كتاب : المبسوط
المؤلف : محمد بن أحمد بن أبي سهل شمس الأئمة السرخسي
فَيُؤَدِّي مِنْهُ الْكِتَابَةَ ، وَلَكِنْ لَا يُصَدَّقُ عَلَى جَرِّ الْوَلَاءِ ؛ لِأَنَّ إقْرَارَهُ لَيْسَ بِحُجَّةٍ فِي حَقِّ مَوَالِي الْأُمِّ وَلِأَنَّهُ مُتَّهَمٌ بِالْقَصْدِ إلَى إبْطَالِ حَقِّهِمْ فِي جَرِّ وَلَاءِ الْوَلَدِ
( قَالَ ) أَرَأَيْت لَوْ قَالَ الْمَوْلَى نَفْسُهُ هَذِهِ وَدِيعَةٌ عِنْدِي لِلْمُكَاتَبِ أَوْ أَقَرَّ لَهُ بِدَيْنٍ مِثْلِ الْكِتَابَةِ أَوْ قَالَ قَدْ كُنْت اسْتَوْفَيْت الْكِتَابَةَ قَبْلَ مَوْتِهِ أَكَانَ يُصَدَّقُ فِي جَرِّ وَلَاءِ الْوَلَدِ إلَيْهِ فَكَذَلِكَ غَيْرُهُ وَبِهَذَا تَبَيَّنَ أَنَّهُ إنْ تَبَرَّعَ إنْسَانٌ عَنْهُ بِقَضَاءِ الدَّيْنِ بَعْدَ مَوْتِهِ لَا يُحْكَمُ بِحُرِّيَّتِهِ بِخِلَافِ مَا ذَكَرَهُ ابْنُ سِمَاعَةَ فِي نَوَادِرِهِ وَهَذَا لِأَنَّ ذِمَّتَهُ بِالْمَوْتِ تَخْرُجُ مِنْ أَنْ تَكُونَ مَحَلًّا صَالِحًا لِبَدَلِ الْكِتَابَةِ فَلَا بُدَّ مِنْ خَلَفٍ يَبْقَى بِاعْتِبَارِهِ وَالْخَلَفُ مَالُهُ دُونَ أَمْوَالِ النَّاسِ عَادَةً فَإِذَا ظَهَرَ لَهُ مَالٌ فَقَدْ عَلِمْنَا بِوُجُودِ الْخَلَفِ ، وَإِذَا تَبَرَّعَ إنْسَانٌ بِالْأَدَاءِ فَلَا يَتَبَيَّنُ بِهِ وُجُودُ الْخَلَفِ وَقْتَ مَوْتِهِ فَلِهَذَا لَا يُحْكَمُ بِعِتْقِهِ فِي حَقِّ مَوَالِي الْأُمِّ وَيُجْعَلُ الْمُقِرُّ الْوَدِيعَةِ كَالْمُتَبَرِّعِ بِالْأَدَاءِ فِي حَقِّهِمْ ، وَإِذَا تَرَكَ الْمُكَاتَبُ أُمَّ وَلَدٍ لَيْسَ مَعَهَا وَلَدٌ بِيعَتْ فِي الْمُكَاتَبَةِ ، وَإِنْ كَانَ مَعَهَا وَلَدٌ سَعَتْ فِيهَا عَلَى الْأَجَلِ الَّذِي كَانَ لِلْمُكَاتَبِ صَغِيرًا كَانَ وَلَدُهَا أَوْ كَبِيرًا ، وَإِنْ كَانَ تَرَكَ مَالًا لَمْ يُؤَخَّرْ إلَى أَجَلِهِ وَصَارَ حَالًّا فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى حَالُ أُمِّ الْوَلَدِ بِغَيْرِ الْوَلَدِ كَحَالِهَا مَعَ الْوَلَدِ فِي جَمِيعِ ذَلِكَ حَتَّى يَسْعَى فِيهَا عَلَى الْأَجَلِ ، وَهَذَا بِنَاءٌ عَلَى أَنَّ عِنْدَهُمَا يَمْتَنِعُ عَلَى الْمُكَاتَبِ بَيْعُ أُمِّ وَلَدِهِ إذَا مَلَكَهَا سَوَاءٌ كَانَ مَعَهَا وَلَدٌ أَوْ لَمْ يَكُنْ ؛ لِأَنَّ ثُبُوتَ حَقِّهَا بِاعْتِبَارِ نَسَبِ الْوَلَدِ ، وَنَسَبُ الْوَلَدِ ثَابِتٌ مِنْهُ سَوَاءٌ مَلَكَ الْوَلَدَ مَعَهَا أَوْ لَمْ يَمْلِكْ أَلَا تَرَى أَنَّ الْحُرَّ إذَا مَلَكَ جَارِيَةً قَدْ وَلَدَتْ مِنْهُ تَصِيرُ أُمَّ وَلَدٍ لَهُ سَوَاءٌ مَلَكَ الْوَلَدَ مَعَهَا أَوْ لَمْ يَمْلِكْ فَكَذَلِكَ الْمُكَاتَبُ وَلَمَّا كَانَ فِي حَالِ حَيَاتِهِ
لَا يَخْتَلِفُ حَالُهَا بَيْنَ أَنْ يَكُونَ مَعَهَا وَلَدٌ أَوْ لَا يَكُونُ فَكَذَلِكَ بَعْدَ مَوْتِهِ وَأَمَّا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى إذَا مَلَكَهَا فِي حَالِ حَيَاتِهِ مَعَ الْوَلَدِ يَمْتَنِعُ بَيْعُهَا ، وَإِذَا مَلَكَهَا بِدُونِ الْوَلَدِ لَا يَمْتَنِعُ عَلَيْهِ بَيْعُهَا ؛ لِأَنَّ حَقَّهَا تَابِعٌ لِحَقِّ الْوَلَدِ وَثُبُوتُ التَّبَعِ بِثُبُوتِ الْأَصْلِ فَإِذَا لَمْ يَثْبُتْ الْأَصْلُ لَا يَثْبُتُ التَّبَعُ وَهَذَا لِأَنَّ حَقِيقَةَ أُمِّيَّةِ الْوَلَدِ لَا يَثْبُتُ لَهَا فِي حَالِ الْكِتَابَةِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ عَجَزَ الْمُكَاتَبُ كَانَتْ هِيَ أَمَةً قِنَّةً لِلْمَوْلَى بِخِلَافِ الْحُرِّ فَإِنَّ حَقِيقَةَ أُمِّيَّةِ الْوَلَدِ يَثْبُتُ لَهَا وَبِدُخُولِهَا فِي مِلْكِ الْمُكَاتَبِ لَا تَصِيرُ دَاخِلَةً فِي كِتَابَتِهِ تَبَعًا بِدَلِيلِ أَنَّهَا لَا تَعْتِقُ بِعِتْقِهِ فَعَرَفْنَا أَنَّ امْتِنَاعَ الْبَيْعِ إنَّمَا يَثْبُتُ فِيهَا تَبَعًا لِثُبُوتِهِ فِي الْوَلَدِ فَإِذَا لَمْ يَثْبُتْ فِي الْوَلَدِ بِأَنْ لَمْ يَمْلِكْ الْوَلَدُ مَعَهَا لَا يَثْبُتُ فِيهَا وَإِذَا ثَبَتَ هَذَا فِي حَيَاتِهِ فَكَذَلِكَ بَعْدَ الْمَوْتِ ، وَالْوَلَدُ الْمَوْلُودُ فِي الْكِتَابَةِ هُوَ الْأَصْلُ فِي بَقَاءِ الْأَجَلِ بِوُجُودِهِ فَإِذَا لَمْ يَكُنْ مَعَهَا الْوَلَدُ يَثْبُتُ الْأَجَلُ فِي حَقِّهَا تَبَعًا وَيَسْعَى عَلَى النُّجُومِ ، وَإِذَا لَمْ يَكُنْ مَعَهَا الْوَلَدُ لَا يَثْبُتُ الْأَجَلُ فِي حَقِّهَا فَتُبَاعُ فِي الْمُكَاتَبَةِ ثُمَّ الْوَلَدُ خَلَفٌ عَنْ الْمَالِ ؛ لِأَنَّ الْمَالَ كَسْبُ الْمُكَاتَبِ حَقِيقَةً فَأَمَّا كَسْبُ الْوَلَدِ فَهُوَ قَائِمٌ مَقَامَ كَسْبِ الْمُكَاتَبِ فِي أَدَاءِ الْبَدَلِ مِنْهُ فَلِهَذَا كَانَ الْمُعْتَبَرُ هُوَ الْمَالُ إذَا خَلَفَ مَالًا ، وَبِاعْتِبَارِ الْمَالِ لَا يَبْقَى الْأَجَلُ حَالًّا وُجِدَ الْوَلَدُ أَوْ لَمْ يُوجَدْ وَهَذَا لِأَنَّهُ لَا مَنْفَعَةَ لِلْمَيِّتِ وَلَا لِوَلَدِهِ فِي إبْقَاءِ الْأَجَلِ إذَا تَرَكَ وَفَاءً وَيَنْتَفِعُونَ بِبَقَاءِ الْأَجَلِ إذَا لَمْ يَتْرُكْ وَفَاءً لِيَكْتَسِبَ وَلَدُهُ فَيُؤَدِّي ، وَإِذَا تَرَكَ الْمُكَاتَبُ وَلَدَيْنِ وُلِدَا لَهُ فِي الْمُكَاتَبَةِ
وَعَلَيْهِ دَيْنٌ وَمُكَاتَبَةٌ سَعَيَا فِي جَمِيعِ ذَلِكَ لِقِيَامِهِمَا مَقَامَ الْأَبِ وَأَيُّهُمَا أَدَّاهُ لَمْ يَرْجِعْ عَلَى صَاحِبِهِ بِشَيْءٍ ؛ لِأَنَّ كَسْبَهُ لِأَبِيهِ مَا لَمْ يُحْكَمْ بِعِتْقِهِ فَيُجْعَلُ أَدَاؤُهُ مِنْ كَسْبِهِ كَأَدَائِهِ مِنْ مَالِ أَبِيهِ ، وَأَيُّهُمَا أَعْتَقَهُ الْمَوْلَى عَتَقَ كَمَا لَوْ أَعْتَقَهُ فِي حَيَاةِ أَبِيهِ وَعَلَى الْآخَرِ أَنْ يَسْعَى فِي جَمِيعِ الْمُكَاتَبَةِ الَّتِي بَقِيَتْ عَلَى الْأَبِ ؛ لِأَنَّ الْوَلَدَ الَّذِي عَتَقَ قَدْ اسْتَغْنَى عَنْ أَدَاءِ بَدَلِ الْكِتَابَةِ فَيُجْعَلُ كَالْمَعْدُومِ وَالْآخَرُ مُحْتَاجٌ إلَى بَدَلِ الْكِتَابَةِ فَكَأَنَّ الْمُكَاتَبَ لَمْ يَخْلُفْ إلَّا إيَّاهُ فَيَسْعَى فِي جَمِيعِ الْمُكَاتَبَةِ وَلِلْغُرَمَاءِ أَنْ يَأْخُذُوا أَيَّهمَا شَاءُوا بِجَمِيعِ الدَّيْنِ ؛ لِأَنَّهُمَا جَمِيعًا مَالُ الْمَيِّتِ وَقَدْ تَعَلَّقَ حَقُّ الْغُرَمَاءِ بِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَلَا تَرَى أَنَّهُمَا لَوْ عَجَزَا جَمِيعًا بُدِئَ بِقَضَاءِ الدَّيْنِ مِنْهُمَا وَإِعْتَاقُ الْمَوْلَى أَحَدِهِمَا مُعْتَبَرٌ فِي إسْقَاطِ حَقِّهِ عَنْهُ غَيْرُ مُعْتَبَرٍ فِي إسْقَاطِ حَقِّ الْغُرَمَاءِ عَنْ كَسْبِهِ فَلِهَذَا كَانَ لَهُمْ أَنْ يَأْخُذُوا أَيَّهمَا شَاءُوا بِجَمِيعِ الدَّيْنِ وَلَا يَرْجِعُ الَّذِي يُؤَدِّي مِنْهُمَا عَلَى صَاحِبِهِ ؛ لِأَنَّ أَدَاءَهُ مِنْ مَالِ الْمَيِّتِ حُكْمًا فَكَأَنَّهُ أَدَّى مِنْ مَالِ الْمَيِّتِ حَقِيقَةً وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ وَإِلَيْهِ الْمَرْجِعُ وَالْمَآبُ .
بَابُ جِنَايَةِ رَقِيقِ الْمُكَاتَبِ وَوَلَدِهِ ( قَالَ ) رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَإِذَا قَتَلَ عَبْدُ الْمُكَاتَبِ رَجُلًا خَطَأً قِيلَ لِلْمُكَاتَبِ ادْفَعْهُ أَوْ افْدِهِ بِالدِّيَةِ ؛ لِأَنَّهُ أَحَقُّ بِكَسْبِهِ مُسْتَبِدٌّ بِالتَّصَرُّفِ فِيهِ كَالْحُرِّ أَلَا تَرَى أَنَّهُ مَلَكَ بَيْعَهُ فَكَذَلِكَ يُخَاطَبُ بِدَفْعِهِ بِالْجِنَايَةِ بِخِلَافِ نَفْسِهِ وَوَلَدِهِ الَّذِينَ لَا يَسْتَطِيعُ بَيْعَهُمْ فَإِنَّهُمْ دَاخِلُونَ فِي كِتَابَتِهِ فَلَا يُمْكِنُهُ دَفْعُهُمْ بِالْجِنَايَةِ كَمَا لَا يُمْكِنُهُ بَيْعُهُمْ وَلِأَنَّ مَنْ دَخَلَ فِي كِتَابَتِهِ فَهُوَ مِلْكٌ لِمَوْلَاهُ كَنَفْسِهِ
وَإِذَا قَتَلَ عَبْدُهُ رَجُلًا عَمْدًا فَلَهُ أَنْ يُصَالِحَ عَنْهُ ؛ لِأَنَّهُ مُسْتَبِدٌّ بِالتَّصَرُّفِ فِيهِ فَلَهُ أَنْ يُصَالِحَ عَنْ جِنَايَتِهِ عَلَى مَالٍ يُؤَدِّيه لِتَسْلَمَ لَهُ نَفْسُهُ كَمَا لِلْحُرِّ ذَلِكَ فِي مِلْكِهِ ثُمَّ يُؤْخَذُ بِهِ وَإِنْ عَجَزَ ؛ لِأَنَّهُ مَالٌ الْتَزَمَهُ بِتَصَرُّفٍ مَمْلُوكٍ بِهِ بِسَبَبِ عَقْدِ الْكِتَابَةِ فَيُؤْخَذُ لَهُ بَعْدَ الْعَجْزِ بِمَنْزِلَةِ مَا يَلْتَزِمُهُ بِالشِّرَاءِ
وَإِنْ جَنَتْ أَمَتُهُ جِنَايَةً خَطَأً فَبَاعَهَا أَوْ وَطِئَهَا فَوَلَدَتْ مِنْهُ وَهُوَ يَعْلَمُ بِالْجِنَايَةِ فَهَذَا مِنْهُ اخْتِيَارٌ وَعَلَيْهِ الْأَرْشُ ؛ لِأَنَّهُ مَنَعَ الدَّفْعَ بِالْبَيْعِ وَالِاسْتِيلَادِ وَمَنْ خُوطِبَ بِالدَّفْعِ أَوْ الْفِدَاءِ إذَا امْتَنَعَ مِنْ الدَّفْعِ بَعْدَ الْعِلْمِ كَانَ مُخْتَارًا لِلْفِدَاءِ بَعْدَ الْعِلْمِ كَالْحُرِّ
وَإِنْ قَتَلَهُ عَبْدٌ لَهُ عَمْدًا فَالْعَبْدُ فِي قَتْلِ مَوْلَاهُ عَمْدًا كَأَجْنَبِيٍّ آخَرَ فِي وُجُوبِ الْقِصَاصِ عَلَيْهِ كَالْحُرِّ إذَا قَتَلَهُ عَبْدُهُ فَالْمُكَاتَبُ مِثْلُهُ .
ثُمَّ الْمُكَاتَبُ إذَا قُتِلَ عَمْدًا فَهُوَ عَلَى ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ إنْ لَمْ يَتْرُكْ وَفَاءً فَالْقِصَاصُ وَاجِبٌ لِلْمَوْلَى ؛ لِأَنَّهُ عَبْدُهُ حِينَ مَاتَ عَاجِزًا فَلَهُ أَنْ يَسْتَوْفِيَ الْقِصَاصَ مِنْ قَاتِلِهِ ، وَإِنْ تَرَكَ وَفَاءً وَلَهُ وَارِثٌ سِوَى الْمَوْلَى فَلَا قِصَاصَ عَلَى الْقَاتِلِ لِاشْتِبَاهِ مَنْ يَسْتَوْفِيهِ فَإِنَّ عَلَى قَوْلِ عَلِيٍّ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا يَمُوتُ حُرًّا فَيَكُونُ اسْتِيفَاءُ الْقِصَاصِ لِوَارِثِهِ وَعَلَى قَوْلِ زَيْدٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يَمُوتُ عَبْدًا فَيَكُونُ حَقُّ اسْتِيفَاءِ الْقِصَاصِ لِلْمَوْلَى وَاخْتِلَافُ الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ يُمْكِنُ شُبْهَةً مُعْتَبَرَةً ، وَمَعَ انْعِدَامِ الْمُسْتَوْفِي لَا يَجِبُ الْقِصَاصُ ؛ لِأَنَّ الْوُجُوبَ فِي الْقِصَاصِ غَيْرُ مَقْصُودٍ بِنَفْسِهِ بَلْ الْمَقْصُودُ الِاسْتِيفَاءُ ؛ لِأَنَّ الزَّجْرَ يَحْصُلُ بِهِ ، وَكَذَلِكَ لَوْ اجْتَمَعَا لَمْ يَكُنْ لَهُمَا اسْتِيفَاءُ الْقِصَاصِ ؛ لِأَنَّ بِأَصْلِ الْفِعْلِ لَمْ يَجِبْ الْقِصَاصُ لِاشْتِبَاهِ الْمُسْتَوْفِي فَلَا يَجِبُ بَعْدَ ذَلِكَ بِتَرَاضِيهِمَا ، وَإِنْ قُتِلَ وَلَا وَارِثَ لَهُ سِوَى الْمَوْلَى فَعَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى يَجِبُ الْقِصَاصُ لِمَوْلَاهُ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى لَا يَجِبُ ؛ لِأَنَّ سَبَبَ ثُبُوتِ حَقِّ الِاسْتِيفَاءِ لَهُ مُشْتَبَهٌ فَإِنَّ الْكِتَابَةَ إنْ انْفَسَخَتْ كَمَا قَالَ زَيْدٌ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَإِنَّمَا يَسْتَوْفِيهِ بِالْمِلْكِ ، وَإِنْ بَقِيَتْ كَمَا قَالَهُ عَلِيٌّ وَعَبْدُ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا فَإِنَّمَا يَسْتَوْفِيهِ بِالْإِرْثِ بِالْوَلَاءِ وَاشْتِبَاهُ السَّبَبِ مُعْتَبَرٌ فِيمَا يَنْدَرِئُ بِالشُّبُهَاتِ كَاشْتِبَاهِ الْمُسْتَوْفِي .
أَلَا تَرَى أَنَّ أَمَةَ إنْسَانٍ إذَا كَانَتْ فِي يَدِ غَيْرِهِ فَقَالَ ذُو الْيَدِ زَوَّجْتَنِيهَا بِكَذَا وَقَالَ الْمَوْلَى بَلْ بِعْتهَا مِنْك بِكَذَا لَمْ يَحِلَّ لَهُ أَنْ يَطَأهَا لِاخْتِلَافِهِمَا فِي سَبَبِ ثُبُوتِ حِلِّ الْوَطْءِ لَهُ ، وَإِنْ اتَّفَقَا عَلَى أَنَّ الْوَطْءَ لَهُ حَلَالٌ ، وَلَكِنْ مِنْ
قِبَلِ أَنَّ حِلَّ الْوَطْءِ لَا يَثْبُتُ مَعَ الشُّبُهَاتِ فَاشْتِبَاهُ السَّبَبِ يَكُونُ مَانِعًا مِنْ ثُبُوتِهِ ، وَهُمَا يَقُولَانِ : تَيَقَّنَّا بِثُبُوتِ حَقِّ اسْتِيفَاءِ الْقِصَاصِ لِلْمَوْلَى ، فَيَجِبُ الْقِصَاصُ وَيَتَمَكَّنُ مِنْ اسْتِيفَائِهِ كَمَا لَوْ قُتِلَ عَاجِزًا وَهَذَا لِأَنَّ الْأَسْبَابَ غَيْرُ مَطْلُوبَةٍ لِأَعْيَانِهَا بَلْ لِإِحْكَامِهَا أَلَا تَرَى أَنَّ مَنْ قَالَ لِغَيْرِهِ لِي عَلَيْك أَلْفُ دِرْهَمٍ غَصْبًا وَقَالَ الْآخَرُ بَلْ قَرْضًا وَجَبَ الْمَالُ وَلَا يُنْظَرُ لِاخْتِلَافِهِمَا فِي السَّبَبِ لَمَّا اتَّفَقَا عَلَى وُجُوبِ الْمَالِ فَكَذَا هُنَا لَا يُعْتَبَرُ الِاشْتِبَاهُ فِي السَّبَبِ بَعْدَ مَا تَعَيَّنَ الْمَوْلَى مُسْتَوْفِيًا بِأَيِّ السَّبَبَيْنِ كَانَ ، بِخِلَافِ مَا إذَا تَرَكَ وَارِثًا ؛ لِأَنَّ الْمَوْلَى هُنَاكَ لَمْ يَتَعَيَّنْ مُسْتَوْفِيًا مَعَ اشْتِبَاهِ الْمُسْتَوْفِي لِتَعَذُّرِ الِاسْتِيفَاءِ وَبِخِلَافِ مَسْأَلَةِ الْوَطْءِ ؛ لِأَنَّا لَمْ نَتَيَقَّنْ هُنَاكَ بِثُبُوتِ الْحِلِّ لَهُ لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا كَاذِبًا فِيمَا يَدَّعِي مِنْ السَّبَبِ وَلِأَنَّ السَّبَبَ هُنَاكَ حُكْمِيٌّ وَلَا يَثْبُتُ وَاحِدٌ مِنْ السَّبَبَيْنِ بِقَوْلِ أَحَدِ الْخَصْمَيْنِ مَعَ تَكْذِيبِ صَاحِبِهِ وَبِدُونِ ثُبُوتِ سَبَبِ الْحِلِّ لَا يَثْبُتُ الْحِلُّ وَهُنَا السَّبَبُ الْمُوجِبُ لِلْقَوَدِ وَهُوَ الْعَمْدُ الْمَحْضُ مُتَيَقَّنٌ بِهِ وَثُبُوتُ حَقِّ اسْتِيفَاءِ الْمَوْلَى مُتَيَقَّنٌ بِهِ أَيْضًا ، إمَّا بِاعْتِبَارِ الْمِلْكِ أَوْ الْوَلَاءِ فَلِهَذَا يُمَكَّنُ مِنْ الِاسْتِيفَاءِ
وَإِذَا اسْتَهْلَكَ عَبْدُ الْمُكَاتَبِ مَالًا فَهُوَ دَيْنٌ فِي عُنُقِهِ يُبَاعُ فِيهِ لِظُهُورِ سَبَبِهِ فِي حَقِّ الْمُكَاتَبِ
وَإِنْ جَنَى عَبْدُهُ ثُمَّ عَتَقَ الْمُكَاتَبُ فَهُوَ عَلَى خِيَارِهِ ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا كَانَ مُخَيَّرًا بَيْنَ الدَّفْعِ وَالْفِدَاءِ بِاعْتِبَارِ مِلْكِهِ وَقَدْ تَقَرَّرَ مِلْكُهُ بِالْعِتْقِ ، وَإِنْ عَجَزَ فَالْخِيَارُ إلَى الْمَوْلَى ؛ لِأَنَّ الْمِلْكَ بِعَجْزِهِ تَقَرَّرَ لِلْمَوْلَى فَيَتَخَيَّرُ بَيْنَ الدَّفْعِ وَالْفِدَاءِ كَمَا يُخَيَّرُ الْوَارِثُ بَعْدَ مَوْتِ الْمُوَرَّثِ فِي جِنَايَةِ عَبْدِ الْحُرِّ
وَإِنْ كَانَ الْعَبْدُ وَامْرَأَتُهُ مُكَاتَبَيْنِ مُكَاتَبَةً وَاحِدَةً فَوَلَدَتْ وَلَدًا فَقَتَلَهُ الْمَوْلَى وَقِيمَتُهُ أَكْثَرُ مِنْ الْكِتَابَةِ فَقِيمَتُهُ عَلَى مَوْلَاهُ فِي ثَلَاثِ سِنِينَ ؛ لِأَنَّ وَلَدَهُمَا مَمْلُوكٌ لِلْمَوْلَى فَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ الْقِصَاصُ بِقَتْلِهِ ، وَلَكِنَّهُ دَاخِلٌ فِي الْكِتَابَةِ فَعَلَى الْمَوْلَى قِيمَتُهُ بِقَتْلِهِ كَمَا يَلْزَمُهُ الدِّيَةُ لَوْ قَتَلَ الْمُكَاتَبَ فَالْمَالُ بِنَفْسِ الْقَتْلِ يَجِبُ مُؤَجَّلًا فِي ثَلَاثِ سِنِينَ ، وَإِنْ كَانَتْ الْكِتَابَةُ قَدْ حَلَّتْ قَاصَّهُمْ بِهَا ؛ لِأَنَّ الْقِيمَةَ وَاجِبَةٌ لِلْأُمِّ فَإِنَّ الْوَلَدَ دَاخِلٌ فِي كِتَابَتِهَا حَتَّى يَكُونَ كَسْبُهُ لَهَا فَكَذَلِكَ بَدَلُ نَفْسِهِ ، وَقَدْ بَيَّنَّا أَنَّ الْوَلَدَ جُزْءٌ مِنْ أَجْزَاءِ الْأُمِّ يَتْبَعُهَا فِي الرِّقِّ وَالْحُرِّيَّةِ فَكَذَلِكَ فِي الْكِتَابَةِ وَقَدْ كَانَ لِلْمَوْلَى أَنْ يُطَالِبَ الْأُمَّ بِجَمِيعِ الْكِتَابَةِ وَمَتَى الْتَقَى الدَّيْنَانِ تَقَاصَّا إذَا اسْتَوَيَا ؛ لِأَنَّهُ لَا فَائِدَةَ فِي الِاسْتِيفَاءِ ثُمَّ عَلَى الْمَوْلَى أَدَاءُ فَضْلِ الْقِيمَةِ إلَى الْأُمِّ ؛ لِأَنَّ الْمُقَاصَّةَ إنَّمَا وَقَعَتْ بِقَدْرِ بَدَلِ الْكِتَابَةِ وَرَجَعَتْ الْأُمُّ عَلَى الْأَبِ بِمَا أَدَّتْ عَنْهُ مِنْ ذَلِكَ ؛ لِأَنَّهَا صَارَتْ قَاضِيَةً بَدَلَ الْكِتَابَةِ بِالْمُقَاصَّةِ فَكَأَنَّهَا أَدَّتْ بِنَفْسِهَا فَتَرْجِعُ عَلَى الْأَبِ بِحِصَّتِهِ .
وَإِنْ كَانَتْ الْمُكَاتَبَةُ لَمْ تَحِلَّ أَدَّى الْمَوْلَى الْقِيمَةَ إلَى الْأُمِّ ؛ لِأَنَّ الْمُقَاصَّةَ لَا تَقَعُ بَيْنَ الْحَالِّ وَالْمُؤَجَّلِ فَيُسْتَوْفَى مِنْهُ مَا حَلَّ وَهُوَ الْقِيمَةُ لِتَسْتَعِينَ بِهِ فِي مُكَاتَبَتِهَا إذَا حَلَّتْ ، وَإِنْ كَانَ الِابْنُ مُكَاتَبًا مَعَهَا فَقَتَلَهُ الْمَوْلَى ثُمَّ حَلَّتْ الْقِيمَةُ اقْتَصَّ مِنْهَا بِقَدْرِ الْكِتَابَةِ إنْ كَانَتْ الْمُكَاتَبَةُ حَلَّتْ أَوْ لَمْ تَحِلَّ ؛ لِأَنَّ الْوَلَدَ الْمَقْتُولَ هُنَا مَقْصُودٌ بِالْكِتَابَةِ وَقَدْ كَانَ مُطَالَبًا بِجَمِيعِ الْبَدَلِ عِنْدَ حِلِّهِ وَالْأَجَلُ لَا يَبْقَى فِي حَقِّهِ بَعْدَ مَوْتِهِ إذَا تَرَكَ وَفَاءً فَإِذَا حَلَّتْ الْقِيمَةُ فَقَدْ
تَحَقَّقَ الْوَفَاءُ فَصَارَ قِصَاصًا بِبَدَلِ الْكِتَابَةِ حَلَّتْ أَوْ لَمْ تَحِلَّ ، وَيُؤَدِّي الْمَوْلَى إلَى الْوَرَثَةِ فَضْلَ الْقِيمَةِ وَالْأَبُ وَالْأُمُّ حِصَّتُهُمَا مِنْ الْمُكَاتَبَةِ ؛ لِأَنَّ الِابْنَ لَوْ أَدَّى جَمِيعَ الْبَدَلِ فِي حَيَاتِهِ رَجَعَ عَلَيْهَا بِحِصَّتِهَا مِنْهَا فَكَذَلِكَ إذَا صَارَ مُؤَدَّيَا بِبَدَلِ نَفْسِهِ بَعْدَ مَوْتِهِ ثُمَّ يُقَسَّمُ ذَلِكَ كُلُّهُ بَيْنَ وَرَثَةِ الِابْنِ عَلَى فَرَائِضِ اللَّهِ تَعَالَى وَيَرِثُ أَبَوَاهُ مَعَهُمْ ؛ لِأَنَّ عِتْقَهُ اسْتَنَدَ إلَى حَالِ حَيَاتِهِ ، وَكَذَلِكَ عِتْقُهُمَا لِاتِّحَادِ الْعَقْدِ فِي حَقِّهِمْ ( فَإِنْ قِيلَ ) فَلِمَاذَا لَا يَجِبُ عَلَى الْمَوْلَى الدِّيَةُ ( قُلْنَا ) لِمَا بَيَّنَّا أَنَّ اسْتِنَادَ الْحُرِّيَّةِ إلَى حَالِ الْحَيَاةِ لِأَجْلِ الضَّرُورَةِ وَلَيْسَ مِنْ ضَرُورَتِهِ وُجُوبُ الدِّيَةِ فَكَمْ مِنْ قَتِيلٍ حُرٍّ لَا تَجِبُ دِيَتُهُ وَلِأَنَّ الِاسْتِنَادَ فِيمَا هُوَ مِنْ حُكْمِ عَقْدِ الْكِتَابَةِ ، وَوُجُوبُ الدِّيَةِ لَيْسَ مِنْ حُكْمِ عَقْدِ الْكِتَابَةِ فِي شَيْءٍ وَلِأَنَّ الْمَوْلَى إنَّمَا يَضْمَنُ جِنَايَتَهُ وَلَا يَسْتَنِدُ الْعِتْقُ إلَى وَقْتِ جِنَايَتِهِ إنَّمَا يَسْتَنِدُ إلَى آخِرِ جُزْءٍ مِنْ أَجْزَاءِ حَيَاتِهِ بَعْدَ الْجِنَايَةِ .
وَلَوْ أَعْتَقَ الْمَوْلَى أُمَّ وَلَدٍ لِمُكَاتَبِهِ لَمْ يَجُزْ عِتْقُهُ بِخِلَافِ مَا إذَا أَعْتَقَ وَلَدَهَا ؛ لِأَنَّ الْوَلَدَ دَاخِلٌ فِي كِتَابَتِهِ حَتَّى يَعْتِقَ بِعِتْقِهِ فَيَكُونُ مَمْلُوكًا لِلْمَوْلَى فَأَمَّا أُمُّ الْوَلَدِ غَيْرُ دَاخِلَةٍ فِي كِتَابَتِهِ حَتَّى لَا تَعْتِقَ بِعِتْقِهِ فَلَا تَكُونُ مَمْلُوكَةً لِلْمَوْلَى .
تَوْضِيحُهُ أَنَّ فِي إعْتَاقِ الْوَلَدِ تَحْصِيلُ مَقْصُودِ الْمُكَاتَبِ فَأَمَّا فِي إعْتَاقِ أُمِّ الْوَلَدِ تَفْوِيتُ مَقْصُودِ الْمُكَاتَبِ ؛ لِأَنَّ الْمُكَاتَبَ لَوْ عَتَقَ كَانَتْ أُمَّ وَلَدٍ لَهُ يَطَؤُهَا وَيَسْتَمْتِعُ بِهَا وَفِي الْعِتْقِ تَفْوِيتُ هَذَا الْمَقْصُودِ عَلَيْهِ فَلَا يَمْلِكُهُ الْمَوْلَى
وَلَوْ مَلَكَ الْمُكَاتَبُ أَبَ مَوْلَاهُ أَوْ ابْنَهُ لَمْ يَعْتِقْ ؛ لِأَنَّ الْمَوْلَى لَوْ أَعْتَقَ رَقِيقَ الْمُكَاتَبِ لَا يَنْفُذُ عِتْقُهُ فَعَرَفْنَا أَنَّهُ لَا يَمْلِكُهُمْ فَلَا يَعْتِقُونَ عَلَيْهِ وَلَا يَمْتَنِعُ بَيْعُهُمْ أَيْضًا بِخِلَافِ مَا إذَا مَلَكَ أَبَ نَفْسِهِ أَوْ ابْنَ نَفْسِهِ وَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ يَمْتَنِعَ بَيْعُهُمْ ؛ لِأَنَّ لِلْمَوْلَى فِي كَسْبِ الْمُكَاتَبِ حَقُّ الْمِلْكِ كَمَا لِلْمُكَاتَبِ ، وَلَكِنْ قَالَ الْبَيْعُ مِنْ التَّصَرُّفِ ، وَفِي حُكْمِ التَّصَرُّفِ الْمَوْلَى مِنْ كَسْبِ الْمُكَاتَبِ أَجْنَبِيٌّ ، وَالْمُكَاتَبُ بِمَنْزِلَةِ الْحُرِّ .
تَوْضِيحُهُ أَنَّ عِتْقَ أَبِ الْمُكَاتَبِ وَابْنِهِ مِنْ مَقْصُودِ الْمُكَاتَبِ وَكَسْبِهِ مَحَلٌّ لِمَا هُوَ مِنْ مَقَاصِدِهِ فَكَانَ فِي إدْخَالِهِمْ فِي كِتَابَتِهِ لِيَعْتِقُوا بِعِتْقِهِ مَعْنَى تَحْصِيلِ مَقْصُودِهِ ، وَعِتْقُ أَبِ الْمَوْلَى وَابْنِ الْمَوْلَى لَيْسَ بِمَقْصُودٍ لِلْمُكَاتَبِ فَلَمْ يَكُنْ فِي إدْخَالِهِمْ فِي كِتَابَتِهِ تَحْصِيلُ مَقْصُودِهِ فَلِهَذَا لَا يَتَكَاتَبُونَ عَلَيْهِ ، وَإِذَا جَنَى الْمُكَاتَبُ جِنَايَةً خَطَأً فَإِنَّهُ يَسْعَى فِي الْأَقَلِّ مِنْ قِيمَتِهِ وَمِنْ أَرْشِ الْجِنَايَةِ ؛ لِأَنَّ دَفْعَهُ مُتَعَذِّرٌ بِسَبَبِ الْكِتَابَةِ وَهُوَ أَحَقُّ بِكَسْبِهِ ، وَمُوجَبُ الْجِنَايَةِ عِنْدَ تَعَذُّرِ الدَّفْعِ عَلَى مَنْ يَكُونُ الْكَسْبُ لَهُ فَالْوَاجِبُ هُوَ الْأَقَلُّ مِنْ الْقِيمَةِ وَمِنْ أَرْشِ الْجِنَايَةِ أَلَا تَرَى أَنَّ فِي جِنَايَةِ الْمُدَبَّرِ وَأُمِّ الْوَلَدِ يَجِبُ عَلَى الْمَوْلَى الْأَقَلُّ مِنْ قِيمَتِهَا وَمِنْ أَرْشِ الْجِنَايَةِ ؛ لِأَنَّهُ أَحَقُّ بِكَسْبِهِمَا ، فَإِنْ جَنَى جِنَايَةً أُخْرَى بَعْدَ مَا حُكِمَ عَلَيْهِ بِالْأَقَلِّ فِي الْجِنَايَةِ الْأُولَى يَلْزَمُهُ بِالْجِنَايَةِ الثَّانِيَةِ أَيْضًا الْأَقَلُّ مِنْ قِيمَتِهِ وَمِنْ أَرْشِ الْجِنَايَةِ ؛ لِأَنَّ مُوجَبَ الْجِنَايَةِ الْأُولَى صَارَ دَيْنًا فِي ذِمَّتِهِ فَتَتَعَلَّقُ الْجِنَايَةُ الثَّانِيَةُ بِرَقَبَتِهِ وَيَلْزَمُهُ الْأَقَلُّ كَالْجِنَايَةِ الْأُولَى .
وَإِنْ كَانَتْ الْجِنَايَةُ الثَّانِيَةُ قَبْلَ أَنْ يُحْكَمَ عَلَيْهِ بِمُوجَبِ
الْجِنَايَةِ الْأُولَى فَلَيْسَ عَلَيْهِ إلَّا قِيمَةٌ وَاحِدَةٌ عِنْدَنَا وَقَالَ زُفَرُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ لِوَلِيِّ كُلِّ جِنَايَةٍ قِيمَةٌ عَلَى حِدَةٍ ؛ لِأَنَّ مِنْ أَصْلِهِ أَنَّ جِنَايَتَهُ لَا تَتَعَلَّقُ بِرَقَبَتِهِ بَلْ مُوجَبُهُ الْقِيمَةُ ابْتِدَاءً ؛ لِأَنَّ الدَّفْعَ مُتَعَذِّرٌ فَكَانَ الْقَضَاءُ وَغَيْرُ الْقَضَاءِ فِيهِ سَوَاءٌ ، يَجِبُ عَلَيْهِ قِيمَةٌ بِاعْتِبَارِ كُلِّ جِنَايَةٍ لِكَوْنِهِ أَحَقَّ بِكَسْبِهِ عِنْدَ كُلِّ جِنَايَةٍ وَعِنْدَنَا تَتَعَلَّقُ جِنَايَةُ الْمُكَاتَبِ بِرَقَبَتِهِ ؛ لِأَنَّ الدَّفْعَ مَوْهُومٌ فَإِنَّهُ إنْ عَجَزَ انْفَسَخَتْ الْكِتَابَةُ وَدَفَعَ بِالْجِنَايَةِ فَإِنَّمَا يَتَحَوَّلُ إلَى الْقِيمَةِ بِقَضَاءِ الْقَاضِي فَإِذَا اجْتَمَعَتْ الْجِنَايَاتُ فِي رَقَبَتِهِ قَبْلَ قَضَاءٍ لَمْ يَلْزَمْهُ إلَّا قِيمَةٌ وَاحِدَةٌ ؛ لِأَنَّهُ لَوْ أَمْكَنَ دَفْعُهُ لَمْ يَكُنْ حَقُّهُمْ إلَّا فِي رَقَبَةٍ وَاحِدَةٍ بِخِلَافِ مَا إذَا قَضَى الْقَاضِي بِالْأُولَى ؛ لِأَنَّهُ تَحَوَّلَ إلَى الْقِيمَةِ دَيْنًا فِي ذِمَّتِهِ بِقَضَاءِ الْقَاضِي ثُمَّ تَعَلَّقَتْ الْجِنَايَةُ الثَّانِيَةُ بِرَقَبَتِهِ حَتَّى يَدْفَعَ بِهَا إذَا عَجَزَ فَلِهَذَا يَقْضِي لَهُ بِقِيمَةٍ أُخْرَى
وَلَوْ قَتَلَ رَجُلًا عَمْدًا هُوَ أَوْ ابْنٌ لَهُ فِي مِلْكِهِ ثُمَّ صَالَحَ فِي ذِمَّتِهِ عَلَى مَالِ جَازَ الصُّلْحُ ؛ لِأَنَّ مَنْ دَخَلَ فِي كِتَابَتِهِ تَبَعٌ لَهُ وَلَهُ أَنْ يُصَالِحَ عَنْ جِنَايَةِ نَفْسِهِ فَكَذَلِكَ عَنْ جِنَايَةِ مَنْ دَخَلَ فِي كِتَابَتِهِ ؛ لِأَنَّهُ أَحَقُّ بِكَسْبِهِ ، فَإِنْ عَجَزَ فَرُدَّ فِي الرِّقِّ ، فَإِنْ كَانَ أَعْطَى الْمَالَ لَمْ يَكُنْ لَهُ حَقُّ الِاسْتِرْدَادِ ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ أَدَّى الْمَالَ لَمْ يُؤْخَذْ بِالْمَالِ حَتَّى يَعْتِقَ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى يُؤْخَذُ بِالْمَالِ فِي الْحَالِ فَيُبَاعُ فِيهِ وَأَصْلُ الْمَسْأَلَةِ فِي الْمُكَاتَبِ إذَا أَقَرَّ بِجِنَايَةِ الْخَطَأِ فَقُضِيَ عَلَيْهِ بِالْقِيمَةِ ثُمَّ عَجَزَ لَمْ يُؤْخَذْ بِهِ إلَّا بَعْدَ الْعِتْقِ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ ؛ لِأَنَّ وُجُوبَ هَذَا الْمَالِ بِقَوْلِهِ وَإِقْرَارِهِ فِيمَا لَيْسَ مِنْ التِّجَارَةِ يَكُونُ مُلْزِمًا إيَّاهُ بَعْدَ الْعِتْقِ لَا بَعْدَ الْعَجْزِ قَبْلَ الْعِتْقِ ؛ لِأَنَّ بَعْدَ الْعَجْزِ الْحَقُّ فِي مَالِيَّتِهِ لِمَوْلَاهُ وَإِقْرَارُهُ لَيْسَ بِصَحِيحٍ فِي حَقِّ الْمَوْلَى كَمَا لَوْ أَقَرَّ بِالْجِنَايَةِ بَعْدَ الْعَجْزِ ، فَكَذَلِكَ فِي الصُّلْحِ ؛ لِأَنَّ دَمَ الْعَمْدِ لَيْسَ بِمَالٍ فَهُوَ بِهَذَا الصُّلْحِ يَلْتَزِمُ مَالًا لَا بِإِزَاءِ مَالٍ فَهُوَ وَمَا يُقِرُّ بِهِ سَوَاءٌ ، وَعَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ الْمَالَيْنِ ثَابِتٌ فِي ذِمَّتِهِ وَهُوَ مُطَالَبٌ بِهِمَا فِي حَالِ قِيَامِ الْكِتَابَةِ فَيَبْقَى فِي ذِمَّتِهِ بَعْدَ الْعَجْزِ فَيُبَاعُ فِيهِ كَسَائِرِ الدُّيُونِ وَتَمَامُ بَيَانِ هَذِهِ الْمَسَائِلِ فِي الدِّيَاتِ
وَإِذَا حَفَرَ الْمُكَاتَبُ بِئْرًا فِي الطَّرِيقِ فَوَقَعَ فِيهَا إنْسَانٌ فَعَلَيْهِ أَنْ يَسْعَى فِي قِيمَتِهِ يَوْمَ حَفَرَ ؛ لِأَنَّهُ جَانٍ بِطَرِيقِ التَّسَبُّبِ بِالْحَفْرِ فِي الطَّرِيقِ فَيُجْعَلُ كَجِنَايَتِهِ مُبَاشَرَةً ، وَإِذَا وَقَعَ فِيهَا آخَرُ بَعْدَ مَا قَضَى لِلْأَوَّلِ شَرِكَهُ فِي تِلْكَ الْقِيمَةِ ؛ لِأَنَّ الْمَوْجُودَ مِنْ الْمُكَاتَبِ جِنَايَةٌ وَاحِدَةٌ وَهُوَ الْحَفْرُ فَلَا يَلْزَمُهُ بِهِ أَكْثَرُ مِنْ قِيمَةٍ وَاحِدَةٍ ، وَلَكِنَّ الثَّانِيَ يُشَارِكُ الْأَوَّلَ فِي تِلْكَ الْقِيمَةِ بِخِلَافِ جِنَايَتِهِ بِالْمُبَاشَرَةِ فَإِنَّ الثَّانِيَةَ غَيْرُ الْأُولَى .
وَلَوْ سَقَطَ حَائِطٌ لَهُ مَائِلٌ قَدْ شَهِدَ فِيهِ عَلَى إنْسَانٍ فَقَتَلَهُ فَعَلَيْهِ أَنْ يَسْعَى فِي قِيمَتِهِ ؛ لِأَنَّهُ مُتَمَكِّنٌ مِنْ هَدْمِ الْحَائِطِ الْمَائِلِ فَإِذَا تَرَكَهُ بَعْدَ مَا أَشْهَدَ عَلَيْهِ جُعِلَ كَالدَّفْعِ لَهُ عَلَى مَنْ سَقَطَ الْحَائِطُ عَلَيْهِ فَلَزِمَهُ قِيمَتُهُ
وَإِنْ وُجِدَ فِي دَارِهِ قَتِيلٌ أُخِذَ بِقِيمَتِهِ يَوْمَ وُجِدَ الْقَتِيلُ فِيهَا ؛ لِأَنَّ التَّدْبِيرَ فِي دَارِهِ إلَيْهِ فَيَكُونُ كَالْحُرِّ فِي ذَلِكَ وَلَوْ وُجِدَ الْقَتِيلُ فِي دَارِ الْحُرِّ جُعِلَ كَالْقَاتِلِ لَهُ فِي وُجُوبِ الْبَدَلِ فَكَذَلِكَ الْمُكَاتَبُ إلَّا أَنْ تَكُونَ قِيمَةُ الْمُكَاتَبِ أَكْثَرَ مِنْ الدِّيَةِ فَيَنْقُصُ حِينَئِذٍ عَشَرَةُ دَرَاهِمَ مِنْ الدِّيَةِ ؛ لِأَنَّ وُجُوبَ الْقِيمَةِ عَلَيْهِ إذَا كَانَتْ الْجِنَايَةُ مِنْهُ مُعْتَبَرٌ بِوُجُوبِ الْقِيمَةِ إذَا كَانَتْ الْجِنَايَةُ عَلَيْهِ ، وَالْجِنَايَةُ عَلَى الْمُكَاتَبِ لَا تُوجَبُ مِنْ قِيمَتِهِ إلَّا عَنْ أَلْفٍ إلَّا عَشَرَةَ دَرَاهِمَ ؛ لِأَنَّهُ عَبْدٌ مَا بَقِيَ عَلَيْهِ دِرْهَمٌ فَكَذَلِكَ الْقِيمَةُ الْوَاجِبَةُ بِالْجِنَايَةِ مِنْهُ ، فَإِنْ جَنَى جِنَايَةً ثُمَّ عَجَزَ ، فَإِنْ كَانَ قَدْ قُضِيَ عَلَيْهِ بِالسِّعَايَةِ فَهُوَ دَيْنٌ عَلَيْهِ يُبَاعُ بِهَا ؛ لِأَنَّ سَبَبَهُ ظَاهِرٌ فِي حَقِّ الْمَوْلَى وَقَدْ صَارَ دَيْنًا فِي ذِمَّتِهِ بِالْقَضَاءِ ، وَإِنْ لَمْ يُقْضَ بِهَا عَلَيْهِ خُيِّرَ الْمَوْلَى بَيْنَ الدَّفْعِ وَالْفِدَاءِ إلَّا عَلَى قَوْلِ زُفَرَ رَحِمَهُ اللَّهُ فَإِنَّهُ يَقُولُ الْوَاجِبُ قِيمَتُهُ يُبَاعُ فِيهِ بِنَاءً عَلَى أَصْلِهِ الَّذِي قُلْنَا إنَّ مُوجَبَ جِنَايَتِهِ الْقِيمَةُ ابْتِدَاءً وَقَدْ ذُكِرَ فِي كِتَابِ الْجِنَايَاتِ أَنَّ أَبَا يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ كَانَ يَقُولُ بِهَذَا مَرَّةً ثُمَّ رَجَعَ عَنْهُ فَقَالَ يُخَيَّرُ الْمَوْلَى كَمَا هُوَ مَذْهَبُهُمَا ؛ لِأَنَّ مُوجَبَ جِنَايَتِهِ فِي رَقَبَتِهِ لِتَوَهُّمِ إمْكَانِ الدَّفْعِ بَعْدَ الْعَجْزِ وَإِنَّمَا يَتَحَوَّلُ إلَى الذِّمَّةِ بِقَضَاءِ الْقَاضِي فَإِذَا عَجَزَ قَبْلَ الْقَضَاءِ بَقِيَتْ الْجِنَايَةُ فِي رَقَبَتِهِ فَكَأَنَّهُ جَنَى ابْتِدَاءً بَعْدَ الْعَجْزِ فَيُخَاطَبُ الْمَوْلَى بِالدَّفْعِ أَوْ الْفِدَاءِ ، وَإِنْ جَنَى عَلَيْهِ فَالْوَاجِبُ أَرْشُ الْمَمَالِيكِ لِأَنَّهُ عَبْدٌ وَذَلِكَ لِلْمُكَاتَبِ بِمَنْزِلَةِ كَسْبِهِ ؛ لِأَنَّهُ صَارَ أَحَقَّ بِنَفْسِهِ ، وَإِنْ قَتَلَ رَجُلًا عَمْدًا فَعَلَيْهِ الْقَوَدُ { لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْعَمْدُ
قَوَدٌ وَالرَّقِيقُ فِي حُكْمِ الْقَوَدِ وَالْحُرُّ سَوَاءٌ }
وَإِنْ قُتِلَ ابْنُ الْمُكَاتَبِ أَوْ عَبْدُهُ فَلَا قَوَدَ عَلَى الْقَاتِلِ ، أَمَّا الِابْنُ فَلِأَنَّهُ مِنْ وَجْهٍ مَمْلُوكٌ لِلْمَوْلَى حَتَّى لَوْ أَعْتَقَهُ يَنْفُذُ عِتْقُهُ وَمِنْ وَجْهٍ هُوَ مَمْلُوكٌ لِلْمُكَاتَبِ حَتَّى يَكُونَ أَحَقَّ بِكَسْبِهِ فَاشْتَبَهَ مَنْ يَجِبُ الْقِصَاصُ لَهُ ، وَذَلِكَ مَانِعٌ مِنْ وُجُوبِ الْقِصَاصِ وَأَمَّا عَبْدُهُ فَلِأَنَّ لِلْمَوْلَى فِيهِ حَقُّ الْمِلْكِ أَلَا تَرَى أَنَّ بِعَجْزِهِ يَتِمُّ فِيهِ مِلْكُ الْمَوْلَى وَمِنْ وَجْهٍ هُوَ مِلْكُ الْمُكَاتَبِ حَتَّى يَتِمَّ مِلْكُهُ فِيهِ إذَا أَعْتَقَ فَيَشْتَبِهُ مَنْ لَهُ الْقِصَاصُ وَلِأَنَّ الْمُكَاتَبَ إنَّمَا صَارَ أَحَقَّ بِكَسْبِهِ لِيُؤَدِّيَ بَدَلَ الْكِتَابَةِ وَالْقِصَاصُ لَيْسَ مِنْ ذَلِكَ فِي شَيْءٍ وَالْمَوْلَى مَمْنُوعٌ مِنْ كَسْبِهِ فَلَا يُمْكِنُ إيجَابُ الْقِصَاصِ لَهُ أَيْضًا وَمَعَ الِاشْتِبَاهِ لَمْ يَجِبْ الْقِصَاصُ ، وَإِنْ اجْتَمَعَا عَلَى ذَلِكَ لَمْ يُقْتَصَّ أَيْضًا ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَجِبْ بِأَصْلِ الْفِعْلِ فَلَا يَجِبُ بِاتِّفَاقِهِمَا بَعْدَ ذَلِكَ ، وَلَكِنْ عَلَى الْقَاتِلِ الْقِيمَةُ لَمَّا تَعَذَّرَ إيجَابُ الْقِصَاصِ وَهُوَ وَالْمُكَاتَبُ بِمَنْزِلَةِ سَائِرِ أَكْسَابِهِ ، وَإِنْ عَفَوْا فَعَفْوُهُمَا بَاطِلٌ ، أَمَّا الْمَوْلَى فَلِأَنَّهُ لَمْ يَجِبْ لَهُ شَيْءٌ وَأَمَّا الْمُكَاتَبُ فَلِأَنَّ الْعَفْوَ تَبَرُّعٌ مِنْهُ فَلَا يَصِحُّ كَالْإِبْرَاءِ عَنْ الدُّيُونِ
وَإِنْ قَتَلَ الْمَوْلَى مُكَاتَبَهُ خَطَأً أَوْ عَمْدًا وَقَدْ تَرَكَ وَفَاءً فَعَلَيْهِ قِيمَتُهُ تَقْضِي بِهِ كِتَابَتُهُ ، وَكَذَلِكَ لَوْ قَتَلَ ابْنَهُ ؛ لِأَنَّ الْمُكَاتَبَ كَانَ أَحَقَّ بِكَسْبِهِ وَبِنَفْسِهِ فَلَمَّا جُعِلَ الْمَوْلَى كَالْأَجْنَبِيِّ فِيمَا يَجِبُ بِإِتْلَافِ كَسْبِهِ فَكَذَلِكَ فِيمَا يَجِبُ بِإِتْلَافِ نَفْسِهِ
وَإِنْ أَقَرَّ الْمُكَاتَبُ بِجِنَايَةٍ خَطَأً أَوْ عَمْدًا لَا قِصَاصَ فِيهِ فَإِقْرَارُهُ جَائِزٌ مَادَامَ مُكَاتَبًا ؛ لِأَنَّ مُوجَبَ جِنَايَتِهِ فِي كَسْبِهِ وَإِقْرَارُهُ فِي كَسْبِهِ صَحِيحٌ ، وَإِنْ عَجَزَ وَرُدَّ فِي الرِّقِّ بَطَلَتْ عَنْهُ قُضِيَ بِهِ عَلَيْهِ أَوْ لَمْ يُقْضَ وَهَذَا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَذَكَرَ فِي كِتَابِ الْجِنَايَاتِ أَنَّ أَبَا يُوسُفَ وَمُحَمَّدًا رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى قَالَا يُؤْخَذُ بِمَا قُضِيَ عَلَيْهِ مِنَّا خَاصَّةً وَمَا أَدَّاهُ قَبْلَ الْعَجْزِ لَمْ يَسْتَرِدَّهُ عِنْدَهُمْ جَمِيعًا وَقَدْ بَيَّنَّا هَذَا
وَلَا يَلْزَمُ الْمُكَاتَبَ مَهْرٌ مِنْ نِكَاحٍ بِغَيْرِ إذْنِ مَوْلَاهُ حَتَّى يَعْتِقَ وَيَلْزَمُهُ ذَلِكَ فِي الشِّرَاءِ عِنْدَ الِاسْتِحْقَاقِ يَعْنِي إذَا اشْتَرَى جَارِيَةً فَوَطِئَهَا ثُمَّ اُسْتُحِقَّتْ يَغْرَمُ عُقْرَهَا فِي الْحَالِ ؛ لِأَنَّ سُقُوطَ الْحَدِّ هُنَاكَ كَانَ بِسَبَبِ الشِّرَاءِ وَهُوَ عَقْدُ تِجَارَةٍ فَمَا يَجِبُ بِاعْتِبَارِهِ مِنْ الضَّمَانِ يَكُونُ ضَمَانَ التِّجَارَةِ فَيُؤَاخَذُ بِهِ فِي الْحَالِ ، وَفِي النِّكَاحِ سُقُوطُ الْحَدِّ عَنْهُ وَوُجُوبُ الْمَهْرِ كَانَ بِسَبَبِ النِّكَاحِ وَهُوَ لَيْسَ بِتِجَارَةٍ فَمَا يَجِبُ بِسَبَبِهِ لَا يَكُونُ مِنْ جِنْسِ ضَمَانِ التِّجَارَةِ فَلَا يُؤَاخَذُ بِهِ حَتَّى يَعْتِقَ .
تَوْضِيحُ الْفَرْقِ أَنَّهُ صَارَ مُنْفَكَّ الْحَجْرِ عَنْهُ فِي الشِّرَاءِ فَفِي الضَّمَانِ الْوَاجِبِ بِسَبَبِهِ يَلْتَحِقُ بِالْحُرِّ وَلَمْ يَصِرْ مُنْفَكَّ الْحَجْرِ عَنْهُ مِنْ نِكَاحِ نَفْسِهِ فَفِيمَا يَجِبُ بِسَبَبِهِ هُوَ كَالْعَبْدِ الْمَحْجُورِ .
وَلَا يَتَزَوَّجُ الْمُكَاتَبُ بِغَيْرِ إذْنِ مَوْلَاهُ ؛ لِأَنَّ انْفِكَاكَ الْحَجْرِ عَنْهُ فِي عُقُودِ الِاكْتِسَابِ ، وَلَيْسَ فِي التَّزَوُّجِ اكْتِسَابُ الْمَالِ بَلْ فِيهِ الْتِزَامُ الْمَهْرِ وَالنَّفَقَةِ وَلِأَنَّ حُكْمَ الْمَالِكِيَّةِ إنَّمَا يُثْبِتُ لَهُ يَدًا لِيَتَمَكَّنَ مِنْ أَدَاءِ بَدَلِ الْكِتَابَةِ فَكُلُّ عَقْدٍ لَا يُوَصِّلُهُ إلَى ذَلِكَ لَا يُثْبِتُ لَهُ حُكْمَ الْمَالِكِيَّةِ فِي ذَلِكَ بَلْ يَكُونُ هُوَ كَالْعَبْدِ لَا يَتَزَوَّجُ إلَّا بِإِذْنِ مَوْلَاهُ ، وَكَذَلِكَ لَا يُزَوِّجُ عَبْدَهُ ؛ لِأَنَّهُ تَعْيِيبٌ لِلْعَبْدِ وَلَيْسَ بِاكْتِسَابٍ لِلْمَالِ ، وَكَذَلِكَ لَا يُزَوِّجُ ابْنَهُ ؛ لِأَنَّ الرِّقَّ الْبَاقِيَ فِيهِ مُخْرِجٌ لَهُ مِنْ أَهْلِيَّةِ الْوِلَايَةِ بِالْقَرَابَةِ وَسَبَبُ الْمِلْكِ فِي ابْنِهِ أَبْعَدُ عَنْهُ مِنْ عَبْدِهِ لِمَا بَيَّنَّا أَنَّ مَنْ دَخَلَ فِي كِتَابَتِهِ فَهُوَ مَمْلُوكٌ لِمَوْلَاهُ وَلِهَذَا لَا يُزَوِّجُ ابْنَتَهُ أَيْضًا ؛ لِأَنَّهَا لَمَّا دَخَلَتْ فِي كِتَابَتِهِ صَارَتْ مَمْلُوكَةً لِمَوْلَاهُ بِمَنْزِلَةِ نَفْسِهِ وَلَا يُزَوِّجُهَا بِدُونِ إذْنِ مَوْلَاهَا وَلَهُ أَنْ يُزَوِّجَ أَمَتَهُ ؛ لِأَنَّ تَزْوِيجَ الْأَمَةِ اكْتِسَابٌ فِي حَقِّهِ فَإِنَّهُ يَكْتَسِبُ بِهِ الْمَهْرَ وَيُسْقِطُ عَنْ نَفْسِهِ نَفَقَتَهَا وَهُوَ مُنْفَكُّ الْحَجْرِ عَنْهُ فِي عُقُودِ الِاكْتِسَابِ ( فَإِنْ قِيلَ ) هَذَا مَوْجُودٌ فِي حَقِّ ابْنَتِهِ قُلْنَا نَعَمْ ، وَلَكِنَّ ابْنَتَهُ مَمْلُوكَةٌ لِلْمَوْلَى وَأَمَتُهُ لَيْسَتْ بِمَمْلُوكَةٍ لِلْمَوْلَى حَتَّى يَنْفُذَ عِتْقُ الْمَوْلَى فِي ابْنَتِهِ دُونَ أَمَتِهِ وَلَوْ عَجَزَ وَقَدْ حَاضَتْ ابْنَتُهُ حَيْضَةً لَا يَجِبُ عَلَى الْمَوْلَى فِيهَا اسْتِبْرَاءٌ جَدِيدٌ وَيَلْزَمُ ذَلِكَ فِي أَمَتِهِ وَمُكَاتَبَتِهِ كَأَنَّهُ تَزَوَّجَهَا بِرِضَاهَا بِدُونِ إذْنِ الْمَوْلَى ؛ لِأَنَّ بِكِتَابَتِهَا ثَبَتَ لَهَا الْحَقُّ فِي نَفْسِهَا دُونَ إذْنِ الْمَوْلَى وَإِنَّمَا يُعْتَبَرُ رِضَاهَا فِي تَزْوِيجِهَا وَلَا يُعْتَبَرُ رِضَا الْمَوْلَى وَلَا تَتَزَوَّجُ الْمُكَاتَبَةُ بِغَيْرِ إذْنِ مَوْلَاهَا وَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ يَمْلِكَ ذَلِكَ ؛ لِأَنَّهُ اكْتِسَابٌ لِلْمَهْرِ فِي
حَقِّهَا ، وَلَكِنَّ رَقَبَتَهَا بَاقِيَةٌ عَلَى مِلْكِ الْمَوْلَى فَيَمْنَعُ ذَلِكَ ثُبُوتَ وِلَايَةِ الِاسْتِبْدَادِ لَهَا بِالتَّزَوُّجِ ؛ لِأَنَّ فِيهِ تَعْيِيبُ رَقَبَتِهَا فَإِنَّ النِّكَاحَ عَيْبٌ فِيهَا وَرُبَّمَا تَعْجُزُ فَيَبْقَى هَذَا الْعَيْبُ فِي مِلْكِ الْمَوْلَى .
تَوْضِيحُهُ أَنَّ النِّكَاحَ غَيْرُ مَشْرُوعٍ فِي الْأَصْلِ لِاكْتِسَابِ الْمَالِ بَلْ لِلتَّحْصِينِ وَالنَّفَقَةِ وَانْفِكَاكِ الْحَجْرِ بِسَبَبِ الْكِتَابَةِ فِي عُقُودِ اكْتِسَابِ الْمَالِ فَإِذَا كَانَ مَقْصُودُهَا مِنْ تَزْوِيجِ نَفْسِهَا شَيْئًا آخَرَ سِوَى الْمَالِ لَمْ يَكُنْ هَذَا الْعَقْدُ مِمَّا يَتَنَاوَلُهُ الْفَكُّ الثَّابِتُ بِالْكِتَابَةِ ، فَإِنْ تَزَوَّجَتْ بِغَيْرِ إذْنِ مَوْلَاهَا فَلَمْ يُفَرَّقْ بَيْنَهُمَا حَتَّى عَتَقَتْ جَازَ النِّكَاحُ وَلَا خِيَارَ لَهَا ؛ لِأَنَّ الْمَانِعَ حَقُّ الْمَوْلَى وَقَدْ سَقَطَ بِالْعِتْقِ ، وَنُفُوذُ الْعَقْدِ كَانَ بَعْدَ الْعِتْقِ وَفِي مِثْلِهِ لَا يَثْبُتُ الْخِيَارُ لَهَا .
وَإِذَا وَقَعَ الْمُكَاتَبُ عَلَى بِكْرٍ فَافْتَضَّهَا كَانَ عَلَيْهِ الْحَدُّ لِوُجُودِ الزِّنَا الْمَحْضِ مِنْهُ وَهُوَ مُخَاطَبٌ ، فَإِنْ دَخَلَ فِي ذَلِكَ وَجْهُ شُبْهَةٍ وَلَمْ تُطَاوِعْهُ الْمَرْأَةُ كَانَ عَلَيْهِ الْمَهْرُ ؛ لِأَنَّ هَذَا الْفِعْلَ لَا يَنْفَكُّ عَنْ عُقُوبَةٍ أَوْ غَرَامَةٍ إذَا حَصَلَ فِي غَيْرِ الْمِلْكِ وَقَدْ سَقَطَتْ الْعُقُوبَةُ فَوَجَبَ الْمَهْرُ .
إلَّا أَنَّهَا إذَا طَاوَعَتْهُ فَقَدْ رَضِيَتْ بِتَأْخِيرِ حَقِّهَا فَيَتَأَخَّرُ إلَى مَا بَعْدَ الْعِتْقِ ، وَإِذَا لَمْ تُطَاوِعْهُ فَلَمْ تَرْضَ بِتَأْخِيرِ حَقِّهَا فَيَلْزَمُهُ ذَلِكَ فِي الْحَالِ كَمَا لَوْ جَنَى عَلَيْهَا كَانَ مُؤَاخَذًا بِالْأَرْشِ فِي الْحَالِ ، فَإِنْ قَالَ تَزَوَّجْتهَا فَصَدَّقَتْهُ فَإِنَّمَا عَلَيْهِ الْمَهْرُ إذَا عَتَقَ لِوُجُودِ الرِّضَا مِنْهَا بِتَأْخِيرِ حَقِّهَا ، وَإِنْ قَالَ اشْتَرَيْتهَا أَوْ وُهِبَتْ لِي أُخِذَ بِالْمَهْرِ فِي الْمُكَاتَبَةِ لِمَا بَيَّنَّا أَنَّ فِي الشِّرَاءِ الْوَاجِبَ مِنْ جِنْسِ ضَمَانِ التِّجَارَةِ ، وَكَذَلِكَ فِي الْهِبَةِ ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا سَقَطَ الْحَدُّ عَنْهُ بِسَبَبٍ مُوجِبٍ لِلْمَالِ فَهُوَ نَظِيرُ الشِّرَاءِ وَهَذَا لِأَنَّ بَعْدَ الْمِلْكِ لَا حَقَّ لِأَحَدٍ سِوَاهُ فَلَا يُعْتَبَرُ فِعْلُ الْغَيْرِ فِي الرِّضَا بِالتَّأْخِيرِ بِخِلَافِ التَّزْوِيجِ فَإِنَّهُ لَا يَسْقُطُ بِهِ حَقُّهَا مِنْ نَفْسِهَا فَيُعْتَبَرُ رِضَاهَا وَتَمْكِينُهَا مِنْ تَأْخِيرِ حَقِّهَا .
وَلَا يَجُوزُ هِبَةُ الْمُكَاتَبِ وَلَا صَدَقَتُهُ وَقَالَ ابْنُ أَبِي لَيْلَى يَتَوَقَّفُ عِتْقُهُ وَهِبَتُهُ وَصَدَقَتُهُ عَلَى سُقُوطِ حَقِّ الْمَوْلَى بِعِتْقِ الْمُكَاتَبِ فَإِذَا عَتَقَ نَفَذَ ذَلِكَ كُلُّهُ ؛ لِأَنَّهُ أَحَقُّ بِكَسْبِهِ فِي الْحَالِ ، وَلَكِنْ فِيهِ حَقُّ الْمَوْلَى عَلَى أَنْ يَصِيرَ مَمْلُوكًا إذَا عَجَزَ فَيَمْتَنِعُ نُفُوذُ هَذِهِ التَّصَرُّفَاتِ مِنْهُ فِي الْحَالِ لِمُرَاعَاةِ حَقِّ الْمَوْلَى فَإِذَا سَقَطَ حَقُّ الْمَوْلَى بِالْعِتْقِ فَقَدْ زَالَ الْمَانِعُ فَيَنْفُذُ تَصَرُّفُهُ كَالْوَارِثِ إذَا أَعْتَقَ عَبْدًا مِنْ التَّرِكَةِ الْمُسْتَغْرَقَةِ بِالدَّيْنِ ثُمَّ سَقَطَ الدَّيْنُ ، وَلَكِنَّا نَقُولُ هُوَ لَيْسَ بِأَهْلٍ لِلتَّبَرُّعَاتِ لِكَوْنِهِ عَبْدًا وَلِأَنَّ صِحَّةَ التَّبَرُّعَاتِ بِاعْتِبَارِ حَقِيقَةِ الْمِلْكِ وَهُوَ لَيْسَ مِنْ أَهْلِهِ وَلَا يَتَوَقَّفُ التَّصَرُّفُ إذَا صَدَرَ مِنْ غَيْرِ أَهْلٍ فَهُوَ كَالصَّبِيِّ إذَا أَعْتَقَ أَوْ وَهَبَ ثُمَّ بَلَغَ لَمْ يَنْفُذْ ذَلِكَ مِنْهُ وَلِأَنَّ بِالْعِتْقِ يَتِمُّ مِلْكُهُ فِي الْكَسْبِ مَقْصُورًا عَلَى الْحَالِ فَلَا يَنْفُذُ التَّبَرُّعُ السَّابِقُ عَلَيْهِ مِنْهُ .
أَلَا تَرَى أَنَّ الْمَوْلَى لَوْ كَانَ هُوَ الَّذِي أَعْتَقَ عَبْدَهُ أَوْ وَهَبَ كَسْبَهُ ثُمَّ عَجَزَ الْمُكَاتَبُ حَتَّى مَلَكَ الْمَوْلَى لَمْ يَنْفُذْ ذَلِكَ التَّصَرُّفُ مِنْهُ فَهَذَا مِثْلُهُ
وَلَا يَجُوزُ وَصِيَّةُ الْمُكَاتَبِ ، وَإِنْ تَرَكَ وَفَاءً ؛ لِأَنَّهُ تَبَرُّعٌ بَعْدَ الْمَوْتِ فَيَكُونُ كَتَبَرُّعِهِ فِي حَيَاتِهِ ( فَإِنْ قِيلَ ) أَلَيْسَ أَنَّهُ إذَا أُدِّيَتْ كِتَابَتُهُ يُحْكَمُ بِمَوْتِهِ حُرًّا وَلَوْ عَتَقَ فِي حَالَ حَيَاتِهِ وَجَبَ تَنْفِيذُ وَصِيَّتِهِ بِمَالٍ مُرْسَلٍ بَعْدَ مَوْتِهِ مِنْ ثُلُثِهِ فَكَذَلِكَ أُدِّيَتْ كِتَابَتُهُ ( قُلْنَا ) قَدْ بَيَّنَّا أَنَّ اسْتِنَادَ حُرِّيَّتِهِ إلَى آخِرِ حُكْمِ الْكِتَابَةِ لِلضَّرُورَةِ وَوَصِيَّتُهُ لَيْسَتْ مِنْ ذَلِكَ فِي شَيْءٍ وَلِأَنَّ حُرِّيَّتَهُ إنَّمَا تَسْتَنِدُ إلَى آخِرِ جُزْءٍ مِنْ أَجْزَاءِ حَيَاتِهِ وَتِلْكَ الْحَالَةُ لِلَطَافَتِهَا لَا تَتَّسِعُ لِلْوَصِيَّةِ وَلَا يَجُوزُ إقْرَاضُهُ وَلَا كَفَالَتُهُ ؛ لِأَنَّهُ تَبَرُّعٌ .
إلَّا أَنَّ كَفَالَتَهُ كَكَفَالَةِ الْعَبْدِ الْمَحْجُورِ عَلَيْهِ تَظْهَرُ فِي حَقِّهِ بَعْدَ الْعِتْقِ وَاسْتِقْرَاضُهُ جَائِزٌ ؛ لِأَنَّهُ تَبَرُّعٌ عَلَيْهِ وَهُوَ مِنْ أَهْلِهِ بِمَنْزِلَةِ قَبُولِ الْهِبَةِ وَالصَّدَقَةِ وَيَجُوزُ بَيْعُهُ وَشِرَاؤُهُ بِالْمُحَابَاةِ ؛ لِأَنَّهُ مِنْ التِّجَارَةِ وَقَدْ يَفْعَلُهُ التَّاجِرُ لِإِظْهَارِ الْمُسَامَحَةِ حَتَّى يَمِيلَ النَّاسُ إلَيْهِ وَيُحَابِي فِي تَصَرُّفٍ لِيَتَوَصَّلَ بِهِ إلَى تَصَرُّفٍ آخَرَ هُوَ أَنْفَعُ لَهُ ، وَكَذَلِكَ إنْ حَطَّ شَيْئًا بَعْدَ الْبَيْعِ بِعَيْبٍ اُدُّعِيَ عَلَيْهِ أَوْ زَادَ فِي ثَمَنِهِ شَيْئًا اشْتَرَاهُ فَهَذَا مِنْ صُنْعِ التِّجَارَةِ وَالْمُكَاتَبُ فِيمَا هُوَ مِنْ التِّجَارَةِ بِمَنْزِلَةِ الْحُرِّ
وَإِنْ أَعَارَ دَابَّةً أَوْ أَهْدَى هَدِيَّةً أَوْ دَعَا إلَى طَعَامٍ فَلَا بَأْسَ بِذَلِكَ وَهَذَا اسْتِحْسَانٌ ، فَأَمَّا فِي الْقِيَاسِ هَذَا كُلُّهُ تَبَرُّعٌ وَالْمُكَاتَبُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِ التَّبَرُّعِ ، وَلَكِنَّهُ اُسْتُحْسِنَ ، فَقَالَ : هَذَا مِنْ صُنْعِ التِّجَارَةِ ، فَإِنَّهُ لَا يَجِدُ بُدًّا مِنْ إيجَادِ الدَّعْوَةِ لِلْمُجَاهِرِينَ أَوْ الْإِهْدَاءِ إلَيْهِمْ أَوْ إعَارَةِ مَسْكَنٍ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ مِنْهُمْ إذَا أَتَوْهُ مِنْ بَلْدَةٍ أُخْرَى ، وَإِذَا لَمْ يَفْعَلْ ذَلِكَ تَفَرَّقُوا عَنْهُ فَلِكَوْنِهِ مِنْ تَوَابِعِ التِّجَارَةِ قُلْنَا يَمْلِكُهُ اسْتِحْسَانًا ، وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَكْسُوَ الثَّوْبَ ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ تَمْلِيكٌ لِعَيْنِ الثَّوْبِ بِطَرِيقِ التَّبَرُّعِ وَالتَّاجِرُ لَا يَحْتَاجُ إلَى ذَلِكَ عَادَةً ، وَكَذَلِكَ لَا يُعْطِي دِرْهَمًا فَصَاعِدًا ؛ لِأَنَّهُ تَبَرُّعٌ بِتَمْلِيكِ الْعَيْنِ بِخِلَافِ الْمَنْفَعَةِ فَالتُّجَّارُ يَتَوَسَّعُونَ فِي الْمَنَافِعِ مَا لَا يَتَوَسَّعُونَ فِي الْأَعْيَانِ فَفِي هَذَا إشَارَةٌ إلَى أَنَّ لَهُ أَنْ يُعْطِيَ دُونَ الدِّرْهَمِ ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يَحْتَاجُ إلَى ذَلِكَ عَادَةً فَإِنَّ مُجَاهِرَهُ إذَا شَرِبَ الْمَاءَ مِنْ سِقَاءٍ عَلَى بَابِ حَانُوتِهِ لَا يَجِدُ بُدًّا مِنْ إعْطَاءِ فَلْسٍ لِأَجْلِهِ وَمَا دُونَ الدِّرْهَمِ قَلِيلٌ يَتَوَسَّعُ فِيهِ النَّاسُ فَلِهَذَا يَمْلِكُهُ اسْتِحْسَانًا وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ وَإِلَيْهِ الْمَرْجِعُ وَالْمَآبُ .
بَابُ مُكَاتَبَةِ الْمُكَاتَبِ ( قَالَ ) رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَقَدْ بَيَّنَّا أَنَّ لِلْمُكَاتَبِ أَنْ يُكَاتِبَ اسْتِحْسَانًا ، فَإِنْ أَدَّى الثَّانِي قَبْلَ الْأَوَّلِ كَانَ وَلَاؤُهُ لِمَوْلَى الْأَوَّلِ ؛ لِأَنَّ الْأَوَّلَ صَارَ مُعْتَقًا فَيَخْلُفُهُ مَوْلَاهُ ؛ لِأَنَّ الْإِعْتَاقَ يَعْقُبُ الْوَلَاءَ وَهُوَ لَيْسَ بِأَهْلٍ لِلْوَلَاءِ ؛ لِأَنَّهُ رَقِيقٌ بَعْدُ فَيَخْلُفُهُ فِيهِ أَقْرَبُ النَّاسِ إلَيْهِ وَهُوَ مَوْلَاهُ كَالْعَبْدِ الْمَأْذُونِ إذَا اشْتَرَى شَيْئًا يَمْلِكُهُ مَوْلَاهُ بِهَذَا الطَّرِيقِ وَهُوَ أَنَّ الشِّرَاءَ مُوجِبٌ لِلْمِلْكِ فَإِذَا لَمْ يَكُنْ الْمُشْتَرِي مِنْ أَهْلِ الْمِلْكِ خَلَفَهُ فِي الْمِلْكِ أَقْرَبُ النَّاسِ إلَيْهِ وَهُوَ الْمَوْلَى ، فَإِنْ عَتَقَ الْأَوَّلُ بَعْدَ ذَلِكَ لَمْ يَرْجِعْ إلَيْهِ كَمَا لَا يَرْجِعُ الْمِلْكُ فِي كَسْبِ الْعَبْدِ إلَيْهِ بَعْدَ مَا يَعْتِقُهُ مَوْلَاهُ ، وَإِنْ سَبَقَ الْأَوَّلُ بِالْأَدَاءِ ثُمَّ أَدَّى الثَّانِي فَوَلَاؤُهُ لِلْأَوَّلِ ؛ لِأَنَّ الْوَلَاءَ يَعْقُبُ الْعِتْقَ وَإِنَّمَا عَتَقَ الثَّانِي بَعْدَ مَا تَمَّ الْمِلْكُ لِلْأَوَّلِ فِي رَقَبَتِهِ وَهُوَ مِنْ أَهْلِ الْوَلَاءِ لِحُرِّيَّتِهِ ، فَإِنْ قَتَلَ الْمَوْلَى مُكَاتَبَ مُكَاتَبِهِ وَقِيمَتُهُ أَلْفٌ وَمُكَاتَبُهُ خَمْسُمِائَةٍ وَقَدْ بَقِيَ عَلَى الْأَوَّلِ مِنْ مُكَاتَبَتِهِ مِائَةٌ فَعَلَى الْمَوْلَى قِيمَتُهُ أَلْفُ دِرْهَمٍ فِي ثَلَاثِ سِنِينَ .
يُقْتَصُّ مِنْ ذَلِكَ الْمِائَةُ الَّتِي بَقِيَتْ مِنْ مُكَاتَبَةِ الْأَوَّلِ إذَا كَانَتْ قَدْ حَلَّتْ وَحَلَّ مَا عَلَى الْمَوْلَى مِنْ الْقِيمَةِ فَيَعْتِقُ الْمُكَاتَبُ الْأَوَّلُ وَقَدْ صَارَ مُسْتَوْفِيًا مِنْ الثَّانِي ؛ لِأَنَّهُ مِنْ مُكَاتَبَتِهِ ثُمَّ يُعْطِيهِ الْمَوْلَى أَرْبَعَمِائَةٍ تَمَامَ مُكَاتَبَةِ الثَّانِي ، وَالْخَمْسُمِائَةِ الْبَاقِيَةُ مِيرَاثٌ لِلْمَوْلَى ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لِلثَّانِي وَارِثٌ فَهُوَ لِأَقْرَبِ النَّاسِ مِنْ الْمَوْلَى مِنْ الْعَصَبَةِ ؛ لِأَنَّ عِتْقَهُ يَسْتَنِدُ إلَى حَالِ حَيَاتِهِ وَالْأَوَّلُ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ كَانَ مُكَاتَبًا فَيَكُونُ وَلَاءُ الثَّانِي لِلْمَوْلَى إلَّا أَنَّ الْمَوْلَى قَاتِلٌ وَلَا مِيرَاثَ
لِلْقَاتِلِ فَكَانَ ذَلِكَ لِأَقْرَبِ عَصَبَةٍ لَهُ
وَإِنْ كَانَتْ مُكَاتَبَتُهُ أَلْفًا وَلَمْ يَحِلَّ عَلَى الْمُكَاتَبِ الْأَوَّلِ شَيْءٌ مِنْ نُجُومِهِ فَإِنَّ الْمَوْلَى يُؤَدِّي جَمِيعَ الْقِيمَةِ إلَى الْمُكَاتَبِ الْأَوَّلِ فِي ثَلَاثِ سِنِينَ ؛ لِأَنَّ الثَّانِيَ مَاتَ عَنْ وَفَاءٍ فَإِنَّ فِي قِيمَتِهِ وَفَاءٌ بِمُكَاتَبَتِهِ فَيَسْتَوْفِي الْأَوَّلُ مُكَاتَبَتَهُ مِنْ قِيمَتِهِ وَيُحْكَمُ بِحُرِّيَّتِهِ .
وَلَوْ لَمْ يَقْتُلْهُ الْمَوْلَى ، وَلَكِنْ قَتَلَهُ الْمُكَاتَبُ الْأَوَّلُ وَقِيمَةُ الْقَاتِلِ أَكْثَرُ فَعَلَيْهِ قِيمَةُ الْمَقْتُولِ يُسْتَوْفَى مِنْ ذَلِكَ كِتَابَتُهُ ، وَإِنْ فَضَلَ مِنْ قِيمَتِهِ شَيْءٌ أَدَّاهُ إلَى الْمَوْلَى ؛ لِأَنَّ وَلَاءَهُ لِلْمَوْلَى حِينَ عَتَقَ قَبْلَ الْأَوَّلِ فَيَكُونُ مَا فَضَلَ مِيرَاثًا
مُكَاتَبٌ كَاتَبَ عَبْدًا ثُمَّ مَاتَ الْأَوَّلُ عَنْ ابْنٍ حُرٍّ وَلَمْ يَتْرُكْ إلَّا مَا عَلَى الْآخَرِ ثُمَّ مَاتَ الْآخَرُ عَنْ ابْنٍ وُلِدَ لَهُ فِي الْمُكَاتَبَةِ فَعَلَيْهِ أَنْ يَسْعَى فِيمَا عَلَى ابْنِهِ فَيُؤَدِّيَ ذَلِكَ إلَى الْمَوْلَى مِنْ مُكَاتَبَةِ الْأَوَّلِ ؛ لِأَنَّ عَقْدَ كِتَابَةِ الْأَوَّلِ بَاقٍ بِبَقَاءِ دَيْنِهِ عَلَى الْمُكَاتَبِ الثَّانِي فَيُؤَدِّي مِنْهُ مُكَاتَبَتَهُ وَمَا فَضَلَ عَنْهَا فَهُوَ مِيرَاثٌ لِابْنِ الْأَوَّلِ عَنْ أَبِيهِ ؛ لِأَنَّهُ حُكِمَ بِحُرِّيَّتِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ وَوَلَاءُ الِابْنِ الْآخَرِ لِابْنِ الْأَوَّلِ ؛ لِأَنَّ عِتْقَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْمُكَاتَبَيْنِ يَسْتَنِدُ إلَى آخِرِ جُزْءٍ مِنْ أَجْزَاءِ حَيَاتِهِ فَإِنَّمَا حُكِمَ بِحُرِّيَّةِ الثَّانِي بَعْدَ الْحُكْمِ بِحُرِّيَّةِ الْأَوَّلِ فَيَكُونُ وَلَاؤُهُ وَوَلَاءُ وَلَدِهِ لِلْمُكَاتَبِ الْأَوَّلِ يَخْلُفُهُ فِيهِ ابْنُهُ .
مُكَاتَبٌ اشْتَرَى امْرَأَتَهُ وَلَمْ تَكُنْ وَلَدَتْ مِنْهُ ثُمَّ كَاتَبَهَا فَذَلِكَ جَائِزٌ وَمَا وَلَدَتْ بَعْدَ الْكِتَابَةِ فَهُوَ مَعَهَا فِي الْكِتَابَةِ ؛ لِأَنَّهُ جُزْءٌ مِنْهَا وَقَدْ صَارَتْ هِيَ أَحَقَّ بِنَفْسِهَا وَوَلَدِهَا بِعَقْدِ الْكِتَابَةِ ، فَإِنْ مَاتَ الْمُكَاتَبُ عَنْ وَفَاءٍ عَتَقَتْ هِيَ وَأَوْلَادُهَا ؛ لِأَنَّ كِتَابَةَ الْأَوَّلِ لَمَّا أُدِّيَتْ فَقَدْ حُكِمَ بِعِتْقِهِ وَصَارَتْ الْمُكَاتَبَةُ أُمَّ وَلَدٍ لَهُ فَتَعْتِقُ بِالِاسْتِيلَادِ هِيَ وَأَوْلَادُهَا وَأَخَذَ أَوْلَادُهَا مَا بَقِيَ مِنْ مِيرَاثِهِ بَعْدَ أَدَاءِ كِتَابَتِهِ ؛ لِأَنَّهُمْ عَتَقُوا فِي حَالِ حَيَاتِهِ حِينَ تَمَّ مِلْكُهُ فِيهِمْ وَهُمْ أَوْلَادُهُ ، فَإِنْ لَمْ يَتْرُكْ وَفَاءً فَالْمَرْأَةُ وَوَلَدُهَا بِالْخِيَارِ إنْ شَاءُوا سَعَوْا فِيمَا بَقِيَ عَلَى الْأَوَّلِ لِيَعْتِقُوا بِعِتْقِ الْأَوَّلِ ، وَإِنْ شَاءُوا سَعَوْا فِيمَا بَقِيَ عَلَى الْأُمِّ ؛ لِأَنَّهُمْ يَسْتَفِيدُونَ الْعِتْقَ بِأَدَاءِ ذَلِكَ كَمَا لَوْ أَدَّوْا إلَى الْمُكَاتَبِ فِي حَيَاتِهِ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَقَلِّ مِنْ ذَلِكَ ؛ لِأَنَّ الْعَبْدَ إنَّمَا يَتَخَيَّرُ بَيْنَ شَيْئَيْنِ لِرِفْقٍ لَهُ فِي أَحَدِهِمَا وَالرِّفْقُ فِي اخْتِيَارِ الْأَقَلِّ دُونَ الْأَكْثَرِ .
وَلَيْسَ لِلْمُكَاتَبِ أَنْ يُكَاتِبَ وَلَدَهُ وَلَا وَالِدَيْهِ ؛ لِأَنَّهُمْ دَخَلُوا فِي كِتَابَتِهِ تَبَعًا وَالْمُكَاتَبُ لَا يُكَاتِبُ ، وَلِأَنَّهُمْ بِمَنْزِلَةِ مَمْلُوكَيْنِ لِلْمَوْلَى حَتَّى لَا يَبِيعَهُمْ وَكَمَا لَا يُكَاتِبُ نَفْسَهُ فَكَذَلِكَ لَا يُكَاتِبُهُمْ وَلَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يُكَاتِبَ مَنْ لَا يَجُوزُ لَهُ بَيْعُهُ إلَّا أُمَّ وَلَدِهِ ؛ لِأَنَّ أُمَّ الْوَلَدِ ، وَإِنْ امْتَنَعَ بَيْعُهَا تَبَعًا لِوَلَدِهَا فَلَمْ تَدْخُلْ فِي مُكَاتَبَتِهِ حَتَّى لَا تَعْتِقَ بِعِتْقِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ وَلِأَنَّهَا لَمْ تَصِرْ مَمْلُوكَةً لِلْمَوْلَى حَتَّى لَا يَنْفُذَ عِتْقُهُ فِيهَا وَالْمُكَاتَبَةُ أَحَقُّ بِكَسْبِهَا فَإِذَا كَاتَبَهَا يَحْصُلُ لَهُ مَا هُوَ الْمَقْصُودُ بِعَقْدِ الْكِتَابَةِ ؛ لِأَنَّهَا تَصِيرُ أَحَقَّ بِمَكَاسِبِهَا .
وَإِذَا كَاتَبَ الْمُكَاتَبُ امْرَأَتَهُ وَلَمْ تَلِدْ مِنْهُ ثُمَّ وَلَدَتْ بَعْدَ الْكِتَابَةِ ثُمَّ مَاتَتْ الْمَرْأَةُ وَلَمْ تَتْرُكْ وَفَاءً فَالِابْنُ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ سَعَى فِيمَا بَقِيَ عَلَى أُمِّهِ لِيَعْتِقَ بِأَدَائِهِ ، وَإِنْ شَاءَ عَجَّزَ نَفْسَهُ فَيَكُونُ بِمَنْزِلَةِ أَبِيهِ ؛ لِأَنَّهُ تَلْقَاهُ جِهَتَا حُرِّيَّةٍ أَحَدُهُمَا بِبَدَلٍ يُؤَدِّيهِ وَالْآخَرُ بِغَيْرِ بَدَلٍ عَلَيْهِ وَهُوَ التَّبَعِيَّةُ لِأَبِيهِ فَيَمِيلُ إلَى أَيِّهِمَا شَاءَ .
وَإِذَا كَاتَبَ الْمُكَاتَبُ عَبْدًا لَهُ وُلِدَ عِنْدَهُ فِي مُكَاتَبَتِهِ ثُمَّ ادَّعَاهُ يَثْبُتُ النَّسَبُ مِنْهُ ؛ لِأَنَّ أَصْلَ الْعُلُوقِ كَانَ فِي حُكْمِ مِلْكِهِ ثُمَّ الِابْنُ بِالْخِيَارِ بَيْنَ الْمُضِيِّ عَلَى الْكِتَابَةِ وَبَيْنَ الْعَجْزِ لِمَا بَيَّنَّا ( فَإِنْ قِيلَ ) لَمَّا كَانَ لَا يُكَاتِبُهُ ابْتِدَاءً بَعْدَ ثُبُوتِ نَسَبِهِ مِنْهُ فَيَنْبَغِي أَنْ لَا تَبْقَى مُكَاتَبَتُهُ أَيْضًا ( قُلْنَا ) مِثْلُهُ لَا يَمْتَنِعُ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَا يَتَزَوَّجُ الْمُكَاتَبُ أَمَتَهُ ثُمَّ يَشْتَرِي امْرَأَتَهُ فَيَبْقَى النِّكَاحُ وَهَذَا لِأَنَّهُ يُصَدَّقُ فِي دَعْوَى النَّسَبِ لِمَا فِيهِ مِنْ الْمَنْفَعَةِ لِلْوَلَدِ وَلَا يُصَدَّقُ فِي إبْطَالِ مَا ثَبَتَ لَهُ مِنْ الْحَقِّ فِي كَسْبِهِ بِعَقْدِ الْكِتَابَةِ وَلِهَذَا لَا يُخَيَّرُ الْوَلَدُ .
وَإِذَا كَاتِب الْمُكَاتَبُ عَبْدًا لَهُ عَلَى نَفْسِهِ وَمَالِهِ أَوْ عَلَى نَفْسِهِ وَابْنِهِ فَهُوَ جَائِزٌ ؛ لِأَنَّ الْمُكَاتَبَ مَالِكٌ لِعَقْدِ الْكِتَابَةِ فِي مَكَاسِبِهِ بِمَنْزِلَةِ الْحُرِّ وَالْكِتَابَةُ مِنْ الْحُرِّ صَحِيحَةٌ بِهَذِهِ الصِّفَةِ فَكَذَلِكَ مِنْ الْمُكَاتَبِ .
وَإِذَا مَاتَ الْمَوْلَى عَنْ ابْنٍ وَابْنَةٍ وَلَهُ مُكَاتَبٌ فَأَعْتَقَهُ أَحَدُهُمَا فَعِتْقُهُ بَاطِلٌ ؛ لِأَنَّ الْمُكَاتَبَ لَا يُوَرَّثُ كَمَا لَا يُمْلَكُ بِسَائِرِ أَسْبَابِ الْمِلْكِ مَعَ قِيَامِ الْكِتَابَةِ وَلِأَنَّ الْمَوْلَى اسْتَحَقَّ وَلَاءَهُ بِعَقْدِ الْكِتَابَةِ فَفِي جَعْلِ رَقَبَتِهِ مِيرَاثًا إبْطَالُ هَذَا الِاسْتِحْقَاقِ عَلَى الْمَوْلَى فَالْمُعْتِقُ مِنْهُمَا أَضَافَ الْعِتْقَ إلَى مَا لَا يَمْلِكُهُ فَلَا يَنْفُذُ مِنْهُ وَلَا يَسْقُطُ بِهِ حِصَّتُهُ مِنْ الْبَدَلِ أَيْضًا ؛ لِأَنَّهُ أَضَافَ التَّصَرُّفَ إلَى مَا لَا يَمْلِكُهُ فَلَا يَظْهَرُ حُكْمُهُ فِيمَا يَمْلِكُهُ كَأَحَدِ الشَّرِيكَيْنِ فِي الْعَبْدِ إذَا أَعْتَقَ نَصِيبَ شَرِيكِهِ يَكُونُ لَغْوًا مِنْهُ وَلَا يَفْسُدُ الرِّقُّ فِي نَصِيبِهِ .
وَإِذَا أَعْتَقَ الْمُكَاتَبُ جَمِيعَ الْوَرَثَةِ فِي الْقِيَاسِ لَا يَنْفُذُ أَيْضًا وَلَا يَسْقُطُ حَقُّهُمْ فِي بَدَلِ الْكِتَابَةِ لِإِضَافَتِهِمْ التَّصَرُّفَ إلَى مَا لَيْسَ بِمِلْكٍ لَهُمْ وَفِي الِاسْتِحْسَانِ يَعْتِقُ وَيُجْعَلُ هَذَا بِمَنْزِلَةِ الْإِقْرَارِ مِنْهُمْ بِاسْتِيفَاءِ بَدَلِ الْكِتَابَةِ وَمَعْنَى هَذَا أَنَّ الْمُكَاتَبَ إنَّمَا يَعْتِقُ بَعْدَ مَوْتِ الْمَوْلَى بِإِيفَاءِ جَمِيعِ بَدَلِ الْكِتَابَةِ فَقَوْلُهُمْ هُوَ حُرٌّ يَكُونُ إقْرَارًا مِنْهُمْ بِمَا تَحْصُلُ بِهِ الْحُرِّيَّةُ لَهُ وَهُوَ إيفَاءُ بَدَلِ الْكِتَابَةِ بِخِلَافِ مَا إذَا قَالَ ذَلِكَ بَعْضُهُمْ ؛ لِأَنَّهُ لَا يَعْتِقُ شَيْءٌ مِنْهُ بِإِيفَاءِ نَصِيبِ أَحَدِهِمْ مِنْ بَدَلِ الْكِتَابَةِ فَلَا يَتَضَمَّنُ كَلَامُهُ الْإِقْرَارَ بِاسْتِيفَاءِ نَصِيبِهِ .
تَوْضِيحُهُ أَنَّ عِتْقَ جَمِيعِ الْمُكَاتَبِ مُسْقِطٌ لِبَدَلِ الْكِتَابَةِ عَنْهُ فَيُمْكِنُ إعْمَالُ كَلَامِهِمْ بِطَرِيقِ الْمَجَازِ وَهُوَ أَنْ يَكُونَ إسْقَاطًا مِنْهُمْ لِبَدَلِ الْكِتَابَةِ وَمَتَى تَعَذَّرَ الْعَمَلُ بِحَقِيقَةِ الْكَلَامِ يُعْمَلُ بِمَجَازِهِ إذَا أَمْكَنَ بِخِلَافِ مَا إذَا أَعْتَقَ أَحَدُهُمْ ؛ لِأَنَّ عِتْقَ الْبَعْضِ لَيْسَ بِمُسْقِطٍ عَنْهُ شَيْئًا مِنْ بَدَلِ الْكِتَابَةِ عَلَى مَا بَيَّنَّا إذَا أُعْتِقَ نِصْفُهُ بِالتَّدْبِيرِ بِمَوْتِ الْمَوْلَى لَا يَسْقُطُ عَنْهُ شَيْءٌ مِنْ بَدَلِ الْكِتَابَةِ بِخِلَافِ مَا إذَا أَعْتَقَهُ كُلَّهُ فَقَدْ تَعَذَّرَ الْعَمَلُ بِحَقِيقَةِ كَلَامِهِ وَمَجَازِهِ فِي مِلْكِهِ فَلِهَذَا كَانَ لَغْوًا ثُمَّ وَلَاؤُهُ لِلِابْنِ دُونَ الِابْنَةِ لِمَا بَيَّنَّا أَنَّ الْمَوْلَى اسْتَحَقَّ وَلَاءَهُ وَإِنَّمَا عَتَقَ عَلَى مِلْكِهِ فَيَخْلُفُهُ ابْنُهُ فِي وَلَائِهِ ؛ لِأَنَّهُ عَصَبَتُهُ ، وَإِنْ وَهَبَ لَهُ أَحَدُهُمَا نَصِيبَهُ مِنْ الْمَالِ فَذَلِكَ جَائِزٌ ؛ لِأَنَّ الْمَالَ صَارَ مِيرَاثًا لَهُمَا فَإِنَّمَا أَضَافَ الْوَاهِبُ تَصَرُّفَهُ إلَى مِلْكِهِ وَلَا يَعْتِقُ شَيْءٌ مِنْهُ ؛ لِأَنَّهُ سَقَطَ عَنْهُ بَعْضُ الْبَدَلِ وَلَا مُوجِبَ لِذَلِكَ فِي الْعِتْقِ كَمَا لَوْ أَوْفَى بَعْضَ الْبَدَلِ ، فَإِنْ عَجَزَ فَرُدَّ فِي الرِّقِّ فَنَصِيبُ الْوَاهِبِ فِي
الرَّقَبَةِ مِلْكٌ لَهُ ؛ لِأَنَّ الْكِتَابَةَ انْفَسَخَتْ بِالْعَجْزِ وَصَارَتْ الرَّقَبَةُ مِيرَاثًا لَهُمَا وَلَيْسَ لِهِبَةِ بَدَلِ الْكِتَابَةِ تَأْثِيرٌ فِي انْتِقَالِ مِلْكِهِ عَنْ الرَّقَبَةِ وَلِأَنَّهُ تَبَيَّنَ أَنَّ مِيرَاثَهُمْ كَانَ هُوَ الرَّقَبَةُ دُونَ الْمَالِ فَكَانَ هِبَتُهُ لِنَصِيبِهِ مِنْ الْمَالِ لَغْوًا وَهَذَا بِخِلَافِ مَا إذَا كَاتَبَ رَجُلَانِ عَبْدًا لَهُمَا ثُمَّ وَهَبَ أَحَدُهُمَا نَصِيبَهُ مِنْ الْبَدَلِ فَإِنَّ هُنَاكَ يَعْتِقُ نَصِيبُهُ ؛ لِأَنَّهُ مِلْكٌ لِنَصِيبِهِ حَتَّى يَمْلِكَ إعْتَاقَهُ فَيَجْعَلَ هِبَتَهُ لِنَصِيبِهِ مِنْ الْبَدَلِ كَإِعْتَاقِهِ وَهُنَا أَحَدُ الْوَارِثَيْنِ لَا يَمْلِكُ إعْتَاقَهُ فَلِهَذَا لَا يَعْتِقُ شَيْءٌ مِنْهُ بِهِبَةِ نَصِيبِهِ مِنْ الْمَالِ مِنْهُ ، وَإِنْ وَهَبَ مِنْهُ جَمِيعُ الْوَرَثَةِ الْمَالَ عَتَقَ اسْتِحْسَانًا كَمَا لَوْ أَعْتَقَهُ جَمِيعُ الْوَرَثَةِ وَهَذَا أَظْهَرُ ؛ لِأَنَّ ذِمَّتَهُ بَرِئَتْ عَنْ جَمِيعِ الْمَالِ حِينَ وَهَبُوهُ لَهُ وَبَرَاءَةُ ذِمَّةِ الْمُكَاتَبِ تُوجِبُ حُرِّيَّتَهُ .
وَإِذَا أَدَّى الْمُكَاتَبُ مُكَاتَبَتَهُ إلَى الْوَرَثَةِ دُونَ الْوَصِيِّ وَعَلَى الْمَيِّتِ دَيْنٌ يُحِيطُ بِذَلِكَ أَوْ لَا يُحِيطُ لَمْ يَعْتِقْ ؛ لِأَنَّهُ لَا حَقَّ لِلْوَرَثَةِ فِي قَبْضِ بَدَلِ الْكِتَابَةِ مِنْهُ مَادَامَ عَلَى الْمَيِّتِ دَيْنٌ فَأَدَاؤُهُ إلَيْهِمْ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ كَأَدَائِهِ إلَيْهِمْ قَبْلَ مَوْتِ الْمَوْلَى ، وَإِنْ أَدَّاهَا إلَى الْوَصِيِّ عَتَقَ كَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ أَوْ لَمْ يَكُنْ وَصَلَ ذَلِكَ إلَى الْغَرِيمِ وَالْوَارِثِ أَوْ لَمْ يَصِلْ ؛ لِأَنَّ الْوَصِيَّ قَائِمٌ مَقَامَ الْمُوصِي وَالْأَدَاءُ إلَيْهِ كَأَدَاءٍ إلَى الْمُوصِي ، وَكَذَلِكَ إنْ كَانَتْ الْوَرَثَةُ حِينَ قَبَضُوا مِنْهُ دَفَعُوا إلَى الْمُوصِي فَهُوَ كَدَفْعِ الْمُكَاتَبِ بِنَفْسِهِ إلَى الْوَصِيِّ ، وَإِذَا أَدَّاهَا إلَى بَعْضِ الْوَرَثَةِ وَلَا دَيْنَ عَلَى الْمَيِّتِ لَمْ يَعْتِقْ إلَّا أَنْ يُوَصِّلَ الْوَارِثُ إلَى الْآخَرِينَ أَنْصِبَاءَهُمْ إنْ كَانُوا كِبَارًا أَوْ إلَى الْوَصِيِّ نَصِيبَ الصَّغِيرِ فَحِينَئِذٍ يَعْتِقُ ؛ لِأَنَّ حَقَّ الْقَبْضِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ فِي نَصِيبِهِ وَلَا وِلَايَةَ لِلْقَابِضِ عَلَى الْآخَرِينَ فَلَا يَعْتِقُ بِقَبْضِهِ مَا لَمْ يُوَصِّلْ إلَيْهِمْ أَنْصِبَاءَهُمْ وَلَهُمْ الْخِيَارُ إنْ شَاءُوا اتَّبَعُوا الْمُكَاتَبَ بِحِصَصِهِمْ ، وَإِنْ شَاءُوا اتَّبَعُوا الْوَارِثَ الْقَابِضَ بِمَنْزِلَةِ سَائِرِ الدُّيُونِ إذَا اقْتَضَاهَا الْغَرِيمُ بَعْضَ الْوَرَثَةِ ، وَلَا يَعْتِقُ الْمُكَاتَبُ حَتَّى يَقَعَ فِي يَدِ كُلِّ إنْسَانٍ نَصِيبُهُ ؛ لِأَنَّهُ لَا يَسْتَفِيدُ الْبَرَاءَةَ إلَّا بِذَلِكَ وَلَوْ أَدَّى الْمُكَاتَبَةَ إلَى الْوَرَثَةِ وَهُمْ صِغَارٌ فَذَلِكَ بَاطِلٌ ؛ لِأَنَّهُ لَا يَسْتَفِيدُ الْبَرَاءَةَ بِقَبْضِهِمْ فَإِنَّ قَبْضَ الصَّبِيُّ دَيْنَهُ مِنْ غَرِيمِهِ بَاطِلٌ فَمَا لَمْ يَصِلْ إلَى وَصِيِّهِ لَا يَعْتِقُ .
وَإِنْ كَانَ عَلَى الْمَيِّتِ دَيْنٌ يُحِيطُ بِالْمُكَاتَبَةِ فَأَعْطَاهَا الْمُكَاتَبُ إلَى الْغُرَمَاءِ فَذَلِكَ جَائِزٌ إذَا أَخَذَ كُلُّ ذِي حَقٍّ حَقَّهُ مِنْهَا ؛ لِأَنَّهُ أَوْصَلَ الْحَقَّ إلَى مُسْتَحِقِّهِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ دَيْنٌ فَأَعْطَاهَا الْوَرَثَةُ وَهُمْ كِبَارٌ فَاقْتَسَمُوهَا بَيْنَهُمْ بِالْحِصَصِ كَانَ ذَلِكَ جَائِزٌ فَكَذَلِكَ الْغُرَمَاءُ .
وَإِذَا أَوْصَى بِمَا عَلَى مُكَاتَبِهِ لِرَجُلٍ وَهُوَ يَخْرُجُ مِنْ الثُّلُثِ فَأَدَّاهَا إلَى الْمُوصَى لَهُ جَازَ ؛ لِأَنَّهُ تَعَيَّنَ مُسْتَحِقًّا لِمَا عَلَيْهِ بِإِيجَابِ الْمُوصَى لَهُ ، وَكَذَلِكَ إذَا أَدَّاهَا إلَى الْوَصِيِّ ؛ لِأَنَّهُ قَائِمٌ مَقَامَ الْمُوصِي فِيمَا هُوَ مِنْ حَقِّهِ وَتَنْفِيذُ الْوَصِيَّةِ مِنْ حَقِّهِ فَكَانَ لِلْوَصِيِّ أَنْ يَقْبِضَ لَيُنَفِّذَ الْوَصِيَّةَ فِيهِ فَلِهَذَا عَتَقَ الْمُكَاتَبُ بِالدَّفْعِ إلَيْهِ وَصَلَ إلَى الْمُوصَى لَهُ أَوْ لَمْ يَصِلْ ، وَإِنْ أَدَّاهَا إلَى الْوَارِثِ لَمْ يَعْتِقْ حَتَّى يَصِلَ إلَى الْمُوصَى لَهُ ؛ لِأَنَّهُ لَا حَقَّ لِلْوَارِثِ فِي هَذَا الْمَالِ ، وَكَذَلِكَ لَوْ كَانَ أَوْصَى بِثُلُثِ مَالِهِ لَمْ يَعْتِقْ الْمُكَاتَبُ بِالْأَدَاءِ إلَى الْوَارِثِ حَتَّى يَصِلَ الثُّلُثُ إلَى الْمُوصَى لَهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ .
بَابُ الْمُكَاتَبَةِ مِنْ الْمَرِيضِ وَالْمُرْتَدِّ ( قَالَ ) وَإِذَا كَاتَبَ الرَّجُلُ عَبْدَهُ فِي مَرَضِهِ عَلَى مُكَاتَبَةِ مِثْلِهِ وَلَا مَالَ لَهُ غَيْرُهُ ثُمَّ مَاتَ الْمَوْلَى فَإِنَّهُ يُقَالُ لِلْمُكَاتَبِ عَجِّلْ الثُّلُثَيْنِ مِنْ الْمُكَاتَبَةِ وَالثُّلُثُ عَلَيْك إلَى الْأَجَلِ ، فَإِنْ لَمْ يُعَجِّلْ رُدَّ رَقِيقًا ؛ لِأَنَّ التَّأْجِيلَ تَبَرُّعٌ مِنْهُ وَالتَّبَرُّعُ فِي مَرَضِهِ بِالتَّأْخِيرِ كَتَبَرُّعِهِ بِالْإِسْقَاطِ فَلَا يَصِحُّ إلَّا فِي ثُلُثِهِ بِخِلَافِ مَا إذَا كَاتَبَهُ فِي صِحَّتِهِ ؛ لِأَنَّ تَأْجِيلَهُ هُنَاكَ صَحِيحٌ مُطْلَقًا لِكَوْنِهِ مَالِكًا لِلتَّبَرُّعِ بِالْإِسْقَاطِ فِي صِحَّتِهِ وَلَا يَبْطُلُ الْأَجَلُ بِمَوْتِ الْمَوْلَى ؛ لِأَنَّهُ حَقُّ الْمُكَاتَبِ ، وَإِنْ كَانَ كَاتَبَهُ عَلَى أَكْثَرَ مِنْ قِيمَتِهِ أَضْعَافًا فَكَذَلِكَ الْجَوَابُ فِي قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَفِي قَوْلِ مُحَمَّدٍ رِضْوَانُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ أَجْمَعِينَ تَأْجِيلُهُ فِيمَا زَادَ عَلَى مِقْدَارِ قِيمَتِهِ صَحِيحٌ ، وَكَذَلِكَ فِي قَدْرِ ثُلُثِ قِيمَتِهِ وَإِنَّمَا يَلْزَمُهُ أَنْ يُعَجِّلَ قَدْرَ ثُلُثَيْ قِيمَتِهِ ؛ لِأَنَّ مَا زَادَ عَلَى قَدْرِ قِيمَتِهِ فَقَدْ كَانَ لِلْمَرِيضِ أَنْ لَا يَتَمَلَّكَهُ أَصْلًا وَلَا يَثْبُتُ حَقُّ وَرَثَتِهِ فِيهِ بِأَنْ يُكَاتِبَهُ عَلَى قِيمَتِهِ ، فَإِنْ تَمَلَّكَهُ مُؤَجَّلًا صَحَّ تَأْجِيلُهُ مُطْلَقًا كَالْمَرِيضَةِ إذَا زَوَّجَتْ نَفْسَهَا بِمَهْرٍ مُؤَجَّلٍ صَحَّ تَأْجِيلُهَا فِي ذَلِكَ ؛ لِأَنَّ لَهَا أَنْ لَا تَتَمَلَّكَ ذَلِكَ أَصْلًا بِأَنْ لَا تُزَوِّجَ نَفْسَهَا أَصْلًا وَهُمَا يَقُولَانِ : جَمِيعُ الْبَدَلِ مُسَمًّى فِي الْكِتَابَةِ بِمُقَابَلَةِ مَا هُوَ حَقٌّ لِلْمَوْلَى فِي رَقَبَتِهِ ، فَلَا يَصِحُّ التَّأْخِيرُ إلَّا فِي ثُلُثِهِ كَمَا لَوْ كَاتَبَهُ عَلَى قِيمَتِهِ وَهَذَا لِأَنَّ حَقَّ الْمَوْلَى فِي مَالِيَّةِ الرَّقَبَةِ وَقَدْ تَعَلَّقَ بِهِ حَقُّ الْوَرَثَةِ فِي ذَلِكَ فَكَانَ جَمِيعُ الْبَدَلِ بِمُقَابَلَةِ مَا تَعَلَّقَ بِهِ حَقُّ الْوَرَثَةِ فَلِهَذَا لَا يَصِحُّ التَّأْجِيلُ إلَّا فِي ثُلُثِهِ بِخِلَافِ الْمَهْرِ فَإِنَّهُ بَدَلٌ عَمَّا لَا حَقَّ
لِلْوَارِثِ فِيهِ وَإِنَّمَا يَثْبُتُ حَقُّ الْوَارِثِ فِيهِ ابْتِدَاءً فَإِذَا كَانَ مُؤَجَّلًا لَمْ يَثْبُتْ حَقُّهُمْ إلَّا بِتِلْكَ الصِّفَةِ .
وَلَوْ كَاتَبَهُ فِي مَرَضِهِ عَلَى مُكَاتَبَةِ مِثْلِهِ ثُمَّ أَقَرَّ بِاسْتِيفَائِهَا لَمْ يُصَدَّقْ إلَّا مِنْ الثُّلُثِ ؛ لِأَنَّ مَا بَاشَرَهُ فِي الْمَرَضِ مِنْ الْمُكَاتَبَةِ وَالْإِقْرَارِ بِالِاسْتِيفَاءِ بِمَنْزِلَةِ الْإِعْتَاقِ وَلِأَنَّهُ يَتَمَكَّنُ تُهْمَةَ الْمُوَاضَعَةِ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ لَمَّا عَلِمَ أَنَّهُ لَوْ أَعْتَقَهُ كَانَ مِنْ ثُلُثِهِ وَاضَعَهُ عَلَى هَذَا لِيَحْصُلَ مَقْصُودُهُ بِهَذَا الطَّرِيقِ فَلَا يُصَدَّقُ فِي حَقِّ الْوَرَثَةِ ، وَلَكِنْ إنْ كَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ يُحِيطُ بِمَا لَهُ لَا يُصَدَّقُ فِي شَيْءٍ .
إلَّا أَنَّ الْعَبْدَ يَعْتِقُ وَيُؤْخَذُ بِالْكِتَابَةِ كَمَا لَوْ أَعْتَقَهُ ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ دَيْنٌ وَهُوَ يَخْرُجُ مِنْ ثُلُثِ مَالِهِ فَهُوَ حُرٌّ وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ سِوَاهُ فَعَلَيْهِ السِّعَايَةُ فِي الثُّلُثَيْنِ فِي الْمُكَاتَبَةِ لِلْوَرَثَةِ إلَّا أَنْ تَكُونَ قِيمَتُهُ أَقَلَّ فَحِينَئِذٍ يَسْعَى فِي ثُلُثَيْ قِيمَتِهِ ؛ لِأَنَّ تُهْمَةَ الْمُوَاضَعَةِ إنَّمَا تَمَكَّنَتْ فِي مِقْدَارِ الْقِيمَةِ وَلَا تَتَمَكَّنُ فِي الزِّيَادَةِ عَلَى ذَلِكَ فَيَصِحُّ إقْرَارُهُ بِاسْتِيفَائِهِ وَيُجْعَلُ هَذَا وَإِعْتَاقُهُ فِي مَرَضِهِ ابْتِدَاءً سَوَاءً ، وَكَذَلِكَ لَوْ أَقَرَّ أَنَّهُ كَانَ كَاتَبَهُ فِي صِحَّتِهِ وَاسْتَوْفَى ؛ لِأَنَّ إقْرَارَهُ لَا يَصِحُّ فِي الْمَرَضِ إلَّا بِمَا يَمْلِكُ إنْشَاءَهُ وَتَتَمَكَّنُ فِيهِ تُهْمَةُ الْمُوَاضَعَةِ كَمَا بَيَّنَّا .
وَإِنْ كَاتَبَهُ فِي صِحَّتِهِ ثُمَّ أَقَرَّ فِي مَرَضِهِ بِالِاسْتِيفَاءِ صَدَقَ ذَلِكَ ؛ لِأَنَّ تُهْمَةَ الْمُوَاضَعَةِ هُنَا مُنْتَفِيَةٌ حِينَ بَاشَرَ الْعَقْدَ فِي صِحَّتِهِ لِتَمَكُّنِهِ مِنْ إعْتَاقِهِ يَوْمَئِذٍ ثُمَّ الْمُكَاتَبُ يَسْتَحِقُّ بَرَاءَةَ ذِمَّتِهِ فِي إقْرَارِهِ بِالِاسْتِيفَاءِ فَلَا يَبْطُلُ ذَلِكَ الِاسْتِحْقَاقُ بِمَرَضِهِ بِخِلَافِ مَا إذَا كَاتَبَهُ فِي مَرَضِهِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ بَاعَهُ فِي صِحَّتِهِ مِنْ إنْسَانٍ ثُمَّ أَقَرَّ فِي مَرَضِهِ بِاسْتِيفَاءِ الثَّمَنِ كَانَ مُصَدَّقًا فِي حَقِّ غُرَمَاءِ الصِّحَّةِ بِخِلَافِ مَا لَوْ كَانَ بَاعَهُ فِي مَرَضِهِ .
وَلَوْ أَنَّ مُكَاتَبًا أَقَرَّ عِنْدَ مَوْتِهِ أَنَّهُ كَاتَبَ عَبْدَهُ فُلَانًا وَاسْتَوْفَى مُكَاتَبَتَهُ لَمْ يَجُزْ قَوْلُهُ ؛ لِأَنَّ هَذَا بِمَنْزِلَةِ الْإِعْتَاقِ وَالْمُكَاتَبُ لَا يَمْلِكُ ذَلِكَ أَصْلًا وَلِأَنَّ هَذَا مِنْ الْحُرِّ صَحِيحٌ مِنْ ثُلُثِهِ وَلَيْسَ لِلْمُكَاتَبِ ثُلُثٌ فَلِهَذَا كَانَ عَلَى الْآخَرِ أَنْ يَسْعَى فِي جَمِيعِ الْمُكَاتَبَةِ ، وَكَذَلِكَ لَوْ كَاتَبَهُ فِي مَرَضِهِ بِأَقَلَّ مِنْ قِيمَتِهِ لَمْ يَجُزْ ؛ لِأَنَّ مُحَابَاتَهُ وَصِيَّةٌ وَالْوَصِيَّةُ مِنْ الْمُكَاتَبِ بَاطِلَةٌ .
وَلَوْ كَاتَبَهُ عَلَى مُكَاتَبَةِ مِثْلِهِ أُمِرَ الْآخَرُ أَنْ يُعَجِّلَ مُكَاتَبَتَهُ كُلَّهَا وَإِلَّا رُدَّ فِي الرِّقِّ ؛ لِأَنَّ تَأْجِيلَهُ تَبَرُّعٌ مِنْهُ وَالْمُكَاتَبُ الْمَرِيضُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِهِ ، فَإِنْ بَرَأَ مِنْ مَرَضِهِ صَحَّ ذَلِكَ مِنْهُ ؛ لِأَنَّ الْمَرَضَ إذَا تَعَقَّبَهُ بُرْءٌ فَهُوَ كَحَالَةِ الصِّحَّةِ .
وَلَوْ أَوْصَى رَجُلٌ فَقَالَ كَاتِبُوا عَبْدِي عَلَى كَذَا إلَى أَجَلِ كَذَا إنْ حَدَثَ بِي الْمَوْتُ وَذَلِكَ كِتَابَةُ مِثْلِهِ أَجَزْت ذَلِكَ إنْ كَانَ يَخْرُجُ مِنْ الثُّلُثِ كَمَا لَوْ بَاشَرَهُ بِنَفْسِهِ ؛ لِأَنَّهُ أَوْصَى بِمَا هُوَ مِنْ حَاجَتِهِ وَقَصَدَ بِهِ اسْتِحْقَاقَ وِلَايَةٍ فَهُوَ كَمَا لَوْ أَوْصَى بِعِتْقِهِ ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ غَيْرُهُ عَرَضْت عَلَيْهِ أَنْ يُعَجِّلَ الثُّلُثَيْنِ وَيُؤَخِّرَ الثُّلُثَ إنْ قَبِلَ الْكِتَابَةَ كَمَا لَوْ بَاشَرَهُ فِي حَيَاتِهِ ، فَإِنْ أَبَى لَمْ يُكَاتَبْ ؛ لِأَنَّ عَقْدَ الْكِتَابَةِ لَمْ يَتِمَّ بِدُونِ رِضَاهُ ، وَكَذَلِكَ إنْ حَطَّ عَنْهُ مِنْهَا شَيْئًا يَكُونُ أَكْثَرَ مِنْ الثُّلُثِ وَلَوْ كَانَ مُكَاتَبٌ أَوْصَى بِهَذَا فِي عَبْدِهِ لَمْ يَجُزْ ؛ لِأَنَّهُ وَصِيَّةٌ وَلَا يَجُوزُ لِلْمُكَاتَبِ أَنْ يُوصِيَ بِشَيْءٍ ، وَإِنْ تَرَكَ وَفَاءً .
وَلَوْ كَاتَبَ رَجُلٌ عَبْدَهُ فِي مَرَضِهِ وَلَا مَالَ لَهُ غَيْرُهُ فَأَجَازَ الْوَرَثَةُ فِي حَيَاتِهِ فَلَهُمْ أَنْ يَمْتَنِعُوا مِنْ الْإِجَازَةِ بَعْدَ مَوْتِهِ كَمَا فِي سَائِرِ الْوَصَايَا وَهَذَا لِأَنَّهُمْ أَجَازُوا قَبْلَ تَقَرُّرِ حَقِّهِمْ ؛ لِأَنَّ حَقَّهُمْ إنَّمَا يَثْبُتُ فِي الْحَقِيقَةِ بَعْدَ مَوْتِ الْمَوْلَى وَلِأَنَّ إجَازَتَهُمْ فِي الْحَيَاةِ لِلِاسْتِحْيَاءِ مِنْهُ فَلَا يَكُونُ ذَلِكَ دَلِيلَ الرِّضَا مِنْهُمْ وَإِنَّمَا دَلِيلُ الرِّضَا الْإِجَازَةُ بَعْدَ الْمَوْتِ
( قَالَ ) وَإِنْ كَاتَبَ الْمُرْتَدُّ عَبْدَهُ فَكِتَابَتُهُ مَوْقُوفَةٌ إنْ أَسْلَمَ جَازَ ، وَإِنْ قُتِلَ عَلَى رِدَّتِهِ أَوْ مَاتَ أَوْ لَحِقَ بِدَارِ الْحَرْبِ بَطَلَتْ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى كِتَابَتُهُ جَائِزَةٌ .
إلَّا أَنَّ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى تَجُوزُ جَوَازَهَا مِنْ الْأَصِحَّاءِ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى مِنْ الْمَرِيضِ حَتَّى تُعْتَبَرَ مِنْ ثُلُثِهِ وَهُوَ بِمَنْزِلَةِ اخْتِلَافِهِمْ فِي سَائِرِ تَصَرُّفَاتِ الْمُرْتَدِّ .
وَإِذَا قَسَّمَ الْقَاضِي مَالَ الْمُرْتَدِّ بَيْنَ وَرَثَتِهِ ثُمَّ كَاتَبَ الْوَارِثُ عَبْدًا مِنْ تَرِكَتِهِ ثُمَّ تَابَ الْمُرْتَدُّ وَرَجَعَ فَوَجَدَ الْمُكَاتَبَ فَهُوَ مُكَاتَبٌ لَهُ يُؤَدِّي إلَيْهِ وَيَعْتِقُ وَوَلَاءَهُ لَهُ كَأَنَّهُ هُوَ الَّذِي كَاتَبَهُ وَعَلَى قَوْلِ زُفَرَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى لَا سَبِيلَ لَهُ عَلَيْهِ ؛ لِأَنَّ الْوَارِثَ بِتَصَرُّفِهِ اسْتَحَقَّ وَلَاءَهُ فَكَأَنَّهُ أَعْتَقَهُ وَلِأَنَّ الْمُكَاتَبَ غَيْرُ مُحْتَمِلٍ لِلنَّقْلِ مِنْ مِلْكٍ إلَى مِلْكٍ فَلَا يَعُودُ إلَيْهِ مِنْ مِلْكِ الْوَارِثِ كَالْمُدَبَّرِ وَأُمِّ الْوَلَدِ ، وَلَكِنَّا نَقُولُ اسْتِحْقَاقُ الْعِتْقِ لَا يَثْبُتُ بِنَفْسِ الْكِتَابَةِ وَلِهَذَا كَانَ مُحْتَمِلًا لِلْفَسْخِ وَالْمُرْتَدُّ إذَا تَابَ لَا يَتَمَلَّكُ مَالَهُ عَلَى الْوَارِثِ ، وَلَكِنَّهُ يَعُودُ إلَى قَدِيمِ مِلْكِهِ كَمَا كَانَ ، وَعَقْدُ الْكِتَابَةِ لَا يَمْنَعُ مِنْ ذَلِكَ أَلَا تَرَى أَنَّ الْمُكَاتَبَ إذَا كَاتَبَ عَبْدًا لَهُ ثُمَّ عَجَزَ الْأَوَّلُ كَانَ الثَّانِي مُكَاتَبًا لِلْمَوْلَى وَيُجْعَلُ كَأَنَّ الْأَوَّلَ كَانَ نَائِبًا عَنْ الْمَوْلَى فِي مُكَاتَبَتِهِ فَكَذَلِكَ هُنَا يُجْعَلُ الْوَارِثُ كَالنَّائِبِ عَنْهُ فِي مُكَاتَبَتِهِ .
وَكِتَابَةُ الْمُرْتَدَّةِ وَعِتْقُهَا وَبَيْعُهَا جَائِزٌ كَمَا يَكُونُ فِي الْإِسْلَامِ ؛ لِأَنَّ نَفْسَهَا تَتَوَقَّفُ بِالرِّدَّةِ حَتَّى لَا تُقْتَلَ فَكَذَلِكَ مِلْكُهَا بِخِلَافِ الْمُرْتَدِّ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى ، وَإِنْ كَاتَبَتْ عَلَى خَمْرٍ أَوْ خِنْزِيرٍ فَإِنِّي أُبْطِلُ ذَلِكَ وَلَا أُجِيزُ عَلَيْهَا إلَّا مَا يَجُوزُ مِنْهَا قَبْلَ الرِّدَّةِ ؛ لِأَنَّهَا مُجْبَرَةٌ عَلَى الْإِسْلَامِ فَكَانَ حُكْمُ الْإِسْلَامِ بَاقِيًا فِي حَقِّهَا .
وَإِذَا ارْتَدَّ الْعَبْدُ وَالْمَوْلَى مُسْلِمٌ فَكَاتَبَهُ جَازَ ؛ لِأَنَّ الْمَانِعَ مِنْ نُفُوذِ تَصَرُّفِ الْمُرْتَدِّ تَوَقُّفُ مِلْكِهِ عَلَى حَقِّ وَرَثَتِهِ وَذَلِكَ لَا يُوجَدُ فِي الْعَبْدِ وَلِأَنَّهُ مَحْضُ مَنْفَعَةٍ فِي حَقِّهِ بِمَنْزِلَةِ قَبُولِ الْهِبَةِ ، فَإِنْ قُتِلَ وَتَرَكَ مَالًا أُخِذَتْ الْكِتَابَةُ مِنْ مَالِهِ وَالْبَاقِي مِيرَاثٌ لِوَرَثَتِهِ ؛ لِأَنَّهُ حُكِمَ بِحُرِّيَّتِهِ مُسْتَنِدًا إلَى حَالِ حَيَاتِهِ وَالْمُرْتَدُّ الْحُرُّ يَرِثُهُ الْوَرَثَةُ الْمُسْلِمُونَ ، وَكَذَلِكَ لَوْ تَرَكَ وَلَدًا وُلِدَ لَهُ فِي الْمُكَاتَبَةِ يَسْعَى فِيمَا عَلَيْهِ ؛ لِأَنَّ مَوْتَهُ عَمَّنْ يُؤَدِّي بَدَلَ الْكِتَابَةِ كَمَوْتِهِ عَمَّا يُؤَدِّي بِهِ بَدَلَ الْكِتَابَةِ .
وَإِذَا ارْتَدَّ الْمُكَاتَبُ وَلَحِقَ بِدَارِ الْحَرْبِ وَاكْتَسَبَ مَالًا فَأُخِذَ أَسِيرًا فَأَبَى أَنْ يُسْلِمَ فَإِنَّهُ يُقْتَلُ وَيَسْتَوْفِي مَوْلَاهُ مِنْ كَسْبِهِ مُكَاتَبَتَهُ وَالْبَاقِي مِيرَاثٌ اسْتِحْسَانًا وَكَانَ الْقِيَاسُ أَنْ يَكُونَ كُلُّهُ لِمَوْلَاهُ إنْ كَانَ عَبْدًا ، وَإِنْ كَانَ حُرًّا فَهُوَ فَيْءٌ ؛ لِأَنَّهُ كَسْبُ رِدَّتِهِ وَأَبُو حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ لَا يَقُولُ بِتَوْرِيثِ كَسْبِ الرِّدَّةِ عَنْ الْمُرْتَدِّ إذَا كَانَ حُرًّا ، وَلَكِنْ يُجْعَلُ ذَلِكَ فَيْئًا لِلْمُسْلِمِينَ فَكَذَلِكَ فِي الْمُكَاتَبِ ، وَلَكِنَّهُ اسْتَحْسَنَ هُنَا فَقَالَ فِي كَسْبِ الْمُكَاتَبِ حَقٌّ لِمَوْلَاهُ عَلَى مَعْنَى أَنَّهُ مَتَى عَجَزَ كَانَ كَسْبُهُ لِمَوْلَاهُ وَالْمَوْلَى مُسْلِمٌ فَقِيَامُ حَقِّهِ يَمْنَعُ مِنْ أَنْ يَكُونَ كَسْبُهُ فَيْئًا فَلِهَذَا يُجْعَلُ هَذَا وَمَا اكْتَسَبَهُ فِي حَالَةِ الْإِسْلَامِ سَوَاءً يُؤَدِّي مِنْهُ بَدَلَ كِتَابَتِهِ وَيَكُونُ الْبَاقِي مِيرَاثًا لِوَرَثَتِهِ .
وَإِذَا لَحِقَ الْمُكَاتَبُ بِدَارِ الْحَرْبِ مُرْتَدًّا وَخَلَّفَ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ ابْنًا لَهُ وُلِدَ فِي كِتَابَتِهِ فَلَا سَبِيلَ عَلَى ابْنِهِ حَتَّى يَنْظُرَ مَا يَصْنَعُ الْمُكَاتَبُ ، فَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ عَنْ وَفَاءٍ أُدِّيَتْ كِتَابَتُهُ وَالْبَاقِي مِيرَاثٌ لِابْنِهِ ، وَإِنْ لَمْ يَتْرُكْ وَفَاءً سَعَى الِابْنُ فِيمَا عَلَى أَبِيهِ ، وَكَذَلِكَ لَوْ لَمْ يَتْرُكْ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ وَلَدًا ، وَلَكِنَّهُ خَلَّفَ مَالًا لَمْ أُقَسِّمْ مَالَهُ حَتَّى أَنْظُرَ مَا يَصْنَعُ وَعَلَى قَوْلِ زُفَرَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى يُؤَدِّي مُكَاتَبَتَهُ مِنْ مَالِهِ وَيُجْعَلُ الْبَاقِي مِيرَاثًا لِوَرَثَتِهِ ؛ لِأَنَّ لُحُوقَهُ بِدَارِ الْحَرْبِ كَمَوْتِهِ أَلَا تَرَى أَنَّ فِي حَقِّ الْحُرِّ يُجْعَلُ هَذَا كَالْمَوْتِ فِي قِسْمَةِ مَالِهِ بَيْنَ وَرَثَتِهِ فَكَذَلِكَ فِي حَقِّ الْمُكَاتَبِ ، وَلَكِنَّا نَقُولُ لُحُوقُهُ بِدَارِ الْحَرْبِ لَيْسَ بِمَوْتٍ بِعَيْنِهِ ، وَلَكِنْ بِاعْتِبَارِ أَنَّهُ يَصِيرُ حَرْبِيًّا وَأَهْلُ الْحَرْبِ فِي حَقِّ الْمُسْلِمِينَ كَالْمَوْتَى يُجْعَلُ مَيِّتًا حُكْمًا وَهَذَا لَا يُوجَدُ فِي حَقِّ الْمُكَاتَبِ ؛ لِأَنَّ مِلْكَ الْمَوْلَى فِي رَقَبَتِهِ بَاقٍ وَقِيَامُ مِلْكِ الْمُسْلِمِ فِي رَقَبَةِ الْعَبْدِ يَمْنَعُهُ مِنْ أَنْ يَصِيرَ حَرْبِيًّا فَإِذَا لَمْ يَصِرْ حَرْبِيًّا كَانَ هُوَ بِمَنْزِلَةِ الْمُتَرَدِّدِ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ وَالْحُكْمُ فِيهِ إذَا كَانَ مُتَرَدِّدًا فِي دَارِ الْإِسْلَامِ مَا بَيَّنَّا ، فَكَذَلِكَ بَعْدَ لِحَاقِهِ وَلَوْ لَمْ يَلْتَحِقْ بِدَارِ الْحَرْبِ وَلَكِنَّ أَهْلَ الْحَرْبِ أَسَرُوهُ فَبَاعُوهُ مِنْ رَجُلٍ فَأَعْتَقَهُ فَذَلِكَ بَاطِلٌ ؛ لِأَنَّهُمْ بِالْأَسْرِ مَا مَلَكُوهُ فَإِنَّ الْمُكَاتَبَ لَا يَحْتَمِلُ النَّقْلَ مِنْ مِلْكٍ إلَى مِلْكٍ وَإِنَّمَا يُمْلَكُ بِالِاسْتِيلَاءِ مَا يَحْتَمِلُ النَّقْلَ مِنْ مِلْكٍ إلَى مِلْكٍ ، وَإِذَا لَمْ يَمْلِكُوهُ بِالْأَسْرِ لَا يَمْلِكُهُ الْمُشْتَرِي مِنْهُمْ فَكَانَ إعْتَاقُهُ إيَّاهُ بَاطِلًا ، وَإِنْ كَانَ الْمُشْتَرِي اشْتَرَاهُ بِأَمْرِهِ رَجَعَ عَلَيْهِ بِالثَّمَنِ ؛ لِأَنَّهُ مُكَاتَبٌ عَلَى حَالِهِ فَيَصِحُّ أَمْرُهُ الْمُشْتَرِي
بِشِرَائِهِ فِي كَسْبِهِ كَمَا يَصِحُّ أَمْرُ الْحُرِّ الْأَسِيرِ بِذَلِكَ فَيَرْجِعُ عَلَيْهِ بِمَا أَدَّى ؛ لِأَنَّهُ أَدَّى مَالَ نَفْسِهِ فِي تَخْلِيصِهِ بِأَمْرِهِ ، وَإِنْ كَانَ أَصَابَهُ الْمُسْلِمُونَ فِي غَنِيمَةٍ أَخَذَهُ مَوْلَاهُ بِغَيْرِ شَيْءٍ قَبْلَ الْقِسْمَةِ وَبَعْدَهَا وَهُوَ مُكَاتَبٌ عَلَى حَالِهِ ؛ لِأَنَّ الْكُفَّارَ لَمْ يَمْلِكُوهُ بِالْأَسْرِ فَلَا يَمْلِكُهُ الْمُسْلِمُونَ أَيْضًا ، وَكَذَلِكَ الْجَوَابُ فِي أُمِّ الْوَلَدِ وَالْمُدَبَّرِ .
وَإِنْ كَاتَبَ الْحَرْبِيُّ الْمُسْتَأْمَنُ عَبْدًا فِي دَارِ الْإِسْلَامِ فَهُوَ جَائِزٌ كَمَا لَوْ أَعْتَقَهُ بِمَالٍ أَوْ بِغَيْرِ مَالٍ ، فَإِنْ مَاتَ عَنْ مَالٍ أُدِّيَتْ كِتَابَتُهُ وَالْبَاقِي مِيرَاثٌ لِلْحَرْبِيِّ إنْ جَاءَ بِالْعَبْدِ فِي دَارِ الْحَرْبِ ؛ لِأَنَّهُ مَوْلَاهُ وَهُوَ حَرْبِيٌّ مِثْلُهُ أَلَا تَرَى أَنَّهُ كَانَ مُتَمَكِّنًا مِنْ الرُّجُوعِ إلَى دَارِ الْحَرْبِ وَالْحَرْبِيُّ يَرِثُ الْحَرْبِيَّ ، وَإِنْ كَانَ اشْتَرَاهُ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ وَهُوَ مُسْلِمٌ أَوْ كَافِرٌ كَانَ الْبَاقِي لِبَيْتِ الْمَالِ ؛ لِأَنَّ الْحَرْبِيَّ لَا يَرِثُ الْمُسْلِمَ وَلَا الْمُعَاهَدَ وَالْعَبْدُ الْكَافِرُ الَّذِي اشْتَرَاهُ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ بِمَنْزِلَةِ الْمُعَاهَدِ حَتَّى لَوْ عَتَقَ كَانَ مُعَاهَدًا لَا يُتْرَكُ لِيَرْجِعَ إلَى دَارِ الْحَرْبِ وَلَا يَرِثُهُ الْحَرْبِيُّ بِخِلَافِ الْعَبْدِ الْحَرْبِيِّ فَإِنَّهُ لَوْ عَتَقَ فَهُوَ حَرْبِيٌّ عَلَى حَالِهِ فَيَرِثُهُ الْحَرْبِيُّ ، فَإِنْ لَحِقَ الْحَرْبِيُّ بِدَارِ الْحَرْبِ فَالْمُكَاتَبُ مُكَاتَبٌ عَلَى حَالِهِ ؛ لِأَنَّ حُكْمَ الْأَمَانِ بَاقٍ فِيمَا خَلَّفَهُ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ ، فَإِنْ بَعَثَ بِمَا عَلَيْهِ إلَيْهِ عَتَقَ لِبَرَاءَةِ ذِمَّتِهِ ، وَإِنْ ظَهَرَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى الدَّارِ فَقُتِلَ الْحَرْبِيُّ أَوْ أُسِرَ عَتَقَ الْمُكَاتَبُ لِبَرَاءَةِ ذِمَّتِهِ عَنْ بَدَلِ الْكِتَابَةِ فَإِنَّهُ لَمْ يَبْقَ لِلْمَوْلَى وَلَا لِوَرَثَتِهِ حَقٌّ مَرْعِيٌّ بَعْدَ مَا قُتِلَ أَوْ أُسِرَ وَلَمْ يَخْلُفْهُ السَّابِي فِي مِلْكِ بَدَلِ الْكِتَابَةِ ؛ لِأَنَّ الدَّيْنَ فِي الذِّمَّةِ لَا يُتَصَوَّرُ وُرُودُ الْقَهْرِ عَلَيْهِ وَالْمِلْكُ لِلسَّابِي بِطَرِيقِ الْقَهْرِ وَلِأَنَّ يَدَ الْمُكَاتَبِ فِيمَا فِي ذِمَّتِهِ أَسْبَقُ فَيَمْلِكُ مَا فِي ذِمَّتِهِ وَتَسْقُطُ عَنْهُ الْمُكَاتَبَةُ فَلِهَذَا عَتَقَ ، وَكَذَلِكَ إنْ أُسِرَ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَظْهَرُوا عَلَى الدَّارِ ؛ لِأَنَّ نَفْسَهُ بِالْأَسْرِ قَدْ تُبَدَّلُ وَخَرَجَ مِنْ أَنْ يَكُونَ أَهْلًا لِمِلْكِ الْمَالِ وَلَمْ يَخْلُفْهُ وَارِثُهُ فِي ذَلِكَ لِبَقَائِهِ حَيًّا فِي حَقِّ وَرَثَتِهِ فَأَمَّا إذَا قُتِلَ وَلَمْ يَظْهَرْ الْمُسْلِمُونَ
عَلَى الدَّارِ فَالْكِتَابَةُ دَيْنٌ عَلَيْهِ يُؤَدِّيهِ إلَى وَرَثَةِ مَوْلَاهُ ؛ لِأَنَّهُمْ يَخْلُفُونَهُ فِيمَا كَانَ لِمَوْلَاهُ حِينَ لَمْ يَقَعْ الظُّهُورُ عَلَيْهِمْ وَكَمَا وَجَبَ عَلَيْهِ مُرَاعَاةُ الْأَمَانِ فِيمَا خَلَّفَهُ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ لِحَقِّهِ فَكَذَلِكَ يَجِبُ مُرَاعَاتُهُ لِحَقِّ وَرَثَتِهِ .
حَرْبِيٌّ كَاتَبَ عَبْدَهُ فِي دَارِ الْحَرْبِ ثُمَّ أَسْلَمَا جَمِيعًا أَوْ صَارَ ذِمَّةً أَجَزْتُ ذَلِكَ ؛ لِأَنَّ الْكِتَابَةَ تَعْتَمِدُ التَّرَاضِيَ كَالْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ فَكَمَا يَبْقَى بَيْعُهُمْ وَشِرَاؤُهُمْ بَعْدَ إسْلَامِهِمْ فَكَذَلِكَ الْكِتَابَةُ ، فَإِنْ خَرَجَا مُسْتَأْمَنَيْنِ وَالْعَبْدُ فِي يَدَيْهِ عَلَى حَالِهِ فَخَاصَمَهُ فِي الْمُكَاتَبَةِ أَبْطَلْتهَا كَمَا أُبْطِلُ الْعِتْقُ وَالتَّدْبِيرُ فِي دَارِ الْحَرْبِ مِنْهُمْ إذَا خَرَجُوا بِأَمَانٍ أَلَا تَرَى أَنَّ رَجُلًا مِنْهُمْ لَوْ قَهَرَ رَجُلًا فَأَسَرَهُ ثُمَّ خَرَجَ إلَيْنَا وَهُوَ فِي يَدَيْهِ كَانَ لَهُ أَنْ يَبِيعَهُ فَكَذَلِكَ الْمُكَاتَبُ ؛ لِأَنَّهُ فِي حُكْمِ الْقَاهِرِ لِمَوْلَاهُ فِيمَا فِي ذِمَّتِهِ فَلِهَذَا بَطَلَتْ الْمُكَاتَبَةُ ، وَإِنْ كَانَ الْمَوْلَى قَاهِرًا حِينَ أَخْرَجَهُ إلَى دَارِ الْإِسْلَامِ فَهُوَ عَبْدُهُ كَمَا لَوْ كَانَ أَعْتَقَهُ ثُمَّ قَهَرَهُ هُوَ أَوْ غَيْرُهُ أَوْ أَخْرَجَهُ إلَى دَارِ الْإِسْلَامِ كَانَ عَبْدًا لَهُ وَلَوْ كَاتَبَهُ ثُمَّ خَرَجَ الْعَبْدُ مُسْلِمًا عَتَقَ وَبَطَلَتْ عَنْهُ الْكِتَابَةُ ؛ لِأَنَّهُ قَهَرَ لِمَوْلَاهُ حِينَ أَحْرَزَ نَفْسَهُ بِدَارِ الْإِسْلَامِ مُسْلِمًا أَوْ ذِمِّيًّا وَلَوْ فَعَلَ ذَلِكَ وَهُوَ عَبْدٌ مَلَكَ نَفْسَهُ حَتَّى يَعْتِقَ فَكَذَلِكَ إذَا فَعَلَهُ وَهُوَ مُكَاتَبٌ يَمْلِكُ مَا فِي ذِمَّتِهِ فَيَسْقُطُ عَنْهُ وَيَكُونُ حُرًّا .
مُسْلِمٌ تَاجِرٌ فِي دَارِ الْحَرْبِ كَاتَبَ عَبْدَهُ أَوْ أَعْتَقَهُ أَوْ دَبَّرَهُ كَانَ جَائِزًا اسْتِحْسَانًا وَفِي الْقِيَاسِ لَا يَجُوزُ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ مِنْهُ ؛ لِأَنَّهُ فَعَلَهُ حَيْثُ لَا يَجْرِي حُكْمُ الْمُسْلِمِينَ وَتَنْفِيذُ هَذِهِ التَّصَرُّفَاتِ مِنْ أَحْكَامِ الْمُسْلِمِينَ وَوَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّهُ مُسْلِمٌ مُلْتَزِمٌ لِأَحْكَامِ الْإِسْلَامِ ، وَإِنْ كَانَ فِي دَارِ الْحَرْبِ ، وَكَذَلِكَ الْعَبْدُ مُسْلِمٌ لَيْسَ بِمَحَلِّ الِاسْتِرْقَاقِ بَعْدَ حَقِّ الْعِتْقِ أَوْ حَقِيقَتِهِ ، فَوُجُودُ هَذَا التَّصَرُّفِ مِنْهُمَا فِي دَارِ الْحَرْبِ كَوُجُودِهِ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ ، وَكَذَلِكَ لَوْ كَانَ الْعَبْدُ كَافِرًا قَدْ اشْتَرَاهُ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ
؛ لِأَنَّ الذِّمِّيَّ فِي أَنَّهُ لَيْسَ بِمَحَلِّ الِاسْتِرْقَاقِ كَالْمُسْلِمِ .
فَإِنْ كَانَ الْعَبْدُ كَافِرًا قَدْ اشْتَرَاهُ فِي دَارِ الْحَرْبِ وَكَاتَبَهُ فَأَدَّى وَعَتَقَ ثُمَّ أَسْلَمَ أَجَزْتُهُ عَلَى الْمُسْلِمِ اسْتِحْسَانًا وَفِي الْقِيَاسِ هُوَ عَبْدٌ لَهُ ؛ لِأَنَّهُ مُعْتِقٌ لَهُ بِالْكِتَابَةِ وَاسْتِيفَاءُ الْبَدَلِ فَكَأَنَّهُ أَعْتَقَهُ قَصْدًا وَقَدْ بَيَّنَّا أَنَّ إعْتَاقَ الْمُسْلِمِ الْعَبْدَ الْحَرْبِيَّ فِي دَارِ الْحَرْبِ لَا يَجُوزُ ؛ لِأَنَّ غَرَضَهُ الِاسْتِرْقَاقُ فَلَا يَنْفُذُ الْعِتْقُ فِيهِ مِنْ الْمُسْلِمِ كَمَا لَا يَنْفُذُ مِنْ دَارِ الْحَرْبِيِّ وَلِلِاسْتِحْسَانِ فِيهِ وَجْهَانِ : أَحَدُهُمَا أَنَّ الْمُسْلِمَ ضَمِنَ لَهُ تَرْكَ التَّعَرُّضِ لَهُ بَعْدَ مَا يُؤَدِّي بَدَلَ الْكِتَابَةِ إلَيْهِ فَعَلَيْهِ الْوَفَاءُ بِمَا ضَمِنَ ؛ لِأَنَّ التَّحَرُّرَ عَنْ الْغَدْرِ وَاجِبٌ عَلَى الْمُسْلِمِ فِي دَارِ الْحَرْبِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَا يَحِلُّ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ شَيْئًا مِنْ أَمْوَالِهِمْ سِرًّا فَلِلْوَفَاءِ بِمَا ضَمِنَ جَعَلْنَاهُ حُرًّا ، وَالثَّانِي أَنَّ الْمُسْلِمَ إنَّمَا يَتَمَلَّكُ بِالْقَهْرِ إذَا أَحْرَزَهُ بِدَارِ الْإِسْلَامِ وَذَلِكَ لَا يُوجَدُ مِنْهُ هُنَا ؛ لِأَنَّ دَارَ الْحَرْبِ لَيْسَ بِدَارٍ لَهُ فَلَا يَتَمَلَّكُهُ قَبْلَ الْإِسْلَامِ وَبَعْدَ الْإِسْلَامِ يَسْتَحِيلُ أَنْ يَتَمَلَّكَ الْحُرُّ الْمُسْلِمُ بِالْقَهْرِ وَعَلَى هَذَا الطَّرِيقِ الِاسْتِحْسَانُ فِي الْكِتَابَةِ وَالْعِتْقِ جَمِيعًا وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ وَإِلَيْهِ الْمَرْجِعُ وَالْمَآبُ .
بَابُ الْمُكَاتَبَةِ تَلِدُ مِنْ مَوْلَاهَا ( قَالَ ) رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ وَإِذَا وَلَدَتْ الْمُكَاتَبَةُ مِنْ مَوْلَاهَا خُيِّرَتْ ، فَإِنْ شَاءَتْ أَبْطَلَتْ الْكِتَابَةَ وَكَانَتْ أُمَّ وَلَدٍ لَهُ ، وَإِنْ شَاءَتْ مَضَتْ وَأَخَذَتْ الْعُقْرَ ؛ لِأَنَّهُ تَلْقَاهَا جِهَتَا حُرِّيَّةٍ أَحَدُهُمَا عَاجِلٌ بِبَدَلٍ وَالْآخَرُ آجِلٌ بِغَيْرِ بَدَلٍ فَتَخْتَارُ أَيَّهمَا شَاءَتْ وَنَسَبُ وَلَدِهَا ثَابِتٌ مِنْ الْمَوْلَى بِالدَّعْوَةِ وَهُوَ حُرٌّ ؛ لِأَنَّ الْمَوْلَى مَالِكٌ لِلْإِعْتَاقِ فِي وَلَدِهَا ، وَإِنْ اخْتَارَتْ الْمُضِيَّ عَلَى الْكِتَابَةِ أَخَذَتْ الْعُقْرَ مِنْ مَوْلَاهَا لِإِقْرَارِهِ بِوَطْئِهَا ثُمَّ إنْ مَاتَ الْمَوْلَى عَتَقَتْ بِالِاسْتِيلَادِ وَسَقَطَ عَنْهَا بَدَلُ الْكِتَابَةِ ، وَإِنْ مَاتَتْ هِيَ وَتَرَكَتْ مَالًا يُؤَدِّي مُكَاتَبَتَهَا مِنْهُ وَمَا بَقِيَ مِنْ مِيرَاثٍ لِابْنِهَا ، وَإِنْ لَمْ تَتْرُكْ مَالًا فَلَا سِعَايَةَ عَلَى هَذَا الْوَلَدِ ؛ لِأَنَّهُ حُرٌّ وَإِنَّمَا السِّعَايَةُ عَلَى وَلَدٍ هُوَ تَبَعٌ لَهَا فِي الْكِتَابَةِ حَتَّى إذَا كَانَتْ وَلَدَتْ وَلَدًا آخَرَ فَنَفَاهُ الْمَوْلَى أَوْ لَمْ يَدَّعِهِ فَإِنَّ نَسَبَهُ لَا يَثْبُتُ مِنْهُ ؛ لِأَنَّهَا مُكَاتَبَةٌ لَا يَحِلُّ لِلْمَوْلَى وَطْؤُهَا فَلَا يَثْبُتُ النَّسَبُ مِنْهُ إلَّا بِالدَّعْوَةِ ، وَإِذَا مَاتَتْ سَعَى هَذَا الْوَلَدُ فِيمَا بَقِيَ عَلَيْهَا ، فَإِنْ مَاتَ الْمَوْلَى بَعْدَ ذَلِكَ عَتَقَ الْوَلَدُ وَبَطَلَتْ عَنْهُ السِّعَايَةُ ؛ لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ أُمِّ الْوَلَدِ كَأُمِّهِ فَيَعْتِقُ بِمَوْتِ الْمَوْلَى .
فَإِنْ ادَّعَى الْمَوْلَى حَبَلَ مُكَاتَبَتِهِ فَضَرَبَ إنْسَانٌ بَطْنَهَا بِيَوْمٍ فَأَلْقَتْ جَنِينًا مَيِّتًا فَإِنَّ فِي الْوَلَدِ غُرَّةٌ لِأَبِيهِ ؛ لِأَنَّهُ عَتَقَ بِدَعْوَتِهِ كَمَا لَوْ ادَّعَاهُ بَعْدَ الِانْفِصَالِ وَبَدَلُ الْجَنِينِ الْحُرِّ الْغُرَّةُ وَكَانَ مِيرَاثًا لِأَبِيهِ ؛ لِأَنَّ الْأُمَّ مُكَاتَبَةٌ بَعْدُ فَلَا تَرِثُ شَيْئًا ، وَلَكِنَّهَا تَأْخُذُ الْعُقْرَ مِنْ الْمَوْلَى إذَا اخْتَارَتْ الْمُضِيَّ عَلَى الْمُكَاتَبَةِ .
وَإِذَا وَلَدَتْ الْمُكَاتَبَةُ مِنْ الْمَوْلَى وَمَضَتْ عَلَى الْكِتَابَةِ ثُمَّ وَلَدَتْ وَلَدًا آخَرَ لَمْ يَلْزَمْ الْمَوْلَى إلَّا أَنْ يَدَّعِيَ ؛ لِأَنَّهَا مُحَرَّمَةٌ عَلَيْهِ بِاعْتِبَارِ بَقَاءِ الْكِتَابَةِ فَلَا يَلْزَمُهُ نَسَبُ وَلَدِهَا إلَّا بِالدَّعْوَةِ ، فَإِنْ كَانَ الْوَلَدُ بِنْتًا فَوَلَدَتْ هَذِهِ الِابْنَةُ بِنْتًا ثُمَّ أَعْتَقَ الْمَوْلَى الِابْنَةَ السُّفْلَى عَتَقَتْ هِيَ وَحْدَهَا ؛ لِأَنَّهَا دَاخِلَةٌ فِي كِتَابَةِ الْجَدَّةِ وَمَمْلُوكَةٌ لِلْمَوْلَى بِإِعْتَاقِهِ إيَّاهَا ، وَإِنْ أَعْتَقَ الِابْنَةَ الْأُولَى عَتَقَتْ هِيَ وَالِابْنَةُ السُّفْلَى فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَعَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ رِضْوَانُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ أَجْمَعِينَ لَا تَعْتِقُ السُّفْلَى ، وَلَكِنَّهَا تَكُونُ مَعَ الْجَدَّةِ عَلَى حَالِهَا ؛ لِأَنَّ السُّفْلَى تَبَعٌ لِلْجَدَّةِ فِي الْكِتَابَةِ بِمَنْزِلَةِ وَلَدٍ آخَرَ لَهَا وَلَوْ كَانَ لَهَا وَلَدَانِ فَأَعْتَقَ الْمَوْلَى أَحَدَهُمَا لَمْ يَعْتِقُ الْآخَرُ وَالدَّلِيلُ عَلَى هَذَا أَنَّ الْجَدَّةَ لَوْ مَاتَتْ كَانَ عَلَى الْعُلْيَا وَالسُّفْلَى السِّعَايَةُ فِيمَا عَلَيْهَا مِنْ بَدَلِ الْكِتَابَةِ ، وَإِذَا أَدَّتْ السِّعَايَةَ إحْدَاهُمَا لَمْ تَرْجِعْ عَلَى الْأُخْرَى بِشَيْءٍ وَأَنَّ الْجَدَّةَ فِي حَالِ حَيَاتِهَا أَحَقُّ بِكَسْبِهَا لِتَسْتَعِينَ بِهِ عَلَى مُكَاتَبَتِهَا وَهَذَا ؛ لِأَنَّ الْعُلْيَا تَبَعٌ وَلَا تَبَعَ لِلتَّبَعِ فَعَرَفْنَا أَنَّهُمَا فِي الْحُكْمِ بِمَنْزِلَةِ الْوَلَدَيْنِ مِنْ الْجَدَّةِ ، وَأَبُو حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى يَقُولُ مَعَ هَذَا السُّفْلَى جُزْءٌ مِنْ الْعُلْيَا كَمَا أَنَّ الْعُلْيَا جُزْءٌ مِنْ الْجَدَّةِ ، ثُمَّ لَوْ أَعْتَقَ الْمَوْلَى الْجَدَّةَ عَتَقَتْ الْعُلْيَا فَكَذَلِكَ إذَا أَعْتَقَ الْعُلْيَا عَتَقَتْ السُّفْلَى وَالسُّفْلَى تَبَعٌ لِلْجَدَّةِ كَمَا قَالَا ، وَلَكِنْ بِوَاسِطَةِ الْعُلْيَا وَلَا تَتَحَقَّقُ هَذِهِ الْوَاسِطَةُ إلَّا بَعْدَ جَعْلِ السُّفْلَى تَبَعًا لِلْعُلْيَا وَلَوْ أَعْتَقَ الْعُلْيَا قَبْلَ انْفِصَالِ السُّفْلَى مِنْهَا بِلَا شَكٍّ فَكَذَلِكَ بَعْدَ الِانْفِصَالِ ؛ لِأَنَّ مَعْنَى التَّبَعِيَّةِ
بِالِانْفِصَالِ لَا يَنْقَطِعُ لِبَقَاءِ عَقْدِ الْكِتَابَةِ .
وَإِذَا وَلَدَتْ الْمُكَاتَبَةُ مِنْ مَوْلَاهَا ثُمَّ أَقَرَّ الْمَوْلَى أَنَّهَا أَمَةٌ لِفُلَانٍ لَمْ يُصَدَّقْ ، وَإِنْ صَدَّقَتْهُ فِي ذَلِكَ ؛ لِأَنَّ حَقَّ أُمِّيَّةِ الْوَلَدِ قَدْ ثَبَتَ لَهَا وَاسْتَحَقَّ الْمَوْلَى وَلَاءَهَا فَلَا يُصَدَّقَانِ عَلَى إبْطَالِهِ .
فَإِنْ قَالَ الْمُدَّعِي بِعْتُك بِأَلْفِ دِرْهَمٍ وَلَمْ تَنْقُدْ الثَّمَنَ ، وَقَالَ الْمَوْلَى زَوَّجْتنِي وَالْأَمَةُ مَعْرُوفَةٌ لِلْمُدَّعِي فَعَلَى الْمَوْلَى الْمَهْرُ يَسْتَوْفِيه الْمُدَّعِي قِصَاصًا مِنْ الثَّمَنِ ؛ لِأَنَّهُمَا يَتَصَادَقَانِ عَلَى وُجُوبِهِ ، وَإِنْ اخْتَلَفَا فِي سَبَبِهِ وَلَيْسَ عَلَيْهِ قِيمَةٌ فِي الْأُمِّ وَلَا فِي الْوَلَدِ ؛ لِأَنَّ تَعَذُّرَ اسْتِرْدَادِهَا كَانَ بِإِقْرَارِ الْمُدَّعِي بِبَيْعِهَا مِنْهُ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ أَنْكَرَ ذَلِكَ تَمَكَّنَ مِنْ اسْتِرْدَادِهَا لِكَوْنِهَا مَعْرُوفَةً أَنَّهَا لَهُ ، وَإِنْ لَمْ تَكُنْ مَعْرُوفَةً أَنَّهَا لِلْمُدَّعِي ضَمِنَ لَهُ الْقِيمَةَ ؛ لِأَنَّ تَعَذُّرَ اسْتِرْدَادِهَا لَمْ يَكُنْ بِإِقْرَارِهِ بِالْبَيْعِ ، وَلَكِنْ كَانَ بِالِاسْتِيلَادِ الْمَوْجُودِ مِنْ الْمُسْتَوْلِدِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ وَإِنْ أَنْكَرَ الْبَيْعَ لَمْ يَتَمَكَّنْ مِنْ اسْتِرْدَادِهَا وَقَدْ أَقَرَّ الْمُسْتَوْلِدُ أَنَّهَا مِلْكُ الْمُقِرِّ لَهُ احْتَبَسَتْ عِنْدَهُ فَيَضْمَنُ قِيمَتَهَا لَهُ بَعْدَ أَنْ يَحْلِفَ بِاَللَّهِ مَا اشْتَرَيْتهَا مِنْهُ بِمَا يَدَّعِي مِنْ الثَّمَنِ ؛ لِأَنَّهُ لَوْ أَقَرَّ بِالشِّرَاءِ لَزِمَهُ الثَّمَنُ فَإِذَا أَنْكَرَ يَحْلِفُ عَلَى ذَلِكَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .
بَابُ الْأَيْمَانِ فِي الْعِتْقِ ( قَالَ ) وَإِذَا قَالَ الرَّجُلُ لِعَبْدِهِ إنْ بِعْتُك فَأَنْتَ حُرٌّ فَبَاعَهُ لَمْ يَعْتِقْ ؛ لِأَنَّ أَوَانَ نُزُولِ الْعِتْقِ الْمُتَعَلِّقِ بِالشَّرْطِ بَعْدَ وُجُودِ الشَّرْطِ وَبَعْدَ الْبَيْعِ هُوَ لَيْسَ بِمَمْلُوكٍ لَهُ فَلَا يَعْتِقُ إلَّا أَنْ يَكُونَ الْبَيْعُ فَاسِدًا فَيَعْتِقُ ؛ لِأَنَّ بَعْدَ وُجُودِ الشَّرْطِ هُوَ بَاقٍ عَلَى مِلْكِهِ ؛ لِأَنَّ الْبَيْعَ الْفَاسِدَ لَا يُزِيلُ الْمِلْكَ بِنَفْسِهِ إلَّا أَنْ يَكُونَ سَلَّمَهُ إلَى الْمُشْتَرِي قَبْلَ الْبَيْعِ فَحِينَئِذٍ يَزُولُ مِلْكُهُ بِنَفْسِ الْبَيْعِ فَلَا يَعْتِقُ .
وَلَوْ قَالَ إذَا دَخَلْتَ الدَّارَ فَأَنْتَ حُرٌّ فَبَاعَهُ فَدَخَلَ الدَّارَ لَمْ يَعْتِقْ إلَّا عَلَى قَوْلِ ابْنِ أَبِي لَيْلَى رَحِمَهُ اللَّهُ فَإِنَّهُ يَقُولُ يَعْتِقُ وَيَبْطُلُ الْبَيْعُ ، وَكَذَلِكَ مَذْهَبُهُ فِي الْفَصْلِ الْأَوَّلِ ؛ لِأَنَّ التَّعْلِيقَ قَدْ صَحَّ فِي الْمِلْكِ فَيَنْزِلُ الْعِتْقُ مِنْ جِهَتِهِ عِنْدَ وُجُودِ الشَّرْطِ وَلَا يُعْتَبَرُ قِيَامُ مِلْكِهِ فِي الْمَحَلِّ عِنْدَ ذَلِكَ الْوَقْتِ كَمَا لَا يُعْتَبَرُ قِيَامُ الْأَهْلِيَّةِ فِي الْمَوْلَى حَتَّى لَوْ جُنَّ ثُمَّ دَخَلَ الدَّارَ عَتَقَ ، وَلَكِنَّا نَقُولُ الْمُتَعَلِّقُ بِالشَّرْطِ إنَّمَا يَصِلُ إلَى الْمَحَلِّ عِنْدَ وُجُودِ الشَّرْطِ فَلَا بُدَّ مِنْ قِيَامِ مِلْكِهِ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ لِيَعْتِقَ مِنْ جِهَتِهِ وَالْأَهْلِيَّةُ إنَّمَا يَحْتَاجُ إلَيْهَا لِصِحَّةِ التَّكَلُّمِ وَتَكَلُّمُهُ عِنْدَ التَّعْلِيقِ لَا عِنْدَ وُجُودِ الشَّرْطِ فَيَسْتَقِيمُ أَنْ يُجْعَلَ عِنْدَ وُجُودِ الشَّرْطِ كَالْمُنَجِّزِ لِلْعِتْقِ بِذَلِكَ الْكَلَامِ الَّذِي صَحَّ مِنْهُ ، فَإِنْ اشْتَرَاهُ بَعْدَ هَذَا فَدَخَلَ الدَّارَ لَمْ يَعْتِقْ أَيْضًا ؛ لِأَنَّ يَمِينَهُ بِوُجُودِ الشَّرْطِ فِي غَيْرِ الْمِلْكِ إذْ لَيْسَ مِنْ ضَرُورَةِ انْحِلَالِ الْيَمِينِ نُزُولُ الْجَزَاءِ ، وَإِنْ لَمْ يَدْخُلْ الدَّارَ بَعْدَ الْبَيْعِ حَتَّى اشْتَرَاهُ فَدَخَلَ عَتَقَ عِنْدَنَا لِبَقَاءِ الْيَمِينِ بِزَوَالٍ إلَى وَقْتِ وُجُودِ الشَّرْطِ فِي مِلْكِهِ وَلَا يَعْتِقُ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ لِبُطْلَانِ الْيَمِينِ بِزَوَالِ الْمِلْكِ فَإِنَّ الْيَمِينَ كَمَا لَا يَنْعَقِدُ عِنْدَهُ إلَّا فِي الْمِلْكِ لَا يَبْقَى بَعْدَ زَوَالِ الْمِلْكِ .
فَإِنْ قَالَ إذَا دَخَلْتَ هَاتَيْنِ الدَّارَيْنِ فَأَنْتَ حُرٌّ فَبَاعَهُ فَدَخَلَ إحْدَاهُمَا ثُمَّ اشْتَرَاهُ فَدَخَلَ الْأُخْرَى عَتَقَ لِوُجُودِ الْمِلْكِ عِنْدَ تَمَامِ الشَّرْطِ ، وَعِنْدَ زُفَرَ رَحِمَهُ اللَّهُ لَا يَعْتِقُ ؛ لِأَنَّهُ يَعْتَبِرُ قِيَامَ الْمِلْكِ عِنْدَ وُجُودِ نَفْسِ الشَّرْطِ كَمَا يَعْتَبِرُهُ عِنْدَ تَمَامِ الشَّرْطِ وَقَدْ بَيَّنَّا هَذَا فِي الطَّلَاقِ ، فَإِنْ دَخَلَ إحْدَاهُمَا قَبْلَ الْبَيْعِ ثُمَّ بَاعَهُ فَدَخَلَ الْأُخْرَى لَمْ يَعْتِقْ ؛ لِأَنَّ الشَّرْطَ قَدْ تَمَّ فِي غَيْرِ مِلْكِهِ وَأَوَانُ نُزُولِ الْجَزَاءِ مَا بَعْدَ تَمَامِ الشَّرْطِ .
وَلَوْ قَالَ لَهُ إذَا دَخَلْتَ هَذِهِ الدَّارَ فَأَنْتَ حُرٌّ إذَا كَلَّمْتَ فُلَانًا فَبَاعَهُ ثُمَّ دَخَلَ الدَّارَ ثُمَّ اشْتَرَاهُ فَكَلَّمَ فُلَانًا لَمْ يَعْتِقْ ؛ لِأَنَّهُ جَعَلَ شَرْطَ الْعِتْقِ الْكَلَامَ وَعَلَّقَ ذَلِكَ الْيَمِينَ بِدُخُولِ الدَّارِ وَالْمُتَعَلِّقُ بِالشَّرْطِ عِنْدَ وُجُودِ الشَّرْطِ كَالْمُنَجِّزِ فَيَصِيرُ عِنْدَ دُخُولِ الدَّارِ كَأَنَّهُ قَالَ لَهُ أَنْتَ حُرٌّ إذَا كَلَّمَتْ فُلَانًا وَلَوْ قَالَ ذَلِكَ لَمْ يَصِحَّ ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي مِلْكِهِ عِنْدَ دُخُولِ الدَّارِ فَلِهَذَا لَا يَعْتِقُ وَإِنْ كَلَّمَ فُلَانًا فِي مِلْكِهِ بِخِلَافِ الْأَوَّلِ فَإِنَّ هُنَاكَ عَقَدَ الْيَمِينَ فِي الْحَالِ وَجَعَلَ دُخُولَ الدَّارَيْنِ شَرْطًا لِلْعِتْقِ وَقَدْ وُجِدَ الْمِلْكُ عِنْدَ التَّعْلِيقِ وَعِنْدَ تَمَامِ الشَّرْطِ فَلِهَذَا يَعْتِقُ .
وَلَوْ قَالَ إذَا دَخَلْتَ الدَّارَ فَأَنْتَ حُرٌّ بَعْدَ مَوْتِي فَبَاعَهُ فَدَخَلَ الدَّارَ ثُمَّ اشْتَرَاهُ لَمْ يَعْتِقْ إنْ مَاتَ ؛ لِأَنَّهُ عَلَّقَ التَّدْبِيرَ بِدُخُولِ الدَّارِ فَيَصِيرُ كَالْمُنَجِّزِ لَهُ عِنْدَ الدُّخُولِ وَالتَّدْبِيرُ لَا يَصِحُّ إلَّا فِي الْمِلْكِ أَوْ مُضَافًا إلَى الْمِلْكِ فَإِذَا لَمْ يَكُنْ فِي مِلْكِهِ عِنْدَ دُخُولِ الدَّارِ لَمْ يَصِرْ مُدَبَّرًا فَلَا يَعْتِقُ بِمَوْتِهِ .
وَلَوْ قَالَ إنْ دَخَلْتَ دَارَ فُلَانٍ فَأَنْتَ حُرٌّ فَشَهِدَ فُلَانٌ وَآخَرُ أَنَّهُ قَدْ دَخَلَ الدَّارَ فَهُوَ حُرٌّ ؛ لِأَنَّ الدُّخُولَ فِعْلُ الْعَبْدِ وَصَاحِبُ الدَّارِ فِي شَهَادَتِهِ عَلَى فِعْلِ الْعَبْدِ كَغَيْرِهِ فَيَثْبُتُ الشَّرْطُ بِشَهَادَتِهِمَا .
وَلَوْ قَالَ إنْ كَلَّمْتَ فُلَانًا فَأَنْتَ حُرٌّ فَشَهِدَ فُلَانٌ وَآخَرُ أَنَّهُ قَدْ كَلَّمَهُ لَمْ يَعْتِقْ ؛ لِأَنَّ كَلَامَ فُلَانٍ قَوْلُهُ بِاللِّسَانِ وَالْإِنْسَانُ لَا يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ شَاهِدًا عَلَى فِعْلِ نَفْسِهِ فَلَمْ يَبْقَ عَلَى الشَّرْطِ إلَّا شَاهِدٌ وَاحِدٌ وَبِالشَّاهِدِ الْوَاحِدِ لَا يَثْبُتُ الشَّرْطُ ، فَإِنْ شَهِدَ ابْنَا فُلَانٍ أَنَّهُ قَدْ كَلَّمَ أَبَاهُمَا ، فَإِنْ جَحَدَ الْأَبُ ذَلِكَ جَازَتْ شَهَادَتُهُمَا ؛ لِأَنَّهُمَا يَشْهَدَانِ عَلَى أَبِيهِمَا بِالْكَلَامِ وَعَلَى الْمَوْلَى بِوُجُودِ الشَّرْطِ ، وَإِنْ كَانَ أَبُوهُمَا يَدَّعِي ذَلِكَ فَشَهَادَتُهُمَا بَاطِلَةٌ فِي قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى جَائِزَةٌ فِي قَوْلِ مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَلِأَنَّهُ لَا مَنْفَعَةَ فِي الْمَشْهُودِ بِهِ لِأَبِيهِمَا وَمُحَمَّدٌ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى يَعْتَبِرُ الْمَنْفَعَةَ لِلتُّهْمَةِ وَأَبُو يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى يَعْتَبِرُ الدَّعْوَةَ وَالْإِنْكَارَ ؛ لِأَنَّهُمَا يَشْهَدَانِ لِأَبِيهِمَا وَيُظْهِرَانِ صِدْقَهُ فِيمَا يَدَّعِي وَقَدْ تَقَدَّمَ بَيَانُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فِي كِتَابِ النِّكَاحِ .
وَإِذَا حَلَفَ الرَّجُلُ بِعِتْقِ عَبْدٍ بَيْنَهُ وَبَيْنَ آخَرَ لَا يَدْخُلُ دَارًا ثُمَّ اشْتَرَى نَصِيبَ الْآخَرِ فَدَخَلَ الدَّارَ عَتَقَ النِّصْفُ الْأَوَّلُ خَاصَّةً ؛ لِأَنَّ تَعْلِيقَهُ فِي ذَلِكَ النِّصْفِ لِوُجُودِ الْمِلْكِ وَقْتَ التَّعْلِيقِ فَيَصِيرُ كَالْمُنَجِّزِ لِلْعِتْقِ فِي ذَلِكَ النِّصْفِ عِنْدَ وُجُودِ الشَّرْطِ ، وَمِنْ أَصْلِ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ مَنْ أَعْتَقَ نِصْفَ عَبْدِهِ يَسْعَى الْعَبْدُ فِي النِّصْفِ الْآخَرِ وَعِنْدَهُمَا يَعْتِقُ كُلُّهُ فَهَذَا مِثْلُهُ .
( قَالَ ) وَلَوْ كَانَ بَاعَ النِّصْفَ الْأَوَّلَ ثُمَّ اشْتَرَى نِصْفَ شَرِيكِهِ ثُمَّ دَخَلَ الدَّارَ لَمْ يَعْتِقْ ؛ لِأَنَّ الشَّرْطَ وُجِدَ بَعْدَ زَوَالِ مِلْكِهِ فِيمَا يَصِحُّ فِيهِ التَّعْلِيقُ وَهُوَ النِّصْفُ الْأَوَّلُ وَلَمْ يَكُنْ التَّعْلِيقُ صَحِيحًا فِي النِّصْفِ الَّذِي اُسْتُحْدِثَ الْمِلْكُ فِيهِ بَعْدَ التَّعْلِيقِ فَلِهَذَا لَا يَعْتِقُ وَلَوْ جَمَعَ بَيْنَ عَبْدِهِ وَبَيْنَ مَا لَا يَقَعُ عَلَيْهِ الْعِتْقُ مِنْ مَيِّتٍ أَوْ أُسْطُوَانَةٍ أَوْ حِمَارٍ فَقَالَ أَحَدُكُمَا حُرٌّ أَوْ قَالَ هَذَا حُرٌّ أَوْ هَذَا عَتَقَ عَبْدُهُ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَفِي قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى لَا يَعْتِقُ إلَّا أَنْ يُعَيِّنَهُ ؛ لِأَنَّهُ مَا عَيَّنَ عَبْدَهُ فِي كَلَامِهِ بَلْ رَدَّدَ الْكَلَامَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ غَيْرِهِ فَلَا يَتَعَيَّنُ عَبْدُهُ إلَّا بِنِيَّةٍ كَمَا لَوْ جَمَعَ بَيْنَ عَبْدِهِ وَعَبْدِ غَيْرِهِ فَقَالَ أَحَدُكُمَا حُرٌّ وَلِأَنَّهُ لَمَّا ضَمَّ إلَيْهِ مَا لَا يَتَحَقَّقُ فِيهِ الْعِتْقُ صَارَ تَقْدِيرُ الْكَلَامِ كَأَنَّهُ قَالَ لِعَبْدِهِ أَنْتَ حُرٌّ أَوَّلًا وَلَوْ قَالَ ذَلِكَ لَمْ يَعْتِقْ بِدُونِ النِّيَّةِ ، وَأَبُو حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى يَقُولُ وَصَفَ أَحَدَهُمَا بِالْحُرِّيَّةِ وَالْعَبْدُ مَحَلٌّ لِهَذَا الْوَصْفِ دُونَ الْأُسْطُوَانَةِ وَالْحِمَارِ فَيَتَعَيَّنُ لِذَلِكَ وَيَلْغُوَا ضَمُّ الْأُسْطُوَانَةِ إلَيْهِ كَمَا لَوْ أَوْصَى بِثُلُثِ مَالِهِ لِحَيٍّ وَمَيِّتٍ كَانَتْ الْوَصِيَّةُ كُلُّهَا لِلْحَيِّ وَلِأَنَّ كَلَامَهُ إيجَابٌ لِلْعِتْقِ فَيَتَعَيَّنُ
لَهُ الْمَحَلُّ الَّذِي يَصْلُحُ بِإِيجَابِ الْعِتْقِ فِيهِ وَهُوَ الْحَيُّ دُونَ الْمَيِّتِ وَالْأُسْطُوَانَةِ ، وَهَذَا لِأَنَّ كَلَامَ الْعَاقِلِ مَحْمُولٌ عَلَى الصِّحَّةِ مَا أَمْكَنَ بِخِلَافِ عَبْدِ الْغَيْرِ فَإِنَّهُ مَحَلٌّ بِأَنْ يُوصَفَ بِالْعِتْقِ وَمَحَلُّ الْإِيجَابِ الْعِتْقُ أَيْضًا ، وَلَكِنْ يَصِيرُ مَوْقُوفًا عَلَى إجَازَةِ الْمَالِكِ فَلِهَذَا لَا يَتَعَيَّنُ عَبْدُهُ هُنَاكَ ، وَرَوَى ابْنُ سِمَاعَةَ عَنْ مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى أَنَّهُ إذَا جَمَعَ بَيْنَ عَبْدِهِ وَأُسْطُوَانَةٍ وَقَالَ أَحَدُهُمَا حُرٌّ عَتَقَ عَبْدُهُ ؛ لِأَنَّ كَلَامَهُ إيجَابٌ لِلْحُرِّيَّةِ ، وَلَوْ قَالَ هَذَا حُرٌّ أَوْ هَذَا لَمْ يَعْتِقْ عَبْدُهُ ؛ لِأَنَّ هَذَا اللَّفْظَ لَيْسَ بِإِيجَابٍ لِلْحُرِّيَّةِ بِمَنْزِلَةِ مَا لَوْ قَالَ هَذَا حُرٌّ أَوَّلًا ثُمَّ ذَكَرَ فِي بَعْضِ النُّسَخِ مِنْ الْأَصْلِ بَابًا مِنْ كِتَابِ الْوَلَاءِ ، وَشَرْحُ ذَلِكَ يَأْتِي بِتَمَامِهِ فِي كِتَابِ الْوَلَاءِ .
انْتَهَى شَرْحُ كِتَابِ الْعَتَاقِ مِنْ مَسَائِلِ الْخِلَافِ وَالْوِفَاقِ ، أَمْلَاهُ الْمُسْتَقْبِلُ لِلْمِحَنِ بِالْإِعْتَاقِ الْمَحْصُورِ فِي طَرَفٍ مِنْ الْآفَاقِ حَامِدًا لِلْمُهَيْمِنِ الرَّزَّاقِ وَمُرْتَجِيًا إلَى لِقَائِهِ الْعَزِيزِ بِالْأَشْوَاقِ وَمُصَلِّيًا عَلَى حَبِيبِ الْخَلَّاقِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ خَيْرِ الصَّحْبِ وَالرِّفَاقِ .
كِتَابُ الْمُكَاتَبِ ( قَالَ ) الشَّيْخُ الْإِمَامُ الْأَجَلُّ الزَّاهِدُ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ وَفَخْرُ الْإِسْلَامِ أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي سَهْلٍ السَّرَخْسِيُّ : رَحِمَهُ اللَّهُ الْكِتَابَةُ لُغَةً هُوَ الضَّمُّ ، وَالْجَمْعُ يَقُولُ كَتَبَ الْبَغْلَةَ إذَا جَمَعَ بَيْنَ شُفْرَيْهَا بِحَلْقَةٍ ، وَمِنْهُ فِعْلُ الْكِتَابَةِ لِمَا فِيهَا مِنْ الضَّمِّ وَالْجَمْعِ بَيْنَ الْحُرُوفِ فَسُمِّيَ الْعَقْدُ الَّذِي يَجْرِي بَيْنَ الْمَوْلَى وَعَبْدِهِ بِطَرِيقِ الْمُعَاوَضَةِ كِتَابَةً إمَّا لِأَنَّهُ لَا يَخْلُو عَنْ كِتْبَةِ الْوَثِيقَةِ عَادَةً ، وَلِهَذَا سُمِّيَ مُكَاتَبَةً عَلَى مِيزَانِ الْمُفَاعَلَةِ لِأَنَّ الْعَبْدَ يَكْتُبُ لِمَوْلَاهُ كَمَا يَكْتُبُ الْمَوْلَى لِعَبْدِهِ لِيَكُونَ فِي يَدِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَا يَتَوَثَّقُ بِهِ أَوْ سُمِّيَ كِتَابَةً لِأَنَّ الْمَوْلَى بِهِ يَضُمُّ الْعَبْدَ إلَى نَفْسِهِ فِي إثْبَاتِ صِفَةِ الْمَالِكِيَّةِ لَهُ يَدًا فَإِنَّ مُوجِبَ هَذَا الْعَقْدِ ثُبُوتُ الْمَالِكِيَّةِ لِلْعَبْدِ يَدًا فِي نَفْسِهِ ، وَكَسْبِهِ ؛ لِأَنَّ الْمَالِكِيَّةَ عِبَارَةٌ عَنْ ضَرْبِ قُوَّةٍ وَقَدْ ثَبَتَتْ لَهُ هَذِهِ الْقُوَّةُ بِنَفْسِ الْعَقْدِ حَتَّى يَخْتَصَّ بِالتَّصَرُّفِ فِي مَنَافِعِهِ وَمَكَاسِبِهِ وَيَذْهَبَ لِلتِّجَارَةِ حَيْثُ شَاءَ وَلِهَذَا لَا يَمْنَعُهُ الْمَوْلَى مِنْ الْخُرُوجِ لِلسَّفَرِ وَلَوْ شَرَطَ عَلَيْهِ أَنْ لَا يَخْرُجَ كَانَ الشَّرْطُ بَاطِلًا لِأَنَّ ذَلِكَ ثَابِتٌ لَهُ بِضَرُورَةِ هَذِهِ الْمَالِكِيَّةِ .
مَقْصُودُ الْمَوْلَى مِنْ إثْبَاتِ هَذِهِ الْمَالِكِيَّةِ لَهُ أَنْ يَتَمَكَّنَ مِنْ أَدَاءِ الْمَالِ بِالتَّكَسُّبِ وَرُبَّمَا لَا يَتَمَكَّنُ مِنْهُ إلَّا بِالْخُرُوجِ مِنْ بَلْدَةٍ إلَى بَلْدَةٍ وَمُوجِبُ الْعَقْدِ مَا يَثْبُتُ بِالْعَقْدِ الْمُطْلَقِ ثُمَّ عِتْقُهُ عِنْدَ أَدَاءِ الْمَالِ لَا تَمَامِ هَذِهِ الْمَالِكِيَّةِ لِأَنَّ الْعَقْدَ مُعَاوَضَةٌ فَيَقْتَضِي الْمُسَاوَاةَ بَيْنَ الْمُتَعَاقِدَيْنِ ، وَأَصْلُ الْبَدَلِ يَجِبُ لِلْمَوْلَى فِي ذِمَّتِهِ بِنَفْسِ الْعَقْدِ وَلَكِنْ لَا يَتِمُّ مِلْكُهُ إلَّا بِالْقَبْضِ لِأَنَّ الذِّمَّةَ تَضْعُفُ بِسَبَبِ الرِّقِّ فَإِنَّ صَلَاحِيَّةَ
الذِّمَّةِ لِوُجُوبِ الْمَالِ فِيهَا مِنْ كَرَامَاتِ الْبَشَرِ ، وَذَلِكَ يُنْتَقَضُ بِالرِّقِّ كَالْحِلِّ الَّذِي يَنْبَنِي عَلَيْهِ مِلْكُ النِّكَاحِ وَلِهَذَا لَا يَثْبُتُ الدَّيْنُ فِي ذِمَّةِ الْعَبْدِ إلَّا مُتَعَلِّقًا بِمَالِكِيَّةِ رَقَبَتِهِ وَهَذَا لَا يَتَحَقَّقُ فِيمَا كَانَ وَاجِبًا لِلْمَوْلَى لِأَنَّ الْمَالِكِيَّةَ حَقُّهُ فَلِهَذَا كَانَ مَا يَجِبُ لَهُ ضَعِيفًا فِي ذِمَّتِهِ فَثَبَتَ لِلْعَبْدِ بِمُقَابَلَتِهِ مَالِكِيَّةٌ ضَعِيفَةٌ أَيْضًا .
ثُمَّ إذَا تَمَّ الْمِلْكَ لِلْمَوْلَى بِالْقَبْضِ تَتِمُّ الْمَالِكِيَّةُ لِلْعَبْدِ أَيْضًا وَتَمَامُ الْمَالِكِيَّةِ لَا يَكُونُ إلَّا بِالْعِتْقِ فَيَعْتِقُ لِضَرُورَةِ إتْمَامِ الْمَالِكِيَّةِ ثُمَّ جَوَازُ هَذَا الْعَقْدِ ثَبَتَ بِالنَّصِّ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى : { وَاَلَّذِينَ يَبْتَغُونَ الْكِتَابَ مِمَّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ فَكَاتِبُوهُمْ إنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْرًا } .
وَبِظَاهِرِ الْآيَةِ يَقُولُ دَاوُد وَمَنْ تَابَعَهُ إذَا طَلَبَ الْعَبْدُ مِنْ مَوْلَاهُ أَنْ يُكَاتِبَهُ وَقَدْ عَلِمَ الْمَوْلَى فِيهِ خَيْرًا يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يُكَاتِبَهُ لِأَنَّ الْأَمْرَ يُفِيدُ الْوُجُوبَ .
وَقَالَ بَعْضُ مَشَايِخِنَا : الْأَمْرُ قَدْ يَكُونُ لِبَيَانِ الْجَوَازِ وَالْإِبَاحَةِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى : { وَإِذَا حَلَلْتُمْ فَاصْطَادُوا } ، وَقَوْلِهِ { إنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْرًا } مَذْكُورٌ عَلَى وِفَاقِ الْعَادَةِ ، وَالْعَادَةُ أَنَّ الْمَوْلَى إنَّمَا يُكَاتِبُ عَبْدَهُ إذَا عَلِمَ فِيهِ خَيْرًا وَلَكِنَّ هَذَا ضَعِيفٌ فَإِنَّهُ إذَا حُمِلَ عَلَى هَذَا لَمْ يَكُنْ مُفِيدًا شَيْئًا ، وَكَلَامُ اللَّهِ تَعَالَى مُنَزَّهٌ عَنْ هَذَا وَلَكِنْ نَقُولُ الْأَمْرُ قَدْ يَكُونُ لِلنَّدَبِ ، وَالْإِبَاحَةُ ثَابِتَةٌ بِدُونِ هَذَا الشَّرْطِ ، وَالنَّدْبُ مُتَعَلِّقٌ بِهَذَا الشَّرْطِ فَإِنَّمَا نَدَبَ الْمَوْلَى إلَى أَنْ يُكَاتِبَهُ إذَا عَلِمَ فِيهِ خَيْرًا .
ثُمَّ الْكِتَابَةُ قَدْ تَكُونُ بِبَدَلٍ مُنَجِّمٍ مُؤَجَّلٍ وَقَدْ تَكُونُ بِبَدَلٍ حَالٍّ عِنْدَنَا بِظَاهِرِ الْآيَةِ فَالتَّنْجِيمُ ، وَالتَّأْجِيلُ زِيَادَةٌ عَلَى مَا يُتْلَى فِي الْقُرْآنِ ، وَمِثْلُ هَذِهِ الزِّيَادَةِ لَا يُمْكِنُ إثْبَاتُهَا بِالرَّأْيِ فَعَرَفْنَا أَنَّهُ لَيْسَ بِشَرْطٍ بَلْ هُوَ تَرْفِيهٌ ، وَالشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى لَا يُجَوِّزُ الْكِتَابَةَ إلَّا مُؤَجَّلًا مُنَجَّمًا أَقَلُّهُ نَجْمَانِ قَالَ لِأَنَّ الْعَبْدَ يَلْتَزِمُ الْأَدَاءَ بِالْعَقْدِ ، وَالْقُدْرَةُ عَلَى التَّسْلِيمِ شَرْطٌ لِصِحَّةِ الْتِزَامِ التَّسْلِيمِ بِالْعَقْدِ وَهُوَ يَخْرُجُ مِنْ يَدِ مَوْلَاهُ مُفْلِسًا فَلَا يَقْدِرُ عَلَى التَّسْلِيمِ إلَّا بِالتَّأْجِيلِ ، وَالِاكْتِسَابِ فِي الْمُدَّةِ فَإِذَا كَانَ مُؤَجَّلًا مُنَجَّمًا كَانَ مُلْتَزِمًا تَسْلِيمَ مَا يَقْدِرُ عَلَى تَسْلِيمِهِ فَيَصِحُّ وَإِذَا كَانَ حَالًّا فَإِنَّمَا يَلْتَزِمُ تَسْلِيمَ مَا لَا يَقْدِرُ عَلَى تَسْلِيمِهِ فَلَا يَصِحُّ الْعَقْدُ .
تَوْضِيحُهُ أَنَّ صِفَةَ الْحُلُولِ تُفَوِّتُ مَا هُوَ الْمَقْصُودُ بِالْكِتَابَةِ لِأَنَّهُ يَثْبُتُ لِلْمَوْلَى حَقُّ الْمُطَالَبَةِ عَقِيبَ الْعَقْدِ ، وَالْعَبْدُ عَاجِزٌ عَنْ الْأَدَاءِ وَيَتَحَقَّقُ عَجْزُهُ بِفَسْخِ الْعَقْدِ فَيَفُوتُ مَا هُوَ الْمَقْصُودُ وَكُلُّ وَصْفٍ يُفَوِّتُ مَا هُوَ الْمَقْصُودُ بِالْعَقْدِ يَجِبُ نَفْيُهُ عَنْ الْعَقْدِ وَذَلِكَ لَا يَكُونُ إلَّا بِالتَّنْجِيمِ ، وَالتَّأْجِيلِ .
قَالَ وَهَذَا بِخِلَافِ السَّلَمِ عَلَى أَصْلِهِ فَإِنَّ الْمُسْلَمَ إلَيْهِ قَبْلَ الْعَقْدِ كَانَ مِنْ أَهْلِ الْمِلْكِ ، وَالْعَاقِلُ لَا يَلْتَزِمُ إلَّا تَسْلِيمَ مَا يَقْدِرُ عَلَى تَسْلِيمِهِ فَعَرَفْنَا قُدْرَتَهُ عَلَى التَّسْلِيمِ بِهَذَا الطَّرِيقِ ، وَهُنَا الْعَبْدُ قَبْلَ الْعَقْدِ لَمْ يَكُنْ أَهْلًا لِلْمِلْكِ فَيُتَيَقَّنُ بِعَجْزِهِ عَنْ التَّسْلِيمِ فِي الْحَالِ وَلِأَنَّ بِعَقْدِ السَّلَمِ يَدْخُلُ مِلْكَ الْمُسْلَمِ إلَيْهِ بَدَلٌ بِقُدْرَتِهِ عَلَى تَسْلِيمِ الْمُسْلَمِ فِيهِ فِي الْحَالِ وَهُوَ رَأْسُ الْمَالِ وَهُنَا بِالْعَقْدِ لَا يَدْخُلُ فِي مِلْكِ الْعَبْدِ شَيْءٌ بِقُدْرَتِهِ عَلَى تَسْلِيمِ الْبَدَلِ فِي
الْحَالِ ( وَحُجَّتُنَا ) فِي ذَلِكَ أَنَّ الْبَدَلَ فِي بَابِ الْكِتَابَةِ مَعْقُودٌ بِهِ كَالثَّمَنِ فِي بَابِ الْبَيْعِ ، وَالْقُدْرَةُ عَلَى تَسْلِيمِ الثَّمَنِ لَيْسَ بِشَرْطٍ لِصِحَّةِ الشِّرَاءِ فَالْقُدْرَةُ عَلَى تَسْلِيمِ الْبَدَلِ فِي بَابِ الْكِتَابَةِ مِثْلُهُ وَهَذَا لِأَنَّ الْعَقْدَ إنَّمَا يَرِدُ عَلَى الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ فَتُشْرَطُ الْقُدْرَةُ عَلَى تَسْلِيمِ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ وَلِهَذَا لَا يَجُوزُ الْبَيْعُ إلَّا بَعْدَ أَنْ يَكُونَ الْمَبِيعُ مَمْلُوكًا لِلْبَائِعِ مَقْدُورَ التَّسْلِيمِ لَهُ .
وَلِهَذَا شَرَطْنَا الْأَجَلَ فِي السَّلَمِ لِأَنَّ الْمُسْلَمَ فِيهِ مَعْقُودٌ عَلَيْهِ ، وَهُوَ غَيْرُ مَقْدُورِ التَّسْلِيمِ فِي الْحَالِ ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مَمْلُوكٍ لِلْمُسْلَمِ إلَيْهِ ، وَقُدْرَتُهُ عَلَى التَّسْلِيمِ لَا تَتَحَقَّقُ إلَّا بِمِلْكِهِ فَلَا يَجُوزُ إلَّا مُؤَجَّلًا لِيُثْبِتَ قُدْرَتَهُ عَلَى التَّسْلِيمِ بِالتَّحْصِيلِ فِي الْمُدَّةِ .
وَلِأَنَّ الْكِتَابَةَ عَقْدُ إرْفَاقٍ فَالظَّاهِرُ أَنَّ الْمَوْلَى لَا يُضَيِّقُ عَلَى الْمُكَاتَبِ وَلَا يُطَالِبُهُ بِالْأَدَاءِ مَا لَمْ يَعْلَمْ قُدْرَتَهُ عَلَيْهِ إلَّا أَنَّهُ لَا يَذْكُرُ الْأَجَلَ لِيَكُونَ مُتَفَضِّلًا فِي تَأْخِيرِ الْمُطَالَبَةِ مُنْعِمًا عَلَيْهِ كَمَا كَانَ فِي الْأَصْلِ الْعَقْدُ وَلْيَمْتَحِنْهُ بِمَا تَفَرَّسَ فِيهِ مِنْ الْخَيْرِ حَتَّى إذَا تَبَيَّنَ لَهُ خِلَافُهُ تَمَكَّنَ مِنْ فَسْخِ الْعَقْدِ وَبِهِ فَارَقَ السَّلَمُ ؛ لِأَنَّهُ مَبْنِيٌّ عَلَى الضِّيقِ ، وَالْمُمَاكَسَةِ فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا يُؤَخِّرُ عَنْهُ بَعْدَ تَوَجُّهِ الْمُطَالَبَةِ لَهُ اخْتِيَارًا فَلِهَذَا لَا يَجُوزُ إلَّا بِذِكْرِ الْأَجَلِ لِيُثْبِتَ بِهِ قُدْرَتَهُ عَلَى التَّسْلِيمِ .
ثُمَّ يَعْتِقُ الْمُكَاتَبَ بِأَدَاءِ الْمَالِ سَوَاءٌ قَالَ لَهُ إذَا أَدَّيْتَ إلَيَّ فَأَنْتَ حُرٌّ أَوْ لَمْ يَقُلْ لَهُ وَلِلشَّافِعِيِّ قَوْلٌ : أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ أَنْ يُضْمِرَ هَذَا بِقَلْبِهِ ، وَيُظْهِرَ بِلِسَانِهِ .
وَهَذَا بَعِيدٌ لِمَا بَيَّنَّا أَنَّ الْعِتْقَ عِنْدَ الْأَدَاءِ حُكْمُ الْعَقْدِ وَثُبُوتُ الْحُكْمِ بِثُبُوتِ السَّبَبِ ، وَالْقَصْدُ إلَى الْحُكْمِ ، وَالتَّكَلُّمُ بِهِ بَعْدَ مُبَاشَرَةِ الْعَقْدِ لَيْسَ بِشَرْطٍ كَمَا فِي الْبَيْعِ فَإِنَّ إضْمَارَ التَّمْلِيكِ بِالْقَلْبِ وَإِظْهَارَهُ بِاللِّسَانِ لَيْسَ بِشَرْطٍ لِثُبُوتِهِ عِنْدَ مُبَاشَرَةِ الْبَيْعِ فَهَذَا مِثْلُهُ ، وَإِنْ عَجَزَ عَنْ أَوَّلِ نَجْمٍ مِنْهَا أَوْ كَانَتْ حَالَّةً فَلَمْ يُؤَدِّهَا حِينَ طَالَبَهُ بِهَا رُدَّ فِي الرِّقِّ لِتَغَيُّرِ شَرْطِ الْعَقْدِ وَتَمَكُّنِ الْخَلَلِ فِي مَقْصُودِ الْمَوْلَى ، وَقَدْ بَيَّنَّا خِلَافَ أَبِي يُوسُفَ فِي كِتَابِ الْعَتَاقِ وَيَسْتَوِي إنْ شَرَطَ ذَلِكَ فِي الْكِتَابَةِ أَوْ لَمْ يَشْرِطْ .
وَحَكَى ابْنُ أَبِي لَيْلَى قَالَ : هَذَا إذَا شَرَطَ عِنْدَ الْعَقْدِ أَنْ يَرُدَّهُ فِي الرِّقِّ إذَا كَسَرَ نَجْمًا فَإِنْ لَمْ يَشْتَرِطْ ذَلِكَ فَمَا لَمْ يَكْسِرْ نَجْمَيْنِ لَا يُرَدُّ فِي الرِّقِّ وَهَذَا فَاسِدٌ ؛ لِأَنَّ تَمَكُّنَ الْخَلَلِ فِيمَا هُوَ مَقْصُودُ الْعَاقِدِ يُمَكِّنُهُ مِنْ الْفَسْخِ سَوَاءٌ شَرَطَ ذَلِكَ فِي الْعَقْدِ أَوْ لَمْ يَشْتَرِطْ كَوُجُودِ الْعَيْبِ بِالْمَبِيعِ وَهَذَا ؛ لِأَنَّ مُوجِبَ الْعَقْدِ الْوَفَاءُ بِمُقْتَضَاهُ وَبِدُونِهِ يَنْعَدِمُ تَمَامُ الرِّضَا وَانْعِدَامُ تَمَامِ الرِّضَا فِي الْعَقْدِ الْمُحْتَمِلِ لِلْفَسْخِ يَمْنَعُ ثُبُوتَ صِفَةِ اللُّزُومِ ، وَالْعَاقِدُ فِي الْعَقْدِ الَّذِي لَا يَكُونُ لَازِمًا مُتَمَكِّنٌ مِنْ الْفَسْخِ شَرَطَ ذَلِكَ أَوْ لَمْ يَشْتَرِطْ كَمَا فِي الْوَكَالَةِ ، وَالشَّرِكَةِ ، فَإِنْ كَاتَبَهُ عَلَى أَلْفٍ مُنَجَّمَةٍ فَإِنْ عَجَزَ عَنْ نَجْمٍ فَمُكَاتَبَتُهُ أَلْفَا دِرْهَمٍ لَمْ تَجُزْ هَذِهِ الْمُكَاتَبَةُ ؛ لِأَنَّ هَذَا الْعَقْدَ لَا يَصِحُّ إلَّا بِتَسْمِيَةِ الْبَدَلِ كَالْبَيْعِ .
وَفِي بَابِ الْبَيْعِ لَا تَصِحُّ التَّسْمِيَةُ بِهَذِهِ الصِّفَةِ
لِكَوْنِهَا مُتَرَدِّدَةً بَيْنَ الْأَلْفِ ، وَالْأَلْفَيْنِ فَكَذَلِكَ فِي الْمُكَاتَبَةِ وَهَذَا فِي مَعْنَى صَفْقَتَيْنِ فِي صَفْقَةٍ وَاحِدَةٍ وَقَدْ وَرَدَ النَّهْيُ فِي ذَلِكَ ، ثُمَّ فِيهِ تَعْلِيقُ وُجُوبِ بَعْضِ الْبَدَلِ بِالْخَطَرِ ، وَهُوَ عَجْزُهُ عَنْ أَدَاءِ نَجْمٍ وَهَذَا شَرْطٌ فَاسِدٌ تَمَكَّنَ فِيمَا هُوَ مِنْ صُلْبِ الْعَقْدِ ، وَهُوَ الْبَدَلُ فَيَفْسُدُ بِهِ الْعَقْدُ ، وَقَدْ قَرَرْنَا هَذَا الْأَصْلَ فِي الْعَتَاقِ .
وَإِنْ كَاتَبَهُ عَلَى أَلْفِ دِرْهَمٍ عَلَى نَفْسِهِ وَمَالِهِ وَلِلْعَبْدِ أَلْفُ دِرْهَمٍ أَوْ أَكْثَرُ فَهُوَ جَائِزٌ وَلَا يَدْخُلُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ عَبْدِهِ رِبًا ، قَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ : { لَا رِبَا بَيْنَ الْعَبْدِ وَسَيِّدِهِ } ، ثُمَّ مَقْصُودُ الْمَوْلَى الْإِرْفَاقُ بِعَبْدِهِ وَاشْتِرَاطُ مَالِ الْعَبْدِ لِلْعَبْدِ فِي الْكِتَابَةِ يُحَقِّقُ هَذَا الْمَقْصُودَ ؛ لِأَنَّهُ كَمَا لَا يَتَمَكَّنُ مِنْ الْكَسْبِ إلَّا بِمَنَافِعِهِ لَا يَتَمَكَّنُ مِنْ تَحْصِيلِ الرِّبْحِ إلَّا بِرَأْسِ مَالٍ لَهُ فَلِتَحَقُّقِ مَعْنَى الْإِرْفَاقِ صَحَّ اشْتِرَاطُ مَالِهِ لَهُ ، وَالرِّبَا هُوَ الْفَضْلُ الْخَالِي عَنْ الْعِوَضِ وَالْمُقَابَلَةِ إذَا كَانَ مُسْتَحَقًّا بِمُعَاوَضَةٍ مَحْضَةٍ فَمَا يَكُونُ بِطَرِيقِ الْإِرْفَاقِ كَمَا قَرَرْنَا لَا يَكُونُ رِبًا فَإِنْ كَانَ فِي يَدِهِ مَالُ سَيِّدِهِ لَمْ يَدْخُلْ ذَلِكَ فِي الْكِتَابَةِ ؛ لِأَنَّهُ شَرَطَ لَهُ فِي الْعَقْدِ مَالًا مُضَافًا إلَيْهِ وَإِضَافَةُ الْمَالِ إلَى الْمَرْءِ إمَّا أَنْ يَكُونَ بِكَوْنِهِ مِلْكًا لَهُ أَوْ لِكَوْنِهِ كَسْبًا لَهُ ، وَالْعَبْدُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِ الْمِلْكِ فَالْإِضَافَةُ إلَيْهِ لِكَوْنِهِ كَسْبًا لَهُ بَلْ يَدُهُ فِيهِ يَدُ مَوْلَاهُ فَهُوَ كَسَائِرِ الْأَمْوَالِ الَّتِي فِي يَدِ الْمَوْلَى .
وَإِنَّمَا يَدْخُلُ فِي هَذِهِ التَّسْمِيَةِ كَسْبُهُ مِنْ مَالٍ وَرَقِيقٍ وَغَيْرِ ذَلِكَ ؛ لِأَنَّهُ مُضَافٌ إلَيْهِ شَرْعًا قَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { مَنْ بَاعَ عَبْدًا وَلَهُ مَالٌ } وَكَذَلِكَ مَا كَانَ سَيِّدُهُ وَهَبَهُ لَهُ أَوْ وَهَبَهُ لَهُ غَيْرُهُ بِعِلْمِهِ أَوْ بِغَيْرِ عِلْمِهِ ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ كُلَّهُ
كَسْبُهُ فَإِنَّهُ حَصَلَ لَهُ بِقَبُولِهِ وَعَدَمُ عِلْمِ الْمَوْلَى لَا يُخْرِجُهُ مِنْ أَنْ يَكُونَ كَسْبًا لَهُ فَيَدْخُلُ ذَلِكَ كُلُّهُ فِي هَذِهِ التَّسْمِيَةِ .
ثُمَّ مُوجِبُ عَقْدِ الْكِتَابَةِ أَنْ يَكُونَ هُوَ أَحَقَّ بِكَسْبِهِ وَاشْتِرَاطُ مَا اكْتَسَبَهُ قَبْلَ الْعَقْدِ لَيْسَ مِنْ جِنْسِ مَا هُوَ مُوجَبُ الْعَقْدِ فَيَكُونُ دَاخِلًا فِي هَذَا الْإِيجَابِ ، فَأَمَّا مَالُ الْمَوْلَى الَّذِي لَيْسَ مِنْ كَسْبِ الْعَبْدِ لَيْسَ بِجِنْسِ مَا هُوَ مُوجَبُ الْعَقْدِ فَلَا يَسْتَحِقُّهُ بِهَذِهِ التَّسْمِيَةِ ، وَإِنْ كَاتَبَهُ عَلَى أَنْ يَخْدِمَهُ شَهْرًا فَهُوَ جَائِزٌ اسْتِحْسَانًا .
وَفِي الْقِيَاسِ لَا يَجُوزُ ؛ لِأَنَّ الْخِدْمَةَ غَيْرُ مَعْلُومَةٍ وَفِيمَا لَا يَصِحُّ إلَّا بِتَسْمِيَةِ الْبَدَلِ لَا بُدَّ مِنْ أَنْ يَكُونَ الْمُسَمَّى مَعْلُومًا ، ثُمَّ خِدْمَتُهُ مُسْتَحَقَّةٌ لِمَوْلَاهُ بِمِلْكِهِ رَقَبَتَهُ ، وَإِنَّمَا يَجُوزُ عَقْدُ الْكِتَابَةِ إذَا كَانَ يَسْتَحِقُّ بِهِ الْمَوْلَى مَا لَمْ يَكُنْ مُسْتَحَقًّا لَهُ وَلَكِنَّهُ اسْتَحْسَنَ ، فَقَالَ : أَصْلُ الْخِدْمَةِ مَعْلُومٌ بِالْعُرْفِ وَمِقْدَارُهُ بِبَيَانِ الْمُدَّةِ ، وَإِنَّمَا تَكُونُ الْجَهَالَةُ فِي الصِّفَةِ وَذَلِكَ لَا يَمْنَعُ صِحَّةَ تَسْمِيَتِهِ فِي الْكِتَابَةِ كَمَا لَوْ كَاتَبَهُ عَلَى عَبْدٍ أَوْ ثَوْبٍ هَرَوِيٍّ ، ثُمَّ الْمَوْلَى وَإِنْ كَانَ يَسْتَخْدِمُهُ قَبْلَ الْكِتَابَةِ فَلَمْ يَكُنْ ذَلِكَ دَيْنًا لَهُ فِي ذِمَّةِ الْعَبْدِ وَبِتَسْمِيَتِهِ فِي الْعَقْدِ يَصِيرُ وَاجِبًا لَهُ فِي ذِمَّتِهِ فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ الْكَسْبِ كَانَ مُسْتَحَقًّا لِمَوْلَاهُ قَبْلَ الْعَقْدِ ، وَإِنَّمَا يُؤَدِّي بَدَلَ الْكِتَابَةِ مِنْ ذَلِكَ الْكَسْبِ وَلَكِنْ لَمَّا كَانَ وُجُوبُهُ فِي الذِّمَّةِ بِالتَّسْمِيَةِ فِي الْعَقْدِ صَحَّ الْعَقْدُ بِتَسْمِيَتِهِ وَكَذَلِكَ إنْ كَاتَبَهُ عَلَى أَنْ يَحْفِرَ لَهُ بِئْرًا قَدْ سَمَّى طُولَهَا وَعَرْضَهَا وَأَرَاهُ مَكَانَهَا أَوْ عَلَى أَنْ يَبْنِيَ لَهُ دَارًا قَدْ أَرَاهُ آجُرَّهَا وَجِصَّهَا وَمَا يَبْنِي بِهَا فَهُوَ عَلَى الْقِيَاسِ ، وَالِاسْتِحْسَانِ الَّذِي قُلْنَا ، وَإِنْ كَاتَبَهُ عَلَى أَنْ يَخْدِمَ رَجُلًا شَهْرًا فَهُوَ جَائِزٌ فِي الْقِيَاسِ ؛ لِأَنَّ الْمَوْلَى إنَّمَا يَشْتَرِطُ الْخِدْمَةَ لِنَفْسِهِ ، ثُمَّ يَجْعَلُ غَيْرَهُ نَائِبًا فِي الِاسْتِيفَاءِ فَهُوَ وَاشْتِرَاطُهُ
الِاسْتِيفَاءَ بِنَفْسِهِ سَوَاءٌ إلَّا أَنَّهُ قَالَ هُنَا يَجُوزُ فِي الْقِيَاسِ بِخِلَافِ الْأَوَّلِ ؛ لِأَنَّ خِدْمَتَهُ لَمْ تَكُنْ مُسْتَحَقَّةً لِذَلِكَ الرَّجُلِ قَبْلَ الْعَقْدِ ، وَإِنَّمَا تَصِيرُ مُسْتَحَقَّةً بِقَبُولِهِ بِالْعَقْدِ ، فَأَمَّا خِدْمَتُهُ لِمَوْلَاهُ وَحَفْرُ الْبِئْرِ وَبِنَاءُ الدَّارِ كَانَ مُسْتَحَقًّا لَهُ قَبْلَ الْعَقْدِ بِمِلْكِ رَقَبَتِهِ وَذَلِكَ الْمِلْكُ يَبْقَى بَعْدَ الْكِتَابَةِ فَبِهَذَا الْحَرْفِ يُفَرَّقُ بَيْنَهُمَا فِي وَجْهِ الْقِيَاسِ .
وَإِنْ كَاتَبَهُ عَلَى أَلْفِ دِرْهَمٍ يُؤَدِّيهَا إلَى غَرِيمٍ لَهُ فَهُوَ جَائِزٌ ؛ لِأَنَّهُ شَرَطَ الْمَالَ لِنَفْسِهِ بِالْعَقْدِ ، ثُمَّ أَمَرَهُ بِأَنْ يَقْضِيَ دَيْنًا عَلَيْهِ وَجَعَلَ الْغَرِيمَ نَائِبًا فِي قَبْضِهِ مِنْهُ وَقَبْضُ نَائِبِهِ كَقَبْضِهِ بِنَفْسِهِ ، وَكَذَلِكَ إنْ كَاتَبَهُ عَلَى أَلْفِ دِرْهَمٍ يَضْمَنُهَا لِرَجُلٍ عَنْ سَيِّدِهِ فَالْكِتَابَةُ ، وَالضَّمَانُ جَائِزَانِ وَهَذَا لَيْسَ بِضَمَانٍ هُوَ تَبَرُّعٌ مِنْ الْمُكَاتَبِ بَلْ هُوَ الْتِزَامُ أَدَاءِ مَالِ الْكِتَابَةِ إلَى مَنْ أَمَرَهُ الْمَوْلَى بِالْأَدَاءِ إلَيْهِ وَلَا فَرْقَ فِي حَقِّهِ بَيْنَ أَنْ يَلْتَزِمَ الْأَدَاءَ إلَى الْمَوْلَى وَبَيْنَ أَنْ يَلْتَزِمَ الْأَدَاءَ إلَى مَنْ أَمَرَهُ الْمَوْلَى بِالْأَدَاءِ إلَيْهِ ، وَإِنْ ضَمِنَ لِرَجُلٍ مَالًا بِغَيْرِ إذْنِ سَيِّدِهِ سِوَى الْكِتَابَةِ لَمْ يَجُزْ ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا يَضْمَنُ الْمَالَ لِيُؤَدِّيَهُ مِنْ كَسْبِهِ وَكَسْبُهُ لَا يَحْتَمِلُ التَّبَرُّعَ فَكَذَلِكَ الْتِزَامُهُ بِطَرِيقِ التَّبَرُّعِ لِيُؤَدِّيَهُ مِنْ كَسْبِهِ لَا يَجُوزُ ، وَهَذَا ؛ لِأَنَّهُ بَقِيَ عَبْدًا بَعْدَ الْكِتَابَةِ وَلَا يَجِبُ الْمَالُ فِي ذِمَّةِ الْعَبْدِ إلَّا شَاغِلًا لِمَالِيَّةِ رَقَبَتِهِ أَوْ كَسْبِهِ فَإِذَا كَانَ بِطَرِيقِ التَّبَرُّعِ لَمْ يَكُنْ شَغَلَ كَسْبَهُ فَلَا يَثْبُتُ دَيْنًا فِي ذِمَّتِهِ لِلْحَالِّ وَكَذَلِكَ إنْ أَذِنَ لَهُ الْمَوْلَى فِي ذَلِكَ ؛ لِأَنَّ الْمَوْلَى مَمْنُوعٌ مِنْ التَّبَرُّعِ بِكَسْبِهِ فَلَا يُعْتَبَرُ إذْنُهُ فِي ذَلِكَ وَبِهِ فَارَقَ الْقِنَّ فَإِنَّهُ لَوْ كَفَلَ بِإِذْنِ مَوْلَاهُ صَحَّ ؛ لِأَنَّ الْمَوْلَى
مَالِكٌ لِلتَّبَرُّعِ بِمَالِيَّةِ رَقَبَتِهِ وَكَسْبِهِ فَإِذَا أَذِنَ لَهُ فِي هَذَا الِالْتِزَامِ يَثْبُتُ الْمَالُ فِي ذِمَّتِهِ مُتَعَلِّقًا بِمَالِيَّةِ رَقَبَتِهِ فَكَانَ صَحِيحًا ، وَإِنْ ضَمِنَ عَنْ السَّيِّدِ لِغَرِيمٍ لَهُ بِمَالٍ عَلَى أَنْ يُؤَدِّيَهُ مِنْ الْمُكَاتَبَةِ أَوْ قَبْلَ الْحَوَالَةِ بِهِ فَهُوَ جَائِزٌ ؛ لِأَنَّهُ لَا يَتَحَقَّقُ مَعْنَى التَّبَرُّعِ فِي هَذَا الِالْتِزَامِ فَإِنَّهُ مَطْلُوبٌ بِبَدَلِ الْكِتَابَةِ سَوَاءٌ كَانَ طَالَبَهُ بِهِ الْمَوْلَى أَوْ الْمَضْمُونُ لَهُ ؛ وَلِأَنَّ دَيْنَ الْكِتَابَةِ وَجَبَ فِي ذِمَّتِهِ شَاغِلًا لِكَسْبِهِ حَتَّى يُؤَدِّيَهُ مِنْ كَسْبِهِ فَمَا يُلْتَزَمُ أَدَاؤُهُ مِنْ الْكِتَابَةِ فَهُوَ مُتَمَكِّنٌ مِنْ أَدَاءِ ذَلِكَ مِنْ كَسْبِهِ فَلِهَذَا صَحَّ هَذَا الضَّمَانُ .
وَإِنْ كَاتَبَهُ عَلَى مَالِ مُنَجَّمٍ ، ثُمَّ صَالَحَهُ عَلَى أَنْ يُعَجِّلَ بَعْضَهَا وَيَحُطَّ عَنْهُ مَا بَقِيَ فَهُوَ جَائِزٌ ؛ لِأَنَّهُ عَبْدُهُ ، وَمَعْنَى الْإِرْفَاقِ فِيمَا يَجْرِي بَيْنَهُمَا أَظْهَرُ مِنْ مَعْنَى الْمُعَاوَضَةِ فَلَا يَكُونُ هَذَا مُقَابَلَةَ الْأَجَلِ بِبَعْضِ الْمَالِ وَلَكِنَّهُ إرْفَاقٌ مِنْ الْمَوْلَى بِحَطِّ بَعْضِ الْبَدَلِ ، وَهُوَ مَنْدُوبٌ إلَيْهِ فِي الشَّرْعِ وَمُسَاهَلَةٌ مِنْ الْمُكَاتَبِ فِي تَعْجِيلِ مَا بَقِيَ قَبْلَ حِلِّ الْأَجَلِ لِيَتَوَصَّلَ بِهِ إلَى شَرَفِ الْحُرِّيَّةِ ، وَهُوَ مَنْدُوبٌ إلَيْهِ فِي الشَّرْعِ أَيْضًا بِخِلَافِ مَا لَوْ جَرَتْ هَذِهِ الْمُعَامَلَةُ بَيْنَ حُرَّيْنِ ؛ لِأَنَّ مَعْنَى الْمُعَاوَضَةِ فِيمَا بَيْنَهُمَا يَغْلِبُ عَلَى مَعْنَى الْإِرْفَاقِ فَيَكُونُ هَذَا مُبَادَلَةَ الْأَجَلِ بِالدَّرَاهِمِ ، وَمُبَادَلَةَ الْأَجَلِ بِالدَّرَاهِمِ رِبًا وَكَذَلِكَ إنْ صَالَحَهُ مِنْ الْكِتَابَةِ عَلَى شَيْءٍ بِعَيْنِهِ فَهُوَ جَائِزٌ ؛ لِأَنَّ دَيْنَ الْكِتَابَةِ يَحْتَمِلُ الْإِسْقَاطَ بِالْإِبْرَاءِ وَقَبْضُهُ غَيْرُ مُسْتَحَقٍّ فَالِاسْتِبْدَالُ بِهِ صَحِيحٌ كَالثَّمَنِ فِي الْبَيْعِ وَهَذَا ؛ لِأَنَّ فِي الِاسْتِبْدَالِ إسْقَاطَ الْقَبْضِ بِعِوَضٍ وَإِذَا جَازَ إسْقَاطُ الْقَبْضِ بِمَا هُوَ إبْرَاءٌ حَقِيقَةً وَحُكْمًا بِغَيْرِ عِوَضٍ فَكَذَلِكَ بِالْعِوَضِ ،
وَإِنْ فَارَقَهُ قَبْلَ الْقَبْضِ لَمْ يَفْسُدْ الصُّلْحُ ؛ لِأَنَّهُ افْتِرَاقٌ عَنْ عَيْنٍ بِدَيْنٍ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ اشْتَرَى ذَلِكَ الشَّيْءَ بِعَيْنِهِ بِمَا عَلَيْهِ مِنْ الْكِتَابَةِ جَازَ وَإِنْ لَمْ يَقْبِضْهُ فِي الْمَجْلِسِ وَإِنْ صَالَحَهُ عَلَى عَرْضٍ أَوْ غَيْرِهِ مُؤَجَّلٍ لَمْ يَجُزْ ؛ لِأَنَّهُ دَيْنٌ بِدَيْنٍ { وَنَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ الْكَالِئِ بِالْكَالِئِ } فَإِنْ كَاتَبَهُ عَلَى أَلْفِ دِرْهَمٍ مُنَجَّمَةٍ عَلَى أَنْ يُؤَدِّيَ إلَيْهِ مَعَ كُلِّ نَجْمٍ ثَوْبًا قَدْ سَمَّى جِنْسَهُ أَوْ عَلَى أَنْ يُؤَدِّيَ مَعَ كُلِّ نَجْمٍ عَشَرَةَ دَرَاهِمَ فَذَلِكَ جَائِزٌ ؛ لِأَنَّ مَا ضَمَّهُ إلَى الْمُسَمَّى فِي كُلِّ نَجْمٍ يَكُونُ بَدَلًا مَشْرُوطًا عَلَيْهِ بِمَنْزِلَةِ الْأَلْفِ الَّذِي ذَكَرَهُ أَوَّلًا ، وَالثَّوْبُ الَّذِي هُوَ مُسَمَّى الْجِنْسِ يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ بَدَلًا فِي الْكِتَابَةِ ؛ لِأَنَّهُ مَبْنِيٌّ عَلَى التَّوَسُّعِ فَكَانَ هَذَا بِمَنْزِلَةِ قَوْلِهِ كَاتَبْتُكَ عَلَى كَذَا وَكَذَا ، وَهُوَ صَحِيحٌ يَتَّضِحُ فِيمَا ذَكَرَ بَعْدَهُ أَنَّهُ لَوْ قَالَ لَهُ عَلَى أَنْ تُؤَدِّيَ مَعَ مُكَاتَبَتِكَ أَلْفَ دِرْهَمٍ ؛ لِأَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَقُولَ كَاتَبْتُكَ عَلَى أَلْفِ دِرْهَمٍ أَوْ يَقُولَ عَلَى أَلْفِ دِرْهَمٍ وَأَلْفِ دِرْهَمٍ وَإِذًا ثَبَتَ أَنْ جَمِيعَ ذَلِكَ بَدَلٌ فَإِذَا عَجَزَ عَنْ أَدَاءِ شَيْءٍ مِنْهُ بَعْدَ حَلِّهِ رُدَّ فِي الرِّقِّ .
وَإِنْ كَاتَبَهُ عَلَى أَلْفِ دِرْهَمٍ فَأَدَّاهَا ، ثُمَّ اُسْتُحِقَّتْ مِنْ يَدِ الْمَوْلَى فَالْمُكَاتَبُ حُرٌّ لِوُجُودِ شَرْطِ عِتْقِهِ ، وَهُوَ الْأَدَاءُ ، وَالْعِتْقُ بَعْدَ وُقُوعِهِ لَا يَحْتَمِلُ الْفَسْخَ فَالْأَدَاءُ وَإِنْ بَطَلَ بِالِاسْتِحْقَاقِ بَعْدَ الْوُجُودِ لَا يَبْطُلُ الْعِتْقُ ؛ وَلِأَنَّ الْمُكَاتَبَةَ لَمْ تَقَعْ عَلَى هَذِهِ الْأَلْفِ بِعَيْنِهَا يُرِيدُ بِهِ أَنَّ بَدَلَ الْكِتَابَةِ كَانَ فِي ذِمَّتِهِ وَمَا يُؤَدِّيهِ عِوَضٌ عَنْ ذَلِكَ فَإِنَّ الدُّيُونَ تُقْتَضَى بِأَمْثَالِهِ لَا بِأَعْيَانِهَا وَبَدَلُ الْمُسْتَحَقِّ مَمْلُوكٌ لِلْمَوْلَى بِالْقَبْضِ ، وَالْمُكَاتَبُ قَابِضٌ لِمَا فِي ذِمَّتِهِ
فَيَكُونُ مَمْلُوكًا لَهُ وَإِنْ كَانَ بَدَلُهُ مُسْتَحَقًّا ، وَمَنْ مَلَكَ مَا فِي ذِمَّتِهِ سَقَطَ عَنْهُ ذَلِكَ فَلِهَذَا كَانَ حُرًّا وَيَرْجِعُ عَلَيْهِ السَّيِّدُ بِأَلْفٍ مَكَانَهَا ؛ لِأَنَّ قَبْضَهُ قَدْ انْتَقَضَ بِالِاسْتِحْقَاقِ فَكَأَنَّهُ لَمْ يَقْبِضْ أَوْ وَجَدَ الْمَقْبُوضَ زُيُوفًا فَرَدَّهُ فَلِهَذَا رَجَعَ بِأَلْفٍ مَكَانَهَا ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ وَإِلَيْهِ الْمَرْجِعُ ، وَالْمَآبُ .
بَابُ مَا لَا يَجُوزُ مِنْ الْمُكَاتَبَةِ ( قَالَ ) رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ : وَإِذَا كَاتَبَ الرَّجُلُ عَبْدَهُ عَلَى قِيمَتِهِ لَمْ يَجُزْ ؛ لِأَنَّ عَقْدَ الْكِتَابَةِ لَا يَصِحُّ إلَّا بِتَسْمِيَةِ الْبَدَلِ كَعَقْدِ الْبَيْعِ ، وَالْقِيمَةُ مَجْهُولُ الْجِنْسِ ، وَالْقَدْرِ عِنْدَ الْعَقْدِ فَلَمْ تَصِحَّ تَسْمِيَتُهُ ، وَهُوَ تَفْسِيرُ الْعَقْدِ الْفَاسِدِ فَإِنَّ مُوجِبَ الْكِتَابَةِ الْفَاسِدَةِ الْقِيمَةُ بَعْدَ تَمَامِهَا فَإِذَا أَدَّى إلَيْهِ الْقِيمَةَ عَتَقَ ؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ انْعَقَدَ مَعَ الْفَسَادِ فَيَنْعَقِدُ مُوجِبًا لِحُكْمِهِ ، وَالْأَصْلُ أَنَّ الْعَقْدَ الْفَاسِدَ مُعْتَبَرٌ بِالْجَائِزِ فِي الْحُكْمِ ؛ لِأَنَّ صِفَةَ الْفَسَادِ لَا تَمْنَعُ انْعِقَادَ أَصْلِ الْعَقْدِ بَلْ تَدُلُّ عَلَى انْعِقَادِهِ فَإِنَّ قِيَامَ الْوَصْفِ بِالْمَوْصُوفِ فَإِنَّ الصِّفَةَ تَبَعٌ وَبِانْعِدَامِ التَّبَعِ لَا يَنْعَدِمُ الْأَصْلُ ، ثُمَّ الْعُقُودُ الشَّرْعِيَّةُ لَا تَنْعَقِدُ إلَّا مُفِيدَةً لِلْحُكْمِ فِي الْحَالِ أَوْ فِي الثَّانِي وَلَا يُمْكِنُ تَعَرُّفُ حُكْمِ الْعَقْدِ الْفَاسِدِ مِنْ نَفْسِهِ ؛ لِأَنَّ الشَّرْعَ لَمْ يَرِدْ بِالْإِذْنِ فِيهِ فَلَا بُدَّ مِنْ أَنْ يُتَعَرَّفَ حُكْمُهُ مِنْ الْجَائِزِ ، وَلِأَنَّ الْحُكْمَ يُضَافُ إلَى أَصْلِ الْعَقْدِ لَا إلَى صِفَةِ الْجَوَازِ وَاَلَّذِي يَتَعَلَّقُ بِصِفَةِ الْجَوَازِ لُزُومُ الْعَقْدِ بِنَفْسِهِ وَذَلِكَ لَا يَثْبُتُ مَعَ الْفَسَادِ .
فَأَمَّا حُكْمُ الْعِتْقِ عِنْدَ أَدَاءِ الْبَدَلِ مُضَافٌ إلَى أَصْلِ الْعَقْدِ .
وَأَصْلُ الْعَقْدِ مُنْعَقِدٌ وَقَدْ وُجِدَ أَدَاءُ الْبَدَلِ ؛ لِأَنَّا إنْ نَظَرْنَا إلَى الْمُسَمَّى فَهُوَ الْقِيمَةُ وَإِنْ نَظَرْنَا إلَى الْوَاجِبِ شَرْعًا عِنْدَ فَسَادِ الْعَقْدِ فَهُوَ الْقِيمَةُ فَلِهَذَا يَعْتِقُ بِأَدَاءِ الْقِيمَةِ .
وَإِنْ كَاتَبَهُ عَلَى ثَوْبٍ لَمْ يُسَمِّ جِنْسَهُ لَمْ يَجُزْ ؛ لِأَنَّ الثِّيَابَ أَجْنَاسٌ مُخْتَلِفَةٌ وَمَا هُوَ مَجْهُولُ الْجِنْسِ لَا يَثْبُتُ دَيْنًا فِي الذِّمَّةِ فِي شَيْءٍ مِنْ الْمُعَاوَضَاتِ كَمَا فِي النِّكَاحِ ، وَإِنْ أَدَّى إلَيْهِ ثَوْبًا لَمْ يَعْتِقْ ؛ لِأَنَّا لَمْ نَعْلَمْ بِأَدَاءِ الْمَشْرُوطِ حَقِيقَةً فَاسْمُ الثَّوْبِ كَمَا يَتَنَاوَلُ مَا أَدَّى يَتَنَاوَلُ غَيْرَهُ وَلَمْ يُوجَدْ أَدَاءُ بَدَلِ الْكِتَابَةِ أَيْضًا حُكْمًا ؛ لِأَنَّ بَدَلَ الْكِتَابَةِ هُوَ الْقِيمَةُ فِي الْعَقْدِ الْفَاسِدِ وَبِأَدَاءِ الثَّوْبِ لَا يَصِيرُ مُؤَدِّيًا الْقِيمَةَ فَلِهَذَا لَا يَعْتِقُ ( فَإِنْ قِيلَ ) الْمُسَمَّى ثَوْبٌ وَهَذَا الِاسْمُ حَقِيقَةٌ لِمَا أَدَّى فَيَنْبَغِي أَنْ يَعْتِقَ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ هَذَا هُوَ الْبَدَلُ حُكْمًا كَمَا لَوْ كَاتَبَهُ عَلَى خَمْرٍ فَأَدَّى ( قُلْنَا ) نَعَمْ الْمُسَمَّى ثَوْبٌ وَلَكِنَّا نَقُولُ الثِّيَابُ مُتَفَاوِتَةٌ تَفَاوُتًا فَاحِشًا فَلَا وَجْهَ لِتَعْيِينِ هَذَا الثَّوْبِ مُسَمًّى ؛ لِأَنَّهُ لَوْ تَعَيَّنَ لَمْ يَكُنْ لِلْمَوْلَى أَنْ يَرْجِعَ عَلَيْهِ بِشَيْءٍ آخَرَ فَإِنَّهُ مَالٌ مُتَقَوِّمٌ وَقَدْ سُلِّمَ لَهُ وَفِي هَذَا ضَرَرٌ عَلَيْهِ فَلِدَفْعِ الضَّرَرِ عَنْهُ لَا يَتَعَيَّنُ هَذَا مُسَمًّى وَلِأَنَّ هَذَا بِمَنْزِلَةِ الِاسْمِ الْمُشْتَرَكِ وَفِي الْمُشْتَرَكِ لَا يَتَعَيَّنُ بِمُطْلَقِ الِاسْمِ وَلَا عُمُومَ لِلِاسْمِ الْمُشْتَرَكِ فَلِهَذَا لَا يَعْتِقُ بِأَدَاءِ الثَّوْبِ وَكَذَلِكَ لَوْ كَاتَبَهُ عَلَى خَمْرٍ أَوْ خِنْزِيرٍ أَوْ دَارٍ بِغَيْرِ عَيْنِهَا ؛ لِأَنَّ الدَّارَ لَا تَثْبُتُ فِي الذِّمَّةِ فِي شَيْءٍ مِنْ الْعُقُودِ وَلِأَنَّ اخْتِلَافَ الْبُلْدَانِ ، وَالْمَحَالِّ فِي الدَّارِ كَاخْتِلَافِ الْأَجْنَاسِ فِي الثِّيَابِ وَلِهَذَا لَوْ وَكَّلَهُ بِشِرَاءِ دَارٍ لَهُ لَمْ يَصِحَّ التَّوْكِيلُ .
وَإِنْ كَاتَبَ أُمَّتَهُ عَلَى أَلْفِ دِرْهَمٍ عَلَى أَنْ يَطَأَهَا مَا دَامَتْ مُكَاتَبَةً لَمْ تَجُزْ الْكِتَابَةُ وَقَدْ بَيَّنَّا هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ بِمَا فِيهَا مِنْ الِاخْتِلَافِ ، وَالطَّعْنِ فِي كِتَابِ الْعَتَاقِ فَإِنْ وَطِئَهَا السَّيِّدُ ، ثُمَّ أَدَّتْ الْكِتَابَةَ فَعَلَيْهِ عُقْرُهَا لِمَا بَيَّنَّا أَنَّ الْعَقْدَ الْفَاسِدَ مُعْتَبَرٌ بِالْجَائِزِ فِي الْحُكْمِ وَفِي الْكِتَابَةِ الْجَائِزَةِ يَلْزَمُهُ الْعُقْرُ بِالْوَطْءِ وَيَتَقَرَّرُ عَلَيْهِ إذَا أَدَّتْ الْكِتَابَةَ ، فَكَذَلِكَ فِي الْفَاسِدِ وَهَذَا بِخِلَافِ الْبَيْعِ الْفَاسِدِ فَإِنَّ الْبَائِعَ إذَا وَطِئَ الْجَارِيَةَ الْمَبِيعَةَ قَبْلَ التَّسْلِيمِ ، ثُمَّ سَلَّمَهَا إلَى الْمُشْتَرِي فَأَعْتَقَهَا لَمْ يَكُنْ عَلَى الْبَائِعِ عُقْرٌ فِي الْوَطْءِ ، وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَنَّ الْمِلْكَ لِلْمُشْتَرِي فِي الْبَيْعِ الْفَاسِدِ يَحْصُلُ عِنْدَ الْقَبْضِ مَقْصُورًا عَلَيْهِ ؛ لِأَنَّ السَّبَبَ ضَعِيفٌ فَلَا يُفِيدُ الْحُكْمَ حَتَّى يَتَقَوَّى بِالْقَبْضِ فَلَا يَتَبَيَّنُ بِقَبْضِ الْمُشْتَرِي أَنَّ وَطْءَ الْبَائِعِ كَانَ فِي غَيْرِ مِلْكِهِ بَلْ كَانَ وَطْؤُهُ فِي مِلْكِهِ فَلَا يَلْزَمُهُ الْعُقْرُ وَلِهَذَا لَوْ وَطِئَهَا غَيْرُ الْبَائِعِ قَبْلَ التَّسْلِيمِ بِشُبْهَةٍ كَانَ الْعُقْرُ لِلْبَائِعِ .
وَلَوْ اكْتَسَبَ كَسْبًا كَانَ ذَلِكَ لِلْبَائِعِ بِخِلَافِ الْكِتَابَةِ فَإِنَّهَا إذَا تَمَّتْ بِأَدَاءِ الْبَدَلِ يَثْبُتُ الِاسْتِحْقَاقُ لَهَا مِنْ وَقْتِ الْعَقْدِ حَتَّى لَوْ وُطِئَتْ بِشُبْهَةٍ كَانَ الْعُقْرُ لَهَا وَلَوْ اكْتَسَبَتْ كَانَتْ الِاكْتِسَابَاتُ كُلُّهَا لَهَا فَلِهَذَا يَجِبُ الْعُقْرُ عَلَى الْمَوْلَى بِوَطْئِهَا وَحَقِيقَةُ الْمَعْنَى فِي الْفَرْقِ أَنَّ مُوجِبَ الْكِتَابَةِ إثْبَاتُ الْمَالِكِيَّةِ لَهَا فِي الْيَدِ ، وَالْمَكَاسِبِ وَذَلِكَ فِي حُكْمِ الْمُسْلَمِ إلَيْهَا بِنَفْسِ الْعَقْدِ لِمَا لَهَا مِنْ الْيَدِ فِي نَفْسِهَا إلَّا أَنَّ الْمَوْلَى كَانَ مُتَمَكِّنًا مِنْ الْفَسْخِ وَالِاسْتِرْدَادِ لِفَسَادِ السَّبَبِ فَإِذَا زَالَ ذَلِكَ بِالْعِتْقِ تَقَرَّرَ الِاسْتِحْقَاقُ بِهَا بِأَصْلِ الْعَقْدِ وَوِزَانُهُ الْمَبِيعُ بَعْدَ قَبْضِ الْمُشْتَرِي
فَإِنَّهُ يَكُونُ مَمْلُوكًا لَهُ وَيَتَمَكَّنُ الْبَائِعُ مِنْ فَسْخِ الْعَقْدِ لِفَسَادِ السَّبَبِ فَإِذَا زَالَ ذَلِكَ بِالْإِعْتَاقِ تَقَرَّرَ الْمِلْكُ لَهُ مِنْ وَقْتِ الْقَبْضِ .
وَإِذَا كَاتَبَ عَبْدَهُ مُكَاتَبَةً فَاسِدَةً ، ثُمَّ مَاتَ الْمَوْلَى فَأَدَّى الْمُكَاتَبَةَ إلَى الْوَرَثَةِ عَتَقَ اسْتِحْسَانًا وَفِي الْقِيَاسِ لَا يَعْتِقُ ؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ الْفَاسِدَ لِكَوْنِهِ ضَعِيفًا فِي نَفْسِهِ لَا يَمْنَعُ مِلْكَ الْوَارِثِ وَمِنْ ضَرُورَةِ انْتِقَالِهِ إلَى الْوَارِثِ بُطْلَانُ ذَلِكَ الْعَقْدِ ، وَلَوْ عَتَقَ بِالْأَدَاءِ فَإِنَّمَا يَعْتِقُ مِنْ جِهَةِ الْوَارِثِ ، وَالْوَارِثُ لَمْ يُكَاتِبْهُ وَلَكِنَّهُ اسْتَحْسَنَ فَقَالَ مَا هُوَ الْمَعْقُودُ عَلَيْهِ مُسَلَّمٌ إلَى الْعَبْدِ بِنَفْسِ الْعَقْدِ فَبِمَوْتِ الْمَوْلَى لَا يَبْطُلُ حَقُّهُ وَإِنْ تَمَكَّنَ الْوَارِثُ مِنْ إبْطَالِهِ لِفَسَادِ السَّبَبِ كَالْمَبِيعِ فِي الْبَيْعِ الْفَاسِدِ بَعْدَ التَّسْلِيمِ فَإِنَّ الْبَائِعَ إذَا مَاتَ لَا يَمْلِكُهُ وَارِثُهُ وَلَا يَبْطُلُ مِلْكُ الْمُشْتَرِي فِيهِ وَإِنْ كَانَ الْوَارِثُ يَتَمَكَّنُ مِنْ اسْتِرْدَادِهِ وَتَمَلُّكِهِ لِفَسَادِ السَّبَبِ حَتَّى لَوْ أَعْتَقَهُ الْمُشْتَرِي نَفَذَ عِتْقُهُ فَكَذَلِكَ هُنَا بَعْدَ الْمَوْتِ يَبْقَى الْعَقْدُ مَا لَمْ يَفْسَخْهُ الْوَارِثُ وَإِذَا بَقِيَ الْعَقْدُ كَانَ أَدَاءُ الْبَدَلِ إلَى الْوَارِثِ الْقَائِمِ مَقَامَ الْمُوَرِّثِ كَأَدَائِهِ إلَى الْمُوَرِّثَ فِي حَيَاتِهِ فَلِهَذَا يَعْتِقُ بِهِ .
وَإِنْ كَاتَبَ أُمَّتَهُ مُكَاتَبَةً فَاسِدَةً فَوَلَدَتْ وَلَدًا ، ثُمَّ أَدَّتْ الْمُكَاتَبَةَ عَتَقَ وَلَدُهَا مَعَهَا اعْتِبَارًا لِلْعَقْدِ الْفَاسِدِ بِالْجَائِزِ فِي الْحُكْمِ لِمَا بَيَّنَّا أَنَّ الِاسْتِحْقَاقَ إذَا تَمَّ لَهَا بِالْأَدَاءِ فَإِنَّهُ يُحْكَمُ بِثُبُوتِهِ مِنْ وَقْتِ الْعَقْدِ كَمَا فِي اسْتِحْقَاقِ الْكَسْبِ ، وَإِنْ مَاتَتْ قَبْلَ أَنْ تُؤَدِّيَ فَلَيْسَ عَلَى وَلَدِهَا أَنْ يَسْعَى فِي شَيْءٍ ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا يَلْزَمُهُ السِّعَايَةُ فِيمَا كَانَ وَاجِبًا عَلَى أُمِّهِ وَمَعَ فَسَادِ الْعَقْدِ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهَا شَيْءٌ مِنْ الْمَالِ فَكَذَلِكَ لَا يَكُونُ عَلَى وَلَدِهَا ، فَإِنْ اسْتَسْعَاهُ فِي مُكَاتَبَةِ الْأُمِّ فَأَدَّاهُ لَمْ يَعْتِقْ فِي الْقِيَاسِ ؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ فَاسِدٌ ، وَالِاسْتِحْقَاقَ بِهِ ضَعِيفٌ ، وَالْحَقُّ الضَّعِيفُ فِي الْأُمِّ لَا يَسْرِي إلَى الْوَلَدِ .
وَفِي الِاسْتِحْسَانِ يَعْتِقُ هُوَ وَأُمُّهُ مُسْتَنِدًا إلَى حَالِ حَيَاتِهَا اعْتِبَارًا لِلْعَقْدِ الْفَاسِدِ بِالْجَائِزِ فِي الْحُكْمِ وَلِأَنَّ الْوَلَدَ جُزْءٌ مِنْهَا وَكَانَ أَدَاؤُهُ فِي حَيَاةِ الْأُمِّ كَأَدَائِهَا فَكَذَلِكَ بَعْدَ مَوْتِ الْأُمِّ أَدَاؤُهُ كَأَدَائِهَا ، وَإِنْ كَاتَبَهَا عَلَى أَلْفِ دِرْهَمٍ عَلَى أَنَّ كُلَّ وَلَدٍ تَلِدُهُ فَهُوَ لِلسَّيِّدِ أَوْ عَلَى أَنْ تَخْدِمَهُ بَعْدَ الْعِتْقِ فَالْكِتَابَةُ فَاسِدَةٌ ؛ لِأَنَّ هَذَا الشَّرْطَ مُخَالِفٌ لِمُوجِبِ الْعَقْدِ ، وَهُوَ مُتَمَكِّنٌ فِي صُلْبِ الْعَقْدِ فَيَفْسُدُ بِهِ الْعَقْدُ وَلِأَنَّهَا بِالْكِتَابَةِ تَصِيرُ أَحَقَّ بِأَوْلَادِهَا وَأَكْسَابِهَا ، وَلَوْ شَرَطَ عَلَيْهَا مَعَ الْأَلْفِ شَيْئًا مَجْهُولًا مِنْ كَسْبِهَا لَمْ تَصِحَّ الْكِتَابَةُ فَكَذَلِكَ إذَا شَرَطَ مَعَ الْأَلْفِ مَا تَلِدُهُ لِنَفْسِهِ ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ مَجْهُولٌ ، ثُمَّ إنْ أَدَّتْ مُكَاتَبَتَهَا تَعْتِقُ وَفِيهِ طَعَنَ بِشْرٌ وَقَدْ بَيَّنَّاهُ فِي كِتَابِ الْعَتَاقِ .
وَإِنْ كَاتَبَهَا عَلَى أَلْفِ دِرْهَمٍ إلَى الْعَطَاءِ أَوْ الدِّيَاسِ أَوْ إلَى الْحَصَادِ أَوْ إلَى نَحْوِ ذَلِكَ مِمَّا لَا يُعْرَفُ مِنْ الْأَجَلِ جَازَ ذَلِكَ اسْتِحْسَانًا ، وَفِي الْقِيَاسِ لَا يَجُوزُ ؛ لِأَنَّ عَقْدَ الْكِتَابَةِ لَا يَصِحُّ إلَّا بِتَسْمِيَةِ الْبَدَلِ كَالْبَيْعِ وَهَذِهِ الْآجَالُ الْمَجْهُولَةُ إذَا شُرِطَتْ فِي أَصْلِ الْبَيْعِ فَسَدَ بِهَا الْعَقْدُ فَكَذَلِكَ الْكِتَابَةُ وَلَكِنَّهُ اسْتَحْسَنَ ، فَقَالَ الْكِتَابَةُ فِيمَا يَرْجِعُ إلَى الْبَدَلِ بِمَنْزِلَةِ الْعُقُودِ الْمَبْنِيَّةِ عَلَى التَّوَسُّعِ فِي الْبَدَلِ كَالنِّكَاحِ ، وَالْخُلْعِ وَمِثْلُ هَذِهِ الْجَهَالَةُ فِي الْأَجَلِ لَا يَمْنَعُ صِحَّةَ التَّسْمِيَةِ فِي الصَّدَاقِ فَكَذَلِكَ فِي الْكِتَابَةِ وَهَذَا ؛ لِأَنَّ الْجَهَالَةَ الْمُسْتَدْرَكَةَ فِي الْأَجَلِ نَظِيرُ الْجَهَالَةِ الْمُسْتَدْرَكَةِ فِي الْبَدَلِ ، وَهُوَ جَهَالَةُ الصِّفَةِ بَعْدَ تَسْمِيَةِ الْجِنْسِ فَكَمَا لَا يَمْنَعُ ذَلِكَ صِحَّةَ التَّسْمِيَةِ فِي الْكِتَابَةِ فَكَذَلِكَ هَذَا ، فَإِنْ تَأَخَّرَ الْعَطَاءُ فَإِنَّهُ يَحِلُّ الْمَالُ إذَا جَاءَ أَجَلُ الْعَطَاءِ فِي مِثْلِ ذَلِكَ الْوَقْتِ الَّذِي يَخْرُجُ فِيهِ ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ وَقْتُ الْعَطَاءِ لَا عَيْنُهُ فَإِنَّ الْآجَالَ تُقَدَّرُ بِالْأَوْقَاتِ .
وَلَهَا أَنْ تُعَجِّلَ الْمَالَ وَتَعْتِقَ ؛ لِأَنَّ الْأَجَلَ حَقُّهَا فَيَسْقُطُ بِإِسْقَاطِهَا وَلَهَا فِي هَذَا التَّعْجِيلِ مَنْفَعَةٌ أَيْضًا ، وَهُوَ وُصُولُهَا إلَى شَرَفِ الْحُرِّيَّةِ فِي الْحَالِ وَلَوْ كَاتَبَهَا عَلَى مَيْتَةٍ فَوَلَدَتْ وَلَدًا ، ثُمَّ أَعْتَقَ السَّيِّدُ الْأُمَّ لَمْ يُعْتَقْ وَلَدُهَا مَعَهَا ؛ لِأَنَّ أَصْلَ الْعَقْدِ لَمْ يَكُنْ مُنْعَقِدًا فَإِنَّ الْكِتَابَةَ لَا تَنْعَقِدُ إلَّا بِتَسْمِيَةِ مَالٍ مُتَقَوِّمٍ ، وَالْمَيْتَةُ لَيْسَتْ بِمَالٍ مُتَقَوِّمٍ ، أَلَا تَرَى أَنَّ الْبَيْعَ بِهِ لَا يَنْعَقِدُ حَتَّى لَا يَمْلِكَ الْمُشْتَرِي الْمَبِيعَ بِالْقَبْضِ فَكَذَلِكَ الْكِتَابَةُ ، وَإِذَا لُغِيَ الْعَقْدُ يَبْقَى إعْتَاقُ الْأُمِّ بَعْدَ انْفِصَالِ الْوَلَدِ عَنْهَا فَلَا يُوجِبُ ذَلِكَ عِتْقَ وَلَدِهَا بِخِلَافِ مَا إذَا كَاتَبَهَا عَلَى أَلْفِ
دِرْهَمٍ مُكَاتَبَةً فَاسِدَةً فَوَلَدَتْ وَلَدًا ، ثُمَّ أَعْتَقَ السَّيِّدُ الْأُمَّ عَتَقَ وَلَدُهَا مَعَهَا ؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ هُنَاكَ مُنْعَقِدٌ مَعَ الْفَسَادِ فَثَبَتَ حُكْمُهُ فِي الْوَلَدِ اعْتِبَارًا لِلْفَاسِدِ بِالْجَائِزِ ، ثُمَّ عِتْقُ الْأُمِّ بِإِعْتَاقِ السَّيِّدِ إيَّاهَا بِمَنْزِلَةِ عِتْقِهَا بِأَدَاءِ الْبَدَلِ فَيَعْتِقُ وَلَدُهَا مَعَهَا .
وَإِنْ كَاتَبَهَا عَلَى أَلْفِ دِرْهَمٍ ، وَهِيَ قِيمَتُهَا عَلَى أَنَّهَا إذَا أَدَّتْ فَعَتَقَتْ فَعَلَيْهَا أَلْفٌ أُخْرَى جَازَ عَلَى مَا قَالَ ؛ لِأَنَّهُ جَعَلَ بَدَلَ الْكِتَابَةِ عَلَيْهَا أَلْفَيْ دِرْهَمٍ إلَّا أَنَّهُ عَلَّقَ عِتْقَهَا بِأَدَاءِ الْأَلْفِ مِنْ الْأَلْفَيْنِ ، وَذَلِكَ صَحِيحٌ فَإِذَا أَدَّتْ الْأَلْفَ عَتَقَتْ وَعَلَيْهَا الْأَلْفُ الْأُخْرَى كَمَا كَانَ الشَّرْطُ بَيْنَهُمَا إذْ لَا يَبْعُدُ أَنْ تَكُونَ مُطَالَبَةً بِبَدَلِ الْكِتَابَةِ بَعْدَ عِتْقِهَا كَمَا لَوْ اُسْتُحِقَّ الْبَدَلُ بَعْدَ مَا أَدَّتْ إلَى الْمَوْلَى تَبْقَى مُطَالَبَةً بِبَدَلِ الْكِتَابَةِ وَعَتَقَتْ بِالْأَدَاءِ ، وَإِنْ كَاتَبَهَا عَلَى حُكْمِهِ أَوْ حُكْمِهَا لَمْ تَجُزْ الْمُكَاتَبَةُ ؛ لِأَنَّهُ مَا سَمَّى فِي الْعَقْدِ مَالًا مُتَقَوِّمًا فَحُكْمُهُ قَدْ يَكُونُ بِغَيْرِ الْمَالِ كَمَا يَكُونُ بِالْمَالِ فَإِذَا أَدَّتْ قِيمَتَهَا لَمْ تَعْتِقْ ؛ لِأَنَّ أَصْلَ الْعَقْدِ لَمْ يَكُنْ مُنْعَقِدًا بِاعْتِبَارِ أَنَّهُ لَمْ يُسَمِّ فِيهِ مَالًا مُتَقَوِّمًا فَهَذَا ، وَالْكِتَابَةُ عَلَى الْمَيْتَةِ سَوَاءٌ .
وَإِنْ كَاتَبَهَا عَلَى عَبْدٍ بِعَيْنِهِ لِرَجُلٍ لَمْ يَجُزْ وَكَذَلِكَ مَا عَيَّنَهُ مِنْ مَالِ غَيْرِهِ مِنْ مَكِيلٍ أَوْ مَوْزُونٍ ، وَرَوَى الْحَسَنُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى أَنَّهُ يَجُوزُ حَتَّى إنَّهُ إنْ مَلَكَ ذَلِكَ الْعَيْنَ فَأَدَّاهُ إلَى الْمَوْلَى عَتَقَ أَوْ عَجَزَ عَنْ أَدَائِهِ رُدَّ فِي الرِّقِّ ؛ لِأَنَّ الْمُسَمَّى مَالٌ مُتَقَوِّمٌ ، وَقُدْرَتُهُ عَلَى التَّسْلِيمِ بِمَا يَحْدُثُ لَهُ مِنْ مِلْكٍ فِيهِ مَوْهُومٌ فَتَصِحُّ التَّسْمِيَةُ كَمَا فِي الصَّدَاقِ إذَا سَمَّى عَبْدَ غَيْرِهِ فَتَصِحُّ التَّسْمِيَةُ بِهَذَا الطَّرِيقِ ، فَأَمَّا فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ يَقُولُ بِأَنَّ الْعِتْقَ فِي عَقْدِ الْمُعَاوَضَةِ يَكُونُ مَعْقُودًا عَلَيْهِ ، وَقُدْرَةُ الْعَاقِدِ عَلَى تَسْلِيمِ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ شَرْطٌ لِصِحَّةِ الْعَقْدِ فِي الْعُقُودِ الَّتِي تَحْتَمِلُ الْفَسْخَ ، وَمِلْكُ الْغَيْرِ لَيْسَ بِمَقْدُورِ التَّسْلِيمِ لِلْعَبْدِ فَلَا تَصِحُّ تَسْمِيَتُهُ بِخِلَافِ النِّكَاحِ فَشَرْطُ صِحَّةِ التَّسْمِيَةِ
هُنَاكَ أَنْ يَكُونَ الْمُسَمَّى مَالًا مُتَقَوِّمًا لَا أَنْ يَكُونَ مَقْدُورَ التَّسْلِيمِ ؛ لِأَنَّ الْقُدْرَةَ عَلَى التَّسْلِيمِ فِيمَا هُوَ الْمَقْصُودُ بِالنِّكَاحِ لَيْسَ بِشَرْطٍ لِصِحَّةِ الْعَقْدِ فَفِيمَا لَيْسَ بِمَقْصُودٍ أَوْلَى .
ثُمَّ رَوَى أَبُو يُوسُفَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى أَنَّهُ إنْ مَلَكَ ذَلِكَ الْعَيْنَ فَأَدَّى لَمْ يَعْتِقْ إلَّا أَنْ يَكُونَ الْمَوْلَى قَالَ لَهُ إذَا أَدَّيْتَ إلَيَّ فَأَنْتَ حُرٌّ فَحِينَئِذٍ يَعْتِقُ بِحُكْمِ التَّعْلِيقِ ، وَذَكَرَ اخْتِلَافَ زُفَرَ وَيَعْقُوبَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى أَنَّ قَوْلَ زُفَرَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى كَذَلِكَ ، وَهُوَ رِوَايَةُ الْحَسَنِ بْنِ أَبِي مَالِكٍ عَنْ أَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى ، وَرَوَى أَصْحَابُ الْإِمْلَاءِ عَنْ أَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى أَنَّهُ قَالَ : يَعْتِقُ بِالْأَدَاءِ قَالَ لَهُ الْمَوْلَى ذَلِكَ أَوْ لَمْ يَقُلْ ؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ مُنْعَقِدٌ مَعَ الْفَسَادِ لِكَوْنِ الْمُسَمَّى مَالًا مُتَقَوِّمًا ، وَقَدْ وُجِدَ الْأَدَاءُ فَيَعْتِقُ كَمَا لَوْ كَاتَبَهُ عَلَى خَمْرٍ فَأَدَّى .
وَوَجْهُ قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى أَنَّ مِلْكَ الْغَيْرِ لَمْ يَصِرْ بَدَلًا مِنْ هَذَا الْعَقْدِ بِتَسْمِيَتِهِ ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مَقْدُورِ التَّسْلِيمِ لَهُ إذَا لَمْ يُسَمِّ شَيْئًا آخَرَ مَعَهُ فَلَمْ يَنْعَقِدْ الْعَقْدُ أَصْلًا فَإِنَّمَا يَكُونُ الْعِتْقُ بِاعْتِبَارِ التَّعْلِيقِ بِالشَّرْطِ فَإِذَا لَمْ يُصَرِّحْ بِالتَّعْلِيقِ قُلْنَا بِأَنَّهُ لَا يَعْتِقُ كَمَا لَوْ كَاتَبَهُ عَلَى ثَوْبٍ أَوْ عَلَى مَيْتَةٍ .
وَإِنْ قَالَ كَاتَبْتُكِ عَلَى هَذِهِ الْأَلْفِ دِرْهَمٍ ، وَهِيَ لِغَيْرِهَا جَازَتْ الْمُكَاتَبَةُ ؛ لِأَنَّ النُّقُودَ لَا تَتَعَيَّنُ فِي عُقُودِ الْمُعَاوَضَاتِ فَإِنَّمَا يَنْعَقِدُ الْعَقْدُ بِأَلْفٍ هِيَ دَيْنٌ فِي ذِمَّتِهَا أَلَا تَرَى أَنْ تِلْكَ الْأَلْفَ لَوْ كَانَتْ مِنْ كَسْبِهَا لَمْ تُجْبَرْ عَلَى أَدَائِهَا بِعَيْنِهَا وَإِذَا أَدَّتْ غَيْرَهَا عَتَقَتْ ، وَكَذَلِكَ إنْ قَالَتْ : كَاتِبْنِي عَلَى أَلْفِ دِرْهَمٍ عَلَى أَنْ أُعْطِيَهَا مِنْ مَالِ فُلَانٍ فَالْعَقْدُ جَائِزٌ ، وَهَذَا الشَّرْطُ لَغْوٌ ؛ لِأَنَّ الْأَلْفَ تَجِبُ فِي ذِمَّتِهَا فَالتَّدْبِيرُ فِي أَدَاءِ مَا فِي ذِمَّتِهَا إلَيْهَا .
وَإِذَا كَاتَبَهَا وَاشْتَرَطَ فِيهَا الْخِيَارَ لِنَفْسِهِ أَوْ لَهُمَا جَازَ ذَلِكَ ؛ لِأَنَّ عَقْدَ الْكِتَابَةِ يَتَعَلَّقُ بِهِ اللُّزُومُ وَيَحْتَمِلُ الْفَسْخَ بَعْدَ انْعِقَادِهِ وَيُعْتَمَدُ تَمَامُ الرِّضَا فَيَكُونُ كَالْبَيْعِ فِي حُكْمِ شَرْطِ الْخِيَارِ لَهُمَا أَوْ لِأَحَدِهِمَا ؛ لِأَنَّ اشْتِرَاطَ الْخِيَارِ لِلْفَسْخِ بَعْدَ الِانْعِقَادِ يَنْعَدِمُ بِهِ تَمَامُ الرِّضَا بِاللُّزُومِ فَإِنْ وَلَدَتْ وَلَدًا ، ثُمَّ أَسْقَطَ صَاحِبُ الْخِيَارِ خِيَارَهُ ، فَالْوَلَدُ مُكَاتَبٌ مَعَهَا ؛ لِأَنَّ لُزُومَ الْعَقْدِ عِنْدَ إسْقَاطِ الْخِيَارِ يَثْبُتُ مِنْ وَقْتِ الْعَقْدِ أَلَا تَرَى أَنَّ فِي الْبَيْعِ تُسَلَّمُ الزَّوَائِدُ الْمُنْفَصِلَةُ ، وَالْمُتَّصِلَةُ لِلْمُشْتَرِي إذَا تَمَّ الْعَقْدُ بِالْإِجَازَةِ فَكَذَلِكَ فِي الْكِتَابَةِ .
وَإِنْ مَاتَ الْمَوْلَى قَبْلَ إسْقَاطِ الْخِيَارِ ، وَالْخِيَارُ لَهُ أَوْ مَاتَتْ الْأَمَةُ ، وَالْخِيَارُ لَهَا فَالْخِيَارُ يَسْقُطُ بِمَوْتِ مَنْ لَهُ كَمَا فِي الْبَيْعِ وَيَسْعَى الْوَلَدُ فِيمَا عَلَيْهَا ؛ لِأَنَّهُ مَوْلُودٌ فِي كِتَابَتِهَا ، وَإِنْ أَعْتَقَ الْمَوْلَى نِصْفَهَا قَبْلَ أَنْ يُسْقِطَ خِيَارَهُ فَهَذَا مِنْهُ فَسْخُ الْكِتَابَةِ كَمَا لَوْ أَعْتَقَ جَمِيعَهَا وَإِذَا انْفَسَخَتْ الْكِتَابَةُ فَعَلَيْهَا السِّعَايَةُ فِي نِصْفِ قِيمَتِهَا فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَكَذَلِكَ لَوْ أَعْتَقَ السَّيِّدُ وَلَدَهَا كَانَ هَذَا فَسْخًا لِلْكِتَابَةِ ؛ لِأَنَّ الْوَلَدَ جُزْءٌ مِنْهَا ،
وَهُوَ دَاخِلٌ فِي كِتَابَتِهَا فَإِعْتَاقُهُ الْوَلَدَ كَإِعْتَاقِ بَعْضِهَا .
وَإِنْ كَانَ الْخِيَارُ لَهَا فَالْوَلَدُ يَعْتِقُ بِإِعْتَاقِ الْمَوْلَى وَلَا يَسْقُطُ عَنْهَا بِهِ شَيْءٌ مِنْ الْبَدَلِ ؛ لِأَنَّ الْوَلَدَ تَبَعٌ لَا يُقَابِلُهُ شَيْءٌ مِنْ الْبَدَلِ وَلِهَذَا لَوْ مَاتَ لَا يَسْقُطُ عَنْهَا بِهِ شَيْءٌ مِنْ الْبَدَلِ .
وَإِنْ كَاتَبَهَا عَلَى أَلْفِ دِرْهَمٍ تُؤَدِّيهَا إلَيْهِ نُجُومًا وَاشْتَرَطَ أَنَّهَا إنْ عَجَزَتْ عَنْ نَجْمٍ فَعَلَيْهَا مِائَةُ دِرْهَمٍ سِوَى النَّجْمِ فَالْكِتَابَةُ فَاسِدَةٌ لِتَعَلُّقِ بَعْضِ الْبَدَلِ بِشَرْطٍ فِيهِ خَطَرٌ وَقَدْ تَقَدَّمَ نَظِيرُ هَذَا ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ وَإِلَيْهِ الْمَرْجِعُ ، وَالْمَآبُ .
بَابُ مُكَاتَبَةِ الْعَبْدَيْنِ ( قَالَ ) رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَإِذَا كَاتَبَ الرَّجُلُ عَبْدَيْنِ لَهُ مُكَاتَبَةً وَاحِدَةً عَلَى أَلْفِ دِرْهَمٍ وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا كَفِيلٌ عَنْ صَاحِبِهِ عَلَى أَنَّهُمَا إنْ أَدَّيَا عَتَقَا وَإِنْ عَجَزَا رُدَّا فِي الرِّقِّ فَهُوَ جَائِزٌ اسْتِحْسَانًا وَقَدْ بَيَّنَّاهُ فِي الْعَتَاقِ فَإِنْ أَدَّى أَحَدُهُمَا جَمِيعَ الْأَلْفِ عَتَقَا لِوُصُولِ جَمِيعِ الْمَالِ إلَى الْمَوْلَى ؛ وَلِأَنَّ أَدَاءَ أَحَدِهِمَا كَأَدَائِهِمَا فَإِنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مُطَالَبٌ بِجَمِيعِ الْمَالِ وَهُمَا كَشَخْصٍ وَاحِدٍ فِي حُكْمِ الْأَدَاءِ حَتَّى لَيْسَ لِلْمَوْلَى أَنْ يَأْبَى قَبُولَ الْمَالِ مِنْ أَحَدِهِمَا ، ثُمَّ يَرْجِعُ الْمُؤَدِّي عَلَى صَاحِبِهِ بِحِصَّتِهِ حَتَّى إذَا كَانَتْ قِيمَتُهُمَا سَوَاءً رَجَعَ بِنِصْفِهِ ؛ لِأَنَّهُ تَحَمَّلَ عَنْهُ بِأَمْرِهِ ، وَكَذَلِكَ لَوْ أَدَّى أَحَدُهُمَا شَيْئًا رَجَعَ عَلَى صَاحِبِهِ بِنِصْفِهِ قَلَّ ذَلِكَ أَوْ كَثُرَ اعْتِبَارًا لِلْبَعْضِ بِالْكُلِّ ، بِخِلَافِ مَالٍ عَلَى حُرَّيْنِ وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا كَفِيلٌ عَنْ صَاحِبِهِ فَإِنْ أَدَّى أَحَدُهُمَا هُنَاكَ النِّصْفَ يَكُونُ عَنْ نَفْسِهِ خَاصَّةً ؛ لِأَنَّهُ فِي النِّصْفِ أَصِيلٌ ، وَالْمَالُ عَلَى الْأَصِيلِ أَقْوَى مِنْهُ عَلَى الْكَفِيلِ وَصَرْفُ الْمُؤَدَّى إلَى الْأَقْوَى مُمْكِنٌ ؛ لِأَنَّهُ يَجُوزُ الْحُكْمُ بِبَرَاءَةِ ذِمَّةِ أَحَدِهِمَا عَنْ نَصِيبِهِ قَبْلَ بَرَاءَةِ الْآخَرِ .
وَهُنَا لَا يُمْكِنُ جَعْلُ الْمُؤَدَّى مِنْ نَصِيبِ الْمُؤَدِّي خَاصَّةً ؛ لِأَنَّهُ إذَا جُعِلَ كَذَلِكَ بَرِئَتْ ذِمَّتُهُ عَمَّا عَلَيْهِ مِنْ الْبَدَلِ فَيَعْتِقُ ، وَالْحُكْمُ بِعِتْقِ أَحَدِهِمَا قَبْلَ وُصُولِ جَمِيعِ الْمَالِ إلَى الْمَوْلَى مُتَعَذِّرٌ فَلِهَذَا جَعَلْنَا الْمُؤَدَّى عَنْهُمَا فَيَرْجِعُ عَلَى صَاحِبِهِ بِنِصْفِهِ ، وَلِلسَّيِّدِ أَنْ يَأْخُذَ أَيَّهُمَا شَاءَ بِجَمِيعِ الْمَالِ ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا الْتَزَمَ جَمِيعَ الْمَالِ عَلَى أَنْ يَكُونَ أَصِيلًا فِي النِّصْفِ كَفِيلًا فِي النِّصْفِ وَإِنْ مَاتَ أَحَدُهُمَا لَمْ يَسْقُطْ عَنْ الْحَيِّ شَيْءٌ مِنْهَا ؛ لِأَنَّهُ مَاتَ عَنْ كَفِيلٍ
فَيَبْقَى عَقْدُ الْكِتَابَةِ فِي حَقِّ الْمَيِّتِ بِبَقَاءِ كَفِيلِهِ ، وَلِأَنَّ الْحَيَّ مِنْهُمَا مُحْتَاجٌ إلَى تَحْصِيلِ الْعِتْقِ لِنَفْسِهِ وَلَا يَتَوَصَّلُ إلَى ذَلِكَ إلَّا بِأَدَاءِ جَمِيعِ الْمَالِ فَلِحَاجَتِهِ بَقِيَ مُطَالَبًا بِجَمِيعِ الْمَالِ ، وَإِنْ أَدَّى يُحْكَمُ بِعِتْقِهِمَا جَمِيعًا ، وَإِنْ أَعْتَقَ الْمَوْلَى أَحَدَهُمَا تَسْقُطُ حِصَّتُهُ لِوُقُوعِ الِاسْتِغْنَاءِ لَهُ بِإِعْتَاقِ الْمَوْلَى إيَّاهُ وَلِأَنَّ الْمَوْلَى بِإِعْتَاقِهِ إيَّاهُ يَصِيرُ مُبْرِئًا لَهُ عَنْ حِصَّتِهِ مِنْ بَدَلِ الْكِتَابَةِ وَإِبْرَاءُ الْأَصِيلِ إبْرَاءُ الْكَفِيلِ أَوْ يَجْعَلُ إعْتَاقَهُ كَقَبْضِ حِصَّتِهِ مِنْ الْبَدَلِ مِنْهُ بِطَرِيقِ أَنَّهُ أَتْلَفَهُ بِتَصَرُّفِهِ فَلِهَذَا يَعْتِقُ الْآخَرُ بِأَدَاءِ حِصَّتِهِ مِنْ الْبَدَلِ .
وَلَوْ كَانَتَا أَمَتَيْنِ فَوَلَدَتْ إحْدَاهُمَا وَأَعْتَقَ السَّيِّدُ وَلَدَهَا لَمْ يَسْقُطْ شَيْءٌ مِنْ الْمَالِ عَنْهُمَا ؛ لِأَنَّ الْوَلَدَ تَبَعٌ لَا يُقَابِلُهُ شَيْءٌ مِنْ الْبَدَلِ ، وَالْمَوْلَى بِإِعْتَاقِهِ لَا يَكُونُ مُبْرِئًا وَلَا يَكُونُ قَابِضًا لِشَيْءٍ مِنْ بَدَلِ الْكِتَابَةِ ، وَالْمَسْأَلَةُ عَلَى ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ : أَحَدُهَا مَا بَيَّنَّا .
وَالثَّانِي أَنْ يُكَاتِبَهُمَا عَلَى أَلْفِ دِرْهَمٍ مُكَاتَبَةً وَاحِدَةً وَلَمْ يَزِدْ عَلَى هَذَا وَفِي هَذَا إذَا أَدَّى أَحَدُهُمَا حِصَّتَهُ مِنْ الْمَالِ يَعْتِقُ ؛ لِأَنَّ الْمَوْلَى حِينَ أَوْجَبَ الْعَقْدَ لَهُمَا بِبَدَلٍ وَاحِدٍ فَقَطْ شَرَطَ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا حِصَّتَهُ مِنْ الْمَالِ وَكَذَلِكَ هُمَا بِالْقَبُولِ إنَّمَا يَلْتَزِمُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا حِصَّتَهُ فَلَا يَكُونُ لِلْمَوْلَى أَنْ يُطَالِبَ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا إلَّا بِقَدْرِ حِصَّتِهِ وَبِالْأَدَاءِ بَرِئَتْ ذِمَّتُهُ فَيُحْكَمُ بِحُرِّيَّتِهِ .
وَالثَّالِثُ : أَنْ يَقُولَ الْمَوْلَى إذَا أَدَّيَا عَتَقَا وَإِنْ عَجَزَا رُدَّا فِي الرِّقِّ وَلَا يَذْكُرُ كَفَالَةَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَنْ صَاحِبِهِ فَعِنْدَ زُفَرَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى جَوَابُ هَذَا الْفَصْلِ كَجَوَابِ الثَّانِي يَعْتِقُ أَحَدُهُمَا بِأَدَاءِ حِصَّتِهِ ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا لَمْ
يَلْتَزِمْ بِالْقَبُولِ إلَّا حِصَّتَهُ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَيْسَ لِلْمَوْلَى أَنْ يُطَالِبَ أَحَدَهُمَا بِجَمِيعِ الْمَالِ ، وَأَنَّ أَحَدَهُمَا إذَا أَدَّى جَمِيعَ الْمَالِ لَمْ يَرْجِعْ عَلَى صَاحِبِهِ بِشَيْءٍ بِخِلَافِ مَا إذَا شَرَطَ كَفَالَةَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَنْ صَاحِبِهِ وَلَكِنَّا نَقُولُ لَا يَعْتِقُ وَاحِدٌ مِنْهُمَا مَا لَمْ يَصِلْ جَمِيعُ الْمَالِ إلَى الْمَوْلَى ؛ لِأَنَّ مَا شَرَطَ الْمَوْلَى فِي الْعَقْدِ يَجِبُ مُرَاعَاتُهُ إذَا كَانَ صَحِيحًا شَرْعًا وَقَدْ شَرَطَ الْعِتْقَ عِنْدَ أَدَائِهِمَا جَمِيعَ الْمَالِ نَصًّا فَلَوْ عَتَقَ إحْدَاهُمَا بِأَدَاءِ حِصَّتِهِ كَانَ مُخَالِفًا لِشَرْطِهِ ؛ وَلِأَنَّ كَلَامَ الْعَاقِلِ مَحْمُولٌ عَلَى الْفَائِدَةِ مَا أَمْكَنَ وَلَوْ عَتَقَ أَحَدُهُمَا بِأَدَاءِ حِصَّتِهِ لَمْ يَبْقَ لِقَوْلِ الْمَوْلَى إنْ أَدَّيَا عَتَقَا وَإِنْ عَجَزَا رُدَّا فَائِدَةٌ وَمَا اسْتَدَلَّ بِهِ زُفَرُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى مَمْنُوعٌ فَإِنَّ عِنْدَنَا هَذَا كَالْفَصْلِ الْأَوَّلِ فِي جَمِيعِ الْأَحْكَامِ فَلِهَذَا قُلْنَا مَا لَمْ يَصِلْ جَمِيعُ الْمَالِ إلَى الْمَوْلَى لَمْ يُعْتَقْ وَاحِدٌ مِنْهُمَا .
رَجُلٌ كَاتَبَ عَبْدًا عَلَى نَفْسِهِ وَعَلَى عَبْدٍ لَهُ غَائِبٍ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ جَازَ ذَلِكَ اسْتِحْسَانًا وَفِي الْقِيَاسِ الْحَاضِرُ مِنْهُمَا يَصِيرُ مُكَاتَبًا بِحِصَّتِهِ مِنْ الْأَلْفِ إذَا قُسِّمَ عَلَى قِيمَتِهِ وَقِيمَةِ الْغَائِبِ ؛ لِأَنَّهُ لَا وِلَايَةَ لِلْحَاضِرِ عَلَى الْغَائِبِ وَفِي قَبُولِ الْعَقْدِ فِي حَقِّهِ فَإِنَّمَا يَصِحُّ قَبُولُهُ فِي حَقِّ نَفْسِهِ فَلَا يَلْزَمُهُ إلَّا حِصَّتُهُ مِنْ الْبَدَلِ ، وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ أَنَّهُ لَيْسَ لِلْمَوْلَى أَنْ يُطَالِبَ الْغَائِبَ بِشَيْءٍ مِنْ الْبَدَلِ فَعَرَفْنَا أَنَّ حُكْمَ الْكِتَابَةِ لَمْ يَثْبُتْ فِي حَقِّهِ ، وَإِنَّمَا يَثْبُتُ فِي حَقِّ الْحَاضِرِ خَاصَّةً وَجَمِيعُ الْبَدَلِ لَيْسَ بِمُقَابَلَتِهِ فَلَا يَلْزَمُهُ إلَّا حِصَّتُهُ مِنْ الْبَدَلِ .
وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّ الْمَوْلَى شَرَطَ لِلْعِتْقِ وُصُولَ جَمِيعِ الْمَالِ إلَيْهِ فَلَا يَحْصُلُ هَذَا الْمَقْصُودُ إذَا أَوْجَبْنَا عَلَى الْحَاضِرِ حِصَّتَهُ فَقَطْ وَلَكِنْ إمَّا أَنْ يُجْعَلَ كَأَنَّهُ كَاتَبَ الْحَاضِرَ عَلَى الْأَلْفِ وَعَلَّقَ عِتْقَ الْغَائِبِ بِأَدَائِهِ وَهَذَا التَّعْلِيقُ يَنْفَرِدُ بِهِ الْمَوْلَى أَوْ يُجْعَلَ الْعَقْدُ كَأَنَّهُ بِقَبُولِ الْحَاضِرِ مُنْعَقِدًا فِيمَا لَا يَضُرُّ بِالْغَائِبِ ؛ لِأَنَّ تَأْثِيرَ انْعِدَامِ الْوِلَايَةِ لِلْحَاضِرِ عَلَى الْغَائِبِ فِي دَفْعِ الضَّرَرِ عَنْهُ لَا فِي مَنْعِ أَصْلِ الْعَقْدِ فَإِنَّ انْعِقَادَ الْعَقْدِ بِكَلَامِ الْمُتَعَاقِدَيْنِ ، وَهُوَ مَمْلُوكٌ لَهُمَا وَلِهَذَا جَعَلْنَا الْبَيْعَ الْمَوْقُوفَ سَبَبًا تَامًّا قَبْلَ إجَازَةِ الْمَالِكِ وَلَكِنْ لَا يَثْبُتُ بِهِ مَا يَضُرُّ بِالْمَالِكِ ، وَهُوَ إزَالَةُ مِلْكِهِ فَكَذَلِكَ هُنَا لَا ضَرَرَ عَلَى الْغَائِبِ فِي انْعِقَادِ الْعَقْدِ فِي حَقِّهِ وَلَا فِي عِتْقِهِ عِنْدَ أَدَاءِ الْحَاضِرِ إنَّمَا الضَّرَرُ فِي وُجُوبِ الْبَدَلِ عَلَيْهِ فَلَا يَثْبُتُ هَذَا الْحُكْمُ بِقَبُولِ الْحَاضِرِ وَهَذَا هُوَ الْأَصَحُّ فَإِنْ أَدَّى الْحَاضِرُ الْمَالَ عَتَقَا لِانْعِقَادِ الْعَقْدِ فِي حَقِّهِمَا وَوُصُولِ جَمِيعِ الْبَدَلِ إلَى الْمَوْلَى سَوَاءٌ قَالَ فِي الْكِتَابَةِ إذَا أَدَّيْتَ فَأَنْتُمَا
حُرَّانِ أَوْ لَمْ يَقُلْ وَلَا يَرْجِعُ عَلَى الْغَائِبِ بِشَيْءٍ ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَجِبْ فِي ذِمَّتِهِ شَيْءٌ مِنْ الْبَدَلِ وَلَوْ كَانَ وَاجِبًا وَأَدَّى هَذَا بِغَيْرِ أَمْرِهِ لَمْ يَرْجِعْ عَلَيْهِ فَإِذَا لَمْ يَكُنْ وَاجِبًا فَأَوْلَى وَإِنْ مَاتَ الْغَائِبُ لَمْ يُرْفَعْ عَنْ الْحَاضِرِ شَيْءٌ مِنْهُ ؛ لِأَنَّهُ مَا كَانَ عَلَى الْغَائِبِ شَيْءٌ مِنْ الْبَدَلِ وَلِأَنَّ الْعَقْدَ بَقِيَ فِي حَقِّ الْغَائِبِ بَعْدَ مَوْتِهِ بِبَقَاءِ مَنْ يُؤَدِّي بَدَلَ الْكِتَابَةِ عَنْهُ ، وَإِنْ مَاتَ الْحَاضِرُ فَلَيْسَ لِلْمَوْلَى أَنْ يُطَالِبَ الْغَائِبَ بِشَيْءٍ مِنْ الْبَدَلِ ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَلْتَزِمْ لَهُ شَيْئًا وَلِهَذَا كَانَ لَا يُطَالِبُهُ بِشَيْءٍ فِي حَيَاةِ الْحَاضِرِ فَكَذَلِكَ بَعْدَ مَوْتِهِ وَلَكِنْ إنْ قَالَ الْغَائِبُ أَنَا أُؤَدِّي جَمِيعَ الْمُكَاتَبَةِ وَجَاءَ بِهَا وَقَالَ الْمَوْلَى لَا أَقْبَلُهَا فَفِي الْقِيَاسِ لِلْمَوْلَى أَنْ لَا يَقْبَلَ ؛ لِأَنَّهُ مُتَبَرِّعٌ غَيْرُ مُطَالَبٍ بِشَيْءٍ مِنْ الْبَدَلِ فَيَسْقُطُ بِمَوْتِ مَنْ عَلَيْهِ حِينَ لَمْ يَتْرُكْ وَفَاءً وَانْفَسَخَ الْعَقْدُ فَبَقِيَ الْغَائِبُ عَبْدًا قِنًّا لِلْمَوْلَى وَكَسْبُهُ لَهُ فَيَكُونُ لَهُ أَنْ لَا يَقْبَلَ الْمُؤَدَّى مِنْهُ بِجِهَةِ الْكِتَابَةِ وَلَكِنَّهُ اسْتَحْسَنَ فَقَالَ لَيْسَ لِلْمَوْلَى أَنْ لَا يَقْبَلَ مِنْهُ وَيَعْتِقَانِ جَمِيعًا بِأَدَاءِ هَذَا الْغَائِبِ ؛ لِأَنَّ حُكْمَ الْعَقْدِ ثَبَتَ فِي حَقِّ الْغَائِبِ فِيمَا لَا يَضُرُّ بِهِ وَذَلِكَ بِمَنْزِلَةِ الْبَيْعِ بِحُكْمِ الْعَقْدِ فِي حَقِّ الْحَاضِرِ فَيَكُونُ الْحَاضِرُ مَعَ الْغَائِبِ هُنَا بِمَنْزِلَةِ مُكَاتَبٍ اشْتَرَى وَلَدَهُ ، ثُمَّ مَاتَ .
وَقَدْ بَيَّنَّا أَنَّ الْوَلَدَ هُنَاكَ لَا يُطَالَبُ بِالْبَدَلِ وَلَكِنْ إنْ جَاءَ بِهِ حَالًّا فَأَدَّى عَتَقَا جَمِيعًا فَهَذَا مِثْلُهُ ، وَالْمَعْنَى أَنَّ الْحَاضِرَ مَاتَ عَمَّنْ يُؤَدِّي الْبَدَلَ وَيَخْتَارُ ذَلِكَ لِتَحْصِيلِ الْحُرِّيَّةِ لِنَفْسِهِ ، وَهُوَ الْغَائِبُ فَتَبْقَى الْكِتَابَةُ بِبَقَائِهِ بِهَذِهِ الصِّفَةِ حَتَّى إذَا اخْتَارَ الْأَدَاءَ يَكُونُ أَدَاؤُهُ كَأَدَاءِ الْحَاضِرِ وَلَكِنْ لَا يَثْبُتُ الْأَجَلُ فِي حَقِّهِ ؛
لِأَنَّ الْأَجَلَ يَنْبَنِي عَلَى وُجُوبِ الْمَالِ فَإِنَّهُ تَأْخِيرٌ لِلْمُطَالَبَةِ وَلَا وُجُوبَ عَلَى الْغَائِبِ .
وَإِذَا كَانَا حَيَّيْنِ فَأَرَادَ الْمَوْلَى بَيْعَ الْغَائِبِ لَمْ يَكُنْ لَهُ ذَلِكَ فِي الِاسْتِحْسَانِ لِمَا بَيَّنَّا أَنَّ بِقَبُولِ الْحَاضِرِ تَمَّ السَّبَبُ فِي حَقِّ الْغَائِبِ فِيمَا لَا يَضُرُّهُ وَامْتِنَاعُ بَيْعِهِ عَلَى الْمَوْلَى لَا يَضُرُّهُ فَيُجْعَلُ قَبُولُ الْحَاضِرِ عَنْهُ فِي هَذَا الْحُكْمِ كَقَبُولِهِ بِنَفْسِهِ وَبِهَذَا تَبَيَّنَ أَنَّ الْأَصَحَّ هَذَا الطَّرِيقُ دُونَ طَرِيقِ تَعْلِيقِ عِتْقِهِ بِأَدَاءِ الْحَاضِرِ ؛ لِأَنَّ مُجَرَّدَ تَعْلِيقِ الْعِتْقِ بِالشَّرْطِ لَا يَمْنَعُ بَيْعَ الْمَوْلَى فِيهِ قَبْلَ وُجُودِ الشَّرْطِ .
رَجُلٌ قَالَ لِعَبْدِهِ قَدْ كَاتَبْتُ عَبْدِي فُلَانًا الْغَائِبَ عَلَى كَذَا عَلَى أَنْ تُؤَدِّيَهَا عَنْهُ فَرَضِيَ بِذَلِكَ الْحَاضِرُ فَهَذَا لَا يَجُوزُ ؛ لِأَنَّ الْحَاضِرَ هُنَا مَمْلُوكٌ قِنٌّ لَمْ يُدْخِلْهُ الْمَوْلَى فِي الْكِتَابَةِ ، وَالْمَوْلَى لَا يَسْتَوْجِبُ عَلَى عَبْدِهِ دَيْنًا وَقَدْ بَيَّنَّا أَنَّ بِقَبُولِ الْحَاضِرِ لَا يُمْكِنُ إيجَابُ الْمَالِ فِي ذِمَّةِ الْغَائِبِ وَجَوَازُ عَقْدِ الْكِتَابَةِ لَا يَنْفَكُّ عَنْ وُجُوبِ الْبَدَلِ وَإِذَا لَمْ يَجِبْ الْبَدَلُ هُنَا عَلَى أَحَدٍ لَمْ يَجُزْ الْعَقْدُ بِخِلَافِ الْأَوَّلِ فَقَدْ وَجَبَ الْمَالُ هُنَاكَ عَلَى الْحَاضِرِ لَمَّا صَارَ مُكَاتَبًا وَلَكِنْ إنْ أَدَّى الْحَاضِرُ هُنَا الْمَالَ إلَى الْمَوْلَى عَتَقَ الْغَائِبُ اسْتِحْسَانًا .
وَفِي الْقِيَاسِ لَا يُعْتَقُ ؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ صَارَ لَغْوًا حِينَ لَمْ يَتَعَلَّقْ بِهِ وُجُوبُ الْبَدَلِ عَلَى أَحَدِ وَجْهِ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّ هَذَا التَّصَرُّفَ مِنْ الْمَوْلَى إمَّا أَنْ يُجْعَلَ كَتَعْلِيقِهِ عِتْقَ الْغَائِبِ بِأَدَاءِ الْحَاضِرِ ، وَهُوَ يَنْفَرِدُ بِهَذَا التَّعْلِيقِ أَوْ يُجْعَلَ الْعَقْدُ بِمُبَاشَرَةِ الْمَوْلَى وَقَبُولِ الْحَاضِرِ مُنْعَقِدًا فِي حَقِّ الْغَائِبِ فِيمَا لَا يَضُرُّ بِهِ وَعِتْقُهُ عِنْدَ أَدَاءِ الْحَاضِرِ يَنْفَعُهُ وَلَا يَضُرُّهُ فَيَثْبُتُ حُكْمُ الْعَقْدِ فِي حَقِّهِ بِمُبَاشَرَتِهِمَا ؛ لِأَنَّ الْمَوْلَى يَسْتَبِدُّ
بِالتَّصَرُّفِ الْمُوجِبِ لِعِتْقِ الْعَبْدِ لَا فِي إلْزَامِ الْمَالِ فِي ذِمَّتِهِ ، وَالْأَدَاءُ يَتَحَقَّقُ بِدُونِ تَقَدُّمِ الْوُجُوبِ كَمَا يَتَحَقَّقُ مِمَّنْ لَيْسَ بِوَاجِبٍ عَلَيْهِ ، وَهُوَ الْمُتَبَرِّعُ .
وَإِنْ كَاتَبَ الْحُرُّ عَلَى عَبْدٍ لِرَجُلٍ عَلَى إنْ ضَمِنَ عَنْهُ الْمُكَاتَبَةَ لَمْ يَجُزْ ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَجِبْ الْبَدَلُ بِقَبُولِ الْحُرِّ عَلَى الْعَبْدِ وَلَا يُمْكِنُ إيجَابُ بَدَلِ الْكِتَابَةِ عَلَى الْحُرِّ ابْتِدَاءً بِقَبُولِهِ وَلِأَنَّ الْحُرَّ لَا يَضْمَنُ عَنْهُ مَا لَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ وَلَوْ ضَمِنَ عَنْهُ لِسَيِّدِهِ مَا كَانَ وَاجِبًا عَلَيْهِ مِنْ بَدَلِ الْكِتَابَةِ لَمْ يَجُزْ فَإِذَا ضَمِنَ مَا لَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ أَوْلَى وَكَذَلِكَ إنْ كَانَ هَذَا الْعَبْدُ ابْنًا لِهَذَا الْحُرِّ ، وَهُوَ صَغِيرٌ أَوْ كَبِيرٌ ؛ لِأَنَّهُ لَا وِلَايَةَ لِلْحُرِّ عَلَى وَلَدِهِ الْمَمْلُوكِ فِي إلْزَامِ الْمَالِ عَلَيْهِ فَهُوَ كَالْأَجْنَبِيِّ فِي ذَلِكَ وَكَذَلِكَ عَبْدٌ وَابْنٌ لَهُ صَغِيرٌ لِرَجُلٍ وَاحِدٍ كَاتَبَ الْأَبَ عَلَى ابْنِهِ لَمْ يَجُزْ ؛ لِأَنَّ لَمَّا لَمْ يَدْخُلْ فِي الْكِتَابَةِ لَمْ يَلْزَمْهُ الْبَدَلُ ، وَلَيْسَ لَهُ وِلَايَةٌ عَلَى الِابْنِ فِي إلْزَامِ الْبَدَلِ إيَّاهُ لِكَوْنِهِ مَمْلُوكًا إلَّا أَنَّهُ إنْ أَدَّى الْأَبُ عَنْهُ فِي الْوَجْهَيْنِ يَعْتِقُ اسْتِحْسَانًا لِمَا بَيَّنَّا .
رَجُلَانِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَبْدٌ فَكَاتَبَاهُمَا مَعًا عَلَى أَلْفِ دِرْهَمٍ كِتَابَةً وَاحِدَةً إنْ أَدَّيَا عَتَقَا وَإِنْ عَجَزَا رُدَّا فِي الرِّقِّ قَالَ يَكُونُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مُكَاتَبًا بِحِصَّتِهِ لِصَاحِبِهِ حَتَّى إذَا أَدَّى حِصَّتَهُ مِنْ الْبَدَلِ إلَى مَوْلَاهُ يَعْتِقُ ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا إنَّمَا يَسْتَوْجِبُ الْبَدَلَ عَلَى مَمْلُوكِهِ وَيُعْتَبَرُ شَرْطُهُ فِي حَقِّ مَمْلُوكِهِ لَا فِي حَقِّ مَمْلُوكِ الْغَيْرِ فَإِنَّمَا وَجَبَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى مَمْلُوكِهِ بِقَبُولِهِ حِصَّتَهُ مِنْ الْأَلْفِ فَإِذَا أَدَّى فَقَدْ بَرِئَتْ ذِمَّتُهُ مِنْ بَدَلِ الْكِتَابَةِ فَيَعْتِقُ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَا لِشَخْصٍ وَاحِدٍ ؛ لِأَنَّ شَرْطَ الْمَوْلَى فِي حَقِّهِمَا مُعْتَبَرٌ ، وَقَدْ شَرَطَ أَنَّهُمَا لَا يَعْتِقَانِ إلَّا بِوُصُولِ جَمِيعِ الْمَالِ إلَيْهِ فَلِهَذَا لَا يَعْتِقُ وَاحِدٌ مِنْهُمَا هُنَاكَ بِأَدَاءِ حِصَّتِهِ .
وَلَوْ كَاتَبَ عَبْدًا لَهُ صَغِيرًا يَعْقِلُ وَيُعَبِّرُ عَنْ نَفْسِهِ جَازَ ؛ لِأَنَّهُ مِنْ أَهْلِ الْعِبَارَةِ وَقَوْلُهُ مُعْتَبَرٌ عِنْدَ إذْنِ الْمَوْلَى أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ أَذِنَ لَهُ فِي التِّجَارَةِ نَفَذَ تَصَرُّفُهُ فَكَذَلِكَ إذَا أَوْجَبَ لَهُ الْكِتَابَةَ وَإِذَا أَذِنَ لَهُ فِي الْقَبُولِ فَيُعْتَبَرُ قَبُولُهُ ؛ لِأَنَّ فِيهِ مَنْفَعَةً لَهُ ، وَإِنْ كَانَ صَغِيرًا وَلَا يَعْقِلُ فَلَا مُعْتَبَرَ بِقَبُولِهِ ، وَالْكِتَابَةُ لَا تَنْعَقِدُ بِمُجَرَّدِ الْإِيجَابِ بِدُونِ الْقَبُولِ .
حُرٌّ كَاتَبَ عَلَى عَبْدٍ لِرَجُلٍ فَأَدَّى إلَيْهِ الْمُكَاتَبَةَ يَعْتِقُ وَلَا يَرْجِعُ الْحُرُّ بِالْمَالِ عَلَى الْعَبْدِ وَلَا عَلَى الْمَوْلَى أَمَّا عَلَى الْعَبْدِ فَلِأَنَّهُ لَمْ يَلْتَزِمْ شَيْئًا مِنْ الْمَالِ وَلَا أَمَرَ الْحُرَّ بِالْأَدَاءِ عَنْهُ وَأَمَّا عَلَى الْمَوْلَى فَفِي الْقِيَاسِ لَهُ أَنْ يَسْتَرِدَّ الْمَالَ ؛ لِأَنَّهُ رَشَاهُ حَيْثُ أَعْتَقَ عَبْدَهُ فَيَثْبُتُ لَهُ حَقُّ الرُّجُوعِ عَلَيْهِ كَمَا لَوْ قَالَ لَهُ أَعْتِقْ عَبْدَكَ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ وَأَعْطَاهَا إيَّاهُ فَأَعْتَقَهُ كَانَ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ فِيمَا أَعْطَاهُ وَيَضْمَنَهُ إنْ كَانَ قَدْ اسْتَهْلَكَهُ فَكَذَلِكَ فِيمَا سَبَقَ .
تَوْضِيحُهُ : أَنَّ الْمَالَ لَوْ كَانَ وَاجِبًا عَلَى الْعَبْدِ فَضَمِنَهُ عَنْهُ الْحُرُّ لِلسَّيِّدِ وَأَدَّى كَانَ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ عَلَيْهِ فَيَسْتَرِدَّ مِنْهُ مَا أَدَّى إلَيْهِ فَإِذَا لَمْ يَجِبْ الْمَالُ عَلَى الْعَبْدِ أَوْلَى وَلَكِنَّهُ اسْتَحْسَنَ وَقَالَ إنَّهُ تَبَرُّعٌ بِأَدَاءِ الْمَالِ عَنْهُ وَلَوْ كَانَ الْعَبْدُ قَبْلَ الْكِتَابَةِ ، ثُمَّ أَدَّى حُرٌّ عَنْهُ عَلَى سَبِيلِ التَّبَرُّعِ لَمْ يَرْجِعْ بِالْمُؤَدَّى عَلَى الْمَوْلَى فَكَذَلِكَ الْحُرُّ إذَا كَانَ هُوَ الْقَابِلُ لِلْعَقْدِ ؛ لِأَنَّ قَبُولَهُ كَقَبُولِ الْعَبْدِ فِيمَا لَا يَضُرُّ بِهِ وَلِأَنَّهُ لَوْ رَجَعَ صَارَ الْمَوْلَى مَغْرُورًا مِنْ جِهَتِهِ بِقَبُولِهِ وَأَدَائِهِ وَدَفْعُ الضَّرَرِ وَالْغَرُورِ وَاجِبٌ فَلِهَذَا جَعَلْنَاهُ مُتَبَرِّعًا بِأَدَاءِ بَدَلِ الْكِتَابَةِ فَلَا يَرْجِعُ بِهِ عَلَى أَحَدٍ .
رَجُلٌ كَاتَبَ عَبْدَيْنِ لَهُ كِتَابَةً وَاحِدَةً إنْ أَدَّيَا عَتَقَا وَإِنْ عَجَزَا رُدَّا ، ثُمَّ عَجَزَ أَحَدُهُمَا فَرَدَّهُ الْمَوْلَى فِي الرِّقِّ أَوْ قَدَّمَهُ إلَى الْقَاضِي فَرَدَّهُ ، وَهُوَ لَا يَعْلَمُ بِمُكَاتَبَةِ الْمَوْلَى الْآخَرِ مَعَهُ ، ثُمَّ أَدَّى الْآخَرُ جَمِيعَ الْمُكَاتَبَةِ فَإِنَّهُمَا يَعْتِقَانِ جَمِيعًا ؛ لِأَنَّهُمَا كَشَخْصٍ وَاحِدٍ أَلَا تَرَى أَنَّهُمَا لَا يَعْتِقَانِ إلَّا بِأَدَاءِ جَمِيعِ الْمَالِ مَعًا وَكَمَا جُعِلَا فِي حَقِّ الْعِتْقِ كَشَخْصٍ وَاحِدٍ فَكَذَلِكَ فِي الْعَجْزِ فَبِعَجْزِ أَحَدِهِمَا لَا يَتَحَقَّقُ تَغَيُّرُ شَرْطِ الْكِتَابَةِ عَلَى الْمَوْلَى مَا لَمْ يَظْهَرْ عَجْزُ الْآخَرِ فَلِهَذَا لَا يَنْفُذُ قَضَاءُ الْقَاضِي بِرَدِّهِ فِي الرِّقِّ وَلِأَنَّ فِي هَذَا الْقَضَاءِ إضْرَارًا بِالْغَائِبِ ؛ لِأَنَّهُ يُسْقِطُ حِصَّةَ الْغَائِبِ مِنْ الْبَدَلِ لَا مَحَالَةَ إذَا نَفَذَ قَضَاءُ الْقَاضِي بِعَجْزِهِ ، وَالْغَائِبُ لَا يَعْتِقُ بِأَدَاءِ حِصَّتِهِ فَيَتَضَرَّرُ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ ، وَالْحَاضِرُ لَيْسَ بِخَصْمٍ عَنْ الْغَائِبِ فِيمَا يَضُرُّهُ وَكَذَلِكَ إنْ اسْتَسْعَى الْغَائِبُ بَعْدَ ذَلِكَ فِي نَجْمٍ أَوْ نَجْمَيْنِ ، ثُمَّ عَجَزَ فَرَدَّهُ هُوَ أَوْ الْقَاضِي فَبِهَذَا بَاطِلٌ ؛ لِأَنَّ رَدَّ الْأَوَّلِ فِي الرِّقِّ لَمَّا لَمْ يَصِحَّ صَارَ ذَلِكَ كَالْمَعْدُومِ فَلَا يَتَحَقَّقُ الْعَجْزُ بِهَذَا الْآخَرِ لِتَوَهُّمِ قُدْرَةِ الْأَوَّلِ بِالْأَدَاءِ بَعْدَ الْعَجْزِ فَلِهَذَا لَا يَصِحُّ رَدُّهُمَا فِي الرِّقِّ إلَّا مَعًا .
وَكَذَلِكَ إذَا كَاتَبَ الرَّجُلَانِ عَبْدًا وَاحِدًا مُكَاتَبَةً وَاحِدَةً فَغَابَ أَحَدُهُمَا وَقَدَّمَ الْآخَرُ الْعَبْدَ إلَى الْقَاضِي وَقَدْ عَجَزَ لَمْ يَرُدَّهُ فِي الرِّقِّ مَا لَمْ يَجْتَمِعْ الْمَوْلَيَانِ ؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ وَاحِدٌ بِاتِّحَادِ الْقَابِلِ وَلِأَنَّ مِنْ ضَرُورَةِ الْحُكْمِ بِعَجْزِهِ فِي نَصِيبِ الْحَاضِرِ الْحُكْمَ بِعَجْزِهِ فِي نَصِيبِ الْغَائِبِ أَيْضًا ، وَالْحَاضِرُ لَيْسَ بِخَصْمٍ عَنْ الْغَائِبِ فَلَا يُرَدُّ فِي الرِّقِّ مَا لَمْ يَجْتَمِعَا .
وَلَوْ كَانَ الْمَوْلَى وَاحِدًا فَمَاتَ عَنْ وَرَثَةٍ كَانَ لِبَعْضِهِمْ أَنْ يَرُدَّهُ فِي
الرِّقِّ بِقَضَاءِ الْقَاضِي إمَّا ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ خَصْمٌ عَنْ الْمَيِّتِ وَرَدُّهُ فِي الرِّقِّ قَضَاءٌ عَلَى الْمَيِّتِ ؛ لِأَنَّهُ يَبْطُلُ بِهِ حَقُّهُ فِي الْوَلَاءِ وَلِأَنَّ بَعْضَ الْوَرَثَةِ خَصْمٌ عَنْ بَعْضٍ فِيمَا هُوَ مِيرَاثٌ بَيْنَهُمْ أَلَا تَرَى أَنَّ أَحَدَ الْوَرَثَةِ إذَا أَثْبَتَ دَيْنًا عَلَى إنْسَانٍ بِالْبَيِّنَةِ لِلْمَيِّتِ ثَبَتَ فِي حَقِّ الْكُلِّ وَكَذَلِكَ إذَا ثَبَتَ عَلَيْهِ دَيْنٌ وَلَكِنْ لَوْ رَدَّهُ بِغَيْرِ قَضَاءٍ لَمْ يَصِحَّ ذَلِكَ مِنْهُ ؛ لِأَنَّ لِلْآخَرِينَ رَأْيًا فِي الْمُسَامَحَةِ وَالْمُهْلَةِ مَعَهُ فَلَا يَكُونُ لَهُ وِلَايَةُ الِاسْتِبْدَادِ بِقَطْعِ رَأْيِهِمْ ، وَإِنْ كَانَ الْمُكَاتَبُ هُوَ الْمَيِّتُ عَنْ وَلَدَيْنِ لَمْ يَكُنْ لِلْمَوْلَى أَنْ يَرُدَّ أَحَدَهُمَا فِي الرِّقِّ حَتَّى يَجْتَمِعَا ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِانْفِرَادِهِ كَافٍ لِبَقَاءِ عَقْدِ الْكِتَابَةِ بِاعْتِبَارِهِ فَبِعَجْزِ أَحَدِهِمَا لَا يَظْهَرُ عَجْزُ الْمَيِّتِ كَمَا لَا يَظْهَرُ عَجْزُهُ بِعَدَمِ أَحَدِهِمَا عِنْدَ وُجُودِ الْآخَرِ .
أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ عَجَزَ أَحَدُهُمَا وَأَدَّى الْآخَرُ عَتَقَا جَمِيعًا فَلِهَذَا لَا يَرُدُّهُمَا فِي الرِّقِّ حَتَّى يَجْتَمِعَا .
وَإِذَا كَاتَبَ عَبْدَيْنِ لَهُ مُكَاتَبَةً وَاحِدَةً فَارْتَدَّ أَحَدُهُمَا وَقُتِلَ الْآخَرُ فَإِنَّ الْحَيَّ لَا يَعْتِقُ مَا لَمْ يُؤَدِّ جَمِيعَ الْمُكَاتَبَةِ مُرَاعَاةً لِشَرْطِ الْمَوْلَى كَمَا فِي حَالِ حَيَاةِ الْآخَرِ وَإِنْ أَدَّى عَتَقَا جَمِيعًا ؛ لِأَنَّهُمَا فِي حُكْمِ الْأَدَاءِ كَشَخْصٍ وَاحِدٍ فَبَعْدَ مَوْتِ أَحَدِهِمَا يَبْقَى الْعَقْدُ فِي حَقِّهِ بِبَقَاءِ مَنْ يُؤَدِّي بَدَلَ الْكِتَابَةِ ، وَهُوَ الْحَيُّ فَلِهَذَا عَتَقَا بِأَدَائِهِ ، وَإِنْ كَانَ الْمُرْتَدُّ حِينَ قُتِلَ تَرَكَ لَهُ كَسْبًا اكْتَسَبَهُ فِي رِدَّتِهِ فَإِنَّ الْمَوْلَى يَأْخُذُ مِنْ ذَلِكَ الْمَالَ جَمِيعَ الْمُكَاتَبَةِ ؛ لِأَنَّهُ مَاتَ عَنْ وَفَاءٍ فَيَبْقَى عَقْدُ الْكِتَابَةِ لِحَاجَتِهِ إلَى تَحْصِيلِ الْحُرِّيَّةِ وَلَا يَحْصُلُ ذَلِكَ إلَّا بِأَدَاءِ جَمِيعِ الْمَالِ فَلِهَذَا أَخَذَ الْمَوْلَى جَمِيعَ الْمُكَاتَبَةِ مِنْ تَرِكَتِهِ وَيَعْتِقَانِ جَمِيعًا ، ثُمَّ يَرْجِعُ وَرَثَتُهُ عَلَى الْحَيِّ بِحِصَّتِهِ كَمَا لَوْ أَدَّاهُ فِي حَيَاتِهِ وَهَذَا لِأَنَّهُ مُضْطَرٌّ فِي الْأَدَاءِ حَيْثُ لَا يَتَوَصَّلُ إلَى الْعِتْقِ إلَّا بِهِ .
وَبِهَذَا تَبَيَّنَ فَسَادُ اسْتِدْلَالِ زُفَرَ فَإِنَّ عِنْدَهُ أَحَدَهُمَا إذَا أَدَّى لَا يَرْجِعُ عَلَى صَاحِبِهِ ، وَإِنَّ عِنْدَنَا يَرْجِعُ بَعْدَ مَقَالَةِ الْمَوْلَى إذَا أَدَّيَا عَتَقَا وَإِنْ عَجَزَا رُدَّا ، ثُمَّ بَقِيَّةُ الْكَسْبِ مِيرَاثٌ لَهُمْ لِمَا بَيَّنَّا فِي الْعَتَاقِ أَنَّ قِيَامَ حَقِّ الْمَوْلَى فِي كَسْبِهِ يَمْنَعُنَا أَنْ نَجْعَلَ كَسْبَ رِدَّتِهِ فَيْئًا فَيَكُونُ مِيرَاثًا لِوَرَثَتِهِ ، وَكَذَلِكَ إنْ كَانَ الْمُرْتَدُّ لَحِقَ بِدَارِ الْحَرْبِ أُخِذَ الْبَاقِي بِجَمِيعِ الْمُكَاتَبَةِ ؛ لِأَنَّ أَكْثَرَ مَا فِيهِ أَنَّ لِحَاقَهُ بِدَارِ الْحَرْبِ كَمَوْتِهِ ، وَالْآخَرُ لَا يَتَوَصَّلُ إلَى الْعِتْقِ إلَّا بِأَدَاءِ جَمِيعِ الْبَدَلِ فَإِذَا أَدَّى رَجَعَ عَلَى الْمُرْتَدِّ بِحِصَّتِهِ إذَا رَجَعَ كَمَا يَرْجِعُ فِي تَرِكَتِهِ أَنْ لَوْ مَاتَ وَإِنْ لَمْ يَرْجِعْ حَتَّى مَاتَ فِي دَارِ الشِّرْكِ عَنْ مَالٍ وَظَهَرَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى مَالِهِ لَمْ يَرْجِعْ هَذَا الْمُؤَدِّي فِيهِ بِشَيْءٍ ؛
لِأَنَّ ذَلِكَ الْمَالَ صَارَ فَيْئًا لِلْمُسْلِمِينَ إذْ لَمْ يَبْقَ فِيهِ لِلْمَوْلَى حَقٌّ حِينَ حَكَمَ بِحُرِّيَّتِهِ ، وَالدَّيْنُ لَا يَبْقَى فِي الْمَالِ الَّذِي صَارَ فَيْئًا وَإِنْ وَجَدَهُ قَبْلَ الْقِسْمَةِ أَلَا تَرَى أَنْ حُرًّا لَوْ اسْتَدَانَ دَيْنًا ، ثُمَّ ارْتَدَّ وَالْعِيَاذُ بِاَللَّهِ وَلَحِقَ بِدَارِ الْحَرْبِ وَلَمْ يُخَلِّفْ مَالًا هُنَا فَظَهَرَ الْمُسْلِمُونَ عَلَيْهِ وَعَلَى مَالِهِ فَقَتَلُوهُ لَمْ يَكُنْ لِغُرَمَائِهِ عَلَى مَالِهِ سَبِيلٌ ؛ لِأَنَّهُ صَارَ فَيْئًا وَهَذَا ؛ لِأَنَّ السَّبْيَ يُوجِبُ صَفَاءَ الْحَقِّ فِي الْمَسْبِيِّ لِلسَّابِي وَلَا يَصْفُو لَهُ الْحَقُّ إذَا بَقِيَ الدَّيْنُ فِيهِ .
وَإِنْ عَجَزَ الْمُكَاتَبُ الْحَاضِرُ ، وَالْآخَرُ مُرْتَدٌّ فِي دَارِ الْحَرْبِ لَمْ يَرُدَّهُ الْقَاضِي فِي الرِّقِّ ؛ لِأَنَّ لِحَاقَهُ بِدَارِ الْحَرْبِ لَمْ يَتِمَّ لَمَّا بَقِيَ حَقُّ الْمَوْلَى فِي كَسْبِهِ وَرَقَبَتِهِ فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ الْغَائِبِ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ وَقَدْ بَيَّنَّا أَنَّهُ إذَا كَانَ أَحَدُهُمَا غَائِبًا لَا يُحْكَمُ بِعَجْزِ الْحَاضِرِ قَبْلَ رُجُوعِهِ فَهَذَا مِثْلُهُ فَإِنْ رَدَّ الْقَاضِي هَذَا فِي الرِّقِّ لَمْ يَكُنْ رَدَّا لِلْآخَرِ حَتَّى إذَا رَجَعَ مُسْلِمًا لَمْ يُرَدَّ إلَى مَوْلَاهُ رَقِيقًا لِمَا بَيَّنَّا أَنَّ الْحَاضِرَ لَيْسَ بِخَصْمٍ عَنْ الْغَائِبِ وَإِنْ عَجَزَ الْغَائِبُ لَمْ يَظْهَرْ بِعَجْزِ الْحَاضِرِ فَلِهَذَا لَا تَنْفَسِخُ الْكِتَابَةُ فِي حَقِّ الْغَائِبِ وَإِنْ كَانَ مُرْتَدًّا فِي دَارِ الْحَرْبِ .
رَجُلٌ كَاتَبَ عَبْدًا لَهُ وَامْرَأَتَهُ مُكَاتَبَةً وَاحِدَةً وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا كَفِيلٌ عَنْ صَاحِبِهِ ، ثُمَّ وَلَدَتْ وَلَدًا فَقُتِلَ الْوَلَدُ فَقِيمَتُهُ لِلْأُمِّ دُونَ الْأَبِ ؛ لِأَنَّهُ جُزْءٌ مِنْهَا يَتْبَعُهَا فِي الرِّقِّ ، وَالْحُرِّيَّةِ فَيَتْبَعُهَا فِي الْكِتَابَةِ أَيْضًا فَلِهَذَا كَانَ بَدَلُ نَفْسِهِ لَهَا وَكَسْبُهُ وَأَرْشُ الْجِنَايَةِ عَلَيْهِ كُلُّهُ لَهَا وَإِنْ قَتَلَهُ الْمَوْلَى فَعَلَيْهِ قِيمَتُهُ وَكَانَ قِصَاصًا بِالْكِتَابَةِ إنْ كَانَتْ قَدْ حَلَّتْ أَوْ رَضِيَتْ هِيَ بِالْقِصَاصِ إنْ لَمْ تَكُنْ حَلَّتْ ؛ لِأَنَّ الْأَجَلَ حَقُّهَا فَيَسْقُطُ بِإِسْقَاطِهَا كَمَا لَوْ عَجَّلَتْ الْمَالَ ، ثُمَّ تَرْجِعُ عَلَى الزَّوْجِ بِحِصَّتِهِ إذَا حَلَّتْ الْكِتَابَةَ ؛ لِأَنَّهَا صَارَتْ مُؤَدِّيَةً جَمِيعَ الْبَدَلِ بِالْمُقَاصَّةِ فَتَرْجِعُ عَلَى الزَّوْجِ بِحِصَّتِهِ بِحُكْمِ الْكَفَالَةِ وَلَكِنَّ رِضَاهَا بِسُقُوطِ الْأَجَلِ يُعْتَبَرُ فِي حَقِّهَا دُونَ حَقِّ الزَّوْجِ فَلِهَذَا لَا تَرْجِعُ عَلَيْهِ إلَّا بَعْدَ حِلِّ الْمَالِ وَإِنْ كَانَ فِي الْقِيمَةِ فَضْلٌ عَلَى الْكِتَابَةِ فَذَلِكَ الْفَضْلُ وَمَا تَرَكَ الْوَلَدُ مِنْ مَالٍ فَهُوَ لِلْأُمِّ دُونَ الْأَبِ ؛ لِأَنَّ الْوَلَدَ قُتِلَ ، وَهُوَ مَمْلُوكٌ وَقَدْ كَانَ تَبَعًا لِلْأُمِّ فِي الْكِتَابَةِ فَكَسْبُهُ وَمَا فَضَلَ مِنْ قِيمَتِهِ يَكُونُ لَهَا خَاصَّةً .
وَكَذَلِكَ إنْ كَانَ الْوَلَدُ جَارِيَةً فَكَبِرَتْ وَوَلَدَتْ ابْنَةً ، ثُمَّ قُتِلَتْ الِابْنَةُ السُّفْلَى كَانَتْ قِيمَتُهَا لِلْجَدَّةِ ؛ لِأَنَّ السُّفْلَى كَالْعُلْيَا فِي أَنَّهَا تَابِعَةٌ لِلْجَدَّةِ دَاخِلَةٌ فِي كِتَابَتِهَا ، وَإِنْ مَاتَتْ الْجَدَّةُ وَبَقِيَ الْوَلَدَانِ ، وَالزَّوْجُ كَانَ عَلَى الْوَلَدَيْنِ مِنْ السِّعَايَةِ مَا كَانَ عَلَى الْجَدَّةِ ؛ لِأَنَّهُمَا فِي حُكْمِ جُزْءٍ مِنْهَا فَيَسْعَيَانِ فِيمَا كَانَ عَلَيْهَا وَإِنْ أَدَّى أَحَدُ الْوَلَدَيْنِ لَمْ يَرْجِعْ عَلَى صَاحِبِهِ بِشَيْءٍ ؛ لِأَنَّهُ مُؤَدٍّ عَنْ الْجَدَّةِ وَكَسْبُهُ فِي حُكْمِ أَدَاءِ بَدَلِ الْكِتَابَةِ بِمَنْزِلَةِ كَسْبِ الْجَدَّةِ فَلَا يَرْجِعُ عَلَى صَاحِبِهِ بِشَيْءٍ لِهَذَا وَلَكِنَّهُ يَرْجِعُ عَلَى
الزَّوْجِ بِحِصَّتِهِ كَمَا لَوْ أَدَّتْ الْجَدَّةُ فِي حَيَاتِهَا جَمِيعَ الْبَدَلِ رَجَعَتْ عَلَى الزَّوْجِ بِحِصَّتِهِ ، ثُمَّ يُسَلَّمُ لَهُ ذَلِكَ دُونَ الْآخَرِ ؛ لِأَنَّهُ كَسْبُهُ ، وَإِنَّمَا يُسَلَّمُ لِلْجَدَّةِ مِنْ كَسْبِهِ قَدْرُ مَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ لِأَدَاءِ بَدَلِ الْكِتَابَةِ وَتَحْصِيلِ الْحُرِّيَّةِ لِنَفْسِهَا فَمَا فَضَلَ مِنْ ذَلِكَ يُسَلَّمُ لِلْمُكْتَسِبِ وَهَذَا هُوَ الَّذِي رَجَعَ بِهِ فَاضِلٌ عَنْ حَاجَتِهَا فَيَكُونُ لِلْمُكْتَسِبِ خَاصَّةً - .
رَجُلٌ كَاتَبَ عَبْدَيْنِ لَهُ مُكَاتَبَةً وَاحِدَةً بِأَلْفِ دِرْهَمٍ وَقِيمَتُهُمَا سَوَاءٌ فَأَدَّى أَحَدُهُمَا مِائَتَيْ دِرْهَمٍ ، ثُمَّ أَعْتَقَهُ الْمَوْلَى بَعْدَ ذَلِكَ فَإِنَّهُ يَرْجِعُ بِنِصْفِ مَا أَدَّى عَلَى صَاحِبِهِ ؛ لِأَنَّهُ قَبْلَ الْعِتْقِ كَانَ قَدْ اسْتَوْجَبَ الرُّجُوعَ عَلَى صَاحِبِهِ بِنِصْفِ مَا أَدَّى قَلَّ ذَلِكَ أَوْ كَثُرَ فَلَا يَبْطُلُ ذَلِكَ بِعِتْقِهِ ؛ لِأَنَّ عِتْقَهُ مُقَرِّرٌ لِحَقِّهِ لَا مُبْطِلٌ لَهُ ، ثُمَّ يُرْفَعُ عَنْ الْآخَرِ نِصْفُ مَا بَقِيَ مِنْ الْكِتَابَةِ اعْتِبَارًا لِلْبَعْضِ بِالْكُلِّ وَقَدْ بَيَّنَّا أَنَّهُ لَوْ أَعْتَقَ أَحَدَهُمَا فِي حَالِ بَقَاءِ جَمِيعِ الْكِتَابَةِ صَارَ كَالْقَابِضِ لِلنِّصْفِ أَوْ كَالْمُبْرِئِ لَهُ عَنْ النِّصْفِ فَكَذَلِكَ فِي حَقِّ الْبَاقِي هُنَا وَكَذَلِكَ لَوْ أَعْتَقَ الَّذِي لَمْ يُؤَدِّ ؛ لِأَنَّ أَدَاءَ أَحَدِهِمَا كَأَدَائِهِمَا فَلَا يَخْتَلِفُ حُكْمُ عِتْقِهِمَا وَأَيُّهُمَا عَتَقَ فَإِنَّهُ يُؤْخَذُ عَلَى حَالِهِ بِمُكَاتَبَةِ صَاحِبِهِ ؛ لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ الْكَفِيلِ عَنْهُ وَقَدْ صَحَّتْ هَذِهِ الْكَفَالَةُ تَبَعًا لِعَقْدِ الْكِتَابَةِ حِينَ كَانَ مُطَالَبًا بِجَمِيعِ الْمَالِ قَبْلَ عِتْقِ صَاحِبِهِ فَكَذَلِكَ يَبْقَى مُطَالَبًا بِنَصِيبِ صَاحِبِهِ بَعْدَ عِتْقِهِ فَإِذَا أَدَّى رَجَعَ بِهِ عَلَيْهِ وَلَيْسَ مِنْ ضَرُورَةِ امْتِنَاعِ صِحَّةِ كَفَالَتِهِ ابْتِدَاءً بِمَا يَبْقَى عَلَى صَاحِبِهِ بَعْدَ حُرِّيَّتِهِ امْتِنَاعُ بَقَاءِ مَا كَانَ ثَابِتًا .
أَلَا تَرَى أَنَّ الْإِبَاقَ يَمْنَعُ ابْتِدَاءَ الْبَيْعِ وَلَا يَمْنَعُ بَقَاءَهُ ، وَالْعِدَّةُ تَمْنَعُ ابْتِدَاءَ النِّكَاحِ وَلَا تَمْنَعُ بَقَاءَهُ ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ وَإِلَيْهِ الْمَرْجِعُ ، وَالْمَآبُ
بَابُ مُكَاتَبَةِ الْمُكَاتَبِ .
( قَالَ ) رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَدْ بَيَّنَّا أَنَّ لِلْمُكَاتِبِ أَنْ يُكَاتِبَ اسْتِحْسَانًا فَإِنْ أَعْتَقَهُ بَعْدَ الْكِتَابَةِ لَمْ يَنْفُذْ عِتْقُهُ كَمَا قَبْلَهُ ؛ لِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُهُ حَقِيقَةً ، وَهُوَ مُتَبَرِّعٌ فِي إعْتَاقِهِ وَكَذَلِكَ إنْ وَهَبَ لَهُ نِصْفَ الْمُكَاتَبَةِ أَوْ كُلَّهَا ؛ لِأَنَّهُ إبْرَاءٌ بِطَرِيقِ التَّبَرُّعِ وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ الْمُكَاتِبُ لِعَبْدِهِ : إذَا أَعْطَيْتَنِي أَلْفَ دِرْهَمٍ فَأَنْتَ حُرٌّ فَهَذَا بَاطِلٌ وَلَوْ أَدَّى لَمْ يَعْتِقْ ؛ لِأَنَّ تَعْلِيقَ الْعِتْقِ بِالشَّرْطِ لَا يَصِحُّ مِمَّنْ لَيْسَ بِأَهْلٍ لِلتَّنْجِيزِ كَالصَّبِيِّ وَهَذَا بِخِلَافِ الْكِتَابَةِ ؛ لِأَنَّهُ عَقْدُ مُعَاوَضَةٍ بِمَنْزِلَةِ الْبَيْعِ أَوْ أَنْفَعُ مِنْهُ فِي حَقِّ الْمُكَاتَبِ وَلِهَذَا احْتَمَلَ الْفَسْخَ بِالتَّرَاضِي وَلَوْ اُعْتُبِرَ مَعْنَى التَّعْلِيقِ فِيهِ لَمْ يَحْتَمِلْ الْفَسْخَ .
مُكَاتِبٌ كَاتَبَ جَارِيَتَهُ ، ثُمَّ وَطِئَهَا فَعَلِقَتْ مِنْهُ فَإِنْ شَاءَتْ مَضَتْ عَلَى الْكِتَابَةِ ؛ لِأَنَّ الِاسْتِيلَادَ لَا يُنَافِي ابْتِدَاءَ الْكِتَابَةِ فَكَذَلِكَ بَقَاؤُهَا وَإِذَا اخْتَارَتْ ذَلِكَ أَخَذَتْ عُقْرَهَا ؛ لِأَنَّ الْمُكَاتِبَ فِيمَا يَلْزَمُهُ مِنْ الْعُقْرِ بِالْوَطْءِ كَالْحُرِّ وَقَدْ بَيَّنَّا أَنَّ الْحُرَّ إذَا وَطِئَ مُكَاتَبَتَهُ يَلْزَمُهُ عُقْرُهَا ؛ لِأَنَّهَا صَارَتْ أَحَقَّ بِنَفْسِهَا فَكَذَلِكَ الْمُكَاتَبُ وَإِنْ شَاءَتْ عَجَّزَتْ نَفْسُهَا فَتَكُونُ بِمَنْزِلَةِ أُمِّ وَلَدِهِ لَا يَبِيعُهَا كَمَا لَوْ اسْتَوْلَدَ الْمُكَاتِبُ جَارِيَتَهُ فَإِنْ عَجَّزَتْ نَفْسَهَا فَأَعْتَقَهَا الْمَوْلَى لَمْ يَجُزْ كَمَا لَوْ أَعْتَقَ جَارِيَةً مِنْ كَسْبِ مُكَاتَبِهِ بِخِلَافِ مَا لَوْ أَعْتَقَ وَلَدَهَا ؛ لِأَنَّ الْوَلَدَ دَاخِلٌ فِي كِتَابَتِهِ حَتَّى يَعْتِقَ بِعِتْقِهِ فَيَكُونُ مَمْلُوكًا لِلْمَوْلَى فَأَمَّا الْأُمُّ لَمْ تَدْخُلْ فِي كِتَابَتِهِ أَلَا تَرَى أَنَّهَا لَا تَعْتِقُ بِعِتْقِهِ وَلَكِنَّهَا أُمُّ وَلَدٍ لَهُ يَطَأهَا وَيَسْتَخْدِمُهَا فَلَمْ تَصِرْ مَمْلُوكَةً لِلْمَوْلَى ؛ لِأَنَّ ثُبُوتَ مِلْكِ الْمَوْلَى لِضَرُورَةِ التَّبَعِيَّةِ فِي الْكِتَابَةِ وَامْتِنَاعُ بَيْعِهَا ؛ لِأَنَّهَا تَابِعَةٌ لِلْوَلَدِ فِي هَذَا الْحُكْمِ لَا أَنَّهَا دَاخِلَةٌ فِي الْكِتَابَةِ وَإِنْ مَاتَ الْوَلَدُ لَمْ يَكُنْ لِلْمُكَاتِبِ أَنْ يَبِيعَهَا أَيْضًا ؛ لِأَنَّ امْتِنَاعَ الْبَيْعِ فِيهَا كَانَ تَبَعًا لِحَقِّ الْوَلَدِ وَحَقُّ الْوَلَدِ بِمَوْتِهِ لَا يَبْطُلُ فَكَذَلِكَ حَقُّ الْأُمِّ ، وَإِنَّمَا امْتَنَعَ بَيْعُهَا تَبَعًا لِثُبُوتِ نَسَبِ وَلَدِهَا مِنْهُ وَذَلِكَ بَاقٍ بَعْدَ مَوْتِهِ .
مُكَاتَبٌ كَاتَبَ جَارِيَتَهُ ، ثُمَّ اسْتَوْلَدَهَا الْمَوْلَى فَعَلَيْهِ الْعُقْرُ لَهَا ؛ لِأَنَّهَا صَارَتْ أَحَقَّ بِنَفْسِهَا ، وَالْوَلَدُ مَعَ أُمِّهِ بِمَنْزِلَتِهَا ؛ لِأَنَّهُ جُزْءٌ مِنْهَا وَقَدْ بَيَّنَّا فِي كِتَابِ الْعِتْقِ أَنَّهُ لَا يُمْكِنُ الْحُكْمُ بِحُرِّيَّةِ وَلَدِهَا مَجَّانًا وَلَا بِالْقِيمَةِ فَإِنْ عَجَزَتْ أَخَذَ الْمَوْلَى الْوَلَدَ بِالْقِيمَةِ اسْتِحْسَانًا ؛ لِأَنَّهَا بِالْعَجْزِ صَارَتْ أَمَةً قِنَّةً لِلْمُكَاتَبِ ، وَالْمَوْلَى إذَا اسْتَوْلَدَ أَمَةً مُكَاتَبَةً يَكُونُ الْوَلَدُ حُرًّا بِالْقِيمَةِ اسْتِحْسَانًا ، وَالْجَارِيَةُ مَمْلُوكَةٌ لِلْمُكَاتَبِ بِمَنْزِلَةِ الْمَغْرُورِ وَإِنْ كَانَ الْمُكَاتَبُ هُوَ الَّذِي وَطِئَهَا ، ثُمَّ مَاتَ وَلَمْ يَتْرُكْ مَالًا فَإِنْ لَمْ تَلِدْ مَضَتْ عَلَى الْكِتَابَةِ ؛ لِأَنَّ الْمُكَاتَبَ مَاتَ عَنْ وَفَاءٍ بِاعْتِبَارِ مَا عَلَيْهَا مِنْ الْبَدَلِ وَقَدْ بَيَّنَّا أَنَّ الْوَفَاءَ بِمَالٍ هُوَ دَيْنٌ لَهُ مُعْتَبَرٌ كَالْوَفَاءِ بِالْمَالِ الْعَيِّنِ ، وَإِنْ كَانَتْ وَلَدَتْ خُيِّرَتْ فَإِنْ شَاءَتْ رَفَضَتْ مُكَاتَبَتَهَا وَسَعَتْ هِيَ وَوَلَدُهَا فِي مُكَاتَبَةِ الْأَوَّلِ وَإِنْ شَاءَتْ مَضَتْ عَلَى مُكَاتَبَتِهَا ؛ لِأَنَّهُ تَلَقَّاهَا جِهَتَا حُرِّيَّةٍ إمَّا أَدَاءِ كِتَابَةِ نَفْسِهَا لِتَعْتِقَ مَعَ وَلَدِهَا بِهِ أَوْ أَدَاءِ كِتَابَةِ الْمُكَاتَبِ بَعْدَ رَفْضِ مُكَاتَبَتِهَا ؛ لِأَنَّهَا بِمَنْزِلَةِ أُمِّ الْوَلَدِ ، وَالْمُكَاتَبُ إذَا مَاتَ عَنْ أُمِّ وَلَدٍ لَهُ وَمَعَهَا وَلَدٌ مَوْلُودٌ فِي الْكِتَابَةِ سَعَتْ هِيَ مَعَ وَلَدِهَا فِي الْمُكَاتَبَةِ وَيَعْتِقَانِ بِالْأَدَاءِ فَهَذَا مِثْلُهُ وَلَوْ كَانَ تَرَكَ مَالًا فِيهِ وَفَاءٌ بِالْمُكَاتَبَةِ أُدِّيَتْ مُكَاتَبَتُهُ وَحُكِمَ بِحُرِّيَّتِهِ وَحُرِّيَّةِ وَلَدِهِ وَتَبْطُلُ الْمُكَاتَبَةُ عَنْهَا ؛ لِأَنَّهَا صَارَتْ أُمَّ وَلَدٍ لِلْمُكَاتَبِ فَعَتَقَ بِمَوْتِهِ حِينَ حَكَمْنَا بِحُرِّيَّتِهِ وَوَقَعَ الِاسْتِغْنَاءُ لَهَا عَنْ أَدَاءِ مُكَاتَبَتِهَا ، وَإِنْ عَجَزَتْ هِيَ ، وَالْمَوْلَى هُوَ الْمُدَّعِي لِلْوَلَدِ ، وَالْمُكَاتِبُ الْأَوَّلُ مَيِّتٌ فَالْوَلَدُ حُرٌّ وَعَلَى الْمَوْلَى قِيمَتُهُ ؛ لِأَنَّ
كِتَابَةَ الْمُكَاتَبِ بَاقٍ بَعْدَ مَوْتِهِ لِلْوَفَاءِ بِهَا وَبِوَلَدِهَا .
وَقَدْ بَيَّنَّا أَنَّهَا لَوْ عَجَزَتْ فِي حَيَاةِ الْمُكَاتَبِ أَخَذَ الْمَوْلَى ابْنَهُ بِالْقِيمَةِ فَكَذَلِكَ بَعْدَ مَوْتِهِ وَإِنْ كَانَ بِالْقِيمَةِ وَفَاءً بِالْمُكَاتَبَةِ عَتَقَ الْمُكَاتَبُ لِأَنَّ الْمَوْلَى صَارَ مُسْتَوْفِيًا لِبَدَلِ الْكِتَابَةِ بِالْمُقَاصَّةِ وَكَانَتْ الْأُمُّ مَمْلُوكَةً لِوَرَثَةِ الْمُكَاتَبِ إنْ كَانَ لَهُ وَارِثٌ سِوَى الْمَوْلَى وَإِنْ لَمْ يَكُنْ صَارَتْ لِلْمَوْلَى بِالْإِرْثِ وَكَانَتْ أُمَّ وَلَدٍ لَهُ ؛ لِأَنَّهُ مَلَكَهَا وَلَهُ مِنْهَا وَلَدٌ ثَابِتُ النَّسَبِ .
مُكَاتَبٌ كَاتَبَ عَبْدَهُ ، ثُمَّ كَاتَبَ عَبْدُهُ أَمَتَهُ فَاسْتَوْلَدَهَا الْمُكَاتَبُ الْأَوَّلُ أَخَذَتْ مِنْهُ عُقْرَهَا لَمَّا سَقَطَ الْحَدُّ عِنْدَهُ بِشُبْهَةِ حَقِّ الْمِلْكِ لَهُ فِيهَا بَعْدَ عَجْزِهَا وَعَجْزِ مَنْ كَاتَبَهَا وَمَضَتْ عَلَى كِتَابَتِهَا ؛ لِأَنَّهَا أَحَقُّ بِنَفْسِهَا وَمَكَاسِبِهَا وَوَلَدُهَا بِمَنْزِلَتِهَا ؛ لِأَنَّهُ جُزْءٌ مِنْهَا فَإِنْ عَجَزَتْ كَانَ الْوَلَدُ لِلْمُكَاتَبِ الْأَوَّلِ بِالْقِيمَةِ ؛ لِأَنَّ حَقَّ الْمُكَاتِبِ فِي كَسْبِ مُكَاتَبِهِ كَحَقِّ الْحُرِّ ، فَإِنَّ الثَّابِتَ لَهُ حَقُّ الْمِلْكِ ، وَفِي حَقِّ الْمِلْكِ الْمُكَاتَبُ ، وَالْحُرُّ سَوَاءٌ فَكَمَا أَنَّ الْحُرَّ يَأْخُذُ وَلَدَهُ بِالْقِيمَةِ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ اسْتِحْسَانًا فَكَذَلِكَ الْمُكَاتَبُ إلَّا أَنَّ الْحُرَّ إذَا أَخَذَهُ بِالْقِيمَةِ كَانَ حُرًّا مِثْلَهُ ، وَالْمُكَاتَبُ إذَا أَخَذَهُ بِالْقِيمَةِ كَانَ مِثْلَهُ أَيْضًا دَاخِلًا فِي كِتَابَتِهِ ؛ لِأَنَّ كَسْبَ الْمُكَاتَبِ يَحْتَمِلُ الْكِتَابَةَ وَلَا يَحْتَمِلُ الْحُرِّيَّةَ فَإِنْ أَعْتَقَ الْمَوْلَى هَذَا الْوَلَدَ نَفَذَ عِتْقُهُ ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا دَخَلَ فِي كِتَابَتِهِ صَارَ مِلْكًا لِلْمَوْلَى .
فَإِنْ كَاتَبَ الْمُكَاتَبُ عَبْدَهُ ، ثُمَّ كَاتَبَ الثَّانِي أَيْضًا عَبْدًا لَهُ ، ثُمَّ عَجَزَ الْأَوْسَطُ فَالْمُكَاتَبُ الْآخَرُ يَصِيرُ لِلْمُكَاتَبِ الْأَوَّلِ وَلِأَنَّ الْأَوْسَطَ صَارَ عَبْدًا قِنًّا لَهُ وَمُكَاتِبُهُ أَيْضًا يَصِيرُ مُكَاتَبًا لَهُ وَلَا يَكُونُ عَجْزُ الْأَوْسَطِ عَجْزًا لِلْآخَرِ فَإِذَا أَدَّى عَتَقَ وَإِنْ عَجَزَ كَانَ عَبْدًا لَهُ ، ثُمَّ ذَكَرَ مَسْأَلَةَ الْعَتَاقِ إذَا وَلَدَتْ الْمُكَاتَبَةُ ابْنَتًا ، ثُمَّ وَلَدَتْ الِابْنَةُ ابْنَتَا ، ثُمَّ وَلَدَتْ الِابْنَةُ ابْنَتَا ثُمَّ أَعْتَقَ الْمَوْلَى إحْدَاهُنَّ وَقَدْ بَيَّنَّا ذَلِكَ بِتَمَامِهِ هُنَاكَ .
رَجُلٌ كَاتَبَ جَارِيَتَيْنِ لَهُ مُكَاتَبَةً وَاحِدَةً ، ثُمَّ اسْتَوْلَدَ إحْدَاهُمَا فَالْوَلَدُ حُرٌّ ، وَالْأُمُّ مَعَ الْجَارِيَةِ الْأُخْرَى مُكَاتَبَةً كَمَا كَانَتْ وَلَا خِيَارَ لَهَا فِي ذَلِكَ بِخِلَافِ مَا إذَا كَاتَبَ مُكَاتَبَةً وَحْدَهَا ؛ لِأَنَّ هُنَاكَ لَهَا أَنْ تُعَجِّزَ نَفْسَهَا قَبْلَ الِاسْتِيلَادِ وَتَفْسَخَ الْكِتَابَةَ بِهِ فَكَذَلِكَ بَعْدَ الِاسْتِيلَادِ وَهُنَا لَمْ يَكُنْ لَهَا أَنْ تَعْجِزَ نَفْسُهَا قَبْلَ الِاسْتِيلَادِ وَتَفْسَخَ الْكِتَابَةَ لِحَقِّ الْأُخْرَى فَإِنَّهُمَا كَشَخْصٍ وَاحِدٍ فَلَا يَظْهَرُ الْعَجْزُ فِي حَقِّ إحْدَاهُمَا دُونَ الْأُخْرَى .
أَلَا تَرَى أَنَّ الْأُخْرَى لَوْ أَدَّتْ الْمُكَاتَبَةَ بَعْدَ مَا عَجَزَتْ هَذِهِ نَفْسُهَا عَتَقَا فَلِهَذَا لَا تُخَيَّرُ وَكَذَلِكَ لَوْ كَانَتْ إحْدَاهُمَا وَلَدَتْ بِنْتًا فَاسْتَوْلَدَ السَّيِّدُ الْبِنْتَ لَمْ تَصِرْ أُمَّ وَلَدٍ لَهُ ، وَالْوَلَدُ حُرٌّ بِغَيْرِ قِيمَةٍ ؛ لِأَنَّ الْمُكَاتَبَةَ تَسْعَى لِتَحْصِيلِ الْحُرِّيَّةِ لِنَفْسِهَا وَأَوْلَادِهَا وَأَوْلَادِ أَوْلَادِهَا ، وَفِي هَذَا تَحْصِيلُ مَقْصُودِهَا وَلِأَنَّهُ لَوْ تَحَقَّقَ عَجْزُهَا كَانَ وَلَدُ الْوَلَدِ حُرًّا بِغَيْرِ قِيمَةٍ لِثُبُوتِ نَسَبِهِ فَكَذَلِكَ قَبْلَ عَجْزِهَا ، وَمَعْنَى قَوْلِهِ أَنَّ الِابْنَةَ لَا تَصِيرُ أُمَّ وَلَدٍ أَنَّهُ لَا يَبْطُلُ عَنْهَا حُكْمُ تَبَعِيَّةِ الْأُمِّ فِي الْكِتَابَةِ ؛ لِأَنَّ مَقْصُودَ الْأُمِّ فِي حَقِّهَا لَا يَحْصُلُ بِالِاسْتِيلَادِ .
أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ أَخْرَجْنَاهَا مِنْ الْمُكَاتَبَةِ وَجَعَلْنَاهَا أُمَّ وَلَدٍ لِلْمَوْلَى لَمْ تَعْتِقْ بِأَدَاءِ الْمَالِ ؛ لِأَنَّ فِي هَذَا تَفْوِيتَ مَقْصُودِهِ فَلِهَذَا أَبْقَيْنَا حُكْمَ الْكِتَابَةِ فِيهَا حَتَّى تَعْتِقَ الْأُمُّ بِالْأَدَاءِ .
مُكَاتَبَةٌ كَاتَبَتْ عَبْدًا ، ثُمَّ وَلَدَتْ وَلَدًا ، ثُمَّ مَاتَتْ وَلَمْ تَدَعْ شَيْئًا قَالَ يَسْعَى الْوَلَدُ فِيمَا عَلَى أُمِّهِ ؛ لِأَنَّهُ مَوْلُودٌ فِي كِتَابَتِهَا وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُعْتَبَرَ مَا عَلَى الْمُكَاتَبِ فِي إسْقَاطِ السِّعَايَةِ عَنْهُ ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ دَيْنٌ لَا يُمْكِنُ أَدَاءُ كِتَابَتِهَا مِنْهُ قَبْلَ حَلِّهِ ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ كَانَ لَهَا عَلَى حُرٍّ دَيْنٌ إلَى أَجَلٍ قَضَى عَلَى الْوَلَدِ بِالسِّعَايَةِ فَكَذَلِكَ هُنَا فَإِنْ كَانَ نَجْمُ الْكِتَابَةِ إلَى سَنَةٍ فَقَضَى عَلَى الْوَلَدِ بِالسِّعَايَةِ فَعَجَزَ عَنْهَا عِنْدَ حَلِّهِ قَبْلَ حُلُولِ مَا عَلَى الْمُكَاتَبِ أَوْ قَبْلَ حُلُولِ الدَّيْنِ الَّذِي عَلَى الْأَجْنَبِيِّ فَإِنَّهُ يُرَدُّ فِي الرِّقِّ ؛ لِأَنَّهُ قَائِمٌ مَقَامَ الْأُمِّ وَلَوْ عَجَزَتْ هِيَ فِي حَيَاتِهَا عَنْ أَدَاءِ نَجْمٍ حَلَّ عَلَيْهَا رُدَّتْ فِي الرِّقِّ وَلَا يُلْتَفَت إلَى مَا لَهَا مِنْ الدَّيْنِ الْمُؤَجَّلِ عَلَى غَيْرِهَا ؛ لِأَنَّهَا لَا تَصِلُ إلَى ذَلِكَ إلَّا بَعْدَ حِلِّهِ فَقَبْلَ الْحُلُولِ بِمَنْزِلَةِ الْمَعْدُومِ فِي تَحَقُّقِ عَجْزِهَا حَتَّى تُرَدَّ فِي الرِّقِّ فَكَذَلِكَ وَلَدُهَا بَعْدَ مَوْتِهَا فَإِنْ رُدَّ فِي الرِّقِّ ، ثُمَّ خَرَجَ الدَّيْنُ مِنْ الْأَجْنَبِيِّ أَوْ الْمُكَاتَبِ فَهُوَ لِلْمَوْلَى ، وَالْوَلَدُ رَقِيقٌ لَهُ ؛ لِأَنَّ كِتَابَتَهَا قَدْ بَطَلَتْ بِقَضَاءِ الْقَاضِي بِرَدِّ الْوَلَدِ فِي الرِّقِّ فَهَذَا الْمَالُ كَسْبُ أَمَتِهِ فَيَكُونُ لِلْمَوْلَى مَعَ وَلَدِهَا ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ وَإِلَيْهِ الْمَرْجِعُ وَالْمَآبُ
بَابُ كِتَابَةِ الْعَبْدِ عَلَى نَفْسِهِ وَوَلَدِهِ الصِّغَارِ .
( قَالَ ) رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ : رَجُلٌ كَاتَبَ عَبْدَهُ عَلَى نَفْسِهِ وَوَلَدِهِ الصِّغَارِ قَالَ هُوَ جَائِزٌ ؛ لِأَنَّهُ لَوْ كَاتَبَ عَبْدًا حَاضِرًا نَفْسَهُ أَوْ عَلَى غَائِبٍ جَازَ إذَا قَبِلَ الْغَائِبُ فَهَذَا مِثْلُهُ أَوْ أَوْلَى ؛ لِأَنَّ وَلَدَهُ إلَيْهِ أَقْرَبُ مِنْ الْأَجْنَبِيِّ فَإِنْ عَجَزَ قَبْلَ إدْرَاكِ الْوَلَدِ أَوْ بَعْدَهُ فَرُدَّ فِي الرِّقِّ كَانَ ذَلِكَ رَدًّا لِلْوَلَدِ أَيْضًا ؛ لِأَنَّ الْأَوْلَادَ صِغَارٌ عَاجِزُونَ عَنْ الْكَسْبِ وَلِأَنَّهُ لَيْسَ عَلَيْهِمْ شَيْءٌ مِنْ الْمَالِ إنَّمَا الْمَالُ عَلَى الْأَبِ وَقَدْ تَحَقَّقَ عَجْزُهُ فَيُرَدُّ فِي الرِّقِّ وَيَكُونُ ذَلِكَ رَدًّا فِي حَقِّ مَنْ دَخَلَ فِي الْعَقْدِ تَبَعًا لَهُ ؛ لِأَنَّ ثُبُوتَ الْحُكْمِ فِي التَّبَعِ بِثُبُوتِهِ فِي الْأَصْلِ وَهَذَا بِخِلَافِ الْمُكَاتَبَيْنِ إذَا عَجَزَ أَحَدُهُمَا ؛ لِأَنَّ هُنَاكَ الْآخَرَ مُطَالَبٌ بِالْمَالِ فَبِعَجْزِ أَحَدِهِمَا لَا يَظْهَرُ الْعَجْزُ فِي حَقِّ الْآخَرِ وَهُنَا الْأَوْلَادُ لَا يُطَالِبُونَ بِشَيْءٍ مِنْ الْمَالِ ؛ لِأَنَّ الْأَبَ مَمْلُوكٌ لَا وِلَايَةَ لَهُ عَلَى أَوْلَادِهِ فِي إلْزَامِ الْمَالِ إيَّاهُمْ فَلِهَذَا يَتِمُّ الْعَجْزُ بِهِ كَمَا تَمَّ الْعَقْدُ بِقَبُولِهِ فَإِنْ أَدْرَكَ وَلَدُهُ فَقَالُوا نَحْنُ نَسْعَى فِي الْمُكَاتَبَةِ لَمْ يُلْتَفَتْ إلَيْهِمْ ؛ لِأَنَّ الْمُكَاتَبَةَ قَدْ سَقَطَتْ بِرَدِّ الْأَبِ فِي الرِّقِّ وَكَذَلِكَ لَوْ كَانُوا بَالِغِينَ حِينَ عَجَزَ الْأَبُ ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ عَلَيْهِمْ شَيْءٌ مِنْ الْمَالِ فَقُدْرَتُهُمْ عَلَى السِّعَايَةِ وَعَجْزُهُمْ عَنْهَا سَوَاءٌ وَإِنْ مَاتَ الْأَبُ وَلَمْ يَدَعْ شَيْئًا سَعَوْا فِي الْمُكَاتَبَةِ عَلَى النُّجُومِ وَكَانَ يَنْبَغِي فِي الْقِيَاسِ أَنْ لَا يَثْبُتَ النُّجُومُ فِي حَقِّهِمْ وَلَكِنْ إنْ جَاءُوا بِالْمَالِ حَالًّا وَإِلَّا رُدُّوا فِي الرِّقِّ كَمَا بَيَّنَّا فِي الْعَبْدِ الْغَائِبِ وَالْحَاضِرِ إذَا مَاتَ الْحَاضِرُ وَلَكِنْ قَالَ هُنَا قَبُولُ الْأَبِ الْكِتَابَةَ فِي حَقِّ أَوْلَادِهِ صَحِيحٌ فِيمَا يَرْجِعُ إلَى مَقْصُودِهِ وَعِتْقُ الْأَوْلَادِ مِنْ مَقَاصِدِهِ
كَعِتْقِ نَفْسِهِ فَكَمَا يَثْبُتُ الْأَجَلُ وَيَبْقَى بِاعْتِبَارِ بَقَائِهِ لِتَحْصِيلِ مَقْصُودِهِ فَكَذَلِكَ يَبْقَى بِاعْتِبَارِ بَقَاءِ الْوَلَدِ ؛ لِأَنَّهُ مِنْ مَقَاصِدِهِ بِخِلَافِ الْعَبْدِ الْغَائِبِ فَإِنَّهُ لَا مَقْصُودَ لِلْحَاضِرِ فِي عِتْقِهِ .
تَوْضِيحُهُ : أَنَّ حَالَ الْأَوْلَادِ هُنَا كَحَالِ وَلَدٍ مَوْلُودٍ فِي الْكِتَابَةِ ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ الْوَلَدُ كَمَا حَدَثَ حَدَثَ مُكَاتَبًا وَهَذَا الْوَلَدُ كَمَا عَقَدَ عَقْدَ الْكِتَابَةِ صَارَ مُكَاتَبًا ، ثُمَّ ذَلِكَ الْوَلَدُ يَسْعَى عَلَى النُّجُومِ فَهَذَا الْوَلَدُ مِثْلُهُ يُقَرِّرُهُ أَنَّ سَبَبَ الْوِلَايَةِ ، وَهُوَ الْأُبُوَّةُ ثَابِتٌ هُنَا حَتَّى إذَا تَمَّ سُقُوطُ حَقِّ الْمَوْلَى بِعِتْقِهِمَا كَانَ لَهُ الْوِلَايَةُ فَيُعْتَبَرُ قِيَامُ السَّبَبِ أَيْضًا فِيمَا يَنْفَعُهُمَا وَلَا يَضُرُّ بِالْمَوْلَى ، وَفِي الْقَوْلِ بِأَنَّ الْوَلَدَ يَسْعَى فِي النُّجُومِ مَنْفَعَةً لَهُمَا فَإِنْ كَانُوا صِغَارًا لَا يَقْدِرُونَ عَلَى السِّعَايَةِ رُدُّوا فِي الرِّقِّ لِتَحَقُّقِ الْعَجْزِ فِي حَقِّ الْأَبِ حِينَ لَمْ يُخْلِفْ مَا يُؤَدِّي بِهِ بَدَلَ الْكِتَابَةِ وَلَا مَنْ يُؤَدِّي عَنْهُ وَإِنْ كَانُوا يَقْدِرُونَ عَلَيْهَا فَسَعَى بَعْضُهُمْ فِي الْمُكَاتَبَةِ فَأَدَّاهَا لَمْ يَرْجِعْ عَلَى إخْوَتِهِ بِشَيْءٍ ؛ لِأَنَّهُ مَا أَدَّى عَنْهُمْ إذْ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِمْ شَيْءٌ مِنْ الْمَالِ وَإِنَّمَا أَدَّى عَنْ الْأَبِ ؛ لِأَنَّ الْمَالَ عَلَيْهِ .
أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ أَدَّى فِي حَيَاةِ الْأَبِ لَمْ يَرْجِعْ عَلَى إخْوَتِهِ بِشَيْءٍ فَكَذَلِكَ بَعْدَ مَوْتِهِ فَإِنْ ظَهَرَ لِلْأَبِ مَال كَانَ مِيرَاثًا بَيْنَهُمْ لِاسْتِنَادِ حُرِّيَّتِهِمْ إلَى مَا اسْتَنَدَ إلَيْهِ حُرِّيَّةُ أَبِيهِمْ وَلَمْ يَكُنْ لِهَذَا أَنْ يَأْخُذَ مِنْ تَرِكَةِ الْأَبِ مَا أَدَّى ؛ لِأَنَّهُ مُتَبَرِّعٌ فِيمَا أَدَّى إذْ لَمْ يَكُنْ مُطَالَبًا بِشَيْءٍ مِنْ الْمَالِ كَمَا فِي حَالِ حَيَاةِ الْأَبِ وَلِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ الْأَبِ فِي الْمُكَاتَبَةِ فَإِنَّمَا يُؤَدِّي لِتَحْصِيلِ الْعِتْقِ لِنَفْسِهِ وَكَسْبُهُ فِيمَا يُؤَدِّي بِهِ الْبَدَلَ كَكَسْبِ أَبِيهِ فَلِهَذَا لَا يَرْجِعُ بِالْمُؤَدَّى فِي تَرِكَةِ
أَبِيهِ وَكَانَ لِلْمَوْلَى أَنْ يَأْخُذَ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْ الْأَوْلَادِ بِجَمِيعِ الْمَالِ لَا بِاعْتِبَارِ أَنَّهُ دَيْنٌ فِي ذِمَّتِهِ وَلَكِنْ بِاعْتِبَارِ أَنَّهُ قَائِمٌ مَقَامَ أَبِيهِ ، وَفِيمَا هُوَ مِنْ حُقُوقِ الْأَبِ كَانَ قَبُولُهُ صَحِيحًا فِي حَقِّ الْأَوْلَادِ فَيَأْخُذُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِجَمِيعِ الْمَالِ كَأَنَّهُ لَيْسَ مَعَهُ غَيْرُهُ .
وَلِهَذَا لَوْ مَاتَ بَعْضُهُمْ لَا يُرْفَعُ عَنْ بَقِيَّتِهِمْ شَيْءٌ مِنْ الْمُكَاتَبَةِ كَمَا لَوْ كَانَ مَعْدُومًا فِي الِابْتِدَاءِ وَهَذَا ؛ لِأَنَّ الْمُكَاتَبَةَ وَاحِدَةٌ فِي حَقِّهِمْ ، وَفِي حَقِّ الْأَبِ فَلَا يَعْتِقُ أَحَدٌ مِنْهُمْ إلَّا بِوُصُولِ جَمِيعِ الْمَالِ إلَى الْمَوْلَى فَإِنْ أَعْتَقَ الْمَوْلَى بَعْضَهُمْ رُفِعَ عَنْهُمْ بِحِصَّةِ قِيمَةِ الْمُعْتَقِ ؛ لِأَنَّ إعْتَاقَ الْمَوْلَى بَعْضَهُمْ بِمَنْزِلَةِ الْقَبْضِ مِنْهُ لِحِصَّتِهِ ، وَفِيمَا يَرْجِعُ إلَى مَنْفَعَتِهِمْ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ حِصَّةٌ مِنْ الْبَدَلِ وَإِنْ كَانَ الْأَبُ هُوَ الْقَابِلُ ؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ مُضَافٌ إلَى الْكُلِّ قَصْدًا بِخِلَافِ الْوَلَدِ الْمَوْلُودِ فِي الْكِتَابَةِ إذَا أَعْتَقَهُ الْمَوْلَى فَإِنَّهُ لَا يَسْقُطُ شَيْءٌ مِنْ الْبَدَلِ ؛ لِأَنَّهُ كَانَ تَبَعًا فِي الْعَقْدِ وَشَيْءٌ مِنْ الْبَدَلِ لَا يُقَابِلُ التَّبَعَ وَإِنْ كَانَ فِيهِمْ جَارِيَةٌ فَاسْتَوْلَدَهَا السَّيِّدُ أَخَذَتْ عُقْرَهَا ، وَهِيَ مُكَاتَبَةٌ عَلَى حَالِهَا لَيْسَ لَهَا أَنْ تُعْجِزَ نَفْسَهَا لِمَكَانِ إخْوَتِهَا أَلَا تَرَى أَنَّهُمْ لَوْ أَدَّوْا عَتَقَتْ هِيَ أَيْضًا .
وَإِنْ كَانَ الْوَلَدُ كِبَارًا حِينَ كَاتَبَ عَلَى نَفْسِهِ وَعَلَيْهِمْ بِغَيْرِ أَمْرِهِمْ وَأَدَّى الْكِتَابَةَ عَتَقُوا وَلَمْ يَرْجِعْ بِشَيْءٍ مِنْهَا عَلَيْهِمْ فِي هَذَا الْوَجْهِ وَلَا فِي الْوَجْهِ الْأَوَّلِ ؛ لِأَنَّ بِقَبُولِهِ لَمْ يَلْزَمْهُمْ شَيْءٌ مِنْ الْبَدَلِ فَكَانَ هُوَ مُؤَدِّيًا الْمَالَ عَنْ نَفْسِهِ لَا عَنْهُمْ .
رَجُلٌ كَاتَبَ عَبْدًا لَهُ وَامْرَأَتَهُ مُكَاتَبَةً وَاحِدَةً عَلَى أَنْفُسِهِمَا وَأَوْلَادِهِمَا وَهُمْ صِغَارٌ ، ثُمَّ إنَّ إنْسَانًا قَتَلَ الْوَلَدَ فَقِيمَتُهُ لِلْأَبَوَيْنِ جَمِيعًا يَسْتَعِينَانِ بِهَا فِي الْكِتَابَةِ ؛ لِأَنَّهُمَا قَبِلَا الْكِتَابَةَ عَلَيْهِمْ وَحَالُهُمَا فِي ذَلِكَ عَلَى السَّوَاءِ إذْ لَا وِلَايَةَ لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَيْهِ وَلَا يُمْكِنُ جَعْلُ هَذِهِ الْقِيمَةِ لِلْمَوْلَى ؛ لِأَنَّ الْوَلَدَ صَارَ مُكَاتَبًا لِقَبُولِهِمَا فَلَا يَبْقَى لِلْمَوْلَى سَبِيلٌ عَلَى كَسْبِهِ وَلَا قِيمَةَ رَقَبَتِهِ فَلَا بُدَّ مِنْ أَنْ تُؤْخَذَ الْقِيمَةُ مِنْهُ فَتَكُونُ لِلْأَبَوَيْنِ ؛ لِأَنَّهُمَا كَانَا يُنْفِقَانِ عَلَيْهِ فِي حَيَاتِهِ فَكَانَا أَحَقَّ بِحَضَانَتِهِ وَهَذَا بِخِلَافِ الْوَلَدِ الْمَوْلُودِ بَيْنَهُمَا بَعْدَ الْكِتَابَةِ فَإِنَّ قِيمَتَهُ لِلْأُمِّ خَاصَّةً ؛ لِأَنَّ ثُبُوتَ الْكِتَابَةِ فِي الْوَلَدِ هُنَا بِطَرِيقِ التَّبَعِيَّةِ وَجَانِبُ الْأُمِّ يَتَرَجَّحُ فِي ذَلِكَ ؛ لِأَنَّهُ جُزْءٌ مِنْهَا وَهُنَا ثُبُوتُ الْكِتَابَةِ فِي حَقِّ الْوَلَدِ بِالْقَبُولِ وَالْقَبُولُ مِنْهُمَا جَمِيعًا وَإِنْ غَابَ الْأَبُ فَأَرَادَ الْمَوْلَى سِعَايَةَ الْوَلَدِ لَمْ يَكُنْ لَهُ ذَلِكَ ؛ لِأَنَّ وُجُوبَ الْمَالِ بِقَبُولِهِمَا كَانَا عَلَيْهِمَا دُونَ الْوَلَدِ فَمَا بَقِيَا حَيَّيْنِ لَمْ يَكُنْ عَلَى الْوَلَدِ شَيْءٌ مِنْ الْمَالِ وَلَيْسَ لِلْأَبَوَيْنِ سَبِيلٌ عَلَى كَسْبِ الْوَلَدِ ؛ لِأَنَّهُ مُكَاتَبٌ لِلْمَوْلَى مَقْصُودًا بِالْعَقْدِ مَعَهُمَا وَلَيْسَ لِلْأَبَوَيْنِ سَبِيلٌ عَلَى كَسْبِ الْمُكَاتَبِ بِخِلَافِ الْوَلَدِ الْمَوْلُودِ فِي الْكِتَابَةِ فَإِنَّهُ تَبَعٌ لِلْأُمِّ فَكَانَتْ أَحَقَّ بِكَسْبِهِ لِتَسْتَعِينَ بِهِ عَلَى أَدَاءِ الْبَدَلِ .
وَإِنْ مَاتَ الْوَلَدُ وَتَرَكَ مَالًا فَمَالُهُ لِلْأَبَوَيْنِ مِثْلُ قِيمَتِهِ عَلَى مَا بَيَّنَّا أَنَّهُ مُكَاتَبٌ مَعَهُمَا فَلَا سَبِيلَ لِلْمَوْلَى عَلَى مَالِهِ وَلَكِنَّهُمَا يَأْخُذَانِ مَالَهُ فَيَسْتَعِينَانِ بِهِ عَلَى أَدَاءِ الْبَدَلِ وَإِنْ أَعْتَقَ السَّيِّدُ الْوَلَدَ رُفِعَتْ حِصَّتُهُ عَنْ الْأَبَوَيْنِ لِمَا بَيَّنَّا أَنَّ الْعَقْدَ تَنَاوَلَهُ
مَقْصُودًا فَكَانَ لَهُ مِنْ الْبَدَلِ حِصَّتُهُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لِلْمَوْلَى أَنْ يُطَالِبَهُ بِهِ لِانْعِدَامِ الْقَبُولِ مِنْ جِهَتِهِ ، وَصَارَ الْمَوْلَى قَابِضًا بِعِتْقِهِ حِصَّتَهُ وَإِنْ لَمْ يُعْتِقْهُ وَأَرَادَ أَنْ يَأْخُذَهُ بِشَيْءٍ مِنْ الْكِتَابَةِ لَمْ يَكُنْ لَهُ ذَلِكَ مَا بَقِيَ أَحَدُ الْوَالِدَيْنِ ؛ لِأَنَّ قَبُولَهُمَا عَلَيْهِ غَيْرُ مُعْتَبَرٍ فِي الْإِلْزَامِ وَالْأَبَوَانِ هُمَا الْأَصْلَانِ فِي وُجُوبِ الْمَالِ عَلَيْهِمَا بِالْقَبُولِ فَمَا بَقِيَ شَيْءٌ مِنْ الْأَصْلِ لَا يَظْهَرُ حُكْمُ الْخَلْفِ فَإِذَا مَاتَا قُلْنَا إنْ وَقَعَتْ الْكِتَابَةُ وَالْوَلَدُ صَغِيرٌ سَعَى فِيهَا عَلَى النُّجُومِ بَعْدَ مَوْتِهِمَا كَمَا يَسْعَى الْوَلَدُ الْمَوْلُودُ فِي الْكِتَابَةِ وَإِنْ وَقَعَتْ ، وَهُوَ كَبِيرٌ فَعَلَيْهِ أَنْ يُؤَدِّيَ الْمُكَاتَبَةَ حَالَّةً وَإِلَّا رُدَّ فِي الرِّقِّ بِمَنْزِلَةِ الْعَبْدِ الْحَاضِرِ وَالْغَائِبِ ؛ لِأَنَّهُ لَا وِلَايَةَ لِلْأَبَوَيْنِ عَلَى الْوَلَدِ الْكَبِيرِ بَعْدَ سُقُوطِ حَقِّ الْمَوْلَى عَنْهُ فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ الْأَجْنَبِيِّ فِي حَقِّهِمَا فَلَا يَبْقَى الْأَجَلُ بَعْدَ مَوْتِهِمَا ؛ لِأَنَّ الْأَجَلَ لِتَأْخِيرِ الْمُطَالَبَةِ ، وَهُوَ غَيْرُ مُطَالَبٍ لِانْعِدَامِ الْقَبُولِ مِنْهُ أَوْ مِمَّنْ لَهُ وِلَايَةٌ عَلَيْهِ فَقُلْنَا إنْ جَاءَ بِالْمَالِ حَالًّا وَإِلَّا رُدَّ فِي الرِّقِّ ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ وَإِلَيْهِ الْمَرْجِعُ وَالْمَآبُ .
بَابُ مُكَاتَبَةِ الْوَصِيِّ .
( قَالَ ) رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ : وَلِلْوَصِيِّ أَنْ يُكَاتِبَ عَبْدَ الْيَتِيمِ اسْتِحْسَانًا ، وَفِي الْقِيَاسِ لَا يَصِحُّ ذَلِكَ مِنْهُ ؛ لِأَنَّهُ إرْفَاقٌ لِلْحَالِ وَإِعْتَاقٌ بِاعْتِبَارِ الْمَآلِ .
وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّ الْوَصِيَّ قَائِمٌ مَقَامَ الْيَتِيمِ فِيمَا فِيهِ النَّظَرُ لَهُ وَالْكِتَابَةُ أَنْظَرُ لَهُ مِنْ الْبَيْعِ ؛ لِأَنَّ بِالْبَيْعِ يَزُولُ مِلْكُهُ عَنْ الْعَيْنِ قَبْلَ وُصُولِ الْبَدَلِ إلَيْهِ وَبِالْكِتَابَةِ لَا يَزُولُ مِلْكُهُ عَنْ الْعَيْنِ إلَّا بَعْدَ وُصُولِ الْمَالِ إلَيْهِ وَتَسْقُطُ نَفَقَتُهُ عَنْهُ فِي الْحَالِ وَإِذَا تَعَذَّرَ وُصُولُ الْمَالِ إلَيْهِ بِعَجْزِهِ تُفْسَخُ الْكِتَابَةِ فَكَانَ عَبْدًا لَهُ عَلَى حَالِهِ فَإِذَا مَلَكَ الْبَيْعَ مَلَكَ الْكِتَابَةَ بِالطَّرِيقِ الْأَوْلَى فَإِنْ وَهَبَ الْمَالَ لَهُ بَعْدَ الْكِتَابَةِ لَمْ يَجُزْ ؛ لِأَنَّهُ تَبَرُّعٌ بِمَا لَا يَمْلِكُهُ فَلَا يَصِحُّ مِنْ جِهَتِهِ وَلَا مِنْ جِهَةِ الصَّبِيِّ ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِقَائِمٍ مَقَامَهُ فِي التَّبَرُّعِ ، وَإِنْ أَقَرَّ بِالْقَبْضِ صَدَقَ ؛ لِأَنَّ الْمَالَ وَجَبَ بِعَقْدِهِ ، وَهُوَ يَمْلِكُ مُبَاشَرَةَ قَبْضِهِ فَيَصِحُّ إقْرَارُهُ بِالْقَبْضِ أَيْضًا ( فَإِنْ قِيلَ ) فَعَلَى قِيَاسِ هَذَا يَنْبَغِي أَنْ تَصِحَّ هِبَتُهُ فِي حَقِّ الْمُكَاتَبِ لَمَّا كَانَ الْوُجُوبُ بِعَقْدِهِ كَمَا لَوْ بَاعَهُ مِنْ إنْسَانٍ ، ثُمَّ أَبْرَأَ الْمُشْتَرِيَ عَنْ الثَّمَنِ جَازَ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى ( قُلْنَا ) ؛ لِأَنَّ فِي الْبَيْعِ هُوَ كَالْعَاقِدِ لِنَفْسِهِ فِيمَا هُوَ مِنْ حُقُوقِ عَقْدِهِ وَلِهَذَا كَانَ قَبْضُ الثَّمَنِ إلَيْهِ بَعْدَ بُلُوغِ الْيَتِيمِ فَأَمَّا فِي الْكِتَابَةِ هُوَ مُعَبِّرٌ عَنْ الْيَتِيمِ وَلِهَذَا لَا يَمْلِكُ قَبْضَ الْبَدَلِ بَعْدَ بُلُوغِ الْيَتِيمِ فَيَكُونُ هُوَ بِالْهِبَةِ مُتَبَرِّعًا بِمَا لَا يَمْلِكُهُ وَلِأَنَّ هِبَةَ الْبَدَلِ مِنْ الْمُكَاتَبِ إعْتَاقٌ لَهُ وَالْوَصِيُّ لَا يَمْلِكُ الْإِعْتَاقَ فَأَمَّا الْإِقْرَارُ بِالْقَبْضِ لَيْسَ بِإِعْتَاقٍ وَلَكِنَّهُ إقْرَارٌ بِمَا يَمْلِكُ الْإِنْشَاءَ فِيهِ .
وَإِنْ قَالَ
كُنْتُ كَاتَبْتُهُ وَأَدَّى إلَيَّ لَمْ يُصَدَّقْ ؛ لِأَنَّ الْإِقْرَارَ بِالْكِتَابَةِ وَقَبْضَ الْبَدَلِ إعْتَاقٌ لَهُ ( فَإِنْ قِيلَ ) أَلَيْسَ أَنَّهُ يَمْلِكُ إنْشَاءَ الْكِتَابَةِ وَاسْتِيفَاءَ الْبَدَلِ فَيَنْبَغِي أَنْ يَصْلُحَ إقْرَارُهُ بِهِ ؟ ( قُلْنَا ) : إنَّمَا يَمْلِكُ الْإِنْشَاءَ ؛ لِأَنَّهُ يَدْخُلُ بِتَصَرُّفِهِ فِي مِلْكِ الْيَتِيمِ ظَاهِرًا مِثْلُ مَا يُخْرِجُهُ عَنْ مِلْكِهِ ، وَذَلِكَ لَا يُوجَدُ فِي الْإِقْرَارِ ( فَإِنْ قِيلَ ) فَكَذَلِكَ إذَا أَقَرَّ بِاسْتِيفَاءِ الْبَدَلِ بَعْدَ مَا بَاشَرَ الْكِتَابَةَ ( قُلْنَا ) : هُنَاكَ بِمُبَاشَرَةِ الْكِتَابَةِ يَدْخُلُ فِي مِلْكِهِ ظَاهِرًا مِثْلَ مَا يُخْرِجُهُ مِنْ مِلْكِهِ ، ثُمَّ الْإِقْرَارُ بِالْقَبْضِ لَيْسَ يُخْرِجُ مِنْ مِلْكِهِ شَيْئًا إنَّمَا يُقَرِّرُ مِلْكَهُ فِي الْبَدَلِ بِقَبْضِهِ ، وَلَوْ وَكَّلَ الْوَصِيُّ بِقَبْضِ بَدَلِ الْكِتَابَةِ جَازَ ؛ لِأَنَّهُ يَمْلِكُ مُبَاشَرَةَ الْقَبْضِ بِوِلَايَتِهِ فَيَصِحُّ تَوْكِيلُهُ بِهِ غَيْرَهُ كَالْأَبِ فَإِنْ كَاتَبَهُ ، ثُمَّ أَدْرَكَ الْيَتِيمُ فَلَمْ يَرْضَ بِهِ فَالْكِتَابَةُ مَاضِيَةٌ ؛ لِأَنَّهُ تَصَرُّفٌ نَفَذَ مِنْ الْوَصِيِّ فِي حَالِ قِيَامِ وِلَايَتِهِ فَلَا يَمْلِكُ الْيَتِيمُ إبْطَالَهُ بَعْدَ الْبُلُوغِ كَالْبَيْعِ وَهَذَا ؛ لِأَنَّ فِعْلَهُ فِي حَالِ بَقَاءِ وِلَايَتِهِ كَفِعْلِ الْيَتِيمِ بِنَفْسِهِ غَيْرَ أَنَّهُ لَا يَدْفَعُ الْمَالَ إلَى الْوَصِيِّ ؛ لِأَنَّ وِلَايَةَ الْقَبْضِ لَهُ كَانَ بِطَرِيقِ نِيَابَتِهِ عَنْ الْيَتِيمِ ، وَقَدْ زَالَ ذَلِكَ فَهُوَ كَدَيْنٍ وَجَبَ لِيَتِيمٍ لَا بِعَقْدِ الْوَصِيِّ لَا يَمْلِكُ الْوَصِيُّ قَبْضَهُ بَعْدَ بُلُوغِهِ وَهَذَا ؛ لِأَنَّ الْعَاقِدَ فِي بَابِ الْكِتَابَةِ سَفِيرٌ .
أَلَا تَرَى أَنَّ الْوَكِيلَ بِالْكِتَابَةِ لَا يَمْلِكُ الْقَبْضَ وَأَنَّهُ لَيْسَ عَلَيْهِ تَسْلِيمُ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ فَلَا يَقْبِضُ الْبَدَلَ بِحُكْمِ الْعَقْدِ أَيْضًا وَلَكِنَّ الْقَبْضَ إلَى الْيَتِيمِ بَعْدَ بُلُوغِهِ وَلَا يَعْتِقُ الْمُكَاتَبُ إلَّا بِالْأَدَاءِ إلَيْهِ أَوْ إلَى وَكِيلِهِ .
وَكَذَلِكَ لَوْ كَانَ الْقَاضِي عَزَلَ الْوَصِيَّ الَّذِي كَانَ كَاتَبَ وَجَعَلَ غَيْرَهُ وَصِيًّا كَانَ
قَبْضُ الْبَدَلِ إلَى الثَّانِي دُونَ الْأَوَّلِ حَتَّى وَلَوْ أَدَّى إلَى الْأَوَّلِ أَوْ أَدَّى إلَى الْيَتِيمِ لَمْ يَعْتِقْ وَلَا يَجُوزُ لِأَحَدِ الْوَصِيَّيْنِ أَنْ يُكَاتِبَ بِغَيْرِ إذْنِ صَاحِبِهِ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى وَيَجُوزُ فِي قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى بِمَنْزِلَةِ بَيْعِ أَحَدِ الْوَصِيَّيْنِ عَبْدَ الْيَتِيمِ فَإِنَّ عِنْدَهُمَا لَا يَنْفَرِدُ بِهِ أَحَدُهُمَا ؛ لِأَنَّ الْأَبَ أَقَامَ رَأْيَهُمَا مَقَامَ رَأْيِ نَفْسِهِ ، وَرَأْيُ الْمُثَنَّى لَا يَكُونُ كَرَأْيِ الْوَاحِدِ ، وَأَبُو يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى يَقُولُ : تَصَرُّفُ الْوَصِيِّ بِحُكْمِ وِلَايَتِهِ وَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْوَصِيَّيْنِ وِلَايَةٌ تَامَّةٌ وَلَا يَجُوزُ لِلْوَصِيِّ أَنْ يُعْتِقَ عَلَى مَالٍ كَمَا لَا يُعْتِقُ بِغَيْرِ مَالٍ ؛ لِأَنَّ الْعَبْدَ يَخْرُجُ مِنْ مِلْكِ الْيَتِيمِ بِنَفْسِ الْقَبُولِ وَالْبَدَلُ فِي ذِمَّةٍ مُفْلِسَةٍ كَالتَّاوِي ، وَكَذَلِكَ لَا يَبِيعُ نَفْسَ الْعَبْدِ مِنْهُ بِمَالٍ ؛ لِأَنَّهُ إعْتَاقٌ بِجُعْلٍ أَلَا تَرَى أَنَّهُ إذَا صَحَّ عِتْقٌ بِنَفْسِ الْقَبُولِ قُبِلَ أَدَاءُ الْمَالِ بِخِلَافِ الْكِتَابَةِ وَلَا يَجُوزُ لِلْوَصِيِّ أَنْ يُكَاتِبَ إذَا كَانَتْ الْوَرَثَةُ كِبَارًا غُيَّبًا كَانُوا أَوْ حُضُورًا ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ لَهُ عَلَى الْوَرَثَةِ الْكِبَارِ وِلَايَةٌ وَإِنَّمَا لَهُ حِفْظُ الْمَالِ عَلَيْهِمْ فَإِنَّمَا يَمْلِكُ التَّصَرُّفَاتِ فِيمَا يَرْجِعُ إلَى الْحِفْظِ وَالْكِتَابَةُ لَيْسَ مِنْ هَذِهِ الْجُمْلَةِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَا يَبِيعُ الْعَقَارَ .
( قَالَ ) وَكَذَلِكَ لَوْ كَانُوا صِغَارًا فَأَدْرَكُوا ، ثُمَّ كَاتَبَهُ الْوَصِيُّ لَمْ يَجُزْ كَمَا لَوْ كَانُوا كِبَارًا أَلَا تَرَى أَنَّهُمْ لَوْ كَاتَبُوهُ بِأَنْفُسِهِمْ صَحَّ مِنْهُمْ وَإِنَّمَا ثَبَتَ الْوِلَايَةُ لِلْوَصِيِّ فِي حَالٍ لَا يَمْلِكُ الْمَوْلَى عَلَيْهِمْ مُبَاشَرَةَ التَّصَرُّفِ بِنَفْسِهِ وَكَذَا إنْ كَانَ بَعْضُ الْوَرَثَةِ كِبَارًا فَأَبَوْا أَنْ يُجِيزُوا كِتَابَةَ الْوَصِيِّ لَمْ تَجُزْ مُكَاتَبَتُهُ ؛ لِأَنَّهُ لَا وِلَايَةَ لَهُ فِي نَصِيبِ الْكِبَارِ وَالصَّغِيرُ لَوْ كَانَ
بَالِغًا فَكَاتَبَ نَصِيبَهُ بِنَفْسِهِ كَانَ لِلْآخَرِ أَنْ يَفْسَخَ الْكِتَابَةَ فَكَذَا إذَا فَعَلَهُ الْوَصِيُّ وَإِنْ كَانَتْ الْوَرَثَةُ صِغَارًا وَعَلَى الْمَيِّتِ دَيْنٌ فَكَاتَبَ الْوَصِيُّ عَبْدًا مِنْ تَرِكَتِهِ لَمْ يَجُزْ وَإِنْ كَانَ الدَّيْنُ لَا يُحِيطُ بِمَالِهِ ؛ لِأَنَّ حَقَّ الْغَرِيمِ مُقَدَّمٌ وَمَا لَمْ يَصِلْ إلَيْهِ كَمَالُ حَقِّهِ لَا يُسَلَّمُ شَيْءٌ مِنْ التَّرِكَةِ إلَى الْوَارِثِ فَلَا يُمْكِنُ تَصْحِيحُ كِتَابَتِهِ لِلْغَرِيمِ إذْ لَيْسَ لِلْوَصِيِّ عَلَيْهِ وِلَايَةٌ وَلَا لِلْيَتِيمِ ؛ لِأَنَّهُ لَا يُسَلَّمُ لَهُ شَيْءٌ إلَّا بَعْدَ وَفَاءِ الدَّيْنِ وَلَا لِلْمَيِّتِ ؛ لِأَنَّ حَقَّهُ فِي تَفْرِيغِ ذِمَّتِهِ وَيَتَأَخَّرُ ذَلِكَ فِي كِتَابَتِهِ فَلِهَذَا لَمْ يَجُزْ عَقْدُهُ إلَّا أَنْ يَسْتَوْفِيَ الْغَرِيمُ حَقَّهُ مِنْ بَقِيَّةِ التَّرِكَةِ فَحِينَئِذٍ تَنْفُذُ الْكِتَابَةُ ؛ لِأَنَّ الْمَانِعَ قِيَامُ حَقِّ الْغَرِيمِ وَقَدْ زَالَ ذَلِكَ بِوُصُولِ دَيْنِهِ إلَيْهِ .
وَكَذَلِكَ إنْ كَانَ مَكَانَ الدَّيْنِ وَصِيَّةٌ بِالثُّلُثِ ؛ لِأَنَّهُ لَا وِلَايَةَ لِلْوَصِيِّ عَلَى الْمُوصَى لَهُ فِي كِتَابَةِ نَصِيبِهِ وَثُلُثُ الْعَبْدِ بِالْوَصِيَّةِ صَارَ لَهُ فَلَا تَنْفُذُ الْكِتَابَةُ مِنْ الْوَصِيِّ فِيهِ كَمَا لَوْ كَانَ بَعْضُ الْوَرَثَةِ كِبَارًا .
رَجُلٌ أَوْصَى بِثُلُثِ مَالِهِ وَلَهُ عَبِيدٌ لَا مَالَ لَهُ غَيْرُهُمْ وَتَرَكَ يَتَامَى صِغَارًا فَكَاتَبَ الْوَصِيُّ بَعْضَ الرَّقِيقِ فَأَدَّى إلَيْهِ جَمِيعَ الْمُكَاتَبَةِ فَإِنَّهُ يُعْتِقُ حِصَّةَ الْوَرَثَةِ مِنْهُ ؛ لِأَنَّ ثُلُثَيْ الْمُكَاتَبِ كَانَ مَمْلُوكًا لَهُمْ وَالْوَصِيُّ قَائِمٌ مَقَامَهُمْ فِي الْكِتَابَةِ وَلَوْ كَانُوا بَالِغِينَ فَكَاتَبُوا وَاسْتَوْفَوْا الْبَدَلَ عَتَقَ نَصِيبُهُمْ فَكَذَلِكَ إذَا فَعَلَهُ الْوَصِيُّ فَيَأْخُذُ الْمُوصَى لَهُ مِنْ الْمُكَاتَبِ حِصَّتَهُ ؛ لِأَنَّ ثُلُثَ الْعَبْدِ بِمَوْتِ الْوَصِيِّ صَارَ لَهُ وَإِنَّمَا أَدَّى بَدَلَ الْكِتَابَةِ مِنْ كَسْبِهِ وَثُلُثُ الْكَسْبِ حَقُّهُ فَكَانَ لَهُ أَنْ يَسْتَوْفِيَ ذَلِكَ مِنْ الْوَصِيِّ وَلَهُ أَنْ يُضَمِّنَ الْوَرَثَةَ حِصَّتَهُ مِنْ الْعَبْدِ إنْ كَانُوا أَغْنِيَاءَ ؛ لِأَنَّهُمْ مُعْتِقُونَ لَهُ وَأَحَدُ الشَّرِيكَيْنِ إذَا أَعْتَقَ ، وَهُوَ مُوسِرٌ يَكُونُ ضَامِنًا لِنَصِيبِ شَرِيكِهِ وَالصِّبَا لَا يَنْفِي الْيَسَارَ فَلَا يَمْنَعُ وُجُوبَ ضَمَانِ الْعِتْقِ أَيْضًا وَقَدْ بَيَّنَّا فِي الْعَتَاقِ أَنَّ الرِّقَّ لَا يَمْنَعُ وُجُوبَ ضَمَانِ الْعِتْقِ فَالصِّبَى أَوْلَى ؛ لِأَنَّ الرِّقَّ يُنَافِي حَقِيقَةَ الْمِلْكِ وَالصِّبَا لَا يُنَافِيهِ ، وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُضَمِّنَ الْوَصِيَّ شَيْئًا ؛ لِأَنَّ الْوَصِيَّ نَائِبٌ عَنْ الْوَرَثَةِ بِمَنْزِلَةِ الْوَكِيلِ لَهُمْ بَعْدَ الْبُلُوغِ فَلَا يَكُونُ مُعْتِقًا وَإِنَّمَا يَجِبُ الضَّمَانُ عَلَى الْمُعْتِقِ ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ وَإِلَيْهِ الْمَرْجِعُ وَالْمَآبُ .
بَابُ مُكَاتَبَةِ الْأَمَةِ الْحَامِلِ ( قَالَ ) رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ : رَجُلٌ كَاتَبَ أَمَةً لَهُ حَامِلًا فَمَا فِي بَطْنِهَا دَاخِلٌ فِي كِتَابَتِهَا ذُكِرَ أَوْ لَمْ يُذْكَرْ كَمَا يَدْخُلُ فِي بَيْعِهَا ؛ لِأَنَّهُ جُزْءٌ مِنْهَا وَلِأَنَّهَا لَوْ حَبِلَتْ بَعْدَ الْكِتَابَةِ ، وَوَلَدَتْ كَانَ الْوَلَدُ دَاخِلًا فِي كِتَابَتِهَا فَإِذَا كَانَ مَوْجُودًا عِنْدَ الْعَقْدِ أَوْلَى فَإِنْ اسْتَثْنَى مَا فِي بَطْنِهَا لَمْ تَجُزْ الْكِتَابَةُ كَمَا لَوْ بَاعَهَا وَاسْتَثْنَى مَا فِي بَطْنِهَا وَهَذَا ؛ لِأَنَّهُ بِالِاسْتِثْنَاءِ يَشْتَرِطُ مَا فِي بَطْنِهَا لِنَفْسِهِ ، وَهُوَ شَرْطٌ فَاسِدٌ مُتَمَكِّنٌ فِي صُلْبِ الْعَقْدِ فَتَبْطُلُ بِهِ الْكِتَابَةُ كَمَا لَوْ اسْتَثْنَى وَطْأَهَا أَوْ خِدْمَتَهَا لِنَفْسِهِ .
وَإِنْ كَاتَبَ مَا فِي بَطْنِهَا دُونَهَا لَمْ يَجُزْ كَمَا لَوْ بَاعَ مَا فِي الْبَطْنِ وَهَذَا ؛ لِأَنَّ مَا فِي الْبَطْنِ بِمَنْزِلَةِ جُزْءٍ مِنْهَا فَلَا يَحْتَمِلُ الْكِتَابَةَ مَقْصُودًا وَلِأَنَّ الْكِتَابَةَ لَا تَتِمُّ إلَّا بِالْقَبُولِ وَالْقَبُولُ مِنْ الْجَنِينِ لَا يَتَحَقَّقُ وَلَيْسَ لِأَحَدٍ عَلَيْهِ وِلَايَةُ الْقَبُولِ الْأُمُّ وَغَيْرُهَا فِيهِ سَوَاءٌ ؛ لِأَنَّ الْقَابِلَ لَا يُمْكِنُ أَنْ يُجْعَلَ نَائِبًا فَإِنَّ نِيَابَةَ الْغَيْرِ شَرْعًا فِيمَا يَكُونُ مُتَصَوَّرًا مِنْ الْمَنُوبِ عَنْهُ وَإِنْ كَاتَبَهَا ، وَهِيَ حَامِلٌ فَوَلَدَتْ ، ثُمَّ مَاتَتْ سَعَى الْوَلَدُ فِي مُكَاتَبَتِهَا عَلَى نُجُومِهَا ؛ لِأَنَّهُ جُزْءٌ مِنْهَا انْفَصَلَ بَعْدَ ثُبُوتِ حُكْمِ الْكِتَابَةِ فِيهَا وَالنُّجُومُ تَبْقَى بِبَقَاءِ مِثْلِ هَذَا الْجُزْءِ وَإِنْ كَانَ عَلَيْهَا دَيْنٌ سَعَى فِيهِ أَيْضًا ؛ لِأَنَّ هَذَا الْجُزْءَ قَائِمٌ مَقَامَهَا ، وَهِيَ فِي حَيَاتِهَا كَانَتْ تَسْعَى فِي الدَّيْنِ وَالْكِتَابَةِ جَمِيعًا فَإِنْ أَدَّى الْوَلَدُ الْمُكَاتَبَةَ قَبْلَ الدَّيْنِ عَتَقَ وَأَخَذَهُ الْغُرَمَاءُ بِالدَّيْنِ حَتَّى يَسْعَى لَهُمْ فِيهِ اسْتِحْسَانًا .
وَفِي الْقِيَاسِ لَا يَعْتِقُ ؛ لِأَنَّ كَسْبَ الْوَلَدِ فِيمَا يَرْجِعُ إلَى حَاجَتِهَا كَكَسْبِهَا وَإِنَّمَا يَبْدَأُ مِنْ كَسْبِهَا بِالدَّيْنِ قَبْلَ الْكِتَابَةِ ؛ لِأَنَّ
الدَّيْنَ أَقْوَى مِنْ الْكِتَابَةِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَا يَسْقُطُ عَنْهَا بِالْعَجْزِ وَلَكِنَّهُ اسْتَحْسَنَ فَقَالَ الْوَلَدُ قَائِمٌ مَقَامَهَا ، وَهِيَ فِي حَيَاتِهَا لَوْ أَدَّتْ الْكِتَابَةَ قَبْلَ الدَّيْنِ عَتَقَتْ وَكَانَ لِلْغُرَمَاءِ أَنْ يُطَالِبُوهَا بِالدَّيْنِ فَكَذَلِكَ الْوَلَدُ إذَا أَدَّى وَهَذَا ؛ لِأَنَّ ذِمَّةَ الْوَلَدِ خَلَفٌ عَنْ ذِمَّتِهَا وَلِهَذَا بَقِيَتْ النُّجُومُ بِبَقَاءِ الْوَلَدِ فَهُمَا دَيْنَانِ فِي ذِمَّتِهِ فَإِذَا قَضَى أَحَدَهُمَا مِنْ كَسْبِهِ صَحَّ قَضَاؤُهُ وَلَا سَبِيلَ لِلْغُرَمَاءِ عَلَى مَا أَخَذَهُ الْمَوْلَى ؛ لِأَنَّ حَقَّهُمْ فِي ذِمَّتِهِ فَيُطَالِبُونَهُ بِأَنْ يَسْعَى لَهُمْ كَمَا لَوْ كَانَتْ هِيَ الَّتِي أَدَّتْ الْكِتَابَةَ فِي حَيَاتِهَا .
وَإِنْ عَجَزَ عَنْ الْمُكَاتَبَةِ رَدَّهُ الْقَاضِي رَقِيقًا وَبِيعَ فِي الدَّيْنِ لِلْغُرَمَاءِ كَمَا لَوْ عَجَزَتْ هِيَ فِي حَيَاتِهَا وَهَذَا ؛ لِأَنَّ الدَّيْنَ ثَابِتٌ فِي ذِمَّتِهِ وَالدَّيْنُ فِي ذِمَّةِ الرَّقِيقِ يَثْبُتُ مُتَعَلِّقًا بِمَالِيَّةِ الرَّقَبَةِ فَيُبَاعُ فِيهِ وَإِنْ كَانَ الْمَوْلَى قَدْ قَبَضَ مِنْهُ شَيْئًا مِنْ الْمَالِ فَهُوَ سَالِمٌ لَهُ كَمَا لَوْ كَانَ أَخَذَ مِنْهَا فِي حَيَاتِهَا وَهَذَا ؛ لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ غَرِيمٍ مِنْ الْغُرَمَاءِ وَلِلْمُكَاتَبِ أَنْ يَقْضِيَ بَعْضَ غُرَمَائِهِ وَيُسَلِّمَ الْمَقْبُوضَ لِلْقَابِضِ عَتَقَ الْمُكَاتَبُ أَوْ عَجَزَ ؛ لِأَنَّهُ فِي قَضَاءِ الدَّيْنِ بِكَسْبِهِ كَالْحُرِّ وَإِذَا قُتِلَ الْوَلَدُ خَطَأً أُخِذَتْ الدِّيَةُ مِنْ عَاقِلَةِ الْقَاتِلِ فَيَبْدَأُ مِنْهَا بِقَضَاءِ الدَّيْنِ ؛ لِأَنَّ بَدَلَ نَفْسِ الْوَلَدِ بِمَنْزِلَةِ كَسْبِهِ وَذَلِكَ فِي حَاجَتِهَا بِمَنْزِلَةِ مَالِهَا فَيَبْدَأُ مِنْهُ بِقَضَاءِ الدَّيْنِ ، ثُمَّ بِالْكِتَابَةِ ؛ لِأَنَّ الذِّمَّةَ لَمَّا خَرِبَتْ تَعَلَّقَتْ الْحُقُوقُ بِالْمَالِ فَيُبْدَأُ بِالْأَقْوَى ، وَالدَّيْنُ أَقْوَى مِنْ الْكِتَابَةِ ، ثُمَّ تُقْضَى الْكِتَابَةُ بَعْدَ ذَلِكَ وَالْبَاقِي يَكُونُ لِوَرَثَةِ الِابْنِ دُونَ وَرَثَةِ الْأُمِّ ؛ لِأَنَّهُ يُحْكَمُ بِعِتْقِهَا وَعِتْقِ الْوَلَدِ بِأَدَاءِ الْمُكَاتَبَةِ وَلَا حَقَّ لَهَا فِيمَا كَانَ فَاضِلًا
عَنْ حَاجَتِهَا مِنْ بَدَلِ نَفْسِ الْوَلَدِ وَكَسْبِهِ أَلَا تَرَى أَنَّ الْوَلَدَ لَوْ كَانَ حَيًّا كَانَ الْفَضْلُ سَالِمًا لَهُ فَكَذَا يُسَلَّمُ لِوَرَثَتِهِ بَعْدَ مَوْتِهِ وَيَسْتَوِي إنْ كَاتَبَهَا ، وَهِيَ حَامِلٌ أَوْ وَلَدَتْ فِي كِتَابَتِهَا وَإِنْ مَاتَتْ الْأُمُّ وَتَرَكَتْ مَالًا وَفَاءً بِالدَّيْنِ الَّذِي عَلَيْهَا فَقَبَضَ الْمَوْلَى ذَلِكَ مِنْ الْكِتَابَةِ تَعْتِقُ الْأُمُّ وَالْوَلَدُ إذَا كَانَ الْوَلَدُ هُوَ الَّذِي أَدَّى إلَيْهِ ؛ لِأَنَّهُ خَلَفٌ عَنْهَا فَأَدَاؤُهُ كَأَدَائِهَا إلَّا أَنَّ الْغُرَمَاءَ أَحَقُّ بِذَلِكَ الْمَالِ يَأْخُذُونَهُ مِنْ الْمَوْلَى ؛ لِأَنَّ حَقَّهُمْ تَعَلَّقَ بِمَالِهَا بَعْدَ الْمَوْتِ كَمَا يَتَعَلَّقُ حَقُّ غُرَمَاءِ الْحُرِّ بِمَالِهِ بَعْدَ مَوْتِهِ وَحَقُّهُمْ أَقْوَى مِنْ حَقِّ الْمَوْلَى وَلَيْسَ لِلِابْنِ وِلَايَةُ إبْطَالِ حَقِّهِمْ فَلِهَذَا أَخَذُوا الْمَالَ مِنْهُ ، ثُمَّ يَرْجِعُ هُوَ عَلَى الِابْنِ بِبَدَلِ الْكِتَابَةِ وَلَكِنْ لَا يَبْطُلُ الْعِتْقُ كَمَا لَوْ اسْتَحَقَّ الْمَقْبُوضُ مِنْ الْبَدَلِ وَهَذَا بِخِلَافِ مَا إذَا لَمْ تَتْرُكْ مَالًا وَأَدَّى الْوَلَدُ الْكِتَابَةَ مِنْ كَسْبِهِ ؛ لِأَنَّ هُنَاكَ حَقَّ الْغُرَمَاءِ فِي ذِمَّتِهِ كَحَقِّ الْمَوْلَى ، وَهُوَ مُكَاتَبٌ قَائِمٌ مَقَامَ الْأُمِّ فَيَمْلِكُ تَخْصِيصَ بَعْضِ الْغُرَمَاءِ بِقَضَاءِ الدَّيْنِ مِنْ كَسْبِهِ .
وَإِنْ كَانَ الْمَوْلَى هُوَ الَّذِي قَبَضَ مَالَهَا مِنْ غَيْرِ أَدَاءِ الْوَلَدِ إلَيْهِ لَمْ يَعْتِقُ ؛ لِأَنَّ هَذَا مَالُ الْغُرَمَاءِ فَالْمَوْلَى غَاصِبٌ فِي أَخْذِهِ لَا مُسْتَوْفٍ لِبَدَلِ الْكِتَابَةِ بِخِلَافِ مَا إذَا أَدَّى الْوَلَدُ ؛ لِأَنَّهُ يَكُونُ مُؤَدِّيًا بَدَلَ الْكِتَابَةِ بِمَالٍ هُوَ حَقُّ غَيْرِهِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ كَانَ فِي يَدِهَا مَالٌ مَغْصُوبٌ لِإِنْسَانِ فَغَصَبَ الْمَوْلَى ذَلِكَ مِنْهَا لَمْ تَعْتِقْ وَلَوْ أَدَّتْ إلَيْهِ بِجِهَةِ الْكِتَابَةِ عَتَقَتْ فَكَذَلِكَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَإِنْ كَانَ الْقَاضِي دَفَعَهُ إلَيْهِ ، وَهُوَ لَا يَعْلَمُ أَنَّ عَلَيْهَا دَيْنًا فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ الْبَابِ الْأَوَّلِ تَعْتِقُ هِيَ وَوَلَدُهَا ؛ لِأَنَّ أَدَاءَ الْقَاضِي كَأَدَاءِ الْوَلَدِ
أَوْ أَقْوَى مِنْهُ ؛ لِأَنَّ الْقَاضِي لَهُ وِلَايَةُ قَضَاءِ دَيْنِ الْمَيِّتِ مِنْ مَالِهِ كَمَا يَكُونُ لِمَنْ يَخْلُفُهُ ذَلِكَ .
وَإِنْ أَعْتَقَ الْمَوْلَى وَلَدَهَا فِي حَيَاتِهَا عَتَقَ وَلَمْ يُرْفَعْ عَنْهَا شَيْءٌ مِنْ الْكِتَابَةِ ؛ لِأَنَّهُ تَبَعٌ مَحْضٌ لَا يُقَابِلُهُ شَيْءٌ مِنْ الْبَدَلِ إذَا لَمْ يَكُنْ مِنْ أَهْلِ الْقَبُولِ وَقْتَ عَقْدِ الْكِتَابَةِ فَهُوَ كَالْوَلَدِ الْمَوْلُودِ فِي الْكِتَابَةِ ، وَإِنْ مَاتَتْ وَلَمْ تَتْرُكْ مَالًا فَأَعْتَقَ الْمَوْلَى الْوَلَدَ جَازَ الْعِتْقُ ؛ لِأَنَّهُ قَائِمٌ مَقَامَهَا وَلَوْ أَعْتَقَهَا الْمَوْلَى جَازَ الْعِتْقُ وَإِنْ كَانَ عَلَيْهَا دَيْنٌ وَبَقِيَ حَقُّ الْغُرَمَاءِ فِي ذِمَّتِهَا فَكَذَلِكَ إذَا أَعْتَقَ وَلَدَهَا وَهَذَا ؛ لِأَنَّ حَقَّ غُرَمَائِهَا لَا يَتَعَلَّقُ بِذِمَّةِ الْوَلَدِ مَا بَقِيَتْ الْكِتَابَةُ إنَّمَا يَتَعَلَّقُ بِالْكَسْبِ ، وَبِالْعِتْقِ لَا يَفُوتُ شَيْءٌ مِنْ مَحَلِّ حَقِّهِمْ فَلَا يَمْنَعُ نُفُوذَ الْعِتْقِ مِنْ الْمَوْلَى وَلَا يَفُوتُ الْغُرَمَاءَ شَيْءٌ مِنْ مَحِلِّ حَقِّهِمْ وَلَا يَضْمَنُ لِلْغُرَمَاءِ شَيْئًا وَلَكِنَّ الْوَلَدَ يَسْعَى لَهُمْ فِي الدَّيْنِ كَمَا كَانَ يَفْعَلُهُ قَبْلَ الْعِتْقِ .
رَجُلٌ كَاتَبَ أُمَّتَهُ ، وَهِيَ حُبْلَى أَوْ حَبِلَتْ مِنْ بَعْدُ ، ثُمَّ أَعْتَقَ نِصْفَهَا قَبْلَ أَنْ تَلِدَ عَتَقَ مِنْ الْوَلَدِ مِثْلُ ذَلِكَ ؛ لِأَنَّ الْجَنِينَ تَبَعٌ لَهَا وَثُبُوتُ الْحُكْمِ فِي التَّبَعِ بِثُبُوتِهِ فِي الْأَصْلِ فَلِهَذَا يَعْتِقُ مِنْهُ بِقَدْرِ مَا عَتَقَ مِنْهَا ، وَهِيَ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَتْ سَعَتْ فِي نِصْفِ الْمُكَاتَبَةِ .
وَإِنْ شَاءَتْ سَعَتْ فِي نِصْفِ الْقِيمَةِ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى ؛ لِأَنَّ الْعِتْقَ عِنْدَهُ يَتَجَزَّأُ وَقَدْ تَلْقَاهَا جِهَتَا حُرِّيَّةِ الْكِتَابَةِ وَالسِّعَايَةِ فَتَخْتَارُ أَيَّتَهُمَا شَاءَتْ فَإِنْ مَاتَتْ بَعْدَ مَا وَلَدَتْ يَسْعَى الْوَلَدُ فِيمَا عَلَى أُمِّهِ ؛ لِأَنَّهَا بِمَنْزِلَةِ الْمُكَاتَبَةِ سَوَاءٌ اخْتَارَتْ السِّعَايَةَ فِي نِصْفِ الْمُكَاتَبَةِ أَوْ نِصْفِ الْقِيمَةِ ، وَالْوَلَدُ مَوْلُودٌ فِي كِتَابَتِهَا فَيَسْعَى فِيمَا عَلَيْهَا وَلَا يَسْعَى فِي شَيْءٍ مِنْ قِيمَةِ نَفْسِهِ ؛ لِأَنَّ ثُبُوتَ الْعِتْقِ فِي نِصْفِهِ بِطَرِيقِ التَّبَعِيَّةِ لِلْأُمِّ فَلَا يَنْقَلِبُ مَقْصُودًا فِيمَا كَانَ فِيهِ تَبَعًا وَإِنْ كَانَ عَلَيْهَا دَيْنٌ يَسْعَى الْوَلَدُ فِي جَمِيعِ الدَّيْنِ أَيْضًا ؛ لِأَنَّهُ قَائِمٌ مَقَامَهَا فِيمَا كَانَ عَلَيْهَا مِنْ الدَّيْنِ وَالْكِتَابَةِ وَهَذَا ؛ لِأَنَّهُ لَا يَعْتِقُ إلَّا بِعِتْقِهَا فَكَانَ هَذَا وَالْوَلَدُ الْمَوْلُودُ فِي الْكِتَابَةِ سَوَاءٌ وَإِنْ أَعْتَقَهُ الْمَوْلَى لَمْ يَبْطُلْ عَنْهُ الدَّيْنُ ؛ لِأَنَّ الدَّيْنَ قَدْ ثَبَتَ فِي ذِمَّتِهِ عَلَى أَنْ يُؤَدِّيَ مِنْ سِعَايَتِهِ بِاعْتِبَارِ خِلَافَتِهِ عَنْهَا فَلَا يَبْطُلُ بِإِعْتَاقِ الْمَوْلَى إيَّاهُ كَمَا لَا يَبْطُلُ بِإِعْتَاقِ الْمَوْلَى إيَّاهَا وَإِنْ كَانَ هَذَا الْوَلَدُ جَارِيَةً فَعَلِقَتْ مِنْ الْمَوْلَى ، ثُمَّ مَاتَ الْمَوْلَى عَتَقَتْ بِجِهَةِ الِاسْتِيلَادِ ؛ لِأَنَّهَا كَانَتْ كَالْمُكَاتَبَةِ لِلْمَوْلَى وَسَعَتْ فِي الدَّيْنِ الَّذِي عَلَى أُمِّهَا كَمَا لَوْ كَانَ الْمَوْلَى أَعْتَقَهَا فِي حَيَاتِهِ وَلَمْ تَسْعَ فِي الْمُكَاتَبَةِ ؛ لِأَنَّ سِعَايَتَهَا فِي الْمُكَاتَبَةِ كَانَ لِتَحْصِيلِ الْعِتْقِ لِنَفْسِهَا وَقَدْ
عَتَقَتْ وَلِأَنَّ الْمَوْلَى بِإِعْتَاقِهِ إيَّاهَا بَعْدَ مَوْتِ الْأُمِّ يَصِيرُ مُبَرِّئًا لَهَا عَنْ بَدَلِ الْكِتَابَةِ .
أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ أَعْتَقَ أُمَّهَا فِي حَيَاتِهَا كَانَ مُبَرِّئًا لَهَا عَنْ بَدَلِ الْكِتَابَةِ فَكَذَلِكَ الْوَلَدُ وَيَسْتَوِي إنْ أَعْتَقَهَا قَصْدًا أَوْ بِالِاسْتِيلَادِ .
وَإِذَا كَاتَبَ الرَّجُلُ أَمَةً فَوَلَدَتْ وَلَدًا فَجَنَى عَلَى الْوَلَدِ جِنَايَةً أَوْ اكْتَسَبَ مَالًا فَجَمِيعُ ذَلِكَ لِلْأُمِّ ؛ لِأَنَّهُ تَابِعٌ لَهَا فِي الْكِتَابَةِ فَكَسْبُهُ وَأَرْشُ طَرَفِهِ لَهَا وَلَيْسَ لِلْوَلَدِ أَنْ يَمْنَعَ شَيْئًا مِنْهَا وَإِنْ كَانَ كَبِيرًا فَإِنْ عَتَقَا ، ثُمَّ مَاتَتْ الْأُمُّ فَذَلِكَ مِيرَاثٌ عَنْهَا سَوَاءٌ كَانَتْ أَخَذَتْ مِنْهُ أَوْ لَمْ تَأْخُذْ بِخِلَافِ مَا يَكْتَسِبُهُ الْوَلَدُ بَعْدَ مَوْتِهَا وَهَذَا ؛ لِأَنَّ حَالَ بَقَاءِ الْأَصْلِ لَا عِبْرَةَ لِلتَّبَعِ فَكَانَ كَسْبُ الْوَلَدِ كَكَسْبِهَا وَلَوْ اكْتَسَبَتْ ، ثُمَّ عَتَقَتْ وَمَاتَتْ كَانَ كَسْبُهَا مِيرَاثًا عَنْهَا سَوَاءٌ كَانَ فِي يَدِهَا أَوْ فِي يَدِ غَيْرِهَا فَكَذَلِكَ كَسْبُ وَلَدِهَا فَأَمَّا بَعْدَ الْمَوْتِ فَاتَ مَا هُوَ الْأَصْلُ وَلَكِنْ بَقِيَ الْوَلَدُ خَلَفًا عَنْهَا فِيمَا كَانَ مِنْ حَاجَتِهَا وَحَاجَتُهَا إلَى أَدَاءِ الْبَدَلِ لِتَعْتِقَ بِهِ فَلِهَذَا كَانَ مَا وَرَاءَ ذَلِكَ مِنْ كَسْبِ الْوَلَدِ لَهُ وَإِنْ مَاتَ الْوَلَدُ بَعْدَ الْعِتْقِ مِنْ تِلْكَ الْجِرَاحَةِ كَانَ جَمِيعُ قِيمَتِهِ لِلْأُمِّ ؛ لِأَنَّ الْجَانِيَ صَارَ قَاتِلًا لَهُ فَإِنَّ بِالْعِتْقِ لَا تَنْقَطِعُ السِّرَايَةُ هُنَا حِينَ لَمْ يَتَبَدَّلْ الْمُسْتَحَقُّ وَإِذَا صَارَ قَاتِلًا لَهُ ، وَهُوَ مُكَاتَبٌ وَقْتَ جِنَايَتِهِ فَيَكُونُ الْوَاجِبُ عَلَيْهِ الْقِيمَةَ وَيَكُونُ ذَلِكَ سَالِمًا لِلْأُمِّ .
وَإِنْ مَاتَ الْوَلَدُ عَنْ مَالٍ وَوَرَثَةٍ أَحْرَارٍ ، ثُمَّ مَاتَتْ الْأُمُّ قَبْلَ أَنْ تَأْخُذَهُ وَلَمْ تَتْرُكْ شَيْئًا فَذَلِكَ الْمَالُ مَالُهَا ؛ لِأَنَّ سَبَبَ الِاسْتِحْقَاقِ تَمَّ لَهَا فِي حَيَاتِهَا فَلَا يَبْطُلُ حَقُّهَا بِمَوْتِهَا وَلَكِنَّ الْقِيمَةَ مَالُهَا وَيَأْخُذُ الْمَوْلَى مِنْهُ الْمُكَاتَبَةَ وَالْبَاقِي مِيرَاثٌ عَنْهَا وَيَجُوزُ لِوَلَدِ الْمُكَاتَبَةِ أَنْ يَبِيعَ وَيَشْتَرِيَ ؛ لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ أُمِّهِ مُكَاتَبَ فَيَمْلِكُ التَّصَرُّفَ وَإِنْ كَانَ كَسْبُهُ لَهَا بِحُكْمِ التَّبَعِيَّةِ فِي الْكِتَابَةِ فَإِنْ لَحِقَهُ دَيْنٌ ، ثُمَّ مَاتَتْ الْأُمُّ سَعَى فِي جَمِيعِ ذَلِكَ كَمَا كَانَ يَسْعَى فِي حَيَاتِهَا فَإِنْ
اكْتَسَبَ مَالًا قَضَى مِنْهُ الدَّيْنَ الَّذِي عَلَيْهِ وَعَلَى أُمِّهِ وَسَعَى فِي الْكِتَابَةِ ؛ لِأَنَّهُ مَعَ لُحُوقِ الدَّيْنِ إيَّاهُ ، هُوَ قَائِمٌ مَقَامَ الْأُمِّ بَعْدَ مَوْتِهَا فَيَسْعَى فِي جَمِيعِ مَا عَلَيْهَا وَإِنْ مَاتَ بُدِئَ بِدَيْنِهِ ؛ لِأَنَّ دَيْنَهُ فِي ذِمَّتِهِ أَقْوَى مِنْ حَيْثُ إنَّهُ أَسْبَقُ تَعَلُّقًا وَأَنَّهُ أَصِيلٌ فِيهِ لِمُبَاشَرَةِ سَبَبِهِ فَيُبْدَأُ مِنْ كَسْبِهِ بِدَيْنِهِ ، ثُمَّ بِدَيْنِ أُمِّهِ .
أَلَا تَرَى أَنَّ الْمُكَاتَبَةَ لَوْ أَذِنَتْ لِعَبْدِهَا فِي التِّجَارَةِ فَلَحِقَهُ دَيْنٌ ، ثُمَّ مَاتَتْ كَانَ غُرَمَاءُ الْعَبْدِ أَحَقَّ بِمَالِيَّةِ الرَّقَبَةِ مِنْ غُرَمَائِهَا فَكَذَلِكَ الْوَلَدُ وَهَذَا ؛ لِأَنَّ كَسْبَهُ لَهَا بَعْدَ مَا يَفْرُغُ مِنْ حَاجَتِهِ فَإِنَّ حَاجَةَ الْمُكْتَسِبِ فِي كَسْبِهِ مُقَدَّمٌ عَلَى حَاجَةِ غَيْرِهِ .
مُكَاتَبَةٌ وَلَدَتْ بِنْتًا فَكَبِرَتْ وَارْتَدَّتْ وَلَحِقَتْ بِالدَّارِ ، ثُمَّ أُسِرَتْ لَمْ تَكُنْ فَيْئًا ؛ لِأَنَّهَا مُكَاتَبَةٌ تَبَعٌ لِأُمِّهَا وَالْمُكَاتَبَةُ لَا تُمْلَكُ بِالْأَسْرِ فَتُحْبَسُ حَتَّى تَتُوبَ أَوْ تَمُوتَ كَمَا لَوْ كَانَتْ الْأُمُّ هِيَ الَّتِي فَعَلَتْ ذَلِكَ وَبِهَذَا وَنَحْوِهِ يَتَبَيَّنُ فَسَادُ قَوْلِ مَنْ يَقُولُ مِنْ أَصْحَابِنَا : إنَّ أَحَدًا لَا يَتَكَاتَبُ عَلَى أَحَدٍ فَإِنَّ الِابْنَةَ لَوْ لَمْ تَصِرْ مُكَاتَبَةً حَقِيقَةً لَصَارَتْ فَيْئًا بِالْأَسْرِ فَإِنْ مَاتَتْ الْمُكَاتَبَةُ عَنْ غَيْرِ وَفَاءٍ فَإِنَّ الْقَاضِيَ يُخْرِجُ الِابْنَةَ مِنْ الْحَبْسِ حَتَّى تَسْعَى فِيمَا عَلَى أُمِّهَا ؛ لِأَنَّ حَبْسَهَا لِحَقِّ الشَّرْعِ ، وَحَقُّ الْأَمَةِ وَالْمَوْلَى فِيهَا ، وَفِي سِعَايَتِهَا مُقَدَّمٌ عَلَى حَقِّ الشَّرْعِ .
أَلَا تَرَى أَنَّ الْأَمَةَ إذَا ارْتَدَّتْ لَمْ تُحْبَسْ وَلَكِنَّهَا تُدْفَعُ إلَى الْمَوْلَى يَسْتَخْدِمُهَا وَيَحْبِسُهَا فَكَذَلِكَ الِابْنَةُ هُنَا تَخْرُجُ لِتَسْعَى فِيمَا عَلَى أُمِّهَا مُكَاتَبَةٌ وَلَدَتْ وَلَدًا ، ثُمَّ قَتَلَهَا الْوَلَدُ فَقَتْلُهَا بِمَنْزِلَةِ مَوْتِهَا وَلَيْسَ عَلَيْهِ مِنْ جِنَايَتِهِ شَيْءٌ ؛ لِأَنَّهُ جُزْءٌ مِنْهَا فَكَأَنَّهَا جَنَتْ عَلَى نَفْسِهَا وَلِأَنَّهُ لَوْ جَنَى عَلَى غَيْرِهَا كَانَ مُوجِبُ جِنَايَتِهِ فِي كَسْبِهِ وَكَسْبُهُ لَهَا فَلَوْ وَجَبَ لَهَا بِجِنَايَتِهِ شَيْءٌ إنَّمَا يَجِبُ فِيمَا هُوَ مِنْ حَقِّهَا فَلَا يَكُونُ مُفِيدًا وَإِنْ جَنَتْ الْأُمُّ جِنَايَةً عَلَى إنْسَانٍ ، ثُمَّ مَاتَتْ قَبْلَ أَنْ يُقْضَى عَلَيْهَا بِشَيْءٍ سَعَى الْوَلَدُ فِي الْجِنَايَةِ وَالْكِتَابَةِ ؛ لِأَنَّهُ قَائِمٌ مَقَامَهَا ، وَهِيَ فِي حَيَاتِهَا كَانَتْ تَسْعَى فِيهَا فَإِنْ عَجَزَ نُظِرَ فَإِنْ كَانَ الْقَاضِي قَضَى لِوَلِيِّ الْجِنَايَةِ بِالْقِيمَةِ فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ الدَّيْنِ عَلَى الْوَلَدِ يُبَاعُ فِيهِ وَإِنْ كَانَ الْقَاضِي لَمْ يَقْضِ لِوَلِيِّ الْجِنَايَةِ بِشَيْءٍ بَطَلَتْ الْجِنَايَةُ بِعَجْزِهِ كَمَا لَوْ عَجَزَتْ فِي حَالِ حَيَاتِهَا قَبْلَ قَضَاءِ الْقَاضِي ، ثُمَّ مَاتَتْ وَهَذَا ؛ لِأَنَّ حَقَّ وَلِيِّ الْجِنَايَةِ فِي رَقَبَتِهَا وَإِنَّمَا
يَصِيرُ دَيْنًا فِي ذِمَّتِهَا بِقَضَاءِ الْقَاضِي فَإِذَا مَاتَتْ قَبْلَ الْقَضَاءِ بَطَلَ حَقُّهُ لِفَوَاتِ مَحِلِّهِ فَكَذَلِكَ هُنَا ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ .
بَابُ مُكَاتَبَةِ الرَّجُلَيْنِ .
( قَالَ ) : وَإِذَا كَاتَبَ الرَّجُلَانِ عَبْدَهُمَا مُكَاتَبَةً وَاحِدَةً فَأَدَّى إلَى أَحَدِهِمَا حِصَّتَهُ لَمْ يَعْتِقْ نَصِيبَهُ مِنْهُ مَا لَمْ يُؤَدِّ جَمِيعَ الْمُكَاتَبَةِ إلَيْهِمَا ؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ وَاحِدٌ فِي حَقِّ الْمُكَاتَبِ فَلَا يَعْتِقُ شَيْءٌ مِنْهُ بِأَدَاءِ بَعْضِ الْبَدَلِ كَمَا لَوْ كَانَ لِرَجُلٍ وَاحِدٍ وَهَذَا ؛ لِأَنَّ الْمَقْبُوضَ غَيْرُ سَالِمٍ لِلْقَابِضِ بَلْ لِشَرِيكِهِ أَنْ يَسْتَوْفِيَ مِنْهُ نِصْفَهُ ؛ لِأَنَّهُ مَالٌ وَجَبَ لَهُمَا بِسَبَبٍ وَاحِدٍ عِوَضًا عَمَّا هُوَ مُشْتَرَكٌ بَيْنَهُمَا فَكَانَ أَدَاؤُهُ إلَى أَحَدِهِمَا كَأَدَائِهِ إلَيْهِمَا وَإِنْ أَعْتَقَهُ أَحَدُهُمَا جَازَ ؛ لِأَنَّهُ مَالِكٌ لِنَصِيبِهِ مُتَمَكِّنٌ مِنْ إعْتَاقِهِ بَعْدَ الْكِتَابَةِ كَمَا كَانَ مُتَمَكِّنًا مِنْهُ قَبْلَ ذَلِكَ وَكَذَلِكَ إنْ وَهَبَ لَهُ نَصِيبَهُ مِنْ الْمُكَاتَبَةِ أَوْ أَبْرَأَهُ عَنْهُ عَتَقَ ؛ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ مَالِكًا لِجَمِيعِهِ كَانَ مُعْتِقًا لَهُ بِإِبْرَائِهِ عَنْ جَمِيعِ الْبَدَلِ فَكَذَلِكَ إذَا كَانَ مَالِكًا لِبَعْضِهِ كَانَ مُعْتِقًا لِحِصَّتِهِ بِإِبْرَائِهِ إيَّاهُ عَنْ حِصَّتِهِ مِنْ الْبَدَلِ بِمَنْزِلَةِ مَا لَوْ قَالَ لَهُ أَنْتَ حُرٌّ بِخِلَافِ مَا لَوْ اسْتَوْفَى حِصَّتَهُ وَهَذَا ؛ لِأَنَّ مَا أَسْقَطَ بِالْهِبَةِ وَالْإِبْرَاءِ نَصِيبُهُ خَاصَّةً فَيَتَحَقَّقُ بِهِ بَرَاءَةُ ذِمَّةِ الْمُكَاتَبِ عَنْ نَصِيبِهِ فَأَمَّا الْمُسْتَوْفِي لَيْسَ بِنَصِيبِهِ خَاصَّةً حَتَّى كَانَ لِشَرِيكِهِ أَنْ يُشَارِكَهُ فَلَا يَتِمُّ بَرَاءَةُ ذِمَّتِهِ عَنْ نَصِيبِهِ بِهَذَا الِاسْتِيفَاءِ وَكَذَلِكَ إنْ سَلَّمَ الشَّرِيكُ لِلْقَابِضِ مَا قَبَضَ أَوْ كَانَ قَبَضَ نَصِيبَهُ بِإِذْنِ شَرِيكِهِ ؛ لِأَنَّهُ لَا يَتِمُّ سَلَامَةُ الْمَقْبُوضِ لَهُ بِهَذَا أَيْضًا حَتَّى لَوْ عَجَزَ الْغُلَامُ كَانَ الْمَأْخُوذُ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ وَهَذَا ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا سَلَّمَ الْمَقْبُوضَ بِشَرْطِ أَنْ يُسَلِّمَ لَهُ مَا فِي ذِمَّةِ الْمُكَاتَبِ فَإِذَا فَاتَ شَرْطُهُ بِالْعَجْزِ رَجَعَ بِنِصْفِ مَا قَبَضَ كَالْمُحَالِ عَلَيْهِ إذَا مَاتَ مُفْلِسًا يَعُودُ الدَّيْنُ إلَى ذِمَّةِ الْمُحِيلِ ،
ثُمَّ الْمُكَاتَبُ بِالْخِيَارِ بَعْدَ إعْتَاقِ أَحَدِهِمَا إيَّاهُ إنْ شَاءَ عَجَزَ وَيَكُونُ الشَّرِيكُ بِالْخِيَارِ بَيْنَ التَّضْمِينِ وَالسِّعَايَةِ فِي نِصْفِ الْقِيمَةِ وَالْعِتْقِ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى .
وَبَيْنَ الْعِتْقِ وَالسِّعَايَةِ إنْ كَانَ الْمُعْتَقُ مُعْسِرًا ؛ لِأَنَّهُ بِتَعْجِيزِهِ نَفْسَهُ انْفَسَخَتْ الْكِتَابَةُ فَيَكُونُ حُكْمُهُ حُكْمَ عَبْدٍ مُشْتَرَكٍ بَيْنَ اثْنَيْنِ يُعْتِقُهُ أَحَدُهُمَا وَعَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ يَضْمَنُ الْمُعْتِقُ نِصْفَ قِيمَتِهِ إنْ كَانَ مُوسِرًا وَيَسْعَى الْعَبْدُ فِي نِصْفِ قِيمَتِهِ إنْ كَانَ مُعْسِرًا كَمَا هُوَ مَذْهَبُهُ فِي الْعَبْدِ الْمُشْتَرَكِ ، وَعَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى يَضْمَنُ الْأَقَلَّ مِنْ نِصْفِ الْقِيمَةِ وَنِصْفِ مَا بَقِيَ مِنْ الْكِتَابَةِ وَكَذَلِكَ يَسْعَى الْعَبْدُ فِي الْأَقَلِّ عِنْدَ عُسْرَةِ الْمُعْتِقِ ؛ لِأَنَّ وُجُوبَ الضَّمَانِ وَالسِّعَايَةِ لِدَفْعِ الضَّرَرِ عَنْ الشَّرِيكِ وَيَنْدَفِعُ الضَّرَرُ عَنْهُ بِإِيجَابِ الْأَقَلِّ كَأَنَّ حَقَّهُ وَقْتَ الْإِعْتَاقِ كَانَ فِي الْأَقَلِّ .
أَلَا تَرَى أَنَّهُ يُعْتِقُ نَصِيبَهُ بِاتِّصَالِ ذَلِكَ إلَيْهِ وَالضَّرَرُ يَنْدَفِعُ عَنْهُ بِاتِّصَالِ حَقِّهِ إلَيْهِ وَأَبُو يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى يَقُولُ اعْتِبَارُ الْأَقَلِّ بِحُكْمِ بَقَاءِ الْكِتَابَةِ وَحِينَ عَجَزَ نَفْسُهُ فَقَدْ انْفَسَخَتْ الْكِتَابَةُ فَكَانَ حَقُّ السَّاكِتِ فِي نِصْفِ الْعَبْدِ عَيْنًا وَلَا يَنْدَفِعُ الضَّرَرُ عَنْهُ إلَّا بِاتِّصَالِ نِصْفِ الْقِيمَةِ إلَيْهِ وَلَا مَعْنَى لِاعْتِبَارِ الْأَقَلِّ بَعْدَ ذَلِكَ ، وَإِنْ اخْتَارَ الْمُضِيَّ عَلَى الْمُكَاتَبَةِ ، ثُمَّ مَاتَ عَنْ مَالٍ كَثِيرٍ أَخَذَ الْمَوْلَى الَّذِي لَمْ يُعْتِقْ نِصْفَ الْمُكَاتَبَةِ مِنْ مَالِهِ كَمَا كَانَ يُطَالِبُهُ بِهِ فِي حَيَاتِهِ ، ثُمَّ الْبَاقِي بَعْدَ ذَلِكَ لِوَرَثَتِهِ .
وَإِذَا كَاتَبَ الرَّجُلَانِ عَبْدَيْنِ بَيْنَهُمَا مُكَاتَبَةً وَاحِدَةً إنْ أَدَّيَا عَتَقَا وَإِنْ عَجَزَا رُدَّا فَإِنَّهُ يَكُونُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مُكَاتَبًا بَيْنَهُمَا عَلَى حِدَةٍ بِحِصَّتِهِ وَذَلِكَ بِأَنْ يُقَسَّمَ الْمُسَمَّى عَلَى قِيمَتِهِمَا فَيَكُونُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مُكَاتَبًا بِحِصَّتِهِ وَإِذَا أَدَّى أَحَدُهُمَا حِصَّتَهُ إلَيْهِمَا عَتَقَ بِخِلَافِ مَا لَوْ كَانَا لِرَجُلٍ وَاحِدٍ ؛ لِأَنَّ هُنَاكَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يُمْكِنُ أَنْ يُجْعَلَ مُلْتَزِمًا لِجَمِيعِ الْبَدَلِ ، الْبَعْضُ بِطَرِيقِ الْأَصَالَةِ ، وَالْبَعْضُ بِطَرِيقِ الْكَفَالَةِ مُرَاعَاةً لِشَرْطِ الْمَوْلَى ، وَالْمَالِكُ وَاحِدٌ فَلَا يَكُونُ ذَلِكَ مِنْهُمَا كَفَالَةً عَلَى الْحَقِيقَةِ .
فَأَمَّا هُنَا نِصْفُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا لِمَالِكٍ عَلَى حِدَةٍ فَلَوْ جَعَلْنَا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مُطَالَبًا بِجَمِيعِ الْبَدَلِ كَانَ بِحُكْمِ الْكَفَالَةِ فِي الْبَعْضِ ، وَفِي نِصْفِ ذَلِكَ كَفَالَةً مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَنْ مَمْلُوكٍ هُوَ لِغَيْرِ مَوْلَاهُ فَيَكُونُ كَفَالَةً حَقِيقَةً وَلَا تَصِحُّ الْكَفَالَةُ مِنْ الْمُكَاتَبِ وَلَا بِبَدَلِ الْكِتَابَةِ فَلِهَذَا كَانَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مُطَالَبًا بِحِصَّتِهِ خَاصَّةً يَعْتِقُ بِأَدَاءِ ذَلِكَ إلَيْهِمَا كَمَا لَوْ كَاتَبَهُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِعَقْدٍ عَلَى حِدَةٍ .
عَبْدٌ بَيْنَ رَجُلَيْنِ كَاتَبَ أَحَدُهُمَا نَصِيبَهُ بِغَيْرِ إذْنِ شَرِيكِهِ فَلِلشَّرِيكِ أَنْ يَرُدَّ الْمُكَاتَبَةَ ، وَقَالَ ابْنُ أَبِي لَيْلَى رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ بِمَنْزِلَةِ مَا لَوْ أَعْتَقَ أَحَدُهُمَا نَصِيبَهُ أَوْ بِمَنْزِلَةِ مَا لَوْ بَاعَ أَحَدُهُمَا نَصِيبَهُ ؛ لِأَنَّ تَصَرُّفَ الْمُكَاتَبِ لَاقَى خَالِصَ مِلْكِهِ وَلَكِنَّا نَقُولُ هَذَا عَقْدٌ مُحْتَمِلٌ لِلْفَسْخِ ، وَفِي إبْقَائِهِ ضَرَرٌ عَلَى الشَّرِيكِ الْآخَرِ ، أَمَّا فِي الْحَالِ فَلِأَنَّهُ يَتَعَذَّرُ عَلَيْهِ بَيْعُ نَصِيبِهِ ، وَأَمَّا بَعْدَ الْأَدَاءِ فَلِأَنَّهُ يَتَعَذَّرُ عَلَيْهِ اسْتِدَامَةُ الْمِلْكِ فِي نَصِيبِهِ فَلِدَفْعِ الضَّرَرِ عَنْ نَفْسِهِ يَتَمَكَّنُ مِنْ فَسْخِ عَقْدِ شَرِيكِهِ وَإِذَا جَازَ فَسْخُ الْكِتَابَةِ لِدَفْعِ الضَّرَرِ عَنْ الْمُتَعَاقِدَيْنِ فَلَأَنْ يَجُوزَ فَسْخُهُ لِدَفْعِ الضَّرَرِ عَنْ غَيْرِهِمَا مِمَّنْ لَمْ يَرْضَ بِعَقْدِهِمَا أَوْلَى ، وَلَا يَبْعُدُ أَنْ يُلَاقِيَ تَصَرُّفُ الْإِنْسَانِ مِلْكَهُ ، ثُمَّ لِلْغَيْرِ أَنْ يَفْسَخَهُ لِدَفْعِ الضَّرَرِ عَنْ نَفْسِهِ كَالرَّاهِنِ يَبِيعُ الْمَرْهُونَ أَوْ الْآجِرِ يَبِيعُ الْمُؤَاجَرَ فَإِنْ أَعْتَقَهُ الشَّرِيكُ الْآخَرُ بَعْدَ ذَلِكَ نَفَذَ عِتْقُهُ عِنْدَنَا .
وَقَالَ ابْنُ أَبِي لَيْلَى لَا يَنْفُذُ عِتْقُهُ حَتَّى يُنْظَرَ مَاذَا يَصْنَعُ فِي الْمُكَاتَبَةِ فَإِنْ أَدَّاهَا عَتَقَ وَضَمِنَ الَّذِي كَاتَبَهُ نَصِيبَ شَرِيكِهِ وَالْوَلَاءُ كُلُّهُ لَهُ وَإِنْ عَجَزَ يَنْفُذُ عِتْقُهُ وَهَذَا بِنَاءً عَلَى أَصْلِهِ أَنَّ الْكِتَابَةَ لَا تَتَجَزَّى وَأَنَّ الْمَوْلَى بِعَقْدِ الْكِتَابَةِ يَسْتَحِقُّ الْوَلَاءَ فَإِذَا صَارَ الْمُكَاتَبُ مُسْتَحِقًّا لِجَمِيعِ وَلَائِهِ لَا يَمْلِكُ الْآخَرُ إبْطَالَهُ عَلَيْهِ بِالْإِعْتَاقِ وَلَكِنْ يَتَوَقَّفُ حُكْمُ إعْتَاقِهِ لِتَوَقُّفِ مِلْكِهِ فِي نَصِيبِهِ فَإِنْ أَدَّى الْكِتَابَةَ تَبَيَّنَ أَنَّ نَصِيبَ الشَّرِيكِ كَانَ مُنْتَقِلًا إلَى الْمُكَاتَبِ فَيَضْمَنُ الْمُكَاتَبُ لَهُ نِصْفَ قِيمَتِهِ ، وَالْوَلَاءُ كُلُّهُ لَهُ وَإِنْ عَجَزَ تَبَيَّنَ أَنَّهُ كَانَ مُشْتَرَكًا بَيْنَهُمَا فَيَنْفُذُ عِتْقُ الْمُعْتِقِ فِي
نَصِيبِهِ فَأَمَّا عِنْدَنَا : نَصِيبُ الشَّرِيكِ بَاقٍ عَلَى مِلْكِهِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى غَيْرَ مُكَاتَبٍ وَعِنْدَهُمَا مُكَاتَبٌ كَانَ مُتَمَكِّنًا مِنْ فَسْخِ الْكِتَابَةِ فَيَعْتِقُ نَصِيبُهُ بِإِعْتَاقِهِ وَإِذَا أُعْتِقَ فَالْمُكَاتَبُ بِالْخِيَارِ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى إنْ شَاءَ مَضَى عَلَى الْكِتَابَةِ وَأَدَّى الْبَدَلَ وَكَانَ وَلَاؤُهُ لَهُمَا ، وَإِذَا اخْتَارَ ذَلِكَ فَلَيْسَ لِلْمُكَاتَبِ أَنْ يُضَمِّنَ الْمُعْتِقَ شَيْئًا ؛ لِأَنَّهُ مَا أَتْلَفَ عَلَيْهِ شَيْئًا مِنْ حَقِّهِ وَإِنْ شَاءَ عَجَّزَ نَفْسَهُ فَعِنْدَ ذَلِكَ يُخَيَّرُ الَّذِي كَاتَبَهُ بَيْنَ عِتْقِهِ وَاسْتِسْعَائِهِ ، وَتَضْمِينِ شَرِيكِهِ لِمَا بَيَّنَّا .
وَعِنْدَهُمَا يَعْتِقُ كُلُّهُ بِإِعْتَاقِ أَحَدِهِمَا وَإِنْ كَانَ الْمُعْتِقُ مُوسِرًا فَلِلْآخَرِ حَقُّ التَّضْمِينِ فَإِنْ كَانَ مُعْسِرًا فَلِلْآخَرِ حَقُّ الِاسْتِسْعَاءِ عَلَى مَا بَيَّنَّا مِنْ الِاخْتِلَافِ بَيْنَهُمَا وَعَلَى هَذَا لَوْ كَاتَبَ الْآخَرُ نَصِيبَهُ أَيْضًا عِنْدَ ابْنِ أَبِي لَيْلَى لَا يَنْفُذُ مِنْهُ وَعِنْدَنَا يَنْفُذُ وَيَكُونُ مُكَاتَبًا بَيْنَهُمَا وَلَيْسَ لِلْمُكَاتَبِ الْأَوَّلِ أَنْ يَفْسَخَ عَقْدَ الثَّانِي وَإِنْ بَاشَرَهُ بِغَيْرِ إذْنِهِ ؛ لِأَنَّ ثُبُوتَ حَقِّ الْفَسْخِ لِمَعْنَى دَفْعِ الضَّرَرِ وَلَا ضَرَرَ عَلَيْهِ هُنَا ؛ لِأَنَّ نَصِيبَهُ مُكَاتَبٌ ، ثُمَّ الْمَسْأَلَةُ فِي كِتَابَةِ أَحَدِ الشَّرِيكَيْنِ عَلَى ثَلَاثَةٍ أَوْجُهٍ : أَحَدُهَا أَنْ يَكُونَ بِغَيْرِ إذْنِ شَرِيكِهِ وَيَسْتَوْفِي الْبَدَلَ قَبْلَ أَنْ يَفْسَخَ الشَّرِيكُ الْكِتَابَةَ فَنَقُولُ عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ يَعْتِقُ نَصِيبُهُ لِوُجُودِ شَرْطِ الْعِتْقِ ، وَهُوَ أَدَاءُ الْبَدَلِ ، ثُمَّ يَكُونُ لِلسَّاكِتِ أَنْ يَأْخُذَ مِنْ الْمُكَاتَبِ نِصْفَ مَا أَخَذَ مِنْ الْعَبْدِ ؛ لِأَنَّ الْمُؤَدَّى كَسْبُهُ وَكَسْبُهُ كَانَ مُشْتَرَكًا بَيْنَهُمَا فَلَهُ أَنْ يَأْخُذَ نِصْفَ ذَلِكَ مِنْهُ وَنِصْفَ مَا بَقِيَ مِنْ الْكَسْبِ فِي يَدِ الْعَبْدِ أَيْضًا ، ثُمَّ يَرْجِعُ الْمُكَاتَبُ عَلَى الْعَبْدِ بِمَا أَخَذَهُ مِنْهُ شَرِيكُهُ ؛ لِأَنَّ
جَمِيعَ الْبَدَلِ كَانَ بِمُقَابَلَةِ نَصِيبِهِ وَقَدْ سَلَّمَ نَصِيبَهُ لِلْعَبْدِ أَيْضًا وَلَمْ يُسَلِّمْ لِلْمَوْلَى نِصْفَ الْبَدَلِ فَيَرْجِعُ بِهِ عَلَيْهِ كَمَا لَوْ اسْتَحَقَّهُ مُسْتَحِقٌّ آخَرُ مِنْ يَدِهِ ، ثُمَّ إنْ كَانَ الْمُكَاتَبُ مُوسِرًا فَلِلشَّرِيكِ خِيَارٌ بَيْنَ ثَلَاثَةِ أَشْيَاءَ وَإِذَا اخْتَارَ التَّضْمِينَ يَرْجِعُ الْمُكَاتَبُ بِمَا ضَمِنَ عَلَى الْعَبْدِ ، وَيَكُونُ الْوَلَاءُ كُلُّهُ لَهُ وَإِنْ اخْتَارَ الِاسْتِسْعَاءَ أَوْ الْإِعْتَاقَ أَوْ كَانَ الْمُكَاتَبُ مُعْسِرًا فَالْوَلَاءُ بَيْنَهُمَا .
وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى الْجَوَابُ كَذَلِكَ إلَّا أَنَّ الْمُكَاتَبَ لَا يَرْجِعُ عَلَى الْعَبْدِ بِالنِّصْفِ الَّذِي أَخَذَهُ شَرِيكُهُ مِنْهُ ؛ لِأَنَّهُ عِنْدَهُمَا صَارَ الْكُلُّ مُكَاتَبًا فَإِنَّ جَمِيعَ الْبَدَلِ مُقَابَلٌ بِجَمِيعِ الْكَسْبِ وَلَمْ يُسَلِّمْ لَهُ إلَّا النِّصْفَ وَقَدْ سَلَّمَ لِلْمَوْلَى مِنْ جِهَتِهِ نِصْفَ الْبَدَلِ أَيْضًا ، ثُمَّ إنْ كَانَ الْمُكَاتَبُ مُوسِرًا فَلَيْسَ لِلسَّاكِتِ إلَّا التَّضْمِينُ وَإِنْ كَانَ مُعْسِرًا فَلَيْسَ لَهُ إلَّا الِاسْتِسْعَاءُ .
وَالْوَجْهُ الثَّانِي : أَنْ يُكَاتِبَ أَحَدُهُمَا نَصِيبَهُ بِإِذْنِ شَرِيكِهِ فَعَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى إذَا اسْتَوْفَى الْبَدَلَ عَتَقَ نَصِيبُهُ وَلِلشَّرِيكِ أَنْ يَرْجِعَ عَلَيْهِ بِنِصْفِ مَا أَخَذَ أَيْضًا وَبِنِصْفِ مَا بَقِيَ مِنْ الْكَسْبِ فِي يَدِ الْعَبْدِ ؛ لِأَنَّهُ أَدَّاهُ مِنْ كَسْبِهِ وَإِذْنُهُ فِي الْعَقْدِ لَا يَكُونُ إذْنًا فِي قَبْضِ الْبَدَلِ .
أَلَا تَرَى أَنَّ الْوَكِيلَ بِالْكِتَابَةِ لَا يَمْلِكُ قَبْضَ الْبَدَلِ فَلِهَذَا كَانَ هَذَا الْفَصْلُ وَالْفَصْلُ الْأَوَّلُ سَوَاءٌ عِنْدَهُ إلَّا فِي حُكْمَيْنِ : أَحَدُهُمَا أَنَّهُ لَا يَكُونُ لِلْآخَرِ حَقُّ فَسْخِ الْكِتَابَةِ ، وَالْآخَرُ أَنَّهُ لَا يَكُونُ لَهُ أَنْ يُضَمِّنَ الْمُكَاتَبَ بَعْدَ الْعِتْقِ لِوُجُودِ الرِّضَا مِنْهُ بِالسَّبَبِ وَعَلَى قَوْلِهِمَا إذْنُهُ فِي كِتَابَةِ نَصِيبِهِ يَكُونُ إذْنًا فِي كِتَابَةِ الْكُلِّ فَيَصِيرُ الْكُلُّ مُكَاتِبًا بَيْنَهُمَا إلَّا أَنْ يَقْبِضَ أَحَدُهُمَا
جَمِيعَ الْبَدَلِ لَا يَعْتِقُ مَا لَمْ يَصِلْ إلَى الْآخَرِ نَصِيبُهُ ؛ لِأَنَّ الْمُكَاتَبَ فِي نَصِيبِهِ كَانَ وَكِيلًا وَالْوَكِيلُ بِالْكِتَابَةِ لَا يَمْلِكُ الْقَبْضَ لِلْبَدَلِ فَإِنْ وَصَلَ إلَى الْآخَرِ نَصِيبُهُ حِينَئِذٍ يَعْتِقُ وَمَا بَقِيَ مِنْ الْكَسْبِ كُلُّهُ سَالِمٌ لِلْعَبْدِ .
وَالْوَجْهُ الثَّالِثُ : أَنْ يَأْذَنَ أَحَدُهُمَا لِشَرِيكِهِ فِي أَنْ يُكَاتِبَ نَصِيبَهُ وَيَقْبِضَ الْبَدَلَ فَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى إذَا قَبَضَ الْمَكَاتِبُ الْبَدَلَ فَلَيْسَ لَلشَّرِيكِ أَنْ يَرْجِعَ بِشَيْءٍ مِنْ الْمَقْبُوضِ ؛ لِأَنَّهُ قَبَضَهُ بِرِضَاهُ وَصَارَ هُوَ آذِنًا لِلْعَبْدِ فِي أَنْ يَقْضِيَ دَيْنَهُ بِكَسْبِهِ فَلَا يَثْبُتُ لَهُ حَقُّ اسْتِرْدَادِ شَيْءٍ مِنْ الْقَابِضِ بِخِلَافِ الْأَوَّلِ .
وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى يَعْتِقُ كُلُّهُ بِقَبْضِ الْمَكَاتِبِ سَوَاءٌ وَصَلَ إلَى الشَّرِيكِ نَصِيبُهُ أَوْ لَمْ يَصِلْ ؛ لِأَنَّهُ كَانَ وَكِيلًا مِنْ جِهَتِهِ فِي قَبْضِ الْبَدَلِ فَيَعْتِقُ الْعَبْدُ بِالْأَدَاءِ إلَيْهِ وَالْمَقْبُوضُ مُشْتَرَكٌ بَيْنَهُمَا وَلَا سَبِيلَ لَلشَّرِيكِ عَلَى مَا بَقِيَ مِنْ كَسْبِ الْعَبْدِ فِي يَدِهِ سَوَاءٌ وَصَلَ إلَيْهِ نَصِيبُهُ مِمَّا قَبَضَهُ الْمَكَاتِبُ أَوْ لَمْ يَصِلْ بِأَنْ هَلَكَ فِي يَدِهِ ؛ لِأَنَّ هَلَاكَ نَصِيبِهِ فِي يَدِ وَكِيلِهِ كَهَلَاكِهِ فِي يَدِهِ وَإِنْ كَانَ أَحَدُ الشَّرِيكَيْنِ كَاتَبَ جَمِيعَ الْعَبْدِ فَقَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى فِي هَذَا كَقَوْلِهِمَا حَتَّى إذَا عَتَقَ بِالْأَدَاءِ إلَيْهِ رَجَعَ الشَّرِيكُ عَلَيْهِ بِنِصْفِ الْمَقْبُوضِ وَإِذَا كَانَ بِغَيْرِ إذْنِهِ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ عَلَى الْعَبْدِ بِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ ؛ لِأَنَّ جَمِيعَ الْبَدَلِ هُنَا بِمُقَابَلَةِ جَمِيعِ الْكَسْبِ وَالرَّقَبَةِ وَلَمْ يُسَلَّمْ لَهُ مِنْ جِهَةِ الْمَكَاتِبِ إلَّا النِّصْفُ وَقَدْ سَلَّمَ لِلْمَكَاتِبِ نِصْفَ الْبَدَلِ أَيْضًا فَلَا يَرْجِعُ عَلَيْهِ بِشَيْءٍ آخَرَ فَإِنْ أَذِنَ أَحَدُهُمَا لِصَاحِبِهِ أَنْ يُكَاتِبَ نَصِيبَهُ وَيَقْبِضَ الْبَدَلَ ، ثُمَّ نَهَاهُ بَعْدَ مَا قَبَضَ بَعْضَهُ صَحَّ
نَهْيُهُ ؛ لِأَنَّ إذْنَهُ لِلْمُكَاتَبِ فِي قَضَاءِ دَيْنِهِ بِنَصِيبِهِ مِنْ الْكَسْبِ لَا يَكُونُ مُلْزِمًا شَيْئًا إيَّاهُ فَيَكُونُ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ عَنْ ذَلِكَ حَتَّى يُشَارِكَهُ فِيمَا يَقْبِضُ بَعْدَهُ وَلَا يُشَارِكُهُ فِيمَا كَانَ قَبَضَ قَبْلَ النَّهْيِ اعْتِبَارًا لِلْبَعْضِ بِالْكُلِّ .
وَإِنْ كَاتَبَ أَحَدُهُمَا نَصِيبَهُ بِغَيْرِ إذْنِ شَرِيكِهِ فَلَمْ يَعْلَمْ بِهِ شَرِيكُهُ حَتَّى كَاتَبَهُ نَصِيبَهُ بِإِذْنِ الْأَوَّلِ ، ثُمَّ عَلِمَ بِكِتَابَةِ الْأَوَّلِ فَأَرَادَ رَدَّهَا لَمْ يَكُنْ لَهُ ذَلِكَ ؛ لِأَنَّهُ بِمُبَاشَرَةِ الْكِتَابَةِ فِي نَصِيبِهِ صَارَ مُسْقِطًا لِخِيَارِهِ فَإِنَّ الْخِيَارَ لَهُ كَانَ لِدَفْعِ الضَّرَرِ ، وَقَدْ الْتَزَمَ ذَلِكَ الضَّرَرَ ، ثُمَّ مَا يَأْخُذُ وَاحِدٌ مِنْهُمَا بَعْدَ هَذَا مِنْهُ فَهُوَ سَالِمٌ لَهُ لَا يُشَارِكُهُ الْآخَرُ فِيهِ ؛ لِأَنَّ نَصِيبَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا صَارَ مُكَاتَبًا بِعَقْدٍ بَاشَرَهُ بِنَفْسِهِ فَلَا يَكُونُ بَيْنَهُمَا فِي الْبَدَلِ شَرِكَةً كَمَا لَوْ بَاعَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا نَصِيبَهُ بِعَقْدٍ عَلَى حِدَةٍ بِخِلَافِ مَا إذَا كَاتَبَاهُ مَعًا ؛ لِأَنَّ الْبَدَلَ هُنَاكَ وَجَبَ لَهُمَا بِعَقْدٍ وَاحِدٍ وَإِنْ كَانَ الْأَوَّلُ أَخَذَ مِنْهُ شَيْئًا قَبْلَ كِتَابَةِ الثَّانِي كَانَ لِلثَّانِي أَنْ يُشَارِكَهُ فِيهِ ؛ لِأَنَّ الثَّانِيَ إنَّمَا يَكُونُ مُسْقِطًا حَقَّهُ عَنْ كَسْبِهِ بِكِتَابَةِ نَفْسِهِ فَيَقْتَصِرُ ذَلِكَ عَلَى مَا يَكْتَسِبُهُ بَعْدَ كِتَابَتِهِ فَلَا يَتَعَدَّى إلَى مَا كَانَ قَبْلَهُ وَإِنْ أَذِنَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا لِصَاحِبِهِ فِي مُكَاتَبَةِ نَصِيبِهِ مِنْهُ فَهَذَا إذْنٌ لَهُ فِي الْقَبْضِ وَلَا يَرْجِعُ أَحَدُهُمَا فِيمَا قَبَضَ الْآخَرُ وَلَا يُشَارِكُهُ .
وَقَوْلُهُ وَهَذَا إذْنٌ لَهُ فِي الْقَبْضِ تَجَوُّزٌ فِي الْعِبَارَةِ فَإِنَّ الْإِذْنَ فِي الْكِتَابَةِ لَا يَكُونُ إذْنًا فِي الْقَبْضِ وَلَكِنْ إنَّمَا لَا يَرْجِعُ وَاحِدٌ مِنْهُمَا عَلَى صَاحِبِهِ ؛ لِأَنَّ الْمُكَاتَبَ صَارَ أَحَقَّ بِجَمِيعِ كَسْبِهِ ، وَنُصِيبُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِنْ الْبَدَلِ وَاجِبٌ بِعَقْدٍ عَلَى حِدَةٍ فَلَا شَرِكَةَ بَيْنَهُمَا فِي الْمَقْبُوضِ .
وَإِنْ
كَاتَبَ أَحَدُهُمَا نَصِيبَهُ مِنْهُ بَعْدَ مَا أَذِنَ لَهُ صَاحِبُهُ فِي الْكِتَابَةِ وَالْقَبْضِ فَقَبَضَ بَعْضَ الْكِتَابَةِ ، ثُمَّ عَجَزَ الْغُلَامُ فَفِي الْقِيَاسِ لِلشَّرِيكِ أَنْ يَرْجِعَ عَلَى الْقَابِضِ بِنِصْفِ الْمَقْبُوضِ ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا رَضِيَ بِقَبْضِهِ لِيُعْتِقَ نَصِيبَهُ بِهِ وَلَمْ يُعْتِقْ حِينَ عَجَزَ الْغُلَامُ وَلِأَنَّهُ إنَّمَا رَضِيَ الْآذِنُ بِأَنْ يَقْضِيَ الْعَبْدُ دَيْنَهُ بِنَصِيبِهِ مِنْ الْكَسْبِ وَبَعْدَ الْعَجْزِ لَا دَيْنَ فَبَقِيَ هُوَ كَسْبُ عَبْدٍ مُشْتَرَكٍ بَيْنَهُمَا فَلَهُ أَنْ يَأْخُذَ مِنْهُ نِصْفَهُ ، وَفِي الِاسْتِحْسَانِ لَا سَبِيلَ لَهُ عَلَيْهِ فِيمَا قَبَضَ اعْتِبَارًا لِلْبَعْضِ بِالْكُلِّ وَهَذَا ؛ لِأَنَّهُ صَارَ مُسْقِطًا حَقَّهُ عَنْ الْمَقْبُوضِ حِينَ أَذِنَ لَهُ فِي قَبْضِهِ فَلَا يَعُودُ حَقُّهُ فِيهِ بِعَجْزِ الْغُلَامِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ تَبَرَّعَ إنْسَانٌ بِقَضَاءِ بَعْضِ الْبَدَلِ عَنْ الْمُكَاتَبِ ، ثُمَّ عَجَزَ الْمُكَاتَبُ عَمَّا بَقِيَ لَمْ يَكُنْ لِلْمُتَبَرِّعِ اسْتِرْدَادُ مَا تَبَرَّعَ بِهِ فَهَذَا مِثْلُهُ وَإِذَا كَاتَبَ أَحَدُهُمَا كُلَّهُ بِغَيْرِ إذْنِ شَرِيكِهِ ، ثُمَّ وَهَبَ لِلْعَبْدِ نِصْفَ الْمُكَاتَبَةِ لَمْ يَعْتِقْ مِنْهُ شَيْءٌ كَمَا لَوْ كَانَ الْعَبْدُ كُلُّهُ لَهُ وَهَذَا ؛ لِأَنَّهُ أَضَافَ الْهِبَةَ إلَى نِصْفٍ شَائِعٍ فَلَا يَتَعَيَّنُ لِذَلِكَ حِصَّةُ نَصِيبِهِ خَاصَّةً فَلِهَذَا لَا يَعْتِقُ .
وَإِنْ قَالَ وَهَبْتُ لَكَ جَمِيعَ حِصَّتِي مِنْ هَذِهِ الْمُكَاتَبَةِ عَتَقَ إمَّا ؛ لِأَنَّ جَمِيعَ الْبَدَلِ وَجَبَ بِعَقْدِهِ فَكَانَ هَذَا وَقَوْلُهُ وَهَبْتُ لَكَ الْمُكَاتَبَةَ كُلَّهَا سَوَاءٌ أَوْ ؛ لِأَنَّهُ بَرِيءَ مِنْ حِصَّتِهِ مِنْ الْبَدَلِ حِينَ أَضَافَ الْهِبَةَ إلَى نَصِيبِهِ خَاصَّةً بِمَنْزِلَةِ مَا لَوْ كَاتَبَاهُ ، ثُمَّ وَهَبَ أَحَدُهُمَا جَمِيعَ حِصَّتِهِ إلَّا أَنَّ الْأَوَّلَ أَصَحُّ ؛ لِأَنَّ الْعَبْدَ هُنَا لَا يَعْتِقُ إلَّا بِأَدَاءِ جَمِيعِ الْبَدَلِ إلَيْهِ فَعَلِمَ أَنَّ هِبَةَ جَمِيعِ حِصَّتِهِ تَكُونُ هِبَةً لِجَمِيعِ الْمُكَاتَبَةِ مُكَاتَبَةٌ بَيْنَ رَجُلَيْنِ عَلِقَتْ مِنْ أَحَدِهِمَا فَهِيَ بِالْخِيَارِ ؛ لِأَنَّهُ تَلْقَاهَا جِهَتَا
حُرِّيَّةٍ فَإِنْ شَاءَ عَجَزَتْ فَكَانَتْ أُمَّ وَلَدٍ لَهُ وَيَضْمَنُ لِشَرِيكِهِ نِصْفَ قِيمَتِهَا وَنِصْفَ عُقْرِهَا ؛ لِأَنَّهَا أَمَةٌ بَيْنَهُمَا وَقَدْ اسْتَوْلَدَهَا وَإِنْ شَاءَتْ مَضَتْ عَلَى الْكِتَابَةِ وَأَخَذَتْ عُقْرَهَا فَإِنْ مَضَتْ عَلَى الْكِتَابَةِ ، ثُمَّ عَلِقَتْ مِنْ الْآخَرِ ، ثُمَّ عَجَزَتْ فَالْوَلَدُ الْأَوَّلُ لِلْأَوَّلِ ، وَالْوَلَدُ الثَّانِي لِلثَّانِي ؛ لِأَنَّ نِصْفَهَا فِي الظَّاهِرِ مُكَاتَبٌ لَهُ حِينَ اسْتَوْلَدَهَا وَذَلِكَ يَكْفِي لِثُبُوتِ نَسَبِ الْوَلَدِ الثَّانِي مِنْهُ ، وَهِيَ أُمُّ وَلَدٍ لِلْأَوَّلِ ؛ لِأَنَّهُ اسْتَحَقَّ حَقَّ أُمِّيَّةَ الْوَلَدِ فِي جَمِيعِهَا إلَّا أَنَّ الْمُكَاتَبَةَ فِي نَصِيبِ الْآخَرِ كَانَ مَانِعًا مِنْ ظُهُورِ هَذَا الِاسْتِحْقَاقِ قَبْلَ الْعَجْزِ وَقَدْ ارْتَفَعَ هَذَا الْمَانِعُ بِالْعَجْزِ فَصَارَتْ أُمَّ وَلَدٍ لَهُ مِنْ ذَلِكَ الْوَقْتِ أَلَا تَرَى أَنَّ الْخِيَارَ إذَا سَقَطَ فِي الْبَيْعِ بِشَرْطِ الْخِيَارِ يَثْبُتُ الْمِلْكُ لِلْمُشْتَرِي مِنْ وَقْتِ الْعَقْدِ حَتَّى يَسْتَحِقَّ الزَّوَائِدَ وَإِذَا صَارَتْ أُمُّ وَلَدٍ لَهُ فَعَلَيْهِ نِصْفُ قِيمَتِهَا لِلثَّانِي وَعَلَى الثَّانِي جَمِيعُ قِيمَةِ الْوَلَدِ ؛ لِأَنَّهُ تَبَيَّنَ أَنَّهُ اسْتَوْلَدَ مَمْلُوكَةَ الْغَيْرِ وَلَكِنَّهُ كَانَ مَغْرُورًا بِاعْتِبَارِ ظَاهِرِ الْمِلْكِ فَيَكُونُ وَلَدُهُ حُرًّا بِالْقِيمَةِ وَلَمْ يَذْكُرْ حُكْمَ الْعُقْرِ ؛ لِأَنَّهُ عَلَى رِوَايَةِ هَذَا الْكِتَابِ وَجَبَ نِصْفُ الْعُقْرِ عَلَى الثَّانِي وَنِصْفُ الْعُقْرِ عَلَى الْأَوَّلِ فَيَكُونُ أَحَدُهُمَا قِصَاصًا بِالْآخَرِ .
وَقَدْ بَيَّنَّا فِي كِتَابِ الدَّعْوَى أَنَّ الْأَصَحَّ وُجُوبُ جَمِيعِ الْعُقْرِ عَلَى الثَّانِي ، ثُمَّ يَكُونُ النِّصْفُ بِالنِّصْفِ قِصَاصًا وَيَبْقَى لِلْأَوَّلِ نِصْفُ الْعُقْرِ عَلَى الثَّانِي ، وَبَيَّنَّا هُنَاكَ أَنَّ قَوْلَ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى أَيْضًا أَنَّهُ حِينَ اسْتَوْلَدَهَا أَحَدُهُمَا صَارَ الْكُلُّ أُمَّ وَلَدٍ لَهُ ، وَهِيَ مُكَاتَبَةٌ فَلَا يَصِحُّ اسْتِيلَادُ الثَّانِي بَعْدَ ذَلِكَ وَلَا يَثْبُتُ النَّسَبُ مِنْهُ بِالدَّعْوَى .
مُكَاتَبَةٌ بَيْنَ رَجُلَيْنِ وَلَدَتْ بِنْتًا ، ثُمَّ وَطِئَ أَحَدُهُمَا الِابْنَةَ فَعَلِقَتْ مِنْهُ قَالَ ثَبَتَ نَسَبُهُ مِنْهُ ؛ لِأَنَّ الِابْنَةَ بِمَنْزِلَةِ أَمَةٍ مُكَاتَبَةٍ بَيْنَهُمَا فَيَثْبُتُ نَسَبُ وَلَدِهَا مِنْ أَحَدِهِمَا بِالدَّعْوَى كَمَا ثَبَتَ نَسَبُ وَلَدِ الْمُكَاتَبَةِ وَالِابْنَةُ عَلَى حَالِهَا لَيْسَ لَهَا أَنْ تُخْرِجَ نَفْسَهَا مِنْ الْمُكَاتَبَةِ لِتَكُونَ أُمَّ وَلَدٍ لِلْمُسْتَوْلِدِ ؛ لِأَنَّهَا تَابِعَةٌ فِي الْعَقْدِ فَلَا تَمْلِكُ فَسْخَ الْعَقْدِ فِي حَقِّ نَفْسِهَا مَقْصُودًا وَلَا وِلَايَةَ لَهَا عَلَى فَسْخِ الْعَقْدِ فِي حَقِّ أُمِّهَا وَلِأَنَّ الْأُمَّ إنَّمَا كَانَتْ تُعْجِزُ نَفْسَهَا عَمَّا عَلَيْهَا مِنْ الْبَدَلِ وَلَيْسَ عَلَى الْوَلَدِ شَيْءٌ مِنْ الْبَدَلِ وَقَدْ كَانَ لِلْأُمِّ مَنْفَعَةٌ فِي التَّخْيِيرِ فَخَيَّرْنَاهَا وَلَا مَنْفَعَةَ لِلِابْنَةِ فِي ذَلِكَ وَعَلَى الْمُسْتَوْلِدِ عُقْرُهَا ؛ لِأَنَّهُ وَطِئَهَا ، وَهِيَ مُكَاتَبَةٌ وَلَكِنَّ عُقْرَهَا لِلْأُمِّ بِمَنْزِلَةِ كَسْبِهَا وَأَنَّهَا تَابِعَةٌ لِلْأُمِّ فِي الْكِتَابَةِ فَإِنْ عَجَزَتْ الْمُكَاتَبَةُ صَارَتْ الِابْنَةُ أُمَّ وَلَدٍ لِلْوَاطِئِ ؛ لِأَنَّ الْمَانِعَ مِنْ ظُهُورِ أُمِّيَّةِ الْوَلَدِ فِي نَصِيبِ شَرِيكِهِ مِنْهَا قَدْ ارْتَفَعَ بِعَجْزِ الْأُمِّ وَإِنَّمَا تَصِيرُ أُمَّ وَلَدٍ لَهُ مِنْ حِينَ عَلِقَتْ مِنْهُ فَلِهَذَا يَضْمَنُ لِشَرِيكِهِ نِصْفَ قِيمَتِهَا يَوْمَ عَلِقَتْ مِنْهُ وَإِنْ لَمْ تُعْجِزْ فَأَعْتَقَ الشَّرِيكُ الْآخَرُ الِابْنَةَ بَعْدَ عُلُوقِهَا مِنْ الْأَوَّلِ عَتَقَتْ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ ؛ لِأَنَّ نَصِيبَهُ مِنْ الِابْنَةِ بَاقٍ عَلَى مِلْكِهِ مَا بَقِيَتْ الْكِتَابَةُ فِيهَا فَيَنْفُذُ عِتْقُهُ وَلَا سِعَايَةَ عَلَيْهَا ؛ لِأَنَّ نَصِيبَ الْمُعْتَقِ عَتَقَ بِإِعْتَاقِهِ وَنَصِيبَ الْآخَرِ بِمَنْزِلَةِ أُمِّ الْوَلَدِ وَلَا سِعَايَةَ عَلَى أُمِّ الْوَلَدِ لِلْمُسْتَوْلِدِ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى بِمَنْزِلَةِ أُمِّ وَلَدٍ بَيْنَ شَرِيكَيْنِ أَعْتَقَهَا أَحَدُهُمَا وَوَلَدُهَا حُرٌّ ؛ لِأَنَّهُ ثَابِتُ النَّسَبِ مِنْ الْمُسْتَوْلِدِ وَقَدْ عَتَقَتْ بِذَلِكَ لِكَوْنِهِ
مُتَمَكِّنًا مِنْ إعْتَاقِهِ وَلَا سِعَايَةَ عَلَيْهِ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى أَيْضًا ؛ لِأَنَّ إعْتَاقَ الشَّرِيكِ نَصِيبَهُ مِنْ الْأُمِّ يَكُونُ إعْتَاقًا لِنَصِيبِهِ مِنْهُ كَمَا بَيَّنَّا مِنْ عِتْقِ السُّفْلَى بِإِعْتَاقِ الْعُلْيَا عَلَى أَصْلِهِ وَالْمُكَاتَبَةُ بَاقِيَةٌ عَلَى حَالِهَا تَعْتِقُ بِالْأَدَاءِ أَوْ تَعْجِزُ فَتَكُونُ أَمَةً بَيْنَهُمَا .
مُكَاتَبَةٌ بَيْنَ رَجُلَيْنِ وَلَدَتْ فَأَعْتَقَ أَحَدُهُمَا الْوَلَدَ عَتَقَ نَصِيبُهُ مِنْهُ لِكَوْنِهِ مَالِكًا لِنَصِيبِهِ بِسَبَبِ دُخُولِهِ فِي مُكَاتَبَةِ الْأُمِّ ، وَهُوَ عَلَى حَالِهِ حَتَّى تَعْجِزَ الْأُمُّ أَوْ تَعْتِقَ ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا صَارَ تَبَعًا لِأُمِّهِ فِي الْكِتَابَةِ لَا يَنْقَلِبُ مَقْصُودًا مَا بَقِيَ حُكْمُ التَّبَعِيَّةِ وَلِأَنَّ الْأُمَّ لَهَا حَقٌّ فِي كَسْبِ الْوَلَدِ فَلَا يَتَمَكَّنُ الْمُعْتِقُ مِنْ إبْطَالِ حَقِّهَا فِي كَسْبِهِ فَإِنْ عَتَقَتْ عَتَقَ مَعَهَا لِبَقَاءِ حُكْمِ التَّبَعِيَّةِ فِي النِّصْفِ الَّذِي بَقِيَ رَقِيقًا مِنْهُ فَإِنْ عَجَزَتْ فَقَدْ زَالَ مَعْنَى التَّبَعِيَّةِ ، وَصَارَ الْوَلَدُ مَقْصُودًا ، وَهُوَ مُشْتَرَكٌ بَيْنَهُمَا أَعْتَقَهُ أَحَدُهُمَا وَقَدْ بَيَّنَّا حُكْمَ الْعَبْدِ الْمُشْتَرَكِ يُعْتِقُهُ أَحَدُ الشَّرِيكَيْنِ وَإِذَا اخْتَارَ التَّضْمِينَ يُضَمِّنُهُ نِصْفَ قِيمَتِهِ وَقْتَ إعْتَاقِهِ لَا وَقْتَ عَجْزِ الْأُمِّ ؛ لِأَنَّ وُجُوبَ الضَّمَانِ بِسَبَبِ الْإِعْتَاقِ فَتُعْتَبَرُ الْقِيمَةُ عِنْدَ ذَلِكَ كَمَا تُعْتَبَرُ قِيمَةُ الْمَغْصُوبِ وَقْتَ الْغَصْبِ .
مُكَاتَبَةٌ بَيْنَ رَجُلَيْنِ وَلَدَتْ بِنْتًا فَوَطِئَا الِابْنَةَ فَعَلِقَتْ فَوَلَدَتْ مِنْهُمَا ، ثُمَّ مَاتَا فَالِابْنَةُ حُرَّةٌ ؛ لِأَنَّهَا كَانَتْ أُمَّ وَلَدٍ لَهُمَا فَتَعْتِقُ بِمَوْتِهِمَا كَمَا لَوْ أَعْتَقَاهَا وَهَذَا ؛ لِأَنَّهَا اسْتَغْنَتْ عَنْ تَبَعِيَّةِ الْأُمِّ لِمَا ظَهَرَ لَهَا مِنْ سَبَبِ الْعِتْقِ مَجَّانًا وَتَبْقَى الْأُمُّ عَلَى مُكَاتَبَتِهَا ؛ لِأَنَّ نُفُوذَ الْعِتْقِ فِي التَّبَعِ لَا يُوجِبُ عِتْقَ الْأَصْلِ وَلَوْ كَانَتْ الْأُمُّ هِيَ الَّتِي وَلَدَتْ مِنْهُمَا ، ثُمَّ مَاتَا عَتَقَتْ هِيَ بِجِهَةِ الِاسْتِيلَادِ وَعَتَقَ وَلَدُهَا أَيْضًا ؛ لِأَنَّهُ تَبَعٌ لَهَا وَثُبُوتُ الْعِتْقِ فِي التَّبَعِ بِثُبُوتِهِ فِي الْأَصْلِ وَلِأَنَّ عِتْقَهَا بِالِاسْتِيلَادِ كَعِتْقِهَا بِإِعْتَاقٍ مِنْهُمَا ابْتِدَاءً وَقَدْ بَيَّنَّا أَنَّهُمَا إذَا أَعْتَقَاهَا عَتَقَ الْوَلَدُ مَعَهَا ؛ لِأَنَّ إعْتَاقَهُمَا إيَّاهَا بِمَنْزِلَةِ الِاسْتِيفَاءِ لِمَا عَلَيْهَا مِنْ الْمُكَاتَبَةِ وَإِنْ عَجَزَتْ ، ثُمَّ وَلَدَتْ مِنْهُمَا بَعْدَ ذَلِكَ فَالْوَلَدُ الْأَوَّلُ رَقِيقٌ ؛ لِأَنَّ بِعَجْزِهَا انْفَسَخَتْ الْكِتَابَةُ وَصَارَ الْوَلَدُ الْأَوَّلُ رَقِيقًا ، ثُمَّ يَثْبُتُ فِيهَا حَقُّ أُمِّيَّةِ الْوَلَدِ بَعْدَ انْفِصَالِ هَذَا الْوَلَدِ عَنْهَا وَحَقُّ الْعِتْقِ لَا يَسْرِي إلَى الْوَلَدِ الْمُنْفَصِلِ كَحَقِيقَةِ الْعِتْقِ .
وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى إذَا كَاتَبَ أَحَدُ الشَّرِيكَيْنِ بِغَيْرِ إذْنِ شَرِيكِهِ ، ثُمَّ عَلِقَتْ مِنْهُ فَهِيَ أُمُّ وَلَدٍ لَهُ وَأَبُو حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى فِي هَذَا لَا يُخَالِفُهُمَا ؛ لِأَنَّ نَصِيبَ الشَّرِيكِ عِنْدَهُ لَمْ يَصِرْ مُكَاتَبًا فَتَصِيرُ أُمَّ وَلَدٍ لِلْمُشْتَرِي وَلَكِنَّهُ حَفِظَ جَوَابَهُمَا وَلَمْ يَحْفَظْ جَوَابَ أَبِي حَنِيفَةَ ، وَهِيَ مُكَاتَبَةٌ عَلَى حَالِهَا ؛ لِأَنَّ الْكِتَابَةَ لَا تُنَافِي الِاسْتِيلَادَ سَابِقًا وَلَا طَارِئًا وَيَضْمَنُ نِصْفَ قِيمَتِهَا ، وَنِصْفَ عُقْرِهَا لَلشَّرِيكِ وَهَذِهِ إجَازَةٌ لِلْمُكَاتَبَةِ ؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ فِي حَقِّ الشَّرِيكِ لِدَفْعِ الضَّرَرِ عَنْهُ وَقَدْ زَالَ ذَلِكَ بِتَحَوُّلِ نَصِيبِهِ
إلَى الْمُسْتَوْلِدِ قَالَ وَهَذَا بِمَنْزِلَةِ رَجُلٍ لَهُ أُمُّ وَلَدٍ كَاتَبَهَا يُرِيدُ بِهِ التَّشْبِيهَ فِي حُكْمِ لُزُومِ الْكِتَابَةِ .
فَأَمَّا فِي مَسْأَلَةِ الْأَصْلِ الْمُسْتَوْلِدُ ضَامِنٌ نِصْفَ الْعُقْرِ ؛ لِأَنَّ كِتَابَتَهُ فِي نَصِيبِهِ كَانَ نَافِذًا وَمَنْ اسْتَوْلَدَ مُكَاتَبَتَهُ يَلْزَمُهُ الْعُقْرُ لَهَا وَقَدْ فَسَّرَهُ بَعْدَ هَذَا فَقَالَ جَارِيَةٌ بَيْنَ رَجُلَيْنِ كَاتَبَهَا أَحَدُهُمَا بِغَيْرِ إذْنِ شَرِيكِهِ ، ثُمَّ وَطِئَ الَّذِي كَاتَبَهَا قَبْلَ أَنْ يَعْلَمَ شَرِيكُهُ بِالْمُكَاتَبَةِ فَوَلَدَتْ مِنْهُ فَهِيَ أُمُّ وَلَدٍ لَهُ وَالْمُكَاتَبَةُ جَائِزَةٌ وَيَضْمَنُ الْوَاطِئُ نِصْفَ قِيمَتِهَا ، وَنِصْفَ عُقْرَهَا لَلشَّرِيكِ ، وَنِصْفُ الْعُقْرِ لَهَا وَلِلْمُكَاتَبَةِ الْخِيَارُ ؛ لِأَنَّهُ تَلْقَاهَا جِهَتَا حُرِّيَّةٍ فَإِنْ اخْتَارَتْ الْكِتَابَةَ أَخَذَتْ نِصْفَ الْعُقْرِ مِنْهُ وَإِنْ اخْتَارَتْ أَنْ تَكُونَ أُمَّ وَلَدٍ لَهُ لَمْ يَكُنْ لَهَا نِصْفُ الْعُقْرِ ؛ لِأَنَّ اسْتِحْقَاقَهَا نِصْفَ الْعُقْرِ لِكَوْنِهَا أَحَقَّ بِنَفْسِهَا بِعَقْدِ الْكِتَابَةِ وَقَدْ زَالَ ذَلِكَ حِينَ اخْتَارَتْ الِاسْتِيلَادَ فَإِنَّ أُمَّ الْوَلَدِ لَا تَسْتَوْجِبُ عَلَى مَوْلَاهَا دَيْنًا وَإِنْ أَجَازَ شَرِيكُهُ الْمُكَاتَبَةَ بَعْدَ مَا عَلِقَتْ مِنْهُ فَإِجَازَتُهُ بَاطِلَةٌ ، وَهِيَ مُكَاتَبَةٌ ؛ لِأَنَّهُ أَجَازَ عَقْدًا بَاطِلًا وَلِأَنَّ نَصِيبَهُ تَحَوَّلَ إلَى الْمَكَاتِبِ بِالِاسْتِيلَادِ وَإِنَّمَا كَانَ يُعْتَبَرُ إجَازَتُهُ بِاعْتِبَارِ مِلْكِهِ فَإِنْ وَطِئَهَا الَّذِي لَمْ يُكَاتِبْ فَعَلِقَتْ مِنْهُ فَهِيَ أُمُّ وَلَدِ الَّذِي عَلِقَتْ مِنْهُ ؛ لِأَنَّهُ مَالِكٌ لِنَصِيبِهِ مِنْهَا فَصَحَّ اسْتِيلَادُهُ فِيهَا وَالْمُكَاتَبَةُ عَلَى حَالِهَا جَائِزَةٌ حَتَّى يَرُدَّهَا الْوَاطِئُ ؛ لِأَنَّهُ لَا مُنَافَاةَ بَيْنَ الِاسْتِيلَادِ وَالْكِتَابَةِ وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يَطْرَأُ عَلَى صَاحِبِهِ فَلَمْ يَكُنْ إقْدَامُهُ عَلَى الِاسْتِيلَادِ إبْطَالًا مِنْهُ لِلْكِتَابَةِ وَلَكِنَّهُ لَوْ انْفَسَخَتْ الْكِتَابَةُ بَعْدَ ذَلِكَ صَارَ الْكُلُّ أُمَّ وَلَدٍ لَهُ ؛ لِأَنَّ الْمَانِعَ مِنْ انْتِقَالِ نَصِيبِ الشَّرِيكِ إلَيْهِ
بِالِاسْتِيلَادِ هُوَ الْكِتَابَةُ وَقَدْ ارْتَفَعَتْ وَإِنْ كَاتَبَهَا أَحَدُهُمَا بِإِذْنِ شَرِيكِهِ ، ثُمَّ اسْتَوْلَدَهَا الْآخَرُ فَإِنْ شَاءَتْ عَجَزَتْ ، وَكَانَتْ أُمَّ وَلَدِ الْمُسْتَوْلِدِ لِزَوَالِ الْمَانِعِ فِي نَصِيبِ الشَّرِيكِ ، وَإِنْ شَاءَتْ مَضَتْ عَلَى كِتَابَتِهَا وَأَخَذَتْ مِنْهُ نِصْفَ الْعُقْرِ ؛ لِأَنَّ الْكِتَابَةَ فِي نَصِيبِ الشَّرِيكِ لَازِمَةٌ حِينَ بَاشَرَهَا بِإِذْنِ شَرِيكِهِ وَتَأْخُذُ مِنْهُ نِصْفَ الْعُقْرِ ؛ لِأَنَّهَا أَحَقُّ بِنَفْسِهَا فِي ذَلِكَ النِّصْفِ فَإِذَا أَدَّتْ الْمُكَاتَبَةُ عَتَقَتْ وَلَمْ تَسْعَ لِلْمُسْتَوْلِدِ فِي شَيْءٍ ؛ لِأَنَّ نَصِيبَهُ مِنْهَا أُمُّ وَلَدٍ وَلَا سِعَايَةَ عَلَى أُمِّ الْوَلَدِ لِلْمُسْتَوْلِدِ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى .
وَإِنْ كَاتَبَ أَحَدُهُمَا نَصِيبَهُ بِغَيْرِ إذْنِ شَرِيكِهِ فَاكْتَسَبَتْ مَالًا وَقَضَتْ مِنْهُ الْكِتَابَةَ فَعَتَقَتْ ، ثُمَّ اكْتَسَبَتْ مَالًا ، ثُمَّ حَضَرَ الَّذِي لَمْ يُكَاتِبْ فَلَهُ نِصْفُ مَا اكْتَسَبَتْهُ قَبْلَ أَدَاءِ الْكِتَابَةِ وَلَهَا نِصْفُهُ ؛ لِأَنَّ نَصِيبَ الْمَكَاتِبِ مِنْهَا مُكَاتَبٌ ، وَنُصِيبَ الشَّرِيكِ مَمْلُوكٌ لَهُ وَالْكَسْبُ يُمْلَكُ بِمِلْكِ الْأَصْلِ وَمَا اكْتَسَبَتْهُ بَعْدَ أَدَاءِ الْكِتَابَةِ فَهُوَ لَهَا ؛ لِأَنَّ عِنْدَهُمَا تَعْتِقُ كُلُّهَا بِعِتْقِ الْبَعْضِ ، وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى يَعْتِقُ نَصِيبُ الْمَكَاتِبِ وَنُصِيبُ الشَّرِيكِ بِمَنْزِلَةِ الْمُكَاتَبِ لِمَا عَلَيْهَا مِنْ السِّعَايَةِ وَالْمُكَاتَبُ أَحَقُّ بِكَسْبِهِ مِنْ الْمَوْلَى فَلِهَذَا لَمْ يَكُنْ لِلشَّرِيكِ شَيْءٌ مِمَّا اكْتَسَبَتْ بَعْدَ أَدَاءِ الْكِتَابَةِ فَإِنْ مَاتَتْ قَبْلَ أَنْ تُؤَدِّيَ شَيْئًا وَتَرَكَتْ مَالًا فَنِصْفُهُ لِلَّذِي لَمْ يُكَاتِبْ ؛ لِأَنَّهُ كَسَبَ نَصِيبَهُ مِنْهَا وَيَأْخُذُ الَّذِي كَاتَبَ النِّصْفَ الْبَاقِيَ فِي الْمُكَاتَبَةِ ؛ لِأَنَّ كَسْبَ نَصِيبِهِ مِنْهَا وَالْمُكَاتَبَةُ كَانَتْ نَافِذَةً فِي نَصِيبِهِ فَيَأْخُذُ بَدَلَ الْكِتَابَةِ فِي تَرِكَتِهَا بَعْدَ مَوْتِهَا ، ثُمَّ يَأْخُذُ الَّذِي لَمْ يُكَاتِبْ نِصْفَ قِيمَتِهَا مِمَّا بَقِيَ إنْ كَانَ شَرِيكُهُ
مُعْسِرًا ؛ لِأَنَّهُ يَثْبُتُ لَهُ حَقُّ اسْتِسْعَائِهَا فِي نِصْفِ الْقِيمَةِ إنْ كَانَتْ حَيَّةً وَقَدْ مَاتَتْ عَنْ مَالٍ فَيَأْخُذُ تِلْكَ السِّعَايَةَ مِنْ مَالِهَا وَالْبَاقِي مِيرَاثٌ لِوَرَثَتِهَا الْأَحْرَارِ ؛ لِأَنَّهُ حَكَمَ بِعِتْقِهَا بِأَدَاءِ السِّعَايَةِ مُسْتَنِدًا إلَى حَالِ حَيَاتِهَا فَإِنْ لَمْ يَكُنْ وَارِثٌ غَيْرَهُمَا كَانَ مَا بَقِيَ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ ؛ لِأَنَّ نَصِيبَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَتَقَ عَلَى مِلْكِهِ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى فَهِيَ مَوْلَاةٌ لَهُمَا وَإِنْ شَاءَ أَنْ يُضَمِّنَ شَرِيكَهُ ؛ لِأَنَّهُ مُوسِرًا كَانَ لَهُ ذَلِكَ ؛ لِأَنَّ الْمَكَاتِبَ صَارَ مُعْتِقًا لِنَصِيبِهِ ، ثُمَّ يَرْجِعُ بِهِ الْمَكَاتِبُ فِي مَالِهَا كَمَا يَرْجِعُ عَلَيْهَا لَوْ كَانَتْ حَيَّةً وَيَكُونُ وَلَاؤُهَا وَمِيرَاثُهَا لَهُ إنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا وَارِثٌ ؛ لِأَنَّهُ تَمَلَّكَ نَصِيبَ شَرِيكِهِ بِالضَّمَانِ .
وَإِنْ كَانَتْ مَاتَتْ بَعْدَ مَا أَدَّتْ الْمُكَاتَبَةَ وَقَدْ تَرَكَتْ مَالًا لَا يُدْرَى مَتَى اكْتَسَبَتْهُ قَبْلَ الْأَدَاءِ أَوْ بَعْدَهُ فَالْمَالُ لَهُ ؛ لِأَنَّ الْكَسْبَ حَادِثٌ فَيُحَالُ حُدُوثَهُ إلَى أَقْرَبِ الْأَوْقَاتِ ، وَهُوَ مَا بَعْدَ أَدَاءِ الْكِتَابَةِ وَلِأَنَّ سَبَبَ الِاسْتِحْقَاقِ لَهَا ؛ لِأَنَّهُ قَدْ ظَهَرَ ، وَهُوَ اكْتِسَابُهَا ، وَاسْتِحْقَاقُ النِّصْفِ لِشَرِيكِهِ لَمْ يُعْلَمْ سَبَبُهُ ، وَهُوَ كَوْنُ نَصِيبِهِ قِنًّا حِينَ اكْتَسَبَ وَلَا يُقَالُ قَدْ عَرَفْنَا نَصِيبَهُ مَمْلُوكًا قِنًّا لَهُ فَيَجِبُ التَّمَسُّكُ بِذَلِكَ حَتَّى يَتَبَيَّنَ خِلَافُهُ ؛ لِأَنَّ هَذَا ظَاهِرٌ عُلِمَ زَوَالُهُ بَعْدَ مَا أَدَّتْ الْكِتَابَةَ وَاسْتِصْحَابُ الْحَالِ إنَّمَا يُعْتَبَرُ إذَا لَمْ يَكُنْ خِلَافُهُ مَعْلُومًا فِي الْحَالِ .
جَارِيَةٌ بَيْنَ رَجُلَيْنِ كَاتَبَهَا أَحَدُهُمَا بِغَيْرِ إذْنِ شَرِيكِهِ فَأَدَّتْ إلَيْهِ الْكِتَابَةَ ، ثُمَّ وَطِئَهَا الْآخَرُ فَعَلِقَتْ مِنْهُ قَالَ تَسْعَى لَهُ فِي نَصِيبِهِ ؛ لِأَنَّ نَصِيبَهُ بِمَنْزِلَةِ الْمُكَاتِبِ لِمَا عَلَيْهَا مِنْ السِّعَايَةِ وَلَا تَصِيرُ أُمَّ وَلَدٍ لَهُ أَمَّا عِنْدَهُمَا ؛ لِأَنَّهَا عَتَقَتْ بِأَدَاءِ الْكِتَابَةِ ، وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى لِأَنَّهُ تَعَذَّرَ اسْتِدَامَةُ الْمِلْكِ لَمَا نَفَذَ فِيهَا مِنْ الْعِتْقِ مِنْ جِهَةِ الْمَكَاتِبِ وَإِنَّمَا تَكُونُ أُمَّ وَلَدٍ لَهُ إذَا عَجَزَتْ عَنْ السِّعَايَةِ وَلَيْسَ لَهَا ذَلِكَ هَهُنَا حَتَّى لَوْ مَاتَ الْمُسْتَوْلِدُ قَبْلَ أَنْ تُؤَدِّيَ السِّعَايَةَ عَتَقَ نَصِيبُهُ بِجِهَةِ الِاسْتِيلَادِ وَسَقَطَ عَنْهَا السِّعَايَةُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى .
رَجُلٌ كَاتَبَ جَارِيَةً ، ثُمَّ مَاتَ عَنْ ابْنَيْنِ فَاسْتَوْلَدَهَا أَحَدُهُمَا فَهِيَ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَتْ عَجَزَتْ فَكَانَتْ أُمَّ وَلَدٍ لَهُ وَيَضْمَنُ نِصْفَ قِيمَتِهَا وَنِصْفَ عُقْرِهَا لِشَرِيكِهِ ؛ لِأَنَّ الْكِتَابَةَ انْفَسَخَتْ بِالْعَجْزِ فَصَارَتْ مُشْتَرَكَةً بَيْنَهُمَا إرْثًا قَدْ اسْتَوْلَدَهَا أَحَدُهُمَا وَإِنْ شَاءَتْ مَضَتْ عَلَى كِتَابَتِهَا وَأَخَذَتْ عُقْرَهَا ؛ لِأَنَّ الْمُكَاتَبَ لَا يُورَثُ مَا بَقِيَتْ الْكِتَابَةُ وَقَدْ سَقَطَ الْحَدُّ عَنْ الْوَاطِئِ بِشُبْهَةِ حَقِّ الْمِلْكِ الثَّابِتِ لَهُ فِيهَا بِانْعِقَادِ سَبَبِهِ فَيَجِبُ الْعُقْرُ لَهَا .
وَإِذَا كَاتَبَ الرَّجُلَانِ جَارِيَةً بَيْنَهُمَا مُكَاتَبَةً وَاحِدَةً ، ثُمَّ ارْتَدَّ أَحَدُهُمَا عَنْ الْإِسْلَامِ فَأَدَّتْ الْمُكَاتَبَةَ إلَيْهِمَا ، ثُمَّ قُتِلَ مُرْتَدًّا قَالَ لَا تَعْتِقُ وَلَيْسَ أَدَاؤُهَا إلَى الْمُرْتَدِّ بِشَيْءٍ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى تَعْتِقُ ؛ لِأَنَّ قَبْضَ الْمُرْتَدِّ عِنْدَهُمَا جَائِزٌ كَقَبْضِ الْمُسْلِمِ بِمَنْزِلَةِ قَوْلِهِمَا فِي تَصَرُّفَاتِ الْمُرْتَدِّ وَأَمَّا فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ فِي تَصَرُّفَاتِ الْمُرْتَدِّ تَتَوَقَّفُ وَتَبْطُلُ بِقَتْلِهِ فَكَذَلِكَ قَبْضُهُ نَصِيبَهُ مِنْ الْبَدَلِ كَانَ مَوْقُوفًا وَبِالْقَتْلِ تَبَيَّنَ أَنَّهُ كَانَ حَقَّ الْوَارِثِ فَكَانَ قَبْضُهُ بَاطِلًا وَتَرْجِعُ الْوَرَثَةُ عَلَى الشَّرِيكِ بِنِصْفِ مَا أَخَذَ كَمَا لَوْ كَانَ هُوَ أَخَذَ نَصِيبَهُ وَحْدَهُ وَلِهَذَا لَا يَعْتِقُ نَصِيبُ الشَّرِيكِ مِنْهَا أَيْضًا ، ثُمَّ يَسْتَسْعُونَهَا فِي النِّصْفِ الْبَاقِي فَإِنْ عَجَزَتْ رُدَّتْ فِي الرِّقِّ بِمَنْزِلَةِ مُكَاتَبَةٍ أَدَّتْ نِصْفَ الْبَدَلِ إلَى الْمَوْلَيَيْنِ ، ثُمَّ عَجَزَتْ ، ثُمَّ أَشَارَ فِي الْأَصْلِ إلَى أَنَّهُ وَإِنْ كَاتَبَهُ فِي حَالَةِ الرِّدَّةِ لَمْ يَجُزْ قَبْضُهُ لِبَدَلِ الْكِتَابَةِ بِخِلَافِ مَا إذَا بَاعَهُ فِي حَالَةِ الرِّدَّةِ وَقَبَضَ ثَمَنَهُ كَانَ جَائِزًا مِنْ قِبَلِ أَنَّ بِالرِّدَّةِ صَارَ مَالُهُ كَأَنَّهُ لِلْوَارِثِ وَالْعَاقِدُ فِي بَابِ الْكِتَابَةِ لَا يَسْتَحِقُّ قَبْضَ الْبَدَلِ بِعَقْدِهِ إذَا كَانَتْ الْمُكَاتَبَةُ لِغَيْرِهِ بِخِلَافِ الْعَاقِدِ فِي بَابِ الْبَيْعِ فَإِنَّ حَقَّ قَبْضِ الثَّمَنِ لَهُ وَإِنْ كَانَ الْبَيْعُ لِغَيْرِهِ وَكَأَنَّ فِي هَذَا الْكَلَامِ نَظَرٌ ؛ لِأَنَّ بَيْعَهُ فِي كَسْبِ إسْلَامِهِ لَا يَنْفُذُ بَعْدَ الرِّدَّةِ مَا لَمْ يُسْلِمْ وَبَعْدَ الْإِسْلَامِ يَجُوزُ قَبْضُهُ فِي الْمُكَاتَبَةِ ، وَفِي الثَّمَنِ جَمِيعًا وَإِنَّمَا هَذَا الْفَرْقُ فِيمَا إذَا كَانَ الْبَيْعُ وَالْكِتَابَةُ قَبْلَ الرِّدَّةِ فَلَا يَجُوزُ قَبْضُهُ لِبَدَلِ الْكِتَابَةِ بَعْدَ الرِّدَّةِ وَيَجُوزُ قَبْضُهُ الثَّمَنَ بِحَقِّ الْعَقْدِ
وَإِنَّمَا لَحِقَهُ الْحَجْرُ بِالرِّدَّةِ كَالْعَبْدِ الْمَأْذُونِ إذَا بَاعَ شَيْئًا ، ثُمَّ حَجَرَ عَلَيْهِ مَوْلَاهُ كَانَ قَبْضُهُ الثَّمَنَ صَحِيحًا وَلَوْ لَحِقَ الْمُرْتَدُّ مِنْهُمَا بِدَارِ الْحَرْبِ فَأَدَّتْ جَمِيعَ الْكِتَابَةِ إلَى الشَّرِيكِ الْآخَرِ لَمْ تَعْتِقْ ؛ لِأَنَّ قَبْضَهُ نَصِيبَ وَرَثَةِ الْمُرْتَدِّ بَاطِلٌ وَإِنْ أَدَّتْ إلَى الشَّرِيكِ الْبَاقِي وَإِلَى وَرَثَةِ الْمُرْتَدِّ عَتَقَتْ إذَا كَانَ قَدْ قَضَى بِلَحَاقِهِ كَمَا لَوْ مَاتَ فَدَفَعَتْ الْكِتَابَةَ إلَى الشَّرِيكِ الْحَيِّ وَإِلَى وَرَثَةِ الْمَيِّتِ وَإِنْ عَجَزَتْ بَعْدَ مَا ارْتَدَّ أَحَدُهُمَا فَرَدَّهَا فِي الرِّقِّ ، ثُمَّ قُتِلَ الْمُرْتَدُّ عَلَى رِدَّتِهِ فَهِيَ عَلَى مُكَاتَبَتِهَا ؛ لِأَنَّ فَسْخَ الْكِتَابَةِ فِي نَصِيبِ الْمُرْتَدِّ بَاطِلٌ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى كَكِتَابَتِهِ وَالْكِتَابَةُ إذَا كَانَتْ وَاحِدَةً لَا يُمْكِنُ فَسْخُهَا فِي الْبَعْضِ دُونَ الْبَعْضِ بِسَبَبِ الْعَجْزِ كَمَا لَوْ كَانَ أَحَدُ الْمَوْلَيَيْنِ غَائِبًا فَعَجَزَتْ عَنْ الْمُكَاتَبَةِ لَمْ يَفْسَخْ الْقَاضِي الْعَقْدَ بِخُصُومَةِ الشَّاهِدِ مِنْهُمَا حَتَّى يَحْضُرَ الْآخَرُ .
وَإِذَا ارْتَدَّ الشَّرِيكَانِ مَعًا ، ثُمَّ عَجَزَتْ الْمُكَاتَبَةُ فَرَدَّاهَا فِي الرِّقِّ فَإِنْ أَسْلَمَا فَهِيَ أَمَةٌ قِنَّةٌ بَيْنَهُمَا وَإِنْ قُتِلَا عَلَى الرِّدَّةِ فَهِيَ عَلَى مُكَاتَبَتِهَا .
وَإِنْ كَانَتْ الْمُكَاتَبَةُ بَيْنَ رَجُلَيْنِ فَوَلَدَتْ بِنْتًا ، ثُمَّ إنَّ أَحَدَ الْمَوْلَيَيْنِ وَطِئَ الِابْنَةَ فَعَلِقَتْ مِنْهُ وَوَطِىءَ الْآخَرُ الْأُمَّ فَعَلِقَتْ مِنْهُ فَقَالَتَا نَحْنُ نَعْجِزُ فَذَلِكَ لَهُمَا وَمُرَادُهُ أَنَّ لِلْأُمِّ أَنْ تُعْجِزَ نَفْسَهَا ؛ لِأَنَّهُ تَلْقَاهَا جِهَتَا حُرِّيَّةٍ وَأَمَّا الْوَلَدُ فَلَيْسَ مِنْ هَذَا الْخِيَارِ فِي شَيْءٍ ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ عَلَيْهِ شَيْءٌ مِنْ الْبَدَلِ فَإِذَا اخْتَارَتْ الْأُمُّ الْمُضِيَّ عَلَى الْكِتَابَةِ أَخَذَتْ كُلَّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا عُقْرَهَا مِنْ الْوَاطِئَ ، وَعُقْرُ الِابْنَةِ يَكُونُ لِلْأُمِّ بِمَنْزِلَةِ الْكَسْبِ وَإِنْ عَجَزَتْ كَانَتْ كُلُّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا أُمَّ وَلَدٍ لِلَّذِي وَطِئَهَا وَيَضْمَنُ نِصْفَ قِيمَتِهَا وَنِصْفَ عُقْرِهَا لِشَرِيكِهِ .
وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى إذَا كَاتَبَ الرَّجُلُ نَصِيبَهُ مِنْ عَبْدِهِ بِغَيْرِ إذْنِ شَرِيكِهِ فَلِلشَّرِيكِ أَنْ يَرُدَّ ذَلِكَ وَلَا يَرُدَّهُ إلَّا بِقَضَاءِ الْقَاضِي إلَّا أَنْ يَرْضَى الْعَبْدُ وَمَوْلَاهُ الَّذِي كَاتَبَهُ أَنْ يَنْقُضَ الْكِتَابَةَ وَهَذَا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى أَيْضًا ؛ لِأَنَّ ثُبُوتَ حَقِّ الْفَسْخِ لِلْآخَرِ مُخْتَلَفٌ فِيهِ بَيْنَ الْعُلَمَاءِ فَلَا يَتِمُّ إلَّا بِقَضَاءِ الْقَاضِي أَوْ التَّرَاضِي كَالرُّجُوعِ فِي الْهِبَةِ وَهَذَا ؛ لِأَنَّ الْفَاسِخَ إنَّمَا يَفْسَخُ بِاعْتِبَارِ مِلْكِهِ وَالْعَاقِدُ يَمْنَعُهُ مِنْ ذَلِكَ بِاعْتِبَارِ مِلْكِهِ أَيْضًا فَإِذَا اسْتَوَتْ الْأَقْدَامُ كَانَ الْفَصْلُ إلَى الْقَاضِي وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ وَإِلَيْهِ الْمَرْجِعُ وَالْمَآبُ .
بَابُ مُكَاتَبَةِ الرَّجُلِ شِقْصًا مِنْ عَبْدِهِ ( قَالَ ) رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ : وَإِذَا كَاتَبَ الرَّجُلُ نِصْفَ عَبْدِهِ جَازَ ذَلِكَ وَصَارَ كُلُّهُ مُكَاتَبًا بِذَلِكَ فِي قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى لِأَنَّ الْكِتَابَةَ عِنْدَهُمَا لَا تَتَجَزَّأُ كَالْعِتْقِ ، وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى يَقْتَصِرُ عَلَى الْقَدْرِ الَّذِي كَاتَبَ مِنْهُ فَإِنْ أَدَّى الْمُكَاتَبَةَ عَتَقَ مِنْهُ ذَلِكَ الْقَدْرُ وَيَسْعَى فِيمَا بَقِيَ مِنْ قِيمَتِهِ عَلَى قَدْرِ مَا يُطِيقُ بِمَنْزِلَةِ رَجُلٍ أَعْتَقَ بَعْضَ عَبْدِهِ وَمَعْنَى هَذَا أَنَّهُ لَيْسَ لِلْمَوْلَى أَنْ يُطَالِبَهُ بِالسِّعَايَةِ فِي الْحَالِ وَلَكِنْ يَجْعَلُهُ مُنَجَّمًا عَلَيْهِ بِحَسَبِ مَا يَعْلَمُ أَنَّهُ يُطِيقُ أَدَاءَهُ ؛ لِأَنَّهُ مُعْسِرٌ فَيَسْتَحِقُّ النَّظِرَةَ إلَى الْمَيْسَرَةِ بِالنَّصِّ ؛ وَلِأَنَّ مَقْصُودَهُ تَكْمِيلُ الْعِتْقِ دُونَ التَّضْيِيقِ عَلَيْهِ ، وَإِنْ اكْتَسَبَ الْعَبْدُ مَالًا قَبْلَ الْأَدَاءِ إلَيْهِ فَنِصْفُهُ لَهُ وَنِصْفُهُ لِلْمَوْلَى ؛ لِأَنَّ نِصْفَهُ مَمْلُوكٌ لِلْمَوْلَى غَيْرُ مُكَاتَبٍ وَالْكَسْبُ يُمْلَكُ بِمِلْكِ الْأَصْلِ وَمَا اكْتَسَبَ بَعْدَ الْأَدَاءِ لَيْسَ لِلْمَوْلَى مِنْهُ شَيْءٌ ؛ لِأَنَّ النِّصْفَ مِنْهُ عَتَقَ بِالْأَدَاءِ ، وَالنِّصْفَ الْآخَرَ يُسْتَسْعَى كَالْمُكَاتَبِ فَيَكُونُ هُوَ أَحَقَّ بِجَمِيعِ كَسْبِهِ بَعْدَ الْأَدَاءِ .
وَإِذَا كَاتَبَ نِصْفَهُ ثُمَّ أَرَادَ أَنْ يَحُولَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْكَسْبِ لَمْ يَكُنْ لَهُ ذَلِكَ ؛ لِأَنَّ مَقْصُودَ الْمَوْلَى بِالْكِتَابَةِ تَمْكِينُهُ مِنْ التَّقَلُّبِ وَالتَّكَسُّبِ لِيُؤَدِّيَ بِهِ الْبَدَلَ ، وَقَدْ ثَبَتَ هَذَا الْحَقُّ لِلْمُكَاتَبِ بِكِتَابَةِ النِّصْفِ لَازِمًا فَكَمَا لَا يَكُونُ لَهُ أَنْ يَفْسَخَ الْكِتَابَةَ لَا يَكُونُ لَهُ أَنْ يَحُولَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْكَسْبِ وَإِذَا أَرَادَ أَنْ يَخْرُجَ مِنْ الْمِصْرِ فَلَهُ أَنْ يَمْنَعَهُ فِي الْقِيَاسِ ؛ لِأَنَّ نِصْفَهُ مَمْلُوكٌ لَهُ وَلِلْمَوْلَى أَنْ يَمْنَعَ مِلْكَهُ مِنْ السَّفَرِ وَلَا يَتَأَتَّى السَّفَرُ فِي قَدْرِ مَا صَارَ مُكَاتَبًا مِنْهُ وَحْدَهُ فَكَانَ لِلْمَوْلَى
أَنْ يَمْنَعَهُ دَفْعًا لِلضَّرَرِ عَنْ مِلْكِهِ كَمَنْ اسْتَأْجَرَ دَابَّةً لِيَرْكَبَهَا هُوَ لَيْسَ لَهُ أَنْ يُرْكِبَ غَيْرَهُ أَوْ اسْتَأْجَرَ ثَوْبًا لِيَلْبَسَهُ هُوَ لَيْسَ لَهُ أَنْ يُلْبِسَ غَيْرَهُ ؛ لِأَنَّ الرُّكُوبَ وَاللُّبْسَ يَتَفَاوَتُ فِيهِ النَّاسُ فَيَصِيرُ الْمُسْتَأْجِرُ مَمْنُوعًا مِنْ التَّصَرُّفِ فِيمَا يَمْلِكُهُ مِنْ الْمَنْفَعَةِ عَلَى وَجْهٍ يُلْحِقُ الضَّرَرَ بِصَاحِبِ الثَّوْبِ وَلَكِنَّهُ فِي الِاسْتِحْسَانِ لَا يُمْنَعُ مِنْ ذَلِكَ ؛ لِأَنَّ الْمَوْلَى أَثْبَتَ لَهُ حَقَّ التَّقَلُّبِ وَالتَّكَسُّبِ وَرُبَّمَا لَا يَحْصُلُ لَهُ هَذَا الْمَقْصُودُ فِي الْمِصْرِ وَالْخُرُوجُ مِنْ الْمِصْرِ لِلطَّلَبِ طَرِيقٌ ظَاهِرٌ بَيْنَ النَّاسِ فَيَصِيرُ مُثْبِتًا لَهُ ذَلِكَ الْحَقَّ حِينَ كَاتَبَ نِصْفَهُ فَلَا يَمْنَعُهُ بَعْدَ ذَلِكَ مِنْهُ وَهَذَا أَوْلَى الْوَجْهَيْنِ بِالْأَخْذِ بِهِ ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ هَذَا الْعَقْدِ الْإِرْفَاقُ بِهِ وَكَذَلِكَ لَوْ أَرَادَ أَنْ يَسْتَخْدِمَهُ أَوْ يَسْتَسْعِيَهُ يَوْمًا وَيُخَلِّيَ عَنْهُ يَوْمًا لِلْكَسْبِ فَلَهُ ذَلِكَ فِي الْقِيَاسِ ؛ لِأَنَّ خِدْمَتَهُ وَمَنْفَعَتَهُ كَكَسْبِهِ فَكَمَا أَنَّ لِلْمَوْلَى أَنْ يَأْخُذَ نِصْفَ كَسْبِهِ فَكَذَلِكَ لَهُ أَنْ يَجْعَلَ نِصْفَ خِدْمَتِهِ لِنَفْسِهِ بِالتَّهَايُؤِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ نَفْسِهِ .
وَفِي الِاسْتِحْسَانِ لَا يَعْرِضُ لَهُ فِي شَيْءٍ حَتَّى يُؤَدِّيَ أَوْ يَعْجِزَ ؛ لِأَنَّهُ أَثْبَتَ لَهُ حَقَّ التَّقَلُّبِ وَالتَّكَسُّبِ وَذَلِكَ بِمَنَافِعِهِ يَكُونُ فَمِنْ ضَرُورَةِ ثُبُوتِ هَذَا الْحَقِّ لَهُ لَازِمًا أَنْ يَكُونَ أَحَقَّ بِمَنَافِعِهِ وَهَذَا أَوْلَى الْوَجْهَيْنِ بِالْأَخْذِ بِهِ ؛ لِأَنَّهُ إرْفَاقٌ بِهِ وَلَيْسَ فِيهِ ضَرَرٌ عَلَى مَوْلَاهُ فَإِنَّهُ إذَا اكْتَسَبَ بِمَنَافِعِهِ كَانَ لِلْمَوْلَى أَنْ يَأْخُذَ نِصْفَهُ فَيَكُونَ هَذَا تَحْوِيلًا لِحَقِّهِ مِنْ الْمَنْفَعَةِ إلَى الْكَسْبِ وَلَا ضَرَرَ فِيهِ لَوْ جَعَلْنَا الْمُكَاتَبَ أَحَقَّ بِكَسْبِهِ كَانَ فِيهِ إبْطَالُ حَقِّ الْمَوْلَى عَنْ نِصْفِ الْكَسْبِ فَلِهَذَا لَا يُعْتَبَرُ الْإِرْفَاقُ فِي ذَلِكَ .
وَإِذَا كَاتَبَ نِصْفَ جَارِيَتِهِ فَوَلَدَتْ وَلَدًا كَانَ وَلَدُهَا بِمَنْزِلَتِهَا وَنِصْفُ كَسْبِهِ لِلْمَوْلَى ؛ لِأَنَّ نِصْفَ الْوَلَدِ مَمْلُوكٌ كَنِصْفِ الْأُمِّ وَنِصْفُ كَسْبِهِ لِلْأُمِّ ؛ لِأَنَّهُ دَاخِلٌ فِي كِتَابَتِهَا فَتَأْخُذُ حِصَّةَ ذَلِكَ مِنْ كَسْبِهِ فَإِنْ أَدَّتْ عَتَقَ نِصْفُهَا وَنِصْفُ الْوَلَدِ مَعَهَا وَيَسْعَى كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فِي نِصْفِ قِيمَتِهِ ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مُعْتَقُ الْبَعْضِ وَقَدْ احْتَبَسَ مَا بَقِيَ مِنْ مِلْكِ الْمَوْلَى فِيهِ عِنْدَهُ وَكُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَقْصُودٌ فِي هَذِهِ السِّعَايَةِ فَإِذَا اكْتَسَبَ الْوَلَدُ بَعْدَ ذَلِكَ فَذَلِكَ الْكَسْبُ لَهُ دُونَ أُمِّهِ وَمَوْلَاهُ ؛ لِأَنَّهُ صَارَ كَالْمُكَاتَبِ بِمَا لَزِمَهُ مِنْ السِّعَايَةِ فِي نِصْفِ قِيمَتِهِ مَقْصُودًا ، وَإِنْ مَاتَتْ الْأُمُّ قَبْلَ أَنْ تُؤَدِّيَ شَيْئًا مِنْ كِتَابَتِهَا يَسْعَى الْوَلَدُ فِي الْمُكَاتَبَةِ ؛ لِأَنَّ نِصْفَهُ تَبَعٌ لِلْأُمِّ فِي الْكِتَابَةِ فَيَقُومُ مَقَامَهَا بَعْدَ مَوْتِهَا فِي السِّعَايَةِ ، وَفِي الْمُكَاتَبَةِ فَإِذَا أَدَّاهَا عَتَقَ نِصْفُهَا كَمَا لَوْ أَدَّتْ فِي حَالِ حَيَاتِهَا وَيَسْعَى بَعْدَ ذَلِكَ فِي نِصْفِ قِيمَتِهِ وَلَا يَسْعَى فِي نِصْفِ قِيمَةِ أُمِّهِ ؛ لِأَنَّ فِي السِّعَايَةِ فِي نِصْفِ الْقِيمَةِ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَقْصُودٌ فَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ مَا كَانَ وَاجِبًا عَلَيْهَا مِنْ السِّعَايَةِ ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ فِي حُكْمِ التَّبَعِيَّةِ وَلَا تَبَعِيَّةَ هُنَا فِي حَقِّ ذَلِكَ النِّصْفِ وَهُوَ بِمَنْزِلَةِ رَجُلٍ أَعْتَقَ نِصْفَ جَارِيَتِهِ وَنِصْفَ وَلَدِهَا ثُمَّ مَاتَتْ الْأُمُّ فَلَا سِعَايَةَ عَلَى الْوَلَدِ مِنْ قِبَلِ الْأُمِّ .
وَلَوْ كَانَ أَعْتَقَ نِصْفَ أَمَتِهِ وَهِيَ حُبْلَى فَوَلَدَتْ بَعْدَ ذَلِكَ أَوْ حَبِلَتْ بَعْدَ الْعِتْقِ فَهَذَا الْوَلَدُ يَسْعَى فِيمَا عَلَى أُمِّهِ إذَا مَاتَتْ ؛ لِأَنَّ جَمِيعَ الْوَلَدِ تَبَعٌ لَهَا أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَيْسَ عَلَيْهِ شَيْءٌ مِنْ السِّعَايَةِ مَقْصُودًا فَيَسْعَى فِيمَا عَلَيْهَا بَعْدَ مَوْتِهَا وَإِذَا كَاتَبَ نِصْفَ أَمَتِهِ فَوَلَدَتْ وَلَدًا ثُمَّ مَاتَتْ الْأُمُّ وَتَرَكَتْ مَالًا وَعَلَيْهَا دَيْنٌ