كتاب : المبسوط
المؤلف : محمد بن أحمد بن أبي سهل شمس الأئمة السرخسي

( قَالَ ) وَإِنْ أَعْتَقَ أُمَّ وَلَدِهِ وَهِيَ حَامِلٌ أَوْ مَاتَ عَنْهَا فَعِدَّتُهَا بِوَضْعِ الْحَمْلِ لِمَا بَيَّنَّا أَنَّ الْعِدَّةَ لَزِمَتْهَا وَهِيَ حَامِلٌ فَيَتَقَدَّرُ انْقِضَاؤُهَا بِوَضْعِ الْحَمْلِ كَمَا فِي عِدَّةِ النِّكَاحِ بَلْ أَوْلَى لِأَنَّ مَعْنَى تَبَيُّنِ فَرَاغِ الرَّحِمِ هُوَ الْمُعْتَبَرُ هُنَا لَا غَيْرُ .

( قَالَ ) وَلَوْ مَاتَ عَنْ أَمَةٍ كَانَ يَطَؤُهَا أَوْ عَنْ مُدَبَّرَةٍ كَانَ يَطَؤُهَا فَلَا عِدَّةَ عَلَيْهَا وَكَذَلِكَ إنْ أَعْتَقَهَا لِأَنَّ الْفِرَاشَ لَا يَثْبُتُ إلَّا بِالْوَطْءِ فِي مِلْكِ الْيَمِينِ ، وَهُوَ مَعْرُوفٌ فِي كِتَابِ الدَّعْوَى وَبِدُونِ الْفِرَاشِ لَا تَجِبُ الْعِدَّةُ ، وَفِي الْكِتَابِ يَقُولُ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ بَاعَهَا بَعْدَ مَا وَطِئَهَا لَمْ تَلْزَمْهَا الْعِدَّةُ وَالِاسْتِبْرَاءُ الْوَاجِبُ عَلَى الْمُشْتَرِي لَيْسَ بِعِدَّةٍ لِأَنَّ الْعِدَّةَ تَجِبُ عَلَيْهَا وَالِاسْتِبْرَاءُ يَجِبُ عَلَى الْمُشْتَرِي .

( قَالَ ) وَلَوْ زَوَّجَهَا الْمُشْتَرِي قَبْلَ أَنْ يَسْتَبْرِئَهَا جَازَ وَوُجُوبُ الِاسْتِبْرَاءِ عَلَيْهَا هُنَاكَ كَوُجُوبِهِ إذَا اشْتَرَاهَا مِنْ صَبِيٍّ أَوْ امْرَأَةٍ أَوْ اشْتَرَاهَا وَهِيَ بِكْرٌ .

( قَالَ ) وَلَوْ دَخَلَ بِامْرَأَةٍ عَلَى وَجْهِ شُبْهَةٍ أَوْ نِكَاحٍ فَاسِدٍ فَعَلَيْهِ الْمَهْرُ وَعَلَيْهَا الْعِدَّةُ ثَلَاثُ حِيَضٍ إنْ كَانَتْ حُرَّةً وَحَيْضَتَانِ إنْ كَانَتْ أَمَةً وَقَدْ بَيَّنَّا هَذَا فِي كِتَابِ النِّكَاحِ أَنَّ الْفِرَاشَ يَثْبُتُ بِالدُّخُولِ عِنْدَ فَسَادِ الْعَقْدِ فَتَجِبُ الْعِدَّةُ بِزَوَالِهِ بِالتَّفْرِيقِ وَيَسْتَوِي إنْ مَاتَ عَنْهَا أَوْ فَرَّقَ بَيْنَهُمَا ، وَهُوَ حَيٌّ لِأَنَّ هَذِهِ الْعِدَّةَ لَا تَجِبُ إلَّا لِتُعْرَفَ بَرَاءَةُ الرَّحِمِ فَلَا تَخْتَلِفُ بِالْحَيَاةِ وَالْمَمَاتِ كَعِدَّةِ أُمِّ الْوَلَدِ وَهَذَا لِأَنَّ التَّرَبُّصَ بِالْأَشْهُرِ فِي عِدَّةِ الْوَفَاةِ لِقَضَاءِ حَقِّ النِّكَاحِ .
وَلِهَذَا يَجِبُ مِنْ غَيْرِ تَوَهُّمِ الدُّخُولِ وَهَذَا لَا يُوجَدُ فِي الْوَطْءِ بِالشُّبْهَةِ وَلَا فِي النِّكَاحِ الْفَاسِدِ وَإِنْ كَانَتْ لَا تَحِيضُ مِنْ صِغَرٍ أَوْ كِبَرٍ فَعِدَّةُ الْحُرَّةِ ثَلَاثَةُ أَشْهُرٍ وَعِدَّةُ الْأَمَةِ شَهْرٌ وَنِصْفٌ اعْتِبَارًا لِلْفِرَاشِ الْفَاسِدِ بِالْفِرَاشِ الصَّحِيحِ إذَا وَجَبَتْ الْعِدَّةُ بِالْفُرْقَةِ فِي حَالَةِ الْحَيَاةِ .

( قَالَ ) ، وَإِذَا تَزَوَّجَ الْمُكَاتَبُ بِنْتَ مَوْلَاهُ بِإِذْنِهِ ثُمَّ مَاتَ الْمَوْلَى ثُمَّ مَاتَ الْمُكَاتَبُ وَتَرَكَ وَفَاءً فَعِدَّتُهَا أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ وَعَشْرٌ وَلَهَا عَلَيْهِ الصَّدَاقُ وَتَرِثُهُ لِأَنَّهَا لَمْ تَمْلِكْ شَيْئًا مِنْ رَقَبَتِهِ بِمَوْتِ الْمَوْلَى لِقِيَامِ عَقْدِ الْكِتَابَةِ وَمَوْتِ الْمُكَاتَبِ عَنْ وَفَاءٍ لَا يُوجِبُ فَسْخَ الْكِتَابَةِ عِنْدَنَا بَلْ يُؤَدِّي كِتَابَتَهُ وَيُحْكَمُ بِحُرِّيَّتِهِ فِي حَيَاتِهِ فَيَكُونُ النِّكَاحُ مُنْتَهِيًا بَيْنَهُمَا بِمَوْتِ الزَّوْجِ فَعَلَيْهَا عِدَّةُ الْوَفَاةِ وَلَهَا جَمِيعُ الصَّدَاقِ .
وَإِنْ لَمْ يَدْخُلْ بِهَا وَتَرِثُهُ بِالزَّوْجِيَّةِ لِانْتِهَاءِ النِّكَاحِ بِالْمَوْتِ بَعْدَ الْحُكْمِ بِحُرِّيَّةِ الزَّوْجِ فَإِنْ لَمْ يَتْرُكْ وَفَاءً وَقَدْ دَخَلَ بِهَا فَلَهَا الصَّدَاقُ دَيْنًا فِي عُنُقِهِ وَمَعْنَى هَذَا أَنَّهُ كَانَ دَيْنًا فِي عُنُقِهِ وَيَبْطُلُ عَنْهُ مِقْدَارُ نَصِيبِهَا فِي رَقَبَتِهِ لِأَنَّ بِمَوْتِهِ عَاجِزًا انْفَسَخَتْ الْكِتَابَةُ قَبْلَ الْمَوْتِ لِتَحَقُّقِ الْعَجْزِ حِينَ أَشْرَفَ عَلَى الْهَلَاكِ فَمَلَكَتْ جُزْءًا مِنْ رَقَبَةِ زَوْجِهَا إرْثًا مِنْ أَبِيهَا وَذَلِكَ مُفْسِدٌ لِلنِّكَاحِ بَيْنَهُمَا إلَّا أَنَّ الصَّدَاقَ كُلَّهُ قَدْ تَأَكَّدَ بِالدُّخُولِ وَلَكِنْ بِقَدْرِ نَصِيبِهَا يَسْقُطُ لِأَنَّهَا لَا تَسْتَوْجِبُ دَيْنًا عَلَى عَبْدِهَا كَصَاحِبِ الدَّيْنِ إذَا وَهَبَ لَهُ الْعَبْدُ الْمَدْيُونُ وَبِقَدْرِ نَصِيبِ سَائِرِ الْوَرَثَةِ يَبْقَى فَتَسْتَوْفِي ذَلِكَ مِمَّا تَرَكَ مِنْ كَسْبِهِ وَعَلَيْهَا ثَلَاثُ حِيَضٍ لِوُقُوعِ الْفُرْقَةِ بَيْنَهُمَا بَعْدَ الدُّخُولِ قَبْلَ الْمَوْتِ حِينَ مَلَكَتْ جُزْءًا مِنْهُ فَلَا يَتَغَيَّرُ ذَلِكَ بِمَوْتِهِ .
وَإِنْ كَانَ لَمْ يَدْخُلْ بِهَا فَلَا صَدَاقَ لَهَا وَلَا عِدَّةَ عَلَيْهَا لِأَنَّ الْفُرْقَةَ وَقَعَتْ قَبْلَ الدُّخُولِ بِسَبَبٍ مُضَافٍ إلَيْهَا ، وَهُوَ مِلْكُهَا جُزْءًا مِنْ رَقَبَتِهِ وَذَلِكَ مُسْقِطٌ لِجَمِيعِ الصَّدَاقِ .

( قَالَ ) ، وَإِذَا اشْتَرَى الْمُكَاتَبُ امْرَأَتَهُ وَقَدْ وَلَدَتْ مِنْهُ لَمْ يَبْطُلْ النِّكَاحُ لِأَنَّ الثَّابِتَ لَهُ فِي كَسْبِهِ حَقُّ الْمِلْكِ وَقَدْ بَيَّنَّا فِي كِتَابِ النِّكَاحِ أَنَّ حَقَّ الْمِلْكِ لَا يَمْنَعُ بَقَاءَ النِّكَاحِ فَإِنْ مَاتَ وَتَرَكَ وَفَاءً تُؤَدَّى كِتَابَتُهُ وَيُحْكَمُ بِحُرِّيَّتِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ إمَّا إسْنَادًا لِلْعِتْقِ إلَى مَا قَبْلَ الْمَوْتِ أَوْ إبْقَاءً لَهُ حَيًّا حُكْمًا إلَى وَقْتِ أَدَاءِ الْكِتَابَةِ وَلَمَّا حُكِمَ بِحُرِّيَّتِهِ ثُمَّ مَلَكَ رَقَبَتَهَا صَارَتْ أُمَّ وَلَدٍ لَهُ فَارْتَفَعَ النِّكَاحُ وَعَتَقَتْ .
وَأُمُّ الْوَلَدِ إذَا عَتَقَتْ بِمَوْتِ مَوْلَاهَا اعْتَدَّتْ بِثَلَاثِ حِيَضٍ وَإِنْ لَمْ يَتْرُكْ وَفَاءً فَعِدَّتُهَا شَهْرَانِ وَخَمْسَةُ أَيَّامٍ لِأَنَّهُ مَاتَ عَاجِزًا فَكَانَ النِّكَاحُ مُنْتَهِيًا بِالْمَوْتِ وَعَلَى الْأَمَةِ عِنْدَ زَوْجِهَا مِنْ الْعِدَّةِ شَهْرَانِ وَخَمْسَةُ أَيَّامٍ وَإِنْ لَمْ تَكُنْ وَلَدَتْ مِنْهُ وَقَدْ تَرَكَ وَفَاءً فَإِنْ كَانَ دَخَلَ بِهَا فَعِدَّتُهَا حَيْضَتَانِ كَالْحُرِّ إذَا اشْتَرَى امْرَأَتَهُ بَعْدَ مَا دَخَلَ بِهَا فَعَلَيْهَا مِنْ الْعِدَّةِ حَيْضَتَانِ حَتَّى لَا يَمْلِكَ تَزْوِيجَهَا إلَّا بَعْدَ مُضِيِّ الْمُدَّةِ .
وَإِنْ لَمْ تَظْهَرْ هَذِهِ الْفُرْقَةُ فِي حَقِّهِ حَتَّى كَانَ لَهُ أَنْ يَطَأَهَا وَإِنْ لَمْ يَدْخُلْ بِهَا فَلَا عِدَّةَ عَلَيْهَا لِأَنَّ هَذِهِ الْفُرْقَةَ وَقَعَتْ فِي حَالَةِ الْحَيَاةِ قَبْلَ الدُّخُولِ وَإِنْ كَانَ لَمْ يَتْرُكْ وَفَاءً وَلَمْ يَدْخُلْ بِهَا أَوْ دَخَلَ بِهَا غَيْرَ أَنَّهَا لَمْ تَلِدْ مِنْهُ فَعِدَّتُهَا شَهْرَانِ وَخَمْسَةُ أَيَّامٍ وَكَذَلِكَ إنْ كَانَتْ قَدْ وَلَدَتْ مِنْهُ لِأَنَّهُ مَاتَ عَاجِزًا فَلَمْ يَمْلِكْ شَيْئًا مِنْ رَقَبَتِهَا وَإِنَّمَا كَانَ النِّكَاحُ بَيْنَهُمَا مُنْتَهِيًا بِالْمَوْتِ فَعَلَيْهَا الْعِدَّةُ شَهْرَانِ وَخَمْسَةُ أَيَّامٍ وَهِيَ أَمَةٌ لِمَوْلَى الْمُكَاتَبِ .
وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ وَإِلَيْهِ الْمَرْجِعُ وَالْمَآبُ .

بَابُ الرَّدِّ عَلَى مَنْ قَالَ إذَا طَلَّقَ لِغَيْرِ السُّنَّةِ لَا يَقَعُ .
( قَالَ ) وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ مُخْتَلَفٌ فِيهَا بَيْنَنَا وَبَيْنَ الشِّيعَةِ عَلَى فَصْلَيْنِ ( أَحَدُهُمَا ) أَنَّهُ إذَا طَلَّقَهَا فِي حَالَةِ الْحَيْضِ أَوْ فِي طُهْرٍ قَدْ جَامَعَهَا فِيهِ يَقَعُ الطَّلَاقُ عِنْدَ جُمْهُورِ الْفُقَهَاءِ وَعِنْدَهُمْ لَا يَقَعُ ( وَالثَّانِي ) أَنَّهُ إذَا طَلَّقَهَا ثَلَاثًا جُمْلَةً يَقَعُ ثَلَاثًا عِنْدَنَا وَالزَّيْدِيَّةُ مِنْ الشِّيعَةِ يَقُولُونَ تَقَعُ وَاحِدَةً وَالْإِمَامِيَّةُ يَقُولُونَ لَا يَقَعُ شَيْءٌ وَيَزْعُمُونَ أَنَّهُ قَوْلُ عَلِيٍّ كَرَّمَ اللَّهُ وَجْهَهُ ، وَهُوَ افْتِرَاءٌ مِنْهُمْ عَلَى عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ فَقَدْ ذَكَرَ بَعْدَ هَذَا فِي كِتَابِ الطَّلَاقِ عَنْ عَلِيٍّ وَابْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا أَنَّ الثَّلَاثَ جُمْلَةً تَقَعُ بِإِيقَاعِ الزَّوْجِ وَالْمَشْهُورُ مِنْ قَوْلِ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ كُلُّ طَلَاقٍ جَائِزٌ إلَّا طَلَاقَ الصَّبِيِّ وَالْمَعْتُوهِ وَشُبْهَتُهُمْ فِيهِ أَنَّ الزَّوْجَ مَأْمُورٌ شَرْعًا بِإِيقَاعِ الطَّلَاقِ لِلسُّنَّةِ وَالْمَأْمُورُ مِنْ جِهَةِ الزَّوْجِ بِإِيقَاعِ الطَّلَاقِ لِلسُّنَّةِ وَهُوَ الْوَكِيلُ إذَا أَوْقَعَ لِغَيْرِ السُّنَّةِ لَا يَقَعُ فَكَذَلِكَ الْمَأْمُورُ شَرْعًا بَلْ أَوْلَى لِأَنَّ أَمْرَ الشَّرْعِ أَلْزَمُ وَلِأَنَّ نُفُوذَ تَصَرُّفِهِ بِالْإِذْنِ شَرْعًا وَالْمَنْهِيُّ عَنْهُ غَيْرُ مَأْذُونٍ فِيهِ فَلَا يَكُونُ نَافِذًا كَطَلَاقِ الصَّبِيِّ وَالْمَعْتُوهِ .
وَحُجَّتُنَا فِي ذَلِكَ حَرْفَانِ : ( أَحَدُهُمَا ) أَنَّ النَّهْيَ دَلِيلٌ ظَاهِرٌ عَلَى تَحَقُّقِ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ لِأَنَّ النَّهْيَ عَمَّا لَا يَتَحَقَّقُ لَا يَكُونُ فَإِنَّ مُوجِبَ النَّهْيِ الِانْتِهَاءُ عَلَى وَجْهٍ يَكُونُ الْمَنْهِيُّ فِيهِ مُخْتَارًا حَتَّى يَسْتَحِقَّ الثَّوَابَ إذَا انْتَهَى وَيَسْتَوْجِبَ الْعِقَابَ إذَا أَقْدَمَ وَمَا لَمْ يَكُنْ الْمَنْهِيُّ عَنْهُ مُتَحَقِّقًا فِي نَفْسِهِ لَا يُتَصَوَّرُ كَوْنُهُ مُخْتَارًا فِي الِانْتِهَاءِ وَقَدْ قَرَّرْنَا هَذَا فِي النَّهْيِ عَنْ صَوْمِ يَوْمِ الْعِيدِ .
( وَالثَّانِي ) أَنَّ النَّهْيَ

إذَا كَانَ لِمَعْنًى فِي غَيْرِ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ لَا يَعْدَمُ الْمَنْهِيَّ عَنْهُ وَلَا يَمْنَعُ نُفُوذَهُ شَرْعًا كَالنَّهْيِ عَنْ الصَّلَاةِ فِي الْأَرْضِ الْمَغْصُوبَةِ وَالنَّهْيِ عَنْ الْبَيْعِ عِنْدِ النِّدَاءِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَهُنَا النَّهْيُ لِمَعْنًى فِي غَيْرِ الطَّلَاقِ مِنْ تَطْوِيلِ الْعِدَّةِ وَاشْتِبَاهِ أَمْرِ الْعِدَّةِ عَلَيْهَا أَوْ سَدِّ بَابِ التَّلَاقِي عِنْدَ النَّدَمِ فَلَا يَمْنَعُ النَّفَاذَ وَاسْتَكْثَرَ مِنْ الشَّوَاهِدِ فِي الْكِتَابِ وَكُلُّ ذَلِكَ يَرْجِعُ إلَى هَذَيْنِ الْحَرْفَيْنِ وَهَذَا بِخِلَافِ الْوَكِيلِ فَإِنَّ نُفُوذَ تَصَرُّفِهِ بِأَمْرِ الْمُوَكِّلِ فَإِذَا خَالَفَ الْمَأْمُورَ بِهِ لَا يَنْفُذُ وَهُنَا تَصَرُّفُ الزَّوْجِ بِحُكْمِ مِلْكِهِ ، وَهُوَ بِعَقْدِ النِّكَاحِ صَارَ مَالِكًا لِلتَّطْلِيقَاتِ الثَّلَاثِ وَالْمِلْكُ عِلَّةٌ تَامَّةٌ لِنُفُوذِ التَّصَرُّفِ مِمَّنْ هُوَ أَهْلٌ لِلتَّصَرُّفِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَأْمُورًا وَلَا مَأْذُونًا فِيهِ وَهَذَا بِخِلَافِ الصَّبِيِّ وَالْمَعْتُوهِ لِأَنَّ الْأَهْلِيَّةَ لِإِيقَاعِ الطَّلَاقِ غَيْرُ مُتَحَقَّقَةٍ فِيهِمَا أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَا يَصِحُّ مِنْهُمَا التَّعْلِيقُ بِالشَّرْطِ وَلَا الْإِضَافَةُ إلَى مَا بَعْدَ الْبُلُوغِ وَلَا تَمْلِيكُ الْأَمْرِ مِنْهُمَا وَكُلُّ ذَلِكَ صَحِيحٌ مِنْ الرَّجُلِ فِي حَيْضِ الْمَرْأَةِ وَبِهَذَا وَنَظَائِرِهِ اسْتَشْهَدَ فِي الْكِتَابِ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ وَإِلَيْهِ الْمَرْجِعُ وَالْمَآبُ .

بَابُ اللُّبْسِ وَالتَّطَيُّبِ .
( قَالَ ) رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ الْأَصْلُ أَنَّ الْمُتَوَفَّى عَنْهَا زَوْجُهَا يَلْزَمُهَا الْحِدَادُ فِي عِدَّتِهَا ، وَفِيهِ لُغَتَانِ حِدَادٌ وَإِحْدَادٌ يُقَالُ أَحَدَّتْ الْمَرْأَةُ تَحِدُّ وَحَدَّتْ تَحِدُّ وَكِلَاهُمَا لُغَةٌ صَحِيحَةٌ وَهَذَا لِمَا رُوِيَ أَنَّ أُمَّ حَبِيبَةَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا لَمَّا أَتَاهَا خَبَرُ مَوْتِ أَبِي سُفْيَانَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ دَعَتْ بِطِيبٍ بَعْدَ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فَأَمَسَّتْهُ عَارِضَيْهَا وَقَالَتْ مَا بِي حَاجَةٌ إلَى الطِّيبِ وَلَكِنِّي سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ { لَا يَحِلُّ لِامْرَأَةٍ تُؤْمِنُ بِاَللَّهِ وَرَسُولِهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ أَنْ تَحِدَّ عَلَى مَيِّتٍ فَوْقَ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ إلَّا عَلَى زَوْجِهَا أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا } { وَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِلْمَرْأَةِ الَّتِي اسْتَأْذَنَتْهُ فِي الِاكْتِحَالِ قَدْ كَانَتْ إحْدَاكُنَّ فِي الْجَاهِلِيَّةِ } الْحَدِيثَ عَلَى مَا رَوَيْنَا فَأَمَّا الْمَبْتُوتَةُ وَهِيَ الْمُخْتَلِعَةُ وَالْمُطَلَّقَةُ ثَلَاثًا أَوْ تَطْلِيقَةً بَائِنَةً فَعَلَيْهَا الْحِدَادُ فِي عِدَّتِهَا عِنْدَنَا وَقَالَ الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ لَا حِدَادَ عَلَيْهَا لِأَنَّ هَذِهِ الْعِدَّةَ وَاجِبَةٌ لِتَعْرِفَ بَرَاءَةَ الرَّحِمِ فَلَا حِدَادَ عَلَيْهَا كَالْمُعْتَدَّةِ عَنْ وَطْءٍ بِشُبْهَةٍ أَوْ نِكَاحٍ فَاسِدٍ وَهَذَا لِأَنَّ الْحِدَادَ عَلَى الْمُتَوَفَّى عَنْهَا زَوْجُهَا لِإِظْهَارِ التَّأَسُّفِ عَلَى مَوْتِ الزَّوْجِ الَّذِي وَفَى لَهَا حَتَّى فَرَّقَ الْمَوْتُ بَيْنَهُمَا وَذَلِكَ غَيْرُ مَوْجُودٍ فِي حَقِّ الْمُطَلَّقَةِ لِأَنَّ الزَّوْجَ جَفَاهَا وَآثَرَ غَيْرَهَا عَلَيْهَا فَإِنَّمَا تُظْهِرُ السُّرُورَ بِالتَّخَلُّصِ مِنْهُ دُونَ التَّأَسُّفِ .
( وَلَنَا ) فِي ذَلِكَ حَدِيثُ أُمِّ سَلَمَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { نَهَى الْمُعْتَدَّةَ أَنْ تَخْتَضِبَ بِالْحِنَّاءِ } فَإِنَّ الْحِنَّاءَ طِيبٌ وَهَذَا عَامٌّ فِي كُلِّ مُعْتَدَّةٍ وَلِأَنَّهَا مُعْتَدَّةٌ مِنْ نِكَاحٍ صَحِيحٍ فَهِيَ كَالْمُتَوَفَّى

عَنْهَا زَوْجُهَا وَتَأْثِيرُهُ أَنَّ الْحِدَادَ إظْهَارُ التَّأَسُّفِ عَلَى فَوْتِ نِعْمَةِ النِّكَاحِ وَالْوَطْءِ الْحَلَالِ بِسَبَبِهِ وَذَلِكَ مَوْجُودٌ فِي الْمَبْتُوتَةِ كَوُجُودِهِ فِي الْمُتَوَفَّى عَنْهَا زَوْجُهَا وَعَيْنُ الزَّوْجِ مَا كَانَ مَقْصُودًا لَهَا حَتَّى يَكُونَ التَّحَزُّنُ بِفَوَاتِهِ بَلْ كَانَ مَقْصُودُهَا مَا ذَكَرْنَا مِنْ النِّعْمَةِ وَذَلِكَ يَفُوتُهَا فِي الطَّلَاقِ وَالْوَفَاةِ بِصِفَةٍ وَاحِدَةٍ بِخِلَافِ الْعِدَّةِ مِنْ نِكَاحٍ فَاسِدٍ وَالْوَطْءِ بِشُبْهَةٍ لِأَنَّهُ مَا فَاتَهَا نِعْمَةٌ بَلْ تَخَلَّصَتْ مِنْ الْحَرَامِ بِالتَّفْرِيقِ بَيْنَهُمَا .

وَصِفَةُ الْحِدَادِ أَنْ لَا تَتَطَيَّبَ وَلَا تَدَّهِنَ وَلَا تَلْبَسَ الْحُلِيَّ وَلَا الثَّوْبَ الْمَصْبُوغَ بِالْعُصْفُرِ أَوْ الزَّعْفَرَانِ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ هَذَا كُلِّهِ التَّزَيُّنُ ، وَهُوَ ضِدُّ إظْهَارِ التَّحَزُّنِ وَلِأَنَّهُ مِنْ أَسْبَابِ رَغْبَةِ الرِّجَالِ فِيهَا وَهِيَ مَمْنُوعَةٌ مِنْ الرِّجَالِ مَا دَامَتْ مُعْتَدَّةً وَلَا ثَوْبَ عَصَبٍ وَلَا خَزٍّ لِتَتَزَيَّنَ بِهِ قِيلَ هُوَ الْبُرْدُ الْيَمَانِيُّ وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ الْقَصَبُ ، وَفِي النَّوَادِرِ عَنْ أَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى لَا بَأْسَ بِأَنْ تَلْبَسَ الْقَصَبَ وَالْخَزَّ الْأَحْمَرَ وَتَأْوِيلُ ذَلِكَ إذَا لَبِسَتْ ذَلِكَ لَا عَلَى قَصْدِ التَّزَيُّنِ بِهِ فَأَمَّا عَلَى قَصْدِ التَّزَيُّنِ بِهِ فَهُوَ مَكْرُوهٌ كَمَا قَالَ فِي الْكِتَابِ وَلَا تَدْهُنُ رَأْسَهَا لِزِينَةٍ فَإِنَّ الدُّهْنَ أَصْلُ الطِّيبِ أَلَا تَرَى أَنَّ الرَّوَائِحَ تُلْقَى فِيهِ فَيَصِيرُ غَالِيَةً وَإِنْ اسْتَعْمَلَتْ الدُّهْنَ عَلَى وَجْهِ التَّدَاوِي بِأَنْ اشْتَكَتْ رَأْسَهَا فَصَبَّتْ عَلَيْهِ الدُّهْنَ جَازَ لِأَنَّ الْعِدَّةَ لَا تَمْنَعُ التَّدَاوِي وَإِنَّمَا تَمْنَعُ مِنْ التَّزَيُّنِ .
وَلَا تَكْتَحِلُ لِلزِّينَةِ أَيْضًا فَإِنْ اشْتَكَتْ عَيْنَهَا فَلَا بَأْسَ بِأَنْ تَكْتَحِلَ بِالْكُحْلِ الْأَسْوَدِ لِمَا رُوِيَ { أَنَّ الْمُتَوَفَّى عَنْهَا زَوْجُهَا اسْتَأْذَنَتْ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الِاكْتِحَالِ فِي الِابْتِدَاءِ فَأَذِنَ لَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَمَّا بَلَغَتْ الْبَابَ دَعَاهَا فَقَالَ قَدْ كَانَتْ إحْدَاكُنَّ فِي الْجَاهِلِيَّةِ الْحَدِيثَ .
} وَتَأْوِيلُهُ أَنَّهُ وَقَعَ عِنْدَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهَا لَا تَقْصِدُ الزِّينَةَ بِالِاكْتِحَالِ فِي الِابْتِدَاءِ فَأَذِنَ لَهَا ثُمَّ عَلِمَ أَنَّ قَصْدَهَا الزِّينَةَ فَمَنَعَهَا ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا إلَّا ثَوْبٌ مَصْبُوغٌ فَلَا بَأْسَ بِأَنْ تَلْبَسَهُ مِنْ غَيْرِ أَنْ تُرِيدَ الزِّينَةَ بِذَلِكَ لِأَنَّهَا لَا تَجِدُ بُدًّا مِنْ سِتْرِ عَوْرَتِهَا ، وَإِذَا لَمْ تَجِدْ سِوَى هَذَا الثَّوْبَ فَمَقْصُودُهَا السِّتْرُ لَا الزِّينَةُ

وَالْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ .

وَأَمَّا الْمُطَلَّقَةُ طَلَاقًا رَجْعِيًّا فَلَا بَأْسَ بِأَنْ تَتَطَيَّبَ وَتَتَزَيَّنَ بِمَا أَحَبَّتْ مِنْ الثِّيَابِ لِأَنَّ نِعْمَةَ النِّكَاحِ وَالْحِلِّ مَا فَاتَتْ بَعْدُ لِأَنَّ الزَّوْجَ مَنْدُوبٌ إلَى أَنْ يُرَاجِعَهَا وَالتَّزَيُّنُ مِمَّا يَبْعَثُهُ عَلَى مُرَاجَعَتِهَا فَتَكُونُ مَنْدُوبَةً إلَيْهِ أَيْضًا .
فَأَمَّا الْكِتَابِيَّةُ تَحْتَ مُسْلِمٍ إذَا فَارَقَهَا أَوْ تَوَفَّى عَنْهَا فَلَيْسَ عَلَيْهَا أَنْ تَتَّقِيَ فِي عِدَّتِهَا شَيْئًا مِنْ الطِّيبِ وَالزِّينَةِ لِأَنَّ الْحِدَادَ فِي الْعِدَّةِ لِحَقِّ الشَّرْعِ ، وَهِيَ لَا تُخَاطَبُ بِالشَّرَائِعِ وَفِي الْكِتَابِ قَالَ لِأَنَّ الَّذِي فِيهَا مِنْ الشِّرْكِ وَاَلَّذِي تَتْرُكُ مِنْ فَرَائِضِ اللَّهِ تَعَالَى أَعْظَمُ مِنْ هَذَا .

( قَالَ ) وَتَتَّقِي الْمَمْلُوكَةُ الْمُسْلِمَةُ فِي عِدَّتِهَا مَا تَتَّقِي مِنْهُ الْحُرَّةُ إلَّا الْخُرُوجَ لِأَنَّهَا مُخَاطَبَةٌ بِحَقِّ الشَّرْعِ كَالْحُرَّةِ وَإِنَّمَا لَا تُمْنَعُ مِنْ الْخُرُوجِ لِحَقِّ مَوْلَاهَا فِي خِدْمَتِهِ وَلَا حَقَّ لِلْمَوْلَى فِي تَطَيُّبِهَا وَتَزَيُّنِهَا فِي الْعِدَّةِ لِأَنَّهَا مُحَرَّمَةٌ عَلَيْهِ مَا لَمْ تَنْقَضِ عِدَّتُهَا .

( قَالَ ) وَلَيْسَ عَلَى الصَّبِيَّةِ أَنْ تَتَّقِيَ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ عِنْدَنَا وَقَالَ الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ هِيَ كَالْبَالِغَةِ وَعَلَى الْوَلِيِّ أَنْ يَمْنَعَهَا مِنْ التَّطَيُّبِ وَالتَّزَيُّنِ كَمَا يَمْنَعُهَا مِنْ شُرْبِ الْخَمْرِ وَحُرْمَتُهَا لِحَقِّ الشَّرْعِ وَكَمَا يَجِبُ عَلَيْهَا أَصْلُ الْعِدَّةِ لِحَقِّ الشَّرْعِ لِأَنَّا نَعْلَمُ يَقِينًا فَرَاغَ رَحِمِهَا مِنْ مَاءِ الزَّوْجِ فَكَذَلِكَ الْحِدَادُ فِي الْعِدَّةِ يَجِبُ عَلَيْهَا إذَا تَوَفَّى عَنْهَا زَوْجُهَا وَلَكِنَّا نَقُولُ هِيَ لَا تُخَاطَبُ بِحَقِّ الشَّرْعِ بِمَا هُوَ أَعْظَمُ مِنْ الْحِدَادِ مِنْ الصَّوْمِ وَالصَّلَاةِ وَالْحِدَادُ فِي مَعْنَى شُكْرِ النِّعْمَةِ لِأَنَّهُ إظْهَارُ التَّحَزُّنِ عَلَى فَوْتِ نِعْمَةِ الزَّوْجِيَّةِ وَلَيْسَ عَلَيْهَا ذَلِكَ شَرْعًا بِخِلَافِ أَصْلِ الْعِدَّةِ فَقَدْ قَالَ بَعْضُ مَشَايِخِنَا هِيَ لَا تُخَاطَبُ بِالِاعْتِدَادِ وَلَكِنَّ الْوَلِيَّ يُخَاطَبُ بِأَنْ لَا يُزَوِّجَهَا حَتَّى تَنْقَضِيَ مُدَّةُ الْعِدَّةِ مَعَ أَنَّ الْعِدَّةَ مُجَرَّدُ مُضِيِّ الْمُدَّةِ فَثُبُوتُهَا فِي حَقِّهَا لَا يُؤَدِّي إلَى تَوَجُّهِ خِطَابِ الشَّرْعِ عَلَيْهَا بِخِلَافِ الْحِدَادِ فِيهَا .

( قَالَ ) وَلَيْسَ عَلَى أُمِّ الْوَلَدِ فِي عِدَّتِهَا اتِّقَاءُ شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ لِأَنَّ عِدَّتَهَا مِنْ السَّيِّدِ إنَّمَا تَجِبُ عِنْدَ الْعِتْقِ وَفِيهِ تَخَلُّصُهَا مِنْ الرِّقِّ وَوُصُولُهَا إلَى نِعْمَةِ الْحُرِّيَّةِ فَلَا يَفُوتُهَا بِهَا شَيْءٌ مِنْ النِّعْمَةِ لِتَأْسَفَ عَلَى ذَلِكَ وَمَا كَانَ مِنْ حَالِ الْوَطْءِ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْمَوْلَى فَقَدْ كَانَ بِسَبَبٍ هُوَ عُقُوبَةٌ فِي حَقِّهَا ، وَهُوَ الرِّقُّ فَلَا يُعَدُّ نِعْمَةً وَكَرَامَةً وَلِهَذَا لَا يَثْبُتُ بِهِ الْإِحْصَانُ فَعِدَّتُهَا بِمَنْزِلَةِ الْعِدَّةِ مِنْ نِكَاحٍ فَاسِدٍ وَقَدْ بَيَّنَّا فِيمَا سَبَقَ أَنَّهُمَا لَا يُمْنَعَانِ مِنْ الْخُرُوجِ فِي عِدَّتِهِمَا فَكَذَلِكَ لَا يُمْنَعَانِ مِنْ التَّزَيُّنِ أَلَا تَرَى أَنَّ امْرَأَةَ رَجُلٍ لَوْ تَزَوَّجَتْ ثُمَّ دَخَلَ بِهَا الزَّوْجُ ثُمَّ فُرِّقَ بَيْنَهُمَا ثُمَّ رُدَّتْ إلَى الزَّوْجِ الْأَوَّلِ كَانَ لَهَا أَنْ تَتَزَيَّنَ وَتَتَشَوَّفَ إلَى زَوْجِهَا الْأَوَّلِ وَعَلَيْهَا عِدَّةُ الْآخَرِ ثَلَاثَ حِيَضٍ .

( قَالَ ) رَجُلٌ اشْتَرَى امْرَأَتَهُ وَهِيَ أَمَةٌ قَدْ وَلَدَتْ مِنْهُ فَسَدَ النِّكَاحُ وَقَدْ كَانَتْ حَلَالًا لَهُ بِالْمِلْكِ فَلَا بَأْسَ بِأَنْ تَتَزَيَّنَ لَهُ وَتَتَطَيَّبَ لِأَنَّهَا غَيْرُ مُعْتَدَّةٍ فِي حَقِّهِ لِأَنَّ الْعِدَّةَ أَثَرُ النِّكَاحِ وَكَمَا أَنَّ الْمِلْكَ يُنَافِي أَصْلَ النِّكَاحِ يُنَافِي أَثَرَهُ وَلِأَنَّهُ يَحِلُّ لَهُ وَطْؤُهَا بِسَبَبِ الْمِلْكِ فَلَا بَأْسَ بِأَنْ تَتَطَيَّبَ لَهُ وَتَتَزَيَّنَ لِيَزْدَادَ رَغْبَةً فِيهَا وَلَوْ أَرَادَ أَنْ يُزَوِّجَهَا رَجُلًا لَمْ يَجُزْ حَتَّى تَحِيضَ حَيْضَتَيْنِ لِأَنَّهَا مُعْتَدَّةٌ فِي حَقِّ غَيْرِهِ فَإِنَّ الْفُرْقَةَ وَقَعَتْ بَيْنَهَا وَبَيْنَ زَوْجِهَا بَعْدَ الدُّخُولِ بِسَبَبِ الْمِلْكِ وَذَلِكَ لَا يَنْفَكُّ عَنْ عِدَّةٍ فَجَعَلْنَاهَا فِي حَقِّ غَيْرِهِ كَالْمُعْتَدَّةِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي حَقِّهِ فَإِنْ أَعْتَقَهَا فَعَلَيْهَا ثَلَاثُ حِيَضٍ لِأَنَّهَا صَارَتْ أُمَّ وَلَدٍ لَهُ حِينَ اشْتَرَاهَا بَعْدَ مَا وَلَدَتْ مِنْهُ بِالنِّكَاحِ وَعَلَى أُمِّ الْوَلَدِ ثَلَاثُ حِيَضٍ بَعْدَ الْعِتْقِ ثُمَّ تَتَّقِي الطِّيبَ وَالزِّينَةَ فِي الْحَيْضَتَيْنِ الْأُولَيَيْنِ اللَّتَيْنِ كَانَتَا عَلَيْهَا مِنْ قَبْلِ النِّكَاحِ اسْتِحْسَانًا ، وَفِي الْقِيَاسِ لَيْسَ عَلَيْهَا ذَلِكَ لِأَنَّ الْحِدَادَ لَا يَلْزَمُهَا عِنْدَ وُقُوعِ الْفُرْقَةِ فَكَيْفَ يَلْزَمُهَا بَعْدَ ذَلِكَ وَبِالْعِتْقِ إنَّمَا يَفُوتُهَا الْحِلُّ الَّذِي كَانَ قَائِمًا قَبْلَهُ وَقَدْ بَيَّنَّا أَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ بِنِعْمَةٍ وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّ الْعِدَّةَ وَجَبَتْ عَلَيْهَا بِالْفُرْقَةِ وَلَكِنْ لَمْ يَظْهَرْ ذَلِكَ لِحَقِّ الْمَوْلَى لِكَوْنِهَا حَلَالًا لَهُ بِالْمِلْكِ وَقَدْ زَالَ ذَلِكَ بِالْعِتْقِ فَظَهَرَتْ تِلْكَ الْعِدَّةُ فِي حَقِّ الْمَوْلَى وَالْعِدَّةُ بَعْدَ الْفُرْقَةِ مِنْ نِكَاحٍ صَحِيحٍ يَجِبُ فِيهَا الْحِدَادُ وَإِنَّمَا كَانَتْ تَتَطَيَّبُ تَقْدِيمًا لِحَقِّ الْمَوْلَى عَلَى حَقِّ الشَّرْعِ حِينَ كَانَتْ حَلَالًا لَهُ وَقَدْ زَالَ ذَلِكَ بِالْعِتْقِ فَأَمَّا الْحَيْضَةُ الثَّالِثَةُ فَلَا حِدَادَ عَلَيْهَا لِأَنَّ ذَلِكَ لَمْ يَلْزَمْهَا بِسَبَبِ النِّكَاحِ بَلْ بِسَبَبِ الْعِتْقِ

لِكَوْنِهَا أُمَّ وَلَدٍ وَلَا حِدَادَ عَلَى أُمِّ الْوَلَدِ فِي عِدَّتِهَا مِنْ سَيِّدِهَا وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ وَإِلَيْهِ الْمَرْجِعُ وَالْمَآبُ .
.

بَابُ الْمُتْعَةِ وَالْمَهْرِ اعْلَمْ بِأَنَّ الْعُلَمَاءَ مُخْتَلِفُونَ فِي الْمُتْعَةِ فِي فُصُولٍ ( أَحَدُهَا ) أَنَّ الْمُتْعَةَ وَاجِبَةٌ عِنْدَنَا وَقَالَ مَالِكٌ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ هِيَ مُسْتَحَبَّةٌ لِظَاهِرِ قَوْله تَعَالَى { حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ } ، وَفِي مَوْضِعٍ آخَرَ { حَقًّا عَلَى الْمُحْسِنِينَ } ، وَفِي هَذَا إشَارَةٌ إلَى أَنَّهَا مُسْتَحَبَّةٌ فَإِنَّ الْوَاجِبَ يَكُونُ حَتْمًا عَلَى الْمُتَّقِينَ وَغَيْرِ الْمُتَّقِينَ وَلَمَّا أَمَرَ شُرَيْحٌ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ الْمُطَلِّقَ بِأَنْ يُمَتِّعَهَا قَالَ لَيْسَ عِنْدِي مَا أُمَتِّعُهَا بِهِ فَقَالَ إنْ كُنْت مِنْ الْمُحْسِنِينَ أَوْ مِنْ الْمُتَّقِينَ فَمَتِّعْهَا وَلَمْ يُجْبِرْهُ وَلِأَنَّ الْمُتْعَةَ غَيْرُ وَاجِبَةٍ قَبْلَ الطَّلَاقِ فَلَا تَجِبُ بِالطَّلَاقِ لِأَنَّهُ مُسْقِطً لَا مُوجِبٌ وَلَوْ وَجَبَتْ إنَّمَا تَجِبُ بِاعْتِبَارِ مِلْكِ النِّكَاحِ وَبِالطَّلَاقِ قَبْلَ الدُّخُولِ أَزَالَ الْمِلْكَ لَا إلَى أَثَرٍ فَكَيْف تَجِبُ الْمُتْعَةُ بِاعْتِبَارِ الْمِلْكِ .
( وَلَنَا ) فِي ذَلِكَ قَوْله تَعَالَى { وَلِلْمُطَلَّقَاتِ مَتَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ } فَإِنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَضَافَ الْمُتْعَةَ إلَيْهِنَّ فَاللَّامُ التَّمْلِيكِ ثُمَّ قَالَ حَقًّا وَذَلِكَ دَلِيلُ وُجُوبِهِ وَقَالَ عَلَى الْمُتَّقِينَ وَكَلِمَةُ عَلَى تُفِيدُ الْوُجُوبَ وَالْمُرَادُ بِالْمُتَّقِينَ وَالْمُحْسِنِينَ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنُ هُوَ الَّذِي يَنْقَادُ لِحُكْمِ الشَّرْعِ وَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى { وَمَتِّعُوهُنَّ } أَمَرَ بِهِ وَالْأَمْرُ لِلْوُجُوبِ وَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى { فَمَتِّعُوهُنَّ وَسَرِّحُوهُنَّ سَرَاحًا جَمِيلًا } وَلِأَنَّ الْفُرْقَةَ وَقَعَتْ بِالطَّلَاقِ بَعْدَ صِحَّةِ النِّكَاحِ فَلَا تَنْفَكُّ عَنْ الْوَاجِبِ لَهَا كَمَا إذَا كَانَ فِي النِّكَاحِ مُسَمًّى .

ثُمَّ عِنْدَنَا لَا تَجِبُ الْمُتْعَةُ إلَّا لِمُطَلَّقَةٍ وَاحِدَةٍ وَهِيَ الْمُطَلَّقَةُ قَبْلَ الْمَسِيسِ وَالْفَرْضِ وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى لَا تَجِبُ الْمُتْعَةُ إلَّا لِمُطَلَّقَةٍ وَاحِدَةٍ وَهِيَ الْمُطَلَّقَةُ بَعْدَ الْمَسِيسِ إذَا كَانَ مَهْرُهَا مُسَمًّى فَإِنَّمَا يَتَحَقَّقُ الِاخْتِلَافُ فِي الْمُطَلَّقَةِ بَعْدَ الدُّخُولِ عِنْدَنَا لَهَا الْمَهْرُ الْمُسَمَّى أَوْ مَهْرُ الْمِثْلِ إذَا لَمْ يَكُنْ فِي النِّكَاحِ تَسْمِيَةٌ وَلَيْسَ لَهَا مُتْعَةٌ وَاجِبَةٌ وَلَكِنَّهَا مُسْتَحَبَّةٌ وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى لَهَا مُتْعَةٌ وَاجِبَةٌ لِعُمُومِ قَوْله تَعَالَى { وَلِلْمُطَلَّقَاتِ مَتَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ } إلَّا أَنَّا خَصَصْنَا الْمُطَلَّقَةَ قَبْلَ الْمَسِيسِ بَعْدَ الْفَرْضِ مِنْ هَذَا الْعُمُومِ بِالنَّصِّ ، وَهُوَ قَوْله تَعَالَى { فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ } فَجَعَلَ كُلَّ الْوَاجِبِ نِصْفَ الْمُسَمَّى وَلِأَنَّ وُجُوبَ الْمُتْعَةِ لِمُرَاعَاةِ حَقِّ النِّكَاحِ فَأَمَّا الْمُسَمَّى أَوْ مَهْرَ الْمِثْلِ فَإِنَّمَا يَسْلَمُ لَهَا بِالدُّخُولِ فَتَبْقَى الْمُتْعَةُ لَهَا بِحَقِّ النِّكَاحِ بِخِلَافِ الْمُطَلَّقَةِ قَبْلَ الْمَسِيسِ بَعْدَ الْفَرْضِ لِأَنَّ نِصْفَ الْمَفْرُوضِ لَهَا بِحَقِّ النِّكَاحِ إذَا لَمْ يَكُنْ بَيْنَهُمَا سَبَبٌ سِوَى النِّكَاحِ وَهُنَا بَيْنَهُمَا سَبَبٌ سِوَى النِّكَاحِ ، وَهُوَ الدُّخُولُ فَلَا حَاجَةَ إلَى إيجَابِ الْمُتْعَةِ هُنَا .
.
( وَلَنَا ) أَنَّهَا إنَّمَا اسْتَحَقَّتْ جَمِيعَ الْمَهْرِ عَلَى زَوْجِهَا فَلَا تَسْتَحِقُّ الْمُتْعَةَ مَعَ ذَلِكَ كَالْمُتَوَفَّى عَنْهَا زَوْجُهَا وَهَذَا لِأَنَّ النِّكَاحَ حَقُّ مُعَاوَضَةٍ وَبَعْدَ تَقَرُّرِ الْفَرْضِ لَا حَاجَةَ إلَى شَيْءٍ آخَرَ تَوْضِيحُهُ أَنَّ الْمُتْعَةَ لَا تُجَامِعُ نِصْفَ الْمُسَمَّى وَهُوَ مَا إذَا طَلَّقَهَا قَبْلَ الْمَسِيسِ بَعْدَ الْفَرْضِ فَلَأَنْ لَا تُجَامِعَ جَمِيعَ الْمُسَمَّى أَوْلَى وَتَحْقِيقُ هَذَا أَنَّ الْمُتْعَةَ تَجِبُ خَلَفًا عَنْ مَهْرِ الْمِثْلِ فَإِنَّ أَوَانَ وُجُوبِهَا بَعْدَ الطَّلَاقِ وَلَا يُمْكِنُ إيجَابُهَا أَصْلًا بِسَبَبِ الْمِلْكِ لِأَنَّ مَا يَجِبُ

بِالْمِلْكِ أَصْلًا لَا يَتَوَقَّفُ وُجُوبُهُ عَلَى زَوَالِ الْمِلْكِ فَعَرَفْنَا أَنَّهَا وَجَبَتْ خَلَفًا لِأَنَّ بِالْخَلَفِ يَبْقَى مَا كَانَ ثَابِتًا مِنْ الْحُكْمِ وَلَا يُجْمَعُ بَيْنَ الْخَلَفِ وَالْأَصْلِ بِحَالٍ .
وَإِذَا وَجَبَ لَهَا الْمَهْرُ الَّذِي هُوَ الْأَصْلُ كُلُّهُ أَوْ بَعْضُهُ لَا تَجِبُ الْمُتْعَةُ فَأَمَّا الْمُطَلَّقَةُ قَبْلَ الْمَسِيسِ وَالْفَرْضِ فَهِيَ لَا تَسْتَوْجِبُ شَيْئًا مِنْ الْأَصْلِ فَتَجِبُ لَهَا الْمُتْعَةُ وَإِنَّمَا قُلْنَا إنَّهَا مُسْتَحَبَّةٌ لِقَوْلِهِ تَعَالَى { فَتَعَالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ سَرَاحًا جَمِيلًا } وَقَدْ كَانَ دَخَلَ بِهِنَّ فَدَلَّ أَنَّ الْمُتْعَةَ مُسْتَحَبَّةٌ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ ، وَهُوَ مَرْوِيٌّ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ وَشُرَيْحٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا وَكَذَلِكَ كُلُّ فُرْقَةٍ جَاءَتْ مِنْ قِبَلِ الزَّوْجِ بِأَيِّ سَبَبٍ كَانَتْ وَكُلُّ فُرْقَةٍ جَاءَتْ مِنْ قِبَلِ الْمَرْأَةِ فَلَا شَيْءَ لَهَا مِنْ الْمَهْرِ وَلَا مِنْ الْمُتْعَةِ لِأَنَّ الْمُتْعَةَ بِمَنْزِلَةِ نِصْفِ الْمُسَمَّى فَكَمَا أَنَّ فِي النِّكَاحِ الَّذِي فِيهِ التَّسْمِيَةُ لَا يَجِبُ مِنْ الْمُسَمَّى شَيْءٌ إذَا جَاءَتْ الْفُرْقَةُ مِنْ قِبَلِهَا قَبْلَ الدُّخُولِ بِهَا فَكَذَلِكَ فِي النِّكَاحِ الَّذِي لَا تَسْمِيَةَ فِيهِ لَا تَجِبُ الْمُتْعَةُ إذَا جَاءَتْ الْفُرْقَةُ مِنْ قِبَلِهَا قَبْلَ الدُّخُولِ بِهَا .

( قَالَ ) وَأَدْنَى مَا تَكُونُ الْمُتْعَةُ ثَلَاثَةُ أَثْوَابٍ دِرْعٌ وَخِمَارٌ وَمِلْحَفَةٌ وَلِلشَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى قَوْلَانِ ( أَحَدُهُمَا ) أَنَّهُ شَيْءٌ نَفِيسٌ يُعْطِيهَا الزَّوْجُ تَذْكِرَةً لَهُ وَقَدْ بَيَّنَّا هَذَا فِي كِتَابِ النِّكَاحِ .
( وَالثَّانِي ) أَنَّ الْمُتْعَةَ ثَلَاثُونَ دِرْهَمًا وَهَذَا لَيْسَ بِصَحِيحٍ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى { وَلِلْمُطَلَّقَاتِ مَتَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ } وَاسْمُ الْمَتَاعِ لَا يَتَنَاوَلُ الدَّرَاهِمَ وَتَقْدِيرُ الْمُتْعَةِ بِالثِّيَابِ مَرْوِيٌّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ وَعَطَاءٍ وَالْحَسَنِ وَالشَّعْبِيِّ رَحِمَهُمْ اللَّهُ تَعَالَى وَكَانَ ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يَقُولُ أَرْفَعُ الْمُتْعَةِ الْخَادِمُ وَأَوْسَطُ الْمُتْعَةِ الْكِسْوَةُ وَأَدْنَاهَا النَّفَقَةُ

ثُمَّ الْمُعْتَبَرُ فِي الْمُتْعَةِ حَالَةُ الرَّجُلِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى { عَلَى الْمُوسِعِ قَدَرُهُ وَعَلَى الْمُقْتِرِ قَدَرُهُ } وَكَانَ الْكَرْخِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يَقُولُ هَذَا فِي الْمُسْتَحَبَّةِ فَأَمَّا فِي الْمُتْعَةِ الْوَاجِبَةِ يُعْتَبَرُ حَالُهَا لِأَنَّهَا خَلَفٌ عَنْ مَهْرِ الْمِثْلِ ، وَفِي مَهْرِ الْمِثْلِ يُعْتَبَرُ حَالُهَا فَكَذَلِكَ فِي الْمُتْعَةِ وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ لَيْسَ بِقَوِيٍّ لِأَنَّ الِاعْتِبَارَ بِحَالِهِ أَوْ بِحَالِهَا فِيمَا يَكُونُ وَاجِبًا .
وَيَدْخُلُ تَحْتَ الْحُكْمِ ، وَفِي الْمُسْتَحَبِّ هَذَا لَا يَكُونُ وَلِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ { عَلَى الْمُوسِعِ قَدَرُهُ وَعَلَى الْمُقْتِرِ قَدَرُهُ } وَكَلِمَةُ عَلَى لِلْوُجُوبِ .

فَإِذَا طَلَّقَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ وَقَدْ سَمَّى لَهَا مَهْرًا فَلَهَا نِصْفُ الْمُسَمَّى بِالنَّصِّ وَالْقِيَاسُ فِيهِ أَحَدُ الشَّيْئَيْنِ إمَّا وُجُوبُ جَمِيعِ الْمُسَمَّى لِأَنَّ الزَّوْجَ هُوَ الَّذِي فَوَّتَ الْمِلْكَ عَلَى نَفْسِهِ بِاخْتِيَارِهِ فَلَا يَسْقُطُ حَقُّهَا فِي الْبَدَلِ كَالْمُشْتَرِي إذَا أَتْلَفَ الْمَبِيعَ قَبْلَ الْقَبْضِ أَوْ أَنْ لَا يَجِبَ شَيْءٌ لِأَنَّ الْمَعْقُودَ عَلَيْهِ عَادَ إلَيْهَا كَمَا خَرَجَ عَنْ مِلْكِهَا وَذَلِكَ مُسْقِطٌ لِلْبَدَلِ كَمَا إذَا انْفَسَخَ الْبَيْعُ بِخِيَارٍ أَوْ بِإِقَالَةٍ وَلَكِنَّا تَرَكْنَا الْقِيَاسَ بِالنَّصِّ ، وَفِيهِ طَرِيقَانِ لِمَشَايِخِنَا رَحِمَهُمُ اللَّهُ .
( أَحَدُهُمَا ) أَنَّ الطَّلَاقَ يُسْقِطُ جَمِيعَ الْمُسَمَّى كَمَا يُسْقِطُ جَمِيعَ مَهْرِ الْمِثْلِ وَإِنَّمَا لَهَا نِصْفُ الْمُسَمَّى بِطَرِيقِ الْمُتْعَةِ .
( وَالثَّانِي ) أَنَّ بِالطَّلَاقِ هُنَا لَا يَسْقُطُ إلَّا نِصْفُ الْمُسَمَّى لِأَنَّهُ مُتَأَكَّدٌ بِالْعَقْدِ وَالتَّسْمِيَةِ جَمِيعًا بِخِلَافِ مَهْرِ الْمِثْلِ وَهَذَا أَصَحُّ فَإِنَّهُ لَوْ تَزَوَّجَهَا عَلَى إبِلٍ سَائِمَةٍ وَحَال الْحَوْلُ عَلَيْهَا ثُمَّ طَلَّقَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ بِهَا فَعَلَيْهَا نِصْفُ الزَّكَاةِ وَلَوْ سَقَطَ جَمِيعُ الْمُسَمَّى ثُمَّ وَجَبَ النِّصْفُ بِطَرِيقِ الْمُتْعَةِ لَمَا لَزِمَهَا شَيْءٌ مِنْ الزَّكَاةِ

ثُمَّ الْمُسَمَّى وَإِنْ تَنَصَّفَ بِالطَّلَاقِ فَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَنْدُوبٌ إلَى الْعَفْوِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى { إلَّا أَنْ يَعْفُونَ أَوْ يَعْفُوَ الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ } وَاَلَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ عِنْدَنَا هُوَ الزَّوْجُ وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ عَبَّاسٍ وَشُرَيْحٍ .
رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا وَقَالَ مَالِكٌ رَحِمَهُ اللَّهُ الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ وَلِيُّهَا حَتَّى إنَّ عَلَى مَذْهَبِهِ إذَا أَبَتْ الْمَرْأَةُ أَنْ تُسْقِطَ نَصِيبَهَا يُنْدَبُ الْوَلِيُّ إلَى إسْقَاطِ ذَلِكَ وَيَصِحُّ ذَلِكَ مِنْهُ وَهَذَا فَاسِدٌ لِأَنَّهُ دَيْنٌ وَاجِبٌ لَهَا أَوْ عَيْنٌ مَمْلُوكَةٌ لَهَا فَلَا يَمْلِكُ الْوَلِيُّ إسْقَاطَ حَقِّهَا عَنْهُ وَلَكِنَّ الْمُرَادَ أَنَّهَا تُنْدَبُ إلَى الْعَفْوِ بِأَنْ تَقُولَ لَمْ يَتَمَتَّعْ بِي شَيْئًا فَلَا آخُذُ مِنْ مَالِهِ شَيْئًا أَوْ يَعْفُوَ الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ ، وَهُوَ الزَّوْجُ بِأَنْ يَقُولَ اخْتَرْت فِرَاقَهَا فَلَا أَمْنَعُهَا شَيْئًا مِنْ صَدَاقِهَا فَيُعْطِيهَا جَمِيعَ الْمَهْرِ وَظَاهِرُ الْآيَةِ يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ لِأَنَّ الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ مَنْ يَتَصَرَّفُ بِعَقْدِ النِّكَاحِ ، وَهُوَ الزَّوْجُ دُونَ الْوَلِيِّ

وَإِنْ طَلَّقَهَا قَبْلَ أَنْ يَدْخُلَ بِهَا وَقَدْ تَزَوَّجَهَا عَلَى مَهْرٍ فَاسِدٍ كَالْخَمْرِ وَالْخِنْزِيرِ فَلَهَا الْمُتْعَةُ عِنْدَنَا وَنِصْفُ مَهْرِ الْمِثْلِ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ عَنْهُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ لِأَنَّ مَهْرَ الْمِثْلِ وَجَبَ بِنَفْسِ الْعَقْدِ هُنَا بِالِاتِّفَاقِ فَيَتَنَصَّفُ بِالطَّلَاقِ قَبْلَ الدُّخُولِ كَالْمُسَمَّى .
وَلَكِنَّا نَقُولُ تَنَصُّفُ الْمُسَمَّى ثَبَتَ بِالنَّصِّ بِخِلَافِ الْقِيَاسِ وَالْمَخْصُوصُ مِنْ الْقِيَاسِ بِالنَّصِّ لَا يُقَاسَ عَلَيْهِ غَيْرُهُ وَقَدْ بَيَّنَّا أَنَّ مَهْرَ الْمِثْلِ لَيْسَ فِي مَعْنَى الْمُسَمَّى مِنْ كُلِّ وَجْهٍ فَإِنَّمَا لَهَا الْمُتْعَةُ بِالنَّصِّ ، وَفِي النِّكَاحِ الْفَاسِدِ إذَا فُرِّقَ بَيْنَهُمَا قَبْلَ الدُّخُولِ وَالْخَلْوَةِ أَوْ بَعْدَ الْخَلْوَةِ وَالزَّوْجُ مُنْكِرٌ لِلدُّخُولِ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ لَهَا لِأَنَّ وُجُوبَ الْمُتْعَةِ إمَّا لِمُرَاعَاةِ حَقِّ النِّكَاحِ أَوْ لِيَكُونَ خَلَفًا عَنْ مَهْرِ الْمِثْلِ وَمَا هُوَ الْأَصْلُ لَا يَجِبُ فِي النِّكَاحِ الْفَاسِدِ قَبْلَ الدُّخُولِ فَكَذَلِكَ مَا هُوَ خَلَفَهُ .

وَالْعَبْدُ بِمَنْزِلَةِ الْحُرِّ فِي وُجُوبِ الْمَهْرِ وَالْمُتْعَةِ عَلَيْهِ إذَا كَانَ النِّكَاحُ بِإِذْنِ الْمَوْلَى لِأَنَّهُ مُسَاوٍ لِلْحُرِّ فِي سَبَبِ وُجُوبِهِمَا ، وَهُوَ النِّكَاحُ فَكَذَلِكَ فِي الْوَاجِبِ بِالسَّبَبِ .

( قَالَ ) ، وَإِذَا طَلَّقَ الرَّجُلُ إحْدَى امْرَأَتَيْهِ ثُمَّ مَاتَ وَقَدْ فَرَضَ لِإِحْدَاهُمَا مَهْرًا وَلَمْ يَفْرِضْ لِلْأُخْرَى وَاَلَّتِي سَمَّى لَهَا مَهْرًا لَا تُعْرَفُ بِعَيْنِهَا وَمَهْرُ مِثْلِهِمَا سَوَاءٌ فَلَهُمَا مَهْرٌ وَرُبْعُ مَهْرٍ بَيْنَهُمَا سَوَاءً لِأَنَّ أَكْثَرَ مَا يَكُونُ لَهُمَا مَهْرٌ وَنِصْفُ مَهْرٍ ، وَهُوَ أَنْ يَكُونَ الطَّلَاقُ وَقَعَ عَلَى الَّتِي سَمَّى لَهَا الْمَهْرَ فَيَكُونُ لَهَا نِصْفُ الْمَهْرِ بِالطَّلَاقِ قَبْلَ الدُّخُولِ وَلِلْأُخْرَى مَهْرٌ كَامِلٌ لِتُقَرَّرْ نِكَاحِهَا بِالْمَوْتِ وَأَقَلُّ مَا يَكُونُ لَهُمَا مَهْرٌ وَاحِدٌ ، وَهُوَ أَنْ يَكُونَ الطَّلَاقُ وَقَعَ عَلَى الَّتِي لَمْ يَفْرِضْ لَهَا مَهْرًا فَيَسْقُطُ جَمِيعُ مَهْرِهَا فَمَهْرٌ وَاحِدٌ لَهُمَا بِيَقِينٍ وَنِصْفُ مَهْرٍ يَثْبُتُ فِي حَالٍ دُونَ حَالٍ فَيَتَنَصَّفُ فَكَانَ الْوَاجِبُ مَهْرًا وَرُبْعَ مَهْرٍ وَلَيْسَتْ إحْدَاهُمَا بِأَوْلَى مِنْ الْأُخْرَى فَيَكُونُ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ وَلَا شَيْءَ لَهُمَا مِنْ الْمُتْعَةِ لِأَنَّ الْمُتْعَةَ لَا تُجَامِعُ شَيْئًا مِنْ الْمَهْرِ .
( قَالَ ) فَإِنْ كَانَتْ الَّتِي سَمَّى لَهَا الْمَهْرَ مَعْرُوفَةً فَلَهَا ثَلَاثَةُ أَرْبَاعِ الْمَهْرِ لِأَنَّ الطَّلَاقَ إنْ كَانَ وَقَعَ عَلَيْهَا فَلَهَا نِصْفُ الْمَهْرِ وَإِنْ كَانَ وَقَعَ عَلَى صَاحِبَتِهَا فَلَهَا كُلُّ الْمَهْرِ فَأَعْطَيْنَاهَا ثَلَاثَةَ أَرْبَاعِ الْمَهْرِ بِاعْتِبَارِ الْأَحْوَالِ وَلِلْأُخْرَى نِصْفُ مَهْرِ مِثْلِهَا لِأَنَّ الطَّلَاقَ إنْ وَقَعَ عَلَيْهَا لَمْ يَكُنْ لَهَا شَيْءٌ وَإِنْ لَمْ يَقَعَ عَلَيْهَا كَانَ لَهَا جَمِيعُ مَهْرِ مِثْلِهَا فَأَعْطَيْنَاهَا نِصْفَ الْمَهْرِ بِاعْتِبَارِ الْأَحْوَالِ ، وَفِي الْقِيَاسِ لَهَا نِصْفُ الْمُتْعَةِ لِأَنَّ الطَّلَاقَ إنْ وَقَعَ عَلَيْهَا فَلَهَا جَمِيعُ الْمُتْعَةِ وَإِنْ لَمْ يَقَعْ عَلَيْهَا فَلَا مُتْعَةَ لَهَا فَيَكُونُ لَهَا نِصْفُ الْمُتْعَةِ بِاعْتِبَارِ الْأَحْوَالِ إلَّا أَنَّ فِي الِاسْتِحْسَانِ لَا شَيْءَ لَهَا مِنْ الْمُتْعَةِ لِمَا بَيَّنَّا أَنَّ الْمُتْعَةَ لَا تُجَامِعُ مَهْرَ الْمِثْلِ لِأَنَّهَا خَلَفٌ عَنْهُ وَقَدْ اسْتَحَقَّتْ نِصْفَ مَهْرِ مِثْلِهَا فَلَا يَكُونُ لَهَا

شَيْءٌ مِنْ الْمُتْعَةِ .
وَلِأَنَّ مَهْرَ الْمِثْلِ قِيمَةُ بُضْعِهَا فَلَا يُجَامِعُهَا بَدَلٌ آخَرُ كَقِيمَةِ الْمَبِيعِ إذَا وَجَبَتْ فِي الْبَيْعِ الْفَاسِدِ لَا يَجِبُ مَعَهُ بَدَلٌ آخَرُ كَذَا هُنَا

( قَالَ ) ، وَإِذَا وَهَبَتْ الْمَرْأَةُ لِزَوْجِهَا مَهْرَهَا ثُمَّ طَلَّقَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ بِهَا وَلَمْ تَكُنْ قَبَضَتْ مِنْهُ شَيْئًا لَمْ يَكُنْ لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى صَاحِبِهِ شَيْءٌ ، وَفِي الْقِيَاسِ يَرْجِعُ عَلَيْهَا زَوْجُهَا بِنِصْفِهِ ، وَهُوَ قَوْلُ زُفَرَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَوَجْهُ الْقِيَاسِ أَنَّهَا بِالْهِبَةِ اسْتَهْلَكَتْ الصَّدَاقَ فَكَأَنَّهَا قَبَضَتْهُ ثُمَّ اسْتَهْلَكَتْهُ فَلِلزَّوْجِ أَنْ يَرْجِعَ عَلَيْهَا بِنِصْفِهِ وَوَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّ مَقْصُودَ الزَّوْجِ سَلَامَةُ نِصْفِ الصَّدَاقِ لَهُ عِنْدَ الطَّلَاقِ مِنْ غَيْرِ عِوَضٍ وَقَدْ حَصَلَ لَهُ هَذَا الْمَقْصُودُ قَبْلَ الطَّلَاقِ فَلَا يَسْتَوْجِبُ شَيْئًا آخَرَ عِنْدَ الطَّلَاقِ كَمَنْ عَلَيْهِ الدَّيْنُ الْمُؤَجَّلُ إذَا عَجَّلَهُ لَمْ يَجِبْ لِصَاحِبِ الدَّيْنِ عِنْدَ حُلُولِ الْأَجَلِ شَيْءٌ وَهَذَا لِأَنَّ الْأَسْبَابَ غَيْرُ مَطْلُوبَةٍ لِأَعْيَانِهَا بَلْ لِمَقَاصِدِهَا فَإِذَا كَانَ مَا هُوَ الْمَقْصُودُ وَاجِبًا حَاصِلًا فَلَا عِبْرَةَ بِاخْتِلَافِ السَّبَبِ .
وَعَلَى هَذَا لَوْ كَانَ الصَّدَاقُ عَيْنًا فَقَبَضَتْهُ ثُمَّ وُهِبَتْهُ مِنْ الزَّوْجِ الْقِيَاسُ أَنَّ هَذَا وَهِبَتُهَا مِنْ الْأَجْنَبِيِّ سَوَاءٌ فَعِنْدَ الطَّلَاقِ يَرْجِعُ الزَّوْجُ عَلَيْهَا بِنِصْفِهِ ، وَفِي الِاسْتِحْسَانِ مَقْصُودُ الزَّوْجِ قَدْ حَصَلَ بِعَوْدِ الصَّدَاقِ إلَيْهِ بِعَيْنِهِ مِنْ غَيْرِ عِوَضٍ

( قَالَ ) وَلَوْ كَانَ الصَّدَاقُ دَيْنًا فَقَبَضَتْهُ ثُمَّ وُهِبَتْهُ مِنْ الزَّوْجِ رَجَعَ الزَّوْجُ عَلَيْهَا بِنِصْفِهِ عِنْدَ الطَّلَاقِ لِأَنَّ حَقَّ الزَّوْجِ عِنْدَ الطَّلَاقِ هُنَا لَيْسَ فِي عَيْنِ الْمَقْبُوضِ وَلَكِنَّ الْخِيَارَ إلَيْهَا تُعْطِيهِ مِنْ أَيِّ مَوْضِعٍ شَاءَتْ فَهِبَتُهَا هَذَا الْمَقْبُوضَ مِنْهُ كَهِبَتِهَا مَالًا آخَرَ ، وَفِي الْأَوَّلِ حَقُّ الزَّوْجِ عِنْدَ الطَّلَاقِ فِي نِصْفِ الْمَقْبُوضِ بِعَيْنِهِ وَقَدْ عَادَتْ إلَيْهِ بِالْهِبَةِ وَحُكِيَ عَنْ زُفَرَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى أَنَّهُ قَالَ إذَا تَزَوَّجَهَا عَلَى أَلْفِ دِرْهَمٍ بِعَيْنِهَا فَقَبَضَتْهَا ثُمَّ وُهِبَتْهَا مِنْهُ ثُمَّ طَلَّقَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ بِهَا لَمْ يَرْجِعْ عَلَيْهَا بِشَيْءٍ بِنَاءً عَلَى أَصْلِهِ أَنَّ النُّفُوذَ فِي الْعُقُودِ يَتَعَيَّنُ وَلَكِنَّ هَذَا لَا يَسْتَقِيمُ إلَّا أَنْ يَكُونَ فِي الْمَسْأَلَةِ رِوَايَتَانِ عَنْ زُفَرَ إحْدَاهُمَا مِثْلُ جَوَابِ الِاسْتِحْسَانِ فَيَخْرُجُ هَذَا عَلَى تِلْكَ الرِّوَايَةِ .

( قَالَ ) وَلَوْ قَبَضَتْ مِنْهُ النِّصْفَ وَوَهَبَتْ لَهُ النِّصْفَ ثُمَّ طَلَّقَهَا لَمْ يَرْجِعْ وَاحِدٌ مِنْهُمَا عَلَى - صَاحِبِهِ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَعِنْدَهُمَا يَرْجِعُ عَلَيْهَا بِنِصْفِ الْمَقْبُوضِ وَجْهُ قَوْلِهِمَا أَنَّ هِبَةَ نِصْفِ الصَّدَاقِ قَبْلَ الْقَبْضِ حَطٌّ مِنْهُ وَالْحَطُّ يُلْتَحَقُ بِأَصْلِ الْعَقْدِ وَيَخْرُجُ بِهِ الْمَحْطُوطُ مِنْ أَنْ يَكُونَ عِوَضًا فَكَأَنَّهُ تَزَوَّجَهَا عَلَى مَا بَقِيَ وَقَبَضَتْ مِنْهُ ثُمَّ طَلَّقَهَا وَالْجُزْءُ مُعْتَبَرٌ بِالْكُلِّ فِيمَا وَهَبَتْ ، وَفِيمَا قَبَضَتْ وَأَبُو حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى يَقُولُ لَوْ قَبَضَتْ النِّصْفَ وَلَمْ تَهَبْ مِنْهُ الْبَاقِيَ حَتَّى طَلَّقَهَا لَمْ يَرْجِعْ عَلَيْهَا بِشَيْءٍ فَلَوْ رَجَعَ عَلَيْهَا بَعْدَ الْهِبَةِ إنَّمَا يَرْجِعُ بِسَبَبِ الْهِبَةِ وَالْهِبَةُ تَبَرُّعٌ فَلَا تُوجِبُ الضَّمَانَ عَلَى الْمُتَبَرِّعِ فِيمَا تَبَرَّعَ بِهِ وَلِأَنَّ مِلْكَهَا فِي نِصْفِ الصَّدَاقِ قَبْلَ الدُّخُولِ قَوِيٌّ ، وَفِي النِّصْفِ الْآخَرِ ضَعِيفٌ يَسْقُطُ بِالطَّلَاقِ فَيُجْعَلُ الْمَقْبُوضُ مِمَّا قَوَّى مِلْكَهَا فِيهِ لِأَنَّ الْقَبْضَ مُقَرِّرٌ لِلْمِلْكِ .
وَإِنَّمَا يَتَقَرَّرُ مِلْكُهَا فِي الْمَقْبُوضِ إذَا تَعَيَّنَ فِيهِ النِّصْفُ الَّذِي سَلِمَ لَهَا بَعْدَ الطَّلَاقِ فَتَبَيَّنَ أَنَّهَا وَهَبَتْ النِّصْفَ الَّذِي كَانَ لِلزَّوْجِ بِالطَّلَاقِ وَقَدْ سَلِمَ لَهُ قَبْلَ الطَّلَاقِ مَجَّانًا وَعَلَى هَذَا لَوْ قَبَضَتْ سِتَّمِائَةٍ وَوَهَبْت لَهُ أَرْبَعَمِائَةٍ ثُمَّ طَلَّقَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ يَرْجِعُ عَلَيْهَا بِمِائَةٍ لِأَنَّ الْمَوْهُوبَ مِنْ النِّصْفِ الَّذِي كَانَ يَسْلَمُ لِلزَّوْجِ بِالطَّلَاقِ وَقَدْ سَلِمَ لَهُ قَبْلَ الطَّلَاقِ مَجَّانًا لِأَنَّ الْمَوْهُوبَ مِنْ النِّصْفِ الَّذِي هُوَ حَقُّ الزَّوْجِ بَعْدَ الطَّلَاقِ فَإِنَّمَا بَقِيَ إلَى تَمَامِ حَقِّهِ مِائَةُ دِرْهَمٍ .
وَعِنْدَهُمَا يَرْجِع عَلَيْهَا بِثَلَثِمِائَةِ دِرْهَمٍ لِأَنَّ الْمَحْطُوطَ صَارَ كَأَنْ لَمْ يَكُنْ وَإِنَّمَا يَرْجِعُ عَلَيْهَا بِنِصْفِ الْمَقْبُوضِ .

( قَالَ ) وَلَوْ قَبَضَتْ الصَّدَاقَ كُلَّهُ وَوَهَبَتْهُ لِأَجْنَبِيٍّ ثُمَّ وُهِبَهُ الْأَجْنَبِيُّ مِنْ الزَّوْجِ ثُمَّ طَلَّقَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ بِهَا رَجَعَ عَلَيْهَا بِنِصْفِهِ الْعَيْنُ وَالدَّيْنُ سَوَاءٌ فِي ذَلِكَ لِأَنَّ مَقْصُودَ الزَّوْجِ سَلَامَةُ نِصْفِ الصَّدَاقِ لَهُ مِنْ جِهَتِهَا عِنْدَ الطَّلَاقِ وَلَمْ يَسْلَمْ لَهُ ذَلِكَ وَإِنَّمَا سَلِمَ لَهُ مَالٌ مِنْ أَجْنَبِيٍّ آخَرَ بِالْهِبَةِ وَتَبَدُّلِ الْمَالِكِ بِمَنْزِلَةِ تَبَدُّلِ الْعَيْنِ فَكَانَتْ مُسْتَهْلَكَةً لِلصَّدَاقِ وَكَذَلِكَ لَوْ كَانَتْ بَاعَتْ الصَّدَاقَ مِنْ زَوْجِهَا ثُمَّ طَلَّقَهَا رَجَعَ عَلَيْهَا بِنِصْفِهِ فَإِنَّ مَقْصُودَهُ لَمْ يَحْصُلْ فَإِنَّ الْعَيْنَ إنَّمَا وَصَلَتْ إلَيْهِ بِبَدَلِ عَقْدِ ضَمَانٍ

( قَالَ ) وَلَوْ وَهَبَتْ الصَّدَاقَ لِأَجْنَبِيٍّ قَبْلَ الْقَبْضِ فَقَبَضَ الْأَجْنَبِيُّ ثُمَّ طَلَّقَهَا الزَّوْجُ قَبْلَ الدُّخُولِ رَجَعَ عَلَيْهَا بِنِصْفِهِ لِأَنَّ قَبْضَ الْأَجْنَبِيِّ بِتَسْلِيطِهَا كَقَبْضِهَا بِنَفْسِهَا .

( قَالَ ) وَلَوْ تَزَوَّجَهَا عَلَى عَبْدٍ وَدَفَعَهُ إلَيْهَا ثُمَّ طَلَّقَهَا قَبْلَ أَنْ يَدْخُلَ بِهَا فَقُضِيَ لِلزَّوْجِ بِنِصْفِهِ عَلَيْهَا فَلَمْ يَقْبِضْهُ حَتَّى اعْوَرَّ أَخَذَ نِصْفَهُ وَضَمَّنَهَا نِصْفَ الْعَوَرِ لِأَنَّ بِقَضَاءِ الْقَاضِي عَادَ الْمِلْكُ فِي النِّصْفِ إلَيْهِ ، وَهُوَ مِلْكٌ مَضْمُونٌ لَهُ فِي يَدِهَا فَكَانَ كَالْمَغْصُوبِ وَإِنْ كَانَ الْعَبْدُ فِي يَدِ الزَّوْجِ فَطَلَّقَهَا فَلَمْ تَقْبِضْ نِصْفَهُ حَتَّى حَدَثَ بِهِ عَيْبٌ فَاحِشٌ فَهِيَ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَتْ أَخَذَتْ نِصْفَهُ نَاقِصًا وَإِنْ شَاءَتْ ضَمَّنَتْ الزَّوْجَ نِصْفَ قِيمَتِهِ صَحِيحًا لِأَنَّ مِلْكَهَا بَعْدَ الطَّلَاقِ فِي نِصْفِ الْعَبْدِ كَمِلْكِهَا فِي جَمِيعِهِ قَبْلَ الطَّلَاقِ وَلَوْ لَمْ يُطَلِّقْهَا حَتَّى تَعَيَّبَ فِي يَدِ الزَّوْجِ كَانَ لَهَا الْخِيَارُ إنْ شَاءَتْ أَخَذَتْ الْكُلَّ نَاقِصًا وَإِنْ شَاءَتْ ضَمَّنَتْهُ قِيمَتَهُ صَحِيحًا فَكَذَلِكَ فِي النِّصْفِ بَعْدَ الطَّلَاقِ وَإِنْ أَعْتَقَهُ الزَّوْجُ بَعْدَ الطَّلَاقِ جَازَ عِتْقُهُ فِي نِصْفِهِ لِأَنَّ بِنَفْسِ الطَّلَاقِ عَادَ الْمِلْكُ فِي نِصْفِهِ إلَى الزَّوْجِ إذَا لَمْ تَكُنْ قَبَضَتْهُ فَهُوَ كَعَبْدٍ بَيْنَ اثْنَيْنِ يَعْتِقُهُ أَحَدُهُمَا

( قَالَ ) وَإِذَا تَزَوَّجَ الرَّجُلُ ثَلَاثَ نِسْوَةٍ فِي عُقْدَةٍ وَاثْنَتَيْنِ فِي عُقْدَةٍ وَوَاحِدَةٌ فِي عُقْدَةٍ ثُمَّ طَلَّقَ إحْدَى نِسَائِهِ قَبْلَ أَنْ يَدْخُلَ مِنْهُنَّ بِوَاحِدَةٍ ثُمَّ مَاتَ فَلَهُنَّ ثَلَاثَةُ مُهُورٍ لِأَنَّ أَكْثَرَ مَالِهِنَّ ثَلَاثَةُ مُهُورٍ وَنِصْفٌ بِأَنْ يَصِحَّ نِكَاحُ الْوَاحِدَةِ مَعَ الثَّلَاثِ فَيَجِبُ أَرْبَعَةُ مُهُورٍ ثُمَّ يَسْقُطُ بِالطَّلَاقِ قَبْلَ الدُّخُولِ نِصْفُ مَهْرٍ وَأَقَلُّ مَالِهِنَّ مَهْرَانِ وَنِصْفٌ بِأَنْ صَحَّ نِكَاحُ الْوَاحِدَةِ مَعَ الثِّنْتَيْنِ فَيَجِبُ ثَلَاثَةُ مُهُورٍ ثُمَّ يَسْقُطُ نِصْفُ مَهْرٍ بِالطَّلَاقِ فَقَدْرُ مَهْرَيْنِ وَنِصْفٌ لَهُنَّ بِيَقِينٍ ، وَمَهْرٌ وَاحِدٌ يَثْبُتُ فِي حَالٍ دُونَ حَالٍ فَيَتَنَصَّفُ فَيَكُونُ لَهُنَّ ثَلَاثَةُ مُهُورٍ لِلْوَاحِدَةِ مِنْ ذَلِكَ سَبْعَةُ أَثْمَانِ مَهْرٍ إلَّا سُدُسَ ثُمُنِ مَهْرٍ لِأَنَّ نِكَاحَ الْوَاحِدَةِ صَحِيحٌ بِيَقِينٍ .
فَإِنْ صَحَّ مَعَ الثَّلَاثِ فَلَهَا سَبْعَةُ أَثْمَانِ مَهْرٍ لِأَنَّ السَّاقِطَ بِالطَّلَاقِ نِصْفُ مَهْرٍ حِصَّتُهَا رُبْعُ ذَلِكَ ، وَهُوَ ثُمُنُ الْمَهْرِ وَإِنْ صَحَّ نِكَاحُهَا مَعَ الثِّنْتَيْنِ فَلَهَا خَمْسَةُ أَسْدَاسِ الْمَهْرِ لِأَنَّ السَّاقِطَ بِالطَّلَاقِ نِصْفُ مَهْرِ حِصَّتِهَا مِنْ ذَلِكَ ثُلُثُ ذَلِكَ النِّصْفِ ، وَهُوَ سُدُسُ مَهْرٍ انْكَسَرَ الْمَهْرُ بِالْأَسْدَاسِ وَالْأَثْمَانِ فَالسَّبِيلُ أَنْ تَضْرِبَ السِّتَّةَ فِي ثَمَانِيَةٍ فَتَكُونُ ثَمَانِيَةً وَأَرْبَعِينَ لَهَا فِي الْحَالَةِ الْأُولَى سَبْعَةُ أَثْمَانٍ وَهُوَ اثْنَانِ وَأَرْبَعُونَ ، وَفِي الْحَالَةِ الثَّانِيَةِ خَمْسَةُ أَسْدَاسٍ وَهُوَ أَرْبَعُونَ فَمِقْدَارُ أَرْبَعِينَ لَهَا بِيَقِينٍ وَالسُّهْمَانُ تَثْبُتُ فِي حَالٍ دُونَ حَالٍ فَتَتَنَصَّفُ فَيَكُونُ لَهَا وَاحِدٌ وَأَرْبَعُونَ مِنْ ثَمَانِيَةٍ وَأَرْبَعِينَ وَذَلِكَ سَبْعَةُ أَثْمَانِ مَهْرٍ إلَّا سُدُسَ ثُمُنِ مَهْرٍ وَلِلثَّلَاثِ مَهْرٌ وَثُمُنَا مَهْرٍ وَنِصْفُ ثُمُنِ مَهْرٍ لِأَنَّ نِكَاحَهُنَّ إنْ صَحَّ فَلَهُنَّ ثَلَاثَةُ مُهُورٍ أَصَابَهُنَّ بِالطَّلَاقِ مِنْ الْحِرْمَانِ بِقَدْرِ ثَلَاثَةِ أَرْبَاعِ النِّصْفِ ، وَهُوَ ثَلَاثَةُ أَثْمَانٍ فَيَبْقَى لَهُنَّ

مَهْرَانِ وَخَمْسَةُ أَثْمَانٍ وَإِنْ لَمْ يَصِحَّ نِكَاحُهُنَّ فَلَا شَيْءَ لَهُنَّ فَلَهُنَّ نِصْفُ ذَلِكَ ، وَهُوَ مَهْرٌ وَثُمُنَا مَهْرٍ وَنِصْفُ ثُمُنِ مَهْرٍ وَلِلثِّنْتَيْنِ خَمْسَةُ أَسْدَاسِ مَهْرٍ لِأَنَّهُ إنْ صَحَّ نِكَاحُهُمَا فَقَدْ كَانَ لَهُمَا مَهْرَانِ وَأَصَابَهُمَا حِرْمَانُ ثُلُثَيْ النِّصْفِ بِالطَّلَاقِ فَيَبْقَى لَهُمَا مَهْرٌ وَثُلُثَانِ وَإِنْ لَمْ يَصِحَّ نِكَاحُهُمَا فَلَا شَيْءَ لَهُمَا فَكَانَ لَهُمَا خَمْسَةُ أَسْدَاسِ مَهْرٍ بَيْنَهُمَا نِصْفَانِ .
وَحُكْمُ الْمِيرَاثِ قَدْ بَيَّنَّاهُ فِي كِتَابِ النِّكَاحِ أَنَّ لِلْوَاحِدَةِ سَبْعَةُ أَسْهُمٍ مِنْ أَرْبَعَةٍ وَعِشْرِينَ سَهْمًا مِنْ مِيرَاثِ النِّسَاءِ وَالْبَاقِي بَيْنَ الْفَرِيقَيْنِ الْآخَرَيْنِ نِصْفَانِ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى ، وَفِي قَوْلِهِمَا لِلثَّلَاثِ مِنْ الْبَاقِي تِسْعَةُ أَسْهُمٍ وَلِلثِّنْتَيْنِ ثَمَانِيَةُ أَسْهُمٍ وَعَلَى كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ عِدَّةُ الْمُتَوَفَّى عَنْهَا زَوْجُهَا احْتِيَاطًا

( قَالَ ) وَإِذَا تَزَوَّجَ ثَلَاثًا فِي عُقْدَةٍ وَاثْنَتَيْنِ فِي عُقْدَةٍ وَأَرْبَعًا فِي عُقْدَةٍ ثُمَّ طَلَّقَ إحْدَى نِسَائِهِ قَبْلَ الدُّخُولِ ثُمَّ مَاتَ فَلَهُنَّ مَهْرَانِ وَنِصْفُ مَهْرٍ لِأَنَّ أَكْثَرَ مَا لَهُنَّ ثَلَاثَةُ مُهُورٍ وَنِصْفٌ بِأَنْ كَانَ السَّابِقُ نِكَاحَ الْأَرْبَعِ فَوَجَبَ أَرْبَعَةُ مُهُورٍ ثُمَّ سَقَطَ بِالطَّلَاقِ نِصْفُ مَهْرٍ وَأَقَلُّ مَا لَهُنَّ مَهْرٌ وَنِصْفٌ بِأَنْ كَانَ السَّابِقُ نِكَاحَ الثِّنْتَيْنِ فَوَجَبَ مَهْرَانِ ثُمَّ سَقَطَ بِالطَّلَاقِ نِصْفُ مَهْرٍ فَمَهْرٌ وَنِصْفٌ لَهُنَّ بِيَقِينٍ ، وَمَا زَادَ عَلَى ذَلِكَ إلَى تَمَامِ ثَلَاثَةِ مُهُورٍ وَنِصْفٍ وَذَلِكَ مَهْرَانِ يَجِبُ فِي حَالٍ دُونَ حَالٍ فَيَتَنَصَّفُ فَلَهُنَّ مَهْرَانِ وَنِصْفٌ فَأَمَّا مَهْرٌ مِنْ ذَلِكَ لَا دَعْوَى فِيهِ لِلثِّنْتَيْنِ ، وَالْفَرِيقَانِ الْآخَرَانِ يَدَّعِيَانِهِ فَيَكُونُ بَيْنَ الْفَرِيقَيْنِ نِصْفَيْنِ وَقَدْ اسْتَوَتْ مُنَازَعَةُ الْفِرَقِ الثَّلَاثَةِ فِي مَهْرٍ وَنِصْفٍ فَكَانَ بَيْنَهُنَّ أَثْلَاثًا فَيُسَلَّمُ لِلثِّنْتَيْنِ نِصْفُ مَهْرٍ وَلِلثَّلَاثِ مَهْرٌ وَلِلْأَرْبَعِ مَهْرٌ ، وَهَذَا قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَلَمْ يَذْكُرْ قَوْلَ مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَتَخْرِيجُهُ عَلَى الْأَصْلِ الَّذِي بَيَّنَّاهُ فِي كِتَابِ النِّكَاحِ أَنَّهُ يُعْتَبَرُ حَالُ كُلِّ فَرِيقٍ عَلَى حِدَةٍ فَإِنْ صَحَّ نِكَاحُ الْأَرْبَعِ فَلَهُنَّ ثَلَاثَةُ مُهُورٍ وَنِصْفٌ ، وَإِنْ لَمْ يَصِحَّ فَلَا شَيْءَ لَهُنَّ وَنِكَاحُهُنَّ يَصِحُّ فِي حَالٍ دُونَ حَالَيْنِ فَلَهُنَّ ثُلُثُ ذَلِكَ ، وَهُوَ مَهْرٌ وَسُدُسُ مَهْرٍ وَالثَّلَاثُ إنْ صَحَّ نِكَاحُهُنَّ فَلَهُنَّ مَهْرَانِ وَنِصْفٌ وَنِكَاحُهُنَّ يَصِحُّ فِي حَالٍ دُونَ حَالَيْنِ فَلَهُنَّ ثُلُثُ ذَلِكَ ، وَهُوَ خَمْسَةُ أَسْدَاسِ مَهْرٍ وَالثِّنْتَانِ إنْ صَحَّ نِكَاحُهُمَا فَلَهُمَا مَهْرٌ وَنِصْفٌ وَنِكَاحُهُمَا صَحِيحٌ فِي حَالٍ دُونَ حَالَيْنِ فَلَهُمَا ثُلُثُ ذَلِكَ ، وَهُوَ نِصْفُ مَهْرٍ وَالْمِيرَاثُ بَيْنَ الْفِرَقِ الثَّلَاثِ أَثْلَاثًا لِكُلِّ فَرِيقٍ ثُلُثُهُ رُبْعًا كَانَ أَوْ ثُمُنًا لِأَنَّ حَالَهُنَّ فِي اسْتِحْقَاقِ الْمِيرَاثِ سَوَاءٌ

وَعَلَى كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ عِدَّةُ الْوَفَاةِ .

( قَالَ ) وَلَوْ كَانَ دَخَلَ بِامْرَأَتَيْنِ لَا يُعْرَفَانِ بِأَعْيَانِهِمَا ثُمَّ طَلَّقَ إحْدَى نِسَائِهِ وَاحِدَةً وَطَلَّقَ الْأُخْرَى مِنْهُنَّ ثَلَاثًا ثُمَّ تَزَوَّجَ وَاحِدَةً بَعْدَ انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ مَعْنَاهُ بَعْدَ انْقِضَاءِ مُدَّةِ الْعِدَّةِ فَإِنَّ ابْتِدَاءَ الْعِدَّةِ فِي الطَّلَاقِ الْمُبْهَمِ مِنْ وَقْتِ الْبَيَانِ ثُمَّ مَاتَ كَانَ لِلْمَرْأَةِ الْأَخِيرَةِ الَّتِي تَزَوَّجَهَا الْمَهْرُ كَامِلًا لِأَنَّ نِكَاحَهَا صَحِيحٌ وَإِقْدَامُهُ عَلَى النِّكَاحِ يَكُونُ إقْرَارًا مِنْهُ بِفَسَادِ نِكَاحِ الْأَرْبَعِ لِأَنَّ الْمُسْلِمَ إنَّمَا يُبَاشِرُ الْعَقْدَ الصَّحِيحَ وَبَعْدَ مَا صَحَّ نِكَاحُ الْأَرْبَعِ لَا يَصِحُّ نِكَاحُ هَذِهِ الْوَاحِدَةِ فَكَانَ هَذَا بَيَانًا مِنْهُ أَنَّ نِكَاحَ الْأَرْبَعِ فَاسِدٌ وَالْبَيَانُ يَكُونُ تَارَةً بِالنَّصِّ وَتَارَةً يَكُونُ بِالدَّلِيلِ فَلَا مَهْرَ لِلْأَرْبَعِ وَلَا مِيرَاثَ وَلَا عِدَّةَ عَلَيْهِنَّ وَلِلْوَاحِدَةِ جَمِيعُ مَهْرِهَا لِأَنَّهُ مَا أَنْشَأَ طَلَاقَهَا بَعْدَ صِحَّةِ نِكَاحِهَا ، وَعَلَيْهَا عِدَّةُ الْمُتَوَفَّى عَنْهَا زَوْجُهَا وَلَهَا مِنْ الْمِيرَاثِ خَمْسَةُ أَسْهُمٍ مِنْ اثْنَيْ عَشَرَ سَهْمًا لِأَنَّهُ إنْ صَحَّ نِكَاحُهَا مَعَ الثَّلَاثِ كَانَ لَهَا أَرْبَعَةٌ وَإِنْ صَحَّ نِكَاحُهَا مَعَ الثِّنْتَيْنِ كَانَ لَهَا سِتَّةٌ فَلِهَذَا أَعْطَيْنَاهَا خَمْسَةً مِنْ اثْنَيْ عَشَرَ وَلِلثَّلَاثِ أَرْبَعَةٌ مِنْ اثْنَيْ عَشَرَ لِأَنَّهُ إنْ صَحَّ نِكَاحُهُنَّ فَلَهُنَّ ثُلُثَا الْمَهْرِ ثَمَانِيَةً ، وَإِنْ لَمْ يَصِحَّ فَلَا شَيْءَ لَهُنَّ وَلِلثِّنْتَيْنِ ثَلَاثَةُ أَسْهُمٍ مِنْ اثْنَيْ عَشَرَ لِأَنَّهُ إنْ صَحَّ نِكَاحُهُمَا فَلَهُمَا سِتَّةٌ مِنْ اثْنَيْ عَشَرَ نِصْفُ الْمِيرَاثِ ، وَإِنْ لَمْ يَصِحَّ فَلَا شَيْءَ لَهُمَا وَلِثَلَاثٍ مَهْرٌ وَنِصْفٌ لِأَنَّهُ إنْ صَحَّ نِكَاحُهُنَّ فَلَهُنَّ ثَلَاثَةُ مُهُورٍ وَإِنْ لَمْ يَصِحَّ فَلَا شَيْءَ لَهُنَّ وَلِلثِّنْتَيْنِ مَهْرٌ وَنِصْفٌ وَعَلَى الثَّلَاثِ وَالثِّنْتَيْنِ عِدَّةُ النِّسَاءِ أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ وَعَشْرٌ فِيهَا ثَلَاثُ حِيَضٍ لِتَوَهُّمِ الدُّخُولِ وَالطَّلَاقِ بَعْدَهُ فِي حَقِّ كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ وَهَذَا

الْجَوَابُ كُلُّهُ غَلَطٌ غَيْرُ صَحِيحٍ أَمَّا فِي حَقِّ الْوَاحِدَةِ فَجَوَابُهُ فِي الْمِيرَاثِ غَلَطٌ لِأَنَّ نِكَاحَهَا إنْ صَحَّ مَعَ الثِّنْتَيْنِ فَقَدْ وَقَعَ الطَّلَاقَانِ عَلَى الثِّنْتَيْنِ وَهُمَا مُتَعَيِّنَتَانِ وَقَدْ انْقَضَتْ عِدَّتُهُمَا فَالْمِيرَاثُ كُلُّهُ لِلْوَاحِدَةِ وَإِنْ كَانَ الصَّحِيحُ نِكَاحُ الثَّلَاثِ فَلَهَا ثُلُثُ الْمِيرَاثِ فَمِقْدَارُ الثَّلَاثِ لَهَا بِيَقِينٍ وَالثُّلُثَانِ ثَابِتَانِ فِي حَالٍ دُونَ حَالٍ فَيَتَنَصَّفَانِ فَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ لَهَا ثُلُثَا الْمِيرَاثِ ، وَفِي الثَّلَاثِ جَوَابُهُ كَذَلِكَ فِي الْمِيرَاثِ صَحِيحٌ ، وَفِي الْمَهْرِ غَلَطٌ لِأَنَّهُ إنْ صَحَّ نِكَاحُهُنَّ فَلَهُنَّ ثُلُثَا الْمِيرَاثِ ، وَإِنْ لَمْ يَصِحَّ فَلَا شَيْءَ لَهُنَّ فَلَهُنَّ ثُلُثُ الْمِيرَاثِ أَرْبَعَةٌ مِنْ اثْنَيْ عَشَرَ .
وَأَمَّا فِي حَقِّ الْمَهْرِ فَإِنْ صَحَّ نِكَاحُهُنَّ فَقَدْ تَقَرَّرَ مَهْرَانِ بِالدُّخُولِ لِاثْنَتَيْنِ مِنْهُنَّ وَالثَّالِثَةُ إنْ وَقَعَ الطَّلَاقُ عَلَيْهَا فَلَهَا نِصْفٌ ، وَإِنْ لَمْ يَقَعْ فَلَهَا مَهْرٌ كَامِلٌ فَيَكُونُ لَهَا ثَلَاثَةُ أَرْبَاعِ مَهْرٍ فَجُمْلَةُ مَا لَهُنَّ إنْ صَحَّ نِكَاحُهُنَّ مَهْرَانِ وَثَلَاثَةُ أَرْبَاعِ مَهْرٍ ، وَإِنْ لَمْ يَصِحَّ فَيَكُونُ لَهُنَّ مَهْرٌ وَثَلَاثَةُ أَثْمَانِ مَهْرٍ لَا مَهْرٌ وَنِصْفٌ ، وَفِي حَقِّ الثِّنْتَيْنِ جَوَابُهُ فِي الْمِيرَاثِ وَالْمَهْرِ جَمِيعًا غَلَطٌ لِأَنَّا نَتَيَقَّنُ أَنَّهُ لَا مِيرَاثَ لَهُمَا فَإِنَّهُ إنْ صَحَّ نِكَاحُهُمَا فَقَدْ وَقَعَ الطَّلَاقُ عَلَيْهِمَا وَانْقَضَتْ عِدَّتُهُمَا ، وَإِنْ لَمْ يَصِحَّ نِكَاحُهُمَا فَلَا شَيْءَ لَهُمَا ، وَفِي الْمَهْرِ إنْ صَحَّ نِكَاحُهُمَا فَلَهُمَا مَهْرَانِ ، وَإِنْ لَمْ يَصِحَّ فَلَا شَيْءَ فَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ لَهُمَا مَهْرٌ وَاحِدٌ لَا مَهْرٌ وَنِصْفٌ فَعَرَفْنَا أَنَّ جَوَابَ الْكِتَابِ غَيْرُ سَدِيدٍ .
( قَالَ ) وَلَوْ لَمْ يَدْخُلْ بِشَيْءٍ مِنْهُنَّ وَلَمْ يَتَزَوَّجْ شَيْئًا وَكَانَتْ إحْدَى الثَّلَاثِ أُمَّ إحْدَى الْأَرْبَعِ وَالْحَالُ عَلَى مَا وَصَفْت لَك فَإِنَّ الْأُمَّ وَالْبِنْتَ لَا يَنْقُصَانِ مِنْ مَهْرٍ وَلَا مِيرَاثٍ مِنْ قِبَلِ أَنَّ الْفَرِيقَ الَّذِي

مَعَهَا نِكَاحُهُنَّ وَنِكَاحُهَا جَائِزٌ أَوْ فَاسِدٌ إذْ لَا تَصَوُّرَ لِجَوَازِ نِكَاحِ الْفَرِيقَيْنِ فَلَا يَتَحَقَّقُ الْجَمْعُ بَيْنَ الْأُمِّ وَالْبِنْتِ ؛ فَلِهَذَا كَانَ هَذَا وَالْفَصْلُ الْأَوَّلُ سَوَاءً .
( قَالَ ) وَلَوْ طَلَّقَ إحْدَى الثَّلَاثِ كَانَ ذَلِكَ إقْرَارًا مِنْهُ بِأَنَّ الثَّلَاثَ هُنَّ الْأُوَلُ لِأَنَّ تَصَرُّفَهُ بِإِيقَاعِ الطَّلَاقِ مَحْمُولٌ عَلَى الصِّحَّةِ مَا أَمْكَنَ ، وَذَلِكَ لَا يَكُونُ إلَّا بَعْدَ صِحَّةِ النِّكَاحِ ، وَكَذَلِكَ لَوْ ظَاهَرَ مِنْ إحْدَاهُنَّ أَوْ دَخَلَ بِإِحْدَاهُنَّ كَانَ ذَلِكَ بَيَانًا مِنْهُ أَنَّ نِكَاحَهُنَّ صَحِيحٌ فَهَذَا وَالتَّصْرِيحُ بِالْبَيَانِ سَوَاءٌ ثُمَّ تَخْرِيجُ الْمَسْأَلَةِ فِي الْمَهْرِ وَالْمِيرَاثِ قَدْ بَيَّنَّاهُ فِي كِتَابِ النِّكَاحِ .
( قَالَ ) وَلَوْ كَانَتْ إحْدَى الْأَرْبَعِ أَمَةً لَمْ يَكُنْ لَهَا مِنْ الْمِيرَاثِ وَلَا مِنْ الْمَهْرِ شَيْءٌ لِأَنَّا تَيَقَّنَّا بِفَسَادِ نِكَاحِهَا إمَّا بِتَأَخُّرِ الْعَقْدِ أَوْ بِالضَّمِّ إلَى الْحَرَائِرِ ، فَإِذَا فَسَدَ نِكَاحُهَا بَقِيَ ثَلَاثٌ وَثَلَاثٌ وَاثْنَتَانِ ، فَإِنْ طَلَّقَ إحْدَى نِسَائِهِ ثُمَّ مَاتَ فَلَهُنَّ مَهْرَانِ لِأَنَّ أَكْثَرَ مَا لَهُنَّ مَهْرَانِ وَنِصْفٌ بِأَنْ صَحَّ نِكَاحُ الثَّلَاثِ وَوَجَبَ ثَلَاثَةُ مُهُورٍ ثُمَّ سَقَطَ نِصْفُ مَهْرٍ بِالطَّلَاقِ .
وَأَقَلُّ مَا لَهُنَّ مَهْرٌ وَنِصْفٌ بِأَنْ صَحَّ نِكَاحُ الثِّنْتَيْنِ فَقَدْرُ مَهْرٍ وَنِصْفٍ يَقِينٍ وَمَهْرٌ وَاحِدٌ يَثْبُتُ فِي حَالٍ دُونَ حَالٍ فَيَتَنَصَّفُ فَلَهُنَّ مَهْرَانِ فَأَمَّا نِصْفُ مَهْرٍ مِنْ ذَلِكَ لَا مُنَازَعَةَ لِلثِّنْتَيْنِ فِيهِ لِيَكُونَ بَيْنَ الْفَرِيقَيْنِ الْآخَرَيْنِ نِصْفَيْنِ وَقَدْ اسْتَوَتْ مُنَازَعَةُ الْفِرَقِ الثَّلَاثِ فِي مَهْرٍ وَنِصْفٍ فَيَكُونُ بَيْنَهُنَّ أَثْلَاثًا ، وَهُوَ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى فَأَمَّا تَخْرِيجُ مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى عَلَى مَا أَشَرْنَا إلَيْهِ فِي اعْتِبَارِ حَالِ كُلِّ فَرِيقٍ عَلَى حِدَةٍ وَيَتَّضِحُ عِنْدَ التَّأَمُّلِ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ وَإِلَيْهِ الْمَرْجِعُ وَالْمَآبُ .

بَابُ مَا تَقَعُ بِهِ الْفُرْقَةُ مِمَّا يُشْبِهُ الطَّلَاقَ .
( قَالَ ) رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، وَإِذَا قَالَ الرَّجُلُ لِامْرَأَتِهِ أَنْتِ عَلَيَّ حَرَامٌ فَإِنَّهُ يُسْأَلُ عَنْ نِيَّتِهِ لِأَنَّهُ تَكَلَّمَ بِكَلَامٍ مُبْهَمٍ مُحْتَمِلٍ لِمَعَانٍ وَكَلَامُ الْمُتَكَلِّمِ مَحْمُولٌ عَلَى مُرَادِهِ وَمُرَادُهُ إنَّمَا يُعْرَفُ مِنْ جِهَتِهِ فَيُسْأَلُ عَنْ نِيَّتِهِ فَإِنْ نَوَى الطَّلَاقَ فَهُوَ طَلَاقٌ لِأَنَّهُ نَوَى مَا يَحْتَمِلُهُ كَلَامُهُ فَإِنَّهُ وَصَفَهَا بِالْحُرْمَةِ عَلَيْهِ وَحُرْمَتُهَا عَلَيْهِ مِنْ مُوجِبَاتِ الطَّلَاقِ ثُمَّ إنْ نَوَى ثَلَاثًا فَهُوَ ثَلَاثٌ لِأَنَّ حُرْمَتَهَا عَلَيْهِ عِنْدَ وُقُوعِ الثَّلَاثِ فَقَدْ نَوَى نَوْعًا مِنْ أَنْوَاعِ الْحُرْمَةِ وَإِنْ نَوَى وَاحِدَةً بَائِنَةً فَهِيَ وَاحِدَةٌ بَائِنَةٌ لِأَنَّهُ نَوَى الْحُرْمَةَ بِزَوَالِ الْمِلْكِ وَلَا يَحْصُلُ ذَلِكَ إلَّا بِالتَّطْلِيقَةِ الْبَائِنَةِ وَمِنْ أَصْلِنَا أَنَّ الزَّوْجَ يَمْلِكُ الْإِبَانَةَ وَإِزَالَةُ الْمِلْكِ مِنْ غَيْرِ بَدَلٍ وَلَا عَدَدٍ عَلَى مَا نُبَيِّنُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَإِنْ نَوَى اثْنَتَيْنِ فَهِيَ وَاحِدَةٌ بَائِنَةٌ عِنْدَنَا وَعِنْدَ زُفَرَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى اثْنَتَانِ لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { وَإِنَّمَا لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى } وَلِأَنَّ الثِّنْتَيْنِ بَعْضُ الثَّلَاثِ فَإِذَا كَانَتْ نِيَّةُ الثَّلَاثِ تَسَعُ فِي هَذَا اللَّفْظِ فَنِيَّةُ الثِّنْتَيْنِ أَوْلَى أَلَا تَرَى أَنَّهَا لَوْ كَانَتْ أَمَةً كَانَ يَصِحُّ نِيَّةُ الثِّنْتَيْنِ فِي حَقِّهَا بِهَذَا اللَّفْظِ فَكَذَلِكَ فِي حَقِّ الْحُرَّةِ ، وَلَكِنَّا نَقُولُ نِيَّةُ الثِّنْتَيْنِ فِيهِ عَدَدٌ وَهَذَا اللَّفْظُ لَا يَحْتَمِلُ الْعَدَدَ لِأَنَّهَا كَلِمَةٌ وَاحِدَةٌ وَلَيْسَ فِيهَا احْتِمَالُ التَّعَدُّدِ وَالنِّيَّةُ إذَا لَمْ تَكُنْ مِنْ مُحْتَمَلَاتِ اللَّفْظِ لَا تَعْمَلُ .
فَأَمَّا صِحَّةُ نِيَّةِ الثَّلَاثِ لَيْسَ بِاعْتِبَارِ الْعَدَدِ بَلْ بِاعْتِبَارِ أَنَّهُ نَوَى حُرْمَةً وَهِيَ الْحُرْمَةُ الْغَلِيظَةُ فَإِنَّهَا لَا تَثْبُتُ بِمَا دُونَ الثَّلَاثِ فَأَمَّا الثِّنْتَانِ فَلَا يَتَعَلَّقُ بِهِمَا فِي حَقِّ الْحُرَّةِ حُرْمَةٌ

لَا تَثْبُتُ تِلْكَ الْحُرْمَةُ بِالْوَاحِدَةِ فَبَقِيَ مُجَرَّدُ نِيَّةِ الْعَدَدِ بِخِلَافِ الْأَمَةِ فَإِنَّ الثِّنْتَيْنِ فِي حَقِّهَا يُوجِبُ الْحُرْمَةَ الْغَلِيظَةَ كَالثَّلَاثِ فِي حَقِّ الْحُرَّةِ ، وَهَذَا بِخِلَافِ مَا إذَا طَلَّقَ الْحُرَّةَ وَاحِدَةً ثُمَّ قَالَ لَهَا أَنْتِ عَلَيَّ حَرَامٌ وَنَوَى اثْنَتَيْنِ حَيْثُ لَا تَعْمَلُ نِيَّتُهُ لِأَنَّ الْحُرْمَةَ الْغَلِيظَةَ لَا تَحْصُلُ بِهِمَا بَلْ بِهِمَا وَبِمَا تَقَدَّمَ فَكَانَ هَذَا مُجَرَّدَ نِيَّةِ الْعَدَدِ وَإِنْ نَوَى الطَّلَاقَ وَلَمْ يَنْوِ عَدَدًا فَهَذِهِ وَاحِدَةٌ بَائِنَةٌ لِأَنَّ نِيَّةَ الطَّلَاقِ قَدْ صَحَّتْ فَيَقَعُ الْقَدْرُ الْمُتَيَقَّنُ وَهُوَ الْوَاحِدَةُ

وَإِنْ لَمْ يَنْوِ الطَّلَاقَ وَلَكِنْ نَوَى الْيَمِينَ كَانَ يَمِينًا فَإِنَّ تَحْرِيمَ الْحَلَالِ يَمِينٌ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى { يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ } إلَى قَوْله تَعَالَى { قَدْ فَرَضَ اللَّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمَانِكُمْ } جَاءَ فِي التَّفْسِيرِ أَنَّهُ { كَانَ حَرَّمَ مَارِيَةَ الْقِبْطِيَّةَ عَلَى نَفْسِهِ } ، وَفِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ { حَرَّمَ الْعَسَلَ عَلَى نَفْسِهِ } وَرَوَى الضَّحَّاكُ عَنْ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَابْنِ مَسْعُودٍ وَابْنِ عَبَّاسٍ وَعَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ فِي هَذَا اللَّفْظِ أَنَّهُ لَوْ نَوَى الطَّلَاقَ فَهُوَ طَلَاقٌ وَإِنْ نَوَى الْيَمِينَ فَهُوَ يَمِينٌ وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَرِيبًا مِنْهُ وَعَنْ زَيْدٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ يَمِينٌ يُكَفِّرُهَا وَالشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى يَقُولُ تَحْرِيمُ الْحَلَالِ لَا يَكُونُ يَمِينًا وَلَكِنْ تَجِبُ بِهِ الْكَفَّارَةُ فِي الزَّوْجَةِ وَالْأَمَةِ خَاصَّةً وَكَذَلِكَ إنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ نِيَّةٌ فَهُوَ يَمِينٌ لِأَنَّ الْحُرْمَةَ الثَّابِتَةَ بِالْيَمِينِ دُونَ الْحُرْمَةِ الَّتِي تَثْبُتُ بِالطَّلَاقِ وَعِنْدَ الِاحْتِمَالِ لَا يَثْبُتُ إلَّا الْقَدْرُ الْمُتَيَقَّنُ فَكَانَ يَمِينًا إنْ قَرْبَهَا كَفَّرَ عَنْ يَمِينِهِ لِلْحِنْثِ وَإِنْ لَمْ يَقْرَبْهَا حَتَّى مَضَتْ أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ بَانَتْ بِالْإِيلَاءِ .
وَكَذَلِكَ لَوْ نَوَى الْإِيلَاءَ فَهُوَ وَنِيَّةُ الْيَمِينِ سَوَاءٌ وَإِنْ نَوَى الْكَذِبَ فَهُوَ كَذِبٌ لَا حُكْمَ لَهُ لِأَنَّ كَلَامَهُ مِنْ حَيْثُ الظَّاهِرِ كَذِبٌ فَإِنَّهُ وَصَفَهَا بِالْحُرْمَةِ وَهِيَ حَلَالٌ لَهُ قَالُوا هَذَا فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى .
فَأَمَّا فِي الْقَضَاءِ فَلَا يُدَيَّنُ لِأَنَّ كَلَامَ الْعَاقِلِ مَحْمُولٌ عَلَى الصِّحَّةِ وَالْعَمَلِ بِهِ شَرْعًا فَلَا يُلْغَى مَعَ إمْكَانِ الْإِعْمَالِ وَفِي حَمْلِهِ عَلَى الْكَذِبِ إلْغَاؤُهُ وَلَمْ يَذْكُرْ فِي الْكِتَابِ مَا لَوْ قَالَ نَوَيْت بِهِ الظِّهَارَ وَذَكَرَ فِي النَّوَادِرِ أَنَّهُ يَكُونُ ظِهَارًا فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى لِأَنَّهَا

تَحْرُمُ عَلَيْهِ بِالظِّهَارِ كَمَا تَحْرُمُ عَلَيْهِ بِالطَّلَاقِ فَكَانَ مَا نَوَى مِنْ مُحْتَمَلَاتِ لَفْظِهِ ، وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى لَا يَكُونُ ظِهَارًا لِأَنَّ الظِّهَارَ تَشْبِيهُ الْمُحَلَّلَةِ بِالْمُحَرَّمَةِ فَبِدُونِ حَرْفِ التَّشْبِيهِ ، وَهُوَ الْكَافُ لَا يَثْبُتُ الظِّهَارُ ، وَعَلَى قَوْلِ ابْنِ أَبِي لَيْلَى رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى فِي هَذَا وَنَظَائِرِهِ مِنْ الْكِنَايَاتِ وَهِيَ ثَلَاثٌ لَا يُدَيَّنُ فِي شَيْءٍ لِأَنَّهُ وَصَفَهَا بِكَوْنِهَا مُحَرَّمَةً عَلَيْهِ .
وَالْحُرْمَةُ لَا تَثْبُتُ صِفَةً لِلْمَحَلِّ إلَّا بِزَوَالِ صِفَةِ الْحِلِّ لِاسْتِحَالَةِ اجْتِمَاعِ الضِّدَّيْنِ فِي مَحَلٍّ وَاحِدٍ وَصِفَةُ الْحِلِّ لَا تَزُولُ بِالتَّطْلِيقَاتِ الثَّلَاثِ فَكَانَ وُقُوعُ الطَّلَاقِ مُوجِبًا لِهَذَا اللَّفْظِ حَقِيقَةً فَلَا يُدَيَّنُ فِي شَيْءٍ آخَرَ ، وَلَكِنَّا نَقُولُ وَصَفَهَا بِالْحُرْمَةِ وَالْحُرْمَةُ أَنْوَاعٌ ، وَلَهَا أَسْبَابٌ فَإِذَا نَوَى نَوْعًا أَوْ سَبَبًا كَانَ الْمَنْوِيُّ مِنْ مُحْتَمَلَاتِ كَلَامِهِ فَتَصِحُّ نِيَّتُهُ .

( قَالَ ) وَلَوْ قَالَ كُلُّ حِلٍّ عَلَيَّ حَرَامٌ يُسْأَلُ عَنْ نِيَّتِهِ فَإِذَا نَوَى يَمِينًا فَهُوَ يَمِينٌ وَلَا تَدْخُلُ امْرَأَتُهُ فِيهِ إلَّا أَنْ يَنْوِهَا فَإِذَا لَمْ يَنْوِ حُمِلَ ذَلِكَ عَلَى الطَّعَامِ وَالشَّرَابِ خَاصَّةً ، وَفِي الْقِيَاسِ ، وَهُوَ قَوْلُ زُفَرَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى كَمَا يَفْرُغُ مِنْ يَمِينِهِ يَحْنَثُ وَتَلْزَمُهُ الْكَفَّارَةُ فَإِنَّ فَتَحَ الْعَيْنَيْنِ وَالْقُعُودَ وَالْقِيَامَ حِلٌّ دَاخِلٌ فِي هَذَا التَّحْرِيمِ فَكَانَ شَرْطُ الْحِنْثِ عَقِيبَ التَّحْرِيمِ مَوْجُودًا وَلَكِنَّا نَقُولُ عَلِمْنَا يَقِينًا أَنَّهُ لَمْ يُرِدْ بِهِ الْعُمُومَ لِأَنَّ الْبِرَّ مَقْصُودُ الْحَالِفِ وَلَا تَصَوُّرَ لِلْبِرِّ إذَا حُمِلَ عَلَى الْعُمُومِ فَإِذَا لَمْ يَكُنْ اعْتِبَارُ مَعْنَى الْعُمُومِ فِيهِ حُمِلَ عَلَى الْمُتَعَارَفِ ، وَهُوَ الطَّعَامُ وَالشَّرَابُ الَّذِي بِهِ قِوَامُ النَّفْسِ وَلَا تَدْخُلُ الْمَرْأَةُ فِيهِ إلَّا أَنْ يَنْوِيَهَا لِأَنَّ إدْخَالَهَا بِدُونِ النِّيَّةِ لِمُرَاعَاةِ الْعُمُومِ وَقَدْ تَعَذَّرَ ذَلِكَ .
وَالْعَادَةُ أَنَّ الْمَرْأَةَ إذَا قُصِدَتْ بِالتَّحْرِيمِ تُخَصُّ بِالذِّكْرِ فَإِنْ نَوَاهَا دَخَلَتْ فِيهِ لِأَنَّ الْمَنْوِيَّ مِنْ مُحْتَمَلَاتِ لَفْظِهِ وَلَكِنْ لَا يَخْرُجُ الطَّعَامُ وَالشَّرَابُ حَتَّى إذَا أَكَلَ أَوْ شَرِبَ أَوْ قَرُبَ امْرَأَتَهُ حَنِثَ لِأَنَّ ظَاهِرَ لَفْظِهِ لِلطَّعَامِ وَالشَّرَابِ وَلَا يُدَيَّنُ فِي صَرْفِ اللَّفْظِ عَنْ ظَاهِرِهِ فَإِذَا حَنِثَ سَقَطَ عَنْهُ الْإِيلَاءُ لِأَنَّ الْكَفَّارَةَ لَزِمَتْهُ وَارْتَفَعَتْ الْيَمِينُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ نِيَّةٌ فَهُوَ يَمِينٌ يُكَفِّرُهَا لِأَنَّ الْحُرْمَةَ بِالْيَمِينِ أَدْنَى الْحُرُمَاتِ وَإِنْ نَوَى الطَّلَاقَ فَالْقَوْلُ فِيهِ كَالْقَوْلِ فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى وَعِنْدَ نِيَّةِ الطَّلَاقِ لَا يَكُونُ يَمِينًا لِأَنَّهُ لَفْظٌ وَاحِدٌ فَلَا يَسَعُ فِيهِ مَعْنَيَانِ مُخْتَلِفَانِ وَالطَّلَاقُ غَيْرُ الْيَمِينِ فَإِذَا عَمِلَتْ نِيَّتُهُ فِي الطَّلَاقِ سَقَطَ اعْتِبَارُ مَعْنَى الْيَمِينِ .
وَعَلَى هَذَا رَوَى عِيسَى بْنُ أَبَانَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمْ اللَّهُ تَعَالَى أَنَّهُ لَوْ قَالَ

لِامْرَأَتَيْنِ أَنْتُمَا عَلَيَّ حَرَامٌ يَنْوِي فِي إحْدَاهُمَا الطَّلَاقَ ، وَفِي الْأُخْرَى الْيَمِينَ أَنَّهُ يَكُونُ طَلَاقًا فِيهِمَا جَمِيعًا وَكَذَلِكَ لَوْ نَوَى فِي إحْدَاهُمَا الطَّلَاقَ ثَلَاثًا ، وَفِي الْأُخْرَى وَاحِدَةً يَكُونُ ثَلَاثًا فِيهِمَا جَمِيعًا لِأَنَّهُ كَلَامٌ وَاحِدٌ فَلَا يَحْتَمِلُ مَعْنَيَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ ، وَإِنْ نَوَى الْكَذِبَ فَهُوَ كَذِبٌ كَمَا بَيَّنَّا فِي الْفَصْلِ الْأَوَّلِ .
( قَالَ ) وَإِذَا قَالَ لِامْرَأَتِهِ قَدْ حَرَّمْتُك عَلَيَّ أَوْ قَدْ حَرَّمْتُك أَوْ أَنْتِ عَلَيَّ حَرَامٌ أَوْ أَنَا عَلَيْك حَرَامٌ أَوْ حَرَّمْتُ نَفْسِي عَلَيْك أَوْ أَنَا عَلَيْك مُحَرَّمٌ أَوْ أَنْتِ عَلَيَّ مُحَرَّمَةٌ فَالْقَوْلُ فِي ذَلِكَ كَالْقَوْلِ فِي الْحَرَامِ لِأَنَّ الْحُرْمَةَ تَثْبُتُ مِنْ الْجَانِبَيْنِ فَيَصِحُّ إضَافَتُهَا إلَى نَفْسِهِ كَمَا يَصِحُّ إضَافَتُهَا إلَيْهَا وَذِكْرُ الْفِعْلِ وَهُوَ قَوْلُهُ حَرَّمْتُك بِمَنْزِلَةِ ذِكْرِ الْوَصْفِ لِأَنَّهَا لَا تَصِيرُ مُحَرَّمَةً عَلَيْهِ إلَّا بِفِعْلِهِ .
.

وَلَوْ قَالَ أَنْتِ عَلَيَّ كَمَتَاعِ فُلَانٍ يَنْوِي بِهِ الطَّلَاقَ أَوْ الْإِيلَاءَ فَهَذَا لَيْسَ بِشَيْءٍ لِأَنَّهُ مَا وَصَفَهَا بِالْحُرْمَةِ بِهَذَا اللَّفْظِ فَإِنَّ مَتَاعَ فُلَانٍ لَيْسَ عَيْنُهُ بِحَرَامٍ أَلَا تَرَى أَنَّهُ يَحِلُّ لَهُ تَنَاوُلُهُ بِإِذْنِ الْمَالِكِ وَعِنْدَ عَدَمِ الْإِذْنِ لَا يَحِلُّ لِحَقِّ الْمَالِكِ لَا لِحُرْمَةِ الْمَحَلِّ حَتَّى إذَا لَمْ يَكُنْ الْمَالِكُ مُحْتَرَمًا بِأَنْ كَانَ حَرْبِيًّا كَانَ تَنَاوُلُهُ مُبَاحًا .

( قَالَ ) وَإِذَا قَالَ أَنْتِ عَلَيَّ كَالدَّمِ أَوْ كَالْمَيْتَةِ أَوْ كَلَحْمِ الْخِنْزِيرِ أَوْ الْخَمْرِ يُسْأَلُ عَنْ نِيَّتِهِ لِأَنَّهُ شَبَّهَهَا بِمُحَرَّمِ الْعَيْنِ فَإِنَّ هَذِهِ الْأَعْيَانَ مُحَرَّمَةُ الْعَيْنِ شَرْعًا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى { حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ } الْآيَةَ فَكَانَ هَذَا بِمَنْزِلَةِ تَحْرِيمِهَا عَلَى نَفْسِهِ بِقَوْلِهِ أَنْتِ عَلَيَّ حَرَامٌ وَقَدْ بَيَّنَّا أَنَّهُ يُسْأَلُ عَنْ نِيَّتِهِ وَالدَّلِيلُ عَلَى الْفَرْقِ فَصْلُ الظِّهَارِ فَإِنَّهُ لَوْ شَبَّهَ امْرَأَتَهُ بِأَجْنَبِيَّةِ لَا يَكُونُ مُظَاهِرًا وَلَوْ شَبَّهَهَا بِأُمِّهِ يَكُونُ مُظَاهِرًا لِأَنَّ الْأُمَّ تَكُونُ مُحَرَّمَةً عَلَيْهِ فَهَذَا مِثْلُهُ .

( قَالَ ) وَلَوْ قَالَ أَنْتِ مِنِّي بَائِنٌ أَوْ بَتَّةٌ أَوْ خَلِيَّةٌ أَوْ بَرِّيَّةٌ فَإِنْ لَمْ يَنْوِ الطَّلَاقَ لَا يَقَعُ الطَّلَاقُ لِأَنَّهُ تَكَلَّمَ بِكَلَامٍ مُحْتَمَلٍ فَالْبَيْنُونَةُ تَارَةً تَكُونُ مِنْ الْمَنْزِلِ وَتَارَةً تَكُونُ فِي الصُّحْبَةِ وَالْعِشْرَةِ وَتَارَةً مِنْ النِّكَاحِ وَاللَّفْظُ الْمُحْتَمِلُ لَا يَتَعَيَّنُ فِيهِ بَعْضُ الْجِهَاتِ بِدُونِ النِّيَّةِ أَوْ غَلَبَةِ الِاسْتِعْمَالِ وَلِأَنَّ بِدُونِ النِّيَّةِ مَعْنَى الطَّلَاقِ مَشْكُوكٌ فِي هَذَا اللَّفْظِ ، وَالطَّلَاقُ بِالشَّكِّ لَا يَنْزِلُ وَإِنْ نَوَى الطَّلَاقَ فَهُوَ كَمَا نَوَى إنْ نَوَى ثَلَاثًا فَثَلَاثٌ لِأَنَّهُ نَوَى أَتَمَّ أَنْوَاعِ الْبَيْنُونَةِ فَإِنَّ الْبَيْنُونَةَ تَارَةٌ تَكُونُ مَعَ احْتِمَالِ الْوَصْلِ عَقِيبَهُ وَتَارَةٌ تَكُونُ عَلَى وَجْهٍ لَا يَحْتَمِلُ الْوَصْلَ عَقِيبَهُ ، وَهُوَ الثَّلَاثُ مَا لَمْ تَتَزَوَّجْ بِزَوْجٍ آخَرَ فَعَمِلَتْ نِيَّتَهُ ، وَإِنْ نَوَى اثْنَتَيْنِ فَهِيَ وَاحِدَةٌ بَائِنَةٌ عِنْدَنَا خِلَافًا لِزُفَرَ رَحِمَهُ اللَّهُ وَقَدْ بَيَّنَّا فِي الْفَصْلِ الْأَوَّلِ الْكَلَامَ فِي هَذَا فَإِنَّ قَوْلَهُ بَائِنٌ كَلِمَةٌ وَاحِدَةٌ فَلَا تَحْتَمِلُ الْعَدَدَ ، وَإِنْ نَوَى وَاحِدَةً أَوْ نَوَى الطَّلَاقَ فَقَطْ فَهِيَ وَاحِدَةٌ بَائِنَةٌ عِنْدَنَا وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ هِيَ وَاحِدَةٌ رَجْعِيَّةٌ ، وَكَذَلِكَ كُلُّ لَفْظٍ يُشْبِهُ الْفُرْقَةَ إذَا أُرِيدَ بِهِ الطَّلَاقُ كَقَوْلِهِ حَبْلُك عَلَى غَارِبِك وَقَدْ خَلَّيْت سَبِيلَك وَلَا مِلْكَ لِي عَلَيْك وَالْحَقِي بِأَهْلِك وَاخْرُجِي وَاسْتَتِرِي وَتَقَنَّعِي وَقَدْ وَهَبْتُك لِأَهْلِك إنْ قَبِلُوهَا أَوْ لَمْ يَقْبَلُوهَا وَقَدْ أَبَنْت نَفْسَك مِنِّي أَوْ أَبَنْت نَفْسِي مِنْك فَالْجَوَابُ فِي كُلِّهِ كَمَا ذَكَرْنَا فِي قَوْلِهِ أَنْتِ مِنِّي بَائِنٌ وَقَدْ نُقِلَ عَنْ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ فِي قَوْلِهِ حَبْلُك عَلَى غَارِبِك أَنَّهُ طَلَاقٌ إذَا نَوَى وَلِأَنَّ فِي هَذِهِ الْأَلْفَاظِ احْتِمَالُ مَعْنَى زَوَالِ الْمِلْكِ فَإِنَّ مَنْ سَيَّبَ نَاقَتَهُ يَجْعَلُ حَبْلَهَا عَلَى غَارِبِهَا وَيُخَلِّي سَبِيلَهَا ، وَفِي قَوْلِهِ لَا مِلْكَ

لِي عَلَيْك تَصْرِيحٌ بِنَفْيِ الْمِلْكِ ، وَفِي قَوْلِهِ الْحَقِي بِأَهْلِك إلْزَامُهَا الِالْتِحَاقَ بِأَهْلِهَا وَذَلِكَ بَعْدَ انْقِطَاعِ النِّكَاحِ بَيْنَهُمَا ، وَفِي قَوْلِهِ اُخْرُجِي وَاسْتَتِرِي وَتَقَنَّعِي إلْزَامُهَا مَا صَرَّحَ بِهِ وَإِنَّمَا يَلْزَمُهَا ذَلِكَ فِي حَقِّهِ بَعْدَ زَوَالِ الْمِلْكِ وَكَذَلِكَ هِبَتُهَا لِأَهْلِهَا تَكُونُ أَمْرًا بِالِالْتِحَاقِ بِهِمْ بِإِزَالَةِ مِلْكِ نَفْسِهِ عَنْهَا فَإِذَا ثَبَتَ هَذَا كَانَتْ هَذِهِ الْأَلْفَاظُ كُلُّهَا كَلَفْظَةِ الْبَيْنُونَةِ وَبَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ مِنْ مَشَايِخِنَا يُسَمُّونَ هَذِهِ الْأَلْفَاظَ كِنَايَاتٍ وَهُوَ مَجَازٌ لَا حَقِيقَةٌ لِأَنَّ عِنْدَنَا هَذِهِ الْأَلْفَاظُ تَعْمَلُ فِي حَقَائِقِ مُوجِبَاتِهَا وَلِهَذَا يَقَعُ بِهِ التَّطْلِيقَةُ الْبَائِنَةُ .
وَالْكِنَايَةُ مَا يُسْتَعَارُ لِشَيْءٍ آخَرَ فَإِنَّمَا يَسْتَقِيمُ هَذَا الْأَصْلُ عَلَى أَصْلِ الشَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى فَإِنَّهُ يَجْعَلُ هَذِهِ الْأَلْفَاظَ كِنَايَةً عَنْ لَفْظِ الطَّلَاقِ وَلِهَذَا كَانَ الْوَاقِعُ بِهِ رَجْعِيًّا وَكَانَ مُحَمَّدٌ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى أَشَارَ إلَى هَذَا الْمَعْنَى فِي قَوْلِهِ وَكَذَلِكَ كُلُّ كَلَامٍ تَقَعُ بِهِ الْفُرْقَةُ مِمَّا يُشْبِهُ الطَّلَاقَ ثُمَّ الْكَلَامُ بَيْنَنَا وَبَيْنَ الشَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى يَنْبَنِي عَلَى أَصْلٍ وَهُوَ أَنَّ عِنْدَهُ إزَالَةَ الْمِلْكِ بَعْدَ الدُّخُولِ غَيْرُ مَمْلُوكٍ لِلزَّوْجِ إلَّا بِاشْتِرَاطِ الْبَدَلِ أَوْ بِاسْتِيفَاءِ الْعَدَدِ وَعِنْدَنَا هُوَ مَمْلُوكٌ لَهُ كَإِيقَاعِ أَصْلِ الطَّلَاقِ حَتَّى لَوْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ أَنْتِ طَالِقٌ بَائِنٌ عِنْدَنَا تَقَعُ تَطْلِيقَةً بَائِنَةً وَعِنْدَهُ تَقَعُ تَطْلِيقَةً رَجْعِيَّةً وَاسْتَدَلَّ فَقَالَ إنَّ خِيَارَ الرَّجْعِيَّةِ بَعْدَ إيقَاعِ الطَّلَاقِ ثَابِتٌ شَرْعًا فِي الْعِدَّةِ لَا بِإِيجَابٍ مِنْ الزَّوْجِ فَلَا تَصَرُّفَ لَهُ فِي إسْقَاطِهِ شَرْعًا ، وَفِي وَصْفِ التَّطْلِيقَةِ بِالْبَيْنُونَةِ إسْقَاطُ خِيَارِ الرَّجْعَةِ وَلَوْ صَرَّحَ بِهِ فَقَالَ أَنْتِ طَالِقٌ وَلَا رَجْعَةَ لِي عَلَيْك لَمْ يَسْقُطْ حَقُّ الرَّجْعَةِ فَهُنَا أَوْلَى ، وَلِأَنَّ

إزَالَةَ مِلْكِ النِّكَاحِ مُعْتَبَرٌ بِإِزَالَةِ مِلْكِ الْيَمِينِ تَارَةً يَكُونُ بِالْمُعَاوَضَةِ فَيَثْبُتُ بِنَفْسِهِ ، وَتَارَةً يَكُونُ بِجِهَةِ التَّبَرُّعِ فَيَتَأَخَّرُ إلَى مَا بَعْدَ الْقَبْضِ ، وَلَوْ أَرَادَ تَغْيِيرَهُ لَا يَمْلِكُ ذَلِكَ حَتَّى لَوْ قَالَ وَهَبْتُ مِنْكِ هِبَةً تُوجِبُ الْمِلْكَ بِنَفْسِهِ كَانَ بَاطِلًا فَكَذَلِكَ إزَالَةُ مِلْكِ النِّكَاحِ تَارَةً يَكُونُ بِعِوَضٍ وَهُوَ الْخُلْعُ فَيَثْبُتُ بِنَفْسِهِ ، وَتَارَةً يَكُونُ بِغَيْرِ عِوَضٍ فَيَتَأَخَّرُ إلَى مَا بَعْدَ انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ أَوْ اسْتِيفَاءِ الْعَدَدِ فَلَا يَمْلِكُ تَغْيِيرَهُ بِتَنْصِيصِهِ لِأَنَّ هَذَا التَّنْصِيصَ تَصَرُّفٌ مِنْهُ فِي حُكْمِ الشَّرْعِ لَا فِي مِلْكِ نَفْسِهِ ، وَلِأَنَّ هَذِهِ الْأَلْفَاظَ دُونَ لَفْظِ الصَّرِيحِ حَتَّى إنَّهَا لَا تَعْمَلُ إلَّا بِالنِّيَّةِ .
فَإِذَا كَانَ الصَّرِيحُ الَّذِي هُوَ أَقْوَى لَا يُزِيلُ الْمِلْكَ بِنَفْسِهِ فَهَذَا أَوْلَى وَهَذِهِ الْأَلْفَاظُ كِنَايَةٌ عَنْ الطَّلَاقِ غَيْرُ عَامِلَةٍ بِحَقَائِقِ مُوجِبَاتِهَا فَإِنَّ حَقِيقَةَ حُرْمَتِهَا عَلَيْهِ أَنْ تَكُونَ مُؤَبَّدَةً كَحُرْمَةِ الْأُمَّهَاتِ وَلَا يَثْبُتُ ذَلِكَ بِشَيْءٍ مِنْ هَذِهِ الْأَلْفَاظِ فَإِنَّ مَا يَثْبُتُ بِهَذِهِ الْأَلْفَاظِ الْحُرْمَةُ الَّتِي تَثْبُتُ بِالطَّلَاقِ فَعَرَفْنَا أَنَّهَا كِنَايَةٌ عَنْ الطَّلَاقِ وَحُجَّتُنَا فِي ذَلِكَ أَنَّ إيقَاعَ صِفَةِ الْبَيْنُونَةِ تَصَرُّفٌ مِنْ الزَّوْجِ فِي مِلْكِهِ فَيَكُونُ صَحِيحًا كَإِيقَاعِ أَصْلِ الطَّلَاقِ وَبَيَانُهُ أَنَّ الطَّلَاقَ بِالنِّكَاحِ مَمْلُوكٌ لِلزَّوْجِ ، وَمَا صَارَ مَمْلُوكًا لَهُ إلَّا لِحَاجَتِهِ إلَى التَّقَصِّي عَنْ عُهْدَةِ النِّكَاحِ وَذَلِكَ بِإِزَالَةِ مِلْكِ النِّكَاحِ وَكَذَلِكَ قَبْلَ الدُّخُولِ إزَالَةُ الْمِلْكِ مَمْلُوكٌ لِلزَّوْجِ وَبِالدُّخُولِ يَتَأَكَّدُ لَهُ مِلْكُهُ فَلَا يَبْطُلُ مَا كَانَ ثَابِتًا لَهُ بِالْمِلْكِ مِنْ وِلَايَةِ الْإِزَالَةِ وَكَذَلِكَ يَمْلِكُ الِاعْتِيَاضَ عَنْ إزَالَةِ الْمِلْكِ وَإِنَّمَا يَمْلِكُ الِاعْتِيَاضَ عَمَّا هُوَ مَمْلُوكٌ لَهُ فَثَبَتَ أَنَّ الْإِبَانَةَ مَمْلُوكَةٌ لَهُ فَكَانَ وَصْفُهُ الطَّلَاقَ الَّذِي أَوْقَعَ

بِالْبَيْنُونَةِ تَصَرُّفًا مِنْهُ فِي مِلْكِ نَفْسِهِ فَيَجِبُ إعْمَالُهُ مَا أَمْكَنَ وَكَانَ يَنْبَغِي عَلَى هَذَا الْأَصْلِ أَنْ يَزُولَ الْمِلْكُ بِنَفْسِ الطَّلَاقِ إلَّا أَنَّ حُكْمَ الرَّجْعَةِ بَعْدَ صَرِيحِ الطَّلَاقِ ثَبَتَ شَرْعًا بِخِلَافِ الْقِيَاسِ وَمَا ثَبَتَ شَرْعًا بِخِلَافِ الْقِيَاسِ لَا يُلْحَقُ بِهِ مَا لَيْسَ فِي مَعْنَاهُ ، وَهَذَا لَيْسَ فِي مَعْنَى صَرِيحِ لَفْظِ الطَّلَاقِ لِأَنَّهُ يُجَامِعُ النِّكَاحَ أَلَا تَرَى أَنَّهَا بَعْدَ الرَّجْعَةِ تُوصَفُ بِأَنَّهَا مُطَلَّقَةٌ وَمَنْكُوحَةٌ وَلَا تُوصَفُ بِأَنَّهَا مُبَانَةٌ وَمَنْكُوحَةٌ فَإِذَا لَمْ يَكُنْ فِي مَعْنَى الْمَنْصُوصِ يُؤْخَذُ فِيهِ بِأَصْلِ الْقِيَاسِ ، وَلِأَنَّ فِي قَوْلِهِ أَنْتِ طَالِقٌ يَحْتَمِلُ الطَّلَاقَ الْمُبِينَ وَغَيْرَ الْمُبِينِ فَكَانَ قَوْلُهُ بَائِنًا لِتَعْيِينِ أَحَدِ الْمُحْتَمَلَيْنِ كَمَا نَقُولُ النَّاسُ يَكُونُ مُحْتَمِلًا لِلْعُمُومِ وَالْخُصُوصِ وَإِذَا قَالَ النَّاسُ كُلُّهُمْ يَزُولُ بِهِ هَذَا الِاحْتِمَالُ وَكَذَلِكَ إذَا قَالَ بِعْت يَحْتَمِلُ الْبَيْعَ بِالْخِيَارِ وَالْبَيْعَ الْبَاتَّ فَإِذَا قَالَ بَيْعًا بَاتًّا يَزُولُ هَذَا الِاحْتِمَالُ وَهَذَا بِخِلَافِ الْهِبَةِ فَإِنَّهَا لَا تُوجِبُ الْمِلْكَ لِضَعْفِهَا فِي نَفْسِهَا حَتَّى تَتَأَيَّدَ بِمَا يُقَوِّيهَا ، وَهُوَ الْقَبْضُ وَبِشَرْطِهَا لَا تَتَقَوَّى .
وَهُنَا قَوْلُهُ أَنْتِ طَالِقٌ لَا يُزِيلُ الْمِلْكَ بِنَفْسِهِ لَا لِضَعْفِهِ لِأَنَّهُ قَوِيٌّ لَازِمٌ بَلْ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُنَافٍ لِلنِّكَاحِ فَإِذَا قَالَ تَطْلِيقَةً بَائِنَةً فَقَدْ زَالَ ذَلِكَ الْمَعْنَى حِينَ صَرَّحَ بِمَا هُوَ مُنَافٍ لِلنِّكَاحِ وَهَذِهِ الْأَلْفَاظُ تَعْمَلُ فِي حَقَائِقِ مُوجِبَاتِهَا فَإِنَّ حُرْمَتَهَا عَلَيْهِ تَثْبُتُ بِهَذَا اللَّفْظِ مُؤَبَّدَةً عِنْدَ نِيَّةِ الثَّلَاثِ وَلَكِنَّ الزَّوْجَ الثَّانِي رَافِعٌ لِلْحُرْمَةِ كَمَا أَنَّ زَوَالَ الْمِلْكِ بِالطَّلَاقِ يَثْبُتُ مُؤَبَّدًا وَإِنْ كَانَ الْعَقْدُ بَعْدَهُ يُوجِبُ الْمِلْكَ إلَّا أَنَّهُ لَا يُمْكِنُ إثْبَاتُ حَقِيقَةِ مُوجِبِ هَذَا اللَّفْظِ مِنْ جِهَةِ الزَّوْجِ إلَّا بِالطَّلَاقِ ؛ فَلِهَذَا وَجَبَ إعْمَالُ نِيَّتِهِ فِي الطَّلَاقِ

وَعَلَى هَذَا لَوْ قَالَ لَهَا أَنْتِ حُرَّةٌ لِأَنَّ فِيهِ مَعْنَى إزَالَةُ الْمِلْكِ فَإِنَّ النِّكَاحَ رِقٌّ وَحُرِّيَّتُهَا عَنْهُ تَكُونُ بِإِزَالَتِهِ .

فَأَمَّا إذَا قَالَ اعْتَدِّي فَهَذَا اللَّفْظُ كِنَايَةٌ لِأَنَّهُ مُحْتَمِلٌ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ مُرَادُهُ اعْتَدِّي نِعَمَ اللَّهِ أَوْ نِعَمِي عَلَيْك أَوْ اعْتَدِّي مِنْ النِّكَاحِ فَإِذَا نَوَى بِهِ الطَّلَاقَ وَقَعَتْ تَطْلِيقَةٌ رَجْعِيَّةٌ لِأَنَّ وُقُوعَ الطَّلَاقِ لَيْسَ بِحَقِيقَةِ اللَّفْظِ فَإِنَّ حَقِيقَتَهُ فِي الْحِسَابِ فَلَا تَأْثِيرَ لَهُ فِي إزَالَةِ الْمِلْكِ وَالْعِدَّةُ تُجَامِعُ النِّكَاحَ ابْتِدَاءً وَبَقَاءً وَلَكِنْ مِنْ ضَرُورَةِ عِدَّتِهَا مِنْ النِّكَاحِ تَقَدُّمُ الطَّلَاقِ فَكَانَ وُقُوعُ الطَّلَاقِ بِطَرِيقِ الْإِضْمَارِ فِي كَلَامِهِ فَكَأَنَّهُ قَالَ طَلَّقْتُك فَاعْتَدِّي ، وَلِهَذَا قُلْنَا إنَّهُ وَإِنْ تَكَلَّمَ بِهَذَا اللَّفْظِ قَبْلَ الدُّخُولِ تَعْمَلُ نِيَّتُهُ فِي الطَّلَاقِ وَلَا عِدَّةَ عَلَيْهَا قَبْلَ الدُّخُولِ فَعَرَفْنَا أَنَّ اللَّفْظَ غَيْرُ عَامِلٍ فِي حَقِيقَتِهِ وَلَكِنَّ الطَّلَاقَ فِيهِ مُضْمَرٌ يَظْهَرُ عِنْدَ نِيَّتِهِ عَرَفْنَا ذَلِكَ بِالنَّصِّ ، وَهُوَ { قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِسَوْدَةِ حِينَ أَرَادَ أَنْ يُطَلِّقَهَا اعْتَدِّي } ، وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ اسْتَبْرِئِي رَحِمَك بِمَنْزِلَةِ التَّفْسِيرِ لِقَوْلِهِ اعْتَدِّي لِأَنَّهُ تَصْرِيحٌ بِمَا هُوَ الْمَقْصُودُ مِنْ الْعِدَّةِ ، وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ لَهَا أَنْتِ وَاحِدَةٌ لِأَنَّهُ كَلَامٌ مُحْتَمِلٌ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ قَوْلُهُ وَاحِدَةً نَعْتًا لَهَا أَيْ وَاحِدَةً عِنْدَ قَوْمِك أَوْ مُنْفَرِدَةً عِنْدِي لَيْسَ مَعَكِ غَيْرُكِ أَوْ وَاحِدَةَ نِسَاءِ الْعَالَمِ فِي الْجَمَالِ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ نَعْتًا لِتَطْلِيقَةٍ أَيْ أَنْتِ طَالِقٌ وَاحِدَةً فَلَا يَقَعُ الطَّلَاقُ بِهِ إلَّا بِالنِّيَّةِ ، فَإِذَا نَوَى يَقَعُ بِهِ تَطْلِيقَةٌ رَجْعِيَّةٌ لِأَنَّ الْوُقُوعَ بِطَرِيقِ الْإِضْمَارِ فَكَأَنَّهُ صَرَّحَ بِمَا هُوَ الْمُضْمَرُ .
وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى لَا يَقَعُ بِهَذَا اللَّفْظِ شَيْءٌ وَإِنْ نَوَى لِأَنَّ قَوْلَهُ وَاحِدَةً نَعْتٌ لَهَا وَلَيْسَ فِيهِ احْتِمَالِ مَعْنَى الطَّلَاقِ أَصْلًا وَلَكِنَّا نَقُولُ كَلَامُ الْعَاقِلِ مَتَى أَمْكَنَ حَمْلُهُ عَلَى مَا هُوَ مُفِيدٌ يُحْمَلُ

عَلَيْهِ

فَأَمَّا إذَا قَالَ لَهَا أَنْتِ طَالِقٌ يَقَعُ بِهِ تَطْلِيقَةٌ رَجْعِيَّةٌ نَوَى أَوْ لَمْ يَنْوِ لِأَنَّ هَذَا اللَّفْظَ صَرِيحٌ فِي الطَّلَاقِ عِنْدَ النِّكَاحِ لِغَلَبَةِ الِاسْتِعْمَالِ فَلَا حَاجَةَ إلَى النِّيَّةِ فِيهِ وَلِأَنَّهُ يَخْتَصُّ بِالنِّسَاءِ وَلَا يُذْكَرُ لَفْظُ الطَّلَاقِ إلَّا مُضَافًا إلَى النِّسَاءِ ، وَإِنَّمَا يُذْكَرُ فِي غَيْرِهِنَّ الْإِطْلَاقُ وَالْمَعْنَى الْمُخْتَصُّ بِالنِّسَاءِ النِّكَاحُ فَتَعَيَّنَ الطَّلَاقُ عَنْ النِّكَاحِ عِنْدَ الْإِضَافَةِ إلَيْهَا ، وَكَذَلِكَ مَا يَكُونُ مُشْتَقًّا مِنْ لَفْظِ الطَّلَاقِ كَقَوْلِهِ قَدْ طَلَّقْتُكِ أَوْ أَنْتِ مُطَلَّقَةٌ إلَّا أَنَّهُ رُوِيَ عَنْ مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى أَنَّهُ إذَا قَالَ أَنْتِ مُطْلَقَةٌ بِإِسْكَانِ الطَّاءِ وَتَخْفِيفِ اللَّامِ لَا يَكُونُ طَلَاقًا إلَّا بِالنِّيَّةِ لِأَنَّ هَذَا اللَّفْظَ غَيْرُ مُخْتَصٍّ بِالنِّسَاءِ وَلَوْ نَوَى بِقَوْلِهِ أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا أَوْ اثْنَتَيْنِ لَا تَعْمَلُ نِيَّتُهُ عِنْدَنَا وَلَا يَقَعُ عَلَيْهَا إلَّا وَاحِدَةً رَجْعِيَّةً .
وَعَلَى قَوْلِ زُفَرَ وَالشَّافِعِيِّ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى يَقَعُ مَا نَوَى وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى الْأَوَّلُ لِأَنَّ الصَّرِيحَ أَقْوَى مِنْ الْكِنَايَةِ فَإِذَا صَحَّ نِيَّةُ الثَّلَاثِ فِي قَوْلِهِ أَنْتِ بَائِنٌ فَلَأَنْ يَصِحَّ فِي قَوْلِهِ أَنْتِ طَالِقٌ أَوْلَى وَهَذَا لِأَنَّ لَفْظَ الطَّلَاقِ مُحْتَمِلٌ لِلْعَدَدِ حَتَّى يُفَسَّرَ بِهِ فَتَقُولُ أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا ، وَهُوَ نَصْبٌ عَلَى التَّفْسِيرِ وَإِذَا قِيلَ إنَّ فُلَانًا طَلَّقَ امْرَأَتَهُ يَصِحُّ الِاسْتِفْسَارُ عَنْ الْعَدَدِ ، فَيُقَالُ كَمْ طَلَّقَهَا ؟ وَلِأَنَّ قَوْلَهُ أَنْتِ طَالِقٌ أَيْ طَالِقٌ طَلَاقًا فَإِنَّهَا لَا تَكُونُ طَالِقًا إلَّا بِالطَّلَاقِ وَلَوْ صَرَّحَ بِهَذَا وَنَوَى الثَّلَاثَ يَصِحُّ وَلِأَنَّهُ لَوْ قَالَ لَهَا طَلِّقِي نَفْسَكِ وَنَوَى بِهِ الثَّلَاثَ صَحَّتْ نِيَّتُهُ فَكَذَلِكَ إذَا قَالَ طَلَّقْتُكِ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا ذُكِرَ بِلَفْظِ الْفِعْلِ وَحُجَّتُنَا فِي ذَلِكَ أَنَّ { ابْنَ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ طَلَّقَ

امْرَأَتَهُ فَأَمَرَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يُرَاجِعَهَا } وَلَمْ يَسْتَفْسِرْهُ إنَّك أَرَدْت الثَّلَاثَ أَمْ لَا وَلَمْ يُحَلِّفْهُ عَلَى ذَلِكَ ، وَلَوْ كَانَتْ نِيَّةُ الثَّلَاثِ تِسْعًا فِي هَذَا اللَّفْظِ لَحَلَّفَهُ كَمَا حَلَّفَ ابْنَ رُكَانَةَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ فِي لَفْظِ الْبَتَّةِ وَالْمَعْنَى فِيهِ أَنَّهُ نَوَى مَا لَا يَحْتَمِلُهُ لَفْظُهُ فَلَا تَعْمَلُ نِيَّتُهُ كَمَا لَوْ قَالَ لَهَا حُجِّي أَوْ زُورِي أَبَاك أَوْ اسْقِينِي مَاءً مِنْ خَارِجٍ وَنَوَى بِهِ الطَّلَاقَ وَهَذَا لِأَنَّ الْمَنْوِيَّ إذَا لَمْ يَكُنْ مِنْ مُحْتَمَلَاتِ اللَّفْظِ فَقَدْ تَجَرَّدَتْ النِّيَّةُ عَنْ اللَّفْظِ وَبِمُجَرَّدِ النِّيَّةِ لَا يَقَعُ شَيْءٌ .
وَإِنَّمَا قُلْنَا ذَلِكَ لِأَنَّ قَوْلَهُ أَنْتِ طَالِقٌ نَعْتُ فَرْدٍ فَلَا يَحْتَمِلُ الْعَدَدَ أَلَا تَرَى أَنَّهُ يُقَالُ لِلْمَثْنَى طَالِقَانِ وَلِلثَّلَاثِ طَوَالِقُ فَيَكُونُ نَعْتًا لِلنِّسَاءِ لَا لِلطَّلَاقِ وَقَوْلُهُ طَلَّقْتُكِ فِعْلٌ وَهُوَ لَا يَحْتَمِلُ الْعَدَدَ كَقَوْلِهِ قُمْتُ وَقَعَدْتُ ، وَأَحَدٌ لَا يُخَالِفُ فِي هَذَا ، وَإِنَّمَا تَعْمَلُ النِّيَّةُ عِنْدَهُ بِمَا قَالَ إنَّهَا لَا تَكُونُ طَالِقًا إلَّا الطَّلَاقَ ، وَلَكِنْ هَذَا ثَابِتٌ بِمُقْتَضَى كَلَامِهِ ، وَلَا عُمُومَ لِلْمُقْتَضَى عِنْدَنَا ؛ لِأَنَّ ثُبُوتَهُ لِتَصْحِيحِ الْكَلَامِ حَتَّى لَوْ صَحَّ بِدُونِ الْمُقْتَضَى لَا يَثْبُتُ الْمُقْتَضَى وَيَصِحُّ بِدُونِ صِفَةِ الْعُمُومِ فِي الْمُقْتَضَى ، وَلِأَنَّ ذِكْرَ النَّعْتِ يَقْتَضِي وَصْفًا ثَابِتًا لِلْمَوْصُوفِ لُغَةً فَأَمَّا الْوَصْفُ الثَّابِتُ لِلْوَاصِفِ لِتَصْحِيحِ كَلَامِهِ يَكُونُ ثَابِتًا شَرْعًا لَا لُغَةً ، وَالطَّلَاقُ بِهَذِهِ الصِّفَةِ لِأَنَّ تَقْدِيمَ الْإِيقَاعِ لِتَصْحِيحِ كَلَامِهِ شَرْعًا ، وَكَذَلِكَ فِي قَوْلِهِ قَدْ طَلَّقْتُك فَإِنَّهُ حِكَايَةُ قَوْلِهِ ، وَلَا احْتِمَالَ فِيهِ لِمَعْنَى الْعَدَدِ وَلَا لِمَعْنَى الْعُمُومِ بِخِلَافِ قَوْلِهِ طَلِّقِي نَفْسَك فَإِنَّ نِيَّةَ الْعَدَدِ لَا تَعْمَلُ هُنَاكَ عِنْدَنَا حَتَّى لَوْ نَوَى الثِّنْتَيْنِ لَا يَصِحُّ .
وَنِيَّةُ الثَّلَاثِ إنَّمَا تَصِحُّ بِاعْتِبَارِ

مَعْنَى الْعُمُومِ لِأَنَّهُ تَفْوِيضٌ ، وَالتَّفْوِيضُ قَدْ يَكُونُ خَاصًّا وَالْمُفَوَّضُ إلَيْهَا بِهَذَا اللَّفْظِ طَلَاقٌ ، وَذَلِكَ ثَابِتٌ فِي هَذَا اللَّفْظِ لُغَةً وَالطَّلَاقُ بِمَنْزِلَةِ أَسْمَاءِ الْأَجْنَاسِ يَحْتَمِلُ الْعُمُومَ وَالْخُصُوصَ فَتَعْمَلُ نِيَّتُهُ فِي الْعُمُومِ ، وَلَسْنَا نَقُولُ فِي قَوْلِهِ ثَلَاثًا أَنَّهُ نُصِبَ عَلَى التَّفْسِيرِ بَلْ هُوَ مَنْصُوبٌ بِنَزْعِ حَرْفِ الْخَافِضِ عَنْهُ مَعْنَاهُ بِثَلَاثٍ كَقَوْلِهِ { مَا هَذَا بَشَرًا } أَوْ هُوَ مَنْصُوبٌ عَلَى طَرِيقِ الْبَدَلِ عَنْ مَصْدَرٍ مَحْذُوفٍ ، وَمَعْنَاهُ طَلَاقٌ ثَلَاثًا ، وَبِأَنْ صَحَّ الِاسْتِفْسَارُ عَنْ الْعَدَدِ فِي الْحِكَايَةِ فَذَلِكَ لَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ مِنْ مُحْتَمَلَاتِ اللَّفْظِ كَمَا يَصِحُّ الِاسْتِفْسَارُ عَنْ الشَّرْطِ وَالْبَدَلِ .

وَأَمَّا إذَا قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ طَلَاقًا فَقَدْ رَوَى أَبُو يُوسُفَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى أَنَّهُ لَا تَعْمَلُ نِيَّةُ الثَّلَاثِ فِيهِ لِأَنَّ الْمَصْدَرَ يُذْكَرُ لِتَأْكِيدِ الْكَلَامِ يُقَالُ أَكَلْت أَكْلًا وَقُمْت قِيَامًا فَلَا تَسَعُ فِيهِ نِيَّةُ الثَّلَاثِ ثُمَّ وَلَئِنْ صَحَّتْ نِيَّةُ الثَّلَاثِ فَلَا تَصِحُّ بِاعْتِبَارِ الْعَدَدِ بَلْ بِاعْتِبَارِ مَعْنَى الْعُمُومِ لِأَنَّ الْمَصْدَرَ يَحْتَمِلُ الْكَثْرَةَ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى { وَادْعُوا ثُبُورًا كَثِيرًا } ، وَلِأَنَّ الْمَصْدَرَ يُضَارِعُ الِاسْمَ فَكَانَ هَذَا وَقَوْلُهُ أَنْتِ طَالِقٌ الطَّلَاقَ سَوَاءً ، وَتَصِحُّ نِيَّةُ الثَّلَاثِ فِي قَوْلِهِ الطَّلَاقُ لِأَنَّهُ مِنْ أَسْمَاءِ الْأَجْنَاسِ مُحْتَمِلٌ لِلْعُمُومِ وَالْخُصُوصِ ، وَلِأَنَّ الْأَلِفَ وَاللَّامَ لِاسْتِغْرَاقِ الْجِنْسِ فِيمَا لَا مَعْهُودَ فِيهِ .
وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ أَنْتِ الطَّلَاقُ فَمَعْنَاهُ أَنْتِ طَالِقٌ الطَّلَاقَ حَتَّى تَسَعَ فِيهِ نِيَّةُ الثَّلَاثَةِ ، وَقَدْ يُذْكَرُ الْمَصْدَرُ وَيُرَادُ بِهِ الْفِعْلُ يُقَالُ إنَّمَا هُوَ إقْبَالٌ وَإِدْبَارٌ عَلَى سَبِيلِ النَّعْتِ لِلْمُقْبِلِ وَالْمُدْبِرِ ، وَعَلَى هَذَا لَوْ قَالَ أَنْتِ الطَّلَاقُ يَقَعُ بِهِ الطَّلَاقُ بِمَنْزِلَةِ قَوْلِهِ أَنْتِ طَالِقٌ وَذَكَرَ ابْنُ سِمَاعَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى أَنَّ الْكِسَائِيَّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى بَعَثَ إلَى مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى بِفَتْوَى فَدَفَعَهَا إلَيَّ فَقَرَأْتهَا عَلَيْهِ مَا قَوْلُ الْقَاضِي الْإِمَامِ فِيمَنْ يَقُولُ لِامْرَأَتِهِ فَإِنْ تَرْفُقِي يَا هِنْدُ فَالرِّفْقُ أَيْمَنُ وَإِنْ تَخْرِقِي يَا هِنْدُ فَالْخَرْقُ أَشْأَمُ فَأَنْتِ طَلَاقٌ وَالطَّلَاقُ عَزِيمَةٌ ثَلَاثٌ وَمَنْ يَخْرِقْ أَعَقُّ وَأَظْلَمُ كَمْ يَقَعُ عَلَيْهَا .
فَكَتَبَ فِي جَوَابِهِ إنْ قَالَ ثَلَاثٌ مَرْفُوعًا تَقَعُ وَاحِدَةً وَإِنْ قَالَ ثَلَاثًا مَنْصُوبًا يَقَعُ ثَلَاثٌ لِأَنَّهُ إذَا ذَكَرَهُ مَرْفُوعًا كَانَ ابْتِدَاءً فَيَبْقَى قَوْلُهُ أَنْتِ طَالِقٌ فَتَقَعُ وَاحِدَةً وَإِنْ قَالَ ثَلَاثًا مَنْصُوبٌ عَلَى مَعْنَى الْبَدَلِ أَوْ عَلَى التَّفْسِيرِ يَقَعُ بِهِ ثَلَاثٌ

( قَالَ ) وَلَوْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ سَرَّحْتُك أَوْ فَارَقْتُك وَلَمْ يَنْوِ الطَّلَاقَ لَمْ يَقَعْ شَيْءٌ عِنْدَنَا وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يَقَعُ الطَّلَاقُ وَهُمَا صَرِيحٌ عِنْدَهُ لِأَنَّ كِتَابَ اللَّهِ تَعَالَى وَرَدَ بِهِمَا فِي قَوْله تَعَالَى وَسَرِّحُوهُنَّ وَلَكِنَّا نَقُولُ الصَّرِيحُ مَا يَكُونُ مُخْتَصًّا بِالْإِضَافَةِ إلَى النِّسَاءِ فَلَا يُسْتَعْمَلُ فِي غَيْرِ النِّكَاحِ وَهَذَا لَا يُوجَدُ فِي هَذَيْنِ اللَّفْظَيْنِ فَإِنَّ الرَّجُلَ يَقُولُ سَرَّحْتُ إبِلِي وَفَارَقْتُ غَرِيمِي أَوْ صَدِيقِي فَهُمَا كَسَائِرِ الْأَلْفَاظِ الْمُبْهَمَةِ لَا يَقَعُ بِهِمَا الطَّلَاقُ إلَّا بِالنِّيَّةِ .

( قَالَ ) وَلَوْ قَالَ اذْهَبِي وَنَوَى بِهِ الطَّلَاقَ كَانَ طَلَاقًا مُوجِبًا لِلْبَيْنُونَةِ لِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُهَا الذَّهَابُ إلَّا بَعْدَ زَوَالِ الْمِلْكِ فَإِنْ قَالَ اذْهَبِي وَبِيعِي ثَوْبَك ، وَنَوَى بِهِ الطَّلَاقَ لَمْ يَكُنْ طَلَاقًا فِي قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَكَانَ طَلَاقًا فِي قَوْلِ زُفَرَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى ذَكَرَهُ فِي اخْتِلَافِ زُفَرَ وَيَعْقُوبَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى لِأَنَّ نِيَّةَ الطَّلَاقِ عَامِلَةٌ فِي قَوْلِهِ اذْهَبِي ، وَقَوْلُهُ بِيعِي ثَوْبَك مَشُورَةٌ فَلَا يَتَغَيَّرُ بِهِ حُكْمُ اللَّفْظِ الْأَوَّلِ ، وَأَبُو يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى يَقُولُ مَعْنَى كَلَامِهِ اذْهَبِي لِتَبِيعِي ثَوْبَك فَكَانَ مُصَرِّحًا بِخِلَافِ الْمَنْوِيِّ ؛ فَلِهَذَا لَا تَعْمَلُ نِيَّتُهُ .

( قَالَ ) وَلَوْ قَالَ أَنَا مِنْك طَالِقٌ فَلَيْسَ هَذَا بِشَيْءٍ وَإِنْ نَوَى الطَّلَاقَ عِنْدَنَا وَقَالَ الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ يَقَعُ بِهِ الطَّلَاقُ إذَا نَوَى الْوُقُوعَ عَلَيْهَا لِأَنَّهُ لَوْ قَالَ أَنَا مِنْك بَائِنٌ ، أَوْ أَنَا عَلَيْك حَرَامٌ وَنَوَى بِهِ وُقُوعَ الطَّلَاقِ يَقَعُ وَلَفْظُ الصَّرِيحِ أَقْوَى مِنْ لَفْظِ الْكِنَايَةِ ، وَهَذَا لِأَنَّ مِلْكَ النِّكَاحِ مُشْتَرَكٌ بَيْنَ الزَّوْجَيْنِ حَتَّى سُمِّيَا مُتَنَاكِحَيْنِ وَيُبْتَدَأُ فِي النِّكَاحِ بِذِكْرِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا وَيَنْتَهِي النِّكَاحُ بِمَوْتِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا حَتَّى يَرِثَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِنْ صَاحِبِهِ فَيَصِحُّ إضَافَةُ الطَّلَاقِ إلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا إلَّا أَنَّ إضَافَةَ الطَّلَاقِ إلَى الزَّوْجِ غَيْرُ مُتَعَارَفٍ فَيَحْتَاجُ فِيهِ إلَى النِّيَّةِ وَمَحَلُّ وُقُوعِ الطَّلَاقِ الْمَرْأَةُ فَلَا بُدَّ مِنْ نِيَّةِ الْوُقُوعِ عَلَيْهَا كَمَا فِي أَلْفَاظِ الْكِنَايَاتِ ، وَحُجَّتُنَا فِي ذَلِكَ مَا رُوِيَ أَنَّ امْرَأَةً قَالَتْ لِزَوْجِهَا لَوْ كَانَ إلَيَّ مَا إلَيْك لَرَأَيْتَ مَاذَا أَصْنَعُ فَقَالَ جَعَلْتُ إلَيْكِ مَا إلَيَّ فَقَالَتْ طَلَّقْتُكَ فَرَفَعَ ذَلِكَ إلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ فَقَالَ فَضَّ اللَّهُ فَاهَا هَلَّا قَالَتْ طَلَّقْتُ نَفْسِي مِنْك ، وَفِي الْكِتَابِ عَلَّلَ فَقَالَ لِأَنَّ الزَّوْجَ لَا يَكُونُ طَالِقًا مِنْ امْرَأَتِهِ وَمَعْنَى الطَّلَاقِ هُوَ الْإِطْلَاقُ وَالْإِرْسَالُ وَقَيْدُ الْمِلْكِ فِي جَانِبِهَا لَا فِي جَانِبِهِ أَلَا تَرَى أَنَّهَا لَا تَتَزَوَّجُ بِغَيْرِهِ وَالزَّوْجُ يَتَزَوَّجُ بِغَيْرِهَا فَلَا يَتَحَقَّقُ الْإِرْسَالُ فِي جَانِبِهِ ، وَلِهَذَا يَكُونُ الْوُقُوعُ عَلَيْهَا لَا عَلَيْهِ فَإِنَّمَا هُوَ مُطَلِّقٌ لَهَا كَمَا يَكُونُ الْمَوْلَى مُعْتِقًا لِعَبْدِهِ ، وَلَوْ قَالَ لِلْعَبْدِ أَنَا حُرٌّ مِنْك لَمْ يَعْتِقْ الْعَبْدُ فَكَذَلِكَ الطَّلَاقُ وَبِهِ فَارَقَ لَفْظَ الْبَيْنُونَةِ وَالْحُرْمَةِ لِأَنَّ الْبَيُونَةَ قَطْعُ الْوَصْلَةِ ، وَالْوَصْلَةُ مُشْتَرَكَةٌ بَيْنَهُمَا أَلَا تَرَى أَنَّهُ يُقَالُ بَانَتْ عَنْهُ وَبَانَ عَنْهَا ،

وَكَذَلِكَ لَفْظُ الْحُرْمَةِ يُقَالُ حُرِّمَ عَلَيْهَا وَحُرِّمَتْ عَلَيْهِ وَقَدْ بَيَّنَّا أَنَّ هَذِهِ الْأَلْفَاظَ لَمْ تَعْمَلْ بِحَقَائِقِ مُوجِبَاتِهَا وَاَلَّذِي يَقُولُ الْمِلْكُ مُشْتَرَكٌ كَلَامٌ لَا مَعْنَى لَهُ بَلْ الْمِلْكُ لِلزَّوْجِ عَلَيْهَا خَاصَّةً حَتَّى يَتَزَوَّجَ الْمُسْلِمُ الْكِتَابِيَّةَ وَلَا يَتَزَوَّجُ الْكِتَابِيُّ الْمُسْلِمَةَ ، وَفِيهِ كَلَامٌ طَوِيلٌ لِأَصْحَابِنَا رَحِمَهُمْ اللَّهُ تَعَالَى .
وَالْأَوْلَى أَنْ نَقُولَ مَا ثَبَتَ لَهَا بِالنِّكَاحِ مِلْكُ الْمَهْرِ وَالنَّفَقَةِ وَذَلِكَ لَا يَقْبَلُ الطَّلَاقَ وَمَا ثَبَتَ لَهُ عَلَيْهَا مِلْكُ الْحِلِّ ، وَهُوَ الْمِلْكُ الْأَصْلِيُّ الَّذِي يُقَابِلُهُ الْبَدَلُ وَالطَّلَاقُ مَشْرُوعٌ لِرَفْعِهِ وَإِنَّمَا يُرْفَعُ الشَّيْءُ عَنْ الْمَحَلِّ الْوَارِدِ عَلَيْهِ دُونَ غَيْرِهِ ، ثُمَّ الْمِلْكُ الَّذِي يَثْبُتُ فِي جَانِبِهَا تَبَعٌ لِلْمِلْكِ الثَّابِتِ لِلزَّوْجِ ، وَمَا يَكُونُ تَبَعًا فِي النِّكَاحِ لَا يَكُونُ مَحَلًّا لِإِضَافَةِ الطَّلَاقِ إلَيْهِ عِنْدَنَا كَيَدِهَا وَرِجْلِهَا عَلَى مَا نُقَرِّرُهُ فِي قَوْلِهِ يَدُك طَالِقٌ وَرِجْلُك طَالِقٌ .

( قَالَ ) وَلَوْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ أَلْبَتَّةَ سُئِلَ عَنْ نِيَّتِهِ فَإِذَا نَوَى تَطْلِيقَةً وَاحِدَةً فَهِيَ وَاحِدَةٌ بَائِنَةٌ لِأَنَّ قَوْلَهُ أَلْبَتَّةَ نَعْتٌ لِلطَّلَاقِ أَيْ قَاطِعٌ لِلنِّكَاحِ كَقَوْلِهِ بَائِنٌ وَلَوْ نَوَى ثَلَاثًا فَثَلَاثٌ ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ نِيَّةٌ فَهِيَ وَاحِدَةٌ بَائِنَةٌ كَمَا فِي قَوْلِهِ أَنْتِ بَائِنٌ فَإِنْ قَالَ عَنَيْتُ بِقَوْلِي طَالِقٌ وَاحِدَةً وَبِقَوْلِي أَلْبَتَّةَ أُخْرَى تَطْلُقُ اثْنَتَيْنِ بَائِنَتَيْنِ لِأَنَّ الرَّجُلَ لَوْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ أَنْتِ بَتَّةٌ وَنَوَى بِهِ الطَّلَاقَ تَعْمَلُ نِيَّتُهُ فَكَذَلِكَ إذَا نَوَى بِلَفْظَةِ أَلْبَتَّةَ تَطْلِيقَةً أُخْرَى ، وَلَوْ قَالَ عَنَيْتُ بِقَوْلِي طَالِقٌ وَاحِدَةً وَبِقَوْلِي أَلْبَتَّةَ اثْنَتَيْنِ طَلُقَتْ اثْنَتَيْنِ لِأَنَّ نِيَّةَ الْعَدَدِ لَا تَسَعُ فِي لَفْظِ أَلْبَتَّةَ ، وَكَذَلِكَ كُلُّ كَلَامٍ يُشْبِهُ الطَّلَاقَ ضَمَّهُ إلَى الطَّلَاقِ إلَّا قَوْلَهُ اعْتَدِّي فَإِنَّهُ رَجْعِيٌّ لَا تَسَعُ فِيهِ نِيَّةُ الثَّلَاثِ لِأَنَّ وُقُوعَ الطَّلَاقِ بِهِ بِإِضْمَارِ لَفْظِ الطَّلَاقِ فِيهِ فَلَا يَكُونُ أَقْوَى مِمَّا لَوْ صَرَّحَ بِهِ .

وَلَوْ قَالَ لَهَا اعْتَدِّي وَقَالَ لَمْ أَنْوِ الطَّلَاقَ فَهِيَ امْرَأَتُهُ بَعْدَ أَنْ يَحْلِفَ ، وَكَذَلِكَ فِي جَمِيعِ الْأَلْفَاظِ الْمُتَقَدِّمَةِ إذَا قَالَ لَمْ أَنْوِ الطَّلَاقَ فَعَلَيْهِ الْيَمِينُ لِأَنَّهُ أَمِينٌ فِيمَا يُخْبِرُ عَنْ ضَمِيرِهِ وَالْقَوْلُ قَوْلُ الْأَمِينِ مَعَ الْيَمِينِ ، وَالْيَمِينُ لِنَفْيِ التُّهْمَةِ عَنْهُ أَلَا تَرَى أَنَّ { رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَلَّفَ ابْنَ رُكَانَةَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ فِي لَفْظِ أَلْبَتَّةَ } لَمَّا كَانَ الثَّلَاثُ مِنْ مُحْتَمَلَاتِ لَفْظِهِ .

وَلَوْ قَالَ اعْتَدِّي فَاعْتَدِّي أَوْ قَالَ اعْتَدِّي وَاعْتَدِّي أَوْ قَالَ اعْتَدِّي اعْتَدِّي وَقَالَ نَوَيْت الطَّلَاقَ فَهِيَ تَطْلِيقَتَانِ فِي الْقَضَاءِ وَلَوْ قَالَ عَنَيْتُ وَاحِدَةً دُيِّنَ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى وَعَنْ زُفَرَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى أَنَّهُ تَعْمَلُ نِيَّتُهُ فِي الْقَضَاءِ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى فِي قَوْلِهِ فَاعْتَدِّي كَذَلِكَ ، وَفِي قَوْلِهِ وَاعْتَدِّي أَوْ اعْتَدِّي تَطْلِيقَتَانِ كَمَا هُوَ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ وَزُفَرُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى يَقُولُ كَرَّرَ اللَّفْظَ الْأَوَّلَ وَالتَّكْرَارُ لِلتَّأْكِيدِ لَا لِلزِّيَادَةِ وَأَبُو يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى يَقُولُ الْفَاءُ لِلْوَصْلِ فَيَكُونُ مَعْنَاهُ فَاعْتَدِّي بِذَلِكَ الْإِيقَاعِ لَا إيقَاعًا آخَرَ ، وَالْوَاوُ لِلْعَطْفِ وَمُوجِبُ الْعَطْفِ الِاشْتِرَاكُ فَيَكُونُ الثَّانِي إيقَاعًا كَالْأَوَّلِ وَجْهُ ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ أَنَّ هَذَا اللَّفْظَ عِنْدَ نِيَّةِ الْإِيقَاعِ كَالصَّرِيحِ ، وَلَوْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ وَطَالِقٌ أَوْ طَالِقٌ فَطَالِقٌ أَوْ طَالِقٌ طَالِقٌ كَانَ تَطْلِيقَتَيْنِ فَكَذَلِكَ هُنَا فِي الْقَضَاءِ وَلَوْ قَالَ اعْتَدِّي اعْتَدِّي اعْتَدِّي ، وَهُوَ يَنْوِي تَطْلِيقَةً وَاحِدَةً بِهِنَّ جَمِيعًا فَهُوَ كَذَلِكَ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى فَأَمَّا فِي الْقَضَاءِ فَهُوَ ثَلَاثٌ لِمَا بَيَّنَّا أَنَّ كُلَّ كَلَامٍ إيقَاعٌ مُبْتَدَأٌ فِي الظَّاهِرِ ، وَالْقَاضِي مَأْمُورٌ بِاتِّبَاعِ الظَّاهِرِ وَلَكِنْ يُحْتَمَلُ تَكْرَارُ الْأَوَّلِ وَاَللَّهُ تَعَالَى مُطَّلِعٌ عَلَى ضَمِيرِهِ فَيُدَيَّنُ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى .
وَلَا يَسَعُ الْمَرْأَةَ إذَا سَمِعَتْ ذَلِكَ أَنْ تُقِيمَ مَعَهُ لِأَنَّهَا مَأْمُورَةٌ بِاتِّبَاعِ الظَّاهِرِ كَالْقَاضِي ، وَلَوْ قَالَ نَوَيْت بِالْأُولَى الطَّلَاقَ وَبِالْآخِرَتَيْنِ الْعِدَّةَ فَهُوَ مُصَدَّقٌ فِي الْقَضَاءِ لِأَنَّ ظَاهِرَ كَلَامِهِ أَمْرٌ بِالِاعْتِدَادِ وَالْأَمْرُ بِالِاعْتِدَادِ يَسْتَقِيمُ بَعْدَ وُقُوعِ التَّطْلِيقَةِ فَكَانَ مُصَدَّقًا فِي الْقَضَاءِ ، وَفِي الْحَاصِلِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ عَلَى اثْنَيْ عَشَرَ وَجْهًا

وَقَدْ بَيَّنَّا ذَلِكَ فِي شَرْحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ .

وَإِنْ قَالَ لَهَا أَنْتِ طَالِقٌ فَاعْتَدِّي وَأَرَادَ بِقَوْلِهِ فَاعْتَدِّي الْعِدَّةَ فَهُوَ مُصَدَّقٌ فِي الْقَضَاءِ لِأَنَّ الْأَمْرَ بِالِاعْتِدَادِ مُسْتَقِيمٌ بَعْدَ وُقُوعِ التَّطْلِيقَةِ الْوَاحِدَةِ وَإِنْ أَرَادَ تَطْلِيقَةً أُخْرَى أَوْ لَمْ يَنْوِ شَيْئًا فَهِيَ أُخْرَى لِأَنَّهَا ذُكِرَتْ بَعْدَ مُذَاكَرَةِ الطَّلَاقِ ، وَإِنْ أَرَادَ ثِنْتَيْنِ فَهِيَ وَاحِدَةٌ رَجْعِيَّةٌ لِأَنَّ نِيَّةَ الْعَدَدِ لَا تَسَعُ فِي هَذَا اللَّفْظِ ، وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ أَنْتِ طَالِقٌ وَاعْتَدِّي

( قَالَ ) وَإِذَا قَالَتْ الْمَرْأَةُ لِزَوْجِهَا طَلِّقْنِي فَقَالَ اعْتَدِّي ثُمَّ قَالَ لَمْ أَنْوِ بِهِ الطَّلَاقَ لَمْ يُصَدَّقْ فِي الْقَضَاءِ عِنْدَنَا ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى يُصَدَّقُ لِأَنَّهُ لَوْ ذَكَرَ هَذَا اللَّفْظَ قَبْلَ سُؤَالِهَا الطَّلَاقَ لَمْ يُعْمَلْ إلَّا بِنِيَّةِ الطَّلَاقِ فَكَذَلِكَ بَعْدَ سُؤَالِهَا ؛ لِأَنَّ الْعَامِلَ لَفْظُ الزَّوْجِ وَلَفْظُهُ لَا يَخْتَلِفُ بِسُؤَالِهَا وَعَدَمِ سُؤَالِهَا وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مُرَادُهُ اعْتَدِّي نِعْمَتِي عَلَيْك وَلَا تَشْتَغِلِي بِسُؤَالِ الطَّلَاقِ فَإِنَّهُ كُفْرَانُ النِّعْمَةِ وَلَكِنَّا نَقُولُ هَذَا الْكَلَامُ بَعْدَ سُؤَالِ الطَّلَاقِ لَا يُرَادُ بِهِ إلَّا الطَّلَاقُ عَادَةً وَالْقَاضِي مَأْمُورٌ بِاتِّبَاعِ الظَّاهِرِ وَمَا هُوَ الْمُعْتَادُ ، ثُمَّ الْكَلَامُ الْوَاحِدُ قَدْ يَكُونُ مَدْحًا ، وَقَدْ يَكُونُ ذَمًّا ، وَإِنَّمَا يَتَبَيَّنُ أَحَدُهُمَا عَنْ الْآخَرِ بِالْمُقَدِّمَةِ .
وَدَلَالَةِ الْحَالِ فَإِنْ لَمْ تُعْتَبَرْ دَلَالَةُ الْحَالِ لَا يَتَمَيَّزُ الْمَدْحُ مِنْ الذَّمِّ ، إذَا عَرَفْنَا هَذَا فَنَقُولُ الْأَحْوَالُ ثَلَاثَةٌ حَالُ مُذَاكَرَةِ الطَّلَاقِ وَحَالُ الْغَضَبِ وَحَالُ الرِّضَا فَأَمَّا فِي حَالِ مُذَاكَرَةِ الطَّلَاقِ لَا يُدَيَّنُ فِي الْقَضَاءِ فِي شَيْءٍ مِنْ الْأَلْفَاظِ الَّتِي ذَكَرْنَاهَا بَلْ يُحْمَلُ عَلَى الْجَوَابِ لِمَا تَقَدَّمَ فِي سُؤَالِهَا وَيَكُونُ مَا تَقَدَّمَ فِي السُّؤَالِ كَالْمُعَادِ فِي الْجَوَابِ ، وَفِي حَالَةِ الْغَضَبِ لَا يُدَيَّنُ فِي ثَلَاثَةِ أَلْفَاظٍ اعْتَدِّي وَاخْتَارِي وَأَمْرُك بِيَدِك لِأَنَّ هَذِهِ الْأَلْفَاظَ لَا تَحْتَمِلُ مَعْنَى السَّبِّ وَالْإِيعَادِ وَعِنْدَ الْغَضَبِ إمَّا أَنْ يَكُونَ مُرَادُهُ السَّبَّ أَوْ الطَّلَاقَ فَإِذَا لَمْ يَكُنْ فِي اللَّفْظِ احْتِمَالُ مَعْنَى السَّبِّ تَعَيَّنَ الطَّلَاقُ مُرَادًا بِهِ ، وَفِي خَمْسَةِ أَلْفَاظٍ يُدَيَّنُ فِي الْقَضَاءِ وَهِيَ قَوْلُهُ أَنْتِ بَائِنٌ حَرَامٌ بَتَّةٌ خَلِيَّةٌ بَرِّيَّةٌ لِأَنَّ هَذِهِ الْأَلْفَاظَ تَحْتَمِلُ مَعْنَى السَّبِّ أَيْ أَنْتِ بَائِنٌ مِنْ الدِّينِ بَرِّيَّةٌ مِنْ الْإِسْلَامِ خَلِيَّةٌ مِنْ الْخَيْرِ حَرَامُ

الصُّحْبَةِ وَالْعِشْرَةِ بَتَّةٌ عَنْ الْأَخْلَاقِ الْحَسَنَةِ فَلَا يَتَعَيَّنُ الطَّلَاقُ مُرَادًا بِهِ .
فَإِذَا قَالَ أَرَدْت السَّبَّ كَانَ مَدِينًا فِي الْقَضَاءِ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى أَنَّهُ أَلْحَقَ بِهَذِهِ الْأَلْفَاظِ أَرْبَعَةَ أَلْفَاظٍ أُخَرُ : خَلَّيْتُ سَبِيلَكِ فَارَقْتُكِ لَا سَبِيلَ لِي عَلَيْكِ لَا مِلْكَ لِي عَلَيْك لِأَنَّهَا تَحْتَمِلُ مَعْنَى السَّبِّ أَيْ لَا مِلْكَ لِي عَلَيْك لِأَنَّك أَدْوَنُ مِنْ أَنْ تُمْلَكِي لَا سَبِيلَ لِي عَلَيْك لِشَرِّك وَسُوءِ خُلُقِك وَفَارَقْتُك اتِّقَاءً لِشَرِّك وَخَلَّيْت سَبِيلَك لِهَوَانِك عَلَيَّ .
وَأَمَّا فِي حَالَةِ الرِّضَا فَهُوَ مُدَيَّنٌ فِي هَذِهِ الْأَلْفَاظِ وَلَا يَقَعُ الطَّلَاقُ بِهَا إلَّا بِالنِّيَّةِ وَكَذَلِكَ فِيمَا سِوَاهَا مِنْ الْأَلْفَاظِ .

( قَالَ ) ، وَإِذَا قَالَ لَهَا اعْتَدِّي ثَلَاثًا وَقَالَ نَوَيْت تَطْلِيقَةً وَاحِدَةً تَعْتَدُّ لَهَا ثَلَاثَ حِيَضٍ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ فِي الْقَضَاءِ لِأَنَّ الثَّلَاثَ عَدَدُ الطَّلَاقِ وَعَدَدٌ لِأَقْرَاءِ الْعِدَّةِ أَيْضًا وَالْعِدَّةُ فِي لَفْظِهِ وَالطَّلَاقُ فِي ضَمِيرِهِ .
فَإِذَا صَلُحَ قَوْلُهُ ثَلَاثًا بَيَانًا لِمَا فِي ضَمِيرِهِ فَلَأَنْ يَصْلُحَ بَيَانًا لِمَا تَلَفَّظَ بِهِ أَوْلَى ؛ فَلِهَذَا قُبِلَ قَوْلُهُ فِي الْقَضَاءِ

( قَالَ ) وَإِنْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ لَسْتِ لِي بِامْرَأَةٍ يَنْوِي الطَّلَاقَ فَهُوَ كَمَا وَصَفْتُ لَك فِي الْخَلِيَّةِ وَالْبَرِيَّةِ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى لَا تَطْلُقُ وَهَذَا لَيْسَ بِشَيْءٍ لِحَدِيثِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ قَالَ إذَا سُئِلَ الرَّجُلُ أَلَكَ امْرَأَةٌ فَقَالَ لَا فَإِنَّمَا هِيَ كِذْبَةٌ وَهَذَا الْمَعْنَى أَنَّهُ نَفَى نِكَاحَهَا وَنَفْيُ الزَّوْجِيَّةِ لَا يَكُونُ طَلَاقًا بَلْ يَكُونُ كَذِبًا مِنْهُ لَمَّا كَانَتْ الزَّوْجِيَّةُ بَيْنَهُمَا مَعْلُومَةً كَمَا لَوْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ وَاَللَّهِ مَا أَنْتِ لِي بِامْرَأَةٍ أَوْ عَلَيَّ حَجَّةٌ إنْ كَانَتْ لِي امْرَأَةٌ أَوْ مَا لِي امْرَأَةٌ ، أَوْ قَالَ لَمْ أَتَزَوَّجْكِ لَمْ يَقَعْ الطَّلَاقُ بِهَذِهِ الْأَلْفَاظِ وَإِنْ نَوَى وَأَبُو حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى يَقُولُ قَوْلُهُ لَسْت لِي بِامْرَأَةٍ كَلَامٌ مُحْتَمَلٌ أَيْ لَسْتِ لِي بِامْرَأَةٍ لِأَنِّي فَارَقْتُك أَوْ لَسْت لِي بِامْرَأَةٍ لِأَنَّك لَمْ تَكُونِي فِي نِكَاحِي وَمُوجِبُ الْكَلَامِ الْمُحْتَمِلِ يَتَبَيَّنُ بِنِيَّتِهِ فَلَا تَكُونُ هَذِهِ الْأَلْفَاظُ طَلَاقًا بِغَيْرِ النِّيَّةِ وَنِيَّةُ الطَّلَاقِ تَعْمَلُ فِيهِ لِأَنَّهُ مِنْ مُحْتَمَلَاتِهِ كَمَا فِي قَوْلِهِ خَلِيَّةٌ بَرِيَّةٌ .

فَأَمَّا فِي قَوْلِهِ وَاَللَّهِ مَا أَنْتِ لِي بِامْرَأَةٍ فَيَمِينُهُ لَا يَكُونُ إلَّا عَلَى النَّفْيِ فِي الْمَاضِي وَذَلِكَ يَمْنَعُ احْتِمَالَ مَعْنَى الطَّلَاقِ فِيهِ وَكَذَلِكَ إذَا قَالَ لَمْ أَتَزَوَّجْك فَهُوَ جُحُودٌ لِلنِّكَاحِ مِنْ الْأَصْلِ .
وَالطَّلَاقُ تَصَرُّفٌ فِي النِّكَاحِ ، وَجُحُودُ أَصْلِ الشَّيْءِ لَا يَحْتَمِلُ مَعْنَى التَّصَرُّفِ فِيهِ .

، وَإِذَا قِيلَ أَلَكَ امْرَأَةٌ فَقَالَ لَا فَالسَّائِلُ إنَّمَا سَأَلَهُ عَنْ نِكَاحٍ مَاضٍ وَكَلَامُهُ جَوَابٌ فَيَكُونُ نَفْيًا لِلنِّكَاحِ فِي الْمَاضِي ، وَهُوَ كَذِبٌ كَمَا قَالَ عُمَرُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى .
فَأَمَّا قَوْلُهُ : لَسْتُ .
نَفْيٌ لِلنِّكَاحِ فِي الْحَالِ وَفِي الْمُسْتَقْبَلِ لَا فِي الْمَاضِي فَيَكُونُ مُحْتَمِلًا لِلطَّلَاقِ ، وَفِي قَوْلِهِ مَا لِي امْرَأَةٌ فَحَرْفُ مَا لِلنَّفْيِ فِيمَا مَضَى فَهُوَ كَحَرْفِ إذْ لِلْمَاضِي وَإِذَا لِلْمُسْتَقْبَلِ حَتَّى لَوْ قَالَ طَلَّقْتُك إذْ دَخَلْت الدَّارَ تَطْلُقُ فِي الْحَالِ وَلَوْ قَالَ إذَا دَخَلْت الدَّارَ لَا تَطْلُقُ حَتَّى تَدْخُلَ فَأَمَّا إذَا قَالَ لَا نِكَاحَ بَيْنِي وَبَيْنَك وَلَا سَبِيلَ لِي عَلَيْك فَهُوَ نَفْيٌ فِي الْحَالِ ، وَفِي الْمُسْتَقْبَلِ لَا فِي الْمَاضِي فَتَسَعُ فِيهِ نِيَّةَ الطَّلَاقِ بِالِاتِّفَاقِ ، وَهَذَا دَلِيلٌ لِأَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى

وَإِذَا قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ ثُمَّ قَالَ عَنَيْتُ طَالِقًا مِنْ الْوَثَاقِ أَوْ طَالِقًا مِنْ الْإِبِلِ لَمْ يُصَدَّقْ فِي الْقَضَاءِ لِأَنَّهُ خِلَافُ الظَّاهِرِ وَلَكِنْ يُدَيَّنُ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى لِأَنَّهُ مُحْتَمِلٌ فَإِنَّ الطَّلَاقَ مِنْ الْإِطْلَاقِ وَالْإِطْلَاقُ مُسْتَعْمَلٌ فِي الْإِبِلِ وَالْوَثَاقِ فَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الطَّلَاقُ عِبَارَةً عَنْهُ مَجَازًا فَيُدَيَّنُ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى .
وَلَوْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ مِنْ وَثَاقٍ لَمْ يَقَعْ عَلَيْهَا شَيْءٌ لِأَنَّهُ بَيَّنَ كَلَامَهُ مَوْصُولًا مُرَادُهُ مِنْ قَوْلِهِ طَالِقٌ وَالْبَيَانُ الْمُغَيِّرُ صَحِيحًا مَوْصُولًا وَقَدْ بَيَّنَّاهُ فِي الْإِقْرَارِ .
وَإِنْ قَالَ عَنَيْت بِقَوْلِي طَالِقًا مِنْ عَمَلٍ مِنْ الْأَعْمَالِ فَفِي رِوَايَةِ الْحَسَنِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى هَذَا وَالْأَوَّلُ سَوَاءٌ ، وَفِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ هُنَاكَ لَا يُدَيَّنُ فِي الْقَضَاءِ وَلَا فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى لِأَنَّ لَفْظَ الطَّلَاقِ لَا يُسْتَعْمَلُ فِي الْعَمَلِ حَقِيقَةً وَلَا مَجَازًا إلَّا أَنْ يَذْكُرَهُ مَوْصُولًا فَيَقُولُ أَنْتِ طَالِقٌ مِنْ عَمَلِ كَذَا فَحِينَئِذٍ هِيَ امْرَأَتُهُ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى وَيَقَعُ الطَّلَاقُ فِي الْقَضَاءِ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِبَيَانٍ مِنْ حَيْثُ الظَّاهِرِ لَمَّا لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ اللَّفْظُ مُسْتَعْمَلًا فِيهِ وَكُلُّ مَا لَا يُدَيِّنُهُ الْقَاضِي فِيهِ فَكَذَلِكَ الْمَرْأَةُ إذَا سَمِعَتْ مِنْهُ أَوْ شَهِدَ بِهِ شَاهِدَا عَدْلٍ لَا يَسَعُهَا أَنْ تُدَيِّنَ الزَّوْجَ فِيهِ لِأَنَّهَا لَا تَعْرِفُ مِنْهُ إلَّا الظَّاهِرَ كَالْقَاضِي .

( قَالَ ) ، وَإِذَا طَلَّقَ امْرَأَتَهُ تَطْلِيقَةً بَائِنَةً ثُمَّ قَالَ لَهَا فِي عِدَّتِهَا أَنْتِ عَلَيَّ حَرَامٌ أَوْ مَا أَشْبَهَ ذَلِكَ وَهُوَ يُرِيدُ بِذَلِكَ الطَّلَاقَ لَمْ يَقَعْ عَلَيْهَا شَيْءٌ لِأَنَّهُ صَادِقٌ فِي قَوْلِهِ هِيَ عَلَيَّ حَرَامٌ وَهِيَ مِنْهُ بَائِنٌ وَمَعْنَى هَذَا أَنَّ صِيغَةَ كَلَامِهِ فِي قَوْلِهِ طَالِقٌ أَوْ بَائِنٌ وَصْفٌ وَلَكِنْ يُجْعَلُ إيقَاعًا لِيَتَحَقَّقَ ذَلِكَ الْوَصْفُ بِمَا يَقَعُ ، وَالْوَصْفُ هُنَا مُتَحَقِّقٌ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَجْعَلَ كَلَامَهُ إيقَاعًا .
وَالْأَوْجَهُ أَنْ يَقُولَ إنَّ هَذِهِ الْأَلْفَاظَ تَعْمَلُ بِحَقَائِقِهَا مِنْ ثُبُوتِ الْحُرْمَةِ وَالْبَيْنُونَةِ بِهَا وَالثَّابِتُ لَا يُمْكِنُ إثْبَاتُهُ وَإِنَّمَا تَعْمَلُ هَذِهِ الْأَلْفَاظُ بِإِرَادَةِ الْفُرْقَةِ ، أَوْ رَفْعِ النِّكَاحِ بِهَا ، وَذَلِكَ لَا يَتَحَقَّقُ بَعْدَ وُقُوعِ الْفُرْقَةِ فَأَمَّا إذَا قَالَ لَهَا إنْ دَخَلْت الدَّارَ فَأَنْتِ بَائِنٌ ثُمَّ طَلَّقَهَا تَطْلِيقَةً بَائِنَةً ثُمَّ دَخَلَتْ الدَّارَ فِي عِدَّتِهَا وَقَعَ عَلَيْهَا تَطْلِيقَةٌ أُخْرَى بِذَلِكَ اللَّفْظِ عِنْدَنَا وَقَالَ زُفَرُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى لَا يَقَعُ عَلَيْهَا شَيْءٌ لِأَنَّ الْمُعَلَّقَ بِالشَّرْطِ عِنْدَ وُجُودِ الشَّرْطِ كَالْمُنَجَّزِ ، وَلَوْ نَجَّزَ قَوْلَهُ أَنْتِ بَائِنٌ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ لَمْ يَقَعْ بِهِ شَيْءٌ فَكَذَلِكَ إذَا وُجِدَ الشَّرْطُ كَمَا إذَا قَالَ إنْ دَخَلْت الدَّارَ فَأَنْتِ عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي ثُمَّ أَبَانَهَا ثُمَّ دَخَلَتْ الدَّارَ لَمْ يَكُنْ مُظَاهِرًا مِنْهَا كَمَا لَوْ نَجَّزَ الظِّهَارَ فِي الْحَالِ وَكَذَلِكَ إذَا قَالَ لَهَا إذَا جَاءَ غَدٌ فَاخْتَارِي ثُمَّ أَبَانَهَا ثُمَّ جَاءَ غَدٌ فَاخْتَارَتْ نَفْسَهَا لَمْ يَقَعْ شَيْءٌ عَلَيْهَا كَمَا لَوْ نَجَّزَ التَّخْيِيرَ بَعْدَ الْبَيْنُونَةِ .
وَعُلَمَاؤُنَا رَحِمَهُمْ اللَّهُ تَعَالَى قَالُوا التَّعْلِيقُ بِالشَّرْطِ قَدْ صَحَّ وَوُجِدَ الشَّرْطُ وَهِيَ مَحَلٌّ لِوُقُوعِ الطَّلَاقِ عَلَيْهَا فَيَنْزِلُ مَا تَعَلَّقَ كَمَا لَوْ وُجِدَ الشَّرْطُ بَعْدَ الطَّلَاقِ الرَّجْعِيِّ وَكَمَا لَوْ قَالَ لَهَا إنْ دَخَلْت الدَّارَ فَأَنْتِ طَالِقٌ وَهَذَا لِأَنَّ هَذِهِ

الْأَلْفَاظَ إنَّمَا تُخَالِفُ الصَّرِيحَ فِي الْحَاجَةِ إلَى نِيَّةِ الْفُرْقَةِ أَوْ رَفْعِ النِّكَاحِ بِهَا وَالْحَاجَةُ إلَى هَذِهِ النِّيَّةِ عِنْدَ التَّلَفُّظِ بِهَا .
فَإِذَا كَانَ التَّلَفُّظُ بَعْدَ الْبَيْنُونَةِ لَمْ تَصِحَّ هَذِهِ النِّيَّةُ ، وَإِذَا كَانَ قَبْلَ الْبَيْنُونَةِ صَحَّتْ النِّيَّةُ وَتَعَلَّقَ الطَّلَاقُ بِالشَّرْطِ ثُمَّ لَا حَاجَةَ إلَى النِّيَّةِ عِنْدَ وُجُودِ الشَّرْطِ فَكَانَتْ هَذِهِ الْأَلْفَاظُ عِنْدَ وُجُودِ الشَّرْطِ فِي وُقُوعِ الطَّلَاقِ بِهَا كَلَفْظِ الصَّرِيحِ ، وَإِنَّمَا الْحَاجَةُ فِي وُجُودِ الشَّرْطِ إلَى وُجُودِ الْمَحَلِّ وَبِاعْتِبَارِ الْعِدَّةِ هِيَ مَحَلٌّ لِوُقُوعِ الطَّلَاقِ عَلَيْهَا ، وَبِهِ فَارَقَ الظِّهَارَ فَإِنَّهَا لَمْ تَبْقَ مَحَلًّا لِلظِّهَارِ بِاعْتِبَارِ الْعِدَّةِ لِأَنَّ الظِّهَارَ تَشْبِيهُ الْمُحَلَّلَةِ بِالْمُحَرَّمَةِ وَمُوجِبُهُ حُرْمَةٌ مُؤَقَّتَةٌ إلَى التَّكْفِيرِ ، وَبَعْدَ ثُبُوتِ الْحُرْمَةِ بِزَوَالِ الْمِلْكِ عَلَى الْإِطْلَاقِ لَا تَكُونُ مَحَلًّا لِلْحُرْمَةِ الْمُؤَقَّتَةِ ، وَهَذَا بِخِلَافِ التَّخْيِيرِ لِأَنَّ الْوُقُوعَ هُنَاكَ بِاخْتِيَارِهَا نَفْسَهَا لَا بِتَخْيِيرِ الزَّوْجِ وَلِهَذَا كَانَ الضَّمَانُ عَلَى شَاهِدَيْ الِاخْتِيَارِ دُونَ التَّخْيِيرِ وَاخْتِيَارُهَا نَفْسَهَا بَعْدَ الْفُرْقَةِ بَاطِلٌ لِأَنَّهَا صَارَتْ أَحَقَّ بِنَفْسِهَا فَأَمَّا هُنَا الْوُقُوعُ عِنْدَ وُجُودِ الشَّرْطِ بِالْيَمِينِ السَّابِقِ ؛ وَلِهَذَا كَانَ الضَّمَانُ عَلَى شَاهِدَيْ الْيَمِينِ دُونَ شَاهِدَيْ الشَّرْطِ وَالْيَمِينُ قَدْ صَحَّتْ كَمَا قَرَّرْنَا

( قَالَ ) فِي الْكِتَابِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ آلَى مِنْ امْرَأَتِهِ ثُمَّ طَلَّقَهَا وَاحِدَةً بَائِنَةً ثُمَّ مَضَتْ مُدَّةُ الْإِيلَاءِ وَهِيَ فِي الْعِدَّةِ وَقَعَتْ عَلَيْهَا تَطْلِيقَةُ الْإِيلَاءِ وَزُفَرُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى يُخَالِفُ فِي هَذَا أَيْضًا وَلَكِنْ مِنْ عَادَتِهِ الِاسْتِشْهَادُ بِالْمُخْتَلِفِ عَلَى الْمُخْتَلِفِ لِإِيضَاحِ الْكَلَامِ .

وَإِذَا قَالَ لِامْرَأَتِهِ أَنَا بَائِنُ يَعْنِي مِنْك وَلَمْ يَقُلْ مِنْك فَلَيْسَ هَذَا بِشَيْءٍ وَإِنْ عَنَى بِهِ الطَّلَاقَ وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ أَنَا حَرَامٌ وَلَمْ يَقُلْ عَلَيْك بِخِلَافِ مَا إذَا قَالَ أَنْتِ بَائِنٌ أَوْ أَنْتِ حَرَامٌ وَالْفَرْقُ أَنَّ الْبَيْنُونَةَ قَطْعُ الْوَصْلَةِ الْمُشْتَرَكَةِ وَلَا وَصْلَةَ فِي حَقِّهَا إلَّا الَّتِي بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا إذْ لَا يُتَصَوَّرُ عَلَى الْمَرْأَةِ نِكَاحَانِ فَعِنْدَ إضَافَةِ الْبَيْنُونَةِ إلَيْهَا تَتَعَيَّنُ الْوَصْلَةُ الَّتِي بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا وَإِنْ لَمْ يُضِفْ إلَى نَفْسِهِ وَأَمَّا فِي جَانِبِهِ فَالْوَصْلَةُ تَتَحَقَّقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ غَيْرِهَا مَعَ قِيَامِ الْوَصْلَةِ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا .
فَإِذَا قَالَ أَنَا بَائِنٌ لَا يَتَعَيَّنُ بِهَذَا اللَّفْظِ الْوَصْلَةُ الَّتِي بَيْنَهُمَا مَا لَمْ يَقُلْ مِنْك ، وَكَذَلِكَ فِي لَفْظِ الْحُرْمَةِ فَإِنَّهَا لَا تَحِلُّ إلَّا لَهُ خَاصَّةً فَإِذَا قَالَ أَنْتِ حَرَامٌ يَتَعَيَّنُ الْحِلُّ الَّذِي بَيْنَهُمَا لِلرَّفْعِ بِهَذَا اللَّفْظِ وَإِذَا قَالَ أَنَا حَرَامٌ لَا يَتَعَيَّنُ الْحِلُّ الَّذِي بَيْنَهُمَا لِجَوَازِ الْحِلِّ الَّذِي بَيْنَهُ ، وَبَيْنَ غَيْرِهَا فَمَا لَمْ يَقُلْ عَلَيْكِ لَا يَتِمُّ كَلَامُهُ إيجَابًا

( قَالَ ) وَلَوْ قَالَ بَعْدَ الْخُلْعِ أَوْ التَّطْلِيقَةِ الْبَائِنَةُ لَهَا فِي عِدَّتِهَا أَنْتِ طَالِقٌ عِنْدَنَا يَقَعُ الطَّلَاقُ عَلَيْهَا وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى لَا يَلْحَقُ الْبَائِنَ الصَّرِيحُ كَمَا لَا يَلْحَقُهُ بَائِنٌ حَتَّى لَوْ قَالَ لَهَا بَعْدَ الْخُلْعِ أَنْتِ بَائِنٌ لَا يَقَعُ الطَّلَاقُ وَإِنْ نَوَى فَكَذَلِكَ إذَا قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ لِأَنَّ قَوْلَهُ أَنْتِ بَائِنٌ مَعَ نِيَّةِ الطَّلَاقِ بِمَنْزِلَةِ الصَّرِيحِ أَوْ أَقْوَى مِنْهُ ، وَهَذَا لِأَنَّ الطَّلَاقَ مَشْرُوعٌ لِإِزَالَةِ مِلْكِ النِّكَاحِ وَقَدْ زَالَ الْمِلْكُ بِالْخُلْعِ فَلَا يَقَعُ الطَّلَاقُ بَعْدَهُ كَمَا بَعْدَ انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ .
وَلَا يَجُوزُ أَنْ تَكُونَ مَحَلًّا لِلطَّلَاقِ بِاعْتِبَارِ الْعِدَّةِ لِأَنَّ وُجُوبَ الْعِدَّةِ هُنَا لِحُرْمَةِ الْمَاءِ حَتَّى لَا يَجِبَ قَبْلَ الدُّخُولِ فَتَكُونَ كَالْعِدَّةِ مِنْ نِكَاحٍ فَاسِدٍ ، أَوْ وَطْءٍ بِشُبْهَةٍ وَلَوْ كَانَتْ هَذِهِ الْعِدَّةُ أَثَرَ النِّكَاحِ فَهُوَ أَثَرٌ يَبْقَى بَعْدَ فَسَادِ الْمِلْكِ ، وَهُوَ بَعْدَ التَّطْلِيقَاتِ الثَّلَاثِ وَبِمِثْلِ هَذَا الْأَثَرِ لَا تَكُونُ مَحَلًّا لِلطَّلَاقِ كَالنَّسَبِ فَإِنَّهُ أَثَرُ النِّكَاحِ ، وَلَكِنْ لَمَّا كَانَ يَبْقَى بَعْدَ نَفَاذِ مِلْكِ الطَّلَاقِ لَا تَصِيرُ بِهِ مَحَلًّا لِلطَّلَاقِ وَحُجَّتُنَا فِي ذَلِكَ قَوْله تَعَالَى { فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ } يَعْنِي الْخُلْعَ ثُمَّ قَالَ بَعْدَهُ { فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلَا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ } وَحَرْفُ الْفَاءِ لِلْوَصْلِ وَالتَّعْقِيبِ فَيَكُونُ هَذَا تَنْصِيصًا عَلَى وُقُوعِ الطَّلْقَةِ الثَّالِثَةِ بِالْإِيقَاعِ بَعْدَ الْخُلْعِ ، وَفِي الْمَشَاهِيرِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ { الْمُخْتَلِعَةُ يَلْحَقُهَا صَرِيحُ الطَّلَاقِ مَا دَامَتْ فِي الْعِدَّةِ } رَوَاهُ أَبُو سَعِيدٍ الْخُدْرِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَغَيْرُهُ { وَجَاءَ رَجُلٌ إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ إنِّي حَلَفْت بِثَلَاثِ تَطْلِيقَاتٍ أَنْ لَا أُكَلِّمَ أَخِي فَقَالَ صَلَّى اللَّهُ

عَلَيْهِ وَسَلَّمَ طَلِّقْهَا وَاحِدَةً وَاتْرُكْهَا حَتَّى تَنْقَضِيَ عِدَّتُهَا ثُمَّ كَلِّمْ أَخَاك ثُمَّ تَزَوَّجْهَا } وَلَوْ كَانَ الطَّلَاقُ لَا يَقَعُ بَعْدَ الْخُلْعِ لَأَرْشَدَهُ إلَى الْخُلْعِ لِيَرْتَفِعَ الْهِجْرَانُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَخِيهِ فِي الْحَالِ ، وَالْمَعْنَى فِيهِ أَنَّهَا مُعْتَدَّةٌ مِنْ طَلَاقٍ فَتَلْحَقُهَا التَّطْلِيقَاتُ الْمَمْلُوكَةُ لِلزَّوْجِ بِإِيقَاعِهِ كَالْمُعْتَدَّةِ مِنْ قَوْلِهِ أَنْتِ طَالِقٌ أَوْ بَائِنٌ ، وَهَذَا لِأَنَّ مُوجِبَهُ لَيْسَ هُوَ زَوَالُ الْمِلْكِ أَلَا تَرَى أَنَّ بَعْدَ الطَّلَاقِ الرَّجْعِيِّ الْمِلْكَ يَبْقَى مَعَ لُزُومِ الطَّلَاقِ فَإِنَّ الْمُطَلَّقَةَ تَطْلُقُ ثَانِيًا ، وَلَوْ كَانَ مُوجِبُهُ زَوَالَ الْمِلْكِ لَمْ يُتَصَوَّرْ الْإِيقَاعُ بَعْدَ الْإِيقَاعِ ؛ لِأَنَّ الْأَوَّلَ إنْ كَانَ مُزِيلًا فَلَا مُوجِبَ لِلثَّانِي ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ الْأَوَّلُ مُزِيلًا ، فَكَذَلِكَ الثَّانِي وَكَذَلِكَ بَعْدَ الرَّجْعَةِ يَبْقَى الطَّلَاقُ وَاقِعًا وَلَا يَزُولُ بِهِ الْمِلْكُ فِي الْحَالِ ، وَلَا فِي الثَّانِي وَالْأَسْبَابُ الشَّرْعِيَّةُ إذَا خَلَتْ عَنْ مُوجِبَاتِهَا كَانَتْ لَغْوًا فَإِذَا ثَبَتَ أَنَّ مُوجِبَ الطَّلَاقِ لَيْسَ هُوَ زَوَالُ الْمِلْكِ لَا يُشْتَرَطُ قِيَامُ الْمِلْكِ لِصِحَّتِهِ كَمَا لَا يُشْتَرَطُ قِيَامُ مِلْكِ الْيَمِينِ لِصِحَّتِهِ وَلَكِنَّ مُوجِبَهُ الْأَصْلِيَّ رَفْعُ الْحِلِّ الَّذِي صَارَتْ الْمَرْأَةُ بِهِ مَحَلًّا لِلنِّكَاحِ وَذَلِكَ الْمَحَلُّ بَاقٍ بَعْدَ الْخُلْعِ فَكَانَ الْإِيقَاعُ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ مُفِيدًا لِمُوجَبِهِ .
فَإِنْ قِيلَ هَذَا مَوْجُودٌ بَعْدَ انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ قُلْنَا نَعَمْ وَلَكِنَّ الْإِيقَاعَ مِنْهُ تَصَرُّفٌ عَلَى الْمَحَلِّ بِإِثْبَاتِ صِفَةِ الْحُرْمَةِ وَرَفْعِ الْحِلِّ فَلَا بُدَّ مِنْ نَوْعِ مِلْكٍ لَهُ عَلَى الْمَحَلِّ لِيَنْفُذَ تَصَرُّفُهُ ، وَذَلِكَ إمَّا مِلْكُ النِّكَاحِ أَوْ مِلْكُ الْيَدِ بِبَقَاءِ الْعِدَّةِ لِأَنَّهَا فِي سُكْنَاهُ ، وَفِي نَفَقَتِهِ عِنْدَنَا وَعِنْدَهُ إذَا كَانَتْ حَامِلًا وَمِلْكُ الْيَدِ فِي التَّصَرُّفِ كَمِلْكِ الْعَيْنِ أَلَا تَرَى أَنَّ الْمُكَاتَبَ يَتَصَرَّفُ بِمِلْكِ الْيَدِ لَهُ فِي كَسْبِهِ

وَالْمَضَارِبَ بَعْدَ مَا صَارَ الْمَالُ عُرُوضًا يَتَصَرَّفُ ، وَإِنْ نَهَاهُ رَبُّ الْمَالِ لِمِلْكِ الْيَدِ لَهُ .
فَأَمَّا بَعْدَ انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ فَلَيْسَ لَهُ عَلَيْهَا مِلْكُ الْيَدِ وَبِهَذَا الْحَرْفِ فَارَقَ الْعِدَّةُ النَّسَبَ لِأَنَّ بِاعْتِبَارِ نَسَبِ الْوَلَدِ لَا يَبْقَى مِلْكُ الْيَدِ عَلَيْهَا .

وَالْفَرْقُ بَيْنَ قَوْلِهِ أَنْتِ طَالِقٌ وَبَيْنَ قَوْلِهِ بَائِنٌ مَا ذَكَرَ مُحَمَّدٌ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى فِي الْكِتَابِ وَقَدْ طَوَّلَهُ وَحَاصِلُ مَا قَالَ أَنَّ قَوْلَهُ بَائِنٌ لَا يَعْمَلُ إلَّا بِإِرَادَةِ الْفُرْقَةِ ، أَوْ رَفْعِ النِّكَاحِ وَبَعْدَ الْبَيْنُونَةِ لَا يَتَحَقَّقُ هَذَا فَأَمَّا قَوْلُهُ طَالِقٌ عَامِلٌ بِنَفْسِهِ مِنْ غَيْرِ إرَادَةِ فُرْقَةٍ ، أَوْ رَفْعِ نِكَاحٍ فَيُشْتَرَطُ لِصِحَّتِهِ قِيَامُ الْمَحَلِّ ، تَوْضِيحُ الْفَرْقِ أَنَّ قَوْلَهُ بَائِنٌ عَامِلٌ فِي حَقِيقَةِ مُوجَبِهِ ، وَهُوَ قَطْعُ الْوَصْلَةِ وَوَصْلَةُ النِّكَاحِ بَيْنَهُمَا مُنْقَطِعَةٌ ، وَلَا أَثَرَ لِهَذَا اللَّفْظِ فِي قَطْعِ وَصْلَةِ الْعِدَّةِ فَخَلَّى عَنْ مُوجَبِهِ فَأَمَّا مُوجِبُ الطَّلَاقِ فَهُوَ رَفْعُ الْحِلِّ كَمَا بَيَّنَّا وَالْإِيقَاعُ بَعْدَ الْبَيْنُونَةِ عَامِلٌ فِي مُوجَبِهِ لِأَنَّهَا تُحَرَّمُ بِهِ إذَا تَمَّ الْعَدَدُ ثَلَاثًا .
وَهَذَا بِخِلَافِ الْعِدَّةِ مِنْ نِكَاحٍ فَاسِدٍ لِأَنَّ بِتِلْكَ الْعِدَّةِ لَا يَثْبُتُ لَهُ عَلَيْهَا مِلْكُ الْيَدِ حَتَّى لَا تَسْتَحِقَّ عَلَيْهِ النَّفَقَةَ وَالسُّكْنَى وَلَوْ قَالَ لَهَا بَعْدَ الْخُلْعِ اعْتَدِّي وَنَوَى بِهِ الطَّلَاقَ وَقَعَ عَلَيْهَا تَطْلِيقَةٌ أُخْرَى .
وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى أَنَّهُ لَا يَقَعُ عَلَيْهَا شَيْءٌ بِهَذَا ؛ لِأَنَّ هَذَا اللَّفْظَ لَا يَعْمَلُ بِنَفْسِهِ بَلْ بِنِيَّةِ الطَّلَاقِ فَيَكُونُ بِمَنْزِلَةِ قَوْلِهِ بَائِنٌ ، وَفِي ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ قَالَ هَذَا اللَّفْظُ عَامِلٌ مِنْ غَيْرِ إرَادَةِ الْفُرْقَةِ أَوْ فَسَادِ النِّكَاحِ ، فَإِنَّ الْوَاقِعَ بِهِ رَجْعِيٌّ كَالصَّرِيحِ وَهَذَا لِأَنَّ عَمَلَ هَذَا اللَّفْظِ لَا بِحَقِيقَةِ مُوجَبِهِ بَلْ بِإِضْمَارِ الطَّلَاقِ فِيهِ ؛ وَلِهَذَا صَحَّ قَبْلَ الدُّخُولِ فَكَانَ الْمُضْمَرُ كَالْمُصَرَّحِ بِهِ وَقَدْ بَيَّنَّا أَنَّهُ لَوْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ أَنْتِ بَائِنٌ يَنْوِي الثِّنْتَيْنِ لَا يَقَعُ إلَّا وَاحِدَةٌ ، وَفِي الْكِتَابِ فَرْقٌ بَيْنَهُ وَبَيْنَ نِيَّةِ الثَّلَاثِ لِمَا ذَكَرْنَا أَنَّ نِيَّةَ الثَّلَاثِ تَعْمَلُ لِأَنَّهُ نَوَى بِهَا نَوْعًا مِنْ أَنْوَاعِ الْبَيْنُونَةِ ،

وَذَلِكَ لَا يُوجَدُ فِي الثِّنْتَيْنِ إلَّا فِي حَقِّ الْأَمَةِ فَأَمَّا الْحُرَّةُ إذَا كَانَ قَدْ طَلَّقَهَا وَاحِدَةً ثُمَّ قَالَ لَهَا أَنْتِ بَائِنٌ فَإِنْ نَوَى ثِنْتَيْنِ لَمْ يَقَعْ إلَّا وَاحِدَةٌ بِهَذَا اللَّفْظِ لِأَنَّهُ نَوَى الْعَدَدَ وَاللَّفْظُ لَا يَحْتَمِلُهُ ، وَإِنْ نَوَى ثَلَاثًا وَقَعَ عَلَيْهَا بِهَذَا اللَّفْظِ ثِنْتَانِ لِأَنَّ نِيَّتَهُ قَدْ صَحَّتْ بِاعْتِبَارِ أَنَّهُ نَوَى نَوْعًا مِنْ الْبَيْنُونَةِ فَيَقَعُ مَا تَثْبُتُ بِهِ تِلْكَ الْبَيْنُونَةُ ، وَذَلِكَ بِالتَّطْلِيقَتَيْنِ الْبَاقِيَتَيْنِ .
وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ وَإِلَيْهِ الْمَرْجِعُ وَالْمَآبُ .
.

بَابُ طَلَاقِ أَهْلِ الْحَرْبِ ( قَالَ ) وَإِذَا سُبِيَ أَحَدُ الزَّوْجَيْنِ الْحَرْبِيَّيْنِ وَأُخْرِجَ إلَى دَارِ الْإِسْلَامِ انْقَطَعَتْ الْعِصْمَةُ بَيْنَهُمَا بِغَيْرِ طَلَاقٍ ؛ لِأَنَّ ارْتِفَاعَ النِّكَاحِ كَانَ حُكْمًا لِتَبَايُنِ الدَّارَيْنِ وَهُوَ مُنَافٍ لِعِصْمَةِ النِّكَاحِ ، وَالْفُرْقَةُ الْوَاقِعَةُ بِسَبَبِ الْمُنَافِي لِلنِّكَاحِ لَا تَكُونُ طَلَاقًا كَالْفُرْقَةِ بِالْمَحْرَمِيَّةِ ؛ وَلِأَنَّ هَذَا السَّبَبَ يَشْتَرِكُ فِيهِ الزَّوْجَانِ ، وَتَقَعُ الْفُرْقَةُ بِنَفْسِهِ فَلَا يَكُونُ طَلَاقًا كَالْفُرْقَةِ بِسَبَبِ مِلْكِ أَحَدِ الزَّوْجَيْنِ صَاحِبَهُ ؛ وَفِقْهُهُ أَنَّهُ لَيْسَ إلَيْهَا مِنْ الطَّلَاقِ شَيْءٌ فَكُلُّ سَبَبٍ يَتِمُّ بِهَا لَا يَكُونُ طَلَاقًا فَإِنْ طَلَّقَهَا بَعْدَ هَذَا لَا يَقَعُ أَيْضًا ؛ لِأَنَّهَا بَانَتْ لَا إلَى عِدَّةٍ فَإِنَّهُ إنْ سُبِيَ الزَّوْجُ أَوَّلًا فَلَا عِدَّةَ عَلَى الْحَرْبِيَّةِ وَإِنْ سُبِيَتْ الْمَرْأَةُ فَلَا عِدَّةَ عَلَى الْمَسْبِيَّةِ ؛ لِأَنَّهَا تَحِلُّ لِلسَّابِي بَعْدَ الِاسْتِبْرَاءِ بِالنَّصِّ فَإِنْ سُبِيَ الْآخَرُ بَعْدَهُ لَمْ يَعُدْ النِّكَاحُ بَيْنَهُمَا ؛ لِارْتِفَاعِهِ بِالسَّبَبِ الْمُنَافِي ، وَلَا يَقَعُ طَلَاقُهُ أَيْضًا ؛ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ فِي عِدَّتِهِ وَلَا يَجِبُ عَلَى الزَّوْجِ شَيْءٌ مِنْ الْمَهْرِ إنْ كَانَ دَخَلَ بِهَا أَوْ لَمْ يَدْخُلْ بِهَا سُبِيَا أَوْ سُبِيَ أَحَدُهُمَا ؛ لِأَنَّهَا إنْ سُبِيَتْ فَقَدْ خَرَجَتْ مِنْ أَنْ تَكُونَ أَهْلًا لِمِلْكِيَّةِ الْمَالِ وَإِنْ سُبِيَ الزَّوْجُ فَالدَّيْنُ عَلَى الْحُرِّ لَا يَبْقَى بَعْدَ السَّبْيِ كَسَائِرِ الدُّيُونِ ؛ لِأَنَّ الدَّيْنَ عَلَى الْمَمْلُوكِ لَا يَجِبُ إلَّا شَاغِلًا لِمَالِيَّةِ رَقَبَتِهِ وَحِينَ وَجَبَ الدَّيْنُ عَلَيْهِ لَمْ يَكُنْ مَالًا فَلَا تَشْتَغِلُ مَالِيَّتُهُ بَعْدَ ذَلِكَ بِالدَّيْنِ ؛ فَلِهَذَا سَقَطَ ، وَإِنْ لَمْ يُسْبَيَا وَلَكِنْ أَسْلَمَ أَحَدُهُمَا وَخَرَجَ إلَى دَارِ الْإِسْلَامِ فَقَدْ وَقَعَتْ الْفُرْقَةُ بَيْنَهُمَا بِغَيْرِ طَلَاقٍ ؛ لِتَبَايُنِ الدَّارَيْنِ فَإِنْ طَلَّقَهَا بَعْدَ هَذَا لَمْ يَقَعْ طَلَاقُهُ عَلَيْهَا ، أَمَّا إذَا كَانَ الزَّوْجُ هُوَ الَّذِي أَسْلَمَ ؛

فَلِأَنَّهُ لَا عِدَّةَ عَلَى الْحَرْبِيَّةِ ، وَإِنْ كَانَتْ الْمَرْأَةُ هِيَ الَّتِي أَسْلَمَتْ فَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى لَا عِدَّةَ عَلَى الْمُهَاجِرَةِ أَيْضًا وَعِنْدَهُمَا وَإِنْ كَانَ يَلْزَمُهَا الْعِدَّةُ ، فَهَذِهِ الْعِدَّةُ لَا تُوجِبُ مِلْكَ الْيَدِ لِلْحَرْبِيِّ عَلَيْهَا فَكَانَ بِمَنْزِلَةِ الْعِدَّةِ مِنْ نِكَاحٍ فَاسِدٍ ، أَوْ وَطْءٍ بِشُبْهَةٍ فَلَا يَقَعُ الطَّلَاقُ عَلَيْهَا بِاعْتِبَارِهَا .
وَإِنْ أَسْلَمَ الزَّوْجُ بَعْدَهَا وَخَرَجَ لَمْ يَقَعْ طَلَاقُهُ عَلَيْهَا أَيْضًا ، وَقِيلَ هَذَا عَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى الْأَوَّلِ وَهُوَ قَوْلُ مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى فَأَمَّا قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى الْآخَرُ يَقَعُ طَلَاقُهُ عَلَيْهَا وَهُوَ نَظِيرُ مَا لَوْ اشْتَرَى امْرَأَتَهُ بَعْدَ مَا دَخَلَ بِهَا ثُمَّ أَعْتَقَهَا وَطَلَّقَهَا فِي الْعِدَّةِ لَا يَقَعُ طَلَاقُهُ فِي قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ الْأَوَّلِ وَهُوَ قَوْلُ مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَفِي قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ الْآخَرِ يَقَعُ وَكَذَلِكَ إذَا اشْتَرَتْ الْمَرْأَةُ زَوْجَهَا ثُمَّ أَعْتَقَتْهُ ، وَعَلَى هَذَا لَوْ ارْتَدَّ الزَّوْجُ وَلَحِقَ بِدَارِ الْحَرْبِ لَا يَقَعُ طَلَاقُهُ عَلَيْهَا ، فَإِنْ عَادَ مُسْلِمًا ثُمَّ طَلَّقَهَا ، فَهُوَ عَلَى هَذَا الْخِلَافِ وَجْهُ قَوْلِهِ أَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى الْأَوَّلِ أَنَّهَا صَارَتْ بِحَالٍ لَا يَقَعُ طَلَاقُهُ حِينَ لَحِقَ بِدَارِ الْحَرْبِ ، أَوْ بَقِيَ فِي دَارِ الْحَرْبِ ، أَوْ مَلَكَهَا بِالشِّرَاءِ فَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى زَوَالِ مِلْكِ الْيَدِ الَّذِي كَانَتْ بِهِ مَحَلًّا لِلطَّلَاقِ وَبَعْدَمَا زَالَ الْمِلْكُ لَا يَعُودُ إلَّا بِالتَّجْدِيدِ ، وَجْهُ قَوْلِهِ الْآخَرِ أَنَّ الْمَانِعَ مِنْ وُقُوعِ الطَّلَاقِ تَبَايُنُ الدَّارَيْنِ حَقِيقَةً وَحُكْمًا ، أَوْ عَدَمُ ظُهُورِ الْعِدَّةِ فِي حَقِّهِ حِينَ اشْتَرَاهَا وَقَدْ زَالَ ذَلِكَ حِينَ أَعْتَقَهَا ، وَحِينَ خَرَجَ إلَى دَارِنَا مُسْلِمًا ، وَهِيَ فِي عِدَّتِهِ بَعْدُ فَيَقَعُ عَلَيْهَا طَلَاقُهُ كَمَا لَوْ أَسْلَمَ أَحَدُ الزَّوْجَيْنِ فِي دَارِ

الْإِسْلَامِ وَفُرِّقَ بَيْنَهُمَا بِالْإِبَاءِ مِنْ الْآخَرِ ، ثُمَّ طَلَّقَهَا الزَّوْجُ وَهِيَ فِي الْعِدَّةِ ؛ فَإِنَّهُ يَقَعُ الطَّلَاقُ ، ثُمَّ إنْ كَانَ دَخَلَ بِهَا فَلَهَا أَنْ تُؤَاخِذَهُ بِمَهْرِهَا إذَا خَرَجَ إلَى دَارِ الْإِسْلَامِ ؛ لِأَنَّ الْمَهْرَ قَدْ تَقَرَّرَ عَلَيْهِ بِالدُّخُولِ فَيَبْقَى بَعْدَ إسْلَامِهَا وَإِنْ لَمْ يَدْخُلْ بِهَا ، وَكَانَتْ هِيَ الَّتِي خَرَجَتْ أَوَّلًا مُسْلِمَةً فَلَهَا عَلَى الزَّوْجِ نِصْفُ الْمَهْرِ ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا يُحَالُ بِالْفُرْقَةِ عَلَى جَانِبِ الزَّوْجِ حِينَ أَصَرَّ عَلَى شِرْكِهِ فِي دَارِ الْحَرْبِ بَعْدَ إسْلَامِهَا وَإِنْ كَانَ الزَّوْجُ هُوَ الَّذِي خَرَجَ أَوَّلًا مُسْلِمًا ، فَلَا مَهْرَ لَهَا عَلَيْهِ ؛ لِأَنَّ الْفُرْقَةَ جَاءَتْ مِنْ قِبَلِهَا قَبْلَ الدُّخُولِ وَإِذَا سُبِيَا مَعًا ، فَهُمَا عَلَى النِّكَاحِ ؛ لِعَدَمِ تَبَايُنِ الدَّارَيْنِ وَقَدْ بَيَّنَّاهُ فِي كِتَابِ النِّكَاحِ .

( قَالَ ) : وَإِذَا تَزَوَّجَ الْمُسْلِمُ كِتَابِيَّةً فِي دَارِ الْحَرْبِ فَتَمَجَّسَتْ ، انْتَقَضَ النِّكَاحُ بَيْنَهُمَا ؛ لِأَنَّ تَمَجُّسَهَا إذَا كَانَتْ تَحْتَ مُسْلِمٍ بِمَنْزِلَةِ رِدَّتِهَا ، وَطَلَاقُهُ يَقَعُ عَلَيْهَا مَا دَامَتْ فِي الْعِدَّةِ كَمَا لَوْ ارْتَدَّتْ الْمَرْأَةُ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ وَهَذَا ؛ لِأَنَّهُ لَمْ تَتَبَايَنْ بِهِمَا الدَّارُ ، وَهُوَ الْمُنَافِي لِلْعِصْمَةِ وَالْحُرْمَةِ بِسَبَبِ الرِّدَّةِ عَلَى شَرَفِ الزَّوَالِ بِالْإِسْلَامِ فَلَا تَمْنَعُ ثُبُوتَ الْحُرْمَةِ بِالتَّطْلِيقَاتِ الثَّلَاثِ فَإِنْ خَرَجَ الزَّوْجُ إلَى دَارِ الْإِسْلَامِ ، وَبَقِيَتْ فِي دَارِ الْحَرْبِ ، لَمْ يَقَعْ طَلَاقُهُ عَلَيْهَا ؛ لِتَبَايُنِ الدَّارَيْنِ حَقِيقَةً وَحُكْمًا ، وَإِنْ خَرَجَ الزَّوْجَانِ إلَى دَارِنَا مُسْتَأْمَنَيْنِ ثُمَّ أَسْلَمَ أَحَدُهُمَا ، فَهِيَ امْرَأَتُهُ حَتَّى تَحِيضَ ثَلَاثَ حِيَضٍ ، وَقَدْ بَيَّنَّا فِي كِتَابِ النِّكَاحِ اخْتِلَافَ الرِّوَايَاتِ فِي عَرْضِ الْإِسْلَامِ عَلَى الْآخَرِ مِنْهُمَا ، فَإِذَا حَاضَتْ ثَلَاثَ حِيَضٍ ، وَقَعَتْ الْفُرْقَةُ بِغَيْرِ طَلَاقٍ بَيْنَهُمَا ، وَانْقَطَعَتْ الْعِصْمَةُ فَلَا يَقَعُ عَلَيْهَا طَلَاقُهُ ؛ لِأَنَّ الْمُصِرَّ مِنْهُمَا عَلَى شِرْكِهِ مِنْ أَهْلِ دَارِ الْحَرْبِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ يَتَمَكَّنُ مِنْ الرُّجُوعِ إلَى دَارِ الْحَرْبِ ؟ فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ مَا لَوْ كَانَ فِي دَارِ الْحَرْبِ حَقِيقَةً فِي الْمَنْعِ مِنْ وُقُوعِ طَلَاقِهِ عَلَيْهَا ، وَكَذَلِكَ إذَا صَارَ أَحَدُهُمَا ذِمِّيًّا وَأَبَى الْآخَرُ ، فَالْحُكْمُ فِيمَا وَصَفْنَا مِنْ الْفُرْقَةِ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ وَفِي دَارِ الْحَرْبِ سَوَاءٌ ؛ لِأَنَّ الذِّمِّيَّ صَارَ مِنْ أَهْلِ دَارِنَا ، وَالْآخَرُ مِنْ أَهْلِ دَارِ الْحَرْبِ ، وَمَا سِوَى هَذَا مِنْ مَسَائِلِ الْبَابِ قَدْ بَيَّنَّا شَرْحَهَا فِي كِتَابِ النِّكَاحِ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ وَإِلَيْهِ الْمَرْجِعُ وَالْمَآبُ .

بَابُ مَا لَا يَقَعُ فِيهِ الطَّلَاقُ عَلَى الْمَرْأَةِ ( قَالَ ) : وَإِذَا اشْتَرَتْ الْحُرَّةُ زَوْجَهَا وَهُوَ عَبْدٌ أَوْ مَلَكَتْهُ كُلَّهُ أَوْ بَعْضَهُ بِمِيرَاثٍ أَوْ غَيْرِهِ ، فَقَدْ وَقَعَتْ الْفُرْقَةُ بَيْنَهُمَا بِغَيْرِ طَلَاقٍ ؛ لِأَنَّ مِلْكَ الْيَمِينِ مُنَافٍ لِمِلْكِ النِّكَاحِ ، وَيَتَحَقَّقُ هَذَا الْمُنَافِي مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا ؛ فَتَكُونُ الْفُرْقَةُ بِغَيْرِ طَلَاقٍ ، وَكَذَلِكَ الْحُرُّ يَمْلِكُ امْرَأَتَهُ أَوْ بَعْضَهَا وَهَذَا ؛ لِأَنَّ مِلْكَ رَقَبَتِهَا مُنَافٍ لِمِلْكِ النِّكَاحِ شَرْعًا ؛ لِأَنَّ مِلْكَ النِّكَاحِ مَشْرُوعٌ ؛ لِإِثْبَاتِ الْحِلِّ بِهِ وَهِيَ تَحِلُّ لَهُ بِمِلْكِ الْيَمِينِ فَيَنْتَفِي بِتَقَرُّرِهِ مِلْكُ النِّكَاحِ ثُمَّ لَا يَقَعُ طَلَاقُهُ عَلَيْهَا ؛ لِأَنَّ مِلْكَهُ رَقَبَتَهَا كَمَا يُنَافِي أَصْلَ مِلْكِ النِّكَاحِ يُنَافِي مِلْكَ الْيَدِ بِسَبَبِ النِّكَاحِ وَبِهِ كَانَتْ مَحَلًّا لِوُقُوعِ الطَّلَاقِ فَلِهَذَا لَا يَقَعُ طَلَاقُهُ عَلَيْهَا بَعْدَ هَذَا ، وَكَذَلِكَ الْمَرْأَةُ يُجَامِعُهَا أَبُو زَوْجِهَا أَوْ ابْنُهُ أَوْ جَامَعَ الزَّوْجُ أُمَّهَا أَوْ ابْنَتَهَا فَقَدْ وَقَعَتْ الْفُرْقَةُ بَيْنَهُمَا بِغَيْرِ طَلَاقٍ ؛ لِأَنَّ الْمَحْرَمِيَّةَ بِالْمُصَاهَرَةِ تُنَافِي النِّكَاحَ ابْتِدَاءً وَبَقَاءً كَالْمَحْرَمِيَّةِ بِالرَّضَاعِ وَالنَّسَبِ وَعَلَيْهَا الْعِدَّةُ ، إنْ كَانَ قَدْ دَخَلَ بِهَا وَلَا يَقَعُ طَلَاقُهُ عَلَيْهَا فِي هَذِهِ الْعِدَّةِ ؛ لِأَنَّ مُوجِبَ الطَّلَاقِ حُرْمَةٌ تَرْتَفِعُ بِإِصَابَةِ الزَّوْجِ الثَّانِي ، وَقَدْ ثَبَتَتْ بَيْنَهُمَا حُرْمَةٌ مُؤَبَّدَةٌ لَا تَرْتَفِعُ بِوَجْهٍ مِنْ الْوُجُوهِ فَلَا يُتَصَوَّرُ مَعَ هَذَا ثُبُوتُ الْحُرْمَةِ الَّتِي تَرْتَفِعُ بِالزَّوْجِ الثَّانِي وَمَتَى خَلَا السَّبَبُ عَنْ مُوجِبِهِ كَانَ لَغْوًا .

( قَالَ ) وَأَهْلُ الذِّمَّةِ وَأَهْلُ الْإِسْلَامِ فِيمَا ذَكَرْنَا مِنْ الْحُرْمَةِ سَوَاءٌ إلَّا أَنْ يَكُونَ مِلَّةٌ مِنْ مِلَلِ الْكُفْرِ يَسْتَحِلُّ ذَلِكَ أَهْلُهَا فِي دِينِهِمْ فَيُخَلَّى عَنْهُمْ وَمَا اسْتَحَلُّوا مِنْ ذَلِكَ لِمَكَانِ عَقْدِ الذِّمَّةِ وَهُوَ بِمَنْزِلَةِ الْمَجُوسِيِّ يَتَزَوَّجُ أُمَّهُ وَهَذَا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى وَهُوَ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى الْأَوَّلُ ، وَفِي قَوْلِهِ الْآخَرِ لَا يُتْرَكُونَ عَلَى شَيْءٍ مِنْ الْحَرَامِ فِي النِّكَاحِ وَالْحُكْمُ يَجْرِي عَلَيْهِمْ فِي ذَلِكَ كَمَا يَجْرِي عَلَى أَهْلِ الْإِسْلَامِ سَوَاءٌ اخْتَصَمُوا أَوْ لَمْ يَخْتَصِمُوا وَهَذَا الْقَوْلُ لِأَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى ذَكَرَهُ فِي هَذَا الْكِتَابِ خَاصَّةً وَقَدْ بَيَّنَّا وَجْهَهُ فِي كِتَابِ النِّكَاحِ مَعَ سَائِرِ مَا فِي الْبَابِ مِنْ الْمَسَائِلِ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ وَإِلَيْهِ الْمَرْجِعُ وَالْمَآبُ .

بَابٌ مِنْ الطَّلَاقِ ( قَالَ ) : رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ رَجُلٌ قَالَ لِامْرَأَتِهِ وَلَمْ يَدْخُلْ بِهَا : أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا ، تَطْلُقُ ثَلَاثًا عِنْدَنَا وَهُوَ قَوْلُ عُمَرَ وَعَلِيٍّ وَابْنِ عَبَّاسٍ وَأَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَقَالَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ : تَقَعُ وَاحِدَةٌ بِقَوْلِهِ طَالِقٌ فَتَبِينُ لَا إلَى عِدَّةٍ وَقَوْلُهُ ، ثَلَاثًا يُصَادِفُهَا وَهِيَ أَجْنَبِيَّةٌ فَلَا يَقَعُ بِهَا شَيْءٌ كَمَا لَوْ قَالَ لَهَا : أَنْتِ طَالِقٌ وَطَالِقٌ وَطَالِقٌ وَلَكِنَّا نَقُولُ : الطَّلَاقُ مَتَى قُرِنَ بِالْعَدَدِ فَالْوُقُوعُ بِذِكْرِ الْعَدَدِ : لِأَنَّ الْمُوَقَّعَ هُوَ الْعَدَدُ فَإِذَا صَرَّحَ بِذِكْرِ الْعَدَدِ كَانَ هُوَ الْعَامِلَ دُونَ ذِكْرِ الْوَصْفِ وَلِهَذَا لَوْ مَاتَتْ الْمَرْأَةُ بَعْدَ قَوْلِهِ طَالِقٌ قَبْلَ قَوْلِهِ ثَلَاثًا ، لَا يَقَعُ شَيْءٌ وَهَذَا ؛ لِأَنَّ الْكُلَّ كَلِمَةٌ وَاحِدَةٌ فِي الْحُكْمِ فَإِنَّ إيقَاعَ الثَّلَاثِ لَا يَتَأَتَّى بِعِبَارَةٍ أَوْجَزَ مِنْ هَذَا ، وَالْكَلِمَةُ الْوَاحِدَةُ لَا يُفْصَلُ بَعْضُهَا مِنْ بَعْضٍ بِخِلَافِ قَوْلِهِ أَنْتِ طَالِقٌ وَطَالِقٌ وَطَالِقٌ ؛ لِأَنَّهَا كَلِمَاتٌ مُتَفَرِّقَةٌ ، فَأَمَّا إذَا قَالَ : أَنْتِ طَالِقٌ أَنْتِ طَالِقٌ أَنْتِ طَالِقٌ ، بَانَتْ بِالْأُولَى ، وَكَانَتْ الثِّنْتَانِ فِيمَا لَا يَمْلِكُ وَهُوَ قَوْلُ عَلِيٍّ وَابْنِ مَسْعُودٍ وَزَيْدٍ وَإِبْرَاهِيمَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَقَالَ ابْنُ أَبِي لَيْلَى رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى : إذَا كَانَ فِي مَجْلِسٍ وَاحِدٍ : يَقَعُ ثَلَاثُ تَطْلِيقَاتٍ ؛ لِأَنَّ الْمَجْلِسَ الْوَاحِدَ يَجْمَعُ الْكَلِمَاتِ الْمُتَفَرِّقَةَ وَيَجْعَلُهَا كَكَلَامٍ وَاحِدٍ وَلَكِنَّا نَقُولُ : كُلُّ كَلِمَةٍ إيقَاعٌ عَلَى حِدَةٍ فَلَا تَعْمَلُ إلَّا فِي مَحَلٍّ قَابِلٍ لَهُ فَإِذَا بَانَتْ لَا إلَى عِدَّةٍ ، لَمْ تَبْقَ مَحَلًّا لِلْوُقُوعِ عَلَيْهَا ثُمَّ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى تَبِينُ بِالْأُولَى قَبْلَ أَنْ يَفْرُغَ مِنْ الْكَلَامِ الثَّانِي وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى بَعْدَ فَرَاغِهِ مِنْ الْكَلَامِ الثَّانِي لِجَوَازِ أَنْ يُلْحِقَ بِآخِرِ كَلَامِهِ شَرْطًا أَوْ اسْتِثْنَاءً

وَلَكِنَّ هَذَا إنَّمَا يَتَحَقَّقُ عِنْدَ ذِكْرِ حَرْفِ الْعَطْفِ وَهُوَ الْوَاوُ ، فَأَمَّا بِدُونِهِ لَا يَتَحَقَّقُ الْخِلَافُ ؛ لِأَنَّهُ لَا يَلْتَحِقُ بِهِ الشَّرْطُ وَالِاسْتِثْنَاءُ .

( قَالَ ) وَلَوْ قَالَ لَهَا : رَأْسُكِ طَالِقٌ ، كَانَتْ طَالِقًا لَا بِإِضَافَةِ الطَّلَاقِ إلَى الرَّأْسِ بِعَيْنِهِ فَإِنَّهُ لَوْ قَالَ : الرَّأْسُ مِنْكِ طَالِقٌ أَوْ وَضَعَ يَدَهُ عَلَى رَأْسِهَا وَقَالَ : هَذَا الْعُضْوُ مِنْكِ طَالِقٌ ، لَا يَقَعُ شَيْءٌ وَلَكِنْ بِاعْتِبَارِ أَنَّ الرَّأْسَ يُعَبَّرُ بِهِ عَنْ جَمِيعِ الْبَدَنِ يُقَالُ هَؤُلَاءِ رُءُوسُ الْقَوْمِ وَمَعَ الْإِضَافَةِ إلَى الشَّخْصِ أَيْضًا يُعَبَّرُ بِهِ عَنْ جَمِيعِ الْبَدَنِ يَقُولُ الرَّجُلُ : أَمْرِي حَسَنٌ مَا دَامَ رَأْسُك أَيْ مَا دُمْتَ بَاقِيًا وَكَذَلِكَ الْوَجْهُ يُعَبَّرُ بِهِ عَنْ جَمِيعِ الْبَدَنِ يَقُولُ الرَّجُلُ لِغَيْرِهِ : يَا وَجْهَ الْعَرَبِ ، وَكَذَلِكَ الْجَسَدُ وَالْبَدَنُ وَالرَّقَبَةُ وَالْعُنُقُ يُعَبَّرُ بِهَا عَنْ جَمِيعِ الْبَدَنِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى { فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ } وَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى { فَظَلَّتْ أَعْنَاقُهُمْ لَهَا خَاضِعِينَ } وَكَذَلِكَ الْفَرْجُ قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { لَعَنَ اللَّهُ الْفُرُوجَ عَلَى السُّرُوجِ } وَكَذَلِكَ الرُّوحُ يُعَبَّرُ بِهَا عَنْ جَمِيعِ الْبَدَنِ وَهُوَ مَذْكُورٌ فِي كِتَابِ الْكَفَالَةِ فَصَارَ هُوَ بِهَذَا اللَّفْظِ مُضِيفًا الطَّلَاقَ إلَى جَمِيعِهَا فَكَأَنَّهُ قَالَ : أَنْتِ طَالِقٌ ، وَأَمَّا إذَا قَالَ يَدُكِ طَالِقٌ أَوْ رِجْلُكِ طَالِقٌ أَوْ أُصْبُعُكِ طَالِقٌ ، لَا يَقَعُ شَيْءٌ عِنْدَنَا وَقَالَ زُفَرُ وَالشَّافِعِيُّ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى : تَطْلُقُ ؛ لِأَنَّهُ أَضَافَ الطَّلَاقَ إلَى جُزْءٍ مُسْتَمْتَعٍ بِهِ مِنْهَا بِعَقْدِ النِّكَاحِ فَيَقَعُ الطَّلَاقُ كَالْوَجْهِ وَالرَّأْسِ وَهَذَا ؛ لِأَنَّ مَبْنَى الطَّلَاقِ عَلَى الْغَلَبَةِ وَالسِّرَايَةِ فَإِذَا أَوْقَعَهُ عَلَى جُزْءٍ مِنْهَا ، يَسْرِي إلَى جَمِيعِهَا كَالْجُزْءِ الشَّائِعِ وَبِهِ فَارَقَ النِّكَاحَ فَإِنَّهُ غَيْرُ مَبْنِيٍّ عَلَى السِّرَايَةِ وَلِهَذَا لَا تَصِحُّ إضَافَتُهُ عِنْدِي إلَى جُزْءٍ شَائِعٍ وَهَذَا ؛ لِأَنَّ الْحِلَّ وَالْحُرْمَةَ إذَا اجْتَمَعَا فِي الْمَحَلِّ يَتَرَجَّحُ جَانِبُ الْحُرْمَةِ فِي الِابْتِدَاءِ وَالِانْتِهَاءِ ، وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ أَنَّهُ لَوْ قَالَ لَهَا : أَنْتِ طَالِقٌ شَهْرًا ،

يَقَعُ مُؤَبَّدًا وَلَوْ قَالَ : تَزَوَّجْتُكِ شَهْرًا ، لَمْ يَصِحَّ النِّكَاحُ فَيُجْعَلُ ذِكْرُ جُزْءٍ مِنْهَا كَذِكْرِ جُزْءٍ مِنْ الزَّمَانِ فِي الْفَصْلَيْنِ ، وَحُجَّتُنَا فِي ذَلِكَ أَنَّ الْأُصْبُعَ لَيْسَ بِمَحَلٍّ لِإِضَافَةِ النِّكَاحِ إلَيْهِ ، فَكَذَلِكَ الطَّلَاقُ لِمَعْنًى وَهُوَ أَنَّهُ تَبَعٌ فِي حُكْمِ النِّكَاحِ وَالطَّلَاقِ وَلِهَذَا صَحَّ النِّكَاحُ وَالطَّلَاقُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا أُصْبُعٌ وَيَبْقَى بَعْدَ فَوَاتِ الْأُصْبُعِ وَهَذَا ؛ لِأَنَّ النِّكَاحَ وَالطَّلَاقَ يَرِدُ عَلَيْهَا فَتَكُونُ الْأَطْرَافُ فِيهِ تَبَعًا كَمَا فِي مِلْكِ الرَّقَبَةِ شِرَاءً وَمِلْكِ الْقِصَاصِ وَإِذَا ثَبَتَ أَنَّهُ تَبَعٌ ، فَبِذِكْرِ الْأَصْلِ ، يَصِيرُ التَّبَعُ مَذْكُورًا ، فَأَمَّا بِذِكْرِ التَّبَعِ ، لَا يَصِيرُ الْأَصْلُ مَذْكُورًا وَإِذَا كَانَ تَبَعًا ، لَا يَكُونُ مَحَلُّ الْإِضَافَةِ التَّصَرُّفَ إلَيْهِ ، وَالسِّرَايَةُ إنَّمَا تَتَحَقَّقُ بَعْدَ صِحَّةِ الْإِضَافَةِ إلَى مَحَلِّهِ وَقَدْ ذَكَرْنَا فِي الْوَجْهِ وَالرَّأْسِ أَنَّ الْوُقُوعَ لَيْسَ بِطَرِيقِ السِّرَايَةِ بَلْ بِاعْتِبَارِ أَنَّ مَا ذُكِرَ عِبَارَةٌ عَنْ جَمِيعِ الْبَدَنِ حَتَّى لَوْ كَانَ عُرْفًا .
ظَاهِرُ الْقَوْمِ أَنَّهُمْ يَذْكُرُونَ الْيَدَ عِبَارَةً عَنْ جَمِيعِ الْبَدَنِ نَقُولُ : يَقَعُ الطَّلَاقُ فِي حَقِّهِمْ وَلَا يُمْكِنُ تَصْحِيحُ الْكَلَامِ هُنَا بِطَرِيقِ الْإِضْمَارِ وَهُوَ أَنْ يُقَدِّمَ الْإِيقَاعَ عَلَى الْبَدَنِ لِتَصْحِيحِ كَلَامِهِ ؛ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ هَذَا كَلَامًا مُسْتَقِيمًا ، لَصَحَّ إضَافَةُ النِّكَاحِ إلَى الْيَدِ بِهَذَا الطَّرِيقِ وَهَذَا ؛ لِأَنَّ الْمُقْتَضَى تَبَعٌ لِلْمُقْتَضِي ، وَجَعْلُ الْأَصْلِ تَبَعًا لِلْأُصْبُعِ مُتَعَذِّرٌ فَلِهَذَا لَا يَصِحُّ بِطَرِيقِ الِاقْتِضَاءِ وَهَذَا بِخِلَافِ مَا لَوْ أَضَافَ إلَى جُزْءٍ شَائِعٍ كَالصِّنْفِ وَالثُّلُثِ وَالرُّبُعِ ؛ لِأَنَّ الْجُزْءَ الشَّائِعَ لَيْسَ بِتَبَعٍ وَهُوَ مَحَلٌّ لِإِضَافَةِ سَائِرِ التَّصَرُّفَاتِ إلَيْهِ فَإِذَا صَحَّتْ الْإِضَافَةُ إلَى مَحَلِّهَا ، ثَبَتَ الْحُكْمُ فِي الْكُلِّ بِطَرِيقِ السِّرَايَةِ أَوْ بِطَرِيقِ أَنَّهَا لَا تَحْتَمِلُ التَّجْزِيءَ فِي حُكْمِ

الطَّلَاقِ ، وَذِكْرُ جُزْءِ مَا لَا يَتَجَزَّأُ كَذِكْرِ الْكُلِّ وَلِهَذَا صَحَّتْ إضَافَةُ النِّكَاحِ إلَى جُزْءٍ شَائِعٍ عِنْدَنَا وَهَذَا بِخِلَافِ مَا لَوْ قَالَ : أَنْتِ طَالِقٌ شَهْرًا ؛ لِأَنَّ الْإِضَافَةَ صَحَّتْ إلَى مَحَلِّهَا ، وَالطَّلَاقُ بَعْدَ الْوُقُوعِ لَا يَحْتَمِلُ الرَّفْعَ فَلَا يَنْعَدِمُ بِذِكْرِ التَّوْقِيتِ فِيمَا وَرَاءَ الْمُدَّةِ بِخِلَافِ النِّكَاحِ فَإِنَّهُ يَحْتَمِلُ الرَّفْعَ فَبِالتَّوْقِيتِ يَنْعَدِمُ فِيمَا وَرَاءَ الْوَقْتِ وَلَا يُمْكِنُ تَصْحِيحُهُ مُوَقَّتًا .
وَقَعَ فِي بَعْضِ النُّسَخِ لَوْ قَالَ : بُضْعُكِ طَالِقٌ ، يَقَعُ وَهَذَا تَصْحِيفٌ إنَّمَا هُوَ بَعْضُكِ طَالِقٌ أَوْ نِصْفُكِ طَالِقٌ فَأَمَّا الْبُضْعُ لَا يُعَبَّرُ بِهِ عَنْ جَمِيعِ الْبَدَنِ وَلَمْ يَذْكُرْ مَا لَوْ قَالَ : ظَهْرُكِ طَالِقٌ أَوْ بَطْنُك طَالِقٌ وَقَدْ قَالَ بَعْضُ مَشَايِخِنَا : إنَّهُ يَقَعُ الطَّلَاقُ ؛ لِأَنَّ الظَّهْرَ وَالْبَطْنَ فِي مَعْنَى الْأَصْلِ إذْ لَا يُتَصَوَّرُ النِّكَاحُ بِدُونِهِمَا وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ لَا يَقَعُ عَلَى مَا ذُكِرَ بَعْدَ هَذَا فِي بَابِ الظِّهَارِ أَنَّهُ إذَا قَالَ : ظَهْرُكِ أَوْ بَطْنُكِ عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي ، لَا يَكُونُ مُظَاهِرًا ؛ لِأَنَّ الظَّهْرَ وَالْبَطْنَ لَا يُعَبَّرُ بِهِمَا عَنْ جَمِيعِ الْبَدَنِ .

( قَالَ ) وَلَوْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ وَلِأَجْنَبِيَّةٍ : إحْدَاكُمَا طَالِقٌ فَإِنْ قَالَ : عَنَيْت امْرَأَتِي ، وَقَعَ الطَّلَاقُ عَلَيْهَا ، وَإِلَّا لَمْ يَقَعْ ؛ لِأَنَّ اللَّفْظَ الْمَذْكُورَ يَصْلُحُ عِبَارَةً عَنْ امْرَأَتِهِ وَعَنْ الْمَرْأَةِ الْأُخْرَى فَكَانَ هَذَا كِنَايَةً مِنْ حَيْثُ الْمَحَلُّ وَكَمَا أَنَّ أَلْفَاظَ الْكِنَايَةِ لَا تَعْمَلُ إلَّا بِالنِّيَّةِ فَكَذَلِكَ الْكِنَايَةُ مِنْ حَيْثُ الْمَحَلُّ لَا يَتَعَيَّنُ فِيهِ امْرَأَتُهُ إلَّا بِالنِّيَّةِ وَيَحْلِفُ بِاَللَّهِ مَا عَنِيَ امْرَأَتَهُ كَمَا بَيَّنَّا فِي الْكِنَايَاتِ .

( قَالَ ) وَلَوْ قَالَ لِأَرْبَعِ نِسْوَةٍ : بَيْنَكُنَّ تَطْلِيقَةٌ ، تَطْلُقُ كُلُّ وَاحِدَةٍ وَاحِدَةً ؛ لِأَنَّهُ أَوْقَعَ عَلَى كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ رُبْعَ تَطْلِيقَةٍ ، وَرُبْعُ التَّطْلِيقَةِ كَمَالُهَا فَإِنَّ التَّطْلِيقَةَ الْوَاحِدَةَ لَا يَتَجَزَّأُ وُقُوعُهَا ، وَلَوْ قَالَ : بَيْنَكُنَّ تَطْلِيقَتَانِ ، فَكَذَلِكَ الْجَوَابُ ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ يُصِيبُهَا نِصْفُ تَطْلِيقَةٍ إلَّا أَنْ يَقُولَ : عَنَيْت أَنَّ كُلَّ تَطْلِيقَةٍ بَيْنَهُنَّ ، فَحِينَئِذٍ يَقَعُ عَلَى كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ تَطْلِيقَتَانِ ؛ لِأَنَّهُ صَارَ مُوقِعًا عَلَى كُلِّ وَاحِدَةٍ رُبْعَ تَطْلِيقَةٍ وَرُبْعَ تَطْلِيقَةٍ أُخْرَى وَلَكِنْ مَا لَمْ يَنْوِ ، لَا يُحْمَلُ عَلَى هَذَا ؛ لِأَنَّ الْجِنْسَ وَاحِدٌ ، وَالْقِسْمَةُ فِي الْجِنْسِ الْوَاحِدِ بَيْنَ الْأَشْخَاصِ تَكُونُ جُمْلَةً وَاحِدَةً وَلَكِنْ إذَا عَنِي قِسْمَةَ كُلِّ تَطْلِيقَةٍ فَقَدْ شَدَّدَ الْأَمْرَ عَلَى نَفْسِهِ ، وَاللَّفْظُ مُحْتَمِلٌ لِذَلِكَ وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ : بَيْنَكُنَّ ثَلَاثُ تَطْلِيقَاتٍ أَوْ أَرْبَعُ تَطْلِيقَاتٍ ، تَطْلُقُ كُلُّ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ وَاحِدَةً إلَّا أَنْ يَقُولَ : عَنَيْتُ أَنَّ كُلَّ تَطْلِيقَةٍ بَيْنَهُنَّ فَحِينَئِذٍ تَطْلُقُ كُلُّ وَاحِدَةٍ ثَلَاثًا وَلَوْ قَالَ : بَيْنَكُنَّ خَمْسُ تَطْلِيقَاتٍ ، تَطْلُقُ كُلُّ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ ثِنْتَيْنِ ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ يُصِيبُهَا تَطْلِيقَةٌ وَرُبْعٌ ، وَكَذَلِكَ إنْ قَالَ : سِتٌّ أَوْ سَبْعٌ أَوْ ثَمَانٌ وَإِنْ قَالَ : بَيْنَكُنَّ تِسْعُ تَطْلِيقَاتٍ تَطْلُقُ كُلُّ وَاحِدَةٍ ثَلَاثًا ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ يُصِيبُهَا بِالْقِسْمَةِ تَطْلِيقَتَانِ وَرُبْعُ تَطْلِيقَةٍ وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ : أَشْرَكْتُكُنَّ فِي ثَلَاثِ تَطْلِيقَاتٍ فَلَفْظُ الْإِشْرَاكِ وَلَفْظُ الْبَيْنِ سَوَاءٌ بِخِلَافِ مَا لَوْ طَلَّقَ امْرَأَتَيْنِ لَهُ ثُمَّ قَالَ لِثَالِثَةٍ : أَشْرَكْتُكِ فِيمَا أَوْقَعْتُ عَلَيْهِمَا ، يَقَعُ عَلَيْهَا تَطْلِيقَتَانِ ؛ لِأَنَّهُ صَارَ مُشْرِكًا لَهَا فِي كُلِّ تَطْلِيقَةٍ .

( قَالَ ) : رَجُلٌ قَالَ لِامْرَأَتِهِ : أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا إلَّا وَاحِدَةً ، فَهِيَ طَالِقٌ ثِنْتَيْنِ ؛ لِأَنَّ الْكَلَامَ الْمُقَيَّدَ بِالِاسْتِثْنَاءِ يَكُونُ عِبَارَةً عَمَّا وَرَاءَ الْمُسْتَثْنَى ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى { فَلَبِثَ فِيهِمْ أَلْفَ سَنَةٍ إلَّا خَمْسِينَ عَامًا } مَعْنَاهُ تِسْعُمِائَةٍ وَخَمْسِينَ عَامًا وَمَا وَرَاءَ الْمُسْتَثْنَى هُنَا ثِنْتَانِ وَلَوْ قَالَ : أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا إلَّا ثِنْتَيْنِ فَهِيَ وَاحِدَةٌ إلَّا عَلَى قَوْلِ الْفَرَّاءِ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى فَإِنَّهُ يَقُولُ : اسْتِثْنَاءُ الْأَكْثَرِ لَا يَصِحُّ ؛ لِأَنَّهُ لَمْ تَتَكَلَّمْ بِهِ الْعَرَبُ وَلَكِنَّا نَقُولُ طَرِيقُ الِاسْتِثْنَاءِ مَا قُلْنَا وَهُوَ أَنْ يَكُونَ عِبَارَةً عَمَّا وَرَاءَ الْمُسْتَثْنَى فَشَرْطُ صِحَّتِهِ أَنْ يَبْقَى وَرَاءَ الْمُسْتَثْنَى شَيْءٌ حَتَّى يَجْعَلَ كَلَامَهُ عِبَارَةً عَنْهُ ، وَفِي هَذَا لَا فَرْقَ بَيْنَ الْأَقَلِّ وَالْأَكْثَرِ وَعَلَى قَوْلِ بَعْضِ أَهْلِ النَّحْوِ رَحِمَهُمْ اللَّهُ تَعَالَى الِاسْتِثْنَاءُ يُخْرِجُ مِنْ الْكَلَامِ مَا لَوْلَاهُ لَكَانَ الْكَلَامُ مُتَنَاوِلًا لَهُ فَيَكُونُ بِمَنْزِلَةِ دَلِيلِ الْخُصُوصِ فِي الْعُمُومِ وَفِي ذَلِكَ لَا فَرْقَ بَيْنَ الْأَقَلِّ وَالْأَكْثَرِ ، وَبِأَنْ لَمْ تَتَكَلَّمْ بِهِ الْعَرَبُ لَا يَمْنَعُ صِحَّتَهُ إذَا كَانَ مُوَافِقًا لِمَذْهَبِهِمْ كَاسْتِثْنَاءِ الْكُسُورِ وَلَمْ يَذْكُرْ فِي الْكِتَابِ مَا إذَا قَالَ : أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا إلَّا نِصْفَ تَطْلِيقَةٍ كَمْ يَقَعُ وَقِيلَ عَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى : تَطْلُقُ اثْنَتَيْنِ ؛ لِأَنَّ التَّطْلِيقَةَ كَمَا لَا تَتَجَزَّأُ فِي الْإِيقَاعِ لَا تَتَجَزَّأُ فِي الِاسْتِثْنَاءِ فَكَأَنَّهُ قَالَ : إلَّا وَاحِدَةً وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى تَطْلُقُ ثَلَاثًا : لِأَنَّ فِي الْإِيقَاعِ إنَّمَا لَا يَتَجَزَّأُ لِمَعْنًى فِي الْمُوقِعِ وَذَلِكَ لَا يُوجَدُ فِي الِاسْتِثْنَاءِ فَيَتَجَزَّأُ فِيهِ وَإِذَا كَانَ الْمُسْتَثْنَى نِصْفَ تَطْلِيقَةٍ ، صَارَ كَلَامُهُ عِبَارَةً عَنْ تَطْلِيقَتَيْنِ وَنِصْفٍ فَيَكُونُ ثَلَاثًا .

( قَالَ ) : وَإِذَا قَالَ : أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا إلَّا ثَلَاثًا ، تَطْلُقُ ثَلَاثًا ؛ لِأَنَّهُ اسْتَثْنَى جَمِيعَ مَا تَكَلَّمَ بِهِ وَهَذَا الِاسْتِثْنَاءُ بَاطِلٌ فَإِنَّهُ إنْ جُعِلَ عِبَارَةً عَمَّا وَرَاءَ الْمُسْتَثْنَى ، لَا يَبْقَى بَعْدَ اسْتِثْنَاءِ الْكُلِّ شَيْءٌ ؛ لِيَكُونَ كَلَامُهُ عِبَارَةً عَنْهُ ، وَإِنْ جُعِلَ بِمَنْزِلَةِ دَلِيلِ الْخُصُوصِ ، فَذَلِكَ لَا يَعُمُّ الْكُلَّ ؛ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ يَكُونُ نَسْخًا لَا تَخْصِيصًا ، وَظَنَّ بَعْضُ أَصْحَابِنَا وَمَشَايِخِنَا رَحِمَهُمْ اللَّهُ تَعَالَى أَنَّ اسْتِثْنَاءَ الْكُلِّ رُجُوعٌ ، وَالرُّجُوعُ عَنْ الْكُلِّ بَاطِلٌ ، وَهَذَا وَهْمٌ فَقَدْ بَطَلَ اسْتِثْنَاءُ الْكُلِّ فِي الْوَصِيَّةِ أَيْضًا ، وَهُوَ يَحْتَمِلُ الرُّجُوعَ فَدَلَّ أَنَّ الطَّرِيقَ مَا قُلْنَا .

( قَالَ ) : وَإِنْ قَالَ لَهَا وَقَدْ دَخَلَ بِهَا : أَنْتِ طَالِقٌ أَنْتِ طَالِقٌ أَنْتِ طَالِقٌ إلَّا وَاحِدَةً ، تَطْلُقُ ثَلَاثًا مِنْ قِبَلِ أَنَّهُ فَرَّقَ الْكَلَامَ ، فَيَكُونُ هُوَ مُسْتَثْنِيًا جَمِيعَ مَا تَكَلَّمَ بِهِ فِي آخِرِ كَلِمَاتِهِ ، وَهُوَ بَاطِلٌ ، وَكَذَلِكَ لَوْ ذَكَرَهُ مَعَ حَرْفِ الْعَطْفِ ، وَلَوْ قَالَ ، أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا إلَّا وَاحِدَةً وَوَاحِدَةً عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى ، تَطْلُقُ ثَلَاثًا ؛ لِأَنَّهُ عَطَفَ بَعْضَ الْكَلِمَاتِ عَلَى الْبَعْضِ ، وَالْعَطْفُ لِلِاشْتِرَاكِ وَعِنْدَ ذَلِكَ صَارَ مُسْتَثْنِيًا لِلْكُلِّ فَكَأَنَّهُ قَالَ ؛ إلَّا ثَلَاثًا ، وَهُوَ الظَّاهِرُ مِنْ قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى ، وَقَدْ رُوِيَ عَنْهُ أَنَّهُ يَقَعُ وَاحِدَةٌ ، وَهُوَ قَوْلُ زُفَرَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى ؛ لِأَنَّهُ لَوْ قَالَ : إلَّا وَاحِدَةً وَوَاحِدَةً ، صَارَ مُسْتَثْنِيًا لِلِاثْنَتَيْنِ ، فَكَانَ صَحِيحًا فَإِنَّمَا بَطَلَ اسْتِثْنَاءُ الثَّالِثَةِ فَقَطْ .

( قَالَ ) وَلَوْ قَالَ : أَنْتِ طَالِقٌ تَطْلِيقَةً إلَّا نِصْفَهَا فَهِيَ طَالِقٌ وَاحِدَةً ؛ لِأَنَّ مَا بَقِيَ مِنْهَا تَطْلِيقَةٌ تَامَّةٌ ، وَهُوَ إشَارَةٌ إلَى مَذْهَبِ مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى فِي أَنَّ التَّطْلِيقَةَ تَتَجَزَّأُ فِي الِاسْتِثْنَاءِ ، وَعَلَى قَوْلِ مَنْ يَقُولُ لَا تَتَجَزَّأُ هَذَا اسْتِثْنَاءٌ لِجَمِيعِ مَا تَكَلَّمَ بِهِ وَهَذَا لَا يَصِحُّ ، وَذُكِرَ فِي النَّوَادِرِ إذَا قَالَ : أَنْتِ طَالِقٌ ثِنْتَيْنِ وَثِنْتَيْنِ إلَّا ثِنْتَيْنِ أَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ صَحِيحٌ عِنْدَنَا ، وَتَطْلُقُ ثِنْتَيْنِ ، وَعِنْدَ زُفَرَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى تَطْلُقُ ثَلَاثًا ؛ لِأَنَّهُ اسْتَثْنَى أَحَدَ الْكَلَامَيْنِ ، وَهُوَ بَاطِلٌ ، وَلَكِنَّا نَقُولُ : لِتَصْحِيحِ هَذَا الِاسْتِثْنَاءِ وَجْهٌ ، وَهُوَ أَنْ يُجْعَلَ مُسْتَثْنِيًا مِنْ كُلِّ كَلَامٍ تَطْلِيقَةً ، وَكَلَامُ الْعَاقِلِ يَجِبُ تَصْحِيحُهُ مَا أَمْكَنَ ، وَفِي نَوَادِرِ هِشَامٍ لَوْ قَالَ : ثِنْتَيْنِ وَثِنْتَيْنِ إلَّا ثَلَاثًا ، تَطْلُقُ ثَلَاثًا عِنْدَ مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى ؛ لِأَنَّهُ اسْتَثْنَى أَحَدَ الْكَلَامَيْنِ وَبَعْضَ الْآخَرِ ، وَذَلِكَ بَاطِلٌ ، وَلَا وَجْهَ لِتَصْحِيحِ بَعْضِ الِاسْتِثْنَاءِ فِيهِ دُونَ الْبَعْضِ ، وَفِيهِ إشْكَالٌ عَلَى أَصْلِ مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى ؛ لِأَنَّهُ يُمْكِنُ أَنْ يُجْعَلَ مُسْتَثْنِيًا مِنْ كُلِّ كَلَامٍ تَطْلِيقَةً وَنِصْفًا ، فَالتَّطْلِيقَةُ عِنْدَهُ تَتَجَزَّأُ فِي الِاسْتِثْنَاءِ فَيَنْبَغِي أَنْ يَقَعَ ثِنْتَانِ بِهَذَا الطَّرِيقِ .

( قَالَ ) : وَإِذَا طَلَّقَهَا تَطْلِيقَةً رَجْعِيَّةً ، فَطَلَاقُهُ يَقَعُ عَلَيْهَا مَا دَامَتْ فِي الْعِدَّةِ ، وَكَذَلِكَ الظِّهَارُ وَالْإِيلَاءُ ، وَإِنْ قَذَفَهَا ، لَاعَنَهَا ، وَإِنْ مَاتَ أَحَدُهُمَا تَوَارَثَا ؛ لِبَقَاءِ مِلْكِ النِّكَاحِ بَعْدَ الطَّلَاقِ الرَّجْعِيِّ ، وَإِنْ كَانَ الطَّلَاقُ بَائِنًا ، لَمْ يَقَعْ عَلَيْهَا ظِهَارٌ وَلَا إيلَاءٌ ؛ لِأَنَّ الظِّهَارَ مُنْكَرٌ مِنْ الْقَوْلِ وَزُورٌ ؛ لِمَا فِيهِ مِنْ تَشْبِيهِ الْمُحَلَّلَةِ بِالْمُحَرَّمَةِ ، وَهَذَا تَشْبِيهُ الْمُحَرَّمَةِ بِالْمُحَلَّلَةِ ، وَالْمَوْلَى مُضَارٌ مُتَعَنِّتٌ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ يَمْنَعُ حَقَّهَا فِي الْجِمَاعِ ، وَبَعْدَ الْبَيْنُونَةِ لَا حَقَّ لَهَا فِي الْجِمَاعِ ، وَكَذَلِكَ لَوْ قَذَفَهَا ، لَمْ يُلَاعِنْهَا ، وَكَانَ عَلَيْهِ الْحَدُّ ؛ لِأَنَّ اللِّعَانَ مَشْرُوعٌ ؛ لِقَطْعِ النِّكَاحِ وَقَدْ انْقَطَعَ النِّكَاحُ بِالْبَيْنُونَةِ .

( قَالَ ) : رَجُلٌ قَالَ لِامْرَأَتِهِ : أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا إنْ دَخَلْتِ الدَّارَ ثُمَّ طَلَّقَهَا ثَلَاثًا ثُمَّ عَادَتْ إلَيْهِ بَعْدَ زَوْجٍ آخَرَ فَدَخَلَتْ الدَّارَ ، لَمْ تَطْلُقْ عِنْدَنَا ، وَقَالَ زُفَرُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى : تَطْلُقُ ثَلَاثًا ؛ لِأَنَّ التَّعْلِيقَ فِي الْمِلْكِ قَدْ صَحَّ ، وَالشَّرْطُ وُجِدَ فِي الْمِلْكِ فَيَنْزِلُ الْجَزَاءُ كَمَا لَوْ قَالَ لِعَبْدِهِ : إنْ دَخَلْتَ الدَّارَ ، فَأَنْتَ حُرٌّ ثُمَّ بَاعَهُ ثُمَّ اشْتَرَاهُ ثُمَّ دَخَلَ الدَّارَ ، وَهَذَا ؛ لِأَنَّ الْمُعَلَّقَ بِالشَّرْطِ لَيْسَ بِطَلَاقٍ عَلَى مَا نُبَيِّنُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَاَلَّذِي أَوْقَعَهُ طَلَاقٌ فَكَانَ غَيْرُ الْمُعَلَّقِ بِالشَّرْطِ ، وَالْمُعَلَّقُ بِالشَّرْطِ غَيْرُ وَاصِلٍ إلَى الْمَحَلِّ ، فَلَا يُعْتَبَرُ ؛ لِبَقَائِهِ مُتَعَلِّقًا قِيَامَ الْمَحَلِّ .
وَإِنَّمَا يُشْتَرَطُ كَوْنُ الْمَحَلِّ مَحَلًّا عِنْدَ وُجُودِ الشَّرْطِ ؛ لِأَنَّهُ عِنْدَ ذَلِكَ يَصِلُ إلَيْهِ ، وَهُوَ مَوْجُودٌ ، وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ أَنَّهُ لَوْ قَالَ لَهَا : إنْ دَخَلْتِ الدَّارَ ، فَأَنْتِ عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي ثُمَّ طَلَّقَهَا ثَلَاثًا ثُمَّ عَادَتْ إلَيْهِ بَعْدَ زَوْجٍ آخَرَ ، يَكُونُ مُظَاهِرًا مِنْهَا ، إذَا دَخَلَتْ الدَّارَ ، وَلَوْ طَلَّقَهَا اثْنَتَيْنِ فِي مَسْأَلَةِ الْيَمِينِ بِالطَّلَاقِ ثُمَّ عَادَتْ إلَيْهِ بَعْدَ إصَابَةِ زَوْجٍ آخَرَ فَدَخَلَتْ الدَّارَ ، تَطْلُقُ ثَلَاثًا ، فَإِذَا كَانَ وُقُوعُ بَعْضِ الطَّلْقَاتِ لَا يَمْنَعُ بَقَاءَ التَّعْلِيقِ فِي الثَّلَاثِ ، فَكَذَلِكَ فِي وُقُوعِ الْكُلِّ ، وَحُجَّتُنَا مَا عَلَّلَ بِهِ فِي الْكِتَابِ فَقَالَ : مِنْ قِبَلِ أَنَّهُ لَمَّا طَلَّقَهَا ثَلَاثًا ، فَقَدْ ذَهَبَ تَطْلِيقَاتُ ذَلِكَ الْمِلْكِ كُلِّهِ ، وَمَعْنَى هَذَا أَنَّ انْعِقَادَ هَذِهِ الْيَمِينِ بِاعْتِبَارِ التَّطْلِيقَاتِ الْمَمْلُوكَةِ فَإِنَّ الْيَمِينَ بِالطَّلَاقِ لَا يَنْعَقِدُ إلَّا فِي الْمِلْكِ ، أَوْ مُضَافًا إلَى الْمِلْكِ وَلَمْ تُوجَدْ الْإِضَافَةُ هُنَا ، فَكَانَ انْعِقَادُهَا بِاعْتِبَارِ التَّطْلِيقَاتِ الْمَمْلُوكَةِ ، وَهِيَ مَحْصُورَةٌ بِالثَّلَاثِ ، وَقَدْ أَوْقَعَ ذَلِكَ كُلَّهُ ؛ وَالْكُلُّ مِنْ كُلِّ

شَيْءٍ لَا يُتَصَوَّرُ تَعَدُّدُهُ ، فَعَرَفْنَا أَنَّهُ لَمْ يَبْقَ شَيْءٌ مِنْ الْجَزَاءِ الْمُعَلَّقِ بِالشَّرْطِ طَلَاقًا كَانَ ، أَوْ غَيْرَهُ .
وَكَمَا لَا يَنْعَقِدُ الْيَمِينُ بِدُونِ الْجَزَاءِ ، لَا يَبْقَى بِدُونِ الْجَزَاءِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ قَالَ لَهَا : أَنْتِ طَالِقٌ كُلَّ يَوْمٍ ثَلَاثًا فَوَقَعَ عَلَيْهَا ثَلَاثُ تَطْلِيقَاتٍ ثُمَّ تَزَوَّجَهَا بَعْدَ زَوْجٍ آخَرَ ، لَمْ يَقَعْ شَيْءٌ وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ لَهَا : أَنْتِ طَالِقٌ تِسْعًا كُلَّ سَنَةٍ ثَلَاثًا ، ثُمَّ تَزَوَّجَهَا بَعْدَ زَوْجٍ ، لَمْ يَقَعْ فِي السَّنَةِ الثَّانِيَةِ شَيْءٌ .
وَلَكِنَّ زُفَرَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى يُخَالِفُ فِي جَمِيعِ هَذَا وَيَقُولُ : مَا يَمْلِكُ عَلَى امْرَأَتِهِ مِنْ التَّطْلِيقَاتِ غَيْرُ مَحْصُورٍ بِعَدَدٍ ، وَإِنَّمَا لَا يَقَعُ إلَّا الثَّلَاثُ ؛ لِأَنَّ الْمَحَلَّ لَا يَسَعُ إلَّا ذَلِكَ حَتَّى أَنَّ بِاعْتِبَارِ تَجَدُّدِ الْعَقْدِ ، يَقَعُ عَلَيْهَا أَكْثَرُ مِنْ ثَلَاثٍ ، وَلَوْ قَالَ لَهَا : أَنْتِ طَالِقٌ أَلْفًا ، يَقَعُ عَلَيْهَا ثَلَاثٌ ، وَلَوْ كَانَ الْمَمْلُوكُ هُوَ الثَّلَاثَ ، لَمْ يَقَعْ شَيْءٌ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى كَمَا لَوْ قَالَ لَهَا : طَلِّقِي نَفْسَكِ وَاحِدَةً فَطَلَّقَتْ نَفْسَهَا ثَلَاثًا ، لَمْ يَقَعْ شَيْءٌ .
وَالْمُعْتَمَدُ أَنْ نَقُولَ بِوُقُوعِ الثَّلَاثِ عَلَيْهَا خَرَجَتْ مِنْ أَنْ تَكُونَ مَحَلًّا لِلطَّلَاقِ ؛ لِأَنَّ الطَّلَاقَ مَشْرُوعٌ ؛ لِرَفْعِ الْحِلِّ ، وَقَدْ ارْتَفَعَ الْحِلُّ بِالتَّطْلِيقَاتِ الثَّلَاثِ ، وَفَوْتُ مَحَلُّ الْجَزَاءِ يُبْطِلُ الْيَمِينَ كَفَوْتِ مَحَلِّ الشَّرْطِ بِأَنْ قَالَ : إنْ دَخَلْتِ هَذِهِ الدَّارَ ثُمَّ جَعَلَ الدَّارَ حَمَّامًا ، أَوْ بُسْتَانًا لَا يَبْقَى الْيَمِينُ فَلِهَذَا مَثَّلَهُ بِخِلَافِ مَا بَعْدَ بَيْعِ الْعَبْدِ ؛ لِأَنَّهُ بِصِفَةِ الرِّقِّ كَانَ مَحَلًّا لِلْعِتْقِ .
وَبِالْبَيْعِ لَمْ تَفُتْ تِلْكَ الصِّفَةُ حَتَّى لَوْ فَاتَ الْعِتْقُ ، لَمْ يَبْقَ الْيَمِينُ وَبِخِلَافِ مَا لَوْ طَلَّقَهَا اثْنَتَيْنِ ؛ لِأَنَّ الْمَحَلَّ بَاقٍ بَعْدَ اثْنَتَيْنِ فَإِنَّ الْمَحَلِّيَّةَ بِاعْتِبَارِ صِفَةِ الْحِلِّ وَهِيَ قَائِمَةٌ بَعْدَ

الثِّنْتَيْنِ ، فَيَبْقَى الْيَمِينُ .
ثُمَّ قَدْ اسْتَفَادَ مِنْ جِنْسِ مَا كَانَ انْعَقَدَتْ عَلَيْهِ الْيَمِينُ فَيَسْرِي إلَيْهِ حُكْمُ الْيَمِينِ كَمَا لَوْ هَلَكَ مَالُ الْمُضَارَبَةِ إلَّا دِرْهَمًا مِنْهُ ، يَبْقَى عَقْدُ الْمُضَارَبَةِ عَلَى الْكُلِّ حَتَّى لَوْ تَصَرَّفَ وَرَبِحَ يَحْصُلُ جَمِيعُ رَأْسِ الْمَالِ بِخِلَافِ مَا لَوْ هَلَكَ الْكُلُّ .
وَهَذَا بِخِلَافِ الْيَمِينِ فِي الظِّهَارِ فَإِنَّ الْمَحَلِّيَّةَ هُنَاكَ لَا تَنْعَدِمُ بِالتَّطْلِيقَاتِ الثَّلَاثِ ؛ لِأَنَّ الْحُرْمَةَ بِالظِّهَارِ غَيْرُ الْحُرْمَةِ بِالطَّلَاقِ فَإِنَّ تِلْكَ حُرْمَةٌ إلَى وُجُودِ التَّكْفِيرِ ، وَهَذِهِ حُرْمَةٌ إلَى وُجُودِ مَا يَرْفَعُهَا ، وَهُوَ الزَّوْجُ إلَّا أَنَّهَا لَوْ دَخَلَتْ الدَّارَ بَعْدَ الطَّلْقَاتِ الثَّلَاثِ إنَّمَا لَا يَصِيرُ مُظَاهِرًا ؛ لِأَنَّهُ لَا حِلَّ بَيْنَهُمَا فِي الْحَالِ ، وَالظِّهَارُ تَشْبِيهُ الْمُحَلَّلَةِ بِالْمُحَرَّمَةِ ، وَذَلِكَ لَا يُوجَدُ إلَّا إذَا دَخَلَتْ الدَّارَ بَعْدَ التَّزَوُّجِ بِهَا .
وَمَا قَالَ أَنَّ الْمَحَلَّ لَا يُعْتَبَرُ فِي الْمُعَلَّقِ بِالشَّرْطِ ضَعِيفٌ ؛ لِأَنَّهُ إيجَابٌ ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ وَاصِلًا إلَى الْمَحَلِّ .
وَلَا يَكُونُ كَلَامُهُ إيجَابًا إلَّا بِاعْتِبَارِ الْمَحَلِّ ، فَلَا بُدَّ لِبَقَائِهِ مُعَلَّقًا بِالشَّرْطِ مِنْ بَقَاءِ الْمَحَلِّ ، وَلَمْ يَبْقَ بَعْدَ التَّطْلِيقَاتِ الثَّلَاثِ ، وَعَلَى هَذَا لَوْ قَالَ : أَنْتِ طَالِقٌ كُلَّمَا حِضْتِ فَبَانَتْ بِثَلَاثٍ ثُمَّ عَادَتْ إلَيْهِ بَعْدَ زَوْجٍ آخَرَ ، لَمْ يَقَعْ عَلَيْهَا ، إنْ حَاضَتْ شَيْءٌ إلَّا عَلَى قَوْلِ زُفَرَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى .
وَكَذَلِكَ إنْ آلَى مِنْهَا فَبَانَتْ بِالْإِيلَاءِ ثُمَّ تَزَوَّجَهَا فَبَانَتْ أَيْضًا حَتَّى بَانَتْ بِثَلَاثٍ ثُمَّ تَزَوَّجَهَا بَعْدَ زَوْجٍ ، لَمْ يَقَعْ عَلَيْهَا بِهَذَا الْإِيلَاءِ طَلَاقٌ إلَّا عَلَى قَوْلِ زُفَرَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى .
وَلَكِنْ إنْ قَرِبَهَا ، كَفَّرَ عَنْ يَمِينِهِ ؛ لِأَنَّ الْيَمِينَ بَاقِيَةٌ فَإِنَّ انْعِقَادَهَا وَبَقَاءَهَا لَا يَخْتَصُّ بِمَحَلِّ الْحِلِّ ، فَإِذَا قَرُبَهَا ، تَحَقَّقَ حِنْثُهُ فِي الْيَمِينِ ، فَتَلْزَمُهُ الْكَفَّارَةُ .

( قَالَ ) : وَإِنْ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ وَاحِدَةً ، أَوْ اثْنَتَيْنِ ثُمَّ تَزَوَّجَهَا بَعْدَ زَوْجٍ قَدْ دَخَلَ بِهَا ، فَهِيَ عِنْدَهُ عَلَى ثَلَاثِ تَطْلِيقَاتٍ مُسْتَقْبَلَاتٍ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى ، وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ عَبَّاسٍ وَابْنِ عُمَرَ وَإِبْرَاهِيمَ ، وَأَصْحَابِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ وَزُفَرَ وَالشَّافِعِيِّ رَحِمَهُمْ اللَّهُ تَعَالَى هِيَ عِنْدَهُ بِمَا بَقِيَ مِنْ طَلَاقِهَا ، وَهُوَ قَوْلُ عُمَرَ وَعَلِيٍّ وَأُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ وَعِمْرَانِ بْنِ الْحُصَيْنِ وَأَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ فَأَخَذَ الشُّبَّانُ مِنْ الْفُقَهَاءِ بِقَوْلِ الْمَشَايِخِ مِنْ الصَّحَابَةِ رِضْوَانُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ وَالْمَشَايِخُ مِنْ الْفُقَهَاءِ بِقَوْلِ الشُّبَّانِ مِنْ الصَّحَابَةِ رِضْوَانُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ .
وَحُجَّةُ مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى فِي ذَلِكَ أَنَّ الزَّوْجَ الثَّانِيَ غَايَةٌ لِلْحُرْمَةِ الْحَاصِلَةِ بِالثَّلَاثِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى { حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ } وَكَلِمَةُ حَتَّى لِلْغَايَةِ حَقِيقَةً ، وَبِالتَّطْلِيقَةِ وَالتَّطْلِيقَتَيْنِ لَمْ يَثْبُتْ شَيْءٌ مِنْ تِلْكَ الْحُرْمَةِ ؛ لِأَنَّهَا مُتَعَلِّقَةٌ بِوُقُوعِ الثَّلَاثِ .
وَبِبَعْضِ أَرْكَانِ الْعِلَّةِ لَا يَثْبُتُ شَيْءٌ مِنْ الْحُكْمِ ، فَلَا يَكُونُ الزَّوْجُ الثَّانِي غَايَةً ؛ لِأَنَّ غَايَةَ الْحُرْمَةِ قَبْلَ وُجُودِهَا لَا يَتَحَقَّقُ كَمَا لَوْ قَالَ : إذَا جَاءَ رَأْسُ الشَّهْرِ ، فَوَاَللَّهِ لَا أُكَلِّمُ فُلَانًا حَتَّى أَسْتَشِيرَ فُلَانًا ثُمَّ اسْتَشَارَهُ قَبْلَ مَجِيءِ رَأْسِ الشَّهْرِ ، لَا يُعْتَبَرُ هَذَا : لِأَنَّ الِاسْتِشَارَةَ غَايَةٌ لِلْحُرْمَةِ الثَّابِتَةِ بِالْيَمِينِ فَلَا تُعْتَبَرُ قَبْلَ الْيَمِينِ ، وَإِذَا لَمْ تُعْتَبَرْ ، كَانَ وُجُودُهَا كَعَدَمِهَا .
وَلَوْ تَزَوَّجَهَا قَبْلَ التَّزَوُّجِ ، أَوْ قَبْلَ إصَابَةِ الزَّوْجِ الثَّانِي ، كَانَتْ عِنْدَهُ بِمَا بَقِيَ مِنْ التَّطْلِيقَاتِ ، فَكَذَلِكَ هُنَا وَأَبُو حَنِيفَةَ وَأَبُو يُوسُفَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى قَالَا : إصَابَةُ الزَّوْجِ الثَّانِي بِنِكَاحٍ

صَحِيحٍ يُلْحِقَ الْمُطَلَّقَةَ بِالْأَجْنَبِيَّةِ فِي الْحُكْمِ الْمُخْتَصِّ بِالطَّلَاقِ كَمَا بَعْدَ التَّطْلِيقَاتِ الثَّلَاثِ ، وَبَيَانُ هَذَا أَنَّ بِالتَّطْلِيقَاتِ الثَّلَاثِ تَصِيرُ مُحَرَّمَةً وَمُطَلَّقَةً ثُمَّ بِإِصَابَةِ الزَّوْجِ الثَّانِي يَرْتَفِعُ الْوَصْفَانِ جَمِيعًا وَتَلْتَحِقُ بِالْأَجْنَبِيَّةِ الَّتِي لَمْ يَتَزَوَّجْهَا قَطُّ ، فَبِالتَّطْلِيقَةِ الْوَاحِدَةِ تَصِيرُ مَوْصُوفَةً بِأَنَّهَا مُطَلَّقَةٌ ، فَيَرْتَفِعُ ذَلِكَ بِإِصَابَةِ الزَّوْجِ الثَّانِي ، ثُمَّ الدَّلِيلُ عَلَى أَنَّ الزَّوْجَ الثَّانِيَ رَافِعٌ لِلْحُرْمَةِ لَا مُنْهٍ أَنَّ الْمَنْهِيَّ يَكُونُ مُتَقَرِّرًا فِي نَفْسِهِ ، وَلَا حُرْمَةَ بَعْدَ إصَابَةِ الزَّوْجِ الثَّانِي فَدَلَّ أَنَّهُ رَافِعٌ لِلْحُرْمَةِ ؛ وَلِأَنَّهُ مُوجِبٌ لِلْحِلِّ ، فَإِنَّ صَاحِبَ الشَّرْعِ سَمَّاهُ مُحَلِّلًا فَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { لَعَنَ اللَّهُ الْمُحَلِّلَ وَالْمُحَلَّلَ لَهُ } وَإِنَّمَا كَانَ مُحَلِّلًا ؛ لِكَوْنِهِ مُوجِبًا لِلْحِلِّ ، وَمِنْ ضَرُورَتِهِ أَنَّهُ يَكُونُ رَافِعًا لِلْحُرْمَةِ ، وَبِهَذَا تَبَيَّنَ أَنَّ جَعْلَهُ غَايَةً مَجَازٌ ، وَهُوَ نَظِيرُ قَوْله تَعَالَى { وَلَا جُنُبًا إلَّا عَابِرِي سَبِيلٍ حَتَّى تَغْتَسِلُوا } ، وَالِاغْتِسَالُ مُوجِبٌ لِلطَّهَارَةِ رَافِعٌ لِلْحَدَثِ لَا أَنْ يَكُونَ غَايَةً لِلْجَنَابَةِ .
وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ أَنَّ أَحْكَامَ الطَّلَاقِ تَثْبُتُ مُتَأَبِّدَةً لَا إلَى غَايَةٍ وَلَكِنْ تَرْتَفِعُ بِوُجُودِ مَا يَرْفَعُهَا كَحُكْمِ زَوَالِ الْمِلْكِ لَا يَثْبُتُ مُؤَقَّتًا وَلَكِنْ يَرْتَفِعُ بِوُجُودِ مَا يَرْفَعُهُ ، وَهُوَ النِّكَاحُ ، وَإِذَا ثَبَتَ أَنَّ الزَّوْجَ الثَّانِيَ مُوجِبٌ لِلْحِلِّ فَإِنَّمَا يُوجِبُ حَلَالًا يَرْتَفِعُ إلَّا بِثَلَاثِ تَطْلِيقَاتٍ ، وَذَلِكَ غَيْرُ مَوْجُودٍ بَعْدَ التَّطْلِيقَةِ وَالتَّطْلِيقَتَيْنِ فَيَثْبُتُ بِهِ ، وَلَمَّا كَانَ رَافِعًا لِلْحُرْمَةِ إذَا اعْتَرَضَ بَعْدَ ثُبُوتِ الْحُرْمَةِ ، فَلَأَنْ يَرْفَعَهَا وَهُوَ بِعَرْضِ الثُّبُوتِ أَوْلَى ، وَلَأَنْ يَمْنَعَ ثُبُوتَهَا إذَا اقْتَرَنَ بِأَرْكَانِهَا أَوْلَى وَمُحَمَّدٌ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى يَقُولُ : ثُبُوتُ الْحُرْمَةِ

بِسَبَبِ إيقَاعِ الطَّلَاقِ ، وَذَلِكَ لَا يَرْتَفِعُ بِالزَّوْجِ الثَّانِي ؛ حَتَّى لَا تَعُودَ مَنْكُوحَةً لَهُ ، وَبَقَاءُ الْحُكْمِ بِبَقَاءِ سَبَبِهِ فَعَرَفْنَا أَنَّهُ لَيْسَ بِرَافِعٍ لِلْحُرْمَةِ وَلَا هُوَ مُوجِبٌ لِلْحِلِّ ؛ لِأَنَّ تَأْثِيرَ النِّكَاحِ الثَّانِي فِي حُرْمَتِهَا عَلَى غَيْرِهِ فَكَيْفَ يَكُونُ مُوجِبًا لِلْحِلِّ لِغَيْرِهِ وَسَمَّاهُ مُحَلِّلًا ؛ لِأَنَّهُ شَرْطٌ لِلْحِلِّ لَا ؛ لِأَنَّهُ مُوجِبٌ لِلْحِلِّ ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ سَمَّاهُ مَلْعُونًا بِاشْتِرَاطِ مَا لَا يَحِلُّ لَهُ شَرْعًا فَعَرَفْنَا أَنَّهُ غَيْرُ مُوجِبٍ لِلْحِلِّ وَلَكِنَّ الْحُرْمَةَ تَحْتَمِلُ التَّوْقِيتَ كَحُرْمَةِ الْمُعْتَدَّةِ ، وَحُرْمَةِ الِاصْطِيَادِ عَلَى الْمُحْرِمِ فَجَعَلْنَا الزَّوْجَ الثَّانِيَ غَايَةً لِلْحُرْمَةِ ؛ عَمَلًا بِحَقِيقَةِ كَلِمَةِ حَتَّى الْمَذْكُورَةِ فِي الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ حَيْثُ قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { : حَتَّى تَذُوقِي مِنْ عُسَيْلَتِهِ } وَمَسْأَلَةٌ يَخْتَلِفُ فِيهَا كِبَارُ الصَّحَابَةِ رِضْوَانُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ أَجْمَعِينَ ؛ لِغَوْرِ فِقْهِهَا يَصْعُبُ الْخُرُوجُ مِنْهَا .

( قَالَ ) : وَلَوْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ : إنْ دَخَلْت الدَّارَ ، فَأَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا ثُمَّ طَلَّقَهَا وَاحِدَةً ، أَوْ اثْنَتَيْنِ ، وَعَادَتْ إلَيْهِ بَعْدَ زَوْجٍ آخَرَ فَدَخَلَتْ الدَّارَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى تَطْلُقُ بِالدُّخُولِ ثَلَاثًا ؛ لِأَنَّهَا عَادَتْ إلَيْهِ بِثَلَاثِ تَطْلِيقَاتٍ ، وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ وَزُفَرَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى يَقَعُ عَلَيْهَا مَا بَقِيَ ؛ لِأَنَّ عِنْدَهُمَا إنَّمَا عَادَتْ إلَيْهِ بِمَا بَقِيَ مِنْ الطَّلْقَاتِ .

( قَالَ ) : وَلَوْ قَالَ لِامْرَأَةٍ : كُلَّمَا تَزَوَّجْتُكِ ، فَأَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا ، فَهُوَ كَمَا قَالَ يَقَعُ عَلَيْهَا ثَلَاثٌ كُلَّمَا تَزَوَّجَ بِهَا ؛ لِأَنَّ كَلِمَةَ كُلَّمَا تَقْتَضِي نُزُولَ الْجَزَاءِ بِتَكْرَارِ الشَّرْطِ .
وَانْعِقَادُ هَذِهِ الْيَمِينِ بِاعْتِبَارِ التَّطْلِيقَاتِ الَّتِي يَمْلِكُهَا عَلَيْهَا بِالتَّزَوُّجِ ، وَتِلْكَ غَيْرُ مَحْصُورَةٍ بِعَدَدٍ فَلِهَذَا بَقِيَتْ الْيَمِينُ بَعْدَ وُقُوعِ ثَلَاثِ تَطْلِيقَاتٍ بِخِلَافِ قَوْلِهِ لِامْرَأَتِهِ : كُلَّمَا دَخَلْت الدَّارَ ، فَأَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا ، فَإِنَّ انْعِقَادَ تِلْكَ الْيَمِينِ بِاعْتِبَارِ التَّطْلِيقَاتِ الْمَمْلُوكَةِ عَلَيْهَا ؛ لِأَنَّهُ لَمْ تُوجَدْ الْإِضَافَةُ إلَى الْمِلْكِ فَلَا تَبْقَى بَعْدَ وُقُوعِ التَّطْلِيقَاتِ الْمَمْلُوكَةِ عَلَيْهَا .
وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ تَنْبَنِي عَلَى أَصْلِنَا أَنَّ مَا يَحْتَمِلُ التَّعْلِيقَ بِالشَّرْطِ كَالطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ وَالظِّهَارِ يَجُوزُ إضَافَتُهُ إلَى الْمِلْكِ عَمَّ أَوْ خَصَّ ، وَهُوَ قَوْلُ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ رُوِيَ عَنْهُ ذَلِكَ فِي الظِّهَارِ ، وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى لَا يَصِحُّ ذَلِكَ ، وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا فَإِنَّهُ سُئِلَ عَمَّنْ يَقُولُ لِامْرَأَةٍ إنْ تَزَوَّجْتُكِ ، فَأَنْتِ طَالِقٌ ، فَتَلَا عَلَيْهِ قَوْله تَعَالَى { إذَا نَكَحْتُمْ الْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ } ، وَقَالَ شَرَعَ اللَّهُ تَعَالَى الطَّلَاقَ بَعْدَ النِّكَاحِ فَلَا طَلَاقَ قَبْلَهُ ، وَعَلَى قَوْلِ ابْنِ أَبِي لَيْلَى رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى إنْ خَصَّ امْرَأَةً وَقَبِيلَةً ، انْعَقَدَتْ الْيَمِينُ .
وَإِنْ عَمَّ فَقَالَ كُلُّ امْرَأَةٍ لَا تَنْعَقِدُ ، وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ؛ لِمَا فِيهِ مِنْ سَدِّ بَابِ نِعْمَةِ النِّكَاحِ عَلَى نَفْسِهِ فَالشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى اسْتَدَلَّ بِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { لَا طَلَاقَ قَبْلَ النِّكَاحِ .
} وَرُوِيَ { أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا خَطَبَ امْرَأَةً ، فَأَبَى أَوْلِيَاؤُهَا أَنْ يُزَوِّجُوهَا مِنْهُ ،

فَقَالَ إنْ نَكَحْتُهَا فَهِيَ طَالِقٌ ثَلَاثًا فَسُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ ذَلِكَ فَقَالَ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَسَلَامُهُ : لَا طَلَاقَ قَبْلَ النِّكَاحِ } ، وَالْمَعْنَى فِيهِ أَنَّهُ غَيْرُ مَالِكٍ لِتَنْجِيزِ الطَّلَاقِ فَلَا يَمْلِكُ تَعْلِيقَهُ بِالشَّرْطِ كَمَا لَوْ قَالَ لَهَا : إنْ دَخَلْتِ الدَّارَ فَأَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا ثُمَّ تَزَوَّجَهَا فَدَخَلَتْ لَمْ تَطْلُقْ ، وَهَذَا ؛ لِأَنَّ تَأْثِيرَ الشَّرْطِ فِي تَأْخِيرِ الْوُقُوعِ إلَى وُجُودِهِ ، وَمُنِعَ مَا لَوْلَاهُ لَكَانَ طَلَاقًا ، وَهَذَا الْكَلَامُ لَوْلَا الشَّرْطُ لَكَانَ لَغْوًا لَا طَلَاقًا ؛ وَلِأَنَّ الطَّلَاقَ يَسْتَدْعِي أَهْلِيَّةً فِي الْمُوقِعِ وَمِلْكًا فِي الْمَحَلِّ ثُمَّ قَبْلَ الْأَهْلِيَّةِ لَا يَصِحُّ التَّعْلِيقُ مُضَافًا إلَى حَالَةِ الْأَهْلِيَّةِ كَالصَّبِيِّ يَقُولُ لِامْرَأَتِهِ : إذَا بَلَغْتُ فَأَنْتِ طَالِقٌ ، فَكَذَلِكَ قَبْلَ مِلْكِ الْمَحَلِّ لَا يَصِحُّ مُضَافًا .
وَبِهَذَا تَبَيَّنَ أَنَّهُ تَصَرُّفٌ يَخْتَصُّ بِالْمِلْكِ فَإِيجَابُهُ قَبْلَ الْمِلْكِ يَكُونُ لَغْوًا كَمَا لَوْ بَاعَ الطَّيْرَ فِي الْهَوَاءِ ثُمَّ أَخَذَهُ قَبْلَ قَبُولِ الْمُشْتَرِي .
وَحُجَّتُنَا فِي ذَلِكَ أَنَّ التَّعْلِيقَ بِالشَّرْطِ يَمِينٌ فَلَا تَتَوَقَّفُ صِحَّتُهُ عَلَى مِلْكِ الْمَحَلِّ كَالْيَمِينِ بِاَللَّهِ تَعَالَى وَهَذَا ؛ لِأَنَّ الْيَمِينَ تَصَرُّفٌ مِنْ الْحَالِفِ فِي ذِمَّةِ نَفْسِهِ ؛ لِأَنَّهُ يُوجِبُ عَلَى نَفْسِهِ الْبِرَّ ، وَالْمَحْلُوفُ بِهِ لَيْسَ بِطَلَاقٍ ؛ لِأَنَّهُ لَا يَكُونُ طَلَاقًا إلَّا بِالْوُصُولِ إلَى الْمَرْأَةِ ، وَمَا دَامَتْ يَمِينًا لَا يَكُونُ وَاصِلًا إلَيْهَا ، وَإِنَّمَا الْوُصُولُ بَعْدَ ارْتِفَاعِ الْيَمِينِ بِوُجُودِ الشَّرْطِ فَعَرَفْنَا أَنَّ الْمَحْلُوفَ بِهِ لَيْسَ بِطَلَاقٍ ، وَقِيَامَ الْمِلْكِ فِي الْمَحَلِّ لِأَجْلِ الطَّلَاقِ .
وَلَكِنَّ الْمَحْلُوفَ بِهِ مَا سَيَصِيرُ طَلَاقًا عِنْدَ وُجُودِ الشَّرْطِ بِوُصُولِهِ إلَيْهَا ، وَنَظِيرُهُ مِنْ الْمَسَائِلِ الرَّمْيُ عَيْنُهُ لَيْسَ بِقَتْلٍ ، وَالتُّرْسُ لَا يَكُونُ مَانِعًا عَمَّا هُوَ قَتْلٌ وَلَا مُؤَخِّرًا لَهُ ، بَلْ يَكُونُ مَانِعًا عَمَّا

سَيَصِيرُ قَتْلًا ، إذَا وَصَلَ إلَى الْمَحَلِّ .
وَلَمَّا كَانَ التَّعْلِيقُ مَانِعًا مِنْ الْوُصُولِ إلَى الْمَحَلِّ ، وَالتَّصَرُّفُ لَا يَكُونُ إلَّا بِرُكْنِهِ وَمَحَلِّهِ فَكَمَا أَنَّهُ بِدُونِ رُكْنِهِ لَا يَكُونُ طَلَاقًا ، فَكَذَلِكَ بِدُونِ مَحَلِّهِ لَا يَكُونُ طَلَاقًا ، وَبِهِ فَارَقَ مَا لَوْ قَالَ لِأَجْنَبِيَّةٍ : إنْ دَخَلْتِ الدَّارَ ، فَأَنْتِ طَالِقٌ فَإِنَّ الْمَحْلُوفَ بِهِ هُنَاكَ غَيْرُ مَوْجُودٍ ، وَهُوَ مَا يَصِيرُ طَلَاقًا عِنْدَ وُجُودِ الشَّرْطِ ؛ لِأَنَّ دُخُولَ الدَّارِ لَيْسَ بِسَبَبٍ لِمِلْكِ الطَّلَاقِ ، وَلَا هُوَ مَالِكٌ لِطَلَاقِهَا فِي الْحَالِ حَتَّى يُسْتَدَلَّ بِهِ عَلَى بَقَاءِ الْمِلْكِ عِنْدَ وُجُودِ الشَّرْطِ .
أَمَّا هُنَا نَتَيَقَّنُ بِوُجُودِ الْمَحْلُوفِ بِهِ مَوْجُودًا بِطَرِيقِ الظَّاهِرِ بِأَنْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ إنْ دَخَلْتِ الدَّارَ فَأَنْتِ طَالِقٌ انْعَقَدَتْ الْيَمِينُ ، وَإِنْ كَانَ مِنْ الْجَائِزِ أَنْ يَكُونَ دُخُولُهَا بَعْدَ زَوَالِ الْمِلْكِ ، فَإِذَا كَانَ الْمَحْلُوفُ بِهِ مُتَيَقَّنَ الْوُجُودِ عِنْدَ وُجُودِ الشَّرْطِ ، أَوْلَى أَنْ يَنْعَقِدَ الْيَمِينُ ، وَبِأَنْ كَانَ لَا يَمْلِكُ التَّنْجِيزَ لَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَا يَمْلِكُ التَّعْلِيقَ كَمَنْ يَقُولُ لِجَارِيَتِهِ : إذَا وَلَدْت وَلَدًا فَهُوَ حُرٌّ ، صَحَّ ، وَإِنْ كَانَ لَا يَمْلِكُ تَنْجِيزَ الْعِتْقِ فِي الْوَلَدِ الْمَعْدُومِ .
وَإِذَا قَالَ لِامْرَأَتِهِ الْحَائِضِ : إذَا طَهُرْتِ ، فَأَنْتِ طَالِقٌ ، كَانَ هَذَا طَلَاقًا لِلسُّنَّةِ ، وَإِنْ كَانَ لَا يَمْلِكُ تَنْجِيزَهُ فِي الْحَالِ وَهَذَا بِخِلَافِ التَّصَرُّفِ ؛ لِأَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْهُ فِي تَصَرُّفِ الْيَمِينِ كَمَا لَا بُدَّ مِنْهُ فِي تَصَرُّفِ الطَّلَاقِ فَأَمَّا فِي الْمَحَلِّ مُعْتَبَرٌ بِالطَّلَاقِ دُونَ الْيَمِينِ وَهَذَا بِخِلَافِ الْبَيْعِ فَإِنَّ الْإِيجَابَ أَحَدُ شَطْرَيْ الْبَيْعِ ، وَتَصَرُّفُ الْبَيْعِ قَبْلَ الْمِلْكِ لَغْوٌ .
فَأَمَّا الْإِيجَابُ هُنَا تَصَرُّفٌ آخَرُ سِوَى الطَّلَاقِ وَهِيَ الْيَمِينُ ، وَتَأْوِيلُ الْحَدِيثِ مَا رُوِيَ عَنْ مَكْحُولٍ وَالزُّهْرِيِّ وَسَالِمٍ وَالشَّعْبِيِّ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ أَنَّهُمْ قَالُوا : { كَانُوا

يُطَلِّقُونَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ قَبْلَ التَّزَوُّجِ ؛ تَنْجِيزًا ، وَيَعُدُّونَ ذَلِكَ طَلَاقًا فَنَفَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ : لَا طَلَاقَ قَبْلَ النِّكَاحِ } .
وَحَدِيثُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ عَنْهُ غَيْرُ مَشْهُورٍ ، وَإِنْ ثَبَتَ فَمَعْنَى قَوْلِهِ إنْ نَكَحْتُهَا أَيْ وَطِئْتُهَا ؛ لِأَنَّ النِّكَاحَ حَقِيقَةً لِلْوَطْءِ ، وَبِهَذَا لَا يَحْصُلُ إضَافَةُ الطَّلَاقِ إلَى الْمِلْكِ عِنْدَنَا .
إذَا عَرَفْنَا هَذَا ، فَنَقُولُ إذَا قَالَ لِامْرَأَتِهِ : إذَا تَزَوَّجْتُك أَوْ إذَا مَا تَزَوَّجْتُك أَوْ إنْ تَزَوَّجْتُك أَوْ مَتَى مَا تَزَوَّجْتُك فَهَذَا كُلُّهُ لِلْمَرَّةِ الْوَاحِدَةِ ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي لَفْظِهِ مَا يَدُلُّ عَلَى التَّكْرَارِ فَإِنَّ كَلِمَةَ إنْ لِلشَّرْطِ ، وَإِذَا ، وَمَتَى لِلْوَقْتِ بِخِلَافِ مَا لَوْ قَالَ : كُلَّمَا تَزَوَّجْتُك ؛ لِأَنَّ كَلِمَةَ كُلَّمَا تَقْتَضِي التَّكْرَارَ فَلَا يَرْتَفِعُ الْيَمِينُ بِالتَّزَوُّجِ مَرَّةً وَلَكِنْ كُلَّمَا تَزَوَّجَهَا ، يَصِيرُ عِنْدَ التَّزْوِيجِ كَالْمُنْجِزِ لِلطَّلَاقِ ، وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ : كُلَّمَا دَخَلْت الدَّارَ فَهَذَا عَلَى كُلِّ مَرَّةٍ حَتَّى تَطْلُقَ ثَلَاثًا بِخِلَافِ إنْ وَإِذَا وَمَتَى فَإِنَّ ذَلِكَ عَلَى الْمَرَّةِ الْوَاحِدَةِ .

( قَالَ ) : وَلَوْ قَالَ لِامْرَأَةٍ لَا يَمْلِكُهَا : أَنْتِ طَالِقٌ يَوْمَ أُكَلِّمُكِ ، أَوْ يَوْمَ تَدْخُلِينَ الدَّارَ ، أَوْ يَوْمَ أَطَؤُكِ فَهَذَا بَاطِلٌ بِخِلَافِ مَا لَوْ قَالَ : يَوْمَ أَتَزَوَّجُكِ فَإِنَّهُ بِهَذَا اللَّفْظِ يَصِيرُ مُضِيفًا الطَّلَاقَ إلَى التَّزَوُّجِ ، وَهُوَ سَبَبٌ لِمِلْكِ الطَّلَاقِ فَيَصِيرُ الْمَحْلُوفُ بِهِ مَوْجُودًا بِخِلَافِ مَا سَبَقَ فَإِنَّ دُخُولَ الدَّارِ لَيْسَ بِسَبَبٍ لِمِلْكِ الطَّلَاقِ .
فَإِنْ تَزَوَّجَ بِهَا ثُمَّ فَعَلَ ذَلِكَ ، لَمْ يَقَعْ عَلَيْهَا شَيْءٌ عِنْدَنَا وَقَالَ ابْنُ أَبِي لَيْلَى : يَقَعُ ؛ لِأَنَّ الْمُعْتَبَرَ لِوُقُوعِ الطَّلَاقِ وَقْتُ وُجُودِ الشَّرْطِ فَإِنْ طَلَّقَهَا حِينَئِذٍ ، يَصِلُ إلَى الْمَحَلِّ ، وَالْمِلْكُ مَوْجُودٌ عِنْدَ وُجُودِ الشَّرْطِ فَيَقَعُ الطَّلَاقُ وَلَكِنَّا نَقُولُ هَذَا بَعْدَ انْعِقَادِ الْيَمِينِ وَلَا يَنْعَقِدُ الْيَمِينُ بِدُونِ الْمَحْلُوفِ بِهِ ، فَإِذَا لَمْ يَكُنْ هُوَ مَالِكًا لِلطَّلَاقِ فِي الْحَالِ وَلَا فِي الْوَقْتِ الْمُضَافِ إلَيْهِ ، لَا يَنْعَقِدُ الْيَمِينُ فَبِدُونِ ذَلِكَ ، وَإِنْ صَارَ مَالِكًا لِلطَّلَاقِ فِي الْوَقْتِ الْمُضَافِ إلَيْهِ ، لَا يَقَعُ شَيْءٌ ؛ لِأَنَّ الْيَمِينَ مَا كَانَتْ مُنْعَقِدَةً ، وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ لَهَا : أَنْتِ طَالِقٌ غَدًا ثُمَّ تَزَوَّجَهَا الْيَوْمَ ، لَمْ يَقَعْ عَلَيْهَا شَيْءٌ إذَا جَاءَ غَدٌ .
وَإِذَا قَالَ لِامْرَأَتِهِ وَقَدْ دَخَلَ بِهَا : أَنْتِ طَالِقٌ أَنْتِ طَالِقٌ ، وَقَالَ : عَنَيْت الْأُولَى ، صَدَقَ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى ، وَأَمَّا فِي الْقَضَاءِ فَهُمَا تَطْلِيقَتَانِ ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْ الْكَلَامَيْنِ إيقَاعٌ مِنْ حَيْثُ الظَّاهِرُ ، فَإِنَّ صِيغَةَ الْكَلَامِ الثَّانِي كَصِيغَةِ الْكَلَامِ الْأَوَّلِ ، وَالْقَاضِي مَأْمُورٌ بِاتِّبَاعِ الظَّاهِرِ ، وَمَا قَالَهُ مِنْ قَصْدِ تَكْرَارِ الْكَلَامِ الْأَوَّلِ مُحْتَمَلٌ ؛ لِأَنَّ الْكَلَامَ الْوَاحِدَ يُكَرَّرُ لِلتَّأْكِيدِ وَاَللَّهُ تَعَالَى مُطَّلِعٌ عَلَى ضَمِيرِهِ ، وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ طَلَّقْتُك قَدْ طَلَّقْتُك ، أَوْ أَنْتِ طَالِقٌ قَدْ طَلَّقْتُك ، أَوْ أَنْتِ طَالِقٌ أَنْتِ طَالِقٌ ، أَوْ طَالِقٌ ،

وَأَنْتِ طَالِقٌ فَأَمَّا إذَا قَالَ لَهَا : أَنْتِ طَالِقٌ فَقَالَ لَهُ إنْسَانٌ : مَاذَا قُلْتَ فَقَالَ : قَدْ طَلَّقْتُهَا ، أَوْ قَالَ : قُلْتُ هِيَ طَالِقٌ فَهِيَ طَالِقٌ وَاحِدَةٌ ؛ لِأَنَّ كَلَامَهُ الثَّانِيَ جَوَابٌ لِسُؤَالِ السَّائِلِ ، وَالسَّائِلُ إنَّمَا يَسْأَلُهُ عَنْ الْكَلَامِ الْأَوَّلِ لَا عَنْ إيقَاعٍ آخَرَ فَيَكُونُ جَوَابُهُ بَيَانًا لِذَلِكَ الْكَلَامِ .

( قَالَ ) : وَإِذَا قَالَ لَهَا : إذَا طَلَّقْتُكِ ، فَأَنْتِ طَالِقٌ ثُمَّ طَلَّقَهَا وَاحِدَةً وَقَدْ دَخَلَ بِهَا ؛ فَهِيَ طَالِقٌ اثْنَتَيْنِ فِي الْقَضَاءِ إحْدَاهُمَا بِالْإِيقَاعِ وَالْأُخْرَى بِوُجُودِ الشَّرْطِ ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ إذَا طَلَّقْتُك شَرْطٌ ، وَقَوْلَهُ فَأَنْتِ طَالِقٌ جَزَاءٌ لَهُ ، وَأَمَّا فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى ، فَإِنْ كَانَ نَوَى بِقَوْلِهِ إذَا طَلَّقْتُك فَأَنْتِ طَالِقٌ تِلْكَ التَّطْلِيقَةَ ، فَهِيَ وَاحِدَةٌ ؛ لِأَنَّ مَا نَوَاهُ مُحْتَمَلٌ عَلَى أَنْ يَكُونَ قَوْلُهُ فَأَنْتِ طَالِقٌ بَيَانًا لِحُكْمِ الْإِيقَاعِ لَا جَزَاءً لِشَرْطِهِ ، وَاَللَّهُ تَعَالَى مُطَّلِعٌ عَلَى ضَمِيرِهِ ، وَكَذَلِكَ إذَا قَالَ : مَتَى مَا طَلَّقْتُك ، أَوْ إنْ طَلَّقْتُك ، فَأَنْتِ طَالِقٌ وَلَوْ قَالَ : كُلَّمَا وَقَعَ عَلَيْكِ طَلَاقِي ، فَأَنْتِ طَالِقٌ ثُمَّ طَلَّقَهَا وَاحِدَةً ، تَطْلُقُ ثَلَاثًا ؛ لِأَنَّ بِوُقُوعِ الْوَاحِدَةِ ، يُوجَدُ الشَّرْطُ فَوَقَعَ عَلَيْهَا تَطْلِيقَةُ الْيَمِينِ ثُمَّ بِوُقُوعِ هَذِهِ التَّطْلِيقَةِ ، وُجِدَ الشَّرْطُ مَرَّةً أُخْرَى ، وَالْيَمِينُ مَعْقُودَةٌ بِكَلِمَةِ كُلَّمَا فَتَقَعُ عَلَيْهَا الثَّالِثَةُ ، وَهَذَا بِخِلَافِ مَا لَوْ قَالَ : كُلَّمَا طَلَّقْتُك ، فَأَنْتِ طَالِقٌ ثُمَّ طَلَّقَهَا وَاحِدَةً تَقَعُ عَلَيْهَا أُخْرَى فَقَطْ ؛ لِأَنَّ وُقُوعَ الثَّانِيَةِ عَلَيْهَا لَيْسَ بِإِيقَاعٍ مُسْتَقْبَلٍ مِنْهُ بَعْدَ يَمِينِهِ فَلَا يَصْلُحُ شَرْطًا لِلْحِنْثِ ؛ فَلِهَذَا لَا يَقَعُ عَلَيْهَا إلَّا وَاحِدَةٌ ، فَأَمَّا فِي الْأَوَّلِ الشَّرْطُ الْوُقُوعُ لَا الْإِيقَاعُ ، وَالْوُقُوعُ يَحْصُلُ بِالثَّانِيَةِ بَعْدَ الْيَمِينِ ، وَعَلَى هَذَا لَوْ قَالَ : كُلَّمَا قُلْت أَنْتِ طَالِقٌ فَأَنْتِ طَالِقٌ ، أَوْ كُلَّمَا تَكَلَّمْت بِطَلَاقٍ يَقَعُ عَلَيْك ، فَأَنْتِ طَالِقٌ وَطَلَّقَهَا وَاحِدَةً فَهِيَ طَالِقٌ أُخْرَى بِالْيَمِينِ ، وَلَا يَقَعُ بِالثَّانِيَةِ طَلَاقٌ ؛ لِمَا بَيَّنَّا أَنَّ مَا جَعَلَهُ شَرْطًا لَا يَصِيرُ مَوْجُودًا بَعْدَ الْيَمِينِ بِمَا وَقَعَ بِالْيَمِينِ ، وَالْأَصْلُ فِيمَا نَذْكُرُهُ بَعْدَ هَذَا أَنَّ الْيَمِينَ إنَّمَا يُعْرَفُ بِالْجَزَاءِ حَتَّى لَوْ قَالَ : إنْ

دَخَلْت الدَّارَ ، فَأَنْتِ طَالِقٌ كَانَ - يَمِينًا بِالطَّلَاقِ وَلَوْ قَالَ : فَعَبْدِي حُرٌّ كَانَ يَمِينًا بِالْعِتْقِ .
وَالشَّرْطُ وَاحِدٌ وَهُوَ دُخُولُ الدَّارِ ثُمَّ اخْتَلَفَتْ الْيَمِينُ بِاخْتِلَافِ الْجَزَاءِ وَأَصْلٌ آخَرُ أَنَّ الشَّرْطَ يُعْتَبَرُ وُجُودُهُ بَعْدَ الْيَمِينِ ، وَأَمَّا مَا سَبَقَ الْيَمِينَ لَا يَكُونُ شَرْطًا ؛ لِأَنَّهُ يَقْصِدُ بِالْيَمِينِ مَنْعَ نَفْسِهِ عَنْ إيجَادِ الشَّرْطِ ، وَإِنَّمَا يُمْكِنُهُ أَنْ يَمْنَعَ نَفْسَهُ عَنْ شَيْءٍ فِي الْمُسْتَقْبَلِ لَا فِيمَا مَضَى فَعَرَفْنَا أَنَّ الْمَاضِيَ لَمْ يَكُنْ مَقْصُودًا لَهُ ، وَالْيَمِينُ يَتَقَيَّدُ بِمَقْصُودِ الْحَالِفِ .
إذَا عَرَفْنَا هَذَا ، فَنَقُولُ : رَجُلٌ لَهُ امْرَأَتَانِ عَمْرَةُ وَزَيْنَبُ فَقَالَ لِزَيْنَبِ : أَنْتِ طَالِقٌ ، إذَا طَلَّقْت عَمْرَةَ ، أَوْ كُلَّمَا طَلَّقْت عَمْرَةَ ثُمَّ قَالَ لِعَمْرَةَ : أَنْتِ طَالِقٌ ، إذَا طَلَّقْت زَيْنَبَ ثُمَّ قَالَ لِزَيْنَبِ : أَنْتِ طَالِقٌ فَإِنَّهُ يَقَعُ عَلَى زَيْنَبَ بِالْإِيقَاعِ تَطْلِيقَةٌ ، وَيَقَعُ عَلَى عَمْرَةَ أَيْضًا تَطْلِيقَةٌ ؛ لِأَنَّ كَلَامَهُ الْأَوَّلَ كَانَ يَمِينًا بِطَلَاقِ زَيْنَبَ ، وَكَلَامَهُ الثَّانِيَ كَانَ يَمِينًا بِطَلَاقِ عَمْرَةَ فَإِنَّ الْجَزَاءَ فِيهِ طَلَاقُ عَمْرَةَ ، وَالشَّرْطُ طَلَاقُ زَيْنَبَ وَقَدْ وُجِدَ الشَّرْطُ بِإِيقَاعِهِ عَلَى زَيْنَبَ فَلِهَذَا يَقَعُ عَلَى عَمْرَةَ تَطْلِيقَةٌ بِالْيَمِينِ وَيَعُودُ إلَى زَيْنَبَ ؛ لِأَنَّ عَمْرَةَ طَلُقَتْ بِيَمِينٍ بَعْدَ يَمِينِهِ بِطَلَاقِ زَيْنَبَ فَيَكُونُ وُقُوعُ الطَّلَاقِ عَلَيْهَا شَرْطًا لِلْحِنْثِ فِي الْيَمِينِ بِطَلَاقِ زَيْنَبَ فَلِهَذَا يَقَعُ عَلَيْهَا تَطْلِيقَةٌ أُخْرَى ؛ هَكَذَا فِي نُسَخِ أَبِي سُلَيْمَانَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ ، وَهُوَ الصَّحِيحُ .
وَفِي نُسَخِ أَبِي حَفْصٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ قَالَ : وَلَا يَعُودُ عَلَى زَيْنَبَ وَهُوَ غَلَطٌ ثُمَّ قَالَ : وَلَوْ لَمْ يُطَلِّقْ زَيْنَبَ وَلَكِنَّهُ طَلَّقَ عَمْرَةَ وَقَعَتْ عَلَيْهَا تَطْلِيقَةٌ بِالْإِيقَاعِ ، وَعَلَى زَيْنَبَ تَطْلِيقَةٌ بِالْيَمِينِ ثُمَّ وَقَعَتْ أُخْرَى عَلَى عَمْرَةَ بِالْيَمِينِ ؛ هَكَذَا ذُكِرَ فِي نُسَخِ أَبِي

حَفْصٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ ، وَهُوَ غَلَطٌ ، وَالصَّحِيحُ مَا ذَكَرَهُ فِي نُسَخِ أَبِي سُلَيْمَانَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ أَنَّهُ لَا يَقَعُ عَلَى عَمْرَةَ بِالْيَمِينِ ؛ لِأَنَّ زَيْنَبَ إنَّمَا طَلُقَتْ بِالْيَمِينِ السَّابِقَةِ عَلَى الْيَمِينِ بِطَلَاقِ عَمْرَةَ فَلَا يَكُونُ ذَلِكَ شَرْطًا لِلْحِنْثِ فِي الْيَمِينِ بِطَلَاقِ عَمْرَةَ .
قَالَ : أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ قَالَ لِزَيْنَبِ : إذَا طَلَّقْتُ عَمْرَةَ ، فَأَنْتِ طَالِقٌ ثُمَّ قَالَ لِعَمْرَةَ : إنْ دَخَلْتِ الدَّارَ ، فَأَنْتِ طَالِقٌ فَدَخَلَتْ عَمْرَةُ الدَّارَ ؛ تَطْلُقُ بِالدُّخُولِ ، وَتَطْلُقُ زَيْنَبُ أَيْضًا ؛ لِأَنَّ عَمْرَةَ إنَّمَا طَلُقَتْ بِكَلَامٍ بَعْدَ الْيَمِينِ بِطَلَاقِ زَيْنَبَ ، وَلَوْ كَانَ قَالَ لِعَمْرَةَ أَوَّلًا : إنْ دَخَلْت الدَّارَ ، فَأَنْتِ طَالِقٌ ثُمَّ قَالَ لِزَيْنَبِ : إنْ طَلَّقْتُ عَمْرَةَ ، فَأَنْتِ طَالِقٌ ثُمَّ دَخَلَتْ عَمْرَةُ الدَّارَ ؛ طَلُقَتْ ، وَلَمْ يَقَعْ الطَّلَاقُ عَلَى زَيْنَبَ ؛ لِأَنَّ عَمْرَةَ إنَّمَا طَلُقَتْ بِيَمِينِ قَبْلَ الْيَمِينِ بِطَلَاقِ زَيْنَبَ فَلَا يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ شَرْطًا لِلْحِنْثِ فِي الْيَمِينِ بِطَلَاقِ زَيْنَبَ .
وَبِهَذَا الِاسْتِشْهَادِ يَتَبَيَّنُ أَنَّ الصَّوَابَ مَا ذَكَرَهُ فِي نُسَخِ أَبِي سُلَيْمَانَ ، وَأَنَّ جَوَابَهُ فِي نُسَخِ أَبِي حَفْصٍ وَقَعَ عَلَى الْقَلْبِ .
( قَالَ ) : وَإِذَا حَلَفَ بِطَلَاقِ عَمْرَةَ ، لَا يَحْلِفُ بِطَلَاقِ زَيْنَبَ ثُمَّ حَلَفَ بِطَلَاقِ زَيْنَبَ ، لَا يَحْلِفُ بِطَلَاقِ عَمْرَةَ ، كَانَتْ عَمْرَةُ طَالِقًا ؛ لِأَنَّهُ بِالْكَلَامِ الْأَوَّلِ حَلَفَ بِطَلَاقِ عَمْرَةَ ، وَشَرْطُ حِنْثِهِ الْحَلِفُ بِطَلَاقِ زَيْنَبَ وَبِالْكَلَامِ الثَّانِي صَارَ حَالِفًا بِطَلَاقِ زَيْنَبَ ؛ لِأَنَّ الْجَزَاءَ فِيهِ طَلَاقُ زَيْنَبَ فَوُجِدَ فِيهِ شَرْطُ الْحِنْثِ فِي الْيَمِينِ الْأُولَى .
أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ قَالَ لِزَيْنَبِ بَعْدَ الْكَلَامِ الْأَوَّلِ : إنْ دَخَلْتِ الدَّارَ ، فَأَنْتِ طَالِقٌ ، كَانَتْ عَمْرَةُ طَالِقًا ؛ لِأَنَّهُ قَدْ حَلَفَ بِطَلَاقِ زَيْنَبَ فَإِنَّ الشَّرْطَ وَالْجَزَاءَ يَمِينٌ عِنْدَ أَهْلِ الْفِقْهِ وَقَدْ وُجِدَ فَصَارَ بِهِ حَانِثًا

فِي الْيَمِينِ الْأُولَى .
( قَالَ ) : وَلَوْ قَالَ لِزَيْنَبِ : أَنْتِ طَالِقٌ إنْ شِئْتِ لَمْ تَطْلُقْ عَمْرَةُ ؛ لِأَنَّ هَذَا لَيْسَ بِيَمِينٍ بَلْ هُوَ تَفْوِيضُ الْمَشِيئَةِ إلَيْهَا بِمَنْزِلَةِ قَوْلِهِ : اخْتَارِي ، أَوْ أَمْرُكِ بِيَدِك وَذَلِكَ لَا يَكُونُ حَلِفًا بِالطَّلَاقِ أَلَا تَرَى أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { خَيَّرَ نِسَاءَهُ مَعَ نَهْيِهِ عَنْ الْحَلِفِ بِالطَّلَاقِ } .
وَالدَّلِيلُ عَلَى أَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ التَّخْيِيرِ أَنَّهُ يَبْطُلُ بِقِيَامِهَا عَنْ الْمَجْلِسِ قَبْلَ الْمَشِيئَةِ ، وَالشَّرْطُ الْمُطْلَقُ لَا يَتَوَقَّتُ بِالْمَجْلِسِ ، وَحَقِيقَةُ الْمَعْنَى فِيهِ أَنَّ الشَّرْطَ مَنْفِيٌّ فَإِنَّ الْحَالِفَ يَقْصِدُ مَنْعَ الشَّرْطِ بِيَمِينِهِ وَفِي قَوْلِهِ : أَنْتِ طَالِقٌ إنْ شِئْتِ لَا يَقْصِدُ مَنْعَهَا عَنْ الْمَشِيئَةِ فَعَرَفْنَا أَنَّهُ لَيْسَ بِيَمِينٍ ، وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ لِزَيْنَبِ : أَنْتِ طَالِقٌ إذَا حِضْت حَيْضَةً فَلِهَذَا لَيْسَ بِيَمِينٍ عِنْدَنَا وَلَا يَحْنَثُ بِهِ فِي الْيَمِينِ بِطَلَاقِ عَمْرَةَ ؛ لِأَنَّ هَذَا تَفْسِيرٌ لِطَلَاقِ السُّنَّةِ فَإِنَّ بِهَذَا اللَّفْظِ لَا يَقَعُ الطَّلَاقُ عَلَيْهَا مَا لَمْ تَطْهُرْ ؛ لِأَنَّ الْحَيْضَةَ اسْمٌ لِلْحَيْضَةِ الْكَامِلَةِ ، وَطَلَاقُ السُّنَّةِ يَتَأَخَّرُ إلَى حَالَةِ الطُّهْرِ فَكَأَنَّهُ قَالَ لَهَا : أَنْتِ طَالِقٌ لِلسُّنَّةِ .
وَعَنْ زُفَرَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى أَنَّ هَذَا يَمِينٌ ؛ لِوُجُودِ الشَّرْطِ وَالْجَزَاءِ وَلَيْسَ بِتَفْسِيرٍ لِطَلَاقِ السُّنَّةِ ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ جَامَعَهَا فِي هَذِهِ الْحَيْضَةِ ثُمَّ طَهُرَتْ طَلُقَتْ وَلَوْ قَالَ لَهَا : أَنْتِ طَالِقٌ لِلسُّنَّةِ ثُمَّ جَامَعَهَا فِي الْحَيْضِ فَطَهُرَتْ لَمْ تَطْلُقْ وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ لَهَا : إذَا حِضْتِ حَيْضَتَيْنِ ، أَوْ إذَا حِضْت ثَلَاثَ حِيَضٍ لَمْ يَكُنْ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ حَلِفًا بِطَلَاقِهَا بِخِلَافِ مَا لَوْ قَالَ لَهَا : إذَا حِضْتِ فَهَذَا حَلَفَ بِطَلَاقِهَا حَتَّى تَطْلُقَ عَمْرَةُ ؛ لِأَنَّ بِهَذَا اللَّفْظِ يَقَعُ الطَّلَاقُ فِي الْحَيْضِ قَبْلَ الطُّهْرِ فَلَا يَكُونُ تَفْسِيرًا لِطَلَاقِ السُّنَّةِ ، فَإِنْ قِيلَ هَذَا

تَفْسِيرٌ لِطَلَاقِ الْبِدْعَةِ ، وَلَوْ قَالَ : أَنْتِ طَالِقٌ لِلْبِدْعَةِ ، لَمْ يَكُنْ حَالِفًا بِطَلَاقِهَا .
( قُلْنَا ) : لَيْسَ كَذَلِكَ ، فَطَلَاقُ الْبِدْعَةِ لَا يَخْتَصُّ بِالْحَيْضِ ، وَهَذَا الطَّلَاقُ لَا يَقَعُ إلَّا فِي حَالَةِ الْحَيْضِ فَعَرَفْنَا أَنَّهُ شَرْطٌ وَجَزَاءٌ .

( قَالَ ) : وَإِذَا قَالَ لِامْرَأَتِهِ : أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا لِلسُّنَّةِ وَلَا نِيَّةَ لَهُ ، فَكُلَّمَا حَاضَتْ وَطَهُرَتْ طَلُقَتْ وَاحِدَةً حَتَّى تَسْتَكْمِلَ الثَّلَاثَ ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ لِلسُّنَّةِ أَيْ لِوَقْتِ السُّنَّةِ ، فَإِنَّ اللَّامَ لِلْوَقْتِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى { أَقِمْ الصَّلَاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ } .
وَكُلُّ طُهْرٍ مَحَلٌّ لِوُقُوعِ تَطْلِيقَةٍ وَاحِدَةٍ لِلسُّنَّةِ فَلِهَذَا طَلُقَتْ فِي كُلِّ طُهْرٍ وَاحِدَةً ، وَلَا يَحْتَسِبُ الْحَيْضَةَ الْأُولَى مِنْ عِدَّتِهَا ؛ لِأَنَّهَا سَبَقَتْ وُقُوعَ الطَّلَاقِ عَلَيْهَا ، وَإِنْ نَوَى أَنْ تَطْلُقَ ثَلَاثًا فِي الْحَالِ ، فَهُوَ كَمَا نَوَى عِنْدنَا ، وَعِنْدَ زُفَرَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى لَا تَعْمَلُ نِيَّتُهُ ؛ لِأَنَّ وُقُوعَ الثَّلَاثِ جُمْلَةً خِلَافُ السُّنَّةِ ، وَوُقُوعَ الطَّلَاقِ فِي الْحَيْضِ أَوْ فِي طُهْرٍ قَدْ جَامَعَهَا فِيهِ خِلَافُ السُّنَّةِ .
وَالنِّيَّةُ إنَّمَا تَعْمَلُ إذَا كَانَتْ مِنْ مُحْتَمَلَاتِ اللَّفْظِ لَا فِيمَا كَانَ مِنْ ضِدِّهِ ؛ وَلِأَنَّ مَعْنَى قَوْلِهِ أَنْتِ طَالِقٌ لِلسُّنَّةِ إذَا حِضْتِ وَطَهُرْت فَكَأَنَّهُ صَرَّحَ بِذَلِكَ وَنَوَى الْوُقُوعَ فِي الْحَالِ فَلَا تَعْمَلُ نِيَّتُهُ ، وَلَكِنَّا نَقُولُ : الْمَنْوِيُّ مِنْ مُحْتَمَلَاتِ لَفْظِهِ عَلَى مَعْنَى أَنَّ وُقُوعَ الثَّلَاثِ جُمْلَةً مِنْ مَذْهَبِ أَهْلِ السُّنَّةِ ، وَوُقُوعُ الطَّلَاقِ فِي الْحَيْضِ كَذَلِكَ ، إذْ كَوْنُ الطَّلَاقِ ثَلَاثًا عُرِفَ بِالسُّنَّةِ ، فَقَدْ كَانُوا فِي الْجَاهِلِيَّةِ يُطَلِّقُونَ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ ، فَعَرَفْنَا أَنَّ الْمَنْوِيَّ مِنْ مُحْتَمَلَاتِ لَفْظِهِ وَفِيهِ تَغْلِيظٌ عَلَيْهِ فَتَعْمَلُ نِيَّتُهُ .
وَلَوْ قَالَ : أَنْتِ طَالِقٌ لِلسُّنَّةِ ، وَلَمْ يُسَمِّ ثَلَاثًا ، وَلَمْ يَكُنْ لَهُ نِيَّةٌ ، فَهِيَ طَالِقٌ وَاحِدَةً إذَا طَهُرَتْ مِنْ الْحَيْضَةِ ؛ لِمَا بَيَّنَّا أَنَّ اللَّامَ لِلْوَقْتِ ، وَإِنْ نَوَى ثَلَاثًا ، فَهِيَ ثَلَاثٌ ، كُلَّمَا طَهُرَتْ مِنْ حَيْضَةٍ ، طَلُقَتْ وَاحِدَةً ؛ لِأَنَّ أَوْقَاتَ السُّنَّةِ غَيْرُ مَحْصُورَةٍ ، فَهُوَ إنَّمَا نَوَى التَّعْمِيمَ فِي أَوْقَاتِ السُّنَّةِ ؛ حَتَّى يَقَعَ فِي كُلِّ طُهْرٍ تَطْلِيقَةٌ

وَاحِدَةٌ .
وَقَدْ بَيَّنَّا أَنَّ نِيَّةَ التَّعْمِيمِ صَحِيحَةٌ فِي كَلَامِهِ ، فَلِهَذَا طَلُقَتْ فِي كُلِّ طُهْرٍ وَاحِدَةٌ ، وَإِنْ كَانَتْ لَا تَحِيضُ مِنْ صِغَرٍ أَوْ كِبَرٍ ، طَلُقَتْ سَاعَةَ تَكَلَّمَ بِهِ وَاحِدَةً ، وَبَعْدَ شَهْرٍ أُخْرَى ، وَبَعْدَ شَهْرٍ أُخْرَى ؛ لِأَنَّ الثَّلَاثَ لِلسُّنَّةِ هَكَذَا تَقَعُ عَلَيْهَا ، وَالشَّهْرُ فِي حَقِّهَا كَالْحَيْضِ فِي حَقِّ ذَاتِ الْقُرُوءِ ، وَإِنْ نَوَى أَنْ يَقَعْنَ جَمِيعًا فِي ذَلِكَ الْمَجْلِسِ ، فَهُوَ كَمَا نَوَى ؛ لِمَا بَيَّنَّا .

( قَالَ ) : رَجُلٌ قَالَ لِامْرَأَتِهِ وَقَدْ دَخَلَ بِهَا : أَنْتِ طَالِقٌ كُلَّمَا حِضْت حَيْضَتَيْنِ ، فَهُوَ كَمَا قَالَ إذَا حَاضَتْ حَيْضَتَيْنِ ، طَلُقَتْ ؛ لِوُجُودِ الشَّرْطِ ثُمَّ ، إذَا حَاضَتْ أُخْرَاوَيْنِ ، طَلُقَتْ أُخْرَى لِوُجُودِ الشَّرْطِ ؛ لِأَنَّ الْيَمِينَ مَعْقُودَةٌ بِكَلِمَةِ كُلَّمَا ، وَيَحْتَسِبُ بِهَاتَيْنِ الْحَيْضَتَيْنِ مِنْ عِدَّتِهَا ، فَإِذَا حَاضَتْ أُخْرَى ، انْقَضَتْ عِدَّتُهَا .
( قَالَ ) : وَإِنْ قَالَ لَهَا : إذَا حِضْت حَيْضَةً فَأَنْتِ طَالِقٌ وَقَالَ لَهَا أَيْضًا : كُلَّمَا حِضْت ، فَأَنْتِ طَالِقٌ فَرَأَتْ الدَّمَ ، فَهِيَ طَالِقٌ وَاحِدَةً بِالْيَمِينِ الثَّانِيَةِ ؛ لِأَنَّ الشَّرْطَ فِيهَا وُجُودُ الْحَيْضِ لَا الْخُرُوجُ مِنْهُ ، فَإِذَا طَهُرَتْ مِنْ الْحَيْضِ فَهِيَ طَالِقٌ أُخْرَى بِالْيَمِينِ الْأُولَى ؛ لِأَنَّ الشَّرْطَ فِيهَا الْحَيْضَةُ الْكَامِلَةُ ، وَقَدْ وُجِدَتْ بَعْدَهَا ، وَلَا يَحْتَسِبُ بِهَذِهِ الْحَيْضَةِ مِنْ عِدَّتِهَا ؛ لِأَنَّ وُقُوعَ الطَّلَاقِ كَانَ بَعْدَ مُضِيِّ جُزْءٍ مِنْهَا ، وَإِذَا حَاضَتْ الثَّانِيَةَ فَهِيَ طَالِقٌ أُخْرَى بِالْيَمِينِ الثَّانِيَةِ ؛ لِأَنَّهَا عُقِدَتْ بِكَلِمَةِ كُلَّمَا ، وَكَلِمَةُ كُلَّمَا تُوجِبُ تَكْرَارَ الشَّرْطِ ، وَقَدْ وُجِدَ الشَّرْطُ فِيهَا مَرَّةً أُخْرَى .
( قَالَ ) : وَلَوْ قَالَ لَهَا إذَا حِضْت حَيْضَةً فَأَنْتِ طَالِقٌ ، وَقَالَ أَيْضًا : إذَا حِضْت حَيْضَتَيْنِ ، فَأَنْتِ طَالِقٌ فَحَاضَتْ حَيْضَةً وَطَهُرَتْ ، فَهِيَ طَالِقٌ وَاحِدَةً بِالْيَمِينِ الْأُولَى ؛ لِأَنَّ شَرْطَ الْحِنْثِ فِيهَا حَيْضَةٌ وَاحِدَةٌ وَقَدْ وُجِدَتْ ، فَإِذَا حَاضَتْ حَيْضَةً أُخْرَى ، طَلُقَتْ أُخْرَى لِوُجُودِ الشَّرْطِ فِي الْيَمِينِ الثَّانِيَةِ وَهُوَ مُضِيُّ الْحَيْضَتَيْنِ بَعْدَهَا فَإِنَّ الْحَيْضَةَ الْأُولَى كَمَالُ الشَّرْطِ فِي الْيَمِينِ الْأُولَى وَنِصْفُ الشَّرْطِ فِي الْيَمِينِ الثَّانِيَةِ .
، وَالشَّيْءُ الْوَاحِدُ يَصْلُحُ شَرْطًا لِلْحِنْثِ فِي أَيْمَانٍ كَثِيرَةٍ وَيُحْتَسَبُ بِالْحَيْضَةِ الثَّانِيَةِ مِنْ عِدَّتِهَا ؛ لِأَنَّهَا حَاضَتْهَا بَعْدَ وُقُوعِ الطَّلَاقِ عَلَيْهَا ، وَلَوْ كَانَ قَالَ لَهَا : إذَا حِضْت حَيْضَةً ، فَأَنْتِ طَالِقٌ

ثُمَّ إذَا حِضْت حَيْضَتَيْنِ ، فَأَنْتِ طَالِقٌ ، فَإِذَا حَاضَتْ حَيْضَةً وَاحِدَةً ، طَلُقَتْ وَاحِدَةً ثُمَّ لَا تَطْلُقُ أُخْرَى مَا لَمْ تَحِضْ حَيْضَتَيْنِ سِوَاهَا ؛ لِأَنَّهُ جَعَلَ الشَّرْطَ فِي الْيَمِينِ الثَّانِيَةِ حَيْضَتَيْنِ سِوَى الْحَيْضَةِ الْأُولَى فَإِنَّ كَلِمَةَ ثُمَّ لِلتَّعْقِيبِ مَعَ التَّرَاخِي ، وَعَلَى هَذَا لَوْ قَالَ : إذَا دَخَلْت الدَّارَ دَخْلَةً ، فَأَنْتِ طَالِقٌ ثُمَّ إذَا دَخَلْتِهَا دَخْلَتَيْنِ فَأَنْتِ طَالِقٌ بِخِلَافِ مَا لَوْ قَالَ : إذَا دَخَلْت ، فَأَنْتِ طَالِقٌ وَإِذَا دَخَلْت ، فَأَنْتِ طَالِقٌ فَدَخَلَتْ دَخْلَةً وَاحِدَةً ، وَقَعَتْ عَلَيْهَا تَطْلِيقَتَانِ ؛ لِأَنَّ الشَّرْطَ فِي الْيَمِينِ الدُّخُولُ مُطْلَقًا وَقَدْ وُجِدَ ذَلِكَ بِدَخْلَةٍ وَاحِدَةٍ ، وَفِي الْأَوَّلِ الشَّرْطُ دَخْلَتَانِ بَعْدَ الدَّخْلَةِ الْأُولَى فِي الْيَمِينِ الثَّانِيَةِ .
وَلَوْ قَالَ : إذَا حِضْت حَيْضَةً فَأَنْتِ طَالِقٌ ، وَإِذَا حِضْت حَيْضَتَيْنِ ، فَأَنْتِ طَالِقٌ فَحَاضَتْ حَيْضَتَيْنِ ، تَطْلُقُ اثْنَتَيْنِ إحْدَاهُمَا حِينَ حَاضَتْ الْأُولَى لِوُجُودِ الشَّرْطِ فِي الْيَمِينِ الْأُولَى ، وَالثَّانِيَةُ حِينَ حَاضَتْ الْأُخْرَى ؛ لِتَمَامِ الشَّرْطِ بِهَا فِي الْيَمِينِ الثَّانِيَةِ .

( قَالَ ) : وَلَوْ قَالَ : كُلَّمَا حِضْت حَيْضَةً ، فَأَنْتِ طَالِقٌ فَحَاضَتْ أَرْبَعَ حِيَضٍ طَلُقَتْ ثَلَاثًا كُلَّ حَيْضَةٍ وَاحِدَةً ؛ لِتَكَرُّرِ الشَّرْطِ فِي الْيَمِينِ الْمَعْقُودَةِ بِكَلِمَةِ كُلَّمَا وَانْقَضَتْ الْعِدَّةُ بِالْحَيْضَةِ الرَّابِعَةِ ؛ لِأَنَّ الْحَيْضَةَ الْأُولَى لَا تَكُونُ مَحْسُوبَةً مِنْ عِدَّتِهَا فَإِنَّهَا سَبَقَتْ وُقُوعَ الطَّلَاقِ عَلَيْهَا .

( قَالَ ) : وَإِذَا قَالَ لَهَا : إذَا حِضْت حَيْضَةً فَأَنْتِ طَالِقٌ فَإِنَّمَا يَقَعُ عَلَيْهَا بَعْدَ مَا يَنْقَطِعُ عَنْهَا الدَّمُ ، وَتَغْتَسِلُ ؛ لِأَنَّ الشَّرْطَ مَضَى حَيْضَةً كَامِلَةً وَلَا يَتَيَقَّنُ بِهِ إلَّا بَعْدَ الْحُكْمِ بِطُهْرِهَا ، فَإِنْ كَانَتْ أَيَّامُهَا عَشَرَةً فَبِنَفْسِ الِانْقِطَاعِ يَتَيَقَّنُ بِطُهْرِهَا ، وَإِنْ كَانَتْ أَيَّامُهَا دُونَ الْعَشَرَةِ ، فَإِنَّمَا يُحْكَمُ بِطُهْرِهَا إذَا اغْتَسَلَتْ أَوْ ذَهَبَ وَقْتُ صَلَاةٍ بَعْدَ انْقِطَاعِ الدَّمِ ؛ فَلِهَذَا تَوَقَّفَ الْوُقُوعُ عَلَيْهِ .
وَلَوْ قَالَ : إذَا حِضْت حَيْضَةً ، فَأَنْتِ طَالِقٌ فَقَالَتْ : قَدْ حِضْت حَيْضَةً لَمْ تُصَدَّقْ فِي الْقِيَاسِ إذَا كَذَّبَهَا الزَّوْجُ ؛ لِأَنَّهَا تَدَّعِي وُجُودَ شَرْطِ الطَّلَاقِ ، وَمُجَرَّدُ قَوْلِهَا فِي ذَلِكَ لَيْسَ بِحُجَّةٍ فِي حَقِّ الزَّوْجِ كَمَا لَوْ كَانَ الشَّرْطُ دُخُولَهَا الدَّارِ وَهَذَا ؛ لِأَنَّ دَعْوَاهَا شَرْطَ الطَّلَاقِ كَدَعْوَاهَا نَفْسَ الطَّلَاقِ ، وَفِي الِاسْتِحْسَانِ الْقَوْلُ قَوْلُهَا ؛ لِأَنَّ حَيْضَهَا لَا يَعْلَمُهُ غَيْرُهَا فَلَا بُدَّ مِنْ قَبُولِ قَوْلِهَا فِيهِ ؛ كَمَا لَوْ قَالَ : إنْ كُنْتِ تُحِبِّينَنِي أَوْ تُبْغِضِينَنِي ، وَجَبَ قَبُولُ قَوْلِهَا فِي ذَلِكَ مَادَامَ فِي الْمَجْلِسِ .
وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ لَهَا : إنْ شِئْت إلَّا أَنَّ هُنَاكَ تَقْدِرُ عَلَى الِاخْتِيَارِ فِي الْمَجْلِسِ فَبِالتَّأْخِيرِ عَنْهُ تَصِيرُ مُفَرِّطَةً ، وَهُنَا لَا تَقْدِرُ عَلَى الْإِخْبَارِ بِالْحَيْضِ مَا لَمْ تَرَ الدَّمَ ، فَوَجَبَ قَبُولُ قَوْلِهَا مَتَى أَخْبَرَتْ بِهِ .
( قَالَ ) : وَيَدْخُلُ فِي هَذَا الِاسْتِحْسَانِ بَعْضُ الْقِيَاسِ مَعْنَاهُ أَنَّ الزَّوْجَ لَمَّا عَلَّقَ وُقُوعَ الطَّلَاقِ بِالْحَيْضِ ، صَارَ ذَلِكَ مِنْ أَحْكَامِ الْحَيْضِ بِجَعْلِهِ .
وَقَوْلُهَا حُجَّةٌ تَامَّةٌ فِي أَحْكَامِ الْحَيْضِ كَحُرْمَةِ وَطْئِهَا إذَا أَخْبَرَتْ بِرُؤْيَةِ الدَّمِ ، وَحِلِّ الْوَطْءِ إذَا أَخْبَرَتْ بِانْقِطَاعِ الدَّمِ وَكَذَلِكَ فِي حُكْمِ انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ بِالْحَيْضِ يُقْبَلُ قَوْلُهَا ؛ لِأَنَّ الشَّرْعَ سَلَّطَهَا عَلَى الْإِخْبَارِ فَكَذَلِكَ الزَّوْجُ بِتَعْلِيقِ الطَّلَاقِ بِهِ

يَصِيرُ مُسَلَّطًا لَهَا عَلَى الْإِخْبَارِ ، وَإِذَا قَالَ : إذَا حِضْتِ ، فَأَنْتِ طَالِقٌ وَفُلَانَةُ مَعَك فَقَالَتْ : حِضْتُ فَقِيَاسُ الِاسْتِحْسَانِ الْأَوَّلِ أَنْ يَقَعَ الطَّلَاقُ عَلَى فُلَانَةَ كَمَا يَقَعُ عَلَيْهَا ؛ لِأَنَّ قَوْلَهَا حُجَّةٌ تَامَّةٌ فِيمَا لَا يَعْلَمُهُ غَيْرُهَا فَيَكُونُ ثُبُوتُ هَذَا الشَّرْطِ بِقَوْلِهَا كَثُبُوتِ شَرْطٍ آخَرَ بِالْبَيِّنَةِ أَوْ بِتَصْدِيقِ الزَّوْجِ ، وَلَكِنَّا نَدَعُ الْقِيَاسَ فِيهِ ، وَنَقُولُ : لَا يَقَعُ عَلَى الْأُخْرَى شَيْءٌ حَتَّى يَعْلَمَ أَنَّهَا قَدْ حَاضَتْ ؛ لِأَنَّ فِي ذَلِكَ حَقَّ الضَّرَّةِ وَهِيَ مَا سَلَّطَتْهَا وَلَا رَضِيَتْ بِخَبَرِهَا فِي حَقِّ نَفْسِهَا ثُمَّ قَبُولُ قَوْلِهَا فِيمَا مَا لَا يَعْلَمُهُ غَيْرُهَا لِأَجْلِ الضَّرُورَةِ ، وَذَلِكَ فِي حَقِّ نَفْسِهَا خَاصَّةً كَمَا فِي حِلِّ الْوَطْءِ ، وَانْقِضَاءِ الْعِدَّةِ .
وَالْحُكْمُ يَثْبُتُ بِحَسَبِ الْحَاجَةِ أَلَا تَرَى أَنَّ الْمِلْكَ لِلْمُسْتَحِقِّ إذَا ثَبَتَ بِإِقْرَارِ الْمُشْتَرِي ، لَمْ يَرْجِعْ عَلَى الْبَائِعِ بِالثَّمَنِ ، وَإِنَّ شَهَادَةَ امْرَأَتَيْنِ وَرَجُلٍ بِالسَّرِقَةِ حُجَّةٌ فِي حَقِّ الْمَالِ دُونَ الْقَطْعِ فَلِهَذَا مِثْلُهُ ، وَلَوْ قَالَ لَهَا : إذَا وَلَدْت غُلَامًا فَأَنْتِ طَالِقٌ وَاحِدَةً ، وَإِذَا وَلَدْت جَارِيَةً فَأَنْتِ طَالِقٌ ثِنْتَيْنِ فَوَلَدَتْ غُلَامًا وَجَارِيَةً ، فَإِنْ عَلِمَ أَنَّهَا وَلَدَتْ الْجَارِيَةَ أَوَّلًا طَلُقَتْ اثْنَتَيْنِ بِوِلَادَتِهَا الْجَارِيَةَ ثُمَّ انْقَضَتْ عِدَّتُهَا بِوِلَادَةِ الْغُلَامِ ، وَإِنْ عَلِمَ أَنَّهَا وَلَدَتْ الْغُلَامَ أَوَّلًا طَلُقَتْ وَاحِدَةً بِوِلَادَتِهَا الْغُلَامَ وَانْقَضَتْ عِدَّتُهَا بِوِلَادَةِ الْجَارِيَةِ ، فَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ أَيُّهُمَا أَوَّلًا ، لَمْ يَقَعْ فِي الْقَضَاءِ إلَّا تَطْلِيقَةٌ وَاحِدَةٌ ؛ لِأَنَّ التَّيَقُّنَ فِيهَا ، وَفِي الثَّانِيَةِ شَكٌّ ، وَالطَّلَاقُ بِالشَّكِّ لَا يَقَعُ وَفِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى يَنْبَغِي أَنْ يَأْخُذَ بِتَطْلِيقَتَيْنِ حَتَّى إذَا كَانَ طَلَّقَهَا قَبْلَ هَذَا وَاحِدَةً فَلَا يَنْبَغِي أَنْ يَتَزَوَّجَهَا حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ ؛ لِاحْتِمَالِ أَنَّهَا

مُطَلَّقَةٌ ثَلَاثًا ، وَلَأَنْ يَتْرُكَ امْرَأَةً يَحِلُّ لَهُ وَطْؤُهَا خَيْرٌ مِنْ أَنْ يَطَأَ امْرَأَةً مُحَرَّمَةً عَلَيْهِ ، وَإِنْ وَلَدَتْ غُلَامًا وَجَارِيَتَيْنِ فِي بَطْنٍ وَاحِدٍ فَإِنْ عَلِمَ أَنَّهَا وَلَدَتْ الْجَارِيَتَيْنِ أَوَّلًا ، فَهِيَ طَالِقٌ ثِنْتَيْنِ بِوِلَادَةِ الْأُولَى مِنْهُمَا ، وَقَدْ انْقَضَتْ عِدَّتُهَا بِوِلَادَةِ الْغُلَامِ ، وَإِنْ وَلَدَتْ الْغُلَامَ أَوَّلًا ، طَلُقَتْ وَاحِدَةً بِوِلَادَةِ الْغُلَامِ ، وَتَطْلِيقَتَيْنِ بِوِلَادَةِ الْجَارِيَةِ الْأُولَى وَقَدْ انْقَضَتْ عِدَّتُهَا بِوِلَادَةِ الْأُخْرَى ، وَإِنْ وَلَدَتْ إحْدَى الْجَارِيَتَيْنِ أَوَّلًا ثُمَّ الْغُلَامَ ثُمَّ الْجَارِيَةَ ، طَلُقَتْ تَطْلِيقَتَيْنِ بِوِلَادَةِ الْجَارِيَةِ الْأُولَى ، وَالثَّالِثَةَ بِوِلَادَةِ الْغُلَامِ ، وَانْقَضَتْ عِدَّتُهَا بِوِلَادَةِ الْأُخْرَى ، وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ كَيْفَ كَانَتْ الْوِلَادَةُ فَنَقُولُ فِي وَجْهٍ : هِيَ طَالِقٌ اثْنَتَيْنِ وَفِي وَجْهَيْنِ : هِيَ طَالِقٌ ثَلَاثًا فَفِي الْقَضَاءِ لَا تَطْلُقُ الِاثْنَتَيْنِ ؛ لِأَنَّ الْيَقِينَ فِيهَا ، وَفِي التَّنَزُّهِ يَنْبَغِي أَنْ يَأْخُذَ بِثَلَاثِ تَطْلِيقَاتٍ احْتِيَاطًا وَقَدْ انْقَضَتْ عِدَّتُهَا بِيَقِينٍ بِوِلَادَةِ الْآخَرِ مِنْهُمْ .
وَإِذَا قَالَ لَهَا : كُلَّمَا وَلَدْت وَلَدًا ، فَأَنْتِ طَالِقٌ وَقَالَ : إذَا وَلَدْت غُلَامًا ، فَأَنْتِ طَالِقٌ فَوَلَدَتْ جَارِيَةً ، فَهِيَ طَالِقٌ وَاحِدَةً ؛ لِأَنَّ الْجَارِيَةَ وَلَدٌ فَيَقَعُ بِهَا تَطْلِيقَةٌ بِحُكْمِ الْكَلَامِ الْأَوَّلِ ، فَإِنْ وَلَدَتْ بَعْدَهَا غُلَامًا فِي ذَلِكَ الْبَطْنِ ، انْقَضَتْ عِدَّتُهَا بِوِلَادَةِ الْغُلَامِ ؛ لِأَنَّهَا مُعْتَدَّةٌ وَضَعَتْ جَمِيعَ مَا فِي بَطْنِهَا .
وَلَا يَقَعُ عَلَيْهَا بِوِلَادَةِ الْغُلَامِ شَيْءٌ ؛ لِأَنَّ أَوَانَ الْوُقُوعِ بَعْدَ وُجُودِ الشَّرْطِ وَهِيَ لَيْسَتْ فِي عِدَّتِهِ بَعْدَ وِلَادَةِ الْغُلَامِ فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ مَا لَوْ قَالَ لَهَا : إذَا انْقَضَتْ عِدَّتُك فَأَنْتِ طَالِقٌ ، وَإِنْ وَلَدَتْ الْغُلَامَ أَوَّلًا ، وَقَعَ بِهِ تَطْلِيقَتَانِ أَحَدُهُمَا بِالْغُلَامِ الْأَوَّلِ ؛ لِأَنَّ الْغُلَامَ وَلَدٌ ، وَالثَّانِيَةُ بِالْكَلَامِ الثَّانِي ؛

لِأَنَّهُ غُلَامٌ ، وَكَذَلِكَ وَلَوْ قَالَ لَهَا : إذَا وَلَدْت غُلَامًا فَأَنْتِ طَالِقٌ ثُمَّ قَالَ : إذَا وَلَدْت وَلَدًا ، فَأَنْتِ طَالِقٌ فَوَلَدَتْ غُلَامًا طَلُقَتْ اثْنَتَيْنِ ؛ لِأَنَّهُ وَلَدٌ وَغُلَامٌ وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ : إذَا كَلَّمْت فُلَانًا ، فَأَنْتِ طَالِقٌ ثُمَّ قَالَ : إذَا كَلَّمْت إنْسَانًا ، فَأَنْتِ طَالِقٌ فَكَلَّمَتْ فُلَانًا تَطْلُقُ اثْنَتَيْنِ ؛ لِأَنَّهُ إنْسَانٌ وَفُلَانٌ .
وَكَذَلِكَ إذَا قَالَ : إنْ تَزَوَّجْتُ فُلَانَةَ ، فَهِيَ طَالِقٌ ثُمَّ قَالَ : كُلُّ امْرَأَةٍ أَتَزَوَّجُهَا ، فَهِيَ طَالِقٌ فَتَزَوَّجَ فُلَانَةَ ، تَطْلُقُ اثْنَتَيْنِ ؛ لِأَنَّهَا فُلَانَةُ وَامْرَأَةٌ ، وَالشَّيْءُ الْوَاحِدُ يَصْلُحُ شَرْطًا لِلْحِنْثِ فِي أَيْمَانٍ كَثِيرَةٍ ، وَلَوْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ : كُلَّمَا وَلَدْت غُلَامًا ، فَأَنْتِ طَالِقٌ فَوَلَدَتْ غُلَامًا وَجَارِيَةً فِي بَطْنٍ وَاحِدٍ ، فَإِنْ عَلِمَ أَنَّهَا وَلَدَتْ الْغُلَامَ أَوَّلًا ، وَقَعَ عَلَيْهَا تَطْلِيقَةٌ بِوِلَادَةِ الْغُلَامِ ، وَانْقَضَتْ عِدَّتُهَا بِوِلَادَةِ الْجَارِيَةِ ، وَإِنْ عَلِمَ أَنَّهَا وَلَدَتْ الْجَارِيَةَ أَوَّلًا ، وَقَعَتْ عَلَيْهَا تَطْلِيقَةٌ بِوِلَادَةِ الْغُلَامِ وَعَلَيْهَا الْعِدَّةُ بِثَلَاثِ حِيَضٍ ، وَلَهُ أَنْ يُرَاجِعَهَا فِي الْعِدَّةِ ، إذَا عَلِمَ أَنَّ الْغُلَامَ وُلِدَ آخِرًا ، وَإِذَا لَمْ يَعْلَمْ أَيُّهُمَا أَوَّلٌ ، فَعَلَيْهِمَا الْأَخْذُ بِالِاحْتِيَاطِ فِي كُلِّ حُكْمٍ فَيَلْزَمُهَا الْعِدَّةُ بِثَلَاثِ حِيَضٍ ؛ لِجَوَازِ أَنْ تَكُونَ وَلَدَتْ الْجَارِيَةَ أَوَّلًا وَلَيْسَ لِلزَّوْجِ أَنْ يُرَاجِعَهَا فِي هَذِهِ الْعِدَّةِ ؛ لِجَوَازِ أَنْ تَكُونَ وَلَدَتْ الْغُلَامَ أَوَّلًا ، وَلَوْ مَاتَ أَحَدُهُمَا لَمْ يَتَوَارَثَا ؛ لِجَوَازِ أَنْ تَكُونَ وَلَدَتْ الْغُلَامَ أَوَّلًا ثُمَّ انْتَقَضَتْ عِدَّتُهَا بِوِلَادَةِ الْجَارِيَةِ ، وَالْمِيرَاثُ لَا يَثْبُتُ بِالشَّكِّ .

( قَالَ ) : وَإِنْ قَالَ : إذَا وَلَدْت وَلَدًا ، فَأَنْتِ طَالِقٌ فَأَسْقَطَتْ سِقْطًا مُسْتَبِينَ الْخَلْقِ أَوْ بَعْضَ الْخَلْقِ طَلُقَتْ ؛ لِأَنَّ مِثْلَ هَذَا السِّقْطِ وَلَدٌ ، أَلَا تَرَى أَنَّ الْعِدَّةَ تَنْقَضِي بِهِ ، وَتَصِيرُ الْجَارِيَةُ أُمَّ وَلَدٍ لَهُ ، وَلَوْ لَمْ يَسْتَبِنْ شَيْءٌ مِنْ خَلْقِهِ ، لَمْ يَقَعْ بِهِ طَلَاقٌ ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِوَلَدٍ فِي حُكْمِ الْعِدَّةِ وَثُبُوتِ أُمِّيَّةِ الْوَلَدِ ، فَكَذَلِكَ فِي حُكْمِ الطَّلَاقِ .

( قَالَ ) : وَلَوْ قَالَ لَهَا : إذَا وَلَدْتِ ، فَأَنْتِ طَالِقٌ فَقَالَتْ : قَدْ وَلَدْتُ ، وَكَذَّبَهَا الزَّوْجُ ، لَمْ يَقَعْ الطَّلَاقُ بِقَوْلِهَا بِخِلَافِ الْحَيْضِ ؛ لِأَنَّ الْوِلَادَةَ مِمَّا يَقِفُ عَلَيْهَا غَيْرُهَا .
فَإِنَّ قَوْلَ الْقَابِلَةِ يُقْبَلُ فِي الْوَلَدِ فَلَا يَحْكُمُ بِوُقُوعِ الطَّلَاقِ مَا لَمْ تَشْهَدْ الْقَابِلَةُ بِهِ ، وَالْحَيْضُ لَا يَقِفُ عَلَيْهِ غَيْرُهَا ، فَإِنْ شَهِدَتْ الْقَابِلَةُ بِالْوِلَادَةِ ، ثَبَتَ نَسَبُ الْوَلَدِ بِشَهَادَتِهَا ، وَلَا يَقَعُ الطَّلَاقُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى مَا لَمْ يَشْهَدْ بِهِ رَجُلَانِ ، أَوْ رَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى يَقَعُ الطَّلَاقُ عَلَيْهَا بِشَهَادَةِ الْقَابِلَةِ ؛ لِأَنَّ شَرْطَ وُقُوعِ الطَّلَاقِ عَلَيْهَا وِلَادَتُهَا ، وَقَدْ صَارَ مَحْكُومًا بِهِ بِشَهَادَةِ الْقَابِلَةِ بِدَلِيلِ ثُبُوتِ نَسَبِ الْوَلَدِ .
وَشَهَادَةُ الْقَابِلَةِ فِي حَالِ قِيَامِ الْفِرَاشِ حُجَّةٌ تَامَّةٌ فِي حَقِّ النَّسَبِ وَغَيْرِهِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ قَالَ لِجَارِيَتِهِ : إنْ كَانَ بِهَا حَبَلٌ فَهُوَ مِنِّي فَشَهِدَتْ الْقَابِلَةُ عَلَى وِلَادَتِهَا ، صَارَتْ هِيَ أُمُّ وَلَدٍ لَهُ ، وَكَذَلِكَ إنْ وَلَدَتْ امْرَأَتُهُ وَلَدًا ثُمَّ قَالَ الزَّوْجُ : هُوَ لَيْسَ مِنِّي وَلَا أَدْرِي وَلَدْته أَمْ لَا فَشَهِدَتْ الْقَابِلَةُ ، حُكِمَ بِاللِّعَانِ بَيْنَهُمَا .
وَلَوْ كَانَ الزَّوْجُ عَبْدًا أَوْ حُرًّا مَحْدُودًا فِي قَذْفٍ ، وَجَبَ عَلَيْهِ الْحَدُّ ، فَإِذَا جُعِلَتْ شَهَادَةُ الْقَابِلَةِ حُجَّةً فِي حُكْمِ اللِّعَانِ وَالْحَدِّ ، فَلَأَنْ تُجْعَلَ حُجَّةً فِي حُكْمِ الطَّلَاقِ أَوْلَى .
وَأَبُو حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى يَقُولُ : شَرْطُ الطَّلَاقِ إذَا كَانَ لَا يَثْبُتُ إلَّا بِالشَّهَادَةِ فَلَا بُدَّ فِيهِ مِنْ شَهَادَةِ رَجُلَيْنِ أَوْ رَجُلٍ وَامْرَأَتَيْنِ كَسَائِرِ الشُّرُوطِ وَهَذَا ؛ لِأَنَّ شَرْطَ الطَّلَاقِ كَنَفْسِ الطَّلَاقِ ، وَتَأْثِيرُهُ أَنَّ شَهَادَةَ الْمَرْأَةِ الْوَاحِدَةِ لَيْسَتْ بِحُجَّةٍ أَصْلِيَّةٍ ، وَإِنَّمَا يُكْتَفَى بِهَا فِيمَا لَا يَطَّلِعُ عَلَيْهِ الرِّجَالُ ؛

لِأَجْلِ الضَّرُورَةِ .
وَالثَّابِتُ بِالضَّرُورَةِ لَا يَعْدُو مَوَاضِعَهَا ، وَالضَّرُورَةُ فِي نَفْسِ الْوِلَادَةِ وَمَا هُوَ مِنْ الْأَحْكَامِ الْمُخْتَصَّةِ بِالْوِلَادَةِ ؛ لِأَنَّ ثُبُوتَ الْحُكْمِ بِثُبُوتِ نَسَبِهِ ، وَالْوِلَادَةُ لَا يَطَّلِعُ عَلَيْهَا الرِّجَالُ وَالْحُكْمُ الْمُخْتَصُّ بِالْوِلَادَةِ أُمِّيَّةُ الْوَلَدِ لِلْأُمِّ ، وَاللِّعَانُ عِنْدَ نَفْيِ الْوَلَدِ ، فَأَمَّا وُقُوعُ الطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ لَيْسَ مِنْ الْحُكْمِ الْمُخْتَصِّ بِالْوِلَادَةِ وَلَا أَثَرَ لِلْوِلَادَةِ فِيهِ بَلْ إنَّمَا يَقَعُ بِإِيقَاعِهِ عِنْدَ وُجُودِ الشَّرْطِ ، وَنَسَبُ الْوَلَدِ مِنْ الْأَحْكَامِ الْمُخْتَصَّةِ بِالْوِلَادَةِ مَعَ أَنَّ النَّسَبَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى لَا يَثْبُتُ بِشَهَادَةِ الْقَابِلَةِ ، وَإِنَّمَا يَثْبُتُ بِعَيْنِ الْوَلَدِ فَإِنَّ ثُبُوتَ النَّسَبِ بِالْفِرَاشِ الْقَائِمِ ، وَبِأَنْ يَجْعَلَ شَهَادَةَ الْقَابِلَةِ حُجَّةً فِي ثُبُوتِ النَّسَبِ فَذَلِكَ لَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهَا تَكُونُ حُجَّةً فِي وُقُوعِ الطَّلَاقِ كَمَا بَيَّنَّا فِي قَوْلِهِ : إذَا حِضْت فَأَنْتِ طَالِقٌ ، وَفُلَانَةُ مَعَك .
وَلَوْ كَانَ الزَّوْجُ أَقَرَّ بِأَنَّهَا حُبْلَى ثُمَّ قَالَ لَهَا : إذَا وَلَدْت ، فَأَنْتِ طَالِقٌ فَقَالَتْ قَدْ وَلَدْت ، عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى يَقَعُ الطَّلَاقُ بِمُجَرَّدِ قَوْلِهَا ، وَعِنْدَهُمَا لَا يَقَعُ إلَّا أَنْ تَشْهَدَ الْقَابِلَةُ ؛ لِأَنَّ شَرْطَ الطَّلَاقِ وِلَادَتُهَا ، وَذَلِكَ مَا يَقِفُ عَلَيْهَا غَيْرُهَا فَلَا يُقْبَلُ فِيهِ مُجَرَّدُ قَوْلِهَا كَمَا فِي الْفَصْلِ الْأَوَّلِ أَلَا تَرَى أَنَّ نَسَبَ الْوِلَادَةِ لَا يَثْبُتُ إلَّا بِشَهَادَةِ الْقَابِلَةِ ، وَإِنْ أَقَرَّ الزَّوْجُ بِالْحَبَلِ فَكَذَلِكَ الطَّلَاقُ وَأَبُو حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى يَقُولُ : عُلِّقَ الطَّلَاقُ بِبُرُوزٍ مَوْجُودٍ فِي بَاطِنِهَا فَيَقَعُ الطَّلَاقُ بِمُجَرَّدِ خَبَرِهَا كَمَا لَوْ قَالَ : إذَا حِضْت فَأَنْتِ طَالِقٌ وَهَذَا ؛ لِأَنَّ وُجُودَ الْحَبَلِ بِهَا يَثْبُتُ بِإِقْرَارِ الزَّوْجِ فَلَمَّا جَاءَتْ الْآنَ ، وَهِيَ فَارِغَةٌ ، وَتَقُولُ : قَدْ وَلَدْتُ ، فَالظَّاهِرُ

يَشْهَدُ لَهَا ، أَوْ يَتَيَقَّنُ بِوِلَادَتِهَا ، وَهَذَا بِخِلَافِ النَّسَبِ ؛ لِأَنَّ بِقَوْلِهَا يَثْبُتُ مُجَرَّدُ الْوِلَادَةِ ، وَلَيْسَ مِنْ ضَرُورَتِهِ تَعَيُّنُ هَذَا الْوَلَدِ ؛ لِجَوَازِ أَنْ تَكُونَ وَلَدَتْ غَيْرَ هَذَا مِنْ وَالِدٍ مَيِّتٍ ثُمَّ تُرِيدُ حَمْلَ نَسَبِ هَذَا الْوَلَدِ عَلَيْهِ فَلِهَذَا لَا يُقْبَلُ قَوْلُهَا فِي تَعْيِينِ الْوَلَدِ إلَّا بِشَهَادَةِ الْوَالِدِ .
فَأَمَّا وُقُوعُ الطَّلَاقِ يَتَعَلَّقُ بِنَفْسِ الْوِلَادَةِ أَيِّ وَلَدٍ كَانَ مِنْ حَيٍّ أَوْ مَيِّتٍ ، وَبَعْدَ إقْرَارِ الزَّوْجِ بِالْحَبَلِ يَتَيَقَّنُ بِالْوِلَادَةِ ، إذَا جَاءَتْ وَهِيَ فَارِغَةٌ .

( قَالَ ) : وَإِذَا قَالَ الرَّجُلُ لِامْرَأَتِهِ : إذَا وَلَدْتِ وَلَدَيْنِ ، فَأَنْتِ طَالِقٌ فَوَلَدَتْ ثَلَاثَةَ أَوْلَادٍ فِي بَطْنٍ وَاحِدٍ ، ثُمَّ وَلَدَتْ بَعْدَ ذَلِكَ لِسِتَّةِ أَشْهُرٍ وَلَدًا آخَرَ ، فَقَدْ وَقَعَتْ عَلَيْهَا تَطْلِيقَةٌ بِوِلَادَةِ الْوَلَدَيْنِ الْأَوَّلَيْنِ ؛ لِتَمَامِ الشَّرْطِ بِهِمَا ، وَانْقَضَتْ عِدَّتُهَا بِالْوَلَدِ الثَّالِثِ ؛ لِأَنَّهَا مُعْتَدَّةٌ وَضَعَتْ جَمِيعَ مَا فِي بَطْنِهَا فَإِنَّ الْوَلَدَ الرَّابِعَ مِنْ حَبَلٍ حَادِثٍ بِيَقِينٍ ؛ لِأَنَّ التَّوْأَمَ لَا يَكُونُ بَيْنَهُمَا مُدَّةُ حَبَلٍ تَامٍّ ؛ وَلِهَذَا لَا يَثْبُتُ نَسَبُ الْوَلَدِ الرَّابِعِ مِنْ الزَّوْجِ ؛ لِأَنَّهَا عَلِقَتْ بِهِ بَعْدَ انْقِضَاءِ عِدَّتِهَا .

( قَالَ ) : وَلَوْ قَالَ : أَوَّلُ وَلَدٍ تَلِدِينَهُ غُلَامًا ، فَأَنْتِ طَالِقٌ فَوَلَدَتْ غُلَامًا وَجَارِيَةً فِي بَطْنٍ وَاحِدٍ لَا يَعْلَمُ أَيُّهُمَا أَوَّلٌ ، لَمْ يَقَعْ عَلَيْهَا شَيْءٌ فِي الْحُكْمِ ؛ لِجَوَازِ أَنْ تَكُونَ وَلَدَتْ الْجَارِيَةَ أَوَّلًا ثُمَّ الْغُلَامَ ، وَفِي النُّزْهَةِ قَدْ وَقَعَتْ عَلَيْهَا تَطْلِيقَةٌ ؛ لِجَوَازِ أَنْ تَكُونَ وَلَدَتْ الْغُلَامَ أَوَّلًا فَوَقَعَ عَلَيْهَا تَطْلِيقَةٌ ، ثُمَّ انْقَضَتْ عِدَّتُهَا بِوِلَادَةِ الْجَارِيَةِ فِي هَذَا الْوَجْهِ غَيْرَ أَنَّهَا لَا تَحِلُّ لِلْأَزْوَاجِ حَتَّى يُوقِعَ عَلَيْهَا طَلَاقًا مُسْتَقْبَلًا ، وَتَعْتَدَّ بِعِدَّةٍ مُسْتَقْبَلَةٍ ؛ لِأَنَّهَا فِي الْحُكْمِ امْرَأَتُهُ فَإِنَّ الطَّلَاقَ بِالشَّكِّ لَا يَقَعُ فِي الْحُكْمِ فَلِهَذَا يَحْتَاجُ فِي حِلِّهَا لِلْأَزْوَاجِ إلَى إيقَاعٍ مُسْتَقْبَلٍ وَعِدَّةٍ مُسْتَقْبَلَةٍ .
( قَالَ ) : وَإِذَا قَالَ لَهَا : كُلَّمَا وَلَدْت وَلَدَيْنِ ، فَأَنْتِ طَالِقٌ فَوَلَدَتْهُمَا فِي بَطْنٍ وَاحِدٍ ، أَوْ فِي بَطْنَيْنِ ، فَهُوَ سَوَاءٌ ، وَيَقَعُ عَلَيْهَا الطَّلَاقُ بِالْوَلَدِ الْآخَرِ ؛ لِأَنَّ تَمَامَ الشَّرْطِ بِهِ وَلَا فَرْقَ فِي الشَّرْطِ بَيْنَ أَنْ يُوجَدَا مَعًا أَوْ مُتَفَرِّقَيْنِ ، وَلَوْ وَلَدَتْ الثَّانِيَ وَهِيَ لَيْسَتْ فِي نِكَاحِهِ وَلَا فِي عِدَّتِهِ ، لَمْ يَقَعْ عَلَيْهَا شَيْءٌ عِنْدَنَا ، وَعَلَى قَوْلِ ابْنِ أَبِي لَيْلَى رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى ، يَقَعُ ؛ لِأَنَّ الْمُعْتَبَرَ عِنْدَهُ أَنَّ الطَّلَاقَ يَقَعُ عِنْدَ وُجُودِ الشَّرْطِ بِالتَّعْلِيقِ السَّابِقِ ، وَقَدْ صَحَّ فِي مِلْكِهِ أَلَا تَرَى أَنَّ الصَّحِيحَ إذَا قَالَ لِامْرَأَتِهِ : إنْ دَخَلْت الدَّارَ ، فَأَنْتِ طَالِقٌ ثُمَّ جُنَّ ثُمَّ دَخَلَ الدَّارَ ، تَطْلُقُ بِاعْتِبَارِ وَقْتِ التَّعْلِيقِ لَا وَقْتِ وُجُودِ الشَّرْطِ ، وَلَكِنَّا نَقُولُ : أَوْ أَنَّ وُقُوعَ الطَّلَاقِ عَلَيْهَا عِنْدَ وُجُودِ الشَّرْطِ ، وَعِنْدَ ذَلِكَ لَيْسَتْ بِمَحَلٍّ لِوُقُوعِ طَلَاقِهِ عَلَيْهَا ؛ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ فِي نِكَاحِهِ وَلَا فِي عِدَّتِهِ .
وَبِدُونِ الْمَحَلِّ لَا يَثْبُتُ الْحُكْمُ بِخِلَافِ جُنُونِ الزَّوْجِ فَإِنَّهُ لَا يُعْدِمُ الْمَحَلِّيَّةَ إنَّمَا

يُعْدِمُ الْأَهْلِيَّةَ لِلْإِيقَاعِ ، وَالْإِيقَاعُ بِكَلَامِ الزَّوْجِ ، وَذَلِكَ عِنْدَ التَّعْلِيقِ لَا عِنْدَ وُجُودِ الشَّرْطِ فَلِهَذَا لَا يُعْتَبَرُ قِيَامُ الْأَهْلِيَّةِ عِنْدَ وُجُودِ الشَّرْطِ ، وَلَوْ أَبَانَهَا فَوَلَدَتْ الْأَوَّلَ فِي غَيْرِ نِكَاحِهِ وَعِدَّتِهِ ، ثُمَّ تَزَوَّجَهَا ، فَوَلَدَتْ ، عِنْدَنَا ، يَقَعُ الطَّلَاقُ عَلَيْهَا ، وَعِنْدَ زُفَرَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى ، لَا يَقَعُ ؛ لِأَنَّ وِلَادَةَ الْوَلَدِ الْأَوَّلِ شَرْطٌ لِلطَّلَاقِ لِوِلَادَةِ الْوَلَدِ الثَّانِي .
، فَكَمَا لَا يُعْتَبَرُ قِيَامُ الْمِلْكِ لِلْوُقُوعِ عِنْدَ وِلَادَةِ الْوَلَدِ الثَّانِي ، فَكَذَلِكَ عِنْدَ وِلَادَةِ الْوَلَدِ الْأَوَّلِ ، وَعُلَمَاؤُنَا رَحِمَهُمْ اللَّهُ تَعَالَى يَقُولُونَ : الْمَحَلُّ إنَّمَا يُعْتَبَرُ عِنْدَ التَّعْلِيقِ لِصِحَّةِ التَّعْلِيقِ بِوُجُودِ الْمَحْلُوفِ بِهِ ، وَعِنْدَ تَمَامِ الشَّرْطِ لِنُزُولِ الْجَزَاءِ ، فَأَمَّا فِي حَالِ وِلَادَةِ الْوَلَدِ الْأَوَّلِ لَيْسَ بِحَالِ التَّعْلِيقِ وَلَا حَالِ نُزُولِ الْجَزَاءِ إنَّمَا هُوَ حَالُ بَقَاءِ الْيَمِينِ .
وَمِلْكُ الْمَحَلِّ لَيْسَ بِشَرْطٍ لِبَقَاءِ الْيَمِينِ كَمَا لَوْ قَالَ لِعَبْدِهِ : إنْ دَخَلْتَ الدَّارَ ، فَأَنْتَ حُرٌّ ثُمَّ بَاعَهُ ثُمَّ اشْتَرَاهُ وَدَخَلَ الدَّارَ ، عَتَقَ ، وَهَذَا ؛ لِأَنَّ بِوُجُودِ بَعْضِ الشَّرْطِ لَا يَنْزِلُ شَيْءٌ مِنْ الْجَزَاءِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ فِي رَجَبٍ وَلَمْ يَدْخُلْ بِهَا : إذَا جَاءَ يَوْمُ الْأَضْحَى ، فَأَنْتِ طَالِقٌ ثُمَّ أَبَانَهَا ثُمَّ تَزَوَّجَهَا يَوْمَ عَرَفَةَ فَجَاءَ يَوْمُ الْأَضْحَى ، طَلُقَتْ ، وَمَا لَمْ يَمْضِ الشَّهْرُ لَا يَتَحَقَّقُ وُجُودُ الشَّرْطِ بِمَجِيءِ يَوْمِ الْأَضْحَى ثُمَّ لَا يُعْتَبَرُ قِيَامُ الْمَحَلِّ فِي تِلْكَ الشُّهُورِ .
وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ لَوْ قَالَ : إذَا حِضْت حَيْضَتَيْنِ فَحَاضَتْ الْأُولَى فِي غَيْرِ مِلْكٍ ، وَالثَّانِيَةَ فِي مِلْكٍ ، وَكَذَلِكَ إنْ تَزَوَّجَهَا قَبْلَ أَنْ تَطْهُرَ مِنْ الْحَيْضَةِ الثَّانِيَةِ بِسَاعَةٍ ، أَوْ بَعْدَ مَا انْقَطَعَ عَنْهَا الدَّمُ قَبْلَ أَنْ تَطْهُرَ مِنْ الْحَيْضَةِ الثَّانِيَةِ بِسَاعَةٍ ، أَوْ بَعْدَ مَا

انْقَطَعَ عَنْهَا الدَّمُ قَبْلَ أَنْ تَغْتَسِلَ ، وَأَيَّامُهَا دُونَ الْعَشَرَةِ ، فَإِذَا اغْتَسَلَتْ أَوْ مَضَى عَلَيْهَا وَقْتُ صَلَاةٍ ، طَلُقَتْ ؛ لِأَنَّ الشَّرْطَ قَدْ تَمَّ وَهِيَ فِي نِكَاحِهِ .
وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ : إنْ أَكَلْتِ هَذَا الرَّغِيفَ فَأَنْتِ طَالِقٌ فَأَكَلَتْ عَامَّةَ الرَّغِيفِ فِي غَيْرِ مِلْكِهِ ، ثُمَّ تَزَوَّجَهَا فَأَكَلَتْ مَا بَقِيَ مِنْهُ طَلُقَتْ ؛ لِأَنَّ الشَّرْطَ شَرْطٌ فِي مِلْكِهِ ، وَالْحِنْثُ بِهِ يَحْصُلُ ، وَقَدْ قَالَ فِي الْأَصْلِ : إذَا قَالَ : كُلَّمَا حِضْتِ حَيْضَتَيْنِ فَأَنْتِ طَالِقٌ فَحَاضَتْ الْأَخِيرَةَ مِنْهُمَا فِي غَيْرِ مِلْكِهِ ثُمَّ تَزَوَّجَهَا فَحَاضَتْ الثَّانِيَةَ فِي مِلْكِهِ لَمْ يَقَعْ عَلَيْهَا شَيْءٌ قَالَ الْحَاكِمُ : وَهَذَا الْجَوَابُ غَيْرُ سَدِيدٍ فِي قَوْلِهِ كُلَّمَا حِضْت ، وَإِنَّمَا يَصِحُّ إذَا كَانَ السُّؤَالُ بِقَوْلِهِ إذَا حِضْت ؛ لِأَنَّ كَلِمَةَ كُلَّمَا تَقْتَضِي التَّكْرَارَ ( قَالَ ) الشَّيْخُ الْإِمَامُ : وَالْأَصَحُّ عِنْدِي أَنَّ فِي الْمَسْأَلَةِ رِوَايَتَيْنِ : فِي رِوَايَةِ هَذَا الْكِتَابِ لَا تَطْلُقُ ، وَفِي رِوَايَةِ الْجَامِعِ تَطْلُقُ ، وَأَصْلُ الِاخْتِلَافِ فِي كَيْفِيَّةِ التَّكْرَارِ بِكَلِمَةِ كُلَّمَا فِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ يَتَكَرَّرُ انْعِقَادُ الْيَمِينِ فَكُلَّمَا وُجِدَ الشَّرْطُ مَرَّةً ارْتَفَعَتْ الْيَمِينُ الْأُولَى ، وَانْعَقَدَتْ يَمِينٌ أُخْرَى فَإِذَا لَمْ يَكُنْ عِنْدَ تَمَامِ الشَّرْطِ فِي نِكَاحِهِ وَلَا فِي عِدَّتِهِ لَا تَنْعَقِدُ الْيَمِينُ الْأُخْرَى ؛ لِأَنَّ مِلْكَ الْمَحَلِّ شَرْطٌ عِنْدَ انْعِقَادِ الْيَمِينِ فَلِهَذَا لَا يَقَعُ عَلَيْهَا شَيْءٌ ، وَإِنْ حَاضَتْ حَيْضَتَيْنِ فِي مِلْكِهِ .
وَعَلَى رِوَايَةِ الْجَامِعِ إنَّمَا يَتَكَرَّرُ بِكَلِمَةِ كُلَّمَا نُزُولُ الْجَزَاءِ بِتَكَرُّرِ الشَّرْطِ وَلَا يَتَكَرَّرُ انْعِقَادُ الْيَمِينِ فَكُلَّمَا وُجِدَ الشَّرْطُ فِي مِلْكِهِ طَلُقَتْ ، وَالْأَصَحُّ رِوَايَةُ الْجَامِعِ ، وَقَدْ بَيَّنَّا تَمَامَ هَذَا الْكَلَامِ فِيمَا أَمْلَيْنَاهُ مِنْ شَرْحِ الْجَامِعِ .

( قَالَ ) : وَإِنْ قَالَ : إذَا حِضْت فَأَنْتِ طَالِقٌ فَوَلَدَتْ لَمْ تَطْلُقْ ؛ لِأَنَّ شَرْطَ الطَّلَاقِ حَيْضُهَا ، وَالنِّفَاسُ لَيْسَ بِحَيْضٍ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَا يُحْتَسَبُ بِهِ مِنْ أَقْرَاءِ الْعِدَّةِ ، وَإِنْ قَالَ : إذَا حَبِلْت فَأَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا فَوَطِئَهَا مَرَّةً فَالْأَفْضَلُ لَهُ أَنْ لَا يَقْرَبَهَا ثَانِيَةً حَتَّى يَسْتَبْرِئَهَا بِحَيْضَةٍ ؛ لِجَوَازِ أَنْ تَكُونَ قَدْ حَبِلَتْ فَطَلُقَتْ ثَلَاثًا ، وَإِذَا حَاضَتْ وَطَهُرَتْ عَرَفْنَا أَنَّهَا لَمْ تَحْبَلْ ، فَإِنْ تَبَيَّنَ فَرَاغُ رَحِمِهَا يَحْصُلُ بِحَيْضَةٍ وَاحِدَةٍ بِدَلِيلِ الِاسْتِبْرَاءِ فَلَهُ أَنْ يَطَأَهَا مَرَّةً أُخْرَى ، وَهَذَا حَالُهُ وَحَالُهَا مَادَامَ عِنْدَهُ ، وَهُوَ جَوَابُ النُّزْهَةِ .
فَأَمَّا فِي الْحُكْمِ لَا يُمْنَعُ مِنْ وَطْئِهَا مَا لَمْ يَظْهَرْ بِهَا حَبَلٌ ؛ لِأَنَّ قِيَامَ النِّكَاحِ فِيمَا بَيْنَهُمَا يَقِينٌ ، وَفِي وُقُوعِ الطَّلَاقِ شَكٌّ ، وَإِذَا وَلَدَتْ بَعْدَ هَذَا الْقَوْلِ لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ لَمْ تَطْلُقْ ؛ لِأَنَّا تَيَقَّنَّا أَنَّ هَذَا الْحَبَلَ كَانَ قَبْلَ الْيَمِينِ ، وَشَرْطُ الْحِنْثِ حَبَلٌ حَادِثٌ بَعْدَ الْيَمِينِ ، وَإِنْ جَاءَتْ بِهِ لِأَكْثَرَ مِنْ سَنَتَيْنِ وَقَعَ الطَّلَاقُ وَانْقَضَتْ الْعِدَّةُ بِالْوَلَدِ ؛ لِأَنَّا تَيَقَّنَّا أَنَّ هَذَا الْوَلَدَ مِنْ حَبَلٍ حَادِثٍ بَعْدَ الْيَمِينِ ، وَإِنَّمَا وَقَعَ الطَّلَاقُ عِنْدَ وُجُودِ الشَّرْطِ ، وَهُوَ مَا إذَا لَوْ حَبِلَتْ فَتَنْقَضِي عِدَّتُهَا بِالْوَلَدِ وَجَاءَتْ بِهِ لِسِتَّةِ أَشْهُرٍ أَوْ أَكْثَرَ وَلَكِنْ لِأَقَلَّ مِنْ سَنَتَيْنِ لَمْ تَطْلُقْ أَيْضًا ؛ لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ هَذَا الْوَلَدُ مِنْ حَبَلٍ قَبْلَ الْيَمِينِ فَإِنَّ الْوَلَدَ يَبْقَى فِي الْبَطْنِ إلَى سَنَتَيْنِ .
وَمَا لَمْ يَتَيَقَّنْ بِوُجُودِ الشَّرْطِ بَعْدَ الْيَمِينِ لَا يَنْزِلُ الْجَزَاءُ وَالْحِلُّ ، وَإِنْ كَانَ قَائِمًا بَيْنَهُمَا يَسْنُدُ الْعُلُوقَ إلَى أَبْعَدِ الْأَوْقَاتِ تَحَرُّزًا عَنْ إيقَاعِ الطَّلَاقِ بِالشَّكِّ .

( قَالَ ) : وَإِذَا قَالَ لَهَا : إذَا وَضَعْت مَا فِي بَطْنِك فَأَنْتِ طَالِقٌ فَوَلَدَتْ وَلَدَيْنِ فِي بَطْنٍ وَاحِدٍ وَقَعَ الطَّلَاقُ بِآخِرِهِمَا ، وَعَلَيْهَا الْعِدَّةُ ؛ لِأَنَّ حَرْفَ " مَا " يُوجِبُ التَّعْمِيمَ ، فَشَرْطُ وُقُوعِ الطَّلَاقِ أَنْ تَضَعَ جَمِيعَ مَا فِي بَطْنِهَا ، وَذَلِكَ لَا يَحْصُلُ إلَّا بِالْوَلَدِ الثَّانِي ، وَعَلَى هَذَا لَوْ قَالَ : إنْ كَانَ حَمْلُك هَذَا جَارِيَةً فَأَنْتِ طَالِقٌ وَاحِدَةً ، وَإِنْ كَانَ غُلَامًا فَأَنْتِ طَالِقٌ اثْنَتَيْنِ فَوَلَدَتْ غُلَامًا وَجَارِيَةً لَمْ يَقَعْ عَلَيْهَا شَيْءٌ ؛ لِأَنَّ الْحَمْلَ اسْمٌ لِجَمِيعِ مَا فِي بَطْنِهَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى : { أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ } ، وَلَا تَنْقَضِي عِدَّتُهَا إلَّا بِوَضْعِ جَمِيعِ مَا فِي بَطْنِهَا .
فَالشَّرْطُ أَنْ يَكُونَ جَمِيعُ حَمْلِهَا غُلَامًا أَوْ جَارِيَةً ، وَلَمْ يُوجَدْ ذَلِكَ حِينَ وَلَدَتْ غُلَامًا وَجَارِيَةً فِي بَطْنٍ وَاحِدٍ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ كَانَ قَالَ : إنْ كَانَ مَا فِي هَذَا الْجُوَالِقِ حِنْطَةً فَامْرَأَتُهُ طَالِقٌ ، وَإِنْ كَانَ مَا فِيهِ شَعِيرًا فَعَبْدُهُ حُرٌّ ، فَإِذَا فِيهِ شَعِيرٌ وَحِنْطَةٌ لَمْ يَلْزَمُهُ طَلَاقٌ وَلَا عِتْقٌ .
وَنَظِيرُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ امْتَحَنَ أَبُو حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى فِطْنَةَ الْحَسَنِ بْنِ زِيَادٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ : مَا تَقُولُ فِي عَنْزٍ وَلَدَتْ وَلَدَيْنِ لَا ذَكَرَيْنِ وَلَا أُنْثَيَيْنِ ، وَلَا أَسْوَدَيْنِ وَلَا أَبْيَضَيْنِ ؟ كَيْفَ يَكُونُ هَذَا ؟ فَتَأَمَّلَ سَاعَةً ثُمَّ قَالَ : أَحَدُهُمَا ذَكَرٌ وَالْآخَرُ أُنْثَى ، وَأَحَدُهُمَا أَسْوَدُ ، وَالْآخَرُ أَبْيَضُ فَتَعَجَّبَ مِنْ فِطْنَتِهِ .
وَإِنْ قَالَ لَهَا : كُلَّمَا حَبِلْتِ فَأَنْتِ طَالِقٌ فَوَلَدَتْ بَعْدَ هَذَا الْقَوْلِ مِنْ حَبَلٍ حَادِثٍ فَقَدْ وَقَعَتْ عَلَيْهَا تَطْلِيقَةٌ كَمَا حَبَلَتْ لِوُجُودِ الشَّرْطِ ، وَانْقَضَتْ عِدَّتُهَا بِالْوِلَادَةِ ، وَلَوْ كَانَ جَامَعَهَا بَعْدَ الْحَبَلِ قَبْلَ أَنْ تَلِدَ مِنْهُ كَانَ ذَلِكَ مِنْهُ رَجْعَةً ؛ لِأَنَّ الْوَاقِعَ بِهَذَا اللَّفْظِ كَانَ رَجْعِيًّا ، وَالْوَطْءُ فِي الْعِدَّةِ مِنْ طَلَاقٍ رَجْعِيٍّ يَكُونُ رَجْعَةً

، فَإِنْ حَبَلَتْ مَرَّةً أُخْرَى ، طَلُقَتْ ؛ لِأَنَّهُ عَقَدَ يَمِينَهُ بِكَلِمَةِ كُلَّمَا ، وَكَذَلِكَ فِي الْحُكْمِ الثَّالِثِ ، وَإِنْ قَالَ : أَنْتِ طَالِقٌ مَا لَمْ تَلِدِي فَهِيَ طَالِقٌ حِينَ سَكَتَ ؛ لِأَنَّهُ جَعَلَهَا طَالِقًا فِي وَقْتٍ لَا تَلِدُ فِيهِ بَعْدَ الْيَمِينِ ، وَكَمَا سَكَتَ فَقَدْ وَجَدَ ذَلِكَ فِي قَوْلِهِ مَا لَمْ تَحْبَلِي ، وَفِي قَوْلِهِ مَا لَمْ تَحِيضِي إلَّا أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ مِنْهَا مَعَ سُكُوتِهِ فَحِينَئِذٍ لَا يَقَعُ ، وَهَذَا ؛ لِأَنَّ وُقُوعَ الطَّلَاقِ بِحَيْضٍ بِزَمَانٍ ، وَهُوَ مَا بَعْدَ كَلَامِهِ وَقَدْ جَعَلَهَا طَالِقًا إلَى غَايَةٍ وَهُوَ أَنْ تَحِيضَ أَوْ تَحْبَلَ أَوْ تَلِدَ .
فَإِذَا وُجِدَتْ الْغَايَةُ مُتَّصِلًا بِسُكُوتِهِ فَقَدْ انْعَدَمَ الزَّمَانُ الَّذِي أَوْقَعَ فِيهِ الطَّلَاقَ ؛ لِأَنَّ الشَّيْءَ لَا يَكُونُ غَايَةً لِنَفْسِهِ فَلَا تَطْلُقُ ، فَإِذَا لَمْ يُوجَدْ ذَلِكَ مَعَ سُكُوتِهِ فَقَدْ وُجِدَ الزَّمَانُ الَّذِي أَوْقَعَ فِيهِ الطَّلَاقَ فَتَطْلُقُ .
وَلَوْ قَالَ : أَنْتِ طَالِقٌ مَا لَمْ تَحْبَلِي ، أَوْ مَا لَمْ تَحِيضِي وَهِيَ حَائِضٌ فَهِيَ طَالِقٌ كَمَا سَكَتَ ؛ لِأَنَّ صِيغَةَ كَلَامِهِ لِحَبَلٍ وَحَيْضٍ حَادِثٍ ، يُقَالُ حَبِلَتْ الْمَرْأَةُ وَحَاضَتْ عِنْدَ ابْتِدَاءِ ذَلِكَ وَلَمْ يُوجَدْ ذَلِكَ مُتَّصِلًا بِسُكُوتِهِ فَلِهَذَا تَطْلُقُ ، فَإِنْ كَانَ يَعْنِي مَا فِيهِ مِنْ الْحَبَلِ وَالْحَيْضِ دِينَ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى ؛ لِأَنَّ اسْتِدَامَةَ الْحَيْضِ بِخُرُوجِ الدَّمِ مِنْهَا سَاعَةً فَسَاعَةً وَمَا يَبْرُزُ مِنْهَا حَادِثٌ مِنْ وَجْهٍ فَيَجُوزُ أَنْ يُطْلَقَ عَلَيْهِ اسْمُ ابْتِدَاءِ الْحَيْضِ مَجَازًا ، وَلَكِنَّهُ خِلَافُ الظَّاهِرِ فَلَا يَدِينُ فِي الْقَضَاءِ وَيَدِينُ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى .
وَأَمَّا فِي الْحَبَلِ فَلَا يَدِينُ فِي الْقَضَاءِ وَلَا فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى ؛ لِأَنَّهُ لَا يَتَجَدَّدُ الْحَبَلُ فِي مُدَّتِهِ سَاعَةً فَسَاعَةً فَلَا يَكُونُ لِاسْتِدَامَتِهِ اسْمَ الِابْتِدَاءِ لَا حَقِيقَةً وَلَا مَجَازًا أَلَا تَرَى أَنَّهُ يُقَالُ : حَاضَتْ عَشَرَةَ أَيَّامٍ ، وَلَا يُقَالُ : حَبِلَتْ تِسْعَةَ أَشْهُرٍ

إنَّمَا يُقَالُ حَبِلَتْ وَوَضَعَتْ لِتِسْعَةِ أَشْهُرٍ .
وَإِنْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ : قَدْ طَلَّقْتُكِ قَبْلَ أَنْ أَتَزَوَّجَك ، فَهَذَا بَاطِلٌ ؛ لِأَنَّ مَا ثَبَتَ بِإِقْرَارِهِ كَالثَّابِتِ بِالْمُعَايَنَةِ ؛ وَلِأَنَّهُ أَضَافَ الطَّلَاقَ إلَى وَقْتٍ لَمْ يَكُنْ مَالِكًا لِلْإِيقَاعِ عَلَيْهَا فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ فَكَانَ نَافِيًا لِلْوُقُوعِ عَلَيْهَا لَا مُثْبِتًا ؛ كَمَا لَوْ قَالَ : أَنْتِ طَالِقٌ قَبْلَ أَنْ تُولَدِي ، أَوْ تُخْلَقِي ، أَوْ قَبْلَ أَنْ أُولَدَ أَوْ أَنْ أُخْلَقَ .
وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ : قَدْ طَلَّقْتُك أَمْسِ ، وَإِنَّمَا تَزَوَّجَهَا الْيَوْمَ لِأَنَّهُ أَضَافَ الطَّلَاقَ إلَى وَقْتٍ لَمْ يَكُنْ مَالِكًا لِلْإِيقَاعِ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ وَإِنْ كَانَ تَزَوَّجَهَا قَبْلَ أَمْسِ طَلُقَتْ لِلْحَالِ ؛ لِأَنَّهُ أَضَافَ إلَى وَقْتٍ كَانَ مَالِكًا لِلْإِيقَاعِ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ فَكَانَ كَلَامُهُ مُعْتَبَرًا فِي الْإِيقَاعِ ثُمَّ إنَّهُ وَصَفَهَا بِالطَّلَاقِ فِي الْحَالِ مُسْتَنِدًا إلَى أَمْسِ ، وَهُوَ يَمْلِكُ الْإِيقَاعَ عَلَيْهَا فِي الْحَالِ ، وَلَكِنْ لَا يَمْلِكُ الْإِسْنَادَ فَلِهَذَا تَطْلُقُ فِي الْحَالِ .

( قَالَ ) : وَلَوْ قَالَ : قَدْ طَلَّقْتُك وَأَنَا صَغِيرٌ ، أَوْ قَالَ : وَأَنَا نَائِمٍ لَمْ يَقَعْ بِهَذَا شَيْءٌ ؛ لِأَنَّهُ أَضَافَ إلَى حَالَةٍ مَعْهُودَةٍ تُنَافِي صِحَّةَ الْإِيقَاعِ ، فَكَانَ مُنْكِرًا لِلْإِيقَاعِ لَا مُقِرًّا بِهِ .
وَلَوْ قَالَ : وَأَنَا مَجْنُونٌ ، فَإِنْ عُرِفَ بِالْجُنُونِ قَبْلَ هَذَا لَمْ تَطْلُقْ ؛ لِأَنَّهُ أَضَافَ إلَى حَالَةٍ مَعْهُودَةٍ تُنَافِي صِحَّةَ الْإِيقَاعِ ، وَإِنْ لَمْ يُعْرَفْ بِالْجُنُونِ طَلُقَتْ ؛ لِأَنَّهُ أَقَرَّ بِطَلَاقِهَا ، وَأَضَافَهُ إلَى حَالَةٍ لَمْ تُعْرَفْ تِلْكَ الْحَالَةُ مِنْهُ ؛ فَلَا يُعْتَبَرُ قَوْلُهُ فِي الْإِضَافَةِ فَلِهَذَا تَطْلُقُ فِي الْحَالِ .
، وَإِنْ قَالَ : قُلْت لَك أَنْتِ طَالِقٌ إنْ كَلَّمْت فُلَانًا ، وَقَالَتْ هِيَ : طَلَّقْتنِي فَالْقَوْلُ قَوْلُ الزَّوْجِ ؛ لِأَنَّ تَعْلِيقَ الطَّلَاقِ بِالشَّرْطِ يَمِينٌ ، وَالْيَمِينُ غَيْرُ الطَّلَاقِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَا يَقَعُ الطَّلَاقُ بِهَا مَا لَمْ يُوجَدْ الْحِنْثُ فَهِيَ تَدَّعِي عَلَيْهِ إيقَاعَ الطَّلَاقِ ، وَالزَّوْجُ مُنْكِرٌ لِذَلِكَ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ ، وَإِنْ قَالَ : أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا ، إنْ لَمْ أُطَلِّقْك لَمْ تَطْلُقْ حَتَّى يَمُوتَ أَحَدُهُمَا قَبْلَ أَنْ يُطَلِّقَهَا ؛ لِأَنَّ كَلِمَةَ إنْ لِلشَّرْطِ ، فَقَدْ جَعَلَ عَدَمَ إيقَاعِ الطَّلَاقِ عَلَيْهَا شَرْطًا ، وَلَا يَتَيَقَّنُ بِوُجُودِ هَذَا الشَّرْطِ مَا بَقِيَا حَيَّيْنِ ، فَهُوَ كَقَوْلِهِ : إنْ لَمْ آتِ الْبَصْرَةَ فَأَنْتِ طَالِقٌ .
ثُمَّ إنْ مَاتَ الزَّوْجُ وَقَعَ عَلَيْهَا قَبْلَ مَوْتِهِ بِقَلِيلٍ وَلَيْسَ لِذَلِكَ الْقَلِيلِ حَدٌّ مَعْرُوفٌ ، وَلَكِنْ قُبَيْلَ مَوْتِهِ يَتَحَقَّقُ عَجْزُهُ مِنْ إيقَاعِ الطَّلَاقِ عَلَيْهَا فَيَتَحَقَّقُ شَرْطُ الْحِنْثِ ، فَإِنْ كَانَ لَمْ يَدْخُلْ بِهَا فَلَا مِيرَاثَ لَهَا ، وَإِنْ كَانَ قَدْ دَخَلَ بِهَا فَلَهَا الْمِيرَاثُ بِحُكْمِ الْفِرَارِ حِينَ وَقَعَ الثَّلَاثُ بِإِيقَاعِهِ قُبَيْلَ مَوْتِهِ بِلَا فَصْلٍ ، وَإِنْ مَاتَتْ الْمَرْأَةُ وَقَعَ الطَّلَاقُ أَيْضًا قَبْلَ مَوْتِهَا .
وَفِي النَّوَادِرِ يَقُولُ : لَا يَقَعُ ؛ لِأَنَّهُ قَادِرٌ عَلَى أَنَّهُ يُطَلِّقُهَا مَا لَمْ تَمُتْ ، وَإِنَّمَا عَجَزَ

بِمَوْتِهَا فَلَوْ وَقَعَ الطَّلَاقُ ، لَوَقَعَ بَعْدَ الْمَوْتِ وَهُوَ نَظِيرُ قَوْلِهِ : إنْ لَمْ آتِ الْبَصْرَةَ ، وَجْهُ ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ أَنَّ الْإِيقَاعَ مِنْ حِكْمَةِ الْوُقُوعِ بَعْدَ الْمَوْتِ ، وَهُوَ قَدْ تَحَقَّقَ الْعَجْزُ عَنْ إيقَاعِهِ قُبَيْلَ مَوْتِهَا ؛ لِأَنَّهُ يَعْقُبُهُ الْوُقُوعُ كَمَا لَوْ قَالَ لَهَا : أَنْتِ طَالِقٌ مَعَ مَوْتِك فَيَقَعُ الطَّلَاقُ قُبَيْلَ مَوْتِهَا بِلَا فَصْلٍ .
وَلَا مِيرَاثَ لِلزَّوْجِ ؛ لِأَنَّ الْفُرْقَةَ وَقَعَتْ بَيْنَهُمَا قَبْلَ مَوْتِهَا بِإِيقَاعِ الطَّلَاقِ عَلَيْهَا ، وَإِنْ قَالَ : أَنْتِ طَالِقٌ مَتَى لَمْ أُطَلِّقْك طَلُقَتْ كَمَا سَكَتَ ؛ لِأَنَّ كَلِمَةَ مَتَى تُسْتَعْمَلُ لِلْوَقْتِ فَقَدْ أَضَافَ الطَّلَاقَ إلَى وَقْتٍ بَعْدَ يَمِينِهِ لَا يُطَلِّقُهَا فِيهِ ، وَقَدْ وُجِدَ ذَلِكَ الْوَقْتُ كَمَا سَكَتَ ، وَكَذَلِكَ إنْ قَالَ : مَتَى مَا لَمْ أُطَلِّقْك .
فَأَمَّا إذَا قَالَ : إذَا لَمْ أُطَلِّقْك ، أَوْ إذَا مَا لَمْ أُطَلِّقْك .
فَإِنْ قَالَ : عَنَيْت بِإِذَا الشَّرْطَ فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ أَنْ لَا يَقَعَ الطَّلَاقُ حَتَّى يَمُوتَ أَحَدُهُمَا ، وَإِنْ قَالَ : عَنَيْت بِهِ مَتَى وَقَعَ الطَّلَاقُ كَمَا سَكَتَ ؛ لِأَنَّ إذَا تُسْتَعْمَلُ لِكُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا .
وَإِنْ لَمْ تَكُنْ لَهُ نِيَّةٌ فَعَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى لَا تَطْلُقُ حَتَّى يَمُوتَ أَحَدُهُمَا وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى كَمَا سَكَتَ يَقَعُ ، وَأَصْلُ الْخِلَافِ بَيْنَ أَهْلِ اللُّغَةِ وَالنَّحْوِ فَالْكُوفِيُّونَ مِنْهُمْ يَقُولُونَ إذَا قَدْ تُسْتَعْمَلُ لِلْوَقْتِ وَقَدْ تُسْتَعْمَلُ لِلشَّرْطِ عَلَى السَّوَاءِ فَيُجَازَى بِهِ مَرَّةً وَلَا يُجَازَى بِهِ أُخْرَى ، وَإِذَا كَانَ بِمَعْنَى الشَّرْطِ سَقَطَ فِيهِ مَعْنَى الْوَقْتِ أَصْلًا كَحَرْفِ أَنْ وَهُوَ مَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَالْبَصْرِيُّونَ رَحِمَهُمْ اللَّهُ تَعَالَى يَقُولُونَ : إذَا لِلْوَقْتِ ، وَلَكِنْ قَدْ تُسْتَعْمَلُ لِلشَّرْطِ مَجَازًا ، وَلَا يَسْقُطُ بِهِ مَعْنَى الْوَقْتِ إذَا أُرِيدَ بِهِ الشَّرْطُ بِمَنْزِلَةِ مَتَى وَهُوَ مَذْهَبُ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ

رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى فَهُمَا يَقُولَانِ : إذَا تُسْتَعْمَلُ فِيمَا هُوَ كَائِنٌ لَا مَحَالَةَ ، وَلَيْسَ فِيهِ مَعْنَى الْخَطَرِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى { إذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ } وَ { إذَا السَّمَاءُ انْفَطَرَتْ } .
وَيُقَالُ الرَّطْبُ إذَا اشْتَدَّتْ الْحَرُّ ، وَالْبَرْدُ إذَا جَاءَ الشِّتَاءُ ، وَالشَّرْطُ مَا هُوَ عَلَى خَطَرِ الْوُجُودِ فَعَرَفْنَا أَنَّهُ لِلْوَقْتِ حَقِيقَةً فَعِنْدَ عَدَمِ النِّيَّةِ يُحْمَلُ اللَّفْظُ عَلَى حَقِيقَتِهِ ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ : إذَا شِئْتِ فَأَنْتِ طَالِقٌ ، لَمْ يَخْرُجْ الْأَمْرُ مِنْ يَدِهَا بِقِيَامِهَا عَنْ الْمَجْلِسِ بِمَنْزِلَةِ قَوْلِهِ : مَتَى شِئْت بِخِلَافِ قَوْلِهِ : إنْ شِئْت .
وَأَبُو حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى يَقُولُ : " إذَا " قَدْ تَكُونُ لِلشَّرْطِ حَقِيقَةً يَقُولُ الرَّجُلُ : إذَا زُرْتَنِي ، زُرْتُك ، وَإِذَا أَكْرَمْتَنِي ، أَكْرَمْتُك ، وَالْمُرَادُ الشَّرْطُ دَلَّ عَلَيْهِ قَوْلُ الْقَائِلِ شِعْرٌ : اسْتَغْنِ مَا أَغْنَاكَ رَبُّكَ بِالْغِنَى وَإِذَا تُصِبْكَ حُصَاصَةٌ فَتَحَمَّلْ مَعْنَاهُ وَإِنْ تُصِبْك ، فَعِنْدَ عَدَمِ النِّيَّةِ هُنَا ، إنْ حُمِلَ عَلَى مَعْنَى الشَّرْطِ ، لَمْ يَقَعْ الطَّلَاقُ حَتَّى يَمُوتَ أَحَدُهُمَا .
وَإِنْ جُعِلَ بِمَعْنَى مَتَى ، طَلُقَتْ فِي الْحَالِ ، وَقَدْ عَرَفْنَا أَنَّ الطَّلَاقَ غَيْرُ وَاقِعٍ فَلَا نُوقِعُهُ بِالشَّكِّ ؛ وَلِهَذَا قُلْنَا فِي مَسْأَلَةِ الْمَشِيئَةِ لَا يَخْرُجُ الْأَمْرُ مِنْ يَدِهَا بِقِيَامِهَا عَنْ الْمَجْلِسِ ؛ لِأَنَّا إنْ جَعَلْنَا " إذَا " بِمَعْنَى الشَّرْطِ ، خَرَجَ الْأَمْرُ مِنْ يَدِهَا .
وَإِنْ جَعَلْنَاهَا بِمَعْنَى مَتَى ، لَمْ يَخْرُجْ الْأَمْرُ مِنْ يَدِهَا ، وَقَدْ عَرَفْنَا كَوْنَ الْأَمْرِ فِي يَدِهَا بِيَقِينٍ فَلَا نَخْرُجُهُ مِنْ يَدِهَا بِالشَّكِّ ، وَفِي الْكِتَابِ قَالَ : أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ قَالَ : إذَا سَكَتُّ عَنْ طَلَاقِك ، فَأَنْتِ طَالِقٌ تَطْلُقُ كَمَا سَكَتَ ، وَهَذَا لَا حُجَّةَ فِيهِ ؛ لِأَنَّهُ لَوْ قَالَ : إنْ سَكَتُّ ، وَإِنْ قَالَ : كُلَّمَا لَمْ أُطَلِّقْكِ ، فَأَنْتِ طَالِقٌ ، وَقَدْ دَخَلَ بِهَا ثُمَّ سَكَتَ فَهِيَ طَالِقٌ ثَلَاثًا يَتْبَعُ بَعْضُهَا

بَعْضًا ؛ لِأَنَّهُ أَضَافَ الطَّلَاقَ إلَى وَقْتٍ لَا يُطَلِّقُهَا فِيهِ بِكَلِمَةِ كُلَّمَا .
وَعَقِيبَ سُكُوتِهِ يُوجَدُ ثَلَاثَةُ أَوْقَاتٍ بِهَذِهِ الصِّفَةِ ، بَعْضُهَا عَلَى أَثَرِ الْبَعْضِ فَتَطْلُقُ ثَلَاثًا بِطَرِيقِ الْإِتْبَاعِ وَلَا يَقَعْنَ مَعًا حَتَّى إذَا لَمْ يَكُنْ بِهَا لَا يَقَعُ إلَّا وَاحِدَةٌ ، وَإِنْ قَالَ : مَتَى مَا لَمْ أُطَلِّقْكِ وَاحِدَةً فَأَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا ، ثُمَّ قَالَ مُوصِلًا بِكَلَامِهِ : أَنْتِ طَالِقٌ وَاحِدَةً فَقَدْ بَرَّ فِي يَمِينِهِ اسْتِحْسَانًا ، وَلَا يَقَعُ عَلَيْهَا إلَّا وَاحِدَةٌ .
وَفِي الْقِيَاسِ تَطْلُقُ ثَلَاثًا ، وَهُوَ قَوْلُ زُفَرَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى ؛ لِأَنَّهُ إلَى أَنْ يَفْرُغَ مِنْ قَوْلِهِ : أَنْتِ طَالِقٌ وَاحِدَةً يُوجَدُ وَقْتٌ مَوْصُوفٌ بِأَنَّهُ لَمْ يُطَلِّقْهَا فِيهِ ، وَإِنْ لَطَّفَ ، وَذَلِكَ يَكْفِي شَرْطًا لِلْحِنْثِ ، وَلَكِنَّهُ اسْتَحْسَنَ فَقَالَ : الْبَرُّ مُرَادُ الْحَالِفِ ، وَلَا يَتَأَتَّى لَهُ الْبَرُّ إلَّا بَعْدَ أَنْ يَجْعَلَ هَذَا الْقَدْرَ مُسْتَثْنًى ، وَمَا لَا يُسْتَطَاعُ الِامْتِنَاعُ عَنْهُ ، يُجْعَلُ عَفْوًا .
وَأَصْلُ الْمَسْأَلَةِ فِيمَا إذَا قَالَ : إنْ رَكِبْتُ هَذِهِ الدَّابَّةَ ، وَهُوَ رَاكِبُهَا فَأَخَذَ فِي النُّزُولِ فِي الْحَالِ ، وَلَوْ سَكَتَ سَاعَةً ثُمَّ قَالَ : أَنْتِ طَالِقٌ وَاحِدَةً ، فَقَدْ طَلُقَتْ ثَلَاثًا قَبْلَ قَوْلِهِ وَاحِدَةً ، وَهَذَا : لِأَنَّ السُّكُوتَ فِيمَا بَيْنَ الْكَلَامَيْنِ يُسْتَطَاعُ الِامْتِنَاعُ عَنْهُ ، وَعَلَى هَذَا لَوْ قَالَ : مَا لَمْ أَقُمْ مِنْ مَقْعَدِي هَذَا فَأَنْتِ طَالِقٌ ، إنْ قَامَ كَمَا سَكَتَ لَمْ تَطْلُقْ اسْتِحْسَانًا ، وَإِنْ سَكَتَ هُنَيْهَةً طَلُقَتْ ، وَلَوْ قَالَ : أَنْتِ طَالِقٌ حِينَ لَمْ أُطَلِّقَك وَلَا نِيَّةَ لَهُ ، فَهِيَ طَالِقٌ كَمَا سَكَتَ ؛ لِأَنَّ حَرْفَ " لَمْ " عِبَارَةٌ عَنْ الْمَاضِي وَقَدْ مَضَى حِينَ لَمْ يُطَلِّقْهَا فِيهِ ، فَكَانَ الْوَقْتُ الْمُضَافُ إلَيْهِ الطَّلَاقُ مَوْجُودًا كَمَا سَكَتَ .
وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ : زَمَانَ لَمْ أُطَلِّقْكِ ، أَوْ يَوْمَ لَمْ أُطَلِّقْكِ ، أَوْ حَيْثُ لَمْ أُطَلِّقْكِ ؛ لِأَنَّ حَرْفَ " حَيْثُ " عِبَارَةٌ عَنْ الْمَكَانِ وَكَمْ مِنْ

مَكَان لَمْ يُطَلِّقَهَا فِيهِ ، وَلَوْ قَالَ : حِينَ لَا أُطَلِّقُك لَا تَطْلُقُ فِي الْحَالِ ؛ لِأَنَّ حَرْفَ " لَا " لِلِاسْتِقْبَالِ ، وَإِنْ نَوَى بِحِينَ وَقْتًا يَسِيرًا أَوْ طَوِيلًا ، تَعْمَلْ نِيَّتُهُ ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ نِيَّةٌ ، فَهُوَ عَلَى سِتَّةِ أَشْهُرٍ فَمَا لَمْ تَمْضِ سِتَّةُ أَشْهُرٍ بَعْدَ يَمِينِهِ لَا تَطْلُقُ ؛ لِأَنَّ حِينَ تُسْتَعْمَلُ بِمَعْنَى سَاعَةٍ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى : { حِينَ تُمْسُونَ وَحِينَ تُصْبِحُونَ } أَيْ وَقْتَ الصَّبَاحِ وَالْمَسَاءِ .
وَتُسْتَعْمَلُ بِمَعْنَى قِيَامِ السَّاعَةِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى : { تَمَتَّعُوا حَتَّى حِينٍ } ، وَتُسْتَعْمَلُ بِمَعْنَى أَرْبَعِينَ سَنَةً قَالَ اللَّهُ تَعَالَى : { هَلْ أَتَى عَلَى الْإِنْسَانِ حِينٌ مِنْ الدَّهْرِ } .
وَتُسْتَعْمَلُ بِمَعْنَى سِتَّةِ أَشْهُرٍ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى : { تُؤْتِيَ أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ } فَإِذَا نَوَى شَيْئًا ، كَانَ الْمَنْوِيُّ مِنْ مُحْتَمَلَاتِ لَفْظِهِ ، وَإِنْ لَمْ يَنْوِ شَيْئًا ، كَانَ عَلَى سِتَّةِ أَشْهُرٍ هَكَذَا قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا حِينَ سُئِلَ عَمَّنْ حَلَفَ لَا يُكَلِّمُ فُلَانًا حِينًا قَالَ : هُوَ عَلَى سِتَّةِ أَشْهُرٍ فَإِنَّ النَّخْلَةَ يُدْرَكُ ثَمَرُهَا فِي سِتَّةِ أَشْهُرٍ ، وَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى { تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ } وَلِأَنَّهُ مَتَى أَرَادَ بِهِ سَاعَةً ، لَا يُسْتَعْمَلُ فِيهِ لَفْظُ الْحِينِ عَادَةً ، وَمَتَى أَرَادَ بِهِ أَرْبَعِينَ سَنَةً ، أَوْ قِيَامَ السَّاعَةِ ، اُسْتُعْمِلَ فِيهِ لَفْظُ الْأَبَدِ فَتَعَيَّنَ سِتَّةُ أَشْهُرٍ مُرَادًا بِهِ .
وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ : زَمَانَ لَا أُطَلِّقُك فَإِنَّ لَفْظَةَ حِينٍ وَزَمَانٍ يُسْتَعْمَلَانِ اسْتِعْمَالًا وَاحِدًا يَقُولُ الرَّجُلُ لِغَيْرِهِ لَمْ أَلْقَكَ مُنْذُ حِينٍ ، وَلَمْ أَلْقَك مُنْذُ زَمَانٍ .
وَلَوْ قَالَ : يَوْمَ لَا أُطَلِّقُك فَإِذَا مَضَى بَعْدَ يَمِينِهِ يَوْمٌ لَمْ يُطَلِّقْهَا فِيهِ ، طَلُقَتْ حَتَّى إذَا قَالَ هَذَا قَبْلَ طُلُوعِ الْفَجْرِ فَكَمَا غَرَبَتْ الشَّمْسُ تَطْلُقُ ؛ لِأَنَّ الْيَوْمَ مِنْ طُلُوعِ الْفَجْرِ إلَى غُرُوبِ الشَّمْسِ حَتَّى يُقَدَّرَ الصَّوْمُ بِالْإِمْسَاكِ فِيهِ .

( قَالَ ) : وَإِذَا قَالَ : يَوْمَ أَدْخُلُ دَارَ فُلَانٍ فَامْرَأَتُهُ طَالِقٌ وَلَا نِيَّةَ لَهُ فَدَخَلَهَا لَيْلًا أَوْ نَهَارًا طَلُقَتْ ؛ لِأَنَّ الْيَوْمَ يُسْتَعْمَلُ بِمَعْنَى الْوَقْتِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى : { وَمَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمئِذٍ دُبُرَهُ } ، وَمَنْ فَرَّ مِنْ الزَّحْفِ لَيْلًا أَوْ نَهَارًا ، يَلْحَقْهُ هَذَا الْوَعِيدُ ، وَالرَّجُلُ يَقُولُ : أَنْتَظِرُ يَوْمَ فُلَانٍ أَيْ وَقْتَ إقْبَالِهِ ، أَوْ إدْبَارِهِ .
فَإِذَا قُرِنَ بِمَا لَا يَخْتَصُّ بِأَحَدِ الْوَقْتَيْنِ وَلَا يَكُونُ مُمْتَدًّا ، كَانَ بِمَعْنَى الْوَقْتِ كَالطَّلَاقِ ، وَإِذَا قُرِنَ بِمَا يَخْتَصُّ بِأَحَدِ الْوَقْتَيْنِ كَالصَّوْمِ ، كَانَ بِمَعْنَى بَيَاضِ النَّهَارِ ، وَكَذَلِكَ إذَا قُرِنَ بِمَا يَكُونُ مُمْتَدًّا كَقَوْلِهِ لِامْرَأَتِهِ : أَمْرُكِ بِيَدِكِ يَوْمَ يَقْدُمُ فُلَانٍ عَلَى مَا نُبَيِّنُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَإِذَا قَالَ فِي الطَّلَاقِ : نَوَيْت النَّهَارَ دُونَ اللَّيْلِ فَهُوَ مُصَدَّقٌ فِي الْقَضَاءِ ؛ لِأَنَّهُ نَوَى حَقِيقَةَ كَلَامِهِ ، وَهِيَ حَقِيقَةٌ مُسْتَعْمَلَةٌ فَيَجِبُ تَصْدِيقُهُ فِي ذَلِكَ ، وَإِنْ قَالَ : لَيْلَةَ أَدْخُلُهَا فَأَنْتِ طَالِقٌ فَدَخَلَ نَهَارًا ، لَمْ تَطْلُقْ ؛ لِأَنَّ اللَّيْلَ اسْمٌ خَاصٌّ لِسَوَادِ اللَّيْلِ وَهُوَ ضِدُّ النَّهَارِ ، وَلَا يَصِحُّ أَنْ يَنْوِيَ بِالشَّيْءِ ضِدَّهُ ، وَإِنْ قَالَ : أَنْتِ طَالِقٌ إلَى حِينٍ أَوْ زَمَانٍ أَوْ إلَى قَرِيبٍ ، فَإِنْ نَوَى فِيهِ شَيْئًا ، فَهُوَ عَلَى مَا نَوَى مِنْ الْأَجَلِ ؛ لِأَنَّ الدُّنْيَا كُلَّهَا قَرِيبٌ ، فَالْمَنْوِيُّ مِنْ مُحْتَمَلَاتِ لَفْظِهِ .
وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ نِيَّةٌ فَفِي الْحِينِ وَالزَّمَانِ هِيَ إلَى سِتَّةِ أَشْهُرٍ ، وَفِي الْقَرِيبِ إلَى مُضِيِّ مَا دُونَ الشَّهْرِ حَتَّى إذَا مَضَى مِنْ وَقْتِ يَمِينِهِ شَهْرٌ إلَّا يَوْمًا طَلُقَتْ ؛ لِأَنَّ الْقَرِيبَ عَاجِلٌ وَالشَّهْرُ فَمَا فَوْقُهُ آجِلٌ ، وَمَا دُونَ الشَّهْرِ عَاجِلٌ حَتَّى إذَا حَلَفَ لَيَقْضِيَنَّ حَقَّهُ عَاجِلًا فَقَضَاهُ فِيمَا دُونَ الشَّهْرِ بَرَّ فِي يَمِينِهِ ، وَالْعَاجِلُ مَا يَكُونُ قَرِيبًا وَلَوْ قَالَ : أَنْتِ طَالِقٌ إلَى شَهْرٍ .
فَإِنْ نَوَى وُقُوعَ الطَّلَاقِ

عَلَيْهَا فِي الْحَالِ ، طَلُقَتْ وَلُغِيَ قَوْلُهُ إلَى شَهْرٍ ؛ لِأَنَّ الْوَاقِعَ مِنْ الطَّلَاقِ لَا يَحْتَمِلُ الْأَجَلَ ، وَإِنْ لَمْ يَنْوِ ذَلِكَ ، لَمْ تَطْلُقْ إلَّا بَعْدَ مُضِيِّ شَهْرٍ عِنْدَنَا ، وَقَالَ زُفَرُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى : تَطْلُقُ فِي الْحَالِ وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ إلَى شَهْرٍ ؛ لِبَيَانِ الْأَجَلِ ، وَالْأَجَلُ فِي الشَّيْءِ لَا يَنْفِي ثُبُوتَ أَصْلِهِ بَلْ لَا يَكُونُ إلَّا بَعْدَ أَصْلِهِ كَالْأَجَلِ فِي الدَّيْنِ لَا يَكُونُ إلَّا بَعْدَ وُجُوبِ الدَّيْنِ ، فَكَذَلِكَ ذِكْرُ الْأَجَلِ هُنَا فِيمَا أَوْقَعَهُ لَا يَنْفِي الْوُقُوعَ فِي الْحَالِ ، وَلَكِنْ يَلْغُو الْأَجَلُ ؛ لِأَنَّ الْوَاقِعَ مِنْ الطَّلَاقِ لَا يَحْتَمِلُ ذَلِكَ وَأَصْحَابُنَا رَحِمَهُمْ اللَّهُ تَعَالَى يَقُولُونَ : الْوَاقِعُ لَا يَحْتَمِلُ الْأَجَلَ ، وَلَكِنَّ الْإِيقَاعَ يَحْتَمِلُ ذَلِكَ ؛ لِأَنَّ عَمَلَهُ فِي التَّأْخِيرِ ، وَالْإِيقَاعُ يَحْتَمِلُ التَّأْخِيرَ .
وَلَوْ جَعَلْنَا حَرْفَ " إلَى " دَاخِلًا عَلَى أَصْلِ الْإِيقَاعِ كَانَ عَامِلًا فِي تَأْخِيرِ الْوُقُوعِ وَلَوْ جَعَلْنَاهُ دَاخِلًا عَلَى الْحُكْمِ ، كَانَ لَغْوًا ، وَكَلَامُ الْعَاقِلِ مَحْمُولٌ عَلَى الصِّحَّةِ مَهْمَا أَمْكَنَ تَصْحِيحُهُ لَا يَجُوزُ إلْغَاؤُهُ فَجَعَلْنَاهُ دَاخِلًا عَلَى أَصْلِ الْإِيقَاعِ ، وَقُلْنَا بِتَأْخِيرِ الْوُقُوعِ إلَى مَا بَعْدَ الشَّهْرِ كَأَنَّهُ قَالَ : أَنْتِ طَالِقٌ بَعْدَ مُضِيِّ شَهْرٍ ، وَإِنْ قَالَ : أَنْتِ طَالِقٌ غَدًا ، تَطْلُقُ كَمَا طَلَعَ الْفَجْرُ مِنْ الْغَدِ لِوُجُودِ الْوَقْتِ الْمُضَافِ إلَيْهِ الطَّلَاقُ ، وَإِنْ قَالَ : عَنَيْتُ بِهِ آخِرَ النَّهَارِ لَمْ يُدَنْ بِهِ فِي الْقَضَاءِ ، وَيَدِينُ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى ؛ لِأَنَّهُ نَوَى التَّخْصِيصَ فِي لَفْظِ الْعُمُومِ فَإِنَّهُ وَصَفَهَا بِالطَّلَاقِ فِي جَمِيعِ الْغَدِ ، وَإِنَّمَا يَكُونُ ذَلِكَ إذَا وَقَعَتْ فِي أَوَّلِ جُزْءٍ مِنْهُ ، فَإِذَا نَوَى الْوُقُوعَ فِي آخِرِ جُزْءٍ مِنْ الْغَدِ ، فَنِيَّتُهُ التَّخْصِيصَ فِي الْعُمُومِ صَحِيحَةٌ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى كَمَا لَوْ قَالَ : لَا

آكُلُ الطَّعَامَ ، وَنَوَى طَعَامًا دُونَ طَعَامٍ ، وَإِنْ قَالَ : أَنْتِ طَالِقٌ فِي غَدٍ طَلُقَتْ كَمَا طَلَعَ الْفَجْرُ أَيْضًا ، فَإِنْ قَالَ : عَنَيْت بِهِ آخِرَ النَّهَارِ ، صُدِّقَ فِي الْقَضَاءِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى ، وَلَمْ يُصَدَّقْ عِنْدَهُمَا ، ذُكِرَ الْخِلَافُ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ فَهُمَا سَوَّيَا بَيْنَ قَوْلِهِ غَدٍ وَبَيْنَ قَوْلِهِ فِي غَدٍ ؛ لِأَنَّهُ وَصَفَهَا بِالطَّلَاقِ فِي جَمِيعِ الْغَدِ ، فَإِذَا عَنَى جُزْءًا خَاصًّا مِنْهُ ، كَانَ هَذَا كُنْيَةَ التَّخْصِيصِ فِي لَفْظِ الْعُمُومِ .
وَأَبُو حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى يُفَرِّقُ بَيْنَهُمَا فَيَقُولُ : حَرْفُ " فِي " لِلظَّرْفِ ، وَالظَّرْفُ قَدْ يَشْغَلُ جَمِيعَ الْمَظْرُوفِ ، وَقَدْ يَشْغَلُ جُزْءًا مِنْهُ ؛ لِأَنَّهُ إذَا قِيلَ : فِي الْجُوَالِقِ حِنْطَةٌ ، لَا يُفْهَمُ مِنْهُ أَنْ يَكُونَ مَمْلُوءًا مِنْ الْحِنْطَةِ .
فَإِذَا ذَكَرَ بَيْنَ الْوَصْفِ وَالْوَقْتِ حَرْفَ الظَّرْفِ ؛ كَانَ كَلَامُهُ مُحْتَمَلًا بَيْنَ أَنْ تَكُونَ مَوْصُوفَةً بِالطَّلَاقِ فِي جَمِيعِ الْغَدِ ، أَوْ فِي جُزْءٍ مِنْهُ ، وَالنِّيَّةُ فِي الْكَلَامِ الْمُحْتَمَلِ صَحِيحَةٌ فِي الْقَضَاءِ .
وَالْوَقْتُ إنَّمَا يَكُونُ ظَرْفًا لِلطَّلَاقِ عَلَى أَنْ يَكُونَ وَاقِعًا فِيهِ لَا أَنْ يَكُونَ شَاغِلًا لَهُ ، وَالْوُقُوعُ يَكُونُ فِي جُزْءٍ مِنْ الْوَقْتِ ، فَكَانَ هَذَا أَقْرَبَ إلَى حَقِيقَةِ مَعْنَى الظَّرْفِ ، وَإِذَا قَالَ : غَدًا ، فَلَمْ يُدْخِلْ بَيْنَ الْوَصْفِ وَالْوَقْتِ حَرْفَ الظَّرْفِ ، فَكَانَ حَقِيقَتُهُ الْوَصْفَ لَهَا بِالطَّلَاقِ فِي جَمِيعِ الْغَدِ فَلِهَذَا لَا تَعْمَلُ نِيَّتُهُ فِي التَّخْصِيصِ فِي الْقَضَاءِ ، وَلَوْ قَالَ : أَنْتِ طَالِقٌ فِي رَمَضَانَ وَلَا نِيَّةَ لَهُ ، فَهِيَ طَالِقٌ حِينَ تَغِيبُ الشَّمْسُ مِنْ آخِرِ يَوْمٍ مِنْ شَعْبَانَ ؛ لِأَنَّهُ كَمَا رَأَى الْهِلَالَ فَقَدْ وُجِدَ جُزْءٌ مِنْ رَمَضَانَ ، وَذَلِكَ يَكْفِي لِلْوُقُوعِ ، وَإِنْ قَالَ : نَوَيْتُ آخِرَ رَمَضَانَ ، فَهُوَ عَلَى الْخِلَافِ الَّذِي بَيَّنَّا ، وَإِنْ قَالَ : أَنْتِ طَالِقٌ الْيَوْمَ غَدًا فَهِيَ طَالِقٌ الْيَوْمَ ؛ لِأَنَّهُ ذَكَرَ وَقْتَيْنِ غَيْرَ مَعْطُوفٍ

أَحَدُهُمَا عَلَى الْآخَرِ ، وَفِي مِثْلِهِ الْوُقُوعُ فِي أَوَّلِ الْوَقْتَيْنِ ذِكْرًا ، وَهُوَ الْيَوْمُ ، وَلَوْ قَالَ : غَدًا الْيَوْمَ ، طَلُقَتْ غَدًا ، وَهَذَا ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ : أَنْتِ طَالِقٌ الْيَوْمَ تَنْجِيزٌ وَقَوْلَهُ : غَدًا إضَافَةٌ إلَى وَقْتٍ مُنْتَظَرٍ ، وَالْمُنَجَّزُ لَا يَحْتَمِلُ الْإِضَافَةَ ؛ فَكَانَ قَوْلُهُ غَدًا لَغْوًا ، وَإِذَا قَالَ : أَوَّلًا غَدًا ، كَانَ هَذَا إضَافَةَ الطَّلَاقِ إلَى وَقْتٍ مُنْتَظَرٍ ، فَلَوْ نَجَّزَ بِذِكْرِهِ الْيَوْمَ لَمْ يَبْقَ مُضَافًا ، وَقَوْلُهُ : الْيَوْمَ لَيْسَ بِنَاسِخٍ لِحُكْمِ أَوَّلِ كَلَامِهِ ؛ فَكَانَ لَغْوًا ، وَإِنْ قَالَ : الْيَوْمَ وَغَدًا ؛ طَلُقَتْ لِلْحَالِ وَاحِدَةً لَا تَطْلُقُ غَيْرَهَا ؛ لِأَنَّ الْعَطْفَ لِلِاشْتِرَاكِ فَقَدْ وَصَفَهَا بِالطَّلَاقِ فِي الْوَقْتَيْنِ ، وَهِيَ بِالتَّطْلِيقَةِ الْوَاحِدَةِ تَتَّصِفُ بِالطَّلَاقِ فِي الْوَقْتَيْنِ جَمِيعًا .
وَإِنْ قَالَ : غَدًا وَالْيَوْمَ تَطْلُقُ وَاحِدَةً الْيَوْمَ عِنْدَنَا ، وَالْأُخْرَى غَدًا ؛ لِأَنَّهُ عَطَفَ الْجُمْلَةَ النَّاقِصَةَ عَلَى الْجُمْلَةِ الْكَامِلَةِ فَالْخَبَرُ الْمَذْكُورُ فِي الْجُمْلَةِ الْكَامِلَةِ يَصِيرُ مُعَادًا فِي الْجُمْلَةِ النَّاقِصَةِ فَإِنَّ الْعَطْفَ لِلِاشْتِرَاكِ بَيْنَ الْمَعْطُوفِ وَالْمَعْطُوفِ عَلَيْهِ فِي الْخَبَرِ ، فَكَأَنَّهُ قَالَ : وَأَنْتِ طَالِقٌ الْيَوْمَ .
وَعَنْ زُفَرَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى أَنَّهَا لَا تَطْلُقُ إلَّا وَاحِدَةً ؛ لِأَنَّ صِيغَةَ كَلَامِهِ وَصْفٌ وَهِيَ بِالتَّطْلِيقَةِ الْوَاحِدَةِ تَتَّصِفُ بِأَنَّهَا طَالِقٌ فِي الْوَقْتَيْنِ جَمِيعًا ، وَإِنْ قَالَ : أَنْتِ طَالِقٌ السَّاعَةَ غَدًا ؛ طَلُقَتْ لِلْحَالِ ، وَكَانَ قَوْلُهُ غَدًا حَشْوًا لِمَا قُلْنَا ، فَإِنْ قَالَ : عَنَيْتُ تِلْكَ السَّاعَةَ مِنْ الْغَدِ ، لَمْ يُصَدَّقْ فِي الْقَضَاءِ ؛ لِأَنَّ ظَاهِرَ كَلَامِهِ تَنْجِيزٌ ، وَهُوَ يُرِيدُ بِنِيَّتِهِ صَرْفَ الْكَلَامِ عَنْ ظَاهِرِهِ فَلَا يَدِينُ فِي الْقَضَاءِ ، وَهُوَ يَدِينُ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى ؛ لِاحْتِمَالِ كَلَامِهِ الْمَنْوِيِّ ، وَإِنْ كَانَ خِلَافَ الظَّاهِرِ وَاَللَّهُ تَعَالَى مُطَّلِعٌ عَلَى ضَمِيرِهِ .
وَإِنْ قَالَ :

أَنْتِ طَالِقٌ الْيَوْمَ إذَا جَاءَ غَدٌ فَهِيَ طَالِقٌ حِينَ يَطْلُعُ الْفَجْرُ ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ إذَا جَاءَ غَدٌ تَعْلِيقٌ بِالشَّرْطِ ، وَبِذِكْرِ الشَّرْطِ مَوْصُولًا بِكَلَامِهِ يَخْرُجُ كَلَامُهُ مِنْ أَنْ يَكُونَ تَنْجِيزًا ، كَمَا لَوْ قَالَ : أَنْتِ طَالِقٌ الْيَوْمَ إذَا كَلَّمْتَ فُلَانًا ، أَوْ إنْ كَلَّمَتْ فُلَانًا ، لَمْ تَطْلُقْ قَبْلَ الْكَلَامِ وَيَتَبَيَّنُ بِذِكْرِ الشَّرْطِ أَنَّ قَوْلَهُ : الْيَوْمَ لِبَيَانِ وَقْتِ التَّعْلِيقِ لَا لِبَيَانِ وَقْتِ الْوُقُوعِ بِخِلَافِ قَوْلِهِ : الْيَوْمَ غَدًا فَإِنَّ هَذَا لَيْسَ بِذِكْرِ الشَّرْطِ فَبَقِيَ قَوْلُهُ : الْيَوْمَ بَيَانًا لِوَقْتِ الْوُقُوعِ ، وَإِنْ قَالَ : أَنْتِ طَالِقٌ رَمَضَانَ وَشَوَّالٍ ، كَانَتْ طَالِقًا أَوَّلَ لَيْلَةٍ مِنْ رَمَضَانَ ؛ لِأَنَّهُ أَضَافَ الطَّلَاقَ إلَى وَقْتَيْنِ فَيَقَعُ عِنْدَ أَوَّلِ الْوَقْتَيْنِ ذِكْرًا .
وَإِنْ قَالَ : أَنْتِ طَالِقٌ فِي رَمَضَانَ ، فَهُوَ عَلَى أَوَّلِ رَمَضَانَ يَجِيءُ ، هُوَ الظَّاهِرُ الْمَعْلُومُ بِالْعَادَةِ مِنْ كَلَامِهِ ، كَمَا لَوْ ذَكَرَ الْأَجَلَ فِي الْيَمِينِ إلَى رَمَضَانَ ، أَوْ أَجَّرَ دَارِهِ إلَى رَمَضَانَ فَإِنْ قَالَ : عَنَيْتُ الثَّانِيَ لَمْ يُصَدَّقْ فِي الْقَضَاءِ ؛ لِأَنَّهُ خِلَافُ الظَّاهِرِ ، وَلِأَنَّهُ فِي مَعْنَى تَخْصِيصِ الْعُمُومِ ؛ لِأَنَّ مُوجِبَ كَلَامِهِ أَنْ تَكُونَ مَوْصُوفَةً بِالطَّلَاقِ فِي كُلِّ رَمَضَانَ يَجِيءُ بَعْدَ يَمِينِهِ ، فَإِذَا عَيَّنَ الْبَعْضَ دُونَ الْبَعْضِ ، كَانَ هَذَا تَخْصِيصًا لِلْعُمُومِ ، وَتَخْصِيصُ الْعُمُومِ بِالنِّيَّةِ صَحِيحٌ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى دُونَ الْقَضَاءِ ، وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ : أَنْتِ طَالِقٌ يَوْمَ السَّبْتِ فَهُوَ عَلَى أَوَّلِ سَبْتٍ فَإِنْ قَالَ : عَنَيْت الثَّانِيَ ، لَمْ يُصَدَّقْ فِي الْقَضَاءِ ، وَإِنْ قَالَ : طَالِقٌ بِمَكَّةَ أَوْ فِي مَكَّةَ طَلُقَتْ فِي الْحَالِ ؛ لِأَنَّهُ وَصَفَهَا بِالطَّلَاقِ فِي مَكَان مَوْجُودٍ ، وَالطَّلَاقُ لَا يَخْتَصُّ بِمَكَانٍ دُونَ مَكَان ، وَلَكِنْ إذَا وَقَعَ عَلَيْهَا فِي مَكَان تَتَّصِفُ بِهِ فِي الْأَمْكِنَةِ كُلِّهَا ، فَإِنْ قَالَ : عَنَيْت بِهِ إذَا أَتَيْت مَكَّةَ ، لَمْ يُصَدَّقْ فِي

الْقَضَاءِ ، وَيُصَدَّقُ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى ؛ لِأَنَّهُ ذَكَرَ الْمَكَانَ وَعَبَّرَ بِهِ عَنْ الْفِعْلِ الْمَوْجُودِ فِيهِ ، وَذَلِكَ نَوْعٌ مِنْ الْمَجَازِ مُخَالِفٌ لِلْحَقِيقَةِ وَالظَّاهِرِ فَلَا يَدِينُ فِي الْقَضَاءِ وَيَدِينُ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى .
وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ : أَنْتِ طَالِقٌ فِي ثَوْبِ كَذَا وَعَلَيْهَا غَيْرُهُ طَلُقَتْ لِأَنَّ وَصْفَهُ إيَّاهَا بِالطَّلَاقِ لَا يَخْتَصُّ بِثَوْبٍ دُونَ ثَوْبٍ ، فَإِنْ قَالَ : عَنَيْت بِهِ إذَا لَبِسَتْ ذَلِكَ الثَّوْبَ دِينَ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى ؛ لِأَنَّهُ جَعَلَ ذِكْرَ الثَّوْبِ كِنَايَةً عَنْ فِعْلِ اللُّبْسِ فِيهِ ، وَهُوَ نَوْعٌ مِنْ الْمَجَازِ ، وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ : فِي الدَّارِ أَوْ فِي الْبَيْتِ أَوْ فِي الظِّلِّ أَوْ فِي الشَّمْسِ ، وَإِنْ قَالَ : فِي ذَهَابِك إلَى مَكَّةَ أَوْ فِي دُخُولِ الدَّارِ أَوْ فِي لُبْسِك ثَوْبَ كَذَا لَمْ تَطْلُقْ حَتَّى تَفْعَلَ ذَلِكَ ؛ لِأَنَّ حَرْفَ " فِي " لِلظَّرْفِ ، وَالْفِعْلُ لَا يَصْلُحُ ظَرْفًا لِلطَّلَاقِ عَلَى أَنْ يَكُونَ شَاغِلًا لَهُ فَيُحْمَلُ عَلَى مَعْنَى الشَّرْطِ ؛ لِأَنَّ الْمَظْرُوفَ يَسْبِقُ الظَّرْفَ كَمَا أَنَّ الشَّرْطَ يَسْبِقُ الْجَزَاءَ وَيَجْعَلُ حَرْفَ " فِي " بِمَعْنَى مَعَ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى { : فَادْخُلِي فِي عِبَادِي } أَيْ مَعَ عِبَادِي وَيُقَالُ : دَخَلَ الْأَمِيرُ الْبَلْدَةَ فِي جُنْدِهِ أَيْ مَعَهُمْ .
وَلَوْ قَالَ : أَنْتِ طَالِقٌ مَعَ دُخُولِك الدَّارَ لَمْ تَطْلُقْ حَتَّى تَدْخُلَ فَهَذَا مِثْلُهُ بِخِلَافِ قَوْلِهِ : فِي الدَّارِ ؛ لِأَنَّهُ لَوْ قَالَ : مَعَ الدَّارِ طَلُقَتْ ؛ لِأَنَّهُ قَرَنَ الطَّلَاقَ بِمَا هُوَ مَوْجُودٌ ، وَإِنْ قَالَ : أَنْتِ طَالِقٌ وَأَنْتِ تُصَلِّينَ طَلُقَتْ لِلْحَالِ : لِأَنَّ قَوْلَهُ : وَأَنْتِ تُصَلِّينَ ابْتِدَاءٌ فَإِنْ قَالَ : عَنَيْتُ إذَا صَلَّيْتُ لَمْ يُصَدَّقْ فِي الْقَضَاءِ ؛ لِأَنَّ الشَّرْطَ لَا يُعْطَفُ عَلَى الْجَزَاءِ ، وَيُصَدَّقُ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى لِأَنَّ هَذَا اللَّفْظَ يُذْكَرُ بِمَعْنَى الْحَالِ تَقُولُ : دَخَلْتُ الدَّارَ عَلَى فُلَانٍ ، وَهُوَ يَفْعَلُ كَذَا أَيْ فِي تِلْكَ الْحَالَةِ

فَيَكُونُ مَعْنَى هَذَا أَنْتِ طَالِقٌ فِي حَالِ اشْتِغَالِك بِالصَّلَاةِ فَيَدِينُ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى ؛ لِاحْتِمَالِ لَفْظِهِ مَا نَوَى ، وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ : أَنْتِ طَالِقٌ مُصَلِّيَةً فِي الْقَضَاءِ تَطْلُقُ فِي الْحَالِ ، وَإِنْ قَالَ : عَنَيْت إذَا صَلَّيْتِ دِينَ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى بِمَعْنَى الْحَالِ .
وَأَهْلُ النَّحْوِ يَقُولُونَ إنْ قَالَ : مُصَلِّيَةٌ بِالرَّفْعِ لَا يَدِينُ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى ، وَإِنْ قَالَ : مُصَلِّيَةً بِالنَّصْبِ حِينَئِذٍ يَدِينُ فِي الْقَضَاءِ أَيْضًا وَهُوَ نَصْبٌ عَلَى الْحَالِ ، وَهَذَا ظَاهِرٌ عِنْدَ أَهْلِ النَّحْوِ وَهُوَ نَصْبٌ عَلَى الْحَالِ ، وَعِنْدَ الْفُقَهَاءِ يَدِينُ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى ، وَإِنْ قَالَ : أَنْتِ طَالِقٌ فِي مَرَضِك أَوْ فِي وَجَعِك لَمْ تَطْلُقْ حَتَّى يَكُونَ مِنْهَا ذَلِكَ الْفِعْلُ إمَّا ؛ لِأَنَّ حَرْفَ " فِي " بِمَعْنَى مَعَ أَوْ ؛ لِأَنَّ الْمَرَضَ وَالْوَجَعَ لَمَّا لَمْ يَصْلُحْ ظَرْفًا حُمِلَ عَلَى مَعْنَى الشَّرْطِ مَجَازًا لِتَصْحِيحِ كَلَامِ الْعَاقِلِ .
وَإِنْ قَالَ : أَنْتِ طَالِقٌ قَبْلَ قُدُومِ فُلَانٍ بِشَهْرٍ فَقَدِمَ فُلَانٌ قَبْلَ تَمَامِ الشَّهْرِ لَمْ تَطْلُقْ ؛ لِأَنَّهُ أَضَافَ الطَّلَاقَ إلَى وَقْتٍ مُنْتَظَرٍ وَهُوَ أَوَّلُ شَهْرٍ يَتَّصِلُ بِآخِرِهِ قُدُومُ فُلَانٍ فَيُرَاعَى وُجُودُ هَذَا الْوَقْتِ بَعْدَ الْيَمِينِ وَلَمْ يُوجَدْ ، وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ : أَنْتِ طَالِقٌ قَبْلَ مَوْتِ فُلَانٍ بِشَهْرٍ فَمَاتَ فُلَانٌ قَبْلَ تَمَامِ الشَّهْرِ ، لَمْ تَطْلُقْ بِخِلَافِ مَا لَوْ قَالَ لَهَا فِي النِّصْفِ مِنْ شَعْبَانَ : أَنْتِ طَالِقٌ قَبْلَ رَمَضَانَ بِشَهْرٍ تَطْلُقُ فِي الْحَالِ ؛ لِأَنَّهُ أَضَافَ الطَّلَاقَ إلَى وَقْتٍ قَدْ تَيَقَّنَ مُضِيُّهُ فَيَكُونُ ذَلِكَ تَنْجِيزًا مِنْهُ كَقَوْلِهِ : أَنْتِ طَالِقٌ أَمْسِ .
فَأَمَّا إذَا قَدِمَ فُلَانٌ أَوْ مَاتَ لِتَمَامِ الشَّهْرِ فَعَلَى قَوْلِ زُفَرَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى فِي الْفَصْلَيْنِ جَمِيعًا يَقَعُ الطَّلَاقُ مِنْ أَوَّلِ الشَّهْرِ حَتَّى تُعْتَبَرَ الْعِدَّةُ مِنْ ذَلِكَ الْوَقْتِ ، وَلَوْ كَانَ وَطِئَهَا فِي الشَّهْرِ صَارَ

مُرَاجِعًا فِي الطَّلَاقِ الرَّجْعِيِّ ، وَفِي الْبَائِنِ يَلْزَمُهُ مَهْرٌ بِالْوَطْءِ ، وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى يَقَعُ الطَّلَاقُ مَقْصُورًا عَلَى حَالَةِ الْقُدُومِ وَالْمَوْتِ حَتَّى تُعْتَبَرَ الْعِدَّةُ فِي الْحَالِ ، وَلَا يَصِيرُ مُرَاجِعًا بِالْوَطْءِ فِي الشَّهْرِ ، وَلَا يَلْزَمُهُ بِهِ مَهْرٌ ، وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى : فِي الْقُدُومِ الْجَوَابُ كَمَا قَالَا ، وَفِي الْمَوْتِ الْجَوَابُ كَمَا قَالَ زُفَرُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى .
وَجْهُ قَوْلِ زُفَرَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى أَنَّ وُقُوعَ الطَّلَاقِ بِإِيقَاعِهِ إنَّمَا يَقَعُ فِي الْوَقْتِ الَّذِي أَوْقَعَهُ ، وَإِنَّمَا أَوْقَعَهُ فِي أَوَّلِ شَهْرٍ يَتَّصِلُ بِآخِرِهِ قُدُومُ فُلَانٍ أَوْ مَوْتُهُ فَيَقَعُ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ ، وَقَدْ وُجِدَ ذَلِكَ الْوَقْتُ بَعْدَ الْيَمِينِ وَلَكِنْ لَمْ يَكُنْ مَعْلُومًا لَنَا مَا لَمْ يُوجَدْ الْقُدُومُ وَالْمَوْتُ ، فَإِذَا صَارَ مَعْلُومًا لَنَا ، تَبَيَّنَ أَنَّهُ كَانَ وَاقِعًا كَمَا قَالَ لَهَا : إذَا حِضْت فَأَنْتِ طَالِقٌ فَرَأَتْ الدَّمَ لَا يُحْكَمُ بِوُقُوعِ الطَّلَاقِ حَتَّى يَسْتَمِرَّ بِهَا ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ ثُمَّ يَتَبَيَّنُ أَنَّهُ كَانَ وَاقِعًا عِنْدَ رُؤْيَةِ الدَّمِ ، وَكَذَلِكَ إذَا قَالَ : إنْ كَانَ فِي بَطْنِك غُلَامٌ ؛ فَأَنْتِ طَالِقٌ لَا يُحْكَمُ بِالْوُقُوعِ حَتَّى تَلِدَ ، فَإِذَا وَلَدَتْ غُلَامًا تَبَيَّنَ أَنَّ الطَّلَاقَ كَانَ وَاقِعًا .
وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ أَنَّهُ لَوْ أُوقِعَ عِنْدَ مُضِيِّ شَهْرٍ بَعْدَ الْقُدُومِ أَوْ الْمَوْتِ لَا يَقَعُ إلَّا فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ ، فَكَذَلِكَ إذَا أُوقِعَ قَبْلَهُ بِشَهْرٍ ، وَلَوْ قَالَ لِأَجْنَبِيَّةٍ : أَنْتِ طَالِقٌ قَبْلَ أَنْ أَتَزَوَّجَك بِشَهْرٍ ثُمَّ تَزَوَّجَهَا بَعْدَ شَهْرٍ لَمْ تَطْلُقْ .
وَلَوْ انْتَصَبَ التَّزَوُّجُ شَرْطًا وَكَانَ أَوَانُ الْوُقُوعِ بَعْدَهُ لَطَلُقَتْ وَأَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى قَالَا : وُقُوعُ الطَّلَاقِ تَوَقَّفَ بِكَلَامِهِ عَلَى وُجُودِ الْقُدُومِ وَالْمَوْتِ ، وَإِنَّمَا يَتَوَقَّفُ عَلَى وُجُودِ الشَّرْطِ فَعَرَفْنَا أَنَّهُ شَرْطٌ مَعْنًى ،

وَالْجَزَاءُ يَتَأَخَّرُ عَنْ الشَّرْطِ ثُمَّ هَذَا فِي الْقُدُومِ وَاضِحٌ ؛ لِأَنَّهُ عَلَى خَطَرِ الْوُجُودِ ، وَفِي الشَّرْطِ مَعْنَى الْخَطَرِ وَالْمَوْتِ .
وَإِنْ كَانَ كَائِنًا لَا مَحَالَةَ وَلَكِنْ مَضَى الشَّهْرُ بَعْدَ كَلَامِهِ قَبْلَ الْمَوْتِ لَمْ يَكُنْ كَائِنًا عِنْدَ يَمِينِهِ لَا مَحَالَةَ وَلِهَذَا قَالَ : لَوْ مَاتَ قَبْلَ تَمَامِ الشَّهْرِ ، لَمْ تَطْلُقْ وَلِأَنَّ الْمَوْتَ قَدْ يَتَقَدَّمُ وَقَدْ يَتَأَخَّرُ ؛ فَكُلُّ شَهْرٍ يَمْضِي بَعْدَ يَمِينِهِ لَا يُعْلَمُ أَنَّهُ الْوَقْتُ الْمُضَافُ إلَيْهِ الطَّلَاقُ مَا لَمْ يَتَّصِلْ الْمَوْتُ بِآخِرِهِ ؛ لِجَوَازِ أَنْ يَتَأَخَّرَ عَنْهُ كَمَا فِي الْقُدُومِ لَا يُعْلَمُ ذَلِكَ ؛ لِجَوَازِ أَنْ لَا يَقْدُمَ أَصْلًا فَكَانَ هَذَا فِي مَعْنَى الشَّرْطِ أَيْضًا بِخِلَافِ قَوْلِهِ : أَنْتِ طَالِقٌ قَبْلَ أَنْ أَتَزَوَّجَك بِشَهْرٍ فَإِنَّ الْإِضَافَةَ هُنَا لَغْوٌ أَصْلًا ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مَالِكٍ لِلطَّلَاقِ فِي الْوَقْتِ الَّذِي أَضَافَ إلَيْهِ ، وَاعْتِبَارُ مَعْنَى الشَّرْطِ بَعْدَ صِحَّةِ الْإِضَافَةِ .
وَفِي مَسْأَلَةِ الْحَيْضِ الشَّرْطُ يُوجَدُ بِرُؤْيَةِ قَطْرَةٍ مِنْ الدَّمِ ، وَلَكِنْ لَا يُحْكَمُ بِالطَّلَاقِ ؛ لِجَوَازِ أَنْ يَنْقَطِعَ قَبْلَ تَمَامِ الثَّلَاثِ فَلَمْ يَكُنْ وُقُوعُ الطَّلَاقِ هُنَاكَ مَوْقُوفًا عَلَى وُجُودِ أَمْرٍ مُنْتَظَرٍ ، وَكَذَلِكَ فِي مَسْأَلَةِ الْحَبَلِ كَلَامُهُ تَنْجِيزٌ لِلطَّلَاقِ ؛ لِأَنَّ التَّعْلِيقَ بِمَا هُوَ مَوْجُودٌ يَكُونُ تَنْجِيزًا فَلَمْ يَكُنْ الْوُقُوعُ مَوْقُوفًا عَلَى أَمْرٍ مُنْتَظَرٍ ، وَلَكِنَّا لَا نَحْكُمُ بِهِ قَبْلَ الْوِلَادَةِ ؛ لِعَدَمِ عِلْمِنَا بِهِ فَلَمْ يَكُنْ فِي مَعْنَى الشَّرْطِ .
وَالْفَرْقُ لِأَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى مَا أَشَارَ إلَيْهِ فِي الْكِتَابِ فَقَالَ : إنَّ مَوْتَ فُلَانٍ حَقٌّ كَائِنٌ ، وَقُدُومُهُ لَا يَدْرِي أَيَكُونُ أَوْ لَا يَكُونُ ، وَتَقْرِيرُهُ مِنْ وَجْهَيْنِ : ( أَحَدُهُمَا ) أَنَّ الشَّيْءَ إنَّمَا يَتَّصِفُ بِكَوْنِهِ شَرْطًا بِذِكْرِ حَرْفِ الشَّرْطِ فِيهِ ، أَوْ وُجُودِ مَعْنَى الشَّرْطِ وَلَمْ يَذْكُرْ حَرْفَ الشَّرْطِ فِي الْفَصْلَيْنِ وَلَكِنْ وُجِدَ مَعْنَى الشَّرْطِ فِي

مَسْأَلَةِ الْقُدُومِ ؛ لِأَنَّ وُجُودَهُ عَلَى خَطَرٍ وَهُوَ مِمَّا يَصِحُّ الْأَمْرُ بِهِ وَالنَّهْيُ عَنْهُ وَهَذَا مَعْنَى الشَّرْطِ فَإِنَّ الْحَالِفَ يَقْصِدُ بِيَمِينِهِ مَنْعَ الشَّرْطِ .
فَإِذَا تَوَقَّفَ وُقُوعُ الطَّلَاقِ عَلَى وُجُودِهِ وَفِيهِ مَعْنَى الشَّرْطِ ، انْتَصَبَ شَرْطًا ، فَأَمَّا الْمَوْتُ فَلَا خَطَرَ فِي وُجُودِهِ بَلْ هُوَ كَائِنٌ لَا مَحَالَةَ ، وَلَا يَصِحُّ الْأَمْرُ بِهِ وَالنَّهْيُ عَنْهُ فَلَمْ يَكُنْ قَصْدُهُ بِهَذَا الْكَلَامِ مَنْعَ الْمَوْتِ ، وَإِذَا لَمْ يَكُنْ فِيهِ مَعْنَى الشَّرْطِ ، كَانَ مُعَرِّفًا لِلْوَقْتِ الْمُضَافِ إلَيْهِ فَإِنَّمَا يَقَعُ الطَّلَاقُ مِنْ أَوَّلِ ذَلِكَ الْوَقْتِ كَمَا فِي قَوْلِهِ : أَنْتِ طَالِقٌ قَبْلَ رَمَضَانَ بِشَهْرٍ يَقَعُ الطَّلَاقُ فِي أَوَّلِ شَعْبَانَ ، إلَّا أَنَّ هُنَاكَ الْوَقْتَ يَصِيرُ مَعْلُومًا قَبْلَ دُخُولِ رَمَضَانَ ، وَهُنَا لَا يَصِيرُ مَعْلُومًا مَا لَمْ يَمُتْ ، فَإِذَا صَارَ مَعْلُومًا لَنَا ، تَبَيَّنَ أَنَّ الطَّلَاقَ كَانَ وَاقِعًا مِنْ أَوَّلِهِ .
( وَالثَّانِي ) أَنَّهُ أَوْقَعَ الطَّلَاقَ فِي أَوَّلِ شَهْرٍ يَتَّصِلُ بِآخِرِهِ قُدُومُ فُلَانٍ أَوْ مَوْتُهُ ، وَفِي مَسْأَلَةِ الْقُدُومِ هَذَا الِاتِّصَالُ لَا يَقَعُ أَصْلًا إلَّا بَعْدَ الْقُدُومِ ؛ لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ لَا يَقْدَمُ أَصْلًا ، وَبِدُونِ هَذَا الِاتِّصَالِ لَا يَقَعُ الطَّلَاقُ أَصْلًا ، أَمَّا فِي مَسْأَلَةِ الْمَوْتِ ، هَذَا الِاتِّصَالُ ثَابِتٌ قَبْلَ الْمَوْتِ ؛ لِأَنَّ الْمَوْتَ كَائِنٌ فَيُعْلَمُ يَقِينًا أَنَّ فِي الشُّهُورِ الَّتِي تَأْتِي شَهْرًا مَوْصُوفًا بِهَذِهِ الصِّفَةِ ، وَلَكِنْ لَا يُدْرَى أَيُّ شَهْرٍ ذَاكَ فَلَا يُحْكَمُ بِالطَّلَاقِ مَا لَمْ يَصِرْ مَعْلُومًا لَنَا ، فَإِذَا صَارَ مَعْلُومًا ، تَبَيَّنَ أَنَّهُ كَانَ وَاقِعًا مِنْ أَوَّلِ ذَلِكَ الْوَقْتِ ، يُقَرِّرُهُ أَنَّ فِي مَسْأَلَةِ الْمَوْتِ الْوَقْتَ الْمُضَافَ إلَيْهِ يَصِيرُ مَعْلُومًا قَبْلَ حَقِيقَةِ الْمَوْتِ ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا أَشْرَفَ عَلَى الْهَلَاكِ صَارَ الْوَقْتُ الْمُضَافُ إلَيْهِ مَعْلُومًا فَلِهَذَا لَا يَتَأَخَّرُ الطَّلَاقُ عَنْ الْمَوْتِ .
وَفِي مَسْأَلَةِ الْقُدُومِ لَا يَصِيرُ الْوَقْتُ مَعْلُومًا مَا

لَمْ يُوجَدْ حَقِيقَةُ الْقُدُومِ ؛ لِجَوَازِ أَنْ لَا يَقْدَمَ فَلِهَذَا تَأَخَّرَ الطَّلَاقُ عَنْهُ ، وَإِنْ قَالَ : أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا قَبْلَ مَوْتِك بِشَهْرٍ فَمَاتَتْ قَبْلَ مُضِيِّ الشَّهْرِ لَمْ تَطْلُقْ ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُوجَدْ الْوَقْتُ الْمُضَافُ إلَيْهِ بَعْدَ الْيَمِينِ ، فَإِنْ مَاتَتْ بَعْدَ تَمَامِ الشَّهْرِ ، فَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى لَا يَقَعُ الطَّلَاقُ ؛ لِأَنَّهُ لَوْ وَقَعَ وَقَعَ بَعْدَ مَوْتِهَا ، وَالطَّلَاقُ لَا يَقَعُ عَلَيْهَا بَعْدَ الْمَوْتِ .
وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى يَقَعُ مِنْ أَوَّلِ الشَّهْرِ فَلَا مِيرَاثَ لَهُ مِنْهَا ، وَإِنْ كَانَ جَامَعَهَا فِي الشَّهْرِ ، فَعَلَيْهِ مَهْرٌ آخَرُ لَهَا ؛ لِأَنَّهُ تَبَيَّنَ أَنَّهُ جَامَعَهَا بَعْدَ وُقُوعِ التَّطْلِيقَاتِ الثَّلَاثِ عَلَيْهَا ، وَكَذَلِكَ لَوْ قُتِلَتْ أَوْ غَرِقَتْ فَهَذَا مَوْتٌ ، وَإِنْ كَانَ بِسَبَبٍ مَخْصُوصٍ ، وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ : أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا قَبْلَ مَوْتِي بِشَهْرٍ ثُمَّ مَاتَ لِتَمَامِ الشَّهْرِ عِنْدَهُمَا لَا تَطْلُقُ ؛ لِأَنَّهُ لَوْ وَقَعَ وَقَعَ بَعْدَ مَوْتِهِ .
وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى يَتَبَيَّنُ وُقُوعُ الطَّلَاقِ مِنْ أَوَّلِ الشَّهْرِ حَتَّى إذَا كَانَ صَحِيحًا فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ فَلَا مِيرَاثَ لَهَا مِنْهُ وَعَلَيْهَا الْعِدَّةُ بِثَلَاثِ حِيَضٍ ، وَإِنْ قَالَ : أَنْتِ طَالِقٌ قَبْلَ الْأَضْحَى بِتِسْعَةِ أَيَّامٍ فَهِيَ طَالِقٌ حِينَ يَنْسَلِخُ ذُو الْقِعْدَةِ ؛ لِعِلْمِنَا بِوُجُودِ الْوَقْتِ الْمُضَافِ إلَيْهِ الطَّلَاقُ ، وَإِنْ قَالَ : أَنْتِ طَالِقٌ قَبْلَ مَوْتِ فُلَانٍ وَفُلَانٍ بِشَهْرٍ فَمَاتَ أَحَدُهُمَا قَبْلَ تَمَامِ الشَّهْرِ لَمْ تَطْلُقْ ؛ لِأَنَّ الْوَقْتَ الْمُضَافَ إلَيْهِ بَعْدَ يَمِينِهِ لَمْ يُوجَدْ : فَإِنْ مَاتَ أَحَدُهُمَا بَعْدَ تَمَامِ الشَّهْرِ طَلُقَتْ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ اسْتِحْسَانًا مُسْتَنِدًا إلَى أَوَّلِ الشَّهْرِ ، وَعِنْدَهُمَا طَلُقَتْ فِي الْحَالِ بِخِلَافِ لَوْ قَالَ لَهَا : أَنْتِ طَالِقٌ قَبْلَ قُدُومِ فُلَانٍ وَفُلَانٍ بِشَهْرٍ فَقَدِمَ أَحَدُهُمَا بَعْدَ تَمَامِ الشَّهْرِ لَمْ تَطْلُقْ حَتَّى

يَقْدَمَ الْآخَرُ ، وَبِهَذَا يَتَّضِحُ فَرْقُ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى أَنَّ الْقُدُومَ يَنْتَصِبُ شَرْطًا ، وَالْمَوْتُ لَا يَنْتَصِبُ ، وَوَجْهُ الْفَرْقِ أَنَّهُ أَوْقَعَ الطَّلَاقَ فِي وَقْتٍ مَوْصُوفٍ بِأَنَّهُ قَبْلَ قُدُومِهِمَا بِشَهْرٍ وَذَلِكَ لَا يَصِيرُ مَعْلُومًا بِقُدُومِ أَحَدِهِمَا ؛ لِجَوَازِ أَنْ لَا يَقْدَمَ الْآخَرُ أَصْلًا .
فَأَمَّا فِي الْمَوْتِ يَصِيرُ ذَلِكَ الْوَقْتُ مَعْلُومًا بِمَوْتِ أَحَدِهِمَا ؛ لِأَنَّ مَوْتَ الْآخَرِ كَائِنٌ لَا مَحَالَةَ ، وَقَدْ طَعَنَ بَعْضُ مَشَايِخِنَا رَحِمَهُمْ اللَّهُ تَعَالَى فِي هَذَا وَقَالُوا : يَنْبَغِي أَنْ لَا يَقَعَ الطَّلَاقُ بِمَوْتِ أَحَدِهِمَا فَإِنَّ الْوَقْتَ إنَّمَا يَصِيرُ مَوْصُوفًا بِأَنَّهُ قَبْلَ مَوْتِهِمَا بِشَهْرٍ إذَا مَاتَا مَعًا ، فَأَمَّا إذَا مَاتَ أَحَدُهُمَا ، وَبَقِيَ الْآخَرُ زَمَانًا ، فَأَوَّلُ هَذَا الشَّهْرِ مَوْصُوفٌ بِأَنَّهُ قَبْلَ مَوْتِ أَحَدِهِمَا بِشَهْرٍ ، وَقَبْلَ الْآخَرِ بِسَنَةٍ ، وَلَكِنَّا نَقُولُ : مَوْتُهُمَا مَعًا نَادِرٌ ، وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْمُتَكَلِّمَ لَا يَقْصِدُ ذَلِكَ .
وَإِذَا مَاتَ أَحَدُهُمَا بَعْدَ تَمَامِ الشَّهْرِ ، فَأَوَّلُ هَذَا الشَّهْرِ مَوْصُوفٌ بِأَنَّهُ قَبْلَ مَوْتِهِمَا بِشَهْرٍ فِي عُرْفِ اللِّسَانِ كَمَا يُقَالُ : رَمَضَانُ قَبْلَ الْفِطْرِ وَالْأَضْحَى بِشَهْرٍ ، وَإِنْ كَانَ قَبْلَ الْأَضْحَى بِثَلَاثَةِ أَشْهُرٍ وَأَكْثَرَ

( قَالَ ) : وَلَوْ قَالَ : أَنْتِ طَالِقٌ السَّاعَةَ إنْ كَانَ فِي عِلْمِ اللَّهِ تَعَالَى أَنْ فُلَانًا يَقْدَمُ إلَى شَهْرٍ فَقَدِمَ فُلَانٌ لِتَمَامِ الشَّهْرِ طَلُقَتْ بَعْدَ الْقُدُومِ ، وَهُوَ دَلِيلٌ لَهُمَا عَلَى أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى ؛ لِأَنَّ عِلْمَ اللَّهِ تَعَالَى مُحِيطٌ بِالْأَشْيَاءِ كُلِّهَا كَمَا أَنَّ الْمَوْتَ كَائِنٌ لَا مَحَالَةَ ، وَلَكِنَّا نَقُولُ : مَعْنَى هَذَا الْكَلَامِ إنْ قَدِمَ فُلَانٌ إلَى شَهْرٍ ؛ لِأَنَّ عِلْمَ اللَّهِ تَعَالَى لَا طَرِيقَ لِلْحَالِفِ إلَى مَعْرِفَتِهِ ، وَإِنَّمَا تَنْبَنِي الْأَحْكَامُ عَلَى مَا يَكُونُ لَنَا طَرِيقٌ إلَى مَعْرِفَتِهِ فَكَأَنَّهُ قَالَ : إنْ قَدِمَ فُلَانٌ إلَى شَهْرٍ فَلِهَذَا تَأَخَّرَ الْوُقُوعُ إلَى الْقُدُومِ .
وَلَوْ قَالَ لِامْرَأَتَيْهِ : أَطْوَلُكُمَا حَيَاةً طَالِقٌ السَّاعَةَ لَمْ يَقَعْ الطَّلَاقُ حَتَّى تَمُوتَ إحْدَاهُمَا ؛ لِأَنَّ الْمُرَادَ طُولُ الْحَيَاةِ فِي الْمُسْتَقْبَلِ لَا فِي الْمَاضِي حَتَّى إذَا كَانَتْ إحْدَاهُمَا بِنْتَ عَشْرِ سِنِينَ ، وَالْأُخْرَى بِنْتَ سِتِّينَ سَنَةً لَمْ تَطْلُقْ الْعَجُوزُ فَعَرَفْنَا أَنَّ طُولَ الْحَيَاةِ فِي الْمُسْتَقْبَلِ مُرَادٌ وَذَلِكَ غَيْرُ مَعْلُومٍ ؛ لِجَوَازِ أَنْ يَمُوتَا مَعًا ، فَإِنْ مَاتَتْ إحْدَاهُمَا طَلُقَتْ الْأُخْرَى فِي الْحَالِ عِنْدَنَا ، وَعِنْدَ زُفَرَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى طَلُقَتْ مِنْ حِينِ تَكَلَّمَ الزَّوْجُ ؛ لِأَنَّهُ تَبَيَّنَ أَنَّهَا كَانَتْ أَطْوَلُهُمَا حَيَاةً ، وَأَنَّ الزَّوْجَ عَلَّقَ الطَّلَاقَ بِشَرْطٍ مَوْجُودٍ ، وَلَكِنَّا نَقُولُ : مَعْنَى كَلَامِ الزَّوْجِ الَّتِي تَبْقَى مِنْكُمَا بَعْدَ مَوْتِ الْأُخْرَى طَالِقٌ ، وَذَلِكَ غَيْرُ مَعْلُومٍ قَبْلَ مَوْتِ إحْدَاهُمَا بَلْ هُوَ عَلَى خَطَرِ الْوُجُودِ ؛ لِجَوَازِ أَنْ يَمُوتَا مَعًا فَلِهَذَا انْتَصَبَ شَرْطًا .

( قَالَ ) : وَلَوْ قَالَ : يَا زَيْنَبُ ، فَأَجَابَتْهُ عَمْرَةُ ؛ فَقَالَ : أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا طَلُقَتْ الَّتِي أَجَابَتْهُ ، لِأَنَّهُ أَتْبَعَ الْإِيقَاعَ الْجَوَابَ فَيَصِيرُ مُخَاطِبًا لِلْمُجِيبَةِ ، وَإِنْ قَالَ : أَرَدْت زَيْنَبَ قُلْنَا تَطْلُقُ زَيْنَبُ بِقَصْدِهِ ، وَلَكِنَّهُ لَا يُصَدَّقُ فِي صَرْفِ الْكَلَامِ عَنْ ظَاهِرِهِ فَتَطْلُقُ عَمْرَةُ أَيْضًا بِالظَّاهِرِ كَمَا لَوْ قَالَ : زَيْنَبُ طَالِقٌ ، وَلَهُ امْرَأَةٌ مَعْرُوفَةٌ بِهَذَا الِاسْمِ تَطْلُقُ ، فَإِنْ قَالَ : لِي امْرَأَةٌ أُخْرَى بِهَذَا الِاسْمِ تَزَوَّجْتهَا سِرًّا ، وَإِيَّاهَا عَنَيْت قُلْنَا تَطْلُقُ تِلْكَ بِنِيَّتِهِ ، وَالْمَعْرُوفَةُ بِالظَّاهِرِ ، وَلَوْ قَالَ : يَا زَيْنَبُ أَنْتِ طَالِقٌ وَلَمْ يُجِبْهُ أَحَدٌ طَلُقَتْ زَيْنَبُ ؛ لِأَنَّهُ أَتْبَعَ الْإِيقَاعَ النِّدَاءَ فَيَكُونُ خِطَابًا لِلْمُنَادَى وَهِيَ زَيْنَبُ .
وَإِنْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ يُشِيرُ إلَيْهَا : يَا زَيْنَبُ أَنْتِ طَالِقٌ فَإِذَا هِيَ عَمْرَةُ طَلُقَتْ عَمْرَةُ ، إنْ كَانَتْ امْرَأَتَهُ ، وَإِنْ لَمْ تَكُنْ امْرَأَتُهُ ، لَمْ تَطْلُقْ زَيْنَبُ ؛ لِأَنَّ التَّعْرِيفَ بِالْإِشَارَةِ أَبْلَغُ مِنْ التَّعْرِيفِ بِالِاسْمِ ، فَإِنَّ التَّعْرِيفَ بِالْإِشَارَةِ يَقْطَعُ الشَّرِكَةَ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ ، وَبِالِاسْمِ لَا ، فَكَانَ هَذَا أَقْوَى ، وَلَا يَظْهَرُ الضَّعِيفُ فِي مُقَابَلَةِ الْقَوِيِّ ؛ فَكَانَ هُوَ مُخَاطِبًا بِالْإِيقَاعِ لِمَنْ أَشَارَ إلَيْهَا خَاصَّةً ، وَإِنْ قَالَ : يَا زَيْنَبُ أَنْتِ طَالِقٌ ، وَلَمْ يُشِرْ إلَى شَيْءٍ غَيْرَ أَنَّهُ رَأَى شَخْصًا فَظَنَّهَا زَيْنَبَ ، وَهِيَ غَيْرُهَا طَلُقَتْ زَيْنَبُ فِي الْقَضَاءِ ؛ لِأَنَّهُ بَنَى الْإِيقَاعَ عَلَى التَّعْرِيفِ بِالِاسْمِ هُنَا فَإِنَّمَا يَقَعُ عَلَى الْمُسَمَّاةِ ، وَلَا مُعْتَبَرَ بِظَنِّهِ ؛ لِأَنَّ التَّعْرِيفَ لَا يَحْصُلُ بِهِ فِي الظَّاهِرِ ، وَالْقَاضِي مَأْمُورٌ بِاتِّبَاعِ الظَّاهِرِ .
فَأَمَّا فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى لَا تَطْلُقُ هِيَ وَلَا الْأُخْرَى ؛ لِأَنَّهُ عَنَاهَا بِقَلْبِهِ ، وَاَللَّهُ تَعَالَى مُطَّلِعٌ عَلَى مَا فِي ضَمِيرِهِ فَيَمْنَعُ ذَلِكَ الْإِيقَاعُ عَلَى زَيْنَبَ الَّتِي لَمْ

أقسام الكتاب
1 2 3 4 5 6 7 8 9 10 11 12 13 14 15 16 17 18 19 20 21 22 23 24 25 26 27 28 29 30 31 32 33 34 35 36 37 38 39 40 41 42 43 44 45 46 47 48 49 50 51 52 53 54 55 56 57 58 59 60 61 62 63 64 65 66 67 68 69 70 71 72 73 74 75 76 77 78 79 80 81 82 83 84 85 86 87 88 89 90 91 92 93 94 95 96