّقَ يَجْعَلُ الْمَالَ لِلَّهِ تَعَالَى ثُمَّ يَصْرِفُهُ إلَى الْفَقِيرِ لِيَكُونَ كِفَايَةً لَهُ مِنْ اللَّهِ تَعَالَى فَلَا جَهَالَةَ فِيمَنْ أَمَرَهُ أَنْ يَجْعَلَ ذَلِكَ لَهُ فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ مَا لَوْ أَمَرَهُ بِالدَّفْعِ إلَى آدَمِيٍّ عَيْنِهِ ( وَالثَّانِي ) أَنَّ بِعَقْدِ السَّلَمِ يَجِبُ رَأْسُ الْمَالِ عَلَى الْوَكِيلِ ثُمَّ يَجِبُ لَهُ مِثْلُهُ عَلَى الْمُوَكِّلِ فَإِمَّا أَنْ يَكُونَ هُوَ مُقْرِضًا لَهُ فِي ذِمَّتِهِ لِيَقْضِيَ بِهِ دِينًا عَلَيْهِ وَذَلِكَ لَا يَجُوزُ أَوْ أَمَرَهُ لَهُ بِأَنْ يَقْبِضَ مِنْ نَفْسِهِ ثُمَّ يَقْضِي بِهِ دَيْنًا عَلَيْهِ وَذَلِكَ لَا يَجُوزُ يُوَضِّحُهُ أَنْ يُقِيمَ الْوَكِيلُ مَقَامَ نَفْسِهِ فِيمَا يَأْمُرُهُ بِهِ مِنْ التَّصَرُّفِ وَهُوَ بِنَفْسِهِ لَهُ أَسْلَمَ الدَّيْنَ الَّذِي لَهُ عَلَى زَيْدٍ إلَى عَمْرٍو فِي طَعَامٍ لَا يَجُوزُ فَكَذَلِكَ إذَا وَكَّلَ الْمَدْيُونَ بِأَنْ يَفْعَلَ لَهُ ذَلِكَ وَبِهِ يَظْهَرُ الْفَرْقُ بَيْنَ الدَّيْنِ وَالْعَيْنِ وَلَكِنَّ الِاعْتِمَادَ عَلَى الْحَرْفِ الْأَوَّلِ

قَالَ : ( وَإِذَا وَكَّلَ الرَّجُلُ الرَّجُلَيْنِ إنْ يُسْلَمَا لَهُ عَشَرَةَ دَرَاهِمَ فِي طَعَامٍ فَأَسْلَمَهَا أَحَدُهُمَا لَمْ يَجُزْ ) لِأَنَّ عَقْدَ السَّلَمِ يَحْتَاجُ فِيهِ إلَى الرَّأْيِ وَالتَّدْبِيرِ كَبَيْعِ الْعَيْنِ وَهُوَ إنَّمَا رَضِيَ بِرَأْيِ الْمَثْنَى وَرَأْيُ الْوَاحِدِ لَا يَكُونُ كَرَأْيِ الْمَثْنَى فَإِنْ أَسْلَمَاهَا ثُمَّ تَارَكَ أَحَدُهُمَا مَعَ الْمُسْلَمِ إلَيْهِ السَّلَمُ لَمْ يَجُزْ عِنْدَهُمْ جَمِيعًا أَمَّا عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ لِأَنَّ الْوَكِيلَ بِالسَّلَمِ لَا يَمْلِكُ الْمُشَارَكَةَ وَلَوْ تَارِكًا لَمْ يَجُزْ فَكَذَلِكَ إذَا تَارَكَ أَحَدُهُمَا وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ لِأَنَّ الْوَكِيلَيْنِ لَوْ عَقَدَا لِأَنْفُسِهِمَا ثُمَّ تَارِكَ أَحَدُهُمَا لَمْ يَجُزْ بِغَيْرِ رِضَى الْآخَرِ فَإِذَا كَانَ وَكِيلَيْنِ أَوْلَى

قَالَ : ( وَإِذَا عَقْدَ الْوَكِيلُ السَّلَمَ ثُمَّ اقْتَضَى الْآمِرُ الطَّعَامَ فَهُوَ جَائِزٌ اسْتِحْسَانًا وَفِي الْقِيَاسِ لَا يَجُوزُ ) لِأَنَّ الْقَبْضَ مِنْ حُكْمِ الْعَقْدِ وَالْمُوَكِّلِ مِنْهُ كَسَائِرِ الْأَجَانِبِ أَلَا تَرَى أَنَّ الْإِيفَاءَ لَمْ يَجِبْ عَلَى الْمُسْلَمِ إلَيْهِ بِطَلَبِهِ فَكَذَلِكَ لَا يَبْرَأُ بِالتَّسْلِيمِ إلَيْهِ وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنْ يَقْبِضَ الْوَكِيلُ بِتْعَيْنِ مُلْكِ الْمُوَكِّلِ فَكَانَ الْمُوَكِّلُ فِي هَذَا الْقَبْضِ عَامِلًا لِنَفْسِهِ فِي تَعْيِينِ مِلْكِهِ فَهُوَ يَكْفِي الْوَكِيلَ مَئُونَةُ الْقَبْضِ وَالتَّسْلِيمِ إلَيْهِ وَلَا يَلْحَقُ بِهِ ضَرَرٌ فِي تَصَرُّفِهِ يُوَضِّحُهُ أَنَّا لَوْ نَقَضْنَا قَبْضَهُ احْتَجْنَا إلَى إعَادَتِهِ بِعَيْنِهِ فِي الْحَالِ لِأَنَّهُ يَرُدُّهُ عَلَى الْمُسْلَمِ إلَيْهِ فَيَقْبِضَهُ الْوَكِيلُ مِنْهُ ثُمَّ يُسَلِّمُهُ إلَى الْمُوَكِّلِ وَهَذَا اشْتِغَالٌ بِمَا لَا يُفِيدُ وَالْقَاضِي لَا يَشْتَغِلُ بِمَا لَا يُفِيدُ وَلَا يَنْقُصُ شَيْئًا لِيُعِيدَ وَإِنْ تَارَكَ السَّلَمَ إلَيْهِ مَعَ الْمُوَكِّلِ جَازَ لِأَنَّهُ قَائِمٌ مَقَامَ الْعَاقِدِ فِي مِلْكِ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ فَتَصِحُّ مِنْهُ الْمُتَارَكَةُ كَمَا تَصِحُّ مِنْ وَارِثِ رَبِّ السَّلَمِ بَعْدَ الْمَوْتِ وَإِنْ لَمْ يُتَارِكُهُ فَأَرَادَ قَبْضَ الطَّعَامِ مِنْهُ فَلِلْمُسْلَمِ إلَيْهِ أَنْ يَمْتَنِعَ مِنْ دَفْعِهِ إلَيْهِ لِأَنَّ الْمُطَالَبَةَ بِالتَّسْلِيمِ تَتَوَجَّهُ بِالْعَقْدِ وَالْمُوَكِّلُ مِنْ الْعَقْدِ أَجْنَبِيٌّ فَمُطَالَبَتُهُ لَا تُلْزِمُ الْمُسْلَمَ إلَيْهِ الدَّفْعَ إلَيْهِ

، قَالَ : ( وَإِذَا دَفْعَ إلَى رَجُلٍ عَشَرَةَ دَرَاهِمَ لِيُسْلِمَهَا فِي طَعَامٍ فَنَاوَلَ الْوَكِيلُ رَجُلًا فَبَايَعَهُ فَإِنْ أَضَافَ الْعَقْدُ إلَى دَرَاهِمِ الْآمِرِ كَانَ الْعَقْدُ لِلْآمِرِ وَإِنْ أَضَافَهُ إلَى دَرَاهِمِ نَفْسِهِ كَانَ عَاقِدًا لِنَفْسِهِ ) لِأَنَّ الظَّاهِرَ يَدُلَّ عَلَى ذَلِكَ وَلِأَنَّ فِعْلَهُ مَحْمُولٌ عَلَى مَا يُحْمَلُ وَفِيمَا يَعْقِدُ لِنَفْسِهِ لَا يَحِلُّ لَهُ إضَافَةَ الْعَقْدِ إلَى دَرَاهِمِ غَيْرِهِ وَإِنَّ عَقْدَ السَّلَمِ بِعَشْرَةٍ مُطْلَقَةٍ ثُمَّ نَوَاهَا لِلْآمِرِ فَالْعَقْدُ لَهُ وَإِنْ لَمْ تَحْضُرْهُ نِيَّةً فَإِنْ دَفْعَ دَرَاهِمَ نَفْسِهِ فَالْعَقْدُ لَهُ وَإِنْ دَفْعَ دَرَاهِمَ الْآمِرِ فَهُوَ لِلْآمِرِ فِي قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ وَقَالَ : مُحَمَّدٌ هُوَ عَاقِدٌ لِنَفْسِهِ مَا لَمْ يَنْوِ عِنْدَ الْعَقْدِ أَنَّهُ لِلْآمِرِ وَإِنْ تُكَاذَبَا فِي النِّيَّةِ فَقَالَ : الْآمِرُ نَوَيْتَهُ لِي وَقَالَ : الْمَأْمُورُ نَوَيْتُهُ لِنَفْسِي فَالطَّعَامُ لِلَّذِي نَقَدَ دَرَاهِمَهُ بِالِاتِّفَاقِ فَمُحَمَّدٌ يَقُولُ الْأَصْلُ أَنَّ كُلَّ أَحَدٍ يَعْمَلُ لِنَفْسِهِ إلَّا أَنْ يَقْتَرِنَ بِعَمَلِهِ دَلِيلٌ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ يَعْمَلُ لِغَيْرِهِ وَذَلِكَ بِإِضَافَةِ الْعَقْدِ إلَى دَرَاهِمِ الْغَيْرِ أَوْ النِّيَّةِ لِلْغَيْرِ فَإِذَا انْعَدَمَ ذَلِكَ كَانَ عَامِلًا لِنَفْسِهِ وَلَا يُمْكِنُ أَنْ يَجْعَلَ نَقْدَ الدَّرَاهِمِ دَلِيلًا عَلَى ذَلِكَ لِأَنَّ نَقْدَ الدَّرَاهِمِ لَا يَقْتَرِنُ بِالْعَقْدِ بَلْ يَكُونُ بَعْدَهُ وَبَعْدَ مَا أَوْقَعَ الْعَقْدُ لَهُ لَا يَتَحَوَّلُ إلَى غَيْرِهِ وَإِنَّ دَرَاهِمَ الْغَيْرِ وَبِهِ فَارَقَ التَّكَاذُبُ لِأَنَّ النَّقْدَ مَوْجُودٌ عِنْدَ التَّكَاذُبِ فَيُمْكِنُ أَنْ يُجْعَلَ دَلِيلًا مِنْ حَيْثُ شَهَادَةِ الظَّاهِرِ لِأَحَدِهِمَا لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّهُ فِيمَا عَقَدَ لِنَفْسِهِ لَا يَنْقُدُ دَرَاهِمَ الْغَيْرِ فَإِذَا كَانَ الْمَنْقُودُ دَرَاهِمَ الْآمِرِ فَالظَّاهِرُ يَشْهَدُ لَهُ فَكَانَ الْقَوْلُ قَوْلُهُ يُوَضِّحُهُ أَنَّ بِقَبُولِ الْوَكَالَةِ مِنْ الْغَيْرِ لَا يُحِيلُ وِلَايَتَهُ عَلَى نَفْسِهِ وَقَبْلَ قَبُولِ الْوَكَالَةِ كَانَ مُطْلَقُ عَقْدِهِ لِنَفْسِهِ فَكَذَلِكَ

بَعْدَ قَبُولِ الْوَكَالَةِ لِأَنَّ تِلْكَ الْوِلَايَةِ بَاقِيَةٌ بَعْدَ قَبُولِ الْوَكَالَةِ كَمَا كَانَتْ قَبْلَهُ وَلِأَنَّ مُوجِبَ الْعَقْدِ وُقُوعُ الْمِلْكِ لَهُ فِي الطَّعَامِ لِلْعَاقِدِ إلَّا أَنَّهُ إذَا نَوَى لِلْمُوَكِّلِ فَالْمُوَكِّلُ يَخْلُفُهُ فِي ذَلِكَ الْمِلْكِ وَالْمَصِيرُ إلَى الْخَلْفِ عِنْدَ فَوَاتِ مَا هُوَ الْأَصْلُ وَعِنْدَ إطْلَاقِ الْعَقْدِ مَا هُوَ الْأَصْلُ مُمْكِنُ الِاعْتِبَارِ فَلَا يُضَافُ إلَى الْخَلْفِ وَأَبُو يُوسُفَ يَقُولُ الْعَقْدُ وَالنَّقْدُ كَشَيْءٍ وَاحِدٍ حُكْمًا لِأَنَّ النَّقْدَ وَإِنْ كَانَ بَعْدَ الْعَقْدِ صُورَةً فَهُوَ كَالْمُقْتَرِنِ بِالْعَقْدِ إذْ لَوْ لَمْ يَجْعَلْ كَذَلِكَ كَانَ دِينًا بِدَيْنٍ وَذَلِكَ لَا يَجُوزُ وَالدَّلِيلُ عَلَى أَنَّ بَعْدَ مَا نَقَدَ الدَّرَاهِمَ لَوْ أَرَادَ أَنْ يَسْتَرِدّهَا لِيُعْطِيَ غَيْرَهَا لَمْ يَمْلِكْ كَمَا لَوْ اُقْتُرِنَ التَّعْيِينُ بِالْعَقْدِ بِأَنْ أَضَافَ الْعَقْدُ إلَى دَرَاهِمِ الْآمِرِ ثُمَّ أَرَادَ أَنْ يَدْفَعَ غَيْرَهَا وَيَجْعَلَ الْعَقْدَ لِنَفْسِهِ لَمْ يَمْلِكْ ذَلِكَ فَإِذَا صَارَ كَشَيْءٍ وَاحِدٍ فَهُوَ دَلِيلٌ ظَاهِرٌ عَلَى مَنْ وَقَعَ الْعَقْدُ لَهُ فَيَجِبُ تَحَكُّمُهُ كَمَا فِي حَالَةِ التَّكَاذُبِ يُوَضِّحُهُ أَنَّهُ بَعْدَ قَبُولِ الْوَكَالَةِ يَعْقِدُ لِلْمُوَكِّلِ بِوِلَايَتِهِ الْأَصْلِيَّةِ كَمَا يَعْقِدُ لِنَفْسِهِ وَلِهَذَا تَعَلَّقَ بِهِ حُقُوقُ الْعَقْدِ فِي الْوَجْهَيْنِ فَإِذَا اسْتَوَى الْجَانِبَانِ يُصَارُ إلَى تَرْجِيحِ أَحَدِهِمَا بِالنَّقْدِ كَمَا يُصَارُ إلَيْهِ عِنْدَ التَّكَاذُبِ وَفَرَّقَ أَبُو يُوسُفَ بَيْنَ هَذَا وَبَيْنَ الْمَأْمُورِ بِالْحَجِّ عَنْ الْغَيْرِ إذَا أَطْلَقَ النِّيَّةَ عِنْدَ الْإِحْرَامِ فَإِنَّهُ يَكُونُ عَاقِدًا لِنَفْسِهِ فَإِنَّ الْحَجَّ عِبَادَةٌ وَالْعِبَادَاتُ لَا تَتَأَدَّى إلَّا بِالنِّيَّةِ فَكَانَ مَأْمُورًا بِأَنْ يُنْوِيَ عَنْ الْمَحْجُوجِ عَنْهُ وَلَمْ يَفْعَلْ فَصَارَ مُخَالِفًا بِتَرْكِ مَا هُوَ الرُّكْنُ وَأَمَّا فِي الْمُعَامَلَاتِ فَالنِّيَّةُ لَيْسَتْ بِرُكْنٍ فَلَا يَصِيرُ بِتَرْكِ النِّيَّةِ عَنْ الْآمِرِ مُخَالِفًا فَيَبْقَى حُكْمُ عَقْدِهِ مَوْقُوفًا عَلَى النَّقْدِ .

قَالَ ( وَإِنْ وَكَّلَهُ بِثَوْبٍ يَبِيعُهُ بِدَرَاهِمَ فَأَسْلَمَهُ فِي طَعَامٍ إلَى أَجَلٍ فَهُوَ عَاقِدٌ لِنَفْسِهِ ) لِأَنَّهُ خَالَفَ مَا أَمَرَهُ بِهِ نَصًّا وَإِنْ أَمَرَهُ بِبَيْعِهِ وَلَمْ يُسَمِّ لَهُ الثَّمَنَ فَأَسْلَمَهُ فِي طَعَامٍ جَازَ عَلَى الْآمِرِ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَلَمْ يَجُزْ فِي قَوْلِهِمَا

وَهَذِهِ فُصُولٌ ( أَحَدُهَا ) أَنَّ الْوَكِيلَ فِي الْبَيْعِ مُطْلَقًا يَبِيعُ بِالنَّقْدِ وَالنَّسِيئَةِ عِنْدَنَا وَقَالَ الشَّافِعِيُّ لَا يَبِيعُ إلَّا بِالنَّقْدِ لِأَنَّ مُطْلَقَ التَّوْكِيلِ بِالْبَيْعِ مُعْتَبَرٌ بِمُطْلَقِ إيجَابِ الْبَيْعِ وَمُطْلَقُ إيجَابِ الْبَيْعِ يَنْصَرِفُ إلَى الثَّمَنِ الْحَالِّ دُونَ النَّسِيئَةِ فَكَذَلِكَ مُطْلَقُ التَّوْكِيلِ وَهَذَا لِأَنَّ الْأَجَلَ شَرْطٌ زَائِدٌ عَلَى مَا يَتِمُّ بِهِ الْعَقْدُ فَلَا يَثْبُتُ الْإِذْنُ فِيهِ إلَّا بِالتَّنْصِيصِ وَلَكِنَّا نَقُولُ أَمَرَهُ بِبَيْعٍ مُطْلَقٌ فَلَا يَجُوزُ إثْبَاتُ التَّقْيِيدِ فِيهِ مِنْ غَيْرِ دَلِيلٍ وَالتَّقْيِيدُ بِالثَّمَنِ الْحَالِّ بِعَدَمِ صِفَةِ الْإِطْلَاقِ وَلَا دَلَالَةَ عَلَيْهِ فِي كَلَامِهِ نَصًّا وَلَا عُرْفًا فَالْبَيْعُ بِالنَّسِيئَةِ مُعْتَادٌ بَيْنَ التُّجَّارِ كَالْبَيْعِ بِالنَّقْدِ وَرُبَّمَا يَكُونُ الْبَيْعُ بِالنَّسِيئَةِ أَقْرَبُ إلَى تَحْصِيلِ مَقْصُودِهِمَا وَهُوَ الرِّبْحُ وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ أَنَّ الْمُضَارِبَ وَالْأَبَ وَالْوَصِيَّ يَمْلِكُونَ الْبَيْعَ بِالنَّسِيئَةِ وَأَمَّا مُطْلَقُ إيجَابِ الْبَيْعِ فَإِمَّا يَحْمِلُهُ عَلَى النَّقْدِ لِتَعَذُّرِ اعْتِبَارِ الْإِطْلَاقِ فَإِنَّ الْبَيْعَ يَسْتَدْعِي صِفَةً مُعِينَةً فِي الثَّمَنِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ بِعْتُهُ مِنْكَ بِالنَّقْدِ وَالنَّسِيئَةِ لَا يَجُوزُ وَفِي التَّوْكِيلِ لَا يُوجَدُ مِثْلُ هَذَا فَالتَّوْكِيلُ صَحِيحٌ بِدُونِ تَعْيِينِ أَحَدِ الْوَصْفَيْنِ حَتَّى لَوْ قَالَ بِعْتُهُ بِالنَّقْدِ أَوْ بِالنَّسِيئَةِ يَجُوزُ ثُمَّ قِيلَ عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ يَجُوزُ بَيْعُهُ بِثَمَنٍ مُؤَجَّلٍ طَالَتْ الْمُدَّةُ أَوْ قَصُرَتْ وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ يَجُوزُ بِأَجَلٍ مُتَعَارَفٍ وَلَوْ أَجَلَّهُ مُدَّةٍ غَيْرَ مُتَعَارِفَةٍ فِي مِثْلِ تِلْكَ السِّلْعَةِ لَا يَجُوزُ بِمَنْزِلَةِ الْبَيْعِ بِالْغَبْنِ الْفُحْشُ عِنْدَهُمَا وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ قَالَ ( إنْ أَمَرَهُ بِالْبَيْعِ عَلَى وَجْهِ التِّجَارَةِ فَلَهُ ) أَنْ يَبِيعَهُ بِالنَّسِيئَةِ أَمَّا إذَا أَمَرَهُ بِالْبَيْعِ لِحَاجَتِهِ إلَى النَّفَقَةِ أَوْ إلَى قَضَاءِ دَيْنِهِ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ

يَبِيعَهُ بِالنَّسِيئَةِ وَلَوْ بَاعَهُ بِغَبْنٍ جَازَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ سَوَاءً كَانَ الْغَبْنُ يَسِيرًا أَوْ فَاحِشًا وَعِنْدَهُمَا لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ بِغَبْنِ فَاحِشٍ لِأَنَّ دَلِيلَ الْعُرْفِ يُفِيدُ مُطْلَقَ التَّوْكِيلِ حَتَّى يَتَقَيَّدَ التَّوْكِيلُ بِشِرَاءِ الْأُضْحِيَّةِ بِأَيَّامِ النَّحْرِ وَالتَّوْكِيلُ بِشِرَاءِ الْفَحْمِ زَمَانَ الشِّتَاءِ وَالْجَمْدِ بِزَمَانِ الصَّيْفِ فَإِنَّهُ إذَا وَكَّلَهُ أَنْ يَشْتَرِيَ لَهُ جَمْدًا فِي الشِّتَاءِ يَكُونُ مُشْتَرِيًا لِنَفْسِهِ وَإِنْ كَانَ التَّوْكِيلُ مُطْلَقًا فَصَحَّ مَا ذَكَرْنَا وَالْبَيْعُ بِغَبْنٍ فَاحِشٍ لَيْسَ بِمُتَعَارَفٍ فَالظَّاهِرُ إنَّمَا يَسْتَعِينُ بِغَيْرِهِ فِيمَا يَعْجِزُ عَنْ مُبَاشَرَتِهِ بِنَفْسِهِ وَهُوَ لَا يَعْجِزُ عَنْ بَيْعِ مَا يُسَاوِي مِائَةَ دِرْهَمٍ بِعَشْرَةِ دَرَاهِمَ وَقَاسَا بِالْوَكِيلِ بِالشِّرَاءِ فَإِنَّ شِرَاءَهُ بِالْغَبْنِ الْفَاحِشِ لَا يَنْفُذُ عَلَى الْأَمْرِ كَذَلِكَ الْوَكِيلُ بِالْبَيْعِ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَمَرَ بِمَا هُوَ مِنْ صَنِيعِ التُّجَّارِ وَكَذَلِكَ الْأَبُ وَالْوَصِيُّ لَا يَمْلِكَانِ بَيْعَ مَالِ الْيَتِيمِ بِغَبْنِ فَاحِشٍ لِهَذَا الْمَعْنَى وَلِأَنَّ الْمُحَابَاةَ الْفَاحِشَةَ كَالْهِبَةِ حَتَّى إذَا حَصَلَتْ مِنْ الْمَرِيضِ تُعْتَبَرُ مِنْ الثُّلُثِ وَالْوَكِيلُ بِالْبَيْعِ لَا يَمْلِكُ الْهِبَةَ وَأَبُو حَنِيفَةَ يَقُولُ أَمَرَهُ بِمُطْلَقِ الْبَيْعِ وَقَدْ أَتَى بِهِ لِأَنَّ الْبَيْعَ مُبَادَلَةُ مَالٍ بِمَالٍ شَرْطًا وَقَدْ وُجِدَ ذَلِكَ فَمَا مِنْ جُزْءٍ مِنْ الْمَبِيعِ إلَّا وَيُقَابِلهُ جُزْءٌ مِنْ الثَّمَنِ أَلَا تَرَى أَنَّ الْمَبِيعَ لَوْ كَانَ دَارًا يَجِبُ لِلشَّفِيعِ الشُّفْعَةَ فِي جَمِيعِهِ وَبِهِ يَتَبَيَّنُ أَنَّهُ بَيْعٌ وَلَيْسَ بِهِبَةٍ وَبِأَنَّ اُعْتُبِرَ مِنْ الثُّلُثِ فِي حَقِّ الْمَرِيضِ هَذَا لَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ بِبَيْعٍ وَإِنَّ الْوَكِيلَ لَا يَمْلِكُهُ كَالْبَيْعِ بِغَبْنٍ يَسِيرٍ وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ أَنَّ مَنْ حَلِفَ لَا يَبِيعُ فَبَاعَ بِغَبْنٍ فَاحِشٍ يَحْنَثُ وَلَا يَحْنَثُ إلَّا بِكَمَالِ الشَّرْطِ فَعَرَفْنَا أَنَّهُ بَيْعٌ مُطْلَقٌ فَيَصِيرُ الْوَكِيلُ بِهِ مُمْتَثِلًا

لِلْآمِرِ فَإِنَّا لَوْ قَيَّدْنَا بِالْبَيْعِ بِمِثْلِ الْقِيمَةِ أَبْطَلْنَا حُكْمَ الْإِطْلَاقِ مِنْ كَلَامِهِ وَذَلِكَ لَا يَجُوزُ مِنْ غَيْرِ دَلِيلٍ فَأَمَّا الْعُرْفُ الَّذِي قَالَ قُلْنَا هَذَا مُشْتَرَكٌ فَالْإِنْسَانُ قَدْ يَبِيعُ الشَّيْءَ تَبَرِّيًا مِنْهُ وَلَا يُبَالِي عِنْدَ ذَلِكَ بِقِلَّةِ الثَّمَنِ وَكَثْرَتِهِ وَقَدْ يَبِيعُهُ لِطَلَبِ الرِّبْحِ فَعِنْدَ ذَلِكَ لَا يَبِيعُهُ بِالْغَبْنِ عَادَةً وَبِالْمُشْتَرَكِ لَا يَبْطُلُ حُكْمُ الْإِطْلَاقِ ثُمَّ الْبَيْعُ بِالْغَبْنِ مُتَعَارَفٌ فَالْمَقْصُودُ مِنْ الْبَيْعِ الرِّبْحِ وَذَلِكَ لَا يُحَصَّلُ إلَّا وَأَنْ يَصِيرَ أَحَدُهُمَا مَغْبُونًا وَالْإِنْسَانُ يَرْغَبُ فِي شِرَاءِ مَا يُسَاوِي عَشْرَةً بِدِرْهَمٍ وَلَكِنْ لَا يَجِدُ ذَلِكَ فَإِمَّا أَنْ لَا يَكُونُ مُتَعَارَفًا فَلَائِمُ الْعُرْفَ لَا يُعَارِضُ النَّصَّ وَالْإِطْلَاقُ ثَابِتٌ بِالنَّصِّ فَلَا يَبْطُلُ بِالْعُرْفِ كَمَا فِي الْيَمِينِ فَإِنَّ الْعُرْفَ كَمَا يُعْتَبَرُ فِي الْوَكَالَةِ يُعْتَبَرُ فِي الْيَمِينِ وَمَا ذُكِرَ مِنْ مَسْأَلَةِ الْأُضْحِيَّةِ وَغَيْرِهَا فَهِيَ مَرْوِيَّةٌ عَنْ أَبِي يُوسُفَ

فَأَمَّا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ يُعْتَبَرُ الْإِطْلَاقُ فِي جَمِيعِ ذَلِكَ وَدَلِيلُ التَّقْيِيدِ التُّهْمَةُ فِي الْمَوْضِعِ الَّذِي يَثْبُتُ التَّقْيِيدُ فِيهِ وَلِهَذَا قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ الْوَكِيلُ بِالْبَيْعِ لَا يَبِيعُ مِنْ أَبِيهِ وَابْنِهِ لِلتُّهْمَةِ وَلَا تُهْمَةَ فِي بَيْعِهِ مِنْ الْأَجْنَبِيِّ بِقَلِيلِ الْقِيمَةِ لِأَنَّ مَا يُسْتَوْفَى مِنْ الثَّمَنِ يُسَلِّمَهُ إلَى الْآمِرِ قَلَّ أَوْ كَثُرَ وَبِهِ فَارَقَ الْوَكِيلُ بِالشِّرَاءِ فَهُنَاكَ التُّهْمَةُ مُتَمَكِّنَةٌ اشْتَرَاهُ لِنَفْسِهِ فَلَمَّا عَلِمَ بِالْغَبْنِ أَرَادَ أَنْ يُلْزِمُهُ الْآمِرُ وَلِأَنَّ الْوَكِيلَ بِالشِّرَاءِ كَمَا يَسْتَوْجِبُ الثَّمَنَ فِي ذِمَّةِ نَفْسِهِ يُوجِبُ لِنَفْسِهِ مِثْلَهُ فِي ذِمَّةِ الْآمِرِ وَالْإِنْسَانُ مُتَّهَمٌ فِي حَقِّ نَفْسِهِ فَلَا يَمْلِكُ أَنْ يُلْزِمَ ذِمَّةَ الْآمِرِ الثَّمَنَ مَا لَمْ يَدْخُلْ فِي مِلْكِهِ بِإِزَائِهِ مَا يَعْدِلُهُ وَلِهَذَا لَوْ قَالَ اشْتَرَيْتُ وَقَبَضْتُ الثَّمَنَ وَهَلَكَ فِي يَدِي فَهَاتِ الثَّمَنَ فَإِنَّهُ لَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ بِخِلَافِ الْوَكِيلِ بِالْبَيْعِ فَإِنَّهُ لَوْ قَالَ بِعْتُ وَقَبَضْتُ الثَّمَنَ وَهَلَكَ عِنْدِي كَانَ الْقَوْلُ قَوْلُهُ وَلِأَنَّ أَمَرَهُ بِالشِّرَاءِ يُلَاقِي مِلْكُ الْغَيْرِ وَلَيْسَ لِلْإِنْسَانِ وِلَايَةً مُطْلَقَةً فِي مِلْكِ الْغَيْرِ فَلَا يُعْتَبَرُ إطْلَاقُ أَمْرِهِ فِيهِ بِخِلَافِ الْبَيْعِ فَإِنَّ أَمَرَهُ يُلَاقِي مِلْكَ نَفْسِهِ وَلَهُ فِي مِلْكِ نَفْسِهِ وِلَايَةٌ مُطْلَقَةٌ وَلِأَنَّ اعْتِبَارَ الْعُمُومِ وَالْإِطْلَاقِ فِي الْوَكِيلِ بِالشِّرَاءِ غَيْرُ مُمْكِنٌ لِأَنَّهُ لَوْ اعْتَبَرَ ذَلِكَ اشْتَرَى ذَلِكَ الْمَتَاعَ بِجَمِيعِ مَا يَمْلِكُهُ الْمُوَكِّلُ وَبِمَا لَا يَمْلِكُهُ مِنْ الْمَالِ وَنَحْنُ نَعْلَمُ أَنَّهُ لَمْ يَقْصِدْ ذَلِكَ فَحَمَلْنَاهُ عَلَى أَخَصِّ الْخُصُوصِ وَهُوَ الشِّرَاءُ بِالنَّقْدِ بِالْغَبْنِ الْيَسِيرِ وَفِي جَانِبِ الْبَيْعِ اعْتِبَارُ الْعُمُومِ وَالْإِطْلَاقِ مُمْكِنٌ لِأَنَّهُ لَا يَتَسَلَّطُ بِهِ عَلَى شَيْءٍ مِنْ مَالِهِ سِوَى الْمَبِيعِ الَّذِي رَضِيَ بِزَوَالِ مُلْكِهِ وَهَذَا بِخِلَافِ الْأَبِ وَالْوَصِيِّ لِأَنَّ وِلَايَتَهُمَا

مُقَيَّدَةٌ بِالْأَنْظَرِ وَالْأَصْلَحِ وَلَا يُوجَدُ فِي الْبَيْعِ بِالْغَبْنِ الْفَاحِشِ

وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ لَوْ بَاعَهُ الْوَكِيلُ بِعَرْضٍ يَجُوزُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ لِإِطْلَاقِ الْأَمْرِ وَلَا يَجُوزُ عِنْدَهُمَا لِأَنَّ الْبَيْعَ بِعَرْضِ شِرَاءٍ مِنْ وَجْهٍ فَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فِي بَدَلِ صَاحِبِهِ مُشْتَرٍ وَإِنَّمَا أَمَرَهُ بِالْبَيْعِ فَلَا يَمْلِكُ بِهِ مَا هُوَ مُتَرَدَّدٌ بَيْن الْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ وَأَبُو حَنِيفَةَ يَقُولُ فَعَلَهُ فِيمَا يَتَنَاوَلُهُ الْآمِرُ بَيْعٌ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ لِأَنَّهُ يُزِيلُهُ عَنْ مِلْكِهِ بِعَرْضٍ هُوَ مَالٌ وَالْبَيْعُ لَيْسَ إلَّا هَذَا ثُمَّ جَانِبُ الْبَيْعِ يَتَرَجَّحُ عَلَيَّ جَانِبِ الشِّرَاءِ فِي الْبَيْعِ أَلَا تَرَى أَنَّ أَحَدَ الْمُضَارِبَيْنِ إذَا اشْتَرَى بِغَيْرِ إذْنِ صَاحِبِهِ كَانَ مُشْتَرِيًا لِنَفْسِهِ وَلَوْ بَاعَ بِغَيْرِ إذْنِ صَاحِبِهِ شَيْئًا مِنْ مَالِ الْمُضَارَبَةِ يَتَوَقَّفُ عَلَى إجَازَةِ صَاحِبِهِ فَإِنْ بَاعَهُ بِعَرْضٍ يَتَوَقَّفُ أَيْضًا فَإِنْ أَجَازَ صَاحِبَهُ كَانَ تَصَرُّفِهِ عَلَى الْمُضَارَبَة فَعَرَفْنَا أَنَّ جَانِبَ الْبَيْعِ يَتَرَجَّحُ فِيهِ وَعَلَى هَذَا لَوْ بَاعَهُ الْوَكِيلُ بِمَكِيلٍ أَوْ مَوْزُونٍ فَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ يَجُوزُ عَلَى الْآمِرِ وَعِنْدَهُمَا لَا يَجُوزُ إلَّا أَنْ يَبِيعَهُ بِالنَّقْدِ إذَا عَرَفْنَا هَذَا فَنَقُولُ إذَا أَسْلَمَ الثَّوْبَ فِي طَعَامٍ إلَى أَجَلٍ فَقَدْ أَزَالَ الثَّوْبَ عَنْ مِلْكِهِ بِالطَّعَامِ وَذَلِكَ جَائِزٌ عَلَى الْأَمْرِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَعِنْدَهُمَا لَا يَجُوزُ لِأَنَّهُ لَمْ يَبِعْهُ بِالنَّقْدِ وَالتَّوْكِيلِ انْصَرَفَ إلَيْهِ خَاصَّةً

قَالَ ( وَإِذَا وَكَلَهُ بِالسَّلَمِ فَأَدْخَلَ الْوَكِيلُ فِي الْعَقْدِ شَرْطًا أَفْسَدَهُ لَمْ يَضْمَنْهُ الْوَكِيلُ لِأَنَّهُ لَمْ يُخَالِفْ وَإِنَّمَا يَضْمَنُ الْوَكِيلُ بِالْخِلَافِ لَا بِالْإِفْسَادِ ) وَهَذَا لِأَنَّا لَوْ ضَمِنَاهُ بِإِفْسَادِ الْعَقْدِ تَحَرَّزَ النَّاسُ عَنْ قَبُولِ الْوَكَالَاتِ فَكُلُّ أَحَدٍ لَا يَكُونُ كَأَبِي حَنِيفَةَ فِي الْعِلْمِ بِالْأَحْكَامِ وَالْأَسْبَابِ الْمُقَيِّدَةِ لِلْعَقْدِ .

قَالَ ( وَأَكْرَهُ تَوْكِيلُ الذِّمِّيِّ يَعْقِدُ لَهُ السَّلَمَ وَإِنْ فَعَلَهُ يَجُوزُ لِأَنَّ الذِّمِّيَّ لَا يَتَحَرَّزُ عَنْ الرِّبَا وَعَنْ مُبَاشَرَةِ الْعَقْدِ الْفَاسِدِ إمَّا لِجَهْلِهِ بِذَلِكَ أَوْ لِاعْتِقَادِهِ أَوْ قَصْدِهِ أَنْ يُوَكِّلَ الْمُسْلِمَ الْحَرَامَ فَلِهَذَا يُكْرَهُ لَهُ أَنْ يَأْتَمِنَهُ عَلَى ذَلِكَ وَيَجُوزُ لَهُ إنْ فَعَلَهُ ) لِأَنَّ عَقْدَ السَّلَمِ مِنْ الْمُعَامَلَاتِ وَهُمْ فِي ذَلِكَ يَسْتَوُونَ بِالْمُسْلِمِينَ

قَالَ ( وَلَيْسَ لِلْوَكِيلِ بِالسِّلْمِ أَنْ يُوَكِّلَ غَيْرَهُ بِهِ ) لِأَنَّ هَذَا عَقْدٌ يَحْتَاجُ فِيهِ إلَى الرَّأْيِ وَالتَّدْبِيرِ وَالْمُوَكَّلِ رَضِيَ بِرَأْيِهِ دُونَ رَأْي غَيْرِهِ بِخِلَافِ الْمُضَارِبِ يُوَكَّلْ بِالسَّلَمِ فَيَجُوزُ لِأَنَّ رَبَّ الْمَالِ قَدْ رَضِيَ بِرَأْيِهِ وَبِتَوْكِيلِهِ حِينَ فَوَّضَ إلَيْهِ الِاسْتِرْبَاحَ عَامًا وَذَلِكَ بِتِجَارَةٍ حَاضِرَةٍ وَغَائِبَةٍ وَإِذَا اشْتَغَلَ بِأَحَدِهِمَا بِنَفْسِهِ فَلَا يَجِدُ بُدًّا مِنْ أَنْ يَسْتَعِينَ فِيهِ بِالْآخَرِ بِخِلَافِ الْوَكِيلِ إلَّا أَنْ يَكُونَ الْآمِرُ قَالَ لَهُ مَا صَنَعَتْ فِيهِ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ جَائِزٌ فَيَجُوزُ حِينَئِذٍ لِأَنَّهُ أَجَازَ صَنِيعَهُ عَامًا وَالتَّوْكِيلُ مِنْ صُنْعِهِ فَيَدْخُلُ فِي عُمُومِ إجَازَتِهِ

وَلَا يَجُوزُ لِلْمُسْلِمِ عَقْدُ بَيْعٍ وَلَا يُسَلِّمَ لِنَفْسِهِ عَلَى الْخَمْرِ وَلَا لِلْكَافِرِ لِأَنَّ الْخَمْرَ لَيْسَ بِمَالِ مُتَقَوِّمٍ فِي حَقِّ الْمُسْلِمِ وَهُوَ الْعَاقِدُ عَلَيْهَا سَوَاءً عَقَدَهُ ذَلِكَ لِنَفْسِهِ أَوْ لِكَافِرٍ بِخِلَافِ الْمُسْلِمِ يَتَوَكَّلُ عَنْ الْمَجُوسِيِّ فِي أَنْ يُزَوِّجَهُ مَجُوسِيَّةً فَيَجُوزُ ذَلِكَ لِأَنَّ الْوَكِيلَ فِي النِّكَاحِ مُعَبَّرٌ لَا يَسْتَغْنِي عَنْ إضَافَةِ الْعَقْدِ إلَى الْمُوَكِّلِ فَيَعْتَبِرُ جَانِبَ الْمُوَكِّلِ وَفِي الْبَيْعِ وَالسَّلَمِ هُوَ عَاقِدٌ لِنَفْسِهِ عَنْ الْإِضَافَةِ فِي الْعَقْدِ إلَى غَيْرِهِ فَيَعْتَبِرُ جَانِبَهُ

قَالَ ( وَإِنْ وَكَّلَ الْمُسْلِمُ الذِّمِّيَّ بِأَنْ يَشْتَرِيَ لَهُ خَمْرًا أَوْ يُسْلَمَ لَهُ فِيهَا فَفَعَلَ ذَلِكَ مَعَ ذِمِّيٍّ جَازَ عَلَى الْآمِرِ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَفِي قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى هُوَ مُشْتَرٍ لِنَفْسِهِ ) لِأَنَّ الْمُسْلِمَ لَا يَمْلِكُ هَذَا الْعَقْدَ لِنَفْسِهِ بِنَفْسِهِ فَلَا يَصِحُّ تَوْكِيلُ غَيْرِهِ بِهِ كَمَا لَوْ وَكَّلَ الْمُسْلِمُ مَجُوسِيًّا بِأَنْ يُزَوِّجَهُ مَجُوسِيَّةً وَهَذَا لِأَنَّهُ لَوْ نَفِدَ عَقْدُهُ عَلَى الْآمِرِ مَلَكَ الْمُسْلِمُ الْخَمْرَ بِالْعَقْدِ وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَمْلِكَ الْمُسْلِمُ الْخَمْرَ بِعَقْدِ التِّجَارَةِ وَهَذَا مِنْهُمَا نَوْعُ اسْتِحْسَانٍ فَكَأَنَّهُمَا يَقُولَانِ فِي الْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ طَرَفَانِ طَرَفُ الْعَقْدِ وَطَرَفُ الْمِلْكِ فَكَمَا أَنَّ الْكَافِرَ إذَا وَكَّلَ بِهِ الْمُسْلِمَ لَا يَجُوزُ لِاعْتِبَارِ طَرَفِ الْعَقْدِ فَكَذَلِكَ الْمُسْلِمُ إذَا وَكَّلَ الْكَافِرَ بِهِ لَا يَجُوزُ لِاعْتِبَارِ طَرَفِ الْمِلْكِ بَلْ أَوْلَى لِأَنَّ الْعَقْدَ سَبَبُ الْمِلْكِ وَالثَّابِتُ بِهِ الْمِلْكُ فِي الْمَحِلِّ وَهُوَ الْمَقْصُودُ فَإِذَا وَجَبَتْ مُرَاعَاةُ جَانِبِ الْعَقْدِ فَلَأَنْ تَجِبَ مُرَاعَاةُ جَانِبِ الْمِلْكِ أَوْلَى وَأَبُو حَنِيفَةَ يَقُولُ الَّذِي وَلَّى الصَّفْقَةَ هُوَ الْوَكِيلُ وَالْخَمْرُ مَالٌ مُتَقَوِّمٌ فِي حَقِّهِ يَمْلِكُ أَنْ يَشْتَرِيَهَا لِنَفْسِهِ فَيَمْلِكُ أَنْ يَشْتَرِيَهَا لِغَيْرِهِ وَهَذَا لِأَنَّ الْمُمْتَنِعَ هَهُنَا بِسَبَبِ الْإِسْلَامِ هُوَ الْعَقْدُ عَلَى الْخَمْرِ فَالْمُسْلِمُ مِنْ أَهْلِ أَنْ يَمْلِكَ الْخَمْرَ أَلَا تَرَى أَنَّهُ إذَا تُخَمَّرَ عَصِيرُ الْمُسْلِمُ يَبْقَى مَمْلُوكًا لَهُ وَإِذَا مَاتَ قَرِيبُهُ عَنْ خَمْرٍ يَمْلِكُهَا بِالْإِرْثِ وَهُنَا إنْ اعْتَبَرْنَا جَانِبَ الْعَقْدِ فَالْعَاقِدُ مِنْ أَهْلِهِ وَهُوَ فِي حُقُوقِ الْعَقْدِ كَالْعَاقِدِ لِنَفْسِهِ وَإِنْ اعْتَبَرْنَا جَانِبَ الْمِلْكِ فَلِلْمُسْلِمِ مِنْ أَهْلِ مِلْكِ الْخَمْرِ فَيَصِحُّ التَّوْكِيلُ أَلَا تَرَى أَنَّ فِي جَانِبِ الْعَقْدِ إفْسَادُ التَّوْكِيلِ إذَا كَانَ الْوَكِيلُ مُسْلِمًا يُعْتَبَرُ جَانِبُ الْعَقْدِ دُونَ

الْمِلْكِ فَكَذَلِكَ فِي جَانِبٍ تَصِحُّ الْوَكَالَةُ وَبِهِ فَارَقَ النِّكَاحُ فَالْوَكِيلُ فِي بَابِ النِّكَاحِ سَفِيرٌ وَمُعَبِّرٌ فَكَانَ الْعَاقِدُ هُوَ الْمُوَكَّلُ وَقَوْلُهُ بِأَنَّ الْمُوَكَّلَ يَمْلِكُ الْخَمْرَ بِالْعَقْدِ فَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ الْعَقْدُ يُوجِبُ الْمِلْكَ لِلْعَاقِدِ ثُمَّ الْمُوَكِّلِ يَخْلُفُهُ فِي ذَلِكَ عَلَى مَا قَرَّرْنَا وَالْمُسْلِمُ مِنْ أَهْلِ أَنْ يَمْلِكَ الْخَمْرَ بِهَذَا الطَّرِيقِ كَمَا إذَا أَذِنَ لِعَبْدِهِ الْكَافِرِ فِي التِّجَارَةِ فَاشْتَرَى الْعَبْدُ خَمْرًا فَإِنَّ الْمَوْلَى يَمْلِكُهَا عَلَى سَبِيلِ الْخِلَافَةِ عَنْهُ وَكَذَلِكَ الْمُكَاتَبُ إذَا كَانَ كَافِرًا وَاشْتَرَى خَمْرًا ثُمَّ عَجَزَ فَمَوْلَاهُ الْمُسْلِمُ يَمْلِكهَا بِطَرِيقِ الْخِلَافَةِ عَنْهُ وَفَرْقُهُمَا أَنَّ الْعَبْدَ وَالْمَكَاتِبَ يَتَصَرَّفَانِ لِأَنْفُسِهِمَا وَلِهَذَا لَا يَرْجِعَانِ عَلَى الْمَوْلَى بِعُهْدَةِ تَصْرِفُهُمَا فَلِهَذَا اعْتَبَرْنَا حَالَهُمَا فَأَمَّا الْوَكِيلُ فَيَتَصَرَّفُ لِلْمُوَكَّلِ حَتَّى يَرْجِعَ عَلَيْهِ بِمَا يَلْحَقُهُ مِنْ الْعُهْدَةِ وَيَكُونُ الْمُوَكِّلُ فِي قَرَارِ الْعُهْدَةِ عَلَيْهِ كَأَنَّهُ بَاشَرَ التَّصَرُّفَ بِنَفْسِهِ فَكَذَلِكَ فِي عَقْدِ الْوَكِيلِ لَهُ عَلَى الْخَمْرِ فَإِذَا تَعَذَّرَ تَنْفِيذُ الْعَقْدِ عَلَى الْآمِرِ نَفَّذَ الْعَقْدَ عَلَى الْوَكِيلِ

قَالَ ( وَإِذَا وَكَّلَ الرَّجُلُ الرَّجُلَ بِدَرَاهِمَ يُسَلِّمُهَا لَهُ فِي طَعَامٍ فَصَرَفَهَا الْوَكِيلُ بِدَرَاهِمَ غَيْرِهَا فَقَدْ خَالَفَ الْعَقْدُ فَكَانَ مُبَاشِرًا الْعَقْدَ لِنَفْسِهِ ضَامِنًا لَمَا صَرَفَهُ مِنْ دَرَاهِمِ الْآمِرِ بَعْدَ ذَلِكَ ) وَكَذَلِكَ لَوْ كَانَ الْمَدْفُوعُ دِينَارًا فَصَرَفَهُ بِدَرَاهِمَ ثُمَّ أَسْلَمَهَا فِي طَعَامٍ فَهُوَ لِلْوَكِيلِ لِأَنَّهُ خَالَفَ فِي الْعَقْدِ وَالْبَدَلِ ثُمَّ أَسْلَمَ بِدَرَاهِمَ نَفْسِهِ فِي الطَّعَامِ فَكَانَ الطَّعَامُ لَهُ وَهُوَ ضَامِنٌ لِلدَّنَانِيرِ

قَالَ ( وَإِذَا وَكَّلَهُ رَجُلَانِ أَنَّ يُسْلَمَ لَهُمَا فِي طَعَامٍ وَاحِدٍ وَلَكِنْ مِنْ غَيْرِ خَلْطٍ جَازَ لِأَنَّهُ حَصَّلَ مَقْصُودَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِكَمَالِهِ ) فَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَفْعَلَ ذَلِكَ فِي عُقْدَةٍ أَوْ عُقْدَتَيْنِ وَإِذَا خَلَطَ الدَّرَاهِمَ ثُمَّ أَسْلَمَهَا كَانَ مُخَالِفًا ضَامِنًا لِأَنَّ دَرَاهِمَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فِي يَدِهِ أَمَانَةً فَيَصِيرُ بِالْخَلْطِ ضَامِنًا مُتَمَلِّكًا كَمَا هُوَ أَصْلُ أَبِي حَنِيفَةَ ثُمَّ أَضَافَ عَقْدُ السَّلَمِ إلَى دَرَاهِمِ نَفْسِهِ فَكَانَ الطَّعَامُ لَهُ بِخِلَافِ الْأَوَّلِ فَلَمْ يُوجَدْ هُنَاكَ خَلْطٌ مُوجِبٌ لِلضَّمَانِ وَإِنَّمَا حَصَلَ الِاخْتِلَاطُ فِي الْمُسْلَمِ فِيهِ حُكْمًا لِاتِّحَادِ الْعَقْدِ حُكْمًا وَبِمِثْلِهِ لَا يَصِيرُ الْأَمِينُ ضَامِنًا وَإِنْ أَسْلَمَ دَرَاهِمَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَنْ حِدَةٍ إلَى رَجُلٍ وَاحِدٍ ثُمَّ اقْتَضَى شَيْئًا فَادَّعَى كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَيْ الْآمِرَيْنِ أَنَّهُ مِنْ حَقِّهِ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُسْلَمِ إلَيْهِ لِأَنَّهُ هُوَ الْمِلْكُ لَمَا يُوفِي مِنْ الطَّعَامِ فَرَجَعَ فِي بَيَانِ مَا يَتَمَلَّكُ إلَيْهِ فَإِنْ كَانَ هُوَ غَائِبًا فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْوَكِيلِ لِأَنَّهُ أَحَدُ الْمُتَعَاقِدَيْنِ وَلِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا إنَّمَا يَتَمَلَّكُ بِعَقْدٍ بَاشَرَهُ الْوَكِيلُ فَعِنْدَ الِاشْتِبَاهِ يَرْجِعُ فِي الْبَيَانِ إلَيْهِ فَإِذَا قَدَّمَ الْمُسْلَمُ إلَيْهِ وَكَذَبَ الْوَكِيلُ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُسْلَمِ إلَيْهِ لِأَنَّهُ هُوَ الْأَصْلُ فِي هَذَا الْبَيَانِ وَسَقَطَ اعْتِبَارُ الْخَلْفِ عِنْدَ ظُهُورِ الْأَصْلِ

وَإِنْ أَسْلَمَ الْوَكِيلُ إلَى نَفْسِهِ فَهُوَ بَاطِلٌ لِأَنَّ الْوَاحِدَ فِي عَقْدِ التِّجَارَةِ لَا يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ مُبَاشِرًا لِلْعَقْدِ مِنْ الْجَانِبَيْنِ لِمَا فِيهِ مِنْ تَضَادِّ الْأَحْكَامِ فَإِنَّهُ يَكُونُ مُمَلَّكًا مُتَمَلِّكًا مُسْلِمًا مُتَسَلِّمًا مُخَاصِمًا مُتَخَاصِمًا وَذَلِكَ لَا يَجُوزُ وَلِأَنَّهُ مُتَّهَمٌ فِي حَقِّ نَفْسِهِ وَقَدْ بَيَّنَّا أَنَّ التُّهْمَةَ تَخْصُصْ الْآمِرَ الْمُطْلَق وَكَذَلِكَ لَوْ أَسْلَمَ إلَى شَرِيكٍ لَهُ مُفَاوِضٍ لِأَنَّهُمَا بِعَقْدِ الْمُفَاوَضَةِ صَارَا كَشَخْصٍ وَاحِدٍ فِي عُقُودِ التِّجَارَةِ فَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مُطَالَبٌ بِمَا يَجِبُ عَلَى صَاحِبِهِ فَهُوَ وَمَا لَوْ أَسْلَمَ إلَى نَفْسِهِ سَوَاءٌ وَكَذَلِكَ إنْ أَسْلَمَ إلَى عَبْدِهِ لِأَنَّ كَسْبَ الْعَبْدِ لِمَوْلَاهُ فَهُوَ مُتَّهَمٌ فِي ذَلِكَ ، وَكَذَلِكَ ، إلَى مَكَاتِبِهِ لِأَنَّ لَهُ حَقُّ الْمِلْكِ فِي كَسْبِ الْمُكَاتَبِ وَيَنْقَلِبُ ذَلِكَ صَحِيحًا حَقِيقَةَ مِلْكِ يُعْجِزُهُ

فَإِنْ أَسْلَمَ إلَى شَرِيكٍ لَهُ عَنَانٍ جَازَ إذَا لَمْ يَكُنْ مِنْ تِجَارَتِهِمَا لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِنْ صَاحِبِهِ كَسَائِرِ الْأَجَانِبِ فِيمَا لَيْسَ مِنْ تِجَارَتِهِمَا حَتَّى تَجُوزُ شَهَادَةُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا لِصَاحِبِهِ فِيمَا لَيْسَ مِنْ تِجَارَتِهِمَا

فَإِنْ أَسْلَمَهَا إلَى ابْنِهِ أَوْ إلَى أَحَدِ أَبَوَيْهِ أَوْ زَوْجَتِهِ مِمَّنْ لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ لَهُ لَمْ يَجُزْ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَهُوَ جَائِزٌ فِي قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ لِأَنَّهُ لَيْسَ لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا فِي مَالِ صَاحِبهِ مِلْكٌ وَلَا حَقُّ مِلْكٍ فَكَانَ بِمَنْزِلَةِ مَا لَوْ أَسْلَمَ إلَى أَخِيهِ فَإِنَّهُ يَجُوزُ وَهَذَا بِخِلَافِ الشَّهَادَةِ لِأَنَّ ذَلِكَ خَبَرٌ مُمَثَّلٌ بَيْنَ الصِّدْقِ وَالْكَذِبِ فَلَا يَتَرَجَّحُ جَانِبُ الصِّدْقِ فِيهَا مَعَ تَمَكُّنِ تُهْمَةِ الْمِيلِ وَأَبُو حَنِيفَةَ يَقُولُ مُطْلَقُ الْوَكَالَةِ تَتَقَيَّدُ بِالتُّهْمَةِ وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مُتَّهَمٌ فِي حَقِّ صَاحِبِهِ بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ لَهُ فَكَانَ إسْلَامُهُ إلَى عَبْدِهِ وَمُكَاتِبِهِ وَهَذَا لِأَنَّ تَصَرُّفَ الْوَكِيلِ إنَّمَا يَكُونُ فِي حَقِّ الْغَيْرِ وَالظَّاهِرُ مِنْ حَالِّ الْمَرْءِ إيثَارُ وَلَدِهِ وَزَوْجَتِهِ عَلَى الْأَجْنَبِيِّ وَسِوَى هَذَا فِي الْمَسْأَلَةِ كَلَامٌ وَخِلَافٌ فِي مُعَامَلَةِ الْوَكِيلِ مَعَ هَؤُلَاءِ بِمِثْلِ الْقِيمَةِ أَوْ بِالْغَبْنِ الْيَسِيرِ وَقَدْ أَمْلَيْنَا تَمَامَ ذَلِكَ فِي كِتَابِ الْوَكَالَةِ

وَاذَا وَكَّلَ الْوَكِيلُ بِالسَّلَمِ رَجُلًا بِقَبْضِ الْمُسْلَمِ فِيهِ مِمَّنْ عَلَيْهِ فَقَبَضَهُ بَرِئَ الْمُسْلَمُ إلَيْهِ مِنْهُ لِأَنَّ الْوَكِيلَ فِي حَقِّ الْقَبْضِ كَالْعَاقِدِ لِنَفْسِهِ حَتَّى يَخْتَصَّ بِالْمُطَالَبَةِ بِهِ وَلَوْ كَانَ عَاقِدًا لِنَفْسِهِ كَانَ قَبْضُ وَكِيلِهِ فِي بَرَاءَةِ الْمُسْلَمِ كَقَبْضِهِ بِنَفْسِهِ فَإِنْ كَانَ الْوَكِيلُ الثَّانِي عَبْدًا لِلْوَكِيلِ الْأَوَّلِ أَوْ ابْنِهِ فِي عِيَالِهِ أَوْ أَجِيرٍ لَهُ فَهُوَ جَائِزٌ عَلَى الْآمِرِ حَتَّى لَوْ هَلَكَ فِي يَدِهِ هَلَكَ مِنْ مَالِ الْآمِرِ وَالْمُرَادُ الْأَجِيرُ الْخَاصِّ الَّذِي اسْتَأْجَرَهُ مُشَاهَرَةً أَوْ مُسَانَهَةً لِأَنَّ يَدَ هَؤُلَاءِ فِي الْحِفْظِ كَيَدِهِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ قَبَضَ بِنَفْسِهِ ثُمَّ سَلَّمَ إلَى وَاحِدٍ مِنْ هَؤُلَاءِ ثُمَّ هَلَكَ لَا يَجِبُ الضَّمَانُ عَلَى وَاحِدٍ وَإِنْ كَانَ الْوَكِيلُ الثَّانِي أَجْنَبِيًّا فَالْوَكِيلُ الْأَوَّلُ ضَامِنٌ لِلطَّعَامِ إنْ ضَاعَ فِي يَدِ وَكِيلِهِ لِأَنَّ قَبْضَ وَكِيلِهِ كَقَبْضِهِ بِنَفْسِهِ وَلَوْ قَبْضَهُ بِنَفْسِهِ ثُمَّ دَفَعَهُ إلَى أَجْنَبِيٍّ كَانَ ضَامِنًا فَكَذَلِكَ هُنَا وَإِنْ لَمْ يَذْكُرْ أَنَّ الْوَكِيلَ الثَّانِي هَلْ يَكُونُ ضَامِنًا فِي حَقِّ رَبِّ السَّلَمِ فَعَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ لَا يَكُونُ ضَامِنًا بِمَنْزِلَةِ مُودِعِ الْمُودِعِ وَقَدْ بَيَّنَّا الْخِلَافَ فِيهِ فِي الْوَدِيعَةِ وَإِنْ وَصَلَ إلَى الْوَكِيلِ الْأَوَّلِ بَرِئَ هُوَ وَوَكِيلُهُ عَنْ ضَمَانِهِ كَمَا لَوْ قَبَضَ الْوَكِيلُ الْأَوَّلُ بِنَفْسِهِ إذْ لَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَصِلَ إلَى يَدِهِ مِنْ يَدِ الْمُسْلَمِ إلَيْهِ أَوْ مِنْ يَدِ وَكِيلِهِ فَلِهَذَا لَا ضَمَانَ فِيهِ عَلَى أَحَدٍ

فَإِذَا أَسْلَمَ الْوَكِيلُ الدَّرَاهِمَ إلَى امْرَأَةٍ جَازَ ، كَذَلِكَ ، لَوْ كَانَ الْمُوَكِّلُ أَوْ الْوَكِيلُ امْرَأَةً يَجُوزُ لِأَنَّ هَذَا مِنْ بَابِ الْمُعَامَلَاتِ فَيَسْتَوِي فِيهِ الرِّجَالُ وَالنِّسَاءُ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ .

بَابُ الْبُيُوعِ الْفَاسِدَةِ قَالَ وَإِذَا اشْتَرَى الرَّجُلُ عَدْلَ زُطِّيٍّ أَوْ جِرَابٍ هَرَوِيٍّ عَلَى أَنَّ فِيهِ خَمْسِينَ ثَوْبًا بِأَلْفِ دِرْهَمٍ فَوَجَدَ فِيهِ تِسْعَةً وَأَرْبَعِينَ ثَوْبًا أَوْ أَحَدًا وَخَمْسِينَ ثَوْبًا فَالْبَيْعُ فَاسِدٌ ؛ لِأَنَّهُ إنْ وَجَدَهُ أَكْثَرَ فَإِنَّمَا يَدْخُلُ فِي الْبَيْعِ الْعَدَدِيِّ الْمُسَمَّى مِنْ الثِّيَابِ وَذَلِكَ خَمْسُونَ وَهُوَ مَجْهُولٌ ؛ لِأَنَّهُ وَجَبَ عَلَى الْمُشْتَرِي رَدُّ هَذِهِ الزِّيَادَةِ وَهَذِهِ الزِّيَادَةُ مَجْهُولَةٌ فَيَصِيرُ الْبَاقِي مَجْهُولًا وَفِي مِثْلِهِ لَا يَجُوزُ الْبَيْعُ مَعَ الْجَهَالَةِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ اشْتَرَى مِمَّا فِي الْعَدْلِ خَمْسِينَ ثَوْبًا لَا يَجُوزُ ؛ لِأَنَّهَا تَتَفَاوَتُ فِي الْمَالِيَّةِ فَالْمُشْتَرِي يُطَالَبُ بِخِيَارِ الْعَدْلِ وَالْبَائِعُ يُعْطِيهِ شِرَارَ الْعَدْلِ وَكُلُّ جَهَالَةٍ تُفْضِي إلَى الْمُنَازَعَةِ فَهِيَ مُفْسِدَةٌ لِلْعَقْدِ فَإِنْ وَجَدَهُ أَقَلَّ يَفْسُدُ الْعَقْدُ لِجَهَالَةِ الثَّمَنِ ؛ لِأَنَّ الْمُسَمَّى مِنْ الثَّمَنِ بِمُقَابَلَةِ خَمْسِينَ ثَوْبًا فَيُقَسَّمُ ذَلِكَ عَلَى قِيمَةِ الْمَوْجُودِ وَالْمَعْدُومِ وَلَا يَدْرِي صِفَةَ الْمَعْدُومِ أَنَّهُ كَيْفَ كَانَ جَيِّدًا أَوْ وَسَطًا أَوْ رَدِيئًا ، وَبِاخْتِلَافِهِ تَخْتَلِفُ حِصَّةُ الْمَوْجُودِ فَيَفْسُدُ الْعَقْدُ فِي الْمَوْجُودِ لِجَهَالَةِ الثَّمَنِ فَالْبَيْعُ بِالْحِصَّةِ لَا يَنْعَقِدُ صَحِيحًا ابْتِدَاءً فَإِنْ كَانَ سَمَّى لِكُلِّ ثَوْبٍ عَشَرَةَ دَرَاهِمَ فَوَجَدَهُ أَحَدًا وَخَمْسِينَ ثَوْبًا كَانَ فَاسِدًا أَيْضًا ؛ لِأَنَّ الْعَاقِدَ يَتَنَاوَلُ خَمْسِينَ ثَوْبًا فَعَلَيْهِ رَدُّ الثَّوْبِ الزَّائِدِ وَهُوَ مَجْهُولٌ وَبِجَهَالَتِهِ يَصِيرُ الْمَبِيعُ مَجْهُولًا أَيْضًا ، وَإِنْ وَجَدَهُ تِسْعَةً وَأَرْبَعِينَ ثَوْبًا وَقَدْ قَبَضَ أَوْ لَمْ يَقْبِضْ كَانَ الْبَيْعُ جَائِزًا ؛ لِأَنَّ الْمَوْجُودَ مَعْلُومٌ وَالْمُسَمَّى بِمُقَابَلَةِ الْمَوْجُودِ مِنْ الثَّمَنِ مَعْلُومٌ فَيَجُوزُ الْبَيْعُ .
وَيَتَخَيَّرُ الْمُشْتَرِي لِتَفَرُّقِ الصَّفْقَةِ عَلَيْهِ بِنُقْصَانِ ثَوْبٍ مِمَّا سَمَّى ، وَلَهُ فِي عَدَدِ الْخَمْسِينَ مَقْصُودٌ لَا يَحْصُلُ ذَلِكَ بِمَا

دُونَهُ فَيَتَخَيَّرُ إنْ شَاءَ أَخْذَ كُلِّ ثَوْبٍ بِمَا سَمَّى وَإِنْ شَاءَ تَرَكَ وَأَكْثَرُ مَشَايِخِنَا - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - يَقُولُونَ بِأَنَّ هَذَا الْجَوَابَ قَوْلُهُمَا ، أَمَّا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ الْعَقْدُ فَاسِدٌ كُلُّهُ ؛ لِأَنَّهُ فَسَدَ بَعْضُهُ بِفَسَادٍ قَوِيٍّ إذْ لَا سَبَبَ لِبُطْلَانِ الْبَيْعِ أَقْوَى مِنْ عَدَمِ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ وَاسْتَدَلُّوا عَلَيْهِ بِمَا ذُكِرَ فِي الزِّيَادَاتِ

وَلَوْ اشْتَرَى ثَوْبَيْنِ عَلَى أَنَّهُمَا هَرَوِيَّانِ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِثَمَنٍ مُسَمًّى فَوَجَدَ أَحَدَهُمَا مَرْوِيًّا فَالْعَقْدُ كُلُّهُ فَاسِدٌ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ فَإِذَا كَانَ فِي الْمَوْضِعِ الَّذِي كَانَ أَحَدُ الثَّوْبَيْنِ بِخِلَافِ جِنْسَيْ مَا سَمَّى يَفْسُدُ الْعَقْدُ كُلُّهُ فَفِي الْمَوْضِعِ الَّذِي لَمْ يَجِدْ أَحَدَ مَا سَمَّى أَصْلًا أَوْلَى أَنْ يَفْسُدَ الْعَقْدُ كُلُّهُ وَهُمَا فِي الْمَعْنَى سَوَاءٌ ؛ لِأَنَّ بُطْلَانَ الْعَقْدِ عِنْدَ اخْتِلَافِ الْجِنْسِ ؛ لِأَنَّهُ عَدِمَ الْجِنْسَ الَّذِي سَمَّى ، وَقَدْ تَعَلَّقَ الْعَقْدُ بِهِ كَذَا هُنَا قَالَ وَالْأَصَحُّ عِنْدِي أَنَّ هَذَا قَوْلُهُمْ جَمِيعًا ؛ لِأَنَّ أَبَا حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي نَظَائِرِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ إنَّمَا يَفْسُدُ الْعَقْدُ فِي الْكُلِّ لِوُجُودِ الْعِلَّةِ الْمُفْسِدَةِ ، وَهُوَ أَنَّهُ جَعَلَ قَبُولَ الْعَقْدِ فِيمَا يَفْسُدُ فِيهِ الْعَقْدُ شَرْطًا لِقَبُولِهِ فِي الْآخَرِ ، وَهَذَا لَا يُوجَدُ هُنَا فَإِنَّهُ مَا شَرَطَ قَبُولَ الْعَقْدِ فِي الْمَعْدُومِ وَلَا قَصَدَ إيرَادَ الْعَقْدِ عَلَى الْمُعْدَمِ ، وَإِنَّمَا قَصَدَ إيرَادَهُ عَلَى الْمَوْجُودِ فَقَطْ وَلَكِنَّهُ غَلَطَ فِي الْعَدَدِ بِخِلَافِ مَسْأَلَةِ الزِّيَادَاتِ فَإِنَّ هُنَاكَ جُعِلَ قَبُولُ الْعَقْدِ فِي كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الثَّوْبَيْنِ شَرْطًا فِي قَبُولِهِ فِي الْآخَرِ ، وَهُوَ شَرْطٌ فَاسِدٌ وَهَكَذَا الْجَوَابُ فِي كُلِّ عَدَدِيٍّ يَتَفَاوَتُ نَحْوُ مَا إذَا اشْتَرَى قَطِيعًا مِنْ الْغَنَمِ عَلَى أَنَّهَا خَمْسُونَ فَوَجَدَهُ أَزْيَدَ فَالْجَوَابُ عَلَى التَّقْسِيمِ الَّذِي ذَكَرْنَا

وَفِي الْمَكِيلَاتِ إذَا اشْتَرَى صُبْرَةً مِنْ حِنْطَةٍ عَلَى أَنَّهَا خَمْسُونَ فَإِنَّهُ يَجُوزُ الْعَقْدُ سَوَاءٌ سَمَّى ثَمَنَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْقُفْزَانِ أَوْ لَمْ يُسَمِّ ؛ لِأَنَّ الْقُفْزَانَ مِمَّا لَا تَتَفَاوَتُ فِي نَفْسِهَا فَكَانَتْ حِصَّةُ كُلِّ قَفِيزٍ مِنْ الثَّمَنِ مَعْلُومَةٌ وَكَذَلِكَ الْوَزْنِيَّاتُ وَكَذَلِكَ فِي الْعَدَدِيَّاتِ الْمُتَقَارِبَةِ نَحْوُ مَا إذَا اشْتَرَى عَدْلَ جَوْزٍ عَلَى أَنَّهُ خَمْسَةُ آلَافٍ فَإِذَا هِيَ أَنْقَصُ أَوْ أَزْيَدُ فَإِنَّهُ يَجُوزُ الْعَقْدُ لِمَا ذَكَرْنَا

وَإِذَا اشْتَرَى الرَّجُلُ مِنْ الرَّجُلِ عَبْدَيْنِ صَفْقَةً وَاحِدَةً بِأَلْفِ دِرْهَمٍ فَإِذَا أَحَدُهُمَا حُرٌّ فَالْبَيْعُ فَاسِدٌ فِيهِمَا فَكَذَا إذَا لَمْ يُسَمِّ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا ثَمَنًا فَظَاهِرٌ ؛ لِأَنَّ الْحُرَّ لَا يَدْخُلُ فِي الْعَقْدِ ؛ لِأَنَّ دُخُولَ الشَّيْءِ فِي الْعَقْدِ بِصِفَةِ الْمَالِيَّةِ وَالتَّقَوُّمِ ، وَذَلِكَ لَا يُوجَدُ فِي الْحُرِّ فَلَوْ جَازَ الْعَقْدُ فِي الْعَبْدِ إنَّمَا يَجُوزُ بِالْحِصَّةِ وَالْبَيْعُ بِالْحِصَّةِ لَا يَنْعَقِدُ ابْتِدَاءً عَلَى الصِّحَّةِ لِمَعْنَى الْجَهَالَةِ كَمَا لَوْ قَالَ اشْتَرَيْتُ مِنْكَ هَذَا الْعَبْدَ بِمَا يَخُصُّهُ مِنْ الْأَلْفِ إذَا قُسِمَ عَلَى قِيمَتِهِ وَقِيمَةِ هَذَا الْعَبْدِ الْآخَرِ لِجَهَالَةِ الثَّمَنِ كَذَلِكَ هُنَا فَإِنْ كَانَ سَمَّى لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا ثَمَنًا قَالَ اشْتَرَيْتُهُمَا بِأَلْفٍ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِخَمْسِمِائَةٍ ، فَكَذَلِكَ الْجَوَابُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ .
وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ - رَحِمَهُمَا اللَّهُ - : الْعَقْدُ جَائِزٌ فِي الْعَبْدِ بِمَا سَمَّى بِمُقَابَلَتِهِ مِنْ الثَّمَنِ ، وَكَذَلِكَ لَوْ اشْتَرَى شَاتَيْنِ مَسْلُوخَتَيْنِ فَإِذَا أَحَدُهُمَا مَيْتَةٌ أَوْ ذَبِيحَةُ مَجُوسِيٍّ أَوْ ذَبِيحَةُ مُسْلِمٍ تَرَكَ التَّسْمِيَةَ عَلَيْهَا عَمْدًا فَإِنَّ ذَلِكَ وَالْمَيْتَةَ سَوَاءٌ عِنْدَنَا ، وَالْجَوَابُ عَلَى التَّفْصِيلِ الَّذِي قُلْنَا ، وَكَذَلِكَ إذَا اشْتَرَى دَنَّيْنِ مِنْ خَلٍّ فَإِذَا أَحَدُهُمَا خَمْرٌ وَهَذَا الْجِنْسُ نَظِيرُ مَا سَبَقَ

إذَا أَسْلَمَ كُرَّ حِنْطَةٍ فِي شَعِيرٍ وَزَيْتٍ فَطَرِيقُهُمَا أَنَّ الْفَسَادَ يَقْتَصِرُ عَلَى مَا وُجِدَتْ فِيهِ الْعِلَّةُ الْمُفْسِدَةُ وَعِنْدَ تَسْمِيَةِ الثَّمَنِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا قَدْ انْعَدَمَتْ الْعِلَّةُ الْمُفْسِدَةُ فِيمَا هُوَ مَالٌ مُتَقَوِّمٌ مِنْهُمَا وَهَذَا ؛ لِأَنَّ أَحَدَهُمَا يَنْفَصِلُ عَنْ الْآخَرِ فِي الْبَيْعِ ابْتِدَاءً وَبَقَاءً فَوُجُودُ الْمُفْسِدِ فِي أَحَدِهِمَا لَا يُؤَثِّرُ فِي الْعَقْدِ عَلَى الْآخَرِ ؛ لِأَنَّ تَأْثِيرَهُ فِي الْعَقْدِ عَلَى الْآخَرِ إمَّا بِاعْتِبَارِ التَّبَعِيَّةِ - وَأَحَدُهُمَا لَيْسَ بِتَبَعٍ لِلْآخَرِ - أَوْ بِاعْتِبَارِ أَنَّهُمَا كَشَيْءٍ وَاحِدٍ ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ فَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يَنْفَصِلُ عَنْ الْآخَرِ فِي الْعَقْدِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ هَلَكَ أَحَدُهُمَا قَبْلَ الْقَبْضِ بَقِيَ الْعَقْدُ فِي الْآخَرِ ، وَذَلِكَ فِيمَا إذَا كَانَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَبْدًا ، وَإِنَّمَا يُشْتَرَطُ قَبُولُ الْعَقْدِ فِي أَحَدِهِمَا لِقَبُولِ الْعَقْدِ فِي الْآخَرِ إذَا صَحَّ الْإِيجَابُ فِيهِمَا حَتَّى لَا يَكُونُ الْمُشْتَرِي مُلْحِقًا الضَّرَرَ بِالْبَائِعِ فِي قَبُولِ الْعَقْدِ فِي أَحَدِهِمَا دُونَ الْآخَرِ ، وَذَلِكَ يَنْعَدِمُ إذَا لَمْ يَصِحَّ الْإِيجَابُ فِي أَحَدِهِمَا وَصَارَ هَذَا كَمَا لَوْ اشْتَرَى عَبْدًا أَوْ مُكَاتَبًا أَوْ مُدَبَّرًا فَالْبَيْعُ يَفْسُدُ فِي الْمُدَبَّرِ وَيَبْقَى الْعَقْدُ عَلَى الْعَبْدِ صَحِيحًا كَذَلِكَ هُنَا ، وَأَبُو حَنِيفَةَ يَقُولُ : الْبَائِعُ لَمَّا جَمَعَ بَيْنَهُمَا فِي الْإِيجَابِ فَقَدْ شَرَطَ فِي قَبُولِ الْعَقْدِ فِي كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا قَبُولَ الْعَقْدِ فِي الْآخَرِ بِدَلِيلِ أَنَّ الْمُشْتَرِيَ لَا يَمْلِكُ قَبُولَ الْعَقْدِ فِي أَحَدِهِمَا دُونَ الْآخَرِ ، وَاشْتِرَاطُ قَبُولِ الْعَقْدِ فِي الْحُرِّ فِي بِيَعٍ شَرْطٌ فَاسِدٌ .
وَالْبَيْعُ يَبْطُلُ بِالشَّرْطِ الْفَاسِدِ وَقَوْلُهُمَا أَنَّ هَذَا عِنْدَ صِحَّةِ الْإِيجَابِ قُلْنَا عِنْدَ صِحَّةِ الْإِيجَابِ فِيمَا يَكُونُ هَذَا شَرْطًا صَحِيحًا ، وَنَحْنُ إنَّمَا نَدَّعِي الشَّرْطَ الْفَاسِدَ وَذَلِكَ عِنْدَ فَسَادِ الْإِيجَابِ ؛ لِأَنَّ هَذَا الشَّرْطَ بِاعْتِبَارِ جَمْعِ

الْبَائِعِ بَيْنَهُمَا فِي كَلَامِهِ لِاعْتِبَارِ وُجُودِ الْمَحَلِّيَّةِ فِيهِمَا ، وَقَدْ ذَكَرَ الْكَرْخِيُّ رُجُوعَ أَبِي يُوسُفَ فِي فَصْلٍ مِنْ هَذَا الْجِنْسِ إلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَهُوَ مَسْأَلَةُ الطَّوْقِ وَالْجَارِيَةِ إذَا بَاعَهُمَا بِثَمَنٍ مُؤَجَّلٍ كَمَا بَيَّنَّا فِي الصَّرْفِ فَاسْتَدَلُّوا بِرُجُوعِهِ فِي تِلْكَ الْمَسْأَلَةِ عَلَى رُجُوعِهِ فِي جَمِيعِ هَذِهِ الْمَسَائِلِ ؛ لِأَنَّ الْفَرْقَ بَيْنَهُمَا لَا يَتَّضِحُ

فَإِذَا اشْتَرَى عَبْدَيْنِ فَإِذَا أَحَدُهُمَا مُدَبَّرٌ أَوْ مُكَاتَبٌ أَوْ اشْتَرَى جَارِيَتَيْنِ فَإِذَا أَحَدُهُمَا أَمُّ وَلَدٍ جَازَ الْبَيْعُ فِي الْآخَرِ سَوَاءٌ سَمَّى لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا ثَمَنًا أَوْ لَمْ يُسَمِّ وَعِنْدَ زُفَرَ لَا يَجُوزُ ؛ لِأَنَّ الْإِيجَابَ فِي الْمُدَبَّرِ وَالْمُكَاتَبِ وَأُمِّ الْوَلَدِ فَاسِدٌ لِمَا ثَبَتَ لَهُمْ مِنْ حَقِّ الْعِتْقِ ، وَقَدْ جَعَلَ ذَلِكَ شَرْطًا لِقَبُولِ الْعَقْدِ فِي الْفَرْقِ بَيْنَهُمَا فَيَفْسُدُ الْعَقْدُ كَمَا فِي مَسْأَلَةِ الْحُرِّ ، وَجْهُ قَوْلِهِمَا أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا دَخَلَ فِي الْعَقْدِ ؛ لِأَنَّ دُخُولَ الْآدَمِيِّ فِي الْعَقْدِ بِاعْتِبَارِ الرِّقِّ وَالتَّقَوُّمِ ، وَذَلِكَ مَوْجُودٌ فِيهِمَا ثُمَّ اسْتَحَقَّ أَحَدُهُمَا نَفْسَهُ فَكَانَ بِمَنْزِلَةِ مَا لَوْ اسْتَحَقَّهُ غَيْرُهُ بِأَنْ بَاعَ عَبْدَيْنِ فَاسْتَحَقَّ أَحَدُهُمَا فَهُنَاكَ الْبَيْعُ جَائِزٌ فِي الْآخَرِ سَوَاءٌ سَمَّى لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا ثَمَنًا أَوْ لَمْ يُسَمِّ يُوَضِّحُهُ أَنَّ الْمَبِيعَ فِي الْمُدَبَّرِ لَيْسَ بِفَاسِدٍ عَلَى الْإِطْلَاقِ بِدَلِيلِ جَوَازِ بِيَعِ الْمُدَبَّرِ مِنْ نَفْسِهِ فَإِنَّهُ إذَا بَاعَ نَفْسَ الْمُدَبَّرِ مِنْ نَفْسِهِ يَجُوزُ ، وَبِدَلِيلِ أَنَّ الْقَاضِيَ إذَا قَضَى بِجَوَازِ بِيَعِ الْمُدَبَّرِ يَنْفُذُ قَضَاؤُهُ وَكَذَلِكَ الْمُكَاتَبُ فَإِنَّ بَيْعَهُ مِنْ نَفْسِهِ جَائِزٌ وَلَوْ بَاعَهُ مِنْ غَيْرِهِ بِرِضَاهُ جَازَ فِي أَصَحِّ الرِّوَايَتَيْنِ وَاَلَّذِي رُوِيَ فِي النَّوَادِرِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُمَا اللَّهُ - بِخِلَافِ هَذَا غَيْرُ مُعْتَمَدٍ عَلَيْهِ ، وَكَذَلِكَ بِيَعُ أُمِّ الْوَلَدِ مِنْ نَفْسِهَا جَائِزٌ وَلَوْ قَضَى الْقَاضِي بِجَوَازِ بَيْعِهَا نَفَذَ قَضَاؤُهُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُمَا اللَّهُ - وَلَمْ يَنْفُذْ عِنْدَ مُحَمَّدٍ ؛ لِأَنَّ عِنْدَهُ إجْمَاعُ التَّابِعِينَ - رَحِمَهُمْ اللَّهُ - عَلَى فَسَادِ بَيْعِهَا يَرْفَعُ الْخِلَافَ الَّذِي كَانَ فِي عَهْدِ الصَّحَابَةِ - رِضْوَانُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ - فَإِنَّ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ كَانَ مُخْتَلَفًا فِيهَا فِي الصَّدْرِ الْأَوَّلِ فَكَانَ عُمَرُ رَضِيَ

اللَّهُ عَنْهُ يَقُولُ بِأَنَّ بَيْعَ أُمِّ الْوَلَدِ لَا يَجُوزُ ، وَعَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ كَانَ يَقُولُ : بِأَنَّهُ يَجُوزُ ، ثُمَّ مَنْ بَعْدَهُمْ مِنْ السَّلَفِ - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - اتَّفَقُوا عَلَى أَنَّ بَيْعَ أُمِّ الْوَلَدِ لَا يَجُوزُ .
وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْإِجْمَاعَ الْمُتَأَخِّرَ هَلْ يَرْفَعُ الِاخْتِلَافَ الْمُتَقَدِّمَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ لَا يَرْفَعُ ، وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ يَرْفَعُ وَقَضَاءُ الْقَاضِي بِخِلَافِ الْإِجْمَاعِ لَا يَنْفُذُ وَعِنْدَهُمَا لَيْسَ لِإِجْمَاعِ التَّابِعِينَ - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - مِنْ الْقُوَّةِ مَا يَرْفَعُ الْخِلَافَ الَّذِي كَانَ بَيْنَ الصَّحَابَةِ - رِضْوَانُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ - فَكَانَ هَذَا قَضَاءً فِي فَصْلٍ مُجْتَهَدٍ فِيهِ فَإِذَا ثَبَتَ أَنَّ الْمَحَلَّ قَابِلٌ لِلْبَيْعِ حَتَّى نَفَذَ قَضَاءُ الْقَاضِي فِيهِ ، وَقَضَاءُ الْقَاضِي لَا يَنْفُذُ فِي غَيْرِ مَحَلِّهِ عَرَفْنَا أَنَّهُ دَخَلَ فِي الْعَقْدِ ، ثُمَّ خَرَجَ فَصَارَ كَمَا لَوْ خَرَجَ بِالْهَلَاكِ قَبْلَ الْقَبْضِ فَيَبْقَى الْعَقْدُ صَحِيحًا فِي الْآخَرِ حَتَّى إذَا كَانَ قَبَضَهُمَا لَزِمَ الْبَيْعُ فِي الْقِنِّ بِحِصَّةٍ مِنْ الثَّمَنِ ، وَكَذَلِكَ إنْ كَانَ عَالِمًا بِذَلِكَ وَقْتَ الْبَيْعِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ عَالِمًا بِهِ وَقْتَ الْبَيْعِ وَلَكِنْ عَلِمَ بِذَلِكَ بَعْدَ الْقَبْضِ كَانَ لَهُ أَنْ يَرُدَّ الْقِنَّ مِنْهُمَا لِتَفَرُّقِ الصَّفْقَةِ قَبْلَ التَّمَامِ فَإِنَّ خِيَارَ تَفَرُّقِ الصَّفْقَةِ بِمَنْزِلَةِ خِيَارِ الْعَيْبِ فَإِنَّمَا يَثْبُتُ إذَا لَمْ يَكُنْ مَعْلُومًا لَهُ

وَإِذَا نَظَرَ إلَى إبِلٍ أَوْ غَنَمٍ أَوْ إلَى رَقِيقٍ أَوْ إلَى عَدْلٍ زُطِّيٍّ أَوْ جِرَابٍ هَرَوِيٍّ فَقَالَ : قَدْ أَخَذْتُ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْ هَذَا بِكَذَا وَلَمْ يُسَمِّ جَمَاعَتِهَا فَالْعَقْدُ فَاسِدٌ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ فِي الْكُلِّ وَعِنْدَهُمَا جَائِزٌ فِي الْكُلِّ ، وَهَذَا لِأَنَّ الْأَصْلَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ مَتَى أَضَافَ كَلِمَةَ كُلٍّ إلَى مَا لَا يَعْلَمُ مُنْتَهَاهُ فَإِنَّمَا يَتَنَاوَلُ أَدْنَاهُ وَهُوَ الْوَاحِدُ كَمَا قَالَ لِفُلَانٍ عَلَيَّ كُلَّ دِرْهَمٍ يَلْزَمُهُ دِرْهَمٌ وَاحِدٌ ، قَالَ : وَإِذَا أَجَّرَ دَارِهِ كُلَّ شَهْرٍ لَزِمَ الْعَقْدُ فِي شَهْرٍ وَاحِدٍ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ فَإِذَا اشْتَرَى صُبْرَةً مِنْ حِنْطَةٍ كُلُّ قَفِيزٍ بِدِرْهَمٍ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ يَجُوزُ الْعَقْدُ فِي قَفِيزٍ وَاحِدٍ وَعِنْدَهُمَا يَجُوزُ فِي الْكُلِّ ، وَإِذَا كَفَلَ بِنَفَقَةِ امْرَأَةٍ عَنْ زَوْجِهَا كُلَّ شَهْرٍ فَإِنَّمَا يَلْزَمُهُ ذَلِكَ فِي شَهْرٍ وَاحِدٍ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ ، وَعِنْدَهُمَا هُوَ كَذَلِكَ فِيمَا لَا يَكُونُ مُنْتَهَاهُ مَعْلُومًا بِالْإِشَارَةِ إلَيْهِ ، فَأَمَّا فِيمَا يَعْلَمُ جُمْلَتَهُ بِالْإِشَارَةِ فَالْعَقْدُ يَتَنَاوَلُ الْكُلَّ كَمَا لَوْ كَانَ مَعْلُومَ الْجُمْلَةِ بِالتَّسْمِيَةِ ؛ لِأَنَّ الْإِشَارَةَ أَبْلَغُ فِي التَّعْرِيفِ مِنْ التَّسْمِيَةِ إذَا عَرَفْنَا هَذَا فَنَقُولُ هُنَا : الْجُمْلَةُ مَعْلُومَةٌ بِالْإِشَارَةِ فَيَجُوزُ الْعَقْدُ فِي الْكُلِّ عِنْدَهُمَا وَلَا جَهَالَةَ فِي ثَمَنِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا وَالْجَهَالَةُ فِي جُمْلَةِ الثَّمَنِ لَا تُفْضِي إلَى الْمُنَازَعَةِ فَإِنَّهَا تُرْفَعُ بَعْدَ الْمُشَارِ إلَيْهِ ، وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ لَمَّا لَمْ يَكُنْ الْعَدَدُ مَعْلُومًا عِنْدَ الْعَقْدِ فَإِنَّمَا يَتَنَاوَلُ الْعَقْدَ وَاحِدًا مِنْ الْجُمْلَةِ

وَبَيْعُ شَاةٍ مِنْ الْقَطِيعِ لَا يَجُوزُ ؛ لِأَنَّهَا مُتَفَاوِتَةٌ وَإِذَا كَانَتْ الْعِبْرَةُ لِلْإِشَارَةِ فَثَمَنُ جَمِيعِ مَا أَشَارَ إلَيْهِ مَجْهُولٌ عِنْدَ الْعَقْدِ ، وَجَهَالَةُ مِقْدَارِ الثَّمَنِ تَمْنَعُ صِحَّةَ الْعَقْدِ ، وَمَا هُوَ شَرْطُ الْعَقْدِ إذَا انْعَدَمَ عِنْدَ الْعَقْدِ يَفْسُدُ الْعَقْدُ وَلَا يُمْكِنُ اعْتِبَارُ إيجَابِهِ فِي الثَّانِي كَشَرْطِ الشُّهُودِ فِي النِّكَاحِ ، وَعَلَى هَذَا لَوْ بَاعَ صُبْرَةَ حِنْطَةٍ كُلُّ قَفِيزٍ مِنْهَا بِدِرْهَمٍ وَلَمْ يُسَمِّ عَدَدَ الْجُمْلَةِ إلَّا أَنَّ أَبَا حَنِيفَةَ قَالَ هُنَاكَ : الْعَقْدُ جَائِزٌ فِي قَفِيزٍ وَاحِدٍ فَإِنَّهُ إذَا اشْتَرَى قَفِيزًا مِنْ الصُّبْرَةِ جَازَ بِالْإِجْمَاعِ فَإِنَّ الْقُفْزَانَ لَا تَتَفَاوَتُ بِخِلَافِ الْغَنَمِ فَإِنْ عَلِمَ مَبْلَغَ الْجُمْلَةِ بَعْدَ الِافْتِرَاقِ لَا يَنْقَلِبُ الْعَقْدُ جَائِزًا ؛ لِأَنَّ الْمُفْسِدَ قَدْ تَقَرَّرَ بِالِافْتِرَاقِ عَنْ الْمَجْلِسِ قَبْلَ إزَالَتِهِ وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ قَبْلَ أَنْ يَفْتَرِقَا كَانَ الْعَقْدُ اسْتِحْسَانًا ؛ لِأَنَّ حَالَةَ الْمَجْلِسِ جُعِلَتْ كَحَالَةِ الْعَقْدِ وَلَكِنْ يَتَخَيَّرُ الْمُشْتَرِي لِتَنْكَشِفَ الْحَالَةُ لَهُ الْآنَ فَإِنْ شَاءَ أَخَذَ الْكُلَّ بِجَمِيعِ الثَّمَنِ .
وَإِنْ شَاءَ تَرَكَهُ ؛ لِأَنَّ مِقْدَارَ مَا يَلْزَمُهُ مِنْ الثَّمَنِ إنَّمَا يَصِيرُ مَعْلُومًا لَهُ الْآنَ فَيَتَخَيَّرُ لِأَجْلِهِ ، وَكَذَلِكَ لَوْ اشْتَرَى دَارًا كُلُّ ذِرَاعٍ بِدِرْهَمٍ وَلَمْ يُسَمِّ جُمْلَةَ الذُّرْعَانِ فَهُوَ عَلَى هَذَا الْخِلَافِ فَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ الْعَقْدُ يَفْسُدُ فِي الْكُلِّ ؛ لِأَنَّ قِيمَةَ الذُّرْعَانِ تَتَفَاوَتُ فِي مُقَدَّمِ الدَّارِ وَمُؤَخَّرِهَا فَلَا يُمْكِنُ تَصْحِيحُ الْعَقْدِ فِي ذِرَاعٍ مِنْهَا ، وَكَذَلِكَ الثَّوْبُ وَالْخَشَبُ وَلَوْ اشْتَرَى ذِرَاعًا مِنْ عَشَرَةِ أَذْرُعٍ مِنْ هَذِهِ الدَّارِ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ - رَحِمَهُمَا اللَّهُ - يَجُوزُ الْعَقْدُ ؛ لِأَنَّ مَا سَمَّى عِبَارَةٌ عَنْ عُشْرِ الدَّارِ بِمَنْزِلَةِ قَوْلِهِ سَهْمٌ مِنْ عَشَرَةِ أَسْهُمٍ أَوْ جُزْءٌ مِنْ عَشَرَةِ أَجْزَاءٍ وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ لَا يَجُوزُ ؛ لِأَنَّ الذِّرَاعَ اسْمٌ

لِمَوْضِعٍ مَعْلُومٍ يَقَعُ عَلَيْهِ الذِّرَاعُ ، وَذَلِكَ يَتَفَاوَتُ مَوْضِعُهُ مِنْ الدَّارِ بِخِلَافِ السَّهْمِ وَالْجُزْءِ وَقَدْ رُوِيَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّهُ إذَا اشْتَرَى ذِرَاعًا مِنْ هَذِهِ الدَّارِ بِكَذَا يَجُوزُ الْعَقْدُ ، وَإِنْ لَمْ يَقُلْ مِنْ كَذَا ذِرَاعًا ثُمَّ يُذَرِّعُ الدَّارَ فَإِنْ كَانَتْ عَشَرَةَ أَذْرُعٍ فَلَهُ الْعُشْرُ بِخِلَافِ مَا لَوْ اشْتَرَى سَهْمًا مِنْ الدَّارِ ، لَمْ يَقُلْ مِنْ كَذَا سَهْمًا ؛ لِأَنَّ تِلْكَ الْجَهَالَةِ لَا يُمْكِنُ إزَالَتُهَا فَسَهْمٌ مِنْ سَهْمَيْنِ النِّصْفُ ، وَسَهْمٌ مِنْ عَشَرَةِ أَسْهُمٍ الْعُشْرُ وَفِي الذِّرَاعِ يُمْكِنُ إزَالَةُ الْجَهَالَةِ بِأَنْ يُذَرِّعَ جَمِيعَ الدَّارِ فَيَصِيرُ الْجُزْءُ الْمُسَمَّى فِي الْعَقْدِ مَعْلُومًا بِهِ

وَإِذَا اشْتَرَى غَنَمًا أَوْ بَقَرًا أَوَعَدْلَ زُطِّيٍّ كُلُّ اثْنَيْنِ مِنْهَا بِعَشَرَةٍ فَهُوَ بَاطِلٌ ؛ لِأَنَّ ثَمَنَ كُلِّ وَاحِدٍ غَيْرُ مَعْلُومٍ فَإِنَّهُ يَضُمُّ إلَى كُلِّ وَاحِدٍ آخَرَ فَيُقَسَّمُ الْعُشْرُ عَلَى قِيمَتِهَا وَلَا يُعْرَفُ كَيْفِيَّةُ الضَّمِّ أَنَّهُ يَضُمُّ الْجَيِّدَ إلَى الْجَيِّدِ أَوْ الرَّدِيءَ إلَى الرَّدِيءِ أَوْ إلَى الْوَسَطِ فَيَبْقَى ثَمَنُ كُلِّ وَاحِدٍ مَجْهُولًا ، وَهَذِهِ الْجَهَالَةُ تُفْضِي إلَى الْمُنَازَعَةِ فَإِنَّهُ إذَا وَجَدَ بِثَوْبٍ عَيْبًا بَعْدَ الْقَبْضِ يَرُدُّ الْمَعِيبَ خَاصَّةً وَتَتَمَكَّنُ الْمُنَازَعَةُ بَيْنَهُمَا فِي ثَمَنِهِ وَكَذَلِكَ إذَا هَلَكَ أَحَدُهُمَا قَبْلَ الْقَبْضِ وَاسْتَحَقَّ أَوْ تَقَايَلَا الْعَقْدَ فِي ثَوْبٍ وَاحِدٍ فَعَرَفْنَا أَنَّ هَذِهِ الْجَهَالَةِ تُفْضِي إلَى الْمُنَازَعَةِ فَيَفْسُدُ الْعَقْدُ بِهَا

وَإِذَا اشْتَرَى عَدْلَ زُطِّيٍّ بِقِيمَتِهِ فَالْبَيْعُ فَاسِدٌ لِجَهَالَةِ الثَّمَنِ عِنْدَ الْعَقْدِ وَالْقِيمَةُ مَا تَظْهَرُ عِنْدَهُ تَقْوِيمُ الْمُقَوِّمِينَ ، وَذَلِكَ مَجْهُولٌ عِنْدَ الْعَقْدِ وَيَخْتَلِفُ الْمُقَوِّمُونَ فِي التَّقْوِيمِ أَيْضًا ثُمَّ مَا سَمَّيَا تَفْسِيرَ الْعَقْدِ الْفَاسِدِ ؛ لِأَنَّ الْمَقْبُوضَ بِحُكْمِ الشِّرَاءِ الْفَاسِدِ مَضْمُونٌ بِالْقِيمَةِ فَقَدْ نَصَّا عَلَى مَا هُوَ حُكْمُ الْعَقْدِ الْفَاسِدِ ، وَكَذَلِكَ إنْ قَالَ بِحُكْمِهِ ؛ لِأَنَّ مَا يَحْكُمُ بِهِ مَجْهُولُ الْجِنْسِ وَالْقَدْرِ وَالصِّفَةِ ، وَيُتَمَكَّنُ بِسَبَبِهِ مُنَازَعَةٌ وَلَهُ أَنْ يَرْجِعَ عَنْ تَفْوِيضِ الْحُكْمِ إلَيْهِ وَإِنْ لَمْ يَرْجِعْ حَتَّى مَاتَ أَحَدُهُمَا بَطَلَ مَالُهُ مِنْ الْحُكْمِ وَبَقِيَ الثَّمَنُ مَجْهُولًا ، وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ وَيَحْلِفُ يَمِينَهُ فَالْبَيْعُ فَاسِدٌ قِيلَ مَعْنَى هَذَا أَنَّ الْمُشْتَرِيَ كَانَ سَاوَمَهُ بِأَلْفٍ فَحَلَفَ الْبَائِعُ أَنْ لَا يَبِيعَهُ بِأَلْفٍ فَاشْتَرَاهُ بِأَلْفٍ وَزِيَادَةٍ بِقَدْرِ مَا يَبَرُّ بِهِ الْبَائِعَ فِي يَمِينِهِ وَتِلْكَ الزِّيَادَةُ مَجْهُولَةُ الْجِنْسِ وَالْقَدْرِ وَالصِّفَةِ ، وَقِيلَ : بَلْ مَعْنَاهُ أَنَّ الْبَائِعَ كَانَ حَنِثَ فِي يَمِينِهِ وَكَانَ تُهْمَةٌ تُكَفِّرُهُ فَاشْتَرَاهُ مِنْهُ بِأَلْفٍ وَمَا يُكَفِّرُ بِهِ الْبَائِعُ يَمِينَهُ وَهَذَا أَيْضًا مَجْهُولٌ ؛ لِأَنَّ التَّكْفِيرَ يَكُونُ بِالْإِعْتَاقِ تَارَةً وَبِالْكِسْوَةِ أُخْرَى وَبِالْإِطْعَامِ تَارَةً ، وَضَمُ الْمَجْهُولِ إلَى الْمَعْلُومِ يُوجِبُ جَهَالَةَ الْكُلِّ وَجَهَالَةُ الثَّمَنِ مُفْسِدَةٌ لِلْبَيْعِ

وَإِذَا اشْتَرَاهُ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ إلَّا دِينَارًا أَوْ بِمِائَةِ دِينَارٍ إلَّا دِرْهَمًا أَوْ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ إلَّا قَفِيزَ حِنْطَةٍ أَوْ إلَّا شَاةً فَالْبَيْعُ فَاسِدٌ ؛ لِأَنَّ الْمُسْتَثْنَى إذَا كَانَ مِنْ غَيْرِ جِنْسِ الْمُسْتَثْنَى مِنْهُ فَإِنَّمَا يُسْتَثْنَى مِنْ الْمُسْتَثْنَى بِالْقِيمَةِ وَطَرِيقُ مَعْرِفَةِ الْقِيمَةِ الْحِرْزُ وَالظَّنُّ فَلَا يُتَيَقَّنُ بِهِ وَجَهَالَةُ الْمُسْتَثْنَى تُوجِبُ جَهَالَةَ الْمُسْتَثْنَى مِنْهُ يُوَضِّحُهُ أَنَّ الْكَلَامَ الْمُقَيَّدَ بِالِاسْتِثْنَاءِ يَكُونُ عِبَارَةً عَمَّا وَرَاءَ الِاسْتِثْنَاءِ وَمَا وَرَاءَ الْمُسْتَثْنَى مِنْ الْأَلْفِ مَجْهُولٌ فَالْبَيْعُ بِالثَّمَنِ الْمَجْهُولِ فَاسِدٌ

وَإِنْ قَالَ قَدْ أَخَذْتُهُ مِنْكَ بِمِثْلِ مَا يَبِيعُهُ النَّاسُ كَانَ فَاسِدًا أَيْضًا ؛ لِأَنَّ الْمُسْتَثْنَى مَجْهُولُ الْجِنْسِ وَالْقَدْرِ وَالصِّفَةِ ، وَالنَّاسُ فِي الْمُبَايَعَةِ يَتَفَاوَتُونَ فَمِنْ بَيْنَ مُسَامِحٍ وَمُسْتَعْصٍ وَإِذَا فَسَدَ الْبَيْعُ فَإِنْ قَبَضَهُ وَهَلَكَ عِنْدَهُ فَعَلَيْهِ مِثْلُهُ إنْ كَانَ مِنْ ذَوَاتِ الْأَمْثَالِ وَقِيمَتُهُ إنْ لَمْ يَكُنْ مِنْ ذَوَاتِ الْأَمْثَالِ ؛ لِأَنَّ الْمَقْبُوضَ بِحُكْمِ الشِّرَاءِ الْفَاسِدِ بِمَنْزِلَةِ الْمَغْصُوبِ أَوْ الْمَقْبُوضِ عَلَى سَوْمِ الشِّرَاءِ فِي حُكْمِ الضَّمَانِ

وَلَوْ قَالَ أَخَذْتُهُ مِنْكَ بِمِثْلِ مَا أَخَذَ بِهِ فُلَانٌ مِنْ الثَّمَنِ ، فَإِنْ كَانَ ذَلِكَ مَعْلُومًا عِنْدَهُمَا وَقْتَ الْعَقْدِ فَهُوَ جَائِزٌ ، وَإِلَّا كَانَ الْعَقْدُ فَاسِدًا فَإِنْ عَلِمَ ذَلِكَ قَبْلَ أَنْ يَتَفَرَّقَا جَازَ الْعَقْدُ وَيَتَخَيَّرُ الْمُشْتَرِي ؛ لِأَنَّ حَالَةَ الْمَجْلِسِ كَحَالَةِ الْعَقْدِ وَلَكِنْ إنَّمَا يَكْشِفُ الْحَالَ لِلْمُشْتَرِي إذَا عَلِمَ مِقْدَارَ مَا أَخَذَ بِهِ فُلَانٌ رَضَاهُ بِهِ قَبْلَ ذَلِكَ لَا يَكُونُ تَامًّا فَلِهَذَا يَتَخَيَّرُ بَيْنَ الْأَخْذِ وَالتَّرْكِ

وَإِذَا عَقَدَ الْعَقْدَ عَلَى أَنَّهُ إلَى أَجَلِ كَذَا بِكَذَا وَبِالنَّقْدِ بِكَذَا أَوْ قَالَ إلَى شَهْرٍ بِكَذَا أَوْ إلَى شَهْرَيْنِ بِكَذَا فَهُوَ فَاسِدٌ ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُعَاطِهِ عَلَى ثَمَنٍ مَعْلُومٍ وَلِنَهْيِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ شَرْطَيْنِ فِي بِيَعٍ وَهَذَا هُوَ تَفْسِيرُ الشَّرْطَيْنِ فِي بِيَعٍ وَمُطْلَقُ النَّهْيِ يُوجِبُ الْفَسَادَ فِي الْعُقُودِ الشَّرْعِيَّةِ وَهَذَا إذَا افْتَرَقَا عَلَى هَذَا فَإِنْ كَانَ يَتَرَاضَيَانِ بَيْنَهُمَا وَلَمْ يَتَفَرَّقَا حَتَّى قَاطَعَهُ عَلَى ثَمَنٍ مَعْلُومٍ ، وَأَتَمَّا الْعَقْدَ عَلَيْهِ فَهُوَ جَائِزٌ ؛ لِأَنَّهُمَا مَا افْتَرَقَا إلَّا بَعْدَ تَمَامِ شَرَطِ صِحَّةِ الْعَقْدِ

قَالَ وَمَنْ اشْتَرَى شَيْئًا فَلَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَبِيعَهُ قَبْلَ أَنْ يَقْبِضَهُ وَلَا يُوَلِّيهِ أَحَدًا وَلَا يُشْرِكُ فِيهِ ؛ لِأَنَّ التَّوْلِيَةَ تَمْلِيكُ مَا مُلِكَ بِمِثْلِ مَا مُلِكَ ، وَالْإِشْرَاكُ تَمْلِيكُ نِصْفِهِ بِمِثْلِ مَا مُلِكَ بِهِ

وَالْكَلَامُ فِي بِيَعِ الْمَبِيعِ قَبْلَ الْقَبْضِ فِي فُصُولِ أَحَدِهَا فِي الطَّعَامِ فَإِنَّهُ لَيْسَ لِمُشْتَرِي الطَّعَامِ أَنْ يَبِيعَهُ قَبْلَ أَنْ يَقْبِضَهُ لِمَا رُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { نَهَى عَنْ بَيْعِ الطَّعَامِ قَبْلَ أَنْ يُقْبَضَ } وَكَذَلِكَ مَا سِوَى الطَّعَامِ مِنْ الْمَنْقُولَاتِ لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ قَبْلَ الْقَبْضِ عِنْدَنَا ، وَقَالَ مَالِكٌ يَجُوزُ ؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَصَّ الطَّعَامَ بِالذِّكْرِ عِنْدَ النَّهْيِ فَذَلِكَ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْحُكْمَ فِيمَا عَدَاهُ بِخِلَافِهِ ، وَإِلَّا فَلَيْسَ لِهَذَا التَّخْصِيصِ فَائِدَةٌ وَحُجَّتُنَا مَا رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ نَهَى عَنْ بَيْعِ مَا لَمْ يُقْبَضْ ، وَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { لِغِيَاثِ بْنِ أَسَدٍ حِينَ وَجَّهَهُ إلَى مَكَّةَ قَاضِيًا وَأَمِيرًا سِرْ إلَى أَهْلِ بَيْتِ اللَّهِ وَانْهَهُمْ عَنْ بَيْعِ مَا لَمْ يَقْبِضُوا } وَكَلِمَةُ ( مَا ) لِلتَّعْمِيمِ فِيمَا لَا يَعْقِلُ ثُمَّ تَخْصِيصُ الشَّيْءِ بِالذِّكْرِ عِنْدَنَا لَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْحُكْمَ فِيمَا عَدَاهُ بِخِلَافِهِ قَالَ اللَّه - تَعَالَى - { فَلَا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ } وَذَلِكَ لَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ يَجُوزُ ذَلِكَ فِي غَيْرِ الْأَشْهُرِ الْحُرُمِ كَيْفَ وَرَاوِي هَذَا الْحَدِيثِ ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَقَالَ بَعْدَ رِوَايَتِهِ : وَأَحْسِبُ كُلَّ شَيْءٍ مِثْلَهُ ، وَالْكَلَامُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ يَنْبَنِي عَلَى أَصْلٍ وَهُوَ أَنَّ عِنْدَ مَالِكٍ فِيمَا سِوَى الطَّعَامِ الْبَيْعَ لَا يَبْطُلُ بِهَلَاكِ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ قَبْلَ الْقَبْضِ وَعِنْدَنَا يَبْطُلُ لِفَوَاتِ الْقَبْضِ الْمُسْتَحَقِّ بِالْعَقْدِ كَمَا فِي الطَّعَامِ فَلِتَوَهُّمِ الْغَرَرِ فِي الْمِلْكِ الْمُطْلَقِ لِلتَّصَرُّفِ قُلْنَا : لَا يَجُوزُ تَصَرُّفُهُ قَبْلَ الْقَبْضِ أَوْ لِعَجْزِهِ عَنْ التَّسْلِيمِ بِحَبْسِ الْبَائِعِ إيَّاهُ لِحَقِّهِ ، وَالْإِجَارَةُ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ كَالْبَيْعِ

وَأَمَّا الْهِبَةُ وَالصَّدَقَةُ فِي الْمَبِيعِ قَبْلَ الْقَبْضِ لَا يَجُوزُ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَقَالَ مُحَمَّدٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ : كُلُّ تَصَرُّفٍ لَا يَتِمْ إلَّا بِالْقَبْضِ فَذَلِكَ جَائِزٌ فِي الْمَبِيعِ قَبْلَ الْقَبْضِ إذَا سَلَّطَهُ عَلَى قَبْضِهِ فَيَقْبِضُهُ ؛ لِأَنَّ تَمَامَ الْعَقْدِ لَا يَكُونُ إلَّا بِالْقَبْضِ ، وَالْمَانِعُ زَائِدٌ عِنْدَ ذَلِكَ بِخِلَافِ الْبَيْعِ وَالْإِجَارَةِ فَإِنَّهُ مُلْزَمٌ بِنَفْسِهِ وَقَاسَ بِهِبَةِ الدَّيْنِ مِنْ غَيْرِ مَنْ عَلَيْهِ الدَّيْنَ فَإِنَّهُ يَجُوزُ إذَا سَلَّطَهُ عَلَى قَبْضِهِ بِخِلَافِ الْبَيْعِ ، وَأَبُو يُوسُفَ يَقُولُ : الْبَيْعُ أَسْرَعُ نَفَاذًا مِنْ الْهِبَةِ بِدَلِيلِ أَنَّ الشُّيُوعَ فِيمَا يُقْسَمُ يَمْنَعُ تَمَامَ الْهِبَةِ دُونَ الْبَيْعِ ثُمَّ بَيْعُ الْمَبِيعِ قَبْلَ الْقَبْضِ لَا يَجُوزُ ؛ لِأَنَّهُ تَمْلِيكٌ لِعَيْنِ مَالِكِهِ فِي حَالِ قِيَامِ الْغَرَرِ فِي مِلْكِهِ فَالْهِبَةُ أَوْلَى ؛ لِأَنَّ الْهِبَةَ فِي اسْتِدْعَاءِ الْمِلْكِ أَقْوَى مِنْ الْبَيْعِ حَتَّى يَجُوزَ الْبَيْعُ مِنْ الْمَأْذُونِ وَالْمُكَاتَبِ دُونَ الْهِبَةِ ثُمَّ الْمَبِيعُ قَبْلَ الْقَبْضِ لَيْسَ مَحَلُّ التَّمْلِيكِ مِنْ غَيْرِهِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَا يَنْفُذُ الْبَيْعُ فِيهِ وَإِنْ أَجَازَهُ الْبَائِعُ فَكَانَ هَذَا بِمَنْزِلَةِ عَيْنٍ مَمْلُوكَةٍ أَيْضًا كَالصَّيْدِ فِي الْهَوَاءِ ، وَذَلِكَ لَا يَجُوزُ إيجَابُ الْبَيْعِ وَالْهِبَةِ فِيهِ فَهَذَا مِثْلُهُ

وَأَمَّا بَيْعُ الْعَقَارِ قَبْلَ الْقَبْضِ يَجُوزُ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ الْآخَرِ رَحِمَهُمَا اللَّهُ ، وَلَا يَجُوزُ فِي قَوْلِهِ الْأَوَّلِ وَهُوَ قَوْلُ مُحَمَّدٍ وَالشَّافِعِيِّ رَحِمَهُمَا اللَّهُ لِعُمُومِ النَّهْيِ عَنْ بَيْعِ مَا لَمْ يُقْبَضْ وَلِنَهْيِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ رِبْحِ مَا لَمْ يُضْمَنْ وَبَيْعُ الْعَقَارِ قَبْلَ الْقَبْضِ بِأَكْثَرَ مِمَّا اشْتَرَى فِيهِ رِبْحُ مَا لَمْ يُضْمَنْ وَالْمَعْنَى فِيهِ أَنَّهُ بَاعَ الْمَبِيعَ قَبْلَ الْقَبْضِ فَلَا يَجُوزُ كَمَا فِي الْمَنْقُولِ وَتَأْثِيرُهُ أَنَّ مِلْكَ التَّصَرُّفِ يُسْتَفَادُ بِالْقَبْضِ كَمَا أَنَّ مِلْكَ الْعَيْنِ يُسْتَفَادُ بِالْعَقْدِ ثُمَّ الْعَقَارُ وَالْمَنْقُولُ سَوَاءٌ فِيمَا يَمْلِكُ بِهِ الْعَيْنَ ، وَهُوَ الْعَقْدُ فَكَذَلِكَ فِيمَا يَمْلِكُ بِهِ التَّصَرُّفَ أَوْ لِأَنَّ السَّبَبَ وَهُوَ الْبَيْعُ لَا يَتِمُّ إلَّا بِالْقَبْضِ ، وَلِهَذَا جَعَلَ الْحَادِثَ بَعْدَ الْعَقْدِ قَبْلَ الْقَبْضِ كَالْمَوْجُودِ وَقْتَ الْعَقْدِ وَالْمِلْكِ إنَّمَا يَتَأَكَّدُ بِتَأَكُّدِ السَّبَبِ وَفِي هَذَا الْعَقْدِ الْعَقَارُ وَالْمَنْقُولُ سَوَاءٌ يُوَضِّحُهُ أَنَّ قَبْلَ الْقَبْضِ الْمَبِيعُ مَضْمُونٌ بِغَيْرِهِ وَهُوَ الثَّمَنُ وَالْعَقَارُ فِي هَذَا كَالْمَنْقُولِ حَتَّى إذَا اسْتَحَقَّ أَوْ تَصَوَّرَ هَلَاكَهُ فَهَلَكَ سَقَطَ الثَّمَنُ ، وَلِأَنَّ الْقُدْرَةَ عَلَى التَّسْلِيمِ شَرَطٌ لِجَوَازِ الْبَيْعِ فِي الْعَقَارِ وَالْمَنْقُولِ جَمِيعًا ، وَذَلِكَ بِيَدِهِ أَوْ بِيَدِ نَائِبِهِ وَيَدِ الْبَائِعِ الْأَوَّلِ لَيْسَتْ بِنَائِبَةٍ عَنْ يَدِهِ فَلَا تَثْبُتُ قُدْرَتُهُ عَلَى التَّسْلِيمِ بِاعْتِبَارِهَا ، وَأَبُو حَنِيفَةَ وَأَبُو يُوسُفَ يَقُولَانِ : بِيَعُ الْعَقَارِ قَبْلَ الْقَبْضِ فِي مَعْنَى بَيْعِ الْمَنْقُولِ بَعْدَ الْقَبْضِ فَيَجُوزُ كَمَا يَجُوزُ بِيَعُ الْمَنْقُولِ بَعْدَ الْقَبْضِ ، وَإِنَّمَا قُلْنَا ذَلِكَ ؛ لِأَنَّ الْمُطْلَقَ لِلتَّصَرُّفِ الْمِلْكُ دُونَ الْيَدِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ بَاعَ مِلْكَهُ وَهُوَ فِي يَدِ مُودَعٍ أَوْ غَاصِبٍ وَهُوَ مُقِرٌّ لَهُ بِالْمِلْكِ كَانَ الْبَيْعُ جَائِزًا إلَّا أَنَّهُ إذَا بَقِيَ فِي الْمِلْكِ

الْمُطْلَقِ لِلتَّصَرُّفِ غَرَرٌ يُمْكِنُ الِاحْتِرَازُ عَنْهُ فَذَلِكَ يَمْنَعُ جَوَازَ التَّصَرُّفِ لِنَهْيِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ بَيْعِ الْغَرَرِ وَفِي الْمَنْقُولِ قَبْلَ الْقَبْضِ فِي الْمِلْكِ غَرَرٌ ؛ لِأَنَّ بِهَلَاكِهِ يُنْتَقَضُ الْبَيْعُ وَيَبْطُلُ مِلْكُ الْمُشْتَرِي فَإِذَا قَبَضَهُ انْتَفَى هَذَا الْغَرَرُ وَلَا يَبْقَى إلَّا مَعْنَى الْغَرَرِ بِظُهُورِ الِاسْتِحْقَاقِ .
، وَذَلِكَ لَا يُمْكِنُ الِاحْتِرَازُ عَنْهُ ، وَفِي الْعَقَارِ قَبْلَ الْقَبْضِ لَيْسَ فِي مِلْكِهِ إلَّا غَرَرُ الِاسْتِحْقَاقِ ؛ لِأَنَّهُ لَا يُتَصَوَّرُ هَلَاكُهُ وَانْفِسَاخُ الْبَيْعِ بِهِ وَانْتِفَاءُ الْغَرَرِ لِعَدَمِ تَصَوُّرِ سَبَبِهِ أَصْلًا يَكُونُ أَبْلَغُ مِنْ انْتِفَاءِ الْغَرَرِ إذَا تَصَوَّرَ سَبَبَهُ وَلَمْ يَعْمَلْ ، وَإِنَّمَا يُتَصَوَّرُ الْغَرَرُ فِيهِ مِنْ حَيْثُ الِاسْتِحْقَاقُ ، وَذَلِكَ لَا يُمْكِنُ الِاحْتِرَازُ عَنْهُ ، وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ أَنَّ التَّصَرُّفَ فِي الثَّمَن قَبْلَ الْقَبْضِ جَائِزٌ ؛ لِأَنَّهُ لَا غَرَرَ فِي الْمِلْكِ

وَكَذَلِكَ التَّصَرُّفُ فِي الْمَهْرِ قَبْلَ الْقَبْضِ يَجُوزُ عِنْدَنَا لِانْعِدَامِ الْغَرَرِ فِي الْمِلْكِ فَإِنَّ بِالْهَلَاكِ لَا يَبْطُلُ مِلْكُهَا وَلَكِنْ عَلَى الزَّوْجِ قِيمَتُهُ لَهَا وَأَصْحَابُ الشَّافِعِيِّ يَخْتَلِفُونَ فِي ذَلِكَ فَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ : التَّسْمِيَةُ تَبْطُلُ بِهَلَاكِ الصَّدَاقِ قَبْلَ الْقَبْضِ فَعَلَى هَذَا يَقُولُونَ لَا يَجُوزُ التَّصَرُّفُ لِبَقَاءِ الْغَرَرِ فِي الْمِلْكِ وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ : لَا تَبْطُلُ التَّسْمِيَةُ وَعَلَى الزَّوْجِ الْقِيمَةُ ، وَعَلَى هَذَا يَقُولُونَ : يَجُوزُ التَّصَرُّفُ فِي الصَّدَاقِ قَبْلَ الْقَبْضِ فَعَرَفْنَا أَنَّ الْأَصْلَ مَا قُلْنَا ، وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ أَنَّ التَّصَرُّفَ الَّذِي لَا يَمْتَنِعُ بِالْغَرَرِ نَافِذٌ فِي الْمَبِيعِ قَبْلَ الْقَبْضِ وَهُوَ الْعِتْقُ وَالتَّزْوِيجُ ، وَبِهِ يَتَبَيَّنُ فَسَادُ قَوْلِهِمْ أَنَّ تَأَكُّدَ الْمِلْكِ بِتَأَكُّدِ السَّبَبِ وَذَلِكَ بِالْقَبْضِ ؛ لِأَنَّ الْعِتْقَ فِي اسْتِدْعَاءِ ذَلِكَ تَامٌّ فِي الْمَحَلِّ فَوْقَ الْبَيْعِ ثُمَّ يَجُوزُ فِي الْمَبِيعِ قَبْلَ الْقَبْضِ وَمَا يَقُولُونَ مِنْ أَنَّهُ يَدْخُلُ فِي ضَمَانِ الْمُشْتَرِي بِالْقَبْضِ قُلْنَا شَرْطُ ثُبُوتِ الْمِلْكِ بِالتَّصَرُّفِ فِي الْمَحَلِّ أَصْلُ الْمِلْكِ دُونَ الضَّمَانِ بِدَلِيلِ جَوَازِ التَّصَرُّفِ فِي الْمَوْهُوبِ بَعْدَ الْقَبْضِ ، وَكَذَلِكَ الْقُدْرَةُ عَلَى التَّسْلِيمِ كَمَا يَثْبُتُ بِيَدِ غَيْرِهِ إذَا لَمْ يَمْنَعْهُ ، وَالْحَدِيثُ عَامٌّ دَخَلَهُ الْخُصُوصُ لِإِجْمَاعِنَا عَلَى جَوَازِ التَّصَرُّفِ فِي الثَّمَنِ وَالصَّدَاقِ قَبْلَ الْقَبْضِ ، وَمِثْلُ هَذَا الْعَامِّ يَجُوزُ تَخْصِيصُهُ بِالْقِيَاسِ فَنَحْمِلُهُ عَلَى الْمَنْقُولِ بِدَلِيلِ مَا قُلْنَا ، وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ أَنَّ حَقَّ الشُّفْعَةِ يَثْبُتُ لِلشَّفِيعِ قَبْلَ الْقَبْضِ ، وَالشَّفِيعُ يَتَمَلَّكُ بِبَدَلٍ فَلَوْ كَانَ الْعَقَارُ قَبْلَ الْقَبْضِ لَا يَحْتَمِلُ التَّمَلُّكَ بِبَدَلٍ لِمَا ثَبَتَ لِلشَّفِيعِ حَقُّ الْأَخْذِ قَبْلَ الْقَبْضِ إلَّا أَنَّ حَقَّ الشَّفِيعِ مُقَدَّمٌ عَلَى حَقِّ الْمُشْتَرِي فَلَا يُمْكِنُ أَنْ يَجْعَلَ قَائِمًا مَقَامَهُ فَلِهَذَا يَبْطُلُ بِأَخْذِهِ مِلْكُ

الْمُشْتَرِي وَيَكُونُ عُهْدَتُهُ عَلَى الْبَائِعِ بِخِلَافِ الْمُشْتَرِي الثَّانِي ، يُوَضِّحُهُ أَنَّ الْمَبِيعَ فِي مَكَانِهِ الَّذِي يَقْبِضُهُ فِيهِ يَتَعَيَّنُ فَيَجُوزُ تَصَرُّفُهُ فِيهِ كَمَا بَعْدَ قَبْضِهِ بِالتَّخْلِيَةِ وَبِخِلَافِ الْمَنْقُولِ فَإِنَّهُ لَا يَدْرِي فِي أَيِّ مَكَان يَقْبِضُهُ مَا لَمْ يَقْبِضْهُ .
وَلَا يَدْخُلُ عَلَى شَيْءٍ لِمَا ذَكَرْنَا أَنَّ التَّصَرُّفَ فِي الْمُسْلَمِ فِيهِ قَبْلَ الْقَبْضِ ؛ لِأَنَّا بِمَا قَرَّرْنَا أَثْبَتْنَا الْمِلْكَ الْمُطْلَقَ لِلتَّصَرُّفِ دُونَ سَائِرِ الشُّرُوطِ فَمِنْ الشَّرَائِطِ فِي الْمَبِيعِ الْعَيْنِيَّةِ ، وَجَوَازُ السَّلَمِ رُخْصَةٌ بِخِلَافِ الْقِيَاسِ وَمِنْ الشَّرَائِطِ الْكَيْلُ فِيمَا اشْتَرَاهُ مُكَايَلَةً فَلَا يَجُوزُ التَّصَرُّفُ فِيهِ قَبْلَ أَنْ يَكِيلَهُ وَإِنْ كَانَ قَبَضَهُ

قَالَ رَجُلٌ بَاعَ عَبْدًا آبِقًا فَهُوَ بَاطِلٌ لِنَهْيِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ بَيْعِ الْغَرَرِ وَعَنْ بَيْعِ الْعَبْدِ الْآبِقِ وَلِأَنَّهُ عَاجِزٌ عَنْ تَسْلِيمِهِ ، وَالْمَالِيَّةُ فِي الْآبِقِ ثَاوِيَةٌ فَهُوَ كَالْمَعْدُومِ حَقِيقَةً فِي الْمَنْعِ مِنْ الْبَيْعِ حَتَّى أَنَّهُ وَإِنْ عَادَ مِنْ إبَاقِهِ لَا يَتِمُّ ذَلِكَ الْعَقْدُ ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُصَادِفْ مَحَلَّهُ بِمَنْزِلَةِ مَا لَوْ بَاعَ الطَّيْرَ فِي الْهَوَاءِ ثُمَّ أَخَذَهُ إلَّا رِوَايَةً عَنْ مُحَمَّدٍ فَإِنَّهُ يَقُولُ : الْمِلْكُ وَالْمَالِيَّةُ بَعْدَ الْإِبَاقِ بَاقٍ حَقِيقَةً وَالْمَانِعُ كَانَ هُوَ الْعَجْزُ عَنْ التَّسْلِيمِ فَإِذَا زَالَ صَارَ كَأَنْ لَمْ يَكُنْ كَالرَّاهِنِ يَبِيعُ الْمَرْهُونَ ثُمَّ يَفْتِكُهُ قَبْلَ الْخُصُومَةِ

قَالَ وَلَوْ بَاعَ جَارِيَةً كَانَ قَدْ أَعْتَقَ مَا فِي بَطْنِهَا أَوْ بَاعَهَا وَاسْتَثْنَى مَا فِي بَطْنِهَا فَهَذَا فَاسِدٌ لَا يَجُوزُ ، وَقَدْ بَيَّنَّا هَذَا الْفَصْلَ فِي كِتَابِ الْهِبَةِ

قَالَ : وَلَوْ بَاعَ عَبْدًا مَغْضُوبًا فَالْبَيْعُ مَوْقُوفٌ فَإِنْ جَحَدَهُ الْغَاصِبُ وَلَمْ يَكُنْ لِلْمَغْصُوبِ مِنْهُ بَيِّنَةٌ لَمْ يَجُزْ الْبَيْعُ ؛ لِأَنَّهُ عَقْدٌ غَيْرُ مَقْدُورِ التَّسْلِيمِ لِلْعَاقِدِ وَلِأَنَّ الْمِلْكَ تَأَوَّى فِي حَقِّهِ وَجَوَازُ بَيْعِهِ بِاعْتِبَارِ الْمِلْكِ قَالَ ، وَإِنْ أَقَرَّ بِهِ فَإِنْ سَلَّمَهُ إلَيْهِ تَمَّ الْبَيْعُ ؛ لِأَنَّ مِلْكَهُ قَائِمٌ فِي الْمَحَلِّ بِإِقْرَارِ الْغَاصِبِ ، وَالْقُدْرَةُ عَلَى التَّسْلِيمِ ثَابِتَةٌ حِينَ سَلَّمَهُ الْغَاصِبُ فَإِنْ لَمْ يُسَلِّمْهُ الْغَاصِبُ حَتَّى تَلِفَ انْتَقَضَ الْبَيْعُ لِفَوَاتِ الْقَبْضِ الْمُسْتَحَقِّ بِالْعَقْدِ بِمَنْزِلَةِ مَا لَوْ كَانَ فِي يَدِ الْبَائِعِ فَهَلَكَ قَبْلَ أَنْ يَقْبِضَهُ الْمُشْتَرِي ، فَإِنْ قِيلَ : قَدْ وَجَبَتْ الْقِيمَةُ عَلَى الْغَاصِبِ وَالْمَبِيعِ إذَا فَاتَ وَأَخْلَفَ بَدَلًا يَبْقَى الْبَيْعُ كَمَا لَوْ قَبِلَهُ أَجْنَبِيٌّ قَبْلَ الْقَبْضِ قُلْنَا هَذَا إذَا وَجَبَ الْبَدَلُ بِسَبَبِ بُعْدِ الْبَيْعِ حَتَّى يُجْعَلَ قِيَامُ الْبَدَلِ كَقِيَامِ الْأَصْلِ فِي إبْقَاءِ حُكْمِ الْبَيْعِ فِيهِ وَهُنَا الْقِيمَةُ تَجِبُ فِي الْغَصْبِ السَّابِقِ عَلَى الْبَيْعِ بِدَلِيلِ أَنَّهُ يَعْتَبِرُ قِيمَتَهُ وَقْتَ الْغَصْبِ وَلَوْ تَعَيَّنَ الْبَيْعُ بِاعْتِبَارِهِ كَانَ هَذَا إثْبَاتَ حُكْمِ الْبَيْعِ فِي الْقِيمَةِ ابْتِدَاءً

وَكَذَلِكَ لَوْ كَانَ الْعَبْدُ رَهْنًا فَبَاعَهُ الرَّاهِنُ وَأَبَى الْمُرْتَهِنُ أَنْ يُجِيزَهُ لَمْ يَجُزْ الْبَيْعُ وَهُوَ مَوْقُوفٌ ؛ لِأَنَّ الرَّاهِنَ عَاجِزٌ عَنْ التَّسْلِيمِ فَإِنَّ حَقَّ الْمُرْتَهِنِ فِي الْحَبْسِ لَازِمٌ ثُمَّ فِي مَوْضِعٍ يَقُولُ : بِيَعُ الْمَرْهُونِ فَاسِدٌ وَفِي مَوْضِعٍ يَقُولُ : جَائِزٌ ، وَالصَّحِيحُ مَا ذَكَرَهُ هُنَا أَنَّهُ مَوْقُوفٌ ، وَتَأْوِيلُ قَوْلِهِ فَاسِدٌ يُفْسِدُهُ الْقَاضِي إذَا خُوصِمَ فِيهِ وَطَلَبَ الْمُشْتَرِي التَّسْلِيمَ إلَيْهِ وَمَنَعَ الْمُرْتَهِنُ ذَلِكَ فَتَأْوِيلُ قَوْلِهِ جَائِزٌ إذَا اجْتَازَهُ الْمُرْتَهِنُ وَسَلَّمَهُ إلَيْهِ .
وَإِذَا لَمْ يُجِزْ الْمُرْتَهِنُ وَفَسَخَهُ فَفِيهِ رِوَايَتَانِ فَفِي إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ يَنْفَسِخُ الْبَيْعُ حَتَّى لَوْ افْتَكَّهُ الرَّاهِنُ فَلَا سَبِيلَ لِلْمُشْتَرِي عَلَيْهِ ؛ لِأَنَّ حَقَّ الْمُرْتَهِنِ بِمَنْزِلَةِ الْمِلْكِ وَمَنْ بَاعَ مِلْكَ الْغَيْرِ فَإِنْ أَجَازَهُ الْمَالِكُ تَمَّ الْبَيْعُ وَإِنْ فَسَخَ انْفَسَخَ فَهَذَا مِثْلُهُ وَفِي أَصَحِّ الرِّوَايَتَيْنِ لَا يَنْفَسِخُ بِفَسْخِهِ حَتَّى لَوْ صَبَرَ الْمُشْتَرِي حَتَّى افْتَكَّهُ الرَّاهِنُ كَانَ لَهُ أَنْ يَأْخُذَهُ ، وَلَفْظُ الْكِتَابِ يَدُلُّ عَلَيْهِ فَإِنَّهُ قَالَ بَعْدَ إبَاءِ الْمُرْتَهِنِ وَهُوَ مَوْقُوفٌ وَهَذَا ؛ لِأَنَّ الْمُرْتَهِنَ لَا حَقَّ لَهُ فِي هَذَا الْعَقْدِ حَتَّى إذَا أَجَازَهُ كَانَ الْمُشْتَرِي مُتَمَلِّكًا عَلَى الرَّاهِنِ لَا عَلَى الْمُرْتَهِنِ بِخِلَافِ الْمَالِكِ ، فَإِنَّ هُنَاكَ إذَا أَجَازَ الْعَقْدَ كَانَ الْمُشْتَرِي مُتَمَلِّكًا عَلَيْهِ فَكَانَتْ لَهُ وِلَايَةُ الْفَسْخِ ، وَهُنَا لِلْمُرْتَهِنِ حَقُّ دَفْعِ الضَّرَرِ عَنْ نَفْسِهِ بِالْحَبْسِ إلَى أَنْ يَصِلَ إلَيْهِ دَيْنُهُ ، وَلَيْسَتْ لَهُ وِلَايَةُ فَسْخِ الْعَقْدِ ، إنَّمَا كَانَ ذَلِكَ إلَى الْقَاضِي إذَا خُوصِمَ وَعَجَزَ الْبَائِعُ عَنْ التَّسْلِيمِ فَإِنَّهُ يَفْسَخُ الْبَيْعَ لِقَطْعِ الْمُنَازَعَةِ فَمَا لَمْ يُوجَدْ ذَلِكَ كَانَ الْبَيْعُ مَوْقُوفًا

قَالَ رَجُلٌ بَاعَ سَمَكًا مَحْصُورًا فِي أَجَمَةٍ فَالْبَيْعُ بَاطِلٌ وَقَالَ ابْنُ أَبِي لَيْلَى : هُوَ جَائِزٌ إذَا كَانَ قَدْ أَخَذَهُ ثُمَّ أَرْسَلَهُ فِي الْأَجَمَةِ ؛ لِأَنَّ بِإِرْسَالِهِ لَا يَزُولُ مِلْكُهُ وَإِنْ كَانَ لَا يَتَمَكَّنُ مِنْ أَخْذِهِ إلَّا بِالصَّيْدِ وَلَكِنَّا نَسْتَدِلُّ بِمَا رُوِيَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ وَابْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا أَنَّهُمَا قَالَا لَا تَبِيعُوا السَّمَكَ فِي الْمَاءِ فَإِنَّهُ غَرَرٌ ثُمَّ إنْ كَانَ لَمْ يَأْخُذْهُ فَقَدْ بَاعَ مَا لَيْسَ بِمَمْلُوكٍ لَهُ وَالتَّمْلِيكُ لَا يَسْبِقُ الْمِلْكَ فَهُوَ كَبَيْعِ الطَّيْرِ فِي الْهَوَاءِ وَإِنْ كَانَ قَدْ أَخَذَهُ ثُمَّ أَرْسَلَهُ فَهُوَ آبِقٌ فِي الْمَاءِ فَبَيْعُهُ كَبَيْعِ الْآبِقِ وَأَنَّهُ لَا يَقْدِرُ عَلَى تَسْلِيمِهِ إلَّا بِاكْتِسَابِ سَبَبٍ يَثْبُتُ ابْتِدَاءُ الْمِلْكِ بِهِ وَهُوَ الِاصْطِيَادُ فَكَانَ هَذَا فِي مَعْنَى الْأَوَّلِ .
قَالَ : وَإِنْ كَانَ فِي وِعَاءٍ أَوْ جُبٍّ يَقْدِرُ عَلَيْهِ بِغَيْرِ صَيْدٍ فَبَيْعُهُ جَائِزٌ عِنْدَنَا لِبَقَاءِ مِلْكِهِ وَقُدْرَتِهِ عَلَى التَّسْلِيمِ مِنْ غَيْرِ صَيْدٍ ، وَالْمُشْتَرِي بِالْخِيَارِ إذَا رَآهُ ، وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ وَأَصْلُهُ شِرَاءُ مَا لَمْ يَرَهُ ، وَبَيَانُهُ يَأْتِي - إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى - قَالَ : وَإِنْ كَانَ فِي بِرْكَةٍ يُمْكِنُ أَخْذُهُ مِنْ غَيْرِ صَيْدٍ فَإِنْ كَانَ أَخَذَهُ ثُمَّ أَرْسَلَهُ فِيهَا فَهُوَ كَالْجُبِّ وَإِنْ لَمْ يَأْخُذْهُ وَلَكِنَّهُ دَخَلَ مَعَ الْمَاءِ فَإِنْ سَدَّ مَوْضِعَ دُخُولِ الْمَاءِ حَتَّى صَارَ بِحَيْثُ لَا يَقْدِرُ عَلَى الْخُرُوجِ فَقَدْ صَارَ آخِذٌ لَهُ بِمَنْزِلَةِ مَا لَوْ وَقَعَ فِي شَبَكَةٍ فَيَجُوزُ بَيْعُهُ وَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ ذَلِكَ لَمْ يَجُزْ بَيْعُهُ ؛ لِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُ السَّمَكَ بِدُخُولِهِ فِي الْبِرْكَةِ مَا لَمْ يَأْخُذْهُ وَلَمْ يُوجَدْ مِنْهُ الْأَخْذُ لَا حَقِيقَةً وَلَا حُكْمًا

قَالَ : وَإِذَا اشْتَرَى فَصًّا عَلَى أَنَّهُ يَاقُوتٌ فَإِذَا هُوَ غَيْرُ ذَلِكَ فَالْبَيْعُ فَاسِدٌ ، وَالْأَصْلُ فِي هَذَا الْجِنْسِ أَنَّ مَنْ جَمَعَ فِي كَلَامِهِ بَيْنَ الْإِشَارَةِ وَالتَّسْمِيَةِ فَإِنْ كَانَ الْمُشَارُ إلَيْهِ مِنْ خِلَافِ جِنْسِ الْمُسَمَّى فَالْبَيْعُ بَاطِلٌ ؛ لِأَنَّ انْعِقَادَ الْعَقْدِ بِالتَّسْمِيَةِ فَإِنَّ مَا يَنْعَقِدُ عَلَى الْمُسَمَّى وَهُوَ مَعْدُومٌ وَإِنْ كَانَ الْمُشَارُ إلَيْهِ مِنْ جِنْسِ الْمُسَمَّى فَالْبَيْعُ جَائِزٌ ؛ لِأَنَّ التَّسْمِيَةَ تَتَنَاوَلُ مَا وَقَعَتْ الْإِشَارَةُ إلَيْهِ فَكَانَتْ الْإِشَارَةُ مِنْ يَدِهِ مُؤَيِّدَةً لِلتَّسْمِيَةِ فَيَنْعَقِدُ الْعَقْدُ بِالْمُشَارِ إلَيْهِ وَهُوَ مَالٌ إلَّا أَنَّهُ إنْ كَانَ الْمُشَارُ إلَيْهِ دُونَ الْمُسَمَّى فَلِلْمُشْتَرِي الْخِيَارُ لِفَوَاتِ شَرْطِهِ كَمَا لَوْ اشْتَرَطَ فِي الْعَبْدِ عَلَى أَنَّهُ كَاتِبٌ فَوَجَدَهُ غَيْرَ كَاتِبٍ إذَا ثَبَتَ هَذَا فَنَقُولُ : إنْ كَانَ الْمُشَارُ إلَيْهِ زُجَاجًا فَالْبَيْعُ فَاسِدٌ لِانْعِدَامِ الْمُجَانَسَةِ وَإِنْ اسْتَهْلَكَهُ الْمُشْتَرِي فَعَلَيْهِ قِيمَتُهُ ؛ لِأَنَّهُ اسْتَهْلَكَ مِلْكَ الْغَيْرِ بِغَيْرِ إذْنِهِ سُمِّيَ يَقُوتًا أَحْمَرَ وَالْمُشَارُ إلَيْهِ أَصْفَرُ فَالْبَيْعُ جَائِزٌ وَلِلْمُشْتَرِي الْخِيَارُ لِفَوَاتِ صِفَةٍ مَشْرُوطَةٍ

وَكَذَلِكَ لَوْ اشْتَرَى ثَوْبًا عَلَى أَنَّهُ هَرَوِيٌّ فَإِذَا هُوَ مِنْ صِنْفٍ آخَرَ فَهُوَ فَاسِدٌ ؛ لِأَنَّ الثِّيَابَ أَجْنَاسٌ مُخْتَلِفَةٌ وَلَوْ اشْتَرَى شَخْصًا عَلَى أَنَّهُ عَبْدٌ فَإِذَا هُوَ جَارِيَةٌ فَالْبَيْعُ فَاسِدٌ عِنْدَنَا .
وَقَالَ زُفَرُ : جَائِزٌ وَلِلْمُشْتَرِي الْخِيَارُ ؛ لِأَنَّ بَنِي آدَمَ جِنْسٌ وَاحِدٌ ذُكُورُهُمْ وَإِنَاثُهُمْ كَسَائِرِ الْحَيَوَانِ وَلَوْ اشْتَرَى بَقَرَةً عَلَى أَنَّهَا أُنْثَى فَإِذَا هِيَ ثَوْرٌ كَانَ الْبَيْعُ جَائِزًا وَكَذَلِكَ الْإِبِلُ وَالْبَقَرُ وَالْغَنَمُ فَكَمَا يَتَفَاوَتُ الْمَقْصُودُ هُنَا فِي بَنِي آدَمَ بَيْنَ الذُّكُورِ وَالْإِنَاثِ يَتَفَاوَتُ هُنَاكَ ، يُوَضِّحُهُ أَنَّهُ لَوْ اشْتَرَى عَبْدًا عَلَى أَنَّهُ تُرْكِيٌّ فَإِذَا هُوَ رُومِيٌّ أَوْ سِنْدِيٌّ جَازَ الْبَيْعُ وَبَيْنَهُمَا تَفَاوُتٌ فِيمَا هُوَ الْمَقْصُودُ وَهُوَ الْمَالِيَّةُ وَحُجَّتُنَا فِي ذَلِكَ أَنَّ الذُّكُورَ وَالْإِنَاثَ مِنْ بَنِي آدَمَ فِي حُكْمِ جِنْسَيْنِ ؛ لِأَنَّ مَا هُوَ الْمَقْصُودُ بِأَحَدِهِمَا لَا يَحْصُلُ بِالْآخَرِ فَالْمَقْصُودُ بِالْجَارِيَةِ الِاسْتِفْرَاشُ وَالِاسْتِيلَادُ وَشَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ لَا يَحْصُلُ بِالْغُلَامِ فَكَانَ التَّفَاوُتُ بَيْنَهُمَا فِي الْمَقْصُودِ أَبْلَغَ مِنْ التَّفَاوُتِ بَيْنَ الْحِنْطَةِ وَالشَّعِيرِ وَبَيْنَ الْهَرَوِيِّ وَالْمَرْوِيِّ مِنْ الثِّيَابِ وَبِهِ فَارَقَ سَائِرَ الْحَيَوَانَاتِ ؛ لِأَنَّ مَا هُوَ الْمَقْصُودُ بِالْعَيْنِ فِيهِمَا لَا يَتَفَاوَتُ فِي الذُّكُورِ وَالْإِنَاثِ وَذَلِكَ اللَّحْمُ أَوْ الِانْتِفَاعُ مِنْ حَيْثُ الرُّكُوبُ أَوْ الْحَمْلُ عَلَيْهِ ، وَإِنَّمَا التَّفَاوُتُ فِي صِفَةِ الْمَقْصُودِ لَا فِي أَصْلِهِ فَكَانَ جِنْسًا وَاحِدًا كَذَلِكَ ذَكَرَ فِي الْأَصْلِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ

بَابُ الْبُيُوعِ إذَا كَانَ فِيهَا شَرْطٌ قَالَ : إذَا اشْتَرَى عَبْدًا عَلَى أَنَّهُ لَا يَبِيعُهُ وَلَا يَهَبُهُ وَلَا يَتَصَدَّقُ بِهِ فَالْبَيْعُ فَاسِدٌ عِنْدَنَا وَقَالَ ابْنُ أَبِي لَيْلَى : الْبَيْعُ جَائِزٌ وَالشَّرْطُ بَاطِلٌ وَقَالَ ابْنُ سِيرِينَ : الْبَيْعُ جَائِزٌ وَالشَّرْطُ صَحِيحٌ ، وَحُكِيَ عَنْ عَبْدِ الْوَارِثِ بْنِ سَعِيدٍ قَالَ حَجَجْتُ فَدَخَلْتُ بِمَكَّةَ عَلَى أَبِي حَنِيفَةَ وَسَأَلْتُهُ عَنْ الْبَيْعِ بِالشَّرْطِ فَقَالَ : بَاطِلٌ فَخَرَجْتُ مِنْ عِنْدِهِ وَدَخَلْتُ عَلَى ابْنِ أَبِي لَيْلَى وَسَأَلْتُهُ عَنْ ذَلِكَ فَقَالَ : الْبَيْعُ جَائِزٌ وَالشَّرْطُ بَاطِلٌ فَدَخَلْتُ عَلَى ابْنِ سِيرِينَ وَسَأَلْتُهُ عَنْ ذَلِكَ فَقَالَ : الْبَيْعُ جَائِزٌ وَالشَّرْطُ جَائِزٌ ، فَقُلْتُ : هَؤُلَاءِ مِنْ فُقَهَاءِ الْكُوفَةِ وَقَدْ اخْتَلَفُوا عَلَيَّ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ كُلَّ الِاخْتِلَافِ فَعَجَّزَنِي أَنْ أَسْأَلَ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ عَنْ حُجَّتِهِ فَدَخَلْتُ عَلَى أَبِي حَنِيفَةَ فَأَعَدْتُ السُّؤَالَ عَلَيْهِ فَأَعَادَ جَوَابَهُ فَقُلْتُ : إنَّ صَاحِبَيْكَ يُخَالِفَانِكَ فَقَالَ لَا أَدْرِي مَا قَالَا حَدَّثَنِي عَمْرُو بْنُ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنْ بِيَعٍ وَشَرْطٍ فَدَخَلْتُ عَلَى ابْنِ أَبِي لَيْلَى فَقُلْتُ لَهُ مِثْلَ ذَلِكَ فَقَالَ : لَا أَدْرِي مَا قَالَ حَدَّثَنِي هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّهَا { لَمَّا أَرَادَتْ أَنْ تَشْتَرِيَ بَرِيرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَبَى مَوَالِيهَا إلَّا بِشَرْطِ أَنْ يَكُونَ الْوَلَاءُ لَهُمْ فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَسَلَامُهُ اشْتَرِي وَاشْتَرِطِي لَهُمْ الْوَلَاءَ فَإِنَّ الْوَلَاءَ لِمَنْ أَعْتَقَ ثُمَّ خَطَبَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ : مَا بَالُ أَقْوَامٍ يَشْتَرِطُونَ شُرُوطًا لَيْسَتْ فِي كِتَابِ اللَّهِ كُلُّ شَرْطٍ لَيْسَ فِي كِتَابِ اللَّهِ فَهُوَ بَاطِلٌ ، كِتَابُ اللَّهِ أَحَقُّ وَشَرْطُ اللَّهِ أَوْثَقُ وَالْوَلَاءُ لِمَنْ أَعْتَقَ } فَدَخَلْتُ عَلَى ابْنِ سِيرِينَ وَقُلْتُ

لَهُ مِثْلَ ذَلِكَ فَقَالَ : لَا أَدْرِي مَا قَالَا حَدَّثَنِي مُحَارِبُ بْنُ دِثَارٍ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْأَنْصَارِيِّ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ { أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اشْتَرَى مِنْهُ نَاقَةً فِي بَعْضِ الْغَزَوَاتِ وَشَرَطَ لَهُ ظَهْرَهَا إلَى الْمَدِينَةِ } ، وَالصَّحِيحُ مَا اسْتَدَلَّ بِهِ أَبُو حَنِيفَةَ فَإِنَّهُ حَدِيثٌ مَشْهُورٌ ، وَمُطْلَقُ النَّهْيِ يُوجِبُ فَسَادَ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ ، فَأَمَّا حَدِيثُ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ فَقَدْ .
قَالَ أَبُو يُوسُفَ : أَوْهَمَ هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ مَا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اشْتَرِطِي لَهُمْ الْوَلَاءَ ؛ لِأَنَّ هَذَا أَمْرٌ بِالْغُرُورِ وَلَا يُظَنُّ بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَلِكَ وَلَوْ صَحَّ فَتَأْوِيلُهُ اشْتَرِطِي الْوَلَاءَ عَلَيْهِمْ وَاللَّامُ تُذْكَرُ بِمَعْنَى عَلَى قَالَ اللَّهُ تَعَالَى { أُولَئِكَ لَهُمْ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ } أَوْ مَعْنَاهُ أَعْلِمِيهِمْ مَعْنَى الْوَلَاءِ فَالِاشْتِرَاطُ فِي اللُّغَةِ الْأَعْلَامُ وَمِنْهُ أَشْرَاطُ السَّاعَةِ قَالَ الْقَائِلُ فَأَشْرَطَ فِيهَا نَفْسَهُ وَهُوَ مُعْصَمٌ وَأَلْقَى بِأَسْبَابٍ لَهُ وَتَوَكَّلَا أَيْ جَعَلَ نَفْسَهُ عَلَمًا لِذَلِكَ الْأَمْرِ ، وَتَأْوِيلُ حَدِيثِ جَابِرٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ أَنَّ ذَلِكَ لَمْ يَكُنْ شَرْطًا فِي الْبَيْعِ عَلَى أَنَّ مَا جَرَى بَيْنَهُمَا لَمْ يَكُنْ بَيْعًا حَقِيقَةً ، وَإِنَّمَا كَانَ ذَلِكَ مِنْ حُسْنِ الْعِشْرَةِ وَالصُّحْبَةِ فِي السَّفَرِ ، وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ قِصَّةُ الْحَدِيثِ فَإِنَّ جَابِرًا رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ قَالَ { كَانَتْ لِي نَاقَةٌ ثِغَالٌ فَقَامَتْ عَلَيَّ فِي بَعْضِ الطَّرِيقِ فَأَدْرَكَنِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ مَا بَالُكَ يَا جَابِرُ فَقُلْتُ جَرَى أَنْ لَا يَكُونَ لِي إلَّا نَاقَةٌ ثِغَالٌ فَنَزَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ رَاحِلَتِهِ فَدَعَا بِمَاءٍ وَرَشَّهُ فِي وَجْهِ نَاقَتِي ثُمَّ قَالَ ارْكَبْهَا فَرَكِبْتُهَا فَجَعَلَتْ تَسْبِقُ كُلَّ رَاحِلَةٍ - الْحَدِيثَ

- إلَّا أَنْ قَالَ أَتَبِيعُنِي نَاقَتَكَ بِأَرْبَعِمِائَةِ دِرْهَمٍ فَقُلْتُ : هِيَ لَك يَا رَسُولَ اللَّهِ وَلَكِنْ مَنْ لِي بِالْحِمْلِ إلَى الْمَدِينَةِ فَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : لَك ظَهْرُهَا إلَى الْمَدِينَةِ فَاشْتَرَاهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِأَرْبَعِمِائَةِ دِرْهَمٍ فَلَمَّا قَدِمْتُ الْمَدِينَةَ جِئْتُ بِالنَّاقَةِ إلَى بَابِ الْمَسْجِدِ وَدَخَلْتُ الْمَسْجِدَ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : أَيْنَ النَّاقَةُ قُلْتُ : بِالْبَابِ فَقَالَ : جِئْتَ لِطَلَبِ الثَّمَنِ فَسَكَتَ فَأَمَرَ بِلَالًا رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ فَأَعْطَانِي أَرْبَعَ مِائَةِ دِرْهَمٍ فَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : خُذْهَا مَعَ النَّاقَةِ فِيمَا لَكَ بَارَكَ اللَّهُ لَكَ فِيهِمَا } وَبِهَذَا يَتَبَيَّنُ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ بَيْنَهُمَا بِيَعٌ .
ثُمَّ الشَّرْطُ فِي الْبَيْعِ عَلَى أَوْجُهٍ إمَّا أَنْ يَشْتَرِطَ شَرْطًا يَقْتَضِهِ الْعَقْدُ كَشَرْطِ الْمِلْكِ لِلْمُشْتَرِي فِي الْمَبِيعِ أَوْ شَرْطِ تَسْلِيمِ الثَّمَنِ أَوْ تَسْلِيمِ الْمَبِيعِ فَالْبَيْعُ جَائِزٌ ؛ لِأَنَّ هَذَا بِمُطْلَقِ الْعَقْدِ يَثْبُتُ ، فَالشَّرْطُ لَا يَزِيدُهُ إلَّا وَكَادَةً وَإِنْ كَانَ شَرْطًا لَا يَقْتَضِيهِ الْعَقْدُ وَلَيْسَ فِيهِ عُرْفٌ ظَاهِرٌ فَذَلِكَ جَائِزٌ أَيْضًا كَمَا لَوْ اشْتَرَى نَعْلًا وَشِرَاكًا ، بِشَرْطِ أَنْ يَحْذُوَهُ الْبَائِعُ ؛ لِأَنَّ الثَّابِتَ بِالْعُرْفِ ثَابِتٌ بِدَلِيلٍ شَرْعِيٍّ ؛ وَلِأَنَّ فِي النُّزُوعِ عَنْ الْعَادَةِ الظَّاهِرَةِ حَرَجًا بَيِّنًا ، وَإِنْ كَانَ شَرْطًا لَا يَقْتَضِيهِ الْعَقْدُ .
وَلَيْسَ فِيهِ عُرْفٌ ظَاهِرٌ قَالَ : فَإِنْ كَانَ فِيهِ مَنْفَعَةٌ لِأَحَدِ الْمُتَعَاقِدَيْنِ فَالْبَيْعُ فَاسِدٌ ؛ لِأَنَّ الشَّرْطَ بَاطِلٌ فِي نَفْسِهِ وَالْمُنْتَفِعُ بِهِ غَيْرُ رَاضٍ بِدُونِهِ فَتَتَمَكَّنُ الْمُطَالَبَةُ بَيْنَهُمَا بِهَذَا الشَّرْطِ فَلِهَذَا فَسَدَ لَهُ الْبَيْعُ ، وَكَذَلِكَ إنْ كَانَ فِيهِ مَنْفَعَةٌ لِلْمَعْقُودِ عَلَيْهِ وَذَلِكَ نَحْوُ مَا بَيَّنَّا أَنَّهُ إذَا اشْتَرَى عَبْدًا عَلَى أَنَّهُ لَا يَبِيعُهُ فَإِنَّ الْعَقْدَ يُعْجِبُهُ أَنْ لَا تَتَنَاوَلَهُ

الْأَيْدِي ، وَتَمَامُ الْعَقْدِ بِالْمَعْقُودِ عَلَيْهِ حَتَّى لَوْ زَعَمَ أَنَّهُ حُرٌّ كَانَ الْبَيْعُ بَاطِلًا فَاشْتِرَاطُ مَنْفَعَتِهِ كَاشْتِرَاطِ مَنْفَعَةِ أَحَدِ الْمُتَعَاقِدَيْنِ .
قَالَ : وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ مَنْفَعَةٌ لِأَحَدٍ فَالشَّرْطُ بَاطِلٌ وَالْبَيْعُ صَحِيحٌ نَحْوُ مَا إذَا اشْتَرَى دَابَّةً أَوْ ثَوْبًا بِشَرْطِ أَنْ يَبِيعَ ؛ لِأَنَّهُ لَا مُطَالِبَ بِهَذَا الشَّرْطِ فَإِنَّهُ لَا مَنْفَعَةَ فِيهِ لِأَحَدٍ ، وَكَانَ لَغْوًا وَالْبَيْعُ صَحِيحٌ إلَّا فِي رِوَايَةٍ عَنْ أَبِي يُوسُفَ قَالَ : يَبْطُلُ بِهِ الْبَيْعُ نَصَّ عَلَيْهِ فِي آخِرِ الْمُزَارَعَةِ ؛ لِأَنَّ فِي هَذَا الشَّرْطِ ضَرَرًا عَلَى الْمُشْتَرِي مِنْ حَيْثُ إنَّهُ يَتَعَذَّرُ عَلَيْهِ التَّصَرُّفُ فِي مِلْكِهِ وَالشَّرْطُ الَّذِي فِيهِ ضَرَرٌ كَالشَّرْطِ الَّذِي فِيهِ مَنْفَعَةٌ لِأَحَدِ الْمُتَعَاقِدَيْنِ وَلَكِنَّا نَقُولُ : لَا مُعْتَبَرَ بِعَيْنِ الشَّرْطِ بَلْ بِالْمُطَالَبَةِ بِهِ وَالْمُطَالَبَةُ تَتَوَجَّهُ بِالْمَنْفَعَةِ فِي الشَّرْطِ دُونَ الضَّرَرِ

قَالَ وَإِذَا اشْتَرَى عَبْدًا عَلَى أَنَّهُ يُعْتِقُهُ فَالْبَيْعُ فَاسِدٌ ، وَرَوَى الْحَسَنُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُمَا اللَّهُ - أَنَّ الْبَيْعَ جَائِزٌ بِهَذَا الشَّرْطِ وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ لِحَدِيثِ بَرِيرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا فَإِنَّهَا جَاءَتْ إلَى عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا تَسْتَعِينُهَا فِي الْمُكَاتَبَةِ قَالَتْ إنْ شِئْتِ عَدَدْتُهَا لِأَهْلِكِ وَأَعْتِقُكِ فَرَضِيَتْ بِذَلِكَ فَاشْتَرَتْهَا وَأَعْتَقَتْهَا ، وَإِنَّمَا اشْتَرَتْهَا بِشَرْطِ الْعِتْقِ ، وَقَدْ أَجَازَ ذَلِكَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَهَا وَلِأَنَّ الشِّرَاءَ بِشَرْطِ الْإِعْتَاقِ مُتَعَارَفٌ بَيْنَ النَّاسِ ؛ لِأَنَّ بَيْعَ الْعَبْدِ سِمَةٌ مُتَعَارَفٌ فِي الْوَصَايَا وَغَيْرِهِ وَتَفْسِيرُهُ الْبَيْعُ بِشَرْطِ الْعِتْقِ وَلِأَنَّ الْعِتْقَ فِي الْمَبِيعِ قُبِضَ حَتَّى إذَا أَعْتَقَ الْمُشْتَرِي الْمَبِيعَ قَبْلَ الْقَبْضِ صَارَ قَابِضًا ، وَالْقَبْضُ مِنْ أَحْكَامِ الْعَقْدِ فَاشْتِرَاطُهُ فِي الْعَقْدِ يُلَائِمُ الْعَقْدَ وَلَا يُفْسِدُهُ وَحُجَّتُنَا فِي ذَلِكَ نَهْيُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ بَيْعٍ وَشَرْطٍ ؛ وَلِأَنَّ فِي هَذَا الشَّرْطِ مَنْفَعَةً لِلْمَعْقُودِ عَلَيْهِ ، وَالْعَقْدُ لَا يَقْتَضِيهِ فَيَفْسُدُ بِهِ الْعَقْدُ كَمَا لَوْ شَرَطَ أَنْ لَا يَبِيعَ يُوَضِّحُهُ أَنَّهُ لَوْ شَرَطَ فِي الْجَارِيَةِ أَنْ يَسْتَوْلِدَهَا أَوْ فِي الْعَبْدِ أَنْ يُدَبِّرَهُ كَانَ الْعَقْدُ فَاسِدًا فَإِذَا كَانَ اشْتِرَاطُ حَقِّ الْعِتْقِ لَهَا يُفْسِدُ الْبَيْعَ فَاشْتِرَاطُ حَقِيقَةِ الْعِتْقِ أَوْلَى وَدَعْوَاهُ أَنَّ هَذَا الشَّرْطَ يُلَائِمُ الْعَقْدَ لَا مَعْنَى لَهُ فَإِنَّ الْبَيْعَ مُوجِبٌ لِلْمِلْكِ وَالْعِتْقَ مُبْطِلٌ لَهُ فَكَيْفَ يَكُونُ بَيْنَهُمَا مُلَاءَمَةٌ ، ثُمَّ هَذَا الشَّرْطُ يَمْنَعُ اسْتِدَامَةَ الْمِلْكِ فَيَكُونُ ضِدَّ مَا هُوَ الْمَقْصُودُ بِالْعَقْدِ وَبَيْعُ الْعَبْدِ لِسِمَةٍ لَا يَكُونُ بِشَرْطِ الْعِتْقِ بَلْ يَكُونُ ذَلِكَ وَعْدًا مِنْ الْمُشْتَرِي ، ثُمَّ الْبَيْعُ بِعَقْدٍ مُطْلَقًا وَهُوَ تَأْوِيلُ حَدِيثِ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا فَإِنَّهَا اشْتَرَتْ بَرِيرَةَ رَضِيَ

اللَّهُ عَنْهَا مُطْلَقًا وَوَعَدَتْ لَهَا أَنَّ تُعْتِقَهَا لِتَرْضَى هِيَ بِذَلِكَ فَإِنَّ بَيْعَ الْمُكَاتَبَةِ لَا يَجُوزُ بِغَيْرِ رِضَاهَا فَإِنْ اسْتَهْلَكَهُ الْمُشْتَرِي فَعَلَيْهِ قِيمَتُهُ لِأَنَّهُ قَبَضَهُ بِعَقْدٍ فَاسِدٍ فَيَكُونُ مَضْمُونًا بِالْقِيمَةِ عِنْدَ تَعَذُّرِ رَدِّ الْعَيْنِ .
وَإِنْ أَعْتَقَهُ فَعَلَيْهِ الثَّمَنُ الْمُسَمَّى فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ اسْتِحْسَانًا وَفِي قَوْلِهِمَا عَلَيْهِ قِيمَتُهُ وَهُوَ الْقِيَاسُ ؛ لِأَنَّهُ قَبَضَهُ بِعَقْدٍ فَاسِدٍ وَقَدْ تَعَذَّرَ رَدُّهُ بِإِعْتَاقِهِ فَيَلْزَمُهُ قِيمَتُهُ كَمَا لَوْ تَعَذَّرَ بَيْعُهُ أَوْ اسْتِهْلَاكُهُ بِوَجْهٍ آخَرَ يُوَضِّحُهُ أَنَّهُ لَوْ اشْتَرَاهَا بِشَرْطِ التَّدْبِيرِ أَوْ الِاسْتِيلَادِ كَانَتْ مَضْمُونَةً عَلَيْهِ بِالْقِيمَةِ إذَا تَعَذَّرَ رَدُّهَا ثَانٍ وَفَّى بِذَلِكَ الشَّرْطِ فَكَذَا إذَا اشْتَرَى بِشَرْطِ الْعِتْقِ اعْتِبَارُ الْحَقِيقَةِ الْحُرْمَةُ بِحَقِيقَةِ الْعِتْقِ وَأَبُو حَنِيفَةَ اسْتَحْسَنَ فَقَالَ : زَالَ الْمُفْسِدُ قَبْلَ تَقَرُّرِهِ فَيَجِبُ الثَّمَنُ كَمَا لَوْ اشْتَرَاهُ بِأَجَلٍ مَجْهُولٍ ثُمَّ أَسْقَطَهُ قَبْلَ مُضِيِّهِ ، وَبَيَانُ ذَلِكَ أَنَّ الْحُكْمَ بِفَسَادِ هَذَا الْعَقْدِ كَانَ لِمَخَافَةِ أَنْ لَا يَفِيَ الْمُشْتَرِي بِالْعِتْقِ وَلِيَكُونَ فِي الْإِقْدَامِ عَلَى التَّصَرُّفِ فِي مِلْكِهِ مُخْتَارًا غَيْرَ مُجْبَرٍ عَلَيْهِ ، وَقَدْ زَالَ هَذَا الْمَعْنَى حِينَ أَقْدَمَ عَلَى إعْتَاقِهِ مُخْتَارًا ، وَحَقِيقَةُ الْمَعْنَى فِيهِ أَنَّ هَذَا الشَّرْطَ لَا يُلَائِمُ الْعَقْدَ بِنَفْسِهِ وَلَكِنْ يُلَائِمُ الْعَقْدَ بِحُكْمِهِ ؛ لِأَنَّ الْعِتْقَ يُنْهِي الْمِلْكَ فَإِنَّ الْمِلْكَ فِي بَنِي آدَمَ ثَابِتٌ إلَى الْعِتْقِ فَيَكُونُ الْعِتْقُ مَنْهِيًّا لَهُ وَإِنْهَاءُ الشَّيْءِ يُقَرِّرُهُ وَلِهَذَا لَوْ اشْتَرَى عَبْدًا فَأَعْتَقَهُ ثُمَّ اطَّلَعَ عَلَى عَيْبٍ بِهِ رَجَعَ بِنُقْصَانِ الْعَيْبِ بِخِلَافِ مَا إذَا بَاعَهُ ، وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ أَنَّ شِرَاءَ الْقَرِيبِ إعْتَاقٌ عَلَى مَعْنَى أَنَّهُ مُتَمِّمٌ عَلَيْهِ الْعِتْقَ وَهِيَ الْمِلْكُ فَكَانَ هَذَا الشَّرْطُ مُلَائِمًا بِحُكْمِهِ لِلْعَقْدِ وَبِصُورَتِهِ غَيْرُ مُلَائِمٍ ؛

أقسام الكتاب
1 2 3 4 5 6 7 8 9 10 11 12 13 14 15 16 17 18 19 20 21 22 23 24 25 26 27 28 29 30 31 32 33 34 35 36 37 38 39 40 41 42 43 44 45 46 47 48 49 50 51 52 53 54 55 56 57 58 59 60 61 62 63 64 65 66 67 68 69 70 71 72 73 74 75 76 77 78 79 80 81 82 83 84 85 86 87 88 89 90 91 92 93 94 95 96