كتاب : المبسوط
المؤلف : محمد بن أحمد بن أبي سهل شمس الأئمة السرخسي

يَعْنِهَا بِقَلْبِهِ ، وَعَلَى الَّتِي عَنَاهَا بِقَلْبِهِ ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُخَاطِبْهَا بِلِسَانِهِ حِينَ أَتْبَعَ الْخِطَابَ النِّدَاءَ ، وَإِنْ قَالَ : أَنْتِ طَالِقٌ هَكَذَا وَأَشَارَ بِأُصْبُعٍ وَاحِدَةٍ فَهِيَ طَالِقٌ وَاحِدَةً ، وَإِنْ أَشَارَ بِأُصْبُعَيْنِ فَهِيَ طَالِقٌ اثْنَتَيْنِ ، وَإِنْ أَشَارَ بِثَلَاثَةِ أَصَابِعَ فَهِيَ طَالِقٌ ثَلَاثًا ؛ لِأَنَّ الْإِشَارَةَ بِالْأَصَابِعِ بِمَنْزِلَةِ التَّصْرِيحِ بِالْعَدَدِ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { : الشَّهْرُ هَكَذَا وَهَكَذَا وَهَكَذَا ، وَخَنَّسَ إبْهَامَهُ فِي الثَّالِثَةِ } فَيَكُونُ ذَلِكَ بَيَانًا أَنَّ الشَّهْرَ تِسْعَةٌ وَعِشْرُونَ يَوْمًا .
ثُمَّ الْأَصْلُ فِي هَذِهِ الْإِشَارَةِ أَنَّهَا تَقَعُ بِالْأَصَابِعِ الْمَنْشُورَةِ لَا بِالْأَصَابِعِ الْمَعْقُودَةِ ، وَالْعُرْفُ دَلِيلٌ عَلَى هَذَا ، وَكَذَلِكَ الشَّرْعُ فَإِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا خَنَّسَ إبْهَامَهُ فِي الثَّالِثَةِ كَانَ الِاعْتِبَارُ بِمَا نَشَرَ مِنْ الْأَصَابِعِ دُونَ مَا عَقَدَ حَتَّى لَوْ قَالَ : عَنَيْت الْإِشَارَةَ بِالْأُصْبُعَيْنِ اللَّتَيْنِ عَقَدْت لَمْ يَدِنْ فِي الْقَضَاءِ ، وَيَدِينُ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى ؛ لِكَوْنِ مَا قَالَ مُحْتَمَلًا ، وَكَذَلِكَ إذَا قَالَ : عَنَيْت الْإِشَارَةَ بِالْكَفِّ دُونَ الْأَصَابِعِ دِينَ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى ؛ لِكَوْنِهِ مُحْتَمَلًا ، وَلَا يَدِينُ فِي الْقَضَاءِ ؛ لِأَنَّهُ خِلَافُ الظَّاهِرِ فَتَطْلُقُ ثَلَاثًا .
وَبَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ يَقُولُونَ إنْ جَعَلَ ظَهْرَ الْكَفِّ إلَيْهَا ، وَالْأَصَابِعَ الْمَنْشُورَةَ إلَى نَفْسِهِ ، دِينَ فِي الْقَضَاءِ ، وَإِنْ جَعَلَ الْأَصَابِعَ الْمَنْشُورَةَ إلَيْهَا ، لَمْ يَدِنْ فِي الْقَضَاءِ ، وَإِذَا أَشَارَ بِأَصَابِعِهِ فَقَالَ : أَنْتِ طَالِقٌ ، وَلَمْ يَقُلْ هَكَذَا فَهِيَ وَاحِدَةٌ ؛ لِأَنَّ كَلَامَهُ لَا يَتَّصِلُ بِإِشَارَتِهِ إلَّا بِقَوْلِهِ : هَكَذَا فَإِذَا لَمْ يَقُلْ كَانَ وُجُودُ الْإِشَارَةِ كَعَدَمِهَا فَتَطْلُقُ وَاحِدَةً بِقَوْلِهِ : أَنْتِ طَالِقٌ ، وَإِنْ قَالَ : أَنْتِ طَالِقٌ وَهُوَ يُرِيدُ أَنْ يَقُولَ ثَلَاثًا فَأَمْسَكَ

رَجُلٌ عَلَى فِيهِ ، فَلَمْ يَقُلْ شَيْئًا بَعْدَ ذِكْرِ الطَّلَاقِ فَهِيَ طَالِقٌ وَاحِدَةً ؛ لِأَنَّ الْوُقُوعَ بِلَفْظِهِ لَا بِقَصْدِهِ ، وَهُوَ مَا تَلَفَّظَ إلَّا بِقَوْلِهِ : أَنْتِ طَالِقٌ .
وَكَذَلِكَ لَوْ مَاتَ الرَّجُلُ بَعْدَ قَوْلِهِ : أَنْتِ طَالِقٌ قَبْلَ قَوْلِهِ : ثَلَاثًا فَهِيَ طَالِقٌ وَاحِدَةً بِخِلَافِ مَا إذَا مَاتَتْ الْمَرْأَةُ بَعْدَ قَوْلِهِ : أَنْتِ طَالِقٌ قَبْلَ قَوْلِهِ : ثَلَاثًا فَإِنَّهَا لَا تَطْلُقُ شَيْئًا ؛ لِأَنَّ الزَّوْجَ وَصَلَ لَفْظَ الطَّلَاقِ بِذِكْرِ الْعَدَدِ ، فَيَكُونُ الْعَامِلُ هُوَ الْعَدَدَ ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ قَالَ لَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ : أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا تَطْلُقُ ثَلَاثًا ؛ لِأَنَّ ذِكْرَ الْعَدَدِ حَصَلَ بَعْدَ مَوْتِهَا ، فَأَمَّا إذَا مَاتَ الرَّجُلُ ، فَلَفْظُ الطَّلَاقِ هُنَا لَمْ يَتَّصِلْ بِذِكْرِ الْعَدَدِ فَبَقِيَ قَوْلُهُ : أَنْتِ طَالِقٌ ، وَلَوْ قَالَ : أَنْتِ طَالِقٌ ، أَنْتِ طَالِقٌ فَمَاتَتْ الْمَرْأَةُ قَبْلَ ذِكْرِ الثَّانِيَةِ ، طَلُقَتْ وَاحِدَةً ؛ لِمَا قُلْنَا أَنَّ كَلَامَهُ هُنَا إيقَاعٌ عَامِلٌ فِي الْوُقُوعِ ، فَإِنَّمَا يَقَعُ مَا صَادَفَهَا وَهِيَ حَيَّةٌ دُونَ مَا صَادَفَهَا بَعْدَ الْمَوْتِ ، وَإِنْ قَالَ لَهَا : أَنْتِ طَالِقٌ ، وَأَنْتِ طَالِقٌ ، وَأَنْتِ طَالِقٌ إنْ دَخَلْتِ الدَّارَ فَمَاتَتْ قَبْلَ فَرَاغِهِ مِنْ الْكَلَامِ لَمْ يَقَعْ عَلَيْهَا شَيْءٌ ؛ لِأَنَّ الْكَلَامَ الْمَعْطُوفَ بَعْضُهُ عَلَى بَعْضٍ إذَا اتَّصَلَ الشَّرْطُ بِآخِرِهِ ؛ يَخْرُجُ مِنْ أَنْ يَكُونَ إيقَاعًا كَمَا إذَا اتَّصَلَ الِاسْتِثْنَاءُ بِهِ ، وَقَدْ تَحَقَّقَ اتِّصَالُ الشَّرْطِ بِالْكَلَامِ بَعْدَ مَوْتِهَا .
وَإِنْ قَالَ : إحْدَى امْرَأَتَيَّ طَالِقٌ ثَلَاثًا ، وَلَا نِيَّةَ لَهُ فَذَلِكَ إلَيْهِ يُوقِعُهَا عَلَى أَيَّتِهِمَا شَاءَ فَإِنَّ إيجَابَ الطَّلَاقِ فِي الْمَجْهُولِ صَحِيحٌ بِخِلَافِ مَا يَقُولُهُ نُفَاةُ الْقِيَاسِ ، وَحُجَّتُنَا عَلَيْهِمْ الْحَدِيثُ { كُلُّ طَلَاقٍ جَائِزٌ } ، ثُمَّ الْأَصْلُ أَنَّ الْإِيجَابَ فِي الْمَجْهُولِ يَصِحُّ فِيمَا يَحْتَمِلُ التَّعْلِيقَ بِالشَّرْطِ ؛ لِأَنَّهُ كَالْمُعَلَّقِ بِخَطَرِ الْبَيَانِ فِي حَقِّ الْعَيْنِ وَلِأَنَّ مَا هُوَ

مَبْنِيٌّ عَلَى الضِّيقِ ، وَهُوَ الْبَيْعُ يَصِحُّ إيجَابُهُ فِي الْمَجْهُولِ إذَا كَانَ لَا يُؤَدِّي إلَى الْمُنَازَعَةِ ، وَهُوَ مَا إذَا بَاعَ قَفِيزًا مِنْ صُبْرَةٍ فَفِيمَا يَكُونُ مَبْنِيًّا عَلَى السِّعَةِ ؛ لَأَنْ يَصِحَّ إيجَابُهُ فِي الْمَجْهُولِ كَانَ أَوْلَى .
وَهَذِهِ الْجَهَالَةُ لَا تُفْضِي إلَى الْمُنَازَعَةِ هُنَا ؛ لِأَنَّ الزَّوْجَ يَنْفَرِدُ بِالْبَيَانِ كَمَا يَنْفَرِدُ بِالْإِيقَاعِ فَإِنْ قَالَ : أَرَدْت هَذِهِ حِينَ تَكَلَّمْت فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ ؛ لِأَنَّهُ مَالِكٌ لِلْإِيقَاعِ عَلَيْهَا فَيَصِحُّ بَيَانُهُ أَيْضًا ، وَمَا فِي ضَمِيرِهِ لَا يُوقَفُ عَلَيْهَا إلَّا مِنْ جِهَتِهِ فَيُقْبَلُ قَوْلُهُ فِيهِ ، وَإِنْ قَالَ : مَا نَوَيْت وَاحِدَةً بِعَيْنِهَا يُقَالُ لَهُ : أَوْقِعْ الْآنَ عَلَى أَيَّتِهِمَا شِئْتَ ؛ لِأَنَّ الْإِيقَاعَ الْأَوَّلَ كَانَ عَلَى مُنَكَّرٍ ، وَأَحْكَامُ الطَّلَاقِ تَتَقَرَّرُ فِي الْمُنَكَّرِ فَلَا بُدَّ مِنْ تَعْيِينِهِ فَلِهَذَا يُقَالُ لَهُ : أَوْقِعْ عَلَى أَيَّتِهِمَا شِئْت .
وَإِنْ مَاتَتْ إحْدَاهُمَا قَبْلَ أَنْ يُبَيِّنَ طَلُقَتْ الْبَاقِيَةُ ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا كَانَ لَا يَتَبَيَّنُ قَبْلَ الْمَوْتِ فِي إحْدَاهُمَا لِمُزَاحَمَةِ الْأُخْرَى مَعَهَا وَقَدْ زَالَتْ بِالْمَوْتِ فَإِنَّ الَّتِي مَاتَتْ خَرَجَتْ مِنْ أَنْ تَكُونَ مَحَلًّا لِلطَّلَاقِ ، وَتَعْيِينُ الطَّلَاقِ الْمُبْهَمِ فِي حَقِّ الْعَيْنِ كَابْتِدَاءِ الْإِيقَاعِ ، فَإِذَا خَرَجَتْ إحْدَاهُمَا مِنْ أَنْ تَكُونَ مَحَلًّا لِلطَّلَاقِ تَعَيَّنَتْ الْأُخْرَى ، وَإِنْ قَالَ : عَنَيْت الْمَيِّتَةَ حِينَ تَكَلَّمْتُ صُدِّقَ فِي حَقِّ نَفْسِهِ حَتَّى يُبْطِلَ مِيرَاثَهُ عَنْهَا وَلَا يُصَدَّقُ عَلَى إبْطَالِ الطَّلَاقِ عَنْ الْحَيَّةِ ؛ لِأَنَّ الطَّلَاقَ تَعَيَّنَ فِيهَا شَرْعًا فَلَا يَمْلِكُ صَرْفَ الطَّلَاقِ عَنْهَا بِقَوْلِهِ .

( قَالَ ) : وَإِنْ كَانَ لَهُ أَرْبَعُ نِسْوَةٍ فَاطَّلَعَتْ إحْدَاهُنَّ ، فَقَالَ الزَّوْجُ الَّتِي اطَّلَعَتْ طَالِقٌ ثَلَاثًا ، ثُمَّ لَمْ يَعْلَمْ أَيَّتُهُنَّ هِيَ ، وَقَدْ عَلِمَ الزَّوْجُ أَنَّهَا كَانَتْ إحْدَاهُنَّ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَقْرَبَ وَاحِدَةً مِنْهُنَّ حَتَّى يَعْلَمَ الْمُطَلَّقَةَ مِنْهُنَّ ؛ لِأَنَّ الْوُقُوعَ هُنَا عَلَى الْمُعَيَّنَةِ ابْتِدَاءً فَتَثْبُتُ بِهِ الْحُرْمَةُ .
وَلَا طَرِيقَ إلَى التَّحَرِّي فِي هَذَا الْبَابِ ؛ لِأَنَّ التَّحَرِّيَ إنَّمَا يَجُوزُ فِيمَا يَحِلُّ تَنَاوُلُهُ بِالضَّرُورَةِ ، وَذَلِكَ لَا يُوجَدُ فِي الْفَرْجِ ، وَلَيْسَ لَهُ الْبَيَانُ بِالْإِيقَاعِ ابْتِدَاءً ؛ لِأَنَّ الْإِيقَاعَ عَلَى الْمُعَيَّنَةِ هُنَا ، وَقَدْ تَمَّ بِخِلَافِ الْأَوْلَى ؛ وَلِأَنَّ الْإِبْهَامَ لَيْسَ مِنْ جِهَتِهِ ، بَلْ بِاخْتِلَاطِ الْمُطَلَّقَةِ بِغَيْرِهَا بِخِلَافِ الْأَوْلَى ، فَالْإِبْهَامُ هُنَاكَ مِنْهُ ، فَكَانَ الْبَيَانُ إلَيْهِ ، وَلَكِنْ يَنْبَغِي لَهُ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى أَنْ يُطَلِّقَ كُلَّ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ وَاحِدَةً ، وَيَتْرُكَهُنَّ حَتَّى يَبِنَّ ، وَلَا يَتَزَوَّجَ شَيْئًا مِنْهُنَّ حَتَّى يَعْلَمَ أَيَّتُهُنَّ صَاحِبَةُ الثَّلَاثِ ؛ لِأَنَّ الْأَخْذَ بِالِاحْتِيَاطِ فِي بَابِ الْفَرْجِ وَاجِبٌ شَرْعًا ، وَالِاحْتِيَاطُ فِي هَذَا .

( قَالَ ) : فَإِنْ تَزَوَّجَ وَاحِدَةً مِنْهُنَّ قَبْلَ أَنْ تَعْلَمَ فَخَاصَمَتْهُ فِي الطَّلَاقِ يَحْلِفُ لَهَا ؛ لِأَنَّهَا تَزْعُمُ أَنَّهَا الْمُطَلَّقَةُ ثَلَاثًا ، وَالزَّوْجُ مُنْكِرٌ لِذَلِكَ ، وَلَوْ كَانَتْ الْخُصُومَةُ مِنْهَا قَبْلَ أَنْ يُطَلِّقَهَا كَانَ يَحْلِفُ لَهَا فَكَذَلِكَ بَعْدَهُ ، فَإِنْ حَلَفَ أَمْسَكَهَا ؛ لِأَنَّا عَرَفْنَاهَا فِي الْأَصْلِ غَيْرَ مُطَلَّقَةٍ ثَلَاثًا فَحِينَ حَلَفَ ؛ بَقِيَ الْأَمْرُ فِي الْحُكْمِ عَلَى مَا كَانَ مَعْلُومًا لَنَا قَبْلَ هَذَا ، وَكَذَلِكَ إنْ تَزَوَّجَ اثْنَتَيْنِ ، أَوْ ثَلَاثًا ، فَإِنْ لَمْ تَعْلَمْ ، وَتَزَوَّجْنَ بِأَزْوَاجٍ غَيْرِهِ ، وَدَخَلَ بِهِنَّ أَزْوَاجُهُنَّ ، ثُمَّ فَارَقُوهُنَّ نَكَحَ أَيَّتَهنَّ شَاءَ ؛ لِأَنَّا تَيَقَّنَّا أَنَّ الْمُطَلَّقَةَ ثَلَاثًا مِنْهُنَّ قَدْ حَلَّتْ لَهُ بِإِصَابَةِ الزَّوْجِ الثَّانِي ؛ فَكَانَ لَهُ أَنْ يَنْكِحَ مَنْ شَاءَ مِنْهُنَّ .
وَإِنْ ادَّعَتْ كُلُّ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ أَنَّهَا الْمُطَلَّقَةُ ، وَلَا بَيِّنَةَ لَهَا ، وَجَحَدَ الزَّوْجُ يَحْلِفُ لِكُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ بِاَللَّهِ تَعَالَى مَا هِيَ الْمُطَلَّقَةُ ثَلَاثًا ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدَةٍ تَدَّعِي عَلَيْهِ مَا لَوْ أَقَرَّ بِهِ لَزِمَهُ ، فَإِنْ حَلَفَ لَهُنَّ جَمِيعًا بَقِيَ الْأَمْرُ عَلَى مَا كَانَ ؛ لِأَنَّا تَيَقَّنَّا مُجَازَفَتَهُ فِي هَذِهِ الْأَيْمَانِ ، فَإِنَّ الْمُطَلَّقَةَ فِيهِنَّ ، وَالْيَمِينُ الْكَاذِبَةُ لَا تَرْفَعُ الْحُرْمَةَ ، وَعَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ قَالَ : إذَا حَلَفَ لِثَلَاثٍ مِنْهُنَّ تَعَيَّنَتْ لِلطَّلَاقِ الرَّابِعَةُ ، وَلَا يَحْلِفُ لَهَا وَإِنْ أَبَى أَنْ يَحْلِفَ لَهُنَّ فُرِّقَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُنَّ بِثَلَاثِ تَطْلِيقَاتٍ ؛ لِأَنَّ نُكُولَهُ فِي حَقِّ كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ بِمَنْزِلَةِ إقْرَارِهِ أَنَّهَا الْمُطَلَّقَةُ ثَلَاثًا .

( قَالَ ) : وَإِذَا قَالَ لِنِسْوَةٍ لَهُ : أَيَّتُكُنَّ أَكَلَتْ مِنْ هَذَا الطَّعَامِ فَهِيَ طَالِقٌ فَأَكَلْنَهُ ؛ طَلُقْنَ جَمِيعًا ؛ لِأَنَّ كَلِمَةَ أَيَّ تَتَنَاوَلُ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْ الْمُخَاطَبِينَ عَلَى الِانْفِرَادِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى { لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا } ، وَقَالَ تَعَالَى : { أَيُّكُمْ يَأْتِينِي بِعَرْشِهَا } ، وَحَرْفُ مِنْ لِلتَّبْعِيضِ ، فَصَارَ مُعَلِّقًا طَلَاقَ كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ بِتَنَاوُلِهَا شَيْئًا مِنْ الطَّعَامِ ، وَقَدْ وُجِدَ فِي حَقِّهِنَّ جَمِيعًا .
وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ : أَيَّتُكُنَّ دَخَلَتْ هَذِهِ الدَّارَ فَدَخَلْنَهَا ؛ طَلُقْنَ ؛ لِوُجُودِ الشَّرْطِ مِنْ كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ ، وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ أَيَّتُكُنَّ شَاءَتْ فَهِيَ طَالِقٌ فَشِئْنَ جَمِيعًا .
وَلَوْ قَالَ : أَيَّتُكُنَّ بَشَّرَتْنِي بِكَذَا ، فَهِيَ طَالِقٌ فَبَشَّرْنَهُ جَمِيعًا مَعًا ؛ طَلُقْنَ ؛ لِوُجُودِ الشَّرْطِ مِنْ كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ ، وَإِنْ بَشَّرَتْهُ وَاحِدَةٌ بَعْدَ أُخْرَى طَلُقَتْ الْأُولَى وَحْدَهَا ؛ لِأَنَّهَا هِيَ الْبَشِيرَةُ فَإِنَّ الْبِشَارَةَ اسْمٌ لِخَبَرٍ سَارٍّ صِدْقٍ غَابَ عَنْ الْمُخْبَرِ عِلْمُهُ ، وَفِي الْحَقِيقَةِ كُلُّ خَبَرٍ غَابَ عَنْ الْمُخْبَرِ بِهِ عِلْمُهُ ، إذَا كَانَ صِدْقًا ، فَهُوَ بِشَارَةٌ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى : { فَبِشَرِّهِمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ } ، وَإِنَّمَا سُمِّيَ هَذَا الْخَبَرُ بِشَارَةً ؛ لِتَغَيُّرِ بَشَرَةِ الْوَجْهِ عِنْدَ سَمَاعِهِ إلَّا أَنَّهُ إذَا كَانَ مُحْزِنًا يَتَغَيَّرُ إلَى الصُّفْرَةِ ، وَإِنْ كَانَ سَارًّا إلَى الْحُمْرَةِ ، وَلَكِنْ فِي الْعُرْفِ إنَّمَا يُطْلَقُ هَذَا الِاسْمُ عَلَى الْخَبَرِ السَّارِّ ، وَإِنَّمَا وُجِدَ هَذَا فِي الْأُولَى ؛ لِأَنَّهَا أَخْبَرَتْهُ بِمَا غَابَ عَنْهُ عِلْمُهُ .
فَأَمَّا الثَّانِيَةُ أَخْبَرَتْهُ بِمَا كَانَ مَعْلُومًا لَهُ ، فَكَانَتْ مُخْبِرَةً لَا بَشِيرَةً ، أَلَا تَرَى أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا قَالَ : { مَنْ أَرَادَ أَنْ يَقْرَأَ الْقُرْآنَ غَضًّا طَرِيًّا كَمَا أُنْزِلَ فَلْيَقْرَأْ عَلَى قِرَاءَةِ ابْنِ أُمِّ عَبْدٍ } فَاسْتَبَقَ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا

أَنْ يُخْبِرَاهُ فَسَبَقَ أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَكَانَ ابْنُ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يَقُولُ بَعْدَ ذَلِكَ : بَشَّرَنِي بِهِ أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، وَأَخْبَرَنِي بِهِ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ .

( قَالَ ) : قَالَ رَجُلٌ لِامْرَأَتِهِ : أَنْتِ طَالِقٌ مِلْءَ الدَّارِ ، أَوْ مِلْءَ الْجُبِّ ، فَإِنْ نَوَى ثَلَاثًا فَثَلَاثٌ ، وَإِلَّا فَهِيَ وَاحِدَةٌ بَائِنَةٌ ؛ لِأَنَّ الشَّيْءَ يَمْلَأُ الْوِعَاءَ الْعَظِيمَةَ فِي نَفْسِهِ تَارَةً ؛ وَلِكَثْرَةِ عَدَدِهِ أُخْرَى ، فَإِذَا نَوَى الثَّلَاثَ ، عَلِمْنَا أَنَّهُ أَرَادَ بِهِ كَثْرَةَ الْعَدَدِ فَكَأَنَّهُ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ أَكْثَرَ الْعَدَدِ ، وَإِنْ نَوَى وَاحِدَةً فَهِيَ وَاحِدَةٌ بَائِنَةٌ ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا أَرَادَ بِهِ الْوَصْفَ بِعِظَمِ التَّطْلِيقَةِ ، وَذَلِكَ بِأَنْ يَشْتَدَّ حُكْمُهَا ، وَكَذَلِكَ إنْ لَمْ تَكُنْ لَهُ نِيَّةٌ ؛ لِأَنَّ فِي وُقُوعِ الْوَاحِدَةِ يَقِينًا ، وَفِيمَا زَادَ عَلَيْهِ شَكًّا ، وَإِنْ نَوَى اثْنَتَيْنِ ، فَهِيَ وَاحِدَةٌ بَائِنَةٌ ؛ لِأَنَّهُ نَوَى مُجَرَّدُ الْعَدَدِ ، وَذَلِكَ لَا يَسَعُ فِي هَذَا اللَّفْظِ ، وَإِنْ قَالَ : وَاحِدَةٌ تَمْلَأُ الدَّارَ فَهِيَ وَاحِدَةٌ بَائِنَةٌ ، وَلَا تَسَعُ نِيَّةُ الثَّلَاثِ هُنَا ؛ لِأَنَّهُ صَرَّحَ بِالْوَاحِدَةِ فَيَبْقَى مَعْنَى الْوَصْفِ بِالْعِظَمِ فَتَكُونُ بَائِنَةً .
وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى أَنَّهَا تَكُونُ رَجْعِيَّةً ؛ لِأَنَّهُ وَصَفَ الطَّلَاقَ بِمَا لَا يُوصَفُ بِهِ فَكَانَ لَاغِيًا فِي وَصْفِهِ كَمَا لَوْ قَالَ : تَطْلِيقَةٌ تَصِيحُ ، أَوْ تَطِيرُ كَانَ هَذَا الْوَصْفُ لَغْوًا ، ثُمَّ الْمَذْهَبُ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى أَنَّهُ مَتَى صَرَّحَ بِلَفْظِ الْعِظَمِ يَكُونُ الْوَاقِعُ بَائِنًا سَوَاءٌ شَبَّهَهَا بِعَظِيمٍ ، أَوْ صَغِيرٍ حَتَّى إذَا قَالَ : عِظَمَ الْجَبَلِ أَوْ عِظَمَ رَأْسِ الْإِبْرَةِ أَوْ الْخَرْدَلَةِ تَكُونُ بَائِنَةً ، وَإِنْ لَمْ تُوصَفْ بِالْعِظَمِ ، وَلَكِنْ قَالَ : مِثْلَ الْجَبَلِ ، أَوْ مِثْلَ رَأْسِ الْإِبْرَةِ تَكُونُ رَجْعِيَّةً ، وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى تَكُونُ بَائِنًا ، وَقَالَ زُفَرُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى : إذَا شَبَّهَ التَّطْلِيقَةَ بِمَا يَكُونُ عَظِيمًا عِنْدَ النَّاسِ كَالْجَبَلِ ، تَقَعُ بَائِنَةً ، وَإِذَا شَبَّهَهَا بِمَا يَكُونُ حَقِيرًا كَالْخَرْدَلَةِ تَكُونُ رَجْعِيَّةً .
وَإِذَا قَالَ

: أَنْتِ طَالِقٌ وَاحِدَةً عَظِيمَةً ، أَوْ كَبِيرَةً ، أَوْ شَدِيدَةً ، أَوْ طَوِيلَةً ، أَوْ عَرِيضَةً فَوَصَفَهَا بِشَيْءٍ يُشَدِّدُهَا بِهِ ؛ فَهِيَ بَائِنَةٌ فِي الْقَضَاءِ ، وَفِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى ؛ لِمَا بَيَّنَّا أَنَّ مُرَادَهُ مَعْنَى الشِّدَّةِ عَلَيْهَا فِي حُكْمِهَا ، وَذَلِكَ فِي الْبَائِنِ ؛ لِأَنَّهُ لَا يَنْفَرِدُ بِالتَّدَارُكِ بِخِلَافِ الرَّجْعِيِّ ، وَإِنْ قَالَ : أَنْتِ طَالِقٌ إلَى الصِّينِ فَهِيَ وَاحِدَةٌ رَجْعِيَّةٌ ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَصِفْهَا بِعِظَمٍ ، وَلَا كِبَرٍ إنَّمَا مَدّهَا إلَى مَكَان ، وَالطَّلَاقُ لَا يَحْتَمِلُ ذَلِكَ نَفْسَهُ ، وَلَا حُكْمَهُ وَلِأَنَّهُ بِهَذَا اللَّفْظِ قَصَرَ حُكْمَ الطَّلَاقِ ؛ لِأَنَّهَا إذَا وَقَعَتْ تَكُونُ وَاقِعَةً مِنْ الْمَشْرِقِ إلَى الْمَغْرِبِ ، فَلَا يَثْبُتُ بِهَذَا اللَّفْظِ زِيَادَةُ شِدَّةٍ .
وَلَوْ قَالَ : أَنْتِ طَالِقٌ إلَى الشِّتَاءِ فَهِيَ طَالِقٌ وَاحِدَةً رَجْعِيَّةً بَعْدَ الْأَجَلِ كَمَا فِي إلَى شَهْرٍ ، وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ : إلَى الصَّيْفِ ، وَمَعْرِفَةُ دُخُولِ الشِّتَاءِ بِلُبْسِ أَكْثَرِ النَّاسِ الْفَرْوَ ، وَالثَّوْبَ الْمَحْشُوَّ فِي ذَلِكَ الْمَوْضِعِ وَدُخُولِ الصَّيْفِ بِإِلْقَاءِ أَكْثَرِ النَّاسِ ذَلِكَ حَتَّى يَتَعَجَّبَ مِمَّنْ يُرَى عَلَيْهِ بَعْدَ ذَلِكَ ، وَالرَّبِيعُ فِي آخِرِ الشِّتَاءِ قَبْلَ دُخُولِ الصَّيْفِ إذَا كَانَ النَّاسُ بَيْنَ لَابِسٍ لِلْمَحْشُوِّ ، وَغَيْرِ لَابِسٍ لَا يَعِيبُ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ ، وَكَذَلِكَ الْخَرِيفُ فِي آخِرِ الصَّيْفِ قَبْلَ دُخُولِ الشِّتَاءِ بِهَذِهِ الصِّفَةِ ، وَقِيلَ : الرَّبِيعُ إذَا نَبَتَ الْعُشْبُ ، وَالصَّيْفُ إذَا احْتَرَقَ الْعُشْبُ وَجَفَّ ، وَالْخَرِيفُ إذَا أَخَذَ النَّاسُ فِي التَّأَهُّبِ لِلشِّتَاءِ ، وَالشِّتَاءُ إذَا اشْتَدَّ الْبَرْدُ فِي كُلِّ مَوْضِعٍ .

( قَالَ ) : وَلَوْ قَالَ : أَنْتِ طَالِقٌ وَاحِدَةً لَا بَلْ اثْنَتَيْنِ ، فَهِيَ طَالِقٌ ثَلَاثًا إنْ كَانَ دَخَلَ بِهَا ؛ لِأَنَّ كَلِمَةَ لَا بَلْ لِاسْتِدْرَاكِ الْغَلَطِ بِإِقَامَةِ الثَّانِي مَقَامَ الْأَوَّلِ ، وَالرُّجُوعِ عَنْ الْأَوَّلِ ، وَهُوَ لَا يَمْلِكُ الرُّجُوعَ عَمَّا أَوْقَعَهُ وَلَكِنَّهُ يَتَمَكَّنُ مِنْ إيقَاعِ أُخْرَيَيْنِ ، إذَا كَانَ قَدْ دَخَلَ بِهَا فَتَطْلُقُ ثَلَاثًا لِهَذَا ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ دَخَلَ بِهَا فَهِيَ وَاحِدَةٌ ؛ لِأَنَّهَا بَانَتْ بِالْأُولَى لَا إلَى عِدَّةٍ فَلَا يَقْدِرُ عَلَى الرُّجُوعِ عَنْهَا ، وَلَا عَلَى إقَامَةِ الثِّنْتَيْنِ مَقَامَهَا بِإِيقَاعِهِ ؛ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ بِمَحَلٍّ فَلُغِيَ آخِرُ كَلَامِهِ ، وَإِنْ قَالَ فِي الْمَدْخُولِ بِهَا : نَوَيْت بِالِاثْنَتَيْنِ تِلْكَ الْوَاحِدَةَ ، وَأُخْرَى مَعَهَا لَمْ يَدِنْ فِي الْقَضَاءِ ؛ لِأَنَّ الثِّنْتَيْنِ غَيْرُ الْوَاحِدَةِ مِنْ حَيْثُ الظَّاهِرُ ؛ وَلِأَنَّ كَلَامَهُ إيقَاعُ مُبْتَدَأٌ فِيمَا نَصَّ عَلَيْهِ ، وَلَكِنْ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى هُوَ مَدِينٌ ؛ لِأَنَّ مَا قَالَهُ مُحْتَمَلٌ .

( قَالَ ) : وَإِذَا قَالَ : قَدْ كُنْتُ طَلَّقْتُكِ أَمْسِ وَاحِدَةً ، لَا ، بَلْ اثْنَتَيْنِ فَهِيَ طَالِقٌ اثْنَتَيْنِ اسْتِحْسَانًا ، وَفِي الْقِيَاسِ تَطْلُقُ ثَلَاثًا ، وَهُوَ قَوْلُ زُفَرَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى كَمَا فِي الْإِيقَاعِ ؛ لِأَنَّ اثْنَتَيْنِ غَيْرُ وَاحِدَةٍ فَرُجُوعُهُ عَنْ الْإِقْرَارِ بِالْوَاحِدَةِ بَاطِلٌ ، وَإِقْرَارُهُ بِالثِّنْتَيْنِ صَحِيحٌ ، وَفِي الِاسْتِحْسَانِ يَقُولُ الْإِقْرَارُ إخْبَارٌ ، وَهُوَ مِمَّا يَتَكَرَّرُ بِخِلَافِ الْإِيقَاعِ ، وَالْعَادَةِ .
الظَّاهِرُ أَنَّ فِي الْإِخْبَارِ بِهَذَا اللَّفْظِ يُرَادُ تَدَارُكُ الْغَلَطِ بِإِثْبَاتِ الزِّيَادَةِ عَلَى الْعَدَدِ الْأَوَّلِ مَعَ إعَادَتِهَا فَإِنَّ الرَّجُلَ يَقُولُ : حَجَجْتُ حَجَّةً ، لَا ، بَلْ حَجَّتَيْنِ يُفْهَمُ مِنْ هَذَا الْإِخْبَارِ حَجَّتَيْنِ ، وَإِذَا قَالَ : سِنِّي سِتُّونَ سَنَةً لَا ، بَلْ سَبْعُونَ ، يُفْهَمُ مِنْ هَذَا الْإِخْبَارِ سَبْعِينَ لَا غَيْرُ ، وَمُطْلَقُ الْكَلَامِ مَحْمُولٌ عَلَى الْمُتَعَارَفِ فَلِهَذَا تَطْلُقُ اثْنَتَيْنِ ، وَإِنْ قَالَ : فُلَانَةُ طَالِقٌ ، لَا بَلْ فُلَانَةُ طَلُقَتَا ؛ لِأَنَّهُ ذَكَرَ الثَّانِيَةَ وَلَمْ يَذْكُرْ لَهَا خَبَرًا فَيَكُونُ خَبَرُ الْأُولَى خَبَرًا لَهَا فَكَأَنَّهُ قَالَ : لَا ، بَلْ فُلَانَةُ طَالِقٌ ، وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ : فُلَانَةُ طَالِقٌ ثَلَاثًا لَا ، بَلْ فُلَانَةُ ، أَوْ قَالَ ، بَلْ فُلَانَةُ تَطْلُقُ كُلُّ وَاحِدَةٍ ثَلَاثًا .
وَإِنْ قَالَ : فُلَانَةُ طَالِقٌ ثَلَاثًا ، لَا بَلْ فُلَانَةُ طَالِقٌ طَلُقَتْ الْأُولَى ثَلَاثًا ، وَالثَّانِيَةُ وَاحِدَةً ؛ لِأَنَّهُ ذَكَرَ لِلثَّانِيَةِ خَبَرًا فَوَقَعَ الِاسْتِغْنَاءُ بِذَلِكَ عَنْ جَعْلِ الْخَبَرِ الْأَوَّلِ خَبَرًا لَهَا .
وَإِنْ قَالَ : فُلَانَةُ طَالِقٌ ، أَوْ فُلَانَةُ طَلُقَتْ إحْدَاهُمَا ؛ لِأَنَّ مُوجِبَ كَلِمَةِ " أَوْ " إذَا دَخَلَتْ بَيْنَ اثْنَيْنِ إثْبَاتُ أَحَدِ الْمَذْكُورَيْنِ ، بَيَانُهُ فِي آيَةِ الْكَفَّارَةِ فَكَأَنَّهُ قَالَ : إحْدَاهُمَا طَالِقٌ ، وَمَنْ يَقُولُ أَنَّ حَرْفَ " أَوْ " لِلتَّشْكِيكِ ، فَهُوَ مُخْطِئٌ فِي ذَلِكَ ؛ لِأَنَّ التَّشْكِيكَ لَا يَكُونُ مَقْصُودًا لِيُوضَعَ لَهُ حَرْفٌ ، وَلَكِنَّ حَقِيقَتَهُ مَا

بَيَّنَّا أَنَّ مُوجِبَهُ إثْبَاتُ أَحَدِ الْمَذْكُورَيْنِ ، وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ : أَنْتِ طَالِقٌ وَاحِدَةً أَوْ اثْنَتَيْنِ فَالْخِيَارُ إلَيْهِ ؛ لِأَنَّهُ أَدْخَلَ حَرْفَ " أَوْ " بَيْنَ عَدَدَيْنِ ، فَيَكُونُ الْمُرَادُ أَحَدَهُمَا ، وَالْبَيَانُ إلَيْهِ ، وَلَوْ قَالَ لَهَا : كُلَّمَا حَبِلْتِ فَأَنْتِ طَالِقٌ ، وَكُلَّمَا وَلَدْت فَأَنْتِ طَالِقٌ فَحَبِلَتْ بَعْدَ هَذَا الْقَوْلِ ، وَوَلَدَتْ لِأَكْثَرَ مِنْ سَنَتَيْنِ فَقَدْ وَقَعَ الطَّلَاقُ عَلَيْهَا حِينَ حَبِلَتْ بِالْكَلَامِ الْأَوَّلِ وَانْقَضَتْ الْعِدَّةُ بِالْوِلَادَةِ فَلَا يَقَعُ بِهِ عَلَيْهَا شَيْءٌ ، فَإِنْ كَانَ وَطِئَهَا ، وَهِيَ حُبْلَى ، فَذَلِكَ مِنْهُ رَجْعَةٌ ، ثُمَّ تَطْلُقُ بِالْوِلَادَةِ تَطْلِيقَةً أُخْرَى بِالْكَلَامِ الثَّانِي ، وَعَلَيْهَا الْعِدَّةُ ، وَهُوَ أَمْلَكُ بِرَجْعَتِهَا ، فَإِنْ حَبِلَتْ ، وَقَعَتْ الثَّالِثَةُ عَلَيْهَا بِالْكَلَامِ الْأَوَّلِ ؛ لِأَنَّ كَلِمَةَ كُلَّمَا تَقْتَضِي التَّكْرَارَ ، ثُمَّ تَنْقَضِي عِدَّتُهَا بِالْوِلَادَةِ ؛ لِأَنَّهَا مُعْتَدَّةٌ وَضَعَتْ جَمِيعَ مَا فِي بَطْنِهَا .

( قَالَ ) : رَجُلٌ قَالَ لِامْرَأَةٍ لَا يَمْلِكُهَا : يَوْمَ أَتَزَوَّجُك فَأَنْتِ طَالِقٌ ، وَأَنْتِ طَالِقٌ ، وَأَنْتِ طَالِقٌ ، أَوْ قَالَ ، إنْ تَزَوَّجْتُك ، أَوْ إذَا تَزَوَّجْتُك ، أَوْ مَتَى تَزَوَّجْتُك فَأَنْتِ طَالِقٌ ، وَطَالِقٌ ، وَطَالِقٌ ، ثُمَّ تَزَوَّجَهَا تَطْلُقُ وَاحِدَةً فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى ، وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَطْلُقُ ثَلَاثًا ، حُجَّتُهُمَا فِي ذَلِكَ أَنَّهُ عَلَّقَ ثَلَاثَ تَطْلِيقَاتٍ مُجْتَمِعَاتٍ بِشَرْطِ التَّزَوُّجِ فَيَقَعْنَ عِنْدَ وُجُودِ الشَّرْطِ مَعًا كَمَا لَوْ أَخَّرَ الشَّرْطَ ، فَقَالَ : أَنْتِ طَالِقٌ ، وَطَالِقٌ ، وَطَالِقٌ إذَا تَزَوَّجْتُك ، وَإِنَّمَا قُلْنَا ذَلِكَ ؛ لِأَنَّ الْوَاوَ لِلْجَمْعِ دُونَ التَّرْتِيبِ ، بَيَانُهُ فِي آيَةِ الْوُضُوءِ فَإِنَّهُ ثَبَتَتْ بِهِ فَرْضِيَّةُ الطَّهَارَةِ فِي الْأَعْضَاءِ الْأَرْبَعَةِ مِنْ غَيْرِ تَرْتِيبٍ ، وَالرَّجُلُ يَقُولُ : جَاءَنِي زَيْدٌ وَعَمْرٌو فَيَكُونُ مُخْبِرًا بِمَجِيئِهِمَا مِنْ غَيْرِ تَرْتِيبٍ بَيْنَهُمَا فِي الْمَجِيءِ ؛ وَلِأَنَّ قَوْلَهُ : وَطَالِقٌ جُمْلَةٌ نَاقِصَةٌ مَعْطُوفَةٌ عَلَى الْجُمْلَةِ التَّامَّةِ ، فَالْمَذْكُورُ فِي الْجُمْلَةِ التَّامَّةِ يَصِيرُ مُعَادًا فِي الْجُمْلَةِ النَّاقِصَةِ كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى { وَاَللَّائِي لَمْ يَحِضْنَ } مَعْنَاهُ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلَاثَةُ أَشْهُرٍ فَهُنَا يَصِيرُ كَأَنَّهُ قَالَ : وَأَنْتِ طَالِقٌ إذَا تَزَوَّجْتُك ، وَأَنْتِ طَالِقٌ إذَا تَزَوَّجْتُك ، وَلَوْ صَرَّحَ بِهَذَا ، ثُمَّ تَزَوَّجَهَا طَلُقَتْ ثَلَاثًا جُمْلَةً ، فَهَذَا مِثْلُهُ ، وَبِأَنْ كَانَ لَوْ نَجَّزَ الطَّلَاقَ بِهَذَا اللَّفْظِ يَتَفَرَّقُ الْوُقُوعُ لَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ إذَا عَلَّقَ يَتَفَرَّقُ كَمَا لَوْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ وَلَمْ يَدْخُلْ بِهَا : إنْ دَخَلْتِ الدَّارَ فَأَنْتِ طَالِقٌ وَاحِدَةً لَا ، بَلْ اثْنَتَيْنِ فَدَخَلَتْ الدَّارَ ؛ تَطْلُقُ ثَلَاثًا ، وَلَوْ نَجَّزَ بِهَذَا اللَّفْظِ الطَّلَاقَ قَبْلَ الدُّخُولِ لَمْ يَقَعْ إلَّا وَاحِدَةٌ ، وَهَذَا ؛ لِأَنَّ الْمُنَجَّزَ طَلَاقٌ فَتَبِينُ بِالْأُولَى قَبْلَ ذِكْرِ الثَّانِيَةِ ، وَالْمُعَلَّقُ

بِالشَّرْطِ لَيْسَ بِطَلَاقٍ ، وَإِنَّمَا يَصِيرُ طَلَاقًا عِنْدَ وُجُودِ الشَّرْطِ فَمَا صَحَّ تَعْلِيقُهُ بِالشَّرْطِ يَنْزِلُ عِنْدَ وُجُودِ الشَّرْطِ جُمْلَةً إذَا لَمْ يَكُنْ فِي لَفْظِهِ مَا يَدُلُّ عَلَى التَّرْتِيبِ .
وَأَبُو حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى يَقُولُ : تَعَلَّقَ بِالشَّرْطِ ثَلَاثُ تَطْلِيقَاتٍ مُتَفَرِّقَاتٍ فَيَقَعْنَ عِنْدَ وُجُودِ الشَّرْطِ كَذَلِكَ كَمَا لَوْ قَالَ : إنْ تَزَوَّجْتُك فَأَنْتِ طَالِقٌ ، وَبَعْدَهَا أُخْرَى ، وَبَعْدَهَا أُخْرَى ، فَإِذَا وَقَعْنَ مُتَفَرِّقَاتٍ ، بَانَتْ بِالْأُولَى فَلَا تَقَعُ الثَّانِيَةُ وَالثَّالِثَةُ كَمَا لَوْ نَجَّزَ ، وَإِنَّمَا قُلْنَا ذَلِكَ ؛ لِأَنَّ الْوَاوَ فِي اللُّغَةِ لِعَطْفٍ مُطْلَقٍ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَقْتَضِيَ جَمْعًا ، وَلَا تَرْتِيبًا كَمَا فِي قَوْلِهِ : جَاءَنِي زَيْدٌ ، وَعَمْرٌو ، لَا يَقْتَضِي جَمْعًا حَتَّى يَسْتَقِيمَ أَنْ يَقُولَ وَعَمْرٌو بَعْدَهُ كَمَا يَسْتَقِيمُ أَنْ يَقُولَ : وَعَمْرٌو مَعَهُ ، فَإِذَا كَانَ لِلْعَطْفِ فَالتَّطْلِيقَةُ الْأُولَى تَعَلَّقَتْ بِالشَّرْطِ بِلَا وَاسِطَةٍ ، وَالثَّانِيَةُ بِوَاسِطَةِ الْأُولَى ؛ لِأَنَّهَا مَعْطُوفَةٌ عَلَيْهَا كَالْقِنْدِيلِ إذَا عُلِّقَ بِحَبْلٍ بِحَلَقٍ يَتَعَلَّقُ بِالْحَلَقَةِ الْأُولَى بِلَا وَاسِطَةٍ ، وَبِالْحَلَقَةِ الثَّانِيَةِ بِوَاسِطَةِ الْأُولَى ، وَكَعِقْدِ لُؤْلُؤٍ ، وَإِنَّمَا يَنْزِلُ عِنْدَ وُجُودِ الشَّرْطِ كَمَا تَعَلَّقَ وَهَبْ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ طَلَاقًا يَوْمئِذٍ فَإِنَّمَا يَصِيرُ طَلَاقًا كَمَا تَعَلَّقَ وَهَذَا بِخِلَافِ مَا لَوْ أَعَادَ الشَّرْطَ عِنْدَ ذِكْرِ كُلِّ تَطْلِيقَةٍ ؛ لِأَنَّ تَعَلُّقَ كُلِّ تَطْلِيقَةٍ هُنَاكَ بِالشَّرْطِ بِلَا وَاسِطَةٍ ، وَإِنَّمَا التَّفَرُّقُ فِي أَزْمِنَةِ التَّعْلِيقِ ، وَذَلِكَ لَا يُوجِبُ تَفَرُّقًا فِي الْمُعَلَّقِ بِالشَّرْطِ وَبِخِلَافِ قَوْلِهِ إنْ دَخَلْت الدَّارَ فَأَنْتِ طَالِقٌ وَاحِدَةً لَا ، بَلْ اثْنَتَيْنِ ؛ لِأَنَّ لَا ، بَلْ لِاسْتِدْرَاكِ الْغَلَطِ بِإِقَامَةِ الثَّانِي مَقَامَ الْأَوَّلِ ، وَقَدْ صَحَّ ذَلِكَ لِبَقَاءِ الْمَحَلِّ بَعْدَ مَا تَعَلَّقَ الْأَوَّلُ بِالشَّرْطِ فَتَعَلَّقَ الثِّنْتَانِ بِالشَّرْطِ بِلَا وَاسِطَةٍ كَالْأُولَى ،

وَهُنَا حَرْفُ الْوَاوِ لِلْعَطْفِ ، وَبِخِلَافِ مَا لَوْ نَجَّزَ بِقَوْلِهِ لَا ، بَلْ ؛ لِأَنَّهَا بَانَتْ بِالْأُولَى فَلَمْ يَصِحَّ مِنْهُ التَّكَلُّمُ بِالثِّنْتَيْنِ ، لِعَدَمِ الْمَحَلِّ ، وَأَمَّا إذَا أَخَّرَ الشَّرْطَ فَنَقُولُ : أَوَّلُ الْكَلَامِ يَتَوَقَّفُ عَلَى آخِرِهِ إذَا كَانَ فِي آخِرِهِ مَا يُغَيِّرُ مُوجِبَ أَوَّلِهِ ، وَهُنَا فِي آخِرِهِ مَا يُغَيِّرُ مُوجِبَ أَوَّلِهِ ؛ لِأَنَّ أَوَّلَهُ إيقَاعٌ وَبِآخِرِهِ تَبَيَّنَ أَنَّهُ تَعْلِيقٌ ، فَإِذَا تَوَقَّفَ عَلَيْهِ تَعَلَّقَ الْكُلُّ بِالشَّرْطِ جُمْلَةً ، وَأَمَّا إذَا قَدَّمَ الشَّرْطَ فَلَيْسَ فِي آخِرِ الْكَلَامِ مَا يُغَيِّرُ مُوجِبَ أَوَّلِهِ فَلَا يَتَوَقَّفُ أَوَّلُهُ عَلَى آخِرِهِ ، فَإِذَا لَمْ يَتَوَقَّفْ ، كَانَ هَذَا ، وَالتَّنْجِيزُ سَوَاءً ، وَنَظِيرُهُ مَا لَوْ تَزَوَّجَ أَمَتَيْنِ نِكَاحًا مَوْقُوفًا ، فَقَالَ الْمَوْلَى : أَعْتَقَتْ هَذِهِ وَهَذِهِ ، بَطَلَ نِكَاحُ الثَّانِيَةِ ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي آخِرِهِ مَا يُغَيِّرُ مُوجِبَ أَوَّلِهِ فَلَمْ يُجْعَلْ كَعِتْقِهِمَا مَعًا ، وَلَوْ زَوَّجَ أُخْتَيْنِ مِنْ رَجُلٍ بِغَيْرِ أَمْرِهِ فِي عُقْدَتَيْنِ ، فَقَالَ الزَّوْجُ : أَجَزْت نِكَاحَ هَذِهِ وَهَذِهِ ، بَطَلَ نِكَاحُهُمَا كَمَا لَوْ قَالَ : أَجَزْتهمَا ؛ لِأَنَّ فِي آخِرِهِ مَا يُغَيِّرُ مُوجِبَ أَوَّلِهِ ، وَإِنْ قَالَ : إذَا تَزَوَّجْتُك فَأَنْتِ طَالِقٌ طَالِقٌ طَالِقٌ ، ثُمَّ تَزَوَّجَهَا طَلُقَتْ وَاحِدَةً ؛ لِأَنَّهُ مَا عَطَفَ الثَّانِيَةَ ، وَالثَّالِثَةَ عَلَى الْأُولَى فَتَتَعَلَّقُ الْأُولَى بِالشَّرْطِ وَتَلْغُو الثَّانِيَةُ ، وَالثَّالِثَةُ .
وَلَوْ قَالَ : إذَا تَزَوَّجْتُك فَأَنْتِ طَالِقٌ ، وَأَنْتِ عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي وَاَللَّهِ لَا أَقْرَبُك ، ثُمَّ تَزَوَّجَهَا طَلُقَتْ وَسَقَطَ عَنْهُ الظِّهَارُ ، وَالْإِيلَاءُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ ؛ لِأَنَّ تَعَلَّقَهُمَا بِالشَّرْطِ بِوَاسِطَةِ الطَّلَاقِ فَبِسَبْقِ وُقُوعِ الطَّلَاقِ تَبِينُ لَا إلَى عِدَّةٍ فَلَا يَكُونُ مُظَاهِرًا مُولِيًا بَعْدَ مَا خَرَجَتْ مِنْ مِلْكِهِ ، وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللَّهُ هُوَ مُطَلِّقٌ مُظَاهِرٌ مُولٍ ؛ لِأَنَّ الْكُلَّ تَعَلَّقَ بِالتَّزْوِيجِ عِنْدَهُمَا

جُمْلَةً ، وَلَوْ قَالَ : إذَا تَزَوَّجْتُك فَوَاَللَّهِ لَا أَقْرَبُك ، وَأَنْتِ عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي ، وَأَنْتِ طَالِقٌ ، ثُمَّ تَزَوَّجَهَا وَقَعَ هَذَا كُلُّهُ عَلَيْهَا ، أَمَّا عِنْدَهُمَا لَا إشْكَالَ ، وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ ؛ لِأَنَّهُ سَبَقَ الْإِيلَاءُ ، وَتَكُونُ بَعْدَهُ مَحَلًّا لِلظِّهَارِ فَيَصِيرُ مُظَاهِرًا ، ثُمَّ تَكُونُ بَعْدَهُمَا مَحَلًّا لِلطَّلَاقِ فَيَقَعُ الطَّلَاقُ أَيْضًا وَعَلَى هَذَا لَوْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ وَلَمْ يَدْخُلْ بِهَا : إنْ كَلَّمْتِ فُلَانًا فَأَنْتِ طَالِقٌ وَطَالِقٌ وَطَالِقٌ فَكَلَّمَتْهُ ، فَهِيَ طَالِقٌ وَاحِدَةً فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ ، وَعِنْدَهُمَا تَقَعُ ثَلَاثًا نَصَّ عَلَى قَوْلِهِمَا رِوَايَةُ أَبِي سُلَيْمَانَ .
وَلَوْ قَالَ : أَنْتِ طَالِقٌ فَطَالِقٌ إذَا كَلَّمْتُ فُلَانًا فَكَلَّمَ فُلَانًا ؛ تَطْلُقُ ثَلَاثًا بِالِاتِّفَاقِ ، وَالْفَرْقُ لِأَبِي حَنِيفَةَ مَا ذَكَرْنَا وَلَوْ قَالَ : إنْ دَخَلْت الدَّارَ فَأَنْتِ طَالِقٌ فَطَالِقٌ فَطَالِقٌ ، ذَكَرَ الطَّحْطَاوِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ أَنَّ هَذَا عَلَى الْخِلَافِ أَيْضًا ، وَحَرْفُ الْفَاءِ لِلْعَطْفِ كَحَرْفِ الْوَاوِ فَتَطْلُقُ ثَلَاثًا عِنْدَهُمَا ، وَالْأَصَحُّ أَنَّهَا تَطْلُقُ وَاحِدَةً عِنْدَ وُجُودِ الشَّرْطِ ؛ لِأَنَّ الْفَاءَ لِلتَّعْقِيبِ فِي أَصْلِ الْوَضْعِ لَا لِعَطْفٍ مُطْلَقٍ فَإِنَّ كُلَّ حَرْفٍ مَوْضُوعٌ لِمَعْنًى خَاصٍّ ، وَإِذَا كَانَ لِلتَّعْقِيبِ ، فَفِي كَلَامِهِ تَنْصِيصٌ عَلَى أَنَّ الثَّانِيَةَ تَعْقُبُ الْأُولَى فَتَبِينُ بِالْأُولَى لَا إلَى عِدَّةٍ بِخِلَافِ الْوَاوِ .
وَإِنْ قَالَ لَهَا : أَنْتِ طَالِقٌ طَالِقٌ طَالِقٌ إنْ كَلَّمْت فُلَانًا ، فَإِنْ كَانَ دَخَلَ بِهَا تَطْلُقُ اثْنَتَيْنِ فِي الْحَالِ ، وَالثَّالِثَةُ تَعَلَّقَتْ بِالْكَلَامِ ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ دَخَلَ بِهَا ، طَلُقَتْ وَاحِدَةً فِي الْحَالِ وَيَلْغُو مَا سِوَاهَا ؛ لِأَنَّهُ مَا عَطَفَ التَّطْلِيقَاتِ بَعْضَهَا عَلَى بَعْضٍ ، وَلَوْ قَالَ : إنْ كَلَّمْتِ فُلَانًا فَأَنْتِ طَالِقٌ طَالِقٌ طَالِقٌ ، فَإِنْ كَانَ دَخَلَ بِهَا تَعَلَّقَتْ الْأُولَى بِالْكَلَامِ ، وَوَقَعَتْ الثَّانِيَةُ ، وَالثَّالِثَةُ فِي الْحَالِ ، وَإِنْ لَمْ

يَدْخُلْ بِهَا ، تَعَلَّقَتْ الْأُولَى بِالْكَلَامِ وَتَقَعُ الثَّانِيَةُ فِي الْحَالِ ، وَالثَّالِثَةُ لَغْوٌ .
وَلَوْ قَالَ : أَنْتِ طَالِقٌ ، ثُمَّ طَالِقٌ ، ثُمَّ طَالِقٌ إنْ كَلَّمْتِ فُلَانًا ، فَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى إنْ كَانَتْ مَدْخُولًا بِهَا يَقَعُ فِي الْحَالِ اثْنَتَانِ ، وَالثَّالِثَةُ تَتَعَلَّقُ بِالْكَلَامِ ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ دَخَلَ بِهَا ، تَقَعُ وَاحِدَةً فِي الْحَالِ ، وَيَلْغُو مَا سِوَى ذَلِكَ ، وَإِذَا قَدَّمَ الشَّرْطَ ، فَقَالَ : إنْ كَلَّمْت فُلَانًا فَأَنْتِ طَالِقٌ ، ثُمَّ طَالِقٌ ، ثُمَّ طَالِقٌ ، فَإِنْ كَانَ قَدْ دَخَلَ بِهَا تَعَلَّقَتْ الْأُولَى بِالشَّرْطِ ، وَوَقَعَتْ الثَّانِيَةُ ، وَالثَّالِثَةُ فِي الْحَالِ ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ دَخَلَ بِهَا تَعَلَّقَتْ الْأُولَى بِالشَّرْطِ ، وَوَقَعَتْ الثَّانِيَةُ فِي الْحَالِ ، وَالثَّالِثَةُ لَغْوٌ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى ، وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى سَوَاءٌ قَدَّمَ الشَّرْطَ أَوْ أَخَّرَ تَتَعَلَّقُ الثَّلَاثُ بِالشَّرْطِ إلَّا أَنَّ عِنْدَ وُجُودِ الشَّرْطِ إنْ كَانَتْ مَدْخُولًا بِهَا ، تَطْلُقُ ثَلَاثًا ، وَإِنْ كَانَتْ غَيْرَ مَدْخُولٍ بِهَا تَطْلُقُ وَاحِدَةً فَأَبُو حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى يَقُولُ : كَلِمَةُ " ثُمَّ " لِلتَّعْقِيبِ مَعَ التَّرَاخِي ، فَإِذَا أَدْخَلَهُ بَيْنَ الطَّلَاقَيْنِ كَانَ بِمَنْزِلَةِ سَكْتَةٍ بَيْنَهُمَا ، وَهُمَا يَقُولَانِ حَرْفُ " ثُمَّ " لِلْعَطْفِ ، وَلَكِنْ بِقَيْدِ التَّرَاخِي ، فَلِوُجُودِ مَعْنَى الْعَطْفِ يَتَعَلَّقُ الْكُلُّ بِالشَّرْطِ ؛ وَلِمَعْنَى التَّرَاخِي يَقَعُ مُرَتَّبًا عِنْدَ وُجُودِ الشَّرْطِ .
وَلَوْ قَالَ : كُلَّمَا تَزَوَّجْتُ امْرَأَةً فَهِيَ طَالِقٌ فَتَزَوَّجَهَا ثَلَاثَ مَرَّاتٍ ، وَدَخَلَ بِهَا فِي كُلِّ مَرَّةٍ لَمْ يَذْكُرْ هَذَا فِي الْأَصْلِ ، قَالَ أَبُو يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى فِي الْأَمَالِي : تَطْلُقُ اثْنَتَيْنِ ، وَعَلَيْهِ لَهَا مَهْرَانِ وَنِصْفٌ ، وَقَالَ مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى : تَطْلُقُ ثَلَاثًا ، وَعَلَيْهِ لَهَا أَرْبَعَةُ مُهُورٍ وَنِصْفٌ ، ذَكَرَهُ فِي الرُّقَيَّاتِ .
وَجْهُ تَخْرِيجِ

أَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى أَنَّهُ لَمَّا تَزَوَّجَهَا وَقَعَتْ تَطْلِيقَةٌ قَبْلَ الدُّخُولِ ، وَلَزِمَهُ نِصْفُ مَهْرٍ فَلَمَّا دَخَلَ بِهَا لَزِمَهُ بِالدُّخُولِ ، ثُمَّ لَمَّا تَزَوَّجَهَا ، وَقَعَتْ تَطْلِيقَةٌ أُخْرَى بِكَلِمَةِ كُلَّمَا وَلَكِنَّهَا تَكُونُ رَجْعِيَّةً عِنْدَهُ ؛ لِأَنَّهُ تَزَوَّجَهَا قَبْلَ انْقِضَاءِ عِدَّتِهَا مِنْهُ وَبِنَفْسِ التَّزَوُّجِ وَجَبَ مَهْرٌ آخَرُ ، وَذَلِكَ مَهْرَانِ وَنِصْفٌ ، ثُمَّ بِالدُّخُولِ يَصِيرُ مُرَاجِعًا ، وَالتَّزَوُّجُ فِي الْمَرَّةِ الثَّالِثَةِ لَغْوٌ فَهِيَ عِنْدَهُ بِتَطْلِيقَةٍ ، وَعَلَيْهِ لَهَا مَهْرَانِ وَنِصْفٌ ، وَتَخْرِيجُ قَوْلِ مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى أَنَّ بِالتَّزَوُّجِ الْأَوَّلِ وَقَعَتْ تَطْلِيقَةٌ ، وَوَجَبَ نِصْفُ مَهْرٍ بِالطَّلَاقِ ، وَمَهْرٌ بِالدُّخُولِ ، وَكَذَلِكَ بِالتَّزَوُّجِ الثَّانِي ، وَالثَّالِثِ ؛ لِأَنَّ عِنْدَهُ ، وَإِنْ حَصَلَ التَّزَوُّجُ فِي الْعِدَّةِ لَا يَخْرُجُ بِهِ الطَّلَاقُ مِنْ أَنْ يَكُونَ وَاقِعًا قَبْلَ الدُّخُولِ فَتَطْلُقُ ثَلَاثًا وَعَلَيْهِ أَرْبَعَةُ مُهُورٍ وَنِصْفٌ ، وَلَوْ قَالَ : كُلَّمَا تَزَوَّجْتُك فَأَنْتِ طَالِقٌ بَائِنٌ ، وَالْمَسْأَلَةُ بِحَالِهَا فَعِنْدَ مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى هَذَا ، وَالْأَوَّلُ سَوَاءٌ وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ تَطْلُقُ ثَلَاثًا بِكُلِّ تَزَوُّجٍ تَطْلِيقَةٌ بَائِنَةٌ ، وَعَلَيْهِ خَمْسَةُ مُهُورٍ وَنِصْفٌ ؛ لِأَنَّ بِالْعَقْدِ الثَّانِي ، وَالثَّالِثِ فِي الْعِدَّةِ كَمَا وَقَعَ طَلَاقٌ بَائِنٌ وَجَبَ مَهْرٌ تَامٌّ ، وَكَذَلِكَ يَجِبُ بِكُلِّ دُخُولٍ مَهْرٌ تَامٌّ ، فَإِذَا جَمَعْت ذَلِكَ كَانَ خَمْسَةَ مُهُورٍ وَنِصْفًا ، وَإِذَا : قَالَ كُلُّ امْرَأَةٍ أَتَزَوَّجُهَا أَبَدًا فَهِيَ طَالِقٌ فَتَزَوَّجَ امْرَأَةً فَطَلُقَتْ ، ثُمَّ تَزَوَّجَهَا ثَانِيَةً لَمْ تَطْلُقْ ؛ لِأَنَّ كَلِمَةَ " كُلِّ " تَقْتَضِي جَمِيعَ الْأَسْمَاءِ لَا تَكْرَارَ الْأَفْعَالِ ، فَإِنَّمَا يَتَجَدَّدُ وُقُوعُ الطَّلَاقِ بِتَجَدُّدِ الِاسْمِ ، وَلَا يُوجَدُ ذَلِكَ بِعَقْدَيْنِ عَلَى امْرَأَةٍ وَاحِدَةٍ بِخِلَافِ كَلِمَةِ كُلَّمَا فَإِنَّهَا تَقْتَضِي تَكْرَارَ الْأَفْعَالِ ، وَإِنَّمَا قُلْنَا ذَلِكَ ؛ لِأَنَّ

مُقْتَضَى كَلِمَةِ كُلِّ الْجَمْعُ فِيمَا يَتَعَقَّبُهَا ، وَاَلَّذِي يَتَعَقَّبُ الْكُلَّ الِاسْمُ دُونَ الْفِعْلِ يُقَالُ : كُلُّ رَجُلٍ وَكُلُّ امْرَأَةٍ ، وَلَا يَسْتَقِيمُ أَنْ يُقَالَ : كُلُّ ضَرَبَ ، وَكُلٌّ دَخَلَ وَاَلَّذِي يَتَعَقَّبُهُ كَلِمَةُ كُلَّمَا الْفِعْلَ دُونَ الِاسْمِ يُقَالُ ، كُلَّمَا ضَرَبَ ، وَكُلَّمَا دَخَلَ ، وَلَا يُقَالُ : كُلَّمَا زَيْدٌ ، وَكُلَّمَا عَمْرٌو .

( قَالَ ) : وَإِذَا قَالَ : أَوَّلُ امْرَأَةٍ أَتَزَوَّجُهَا فَهِيَ طَالِقٌ ثَلَاثًا فَتَزَوَّجَ امْرَأَتَيْنِ فِي عُقْدَةٍ ، ثُمَّ وَاحِدَةً فِي عُقْدَةٍ لَمْ تَطْلُقْ وَاحِدَةٌ مِنْهُنَّ ؛ لِأَنَّ الْأَوَّلَ اسْمٌ لِفَرْدٍ سَابِقٍ لَا يُشَارِكُهُ فِيهِ غَيْرُهُ ، وَلَمْ تُوجَدْ صِفَةُ الْفَرْدِيَّةِ فِي الْأُولَيَيْنِ ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا مُزَاحِمَةٌ لِلْأُخْرَى فِي الْعَقْدِ وَلَمْ تُوجَدْ صِفَةُ السَّبْقِ فِي الثَّالِثَةِ ؛ لِأَنَّهُ تَقَدَّمَهَا امْرَأَتَانِ فَلَمْ تَثْبُتْ صِفَةُ الْأَوَّلِيَّةِ لِوَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ ، وَلَوْ كَانَ قَالَ مَعَ هَذَا : وَآخِرُ امْرَأَةٍ أَتَزَوَّجُهَا فَهِيَ طَالِقٌ لَمْ تَطْلُقْ الثَّالِثَةُ أَيْضًا ؛ لِأَنَّ الْآخِرَ اسْمٌ لِفَرْدٍ مُتَأَخِّرٌ لَا يَعْقُبُهُ غَيْرُهُ ، وَنَحْنُ لَا نَدْرِي أَنَّ الثَّالِثَةَ هَلْ هِيَ آخِرٌ أَمْ لَا ؛ لِجَوَازِ أَنْ يَتَزَوَّجَ بَعْدَهَا غَيْرَهَا ، فَإِنْ مَاتَ قَبْلَ أَنْ يَتَزَوَّجَ أُخْرَى طَلُقَتْ الثَّالِثَةُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى مِنْ حِينِ تَزَوَّجَهَا حَتَّى لَا يَلْزَمَهَا الْعِدَّةُ إنْ لَمْ يَدْخُلْ بِهَا ، وَلَا مِيرَاثَ لَهَا ، وَإِنْ كَانَ دَخَلَ بِهَا ؛ فَلَهَا عَلَيْهِ مَهْرٌ وَنِصْفُ نِصْفِ مَهْرٍ بِالطَّلَاقِ قَبْلَ الدُّخُولِ ، وَمَهْرٌ بِالدُّخُولِ ، وَعَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى إنَّمَا تَطْلُقُ الثَّالِثَةُ قُبَيْلَ الْمَوْتِ حَتَّى يَكُونَ لَهَا الْمِيرَاثُ إذَا كَانَ دَخَلَ بِهَا ، وَلَا مَهْرَ عَلَيْهِ بِالدُّخُولِ سِوَى مَهْرِ النِّكَاحِ ، وَعَلَيْهَا عِدَّةُ الْوَفَاةِ ، وَالطَّلَاقِ جَمِيعًا عِنْدَ مُحَمَّدٍ ، وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى لَيْسَ عَلَيْهَا عِدَّةُ الْوَفَاةِ وَجْهُ قَوْلِهِمَا أَنَّ الثَّالِثَةَ إنَّمَا اسْتَحَقَّتْ صِفَةَ الْآخِرِيَّةِ حِينَ أَشْرَفَ عَلَى الْمَوْتِ وَعَجَزَ عَنْ التَّزَوُّجِ بِغَيْرِهَا فَتَطْلُقُ فِي الْحَالِ كَمَا لَوْ تَزَوَّجَ امْرَأَةً ، ثُمَّ قَالَ لَهَا : إنْ لَمْ أَتَزَوَّجْ عَلَيْك أُخْرَى فَأَنْتِ طَالِقٌ فَإِنَّمَا تَطْلُقُ قُبَيْلَ مَوْتِهِ بِلَا فَصْلٍ ، وَهُمَا فِي الْمَعْنَى سَوَاءٌ ؛ لِأَنَّهَا إنَّمَا تَكُونُ

آخِرًا بِشَرْطِ أَنْ لَا يَتَزَوَّجَ بَعْدَهَا غَيْرَهَا إلَّا أَنَّ عِنْدَ مُحَمَّدٍ لَمَّا أَخَذَتْ الْمِيرَاثَ بِحُكْمِ الْفِرَارِ لَزِمَهَا عِدَّةُ الْوَفَاةِ مَعَ عِدَّةِ الطَّلَاقِ .
وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى لَا تَلْزَمُهَا عِدَّةُ الْوَفَاةِ ، وَإِنْ وَرِثَتْهُ بِالْفِرَارِ وَأَبُو حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى يَقُولُ : لَمَّا تَزَوَّجَهَا بَعْدَ الْأُولَيَيْنِ فَقَدْ اتَّصَفَتْ بِصِفَةِ الْآخِرِيَّةِ ، وَلَكِنَّ هَذِهِ الصِّفَةَ بِعَرْضِ أَنْ تَزُولَ عَنْهَا بِأَنْ يَتَزَوَّجَ غَيْرَهَا فَلَا يُحْكَمُ بِالطَّلَاقِ لِهَذَا ، فَإِذَا لَمْ يَتَزَوَّج غَيْرَهَا حَتَّى مَاتَ تَقَرَّرَتْ صِفَةُ الْآخِرِيَّةِ فِيهَا مِنْ حِينِ تَزَوَّجَهَا فَتَطْلُقُ مِنْ ذَلِكَ الْوَقْتِ كَمَا لَوْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ : إذَا حِضْت فَأَنْتِ طَالِقٌ فَرَأَتْ الدَّمَ لَا يُحْكَمُ بِوُقُوعِ الطَّلَاقِ : لِجَوَازِ أَنْ يَنْقَطِعَ فِيمَا دُونَ الثَّلَاثِ ، وَإِنْ اسْتَمَرَّ تَبَيَّنَ أَنَّ الطَّلَاقَ كَانَ وَاقِعًا مَعَ أَوَّلِ قَطْرَةٍ مِنْ الدَّمِ وَهَذَا بِخِلَافِ مَا لَوْ قَالَ : إنْ لَمْ أَتَزَوَّجْ عَلَيْك ؛ لِأَنَّهُ جَعَلَ عَدَمَ التَّزَوُّجِ شَرْطًا مُفْصِحًا بِهِ لِلطَّلَاقِ ، وَلَا يَتَحَقَّقُ هَذَا الشَّرْطُ إلَّا عِنْدَ مَوْتِهِ ، وَمَا لَمْ يَتَحَقَّقْ الشَّرْطُ لَا يَنْزِلُ الْجَزَاءُ ، وَيَجُوزُ أَنْ يُفَرَّقَ الْفَصْلَانِ ؛ لِاخْتِلَافِ اللَّفْظِ مَعَ التَّقَارُبِ فِي الْمَعْنَى كَمَا لَوْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ : إنْ لَمْ أَشَأْ طَلَاقَك فَأَنْتِ طَالِقٌ ، ثُمَّ قَالَ : لَا أَشَاءُ لَا تَطْلُقُ مَادَامَ حَيًّا وَلَوْ قَالَ : إنْ أَبَيْتُ طَلَاقَك فَأَنْتِ طَالِقٌ ، ثُمَّ قَالَ : قَدْ أَبَيْتُ طَلَاقَك تَطْلُقُ ، وَهُمَا فِي الْمَعْنَى سَوَاءٌ ، ثُمَّ اخْتَلَفَ الْجَوَابُ لِاخْتِلَافِ لَفْظِ الشَّرْطِ مِنْ الْوَجْهِ الَّذِي قُلْنَا .

( قَالَ ) : وَلَوْ قَالَ : آخِرُ امْرَأَةٍ أَتَزَوَّجُهَا فَهِيَ طَالِقٌ فَتَزَوَّجَ وَاحِدَةً لَمْ يَتَزَوَّجْ قَبْلَهَا ، وَلَا بَعْدَهَا حَتَّى مَاتَ لَمْ تَطْلُقْ ؛ لِأَنَّهَا أَوَّلُ امْرَأَةٍ تَزَوَّجَهَا فَلَا تَكُونُ آخِرَ امْرَأَةٍ فَإِنَّ صِفَةَ الْأَوَّلِيَّةِ ، وَالْآخِرِيَّةِ لَا تَجْتَمِعُ فِي مَخْلُوقٍ وَاحِدٍ ؛ لِمَا بَيْنَهُمَا مِنْ التَّضَادِّ فِي الْمَعْنَى فِي الْمَخْلُوقِينَ فَإِنَّ أَحَدَهُمَا لِمَعْنَى السَّبْقِ ، وَالْآخَرَ لِمَعْنَى التَّأَخُّرِ فِي الزَّمَانِ ، وَلَوْ قَالَ : أَوَّلُ امْرَأَةٍ أَتَزَوَّجُهَا فَهِيَ طَالِقٌ فَتَزَوَّجَ امْرَأَتَيْنِ فِي عُقْدَةٍ ، وَإِحْدَاهُمَا مُعْتَدَّةٌ ، وَقَعَ الطَّلَاقُ عَلَى الَّتِي صَحَّ نِكَاحُهَا ؛ لِأَنَّ شَرْطَ التَّزَوُّجِ فِي الْمُسْتَقْبَلِ يَتَنَاوَلُ الْعَقْدَ الصَّحِيحَ دُونَ الْفَاسِدِ ، وَنِكَاحُ الْمُعْتَدَّةِ بَاطِلٌ ، وَإِنَّمَا صَحَّ نِكَاحُ الْأُخْرَى فَهِيَ فَرْدٌ سَابِقٌ فِي نِكَاحِهِ فَكَانَتْ أَوَّلًا ، وَكَذَلِكَ لَوْ تَزَوَّجَ امْرَأَةً نِكَاحًا فَاسِدًا ، ثُمَّ تَزَوَّجَ امْرَأَةً بَعْدَهَا بِنِكَاحٍ صَحِيحٍ طَلُقَتْ هَذِهِ ؛ لِأَنَّ الْأُولَى لَمَّا لَمْ يَصِحَّ نِكَاحُهَا لَمْ تَكُنْ دَاخِلَةً فِي كَلَامِهِ ، وَإِنَّمَا دَخَلَتْ فِي كَلَامِهِ الثَّانِيَةُ الَّتِي صَحَّ نِكَاحُهَا فَهِيَ أَوَّلُ امْرَأَةٍ تَزَوَّجَهَا ، وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ : إنْ لَمْ أَتَزَوَّجْ عَلَيْك الْيَوْمَ فَأَنْتِ طَالِقٌ فَتَزَوَّجَ امْرَأَةً نِكَاحًا فَاسِدًا لَمْ يَبَرَّ فِي يَمِينِهِ بِهَذَا ؛ لِأَنَّ ذِكْرَ التَّزَوُّجِ فِي الْمُسْتَقْبَلِ يَنْصَرِفُ إلَى الْعَقْدِ الصَّحِيحِ سَوَاءٌ ذَكَرَهُ فِي مَوْضِعِ النَّفْيِ أَوْ فِي مَوْضِعِ الْإِثْبَاتِ فَإِنَّ الْمَقْصُودَ بِالتَّزَوُّجِ الْحِلُّ ، وَالْعِفَّةُ ، وَذَلِكَ يَحْصُلُ بِالْعَقْدِ الصَّحِيحِ دُونَ الْفَاسِدِ .

( قَالَ ) : وَإِنْ قَالَ : أَوَّلُ امْرَأَةٍ أَتَزَوَّجُهَا فَهِيَ طَالِقٌ فَتَزَوَّجَ امْرَأَةً طَلُقَتْ حِينَ تَزَوَّجَهَا إنْ مَاتَ أَوْلَمَ يَمُتْ ؛ لِأَنَّهَا بِنَفْسِ الْعَقْدِ اسْتَحَقَّتْ اسْمَ الْأَوَّلِيَّةِ بِصِفَةِ الْفَرْدِيَّةِ ، فَإِنْ دَخَلَ بِهَا فَلَهَا مَهْرٌ وَنِصْفُ مَهْرٍ ، وَنِصْفُ مَهْرٍ بِالطَّلَاقِ الْوَاقِعِ قَبْلَ الدُّخُولِ وَمَهْرٌ بِالدُّخُولِ بِهَا ؛ لِأَنَّ الْحَدَّ قَدْ سَقَطَ عَنْهُ بِشُبْهَةِ اخْتِلَافِ الْعُلَمَاءِ ، وَالْوَطْءُ فِي غَيْرِ الْمِلْكِ لَا يَنْفَكُّ عَنْ حَدٍّ أَوْ مَهْرٍ فَإِذَا سَقَطَ الْحَدُّ لِشُبْهَةٍ وَجَبَ الْمَهْرُ ، وَإِنْ قَالَ : إذَا تَزَوَّجْتُ امْرَأَةً فَهِيَ طَالِقٌ فَتَزَوَّجَ امْرَأَتَيْنِ فِي عُقْدَةٍ فَإِحْدَاهُمَا طَالِقٌ ، وَالْخِيَارُ إلَيْهِ ؛ لِأَنَّا تَيَقَّنَّا بِوُجُودِ الشَّرْطِ ، وَهُوَ تَزَوُّجُ امْرَأَةٍ فَإِنَّ فِي الْمَرْأَتَيْنِ امْرَأَةً فَلِهَذَا طَلُقَتْ إحْدَاهُمَا بِغَيْرِ عَيْنِهَا ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا تُزَاحِمُ الْأُخْرَى فِي الِاسْمِ الَّذِي أَوْقَعَ الطَّلَاقَ بِهِ ، وَلَا وَجْهَ لِلْإِيقَاعِ عَلَيْهِمَا ؛ لِأَنَّهُ عَلَّقَ بِالتَّزَوُّجِ طَلَاقَ امْرَأَةٍ وَاحِدَةٍ لَا طَلَاقَ امْرَأَتَيْنِ فَلِهَذَا تَطْلُقُ إحْدَاهُمَا ، وَالْخِيَارُ إلَيْهِ ، وَإِنْ كَانَ نَوَى امْرَأَةً وَحْدَهَا لَمْ يَدِنْ فِي الْقَضَاءِ وَيَدِينُ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى ؛ لِأَنَّهُ ذَكَرَ التَّزَوُّجَ بِامْرَأَةٍ مُطْلَقًا ، ثُمَّ قَيَّدَهَا بِنِيَّتِهِ ، وَهُوَ أَنْ تَكُونَ وَحْدَهَا ، وَتَقْيِيدُ الْمُطْلَقِ كَتَخْصِيصِ الْعَامِّ ، وَقَدْ بَيَّنَّا أَنَّ نِيَّةَ التَّخْصِيصِ فِي الْعَامِّ صَحِيحَةٌ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى غَيْرُ صَحِيحَةٍ فِي الْقَضَاءِ فَكَذَلِكَ التَّقْيِيدُ .
وَإِنْ كَانَ قَالَ : إنْ تَزَوَّجْت امْرَأَةً وَحْدَهَا ، ثُمَّ تَزَوَّجَ امْرَأَتَيْنِ فِي عُقْدَةٍ لَمْ تَطْلُقْ وَاحِدَةٌ مِنْهُمَا ؛ لِأَنَّ التَّقْيِيدَ هُنَا بِنَصِّ كَلَامِهِ ، وَوَاحِدَةٌ مِنْهُمَا لَمْ تَتَّصِفْ مِنْهُمَا بِتِلْكَ الصِّفَةِ الَّتِي نَصَّ عَلَيْهَا فِي الشَّرْطِ ؛ لِانْضِمَامِ الْأُخْرَى إلَيْهَا فِي الْعَقْدِ ، وَإِنْ تَزَوَّجَ أُخْرَى

بَعْدَهُمَا طَلُقَتْ ؛ لِأَنَّهَا مَوْصُوفَةٌ بِالصِّفَةِ الَّتِي نَصَّ عَلَيْهَا فِي الشَّرْطِ فَإِنَّهَا امْرَأَةٌ تَزَوَّجَهَا وَحْدَهَا ، وَهُوَ كَمَا لَوْ قَالَ : إذَا تَزَوَّجْتُ امْرَأَةً سَوْدَاءَ فَهِيَ طَالِقٌ فَتَزَوَّجَ بَيْضَاوَيْنِ ، ثُمَّ تَزَوَّجَ سَوْدَاءَ تَطْلُقُ الثَّالِثَةُ بِخِلَافِ قَوْلِهِ : أَوَّلُ امْرَأَةٍ أَتَزَوَّجُهَا ؛ لِأَنَّ هُنَاكَ نَصٌّ فِي الشَّرْطِ عَلَى وَصْفَيْنِ : الْفَرْدِيَّةُ ، وَالسَّبْقُ ، وَقَدْ انْعَدَمَ فِي الثَّالِثَةِ صِفَةُ السَّبْقِ ، وَهُنَا الشَّرْطُ صِفَةٌ وَاحِدَةٌ ، وَهِيَ الْفَرْدِيَّةُ ، وَقَدْ وُجِدَ ذَلِكَ فِي الثَّالِثَةِ ؛ فَلِهَذَا تَطْلُقُ .
وَإِنْ قَالَ : يَوْمَ أَتَزَوَّجُ فُلَانَةَ فَهِيَ طَالِقٌ فَأَمَرَ رَجُلًا فَزَوَّجَهَا إيَّاهُ فَهِيَ طَالِقٌ ؛ لِأَنَّهُ تَزَوَّجَهَا بِعِبَارَةِ الْوَكِيلِ فَكَأَنَّهُ تَزَوَّجَهَا بِعِبَارَةِ نَفْسِهِ ، وَهَذَا ؛ لِأَنَّ الْوَكِيلَ فِي النِّكَاحِ مُعَبِّرٌ حَتَّى لَا يَتَعَلَّقَ بِهِ شَيْءٌ مِنْ الْعُهْدَةِ ، وَلَا يَسْتَغْنِي عَنْ إضَافَةِ الْعَقْدِ إلَى الْمُوَكِّلِ ، وَبِهِ فَارَقَ الْبَيْعَ ، وَالشِّرَاءَ إذَا حَلَفَ لَا يَفْعَلُهُ فَأَمَرَ غَيْرَهُ حَتَّى بَاشَرَهُ لَمْ يَحْنَثْ فِي يَمِينِهِ ؛ لِأَنَّ الْعَاقِدَ لِغَيْرِهِ فِي الْبَيْعِ ، وَالشِّرَاءِ كَالْعَاقِدِ لِنَفْسِهِ حَتَّى تَتَعَلَّقَ بِهِ الْعُهْدَةُ ، وَيَسْتَغْنِيَ عَنْ إضَافَةِ الْعَقْدِ إلَى الْمُوَكِّلِ ، وَلَا يَصِيرُ الْمُوَكِّلُ عَاقِدًا بِمُبَاشَرَةِ الْوَكِيلِ ، وَإِنْ عَنِيَ فِي النِّكَاحِ مَا وَلِيَ عَقْدَهُ بِنَفْسِهِ لَا يَدِينُ فِي الْقَضَاءِ ، وَهُوَ مَدِينٌ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى ؛ لِأَنَّهُ فِي مَعْنَى نِيَّةِ التَّخْصِيصِ فِي الْعَامِّ فَإِنَّ مُطْلَقَ اللَّفْظِ يَتَنَاوَلُ مُبَاشَرَتَهُ بِنَفْسِهِ وَمُبَاشَرَةَ الْغَيْرِ لَهُ بِأَمْرِهِ ، وَكَذَلِكَ إنْ حَلَفَ أَنْ لَا يُطَلِّقَهَا فَأَمَرَ غَيْرَهُ فَطَلَّقَهَا حَنِثَ ؛ لِأَنَّ الزَّوْجَ هُوَ الْمُطَلِّقُ بِعِبَارَةِ الْوَكِيلِ فَإِنَّ الْوَكِيلَ بِالطَّلَاقِ مُعَبِّرٌ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ قَالَ لَهَا : أَنْتِ طَالِقٌ إنْ شِئْتِ فَشَاءَتْ أَوْ قَالَ : اخْتَارِي فَاخْتَارَتْ نَفْسَهَا كَانَ الزَّوْجُ

هُوَ الْمُطَلِّقَ لَهَا فَكَذَلِكَ هُنَا ، وَإِنْ قَالَ : نَوَيْت أَنْ أُطَلِّقَهَا بِلِسَانِي لَمْ يَدِنْ فِي الْقَضَاءِ وَيَدِينُ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى ؛ لِأَنَّهُ نَوَى التَّخْصِيصَ فِي اللَّفْظِ الْعَامِّ .
وَإِذَا قَالَ لِامْرَأَتِهِ وَلَمْ يَدْخُلْ بِهَا : أَنْتِ طَالِقٌ ، وَأَنْتِ طَالِقٌ ، وَأَنْتِ طَالِقٌ ، أَوْ قَالَ : أَنْتِ طَالِقٌ ، وَطَالِقٌ ، وَطَالِقٌ بَانَتْ بِالْأُولَى عِنْدَنَا ، وَعِنْدَ مَالِكٍ رَحِمَهُ اللَّهُ تَطْلُقُ ثَلَاثًا ؛ لِأَنَّ الْوَاوَ لِلْجَمْعِ فَجَمْعُهُ بَيْنَ التَّطْلِيقَاتِ بِحَرْفِ الْجَمْعِ كَجَمْعِهِ بِلَفْظِ الْجَمْعِ بِأَنْ يَقُولَ لَهَا : أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا ، وَلَكِنَّا نَقُولُ : الْوَاوُ لِلْعَطْفِ فَلَا يَقْتَضِي جَمْعًا ، وَلَيْسَ فِي آخِرِ كَلَامِهِ مَا يُغَيِّرُ مُوجِبَ أَوَّلِهِ ؛ لِأَنَّ مُوجِبَ أَوَّلِ الْكَلَامِ وُقُوعُ الطَّلَاقِ ، وَهُوَ وَاقِعٌ أَوْقَعَ الثَّانِيَةَ ، وَالثَّالِثَةَ ، أَوْ لَمْ يُوقِعْ فَتَبِينُ بِالْأُولَى كَمَا تَكَلَّمَ بِهَا ، ثُمَّ قَدْ تَكَلَّمَ بِالثَّانِيَةِ ، وَهِيَ لَيْسَتْ فِي عِدَّتِهِ ، وَهَذَا بِخِلَافِ مَا لَوْ ذَكَرَ شَرْطًا ، أَوْ اسْتِثْنَاءً فِي آخِرِ كَلَامِهِ ؛ لِأَنَّ فِي آخِرِ كَلَامِهِ مَا يُغَيِّرُ مُوجِبَ أَوَّلِهِ فَتَوَقَّفَ أَوَّلُهُ عَلَى آخِرِهِ .

( قَالَ ) : وَإِنْ قَالَ لَهَا : أَنْتِ طَالِقٌ وَاحِدَةً بَعْدَهَا أُخْرَى ، أَوْ قَبْلَ أُخْرَى فَهِيَ طَالِقٌ وَاحِدَةً ، وَهَذَا الْجِنْسُ مِنْ الْمَسَائِلِ يَنْبَنِي عَلَى أَصْلَيْنِ ( أَحَدُهُمَا ) أَنَّهُ مَتَى ذَكَرَ النَّعْتَ بَيْنَ اسْمَيْنِ فَإِنْ أَلْحَقَ بِهِ حَرْفَ الْكِنَايَةِ ، وَهُوَ حَرْفُ الْهَاءِ كَانَ نَعْتًا لِلْمَذْكُورِ آخِرًا ، وَإِنْ لَمْ يُلْحِقْ كَانَ نَعْتًا لِلْمَذْكُورِ أَوَّلًا تَقُولُ : جَاءَنِي زَيْدٌ قَبْلَ عَمْرٍو فَيَكُونُ قَبْلُ نَعْتًا لِمَجِيءِ زَيْدٍ ، وَإِذَا قُلْتَ : قَبْلَهُ عَمْرٌو كَانَ نَعْتًا لِمَجِيءِ عَمْرٍو .
( وَالثَّانِي ) أَنَّ مَنْ أَقَرَّ بِطَلَاقٍ سَابِقٍ يَكُونُ ذَلِكَ إيقَاعًا مِنْهُ فِي الْحَالِ ؛ لِأَنَّ مِنْ ضَرُورَةِ الِاسْتِنَادِ الْوُقُوعَ فِي الْحَالِ ، وَهُوَ مَالِكٌ لِلْإِيقَاعِ غَيْرُ مَالِكٍ لِلْإِسْنَادِ ، إذَا عَرَفْنَا هَذَا فَنَقُولُ : إذَا قَالَ لِامْرَأَتِهِ وَلَمْ يَدْخُلْ بِهَا : أَنْتِ طَالِقٌ وَاحِدَةً قَبْلَ أُخْرَى تَطْلُقُ وَاحِدَةً ؛ لِأَنَّ قَبْلَ نَعْتٌ لِلْأُولَى ، وَمَعْنَاهُ قَبْلَ أُخْرَى تَقَعُ عَلَيْك فَتَبِينُ بِالْأُولَى ، وَلَوْ قَالَ قَبْلَهَا أُخْرَى تَطْلُقُ اثْنَتَيْنِ ؛ لِأَنَّ قَبْلَ نَعْتٌ لِلْمَذْكُورِ آخِرًا فَكَأَنَّهُ قَالَ : قَبْلَهَا أُخْرَى وَقَعَتْ عَلَيْك ، وَهَذَا مِنْهُ إسْنَادٌ لِلثَّانِيَةِ إلَى وَقْتٍ مَاضٍ فَيَكُونُ مُوقِعًا لَهَا فِي الْحَالِ مَعَ الْأُولَى .
وَلَوْ قَالَ : بَعْدَ أُخْرَى تَطْلُقُ اثْنَتَيْنِ ؛ لِأَنَّ بَعْدَ نَعْتٌ لِلْأُولَى فَيَكُونُ مَعْنَاهُ بَعْدَ أُخْرَى وَقَعَتْ عَلَيْك ، وَلَوْ قَالَ : بَعْدَهَا أُخْرَى تَطْلُقُ وَاحِدَةً ؛ لِأَنَّ بَعْدَهَا هُنَا نَعْتٌ لِلثَّانِيَةِ ، وَمَعْنَاهُ بَعْدَهَا أُخْرَى تَقَعُ عَلَيْك فَتَبِينُ بِالْأُولَى .
( قَالَ ) : وَلَوْ قَالَ : مَعَ أُخْرَى ، أَوْ مَعَهَا أُخْرَى تَطْلُقُ اثْنَتَيْنِ ؛ لِأَنَّ كَلِمَةَ مَعَ لِلْقِرَانِ فَقَدْ قَرَنَ إحْدَى التَّطْلِيقَتَيْنِ بِالْأُخْرَى ، وَأَوْقَعَهُمَا جَمِيعًا ، وَكَذَلِكَ إنْ قَالَ : اثْنَتَيْنِ مَعَ وَاحِدَةٍ ، أَوْ مَعَهَا وَاحِدَةٌ ، أَوْ قَبْلَهَا وَاحِدَةٌ فَهِيَ طَالِقٌ ثَلَاثًا ؛ لِمَا قُلْنَا .

( قَالَ ) : وَلَوْ قَالَ : أَنْتِ طَالِقٌ وَاحِدَةً وَنِصْفًا قَبْلَ الدُّخُولِ كَانَتْ طَالِقًا اثْنَتَيْنِ عِنْدَنَا ، وَعِنْدَ زُفَرَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَاحِدَةً ؛ لِأَنَّ نِصْفَ التَّطْلِيقَةِ كَمَالُهَا فَكَأَنَّهُ قَالَ : أَنْتِ طَالِقٌ وَاحِدَةً وَوَاحِدَةً وَلَكِنَّا نَقُولُ هَذَا كُلُّهُ كَكَلَامٍ وَاحِدٍ مَعْنًى ؛ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُهُ أَنْ يُعَبِّرَ عَنْ وَاحِدَةٍ وَنِصْفٍ بِعِبَارَةٍ أَوْجَزَ مِنْ هَذِهِ فَإِنَّ لِوَاحِدَةٍ وَنِصْفٍ عِبَارَتَيْنِ ، إمَّا هَذِهِ ، وَإِمَّا اثْنَتَانِ إلَّا نِصْفٌ ، وَذَلِكَ لَا يَصِيرُ مَعْلُومًا إلَّا بِالِاسْتِثْنَاءِ ، وَهَذَا مَعْلُومٌ فِي نَفْسِهِ فَهُوَ أَوْلَى الْعِبَارَتَيْنِ ، وَإِذَا كَانَ كَلَامًا وَاحِدًا مَعْنَى لَا يُفْصَلُ بَعْضُهُ عَنْ بَعْضٍ بِخِلَافِ قَوْلِهِ : وَاحِدَةً ، وَوَاحِدَةً فَكَأَنَّهُمَا عِبَارَتَانِ ؛ لِأَنَّ لِلِاثْنَتَيْنِ عِبَارَةً أَوْجَزَ مِنْ هَذِهِ ، وَهُوَ أَنْ يَقُولَ اثْنَتَيْنِ ، وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ : أَنْتِ طَالِقٌ إحْدَى وَعِشْرِينَ ، عِنْدَنَا تَطْلُقُ ثَلَاثًا ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ لِهَذَا الْعَدَدِ عِبَارَةٌ أَوْجَزُ مِنْ هَذِهِ فَكَانَ الْكَلَامُ وَاحِدًا مَعْنًى ، وَعِنْدَ زُفَرَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى تَطْلُقُ وَاحِدَةً ؛ لِأَنَّهُمَا كَلَامَانِ أَحَدُهُمَا مَعْطُوفٌ عَلَى الْآخَرِ فَتَبِينُ بِالْأُولَى .
وَإِنْ قَالَ : إحْدَى عَشْرَةَ تَطْلُقُ ثَلَاثًا بِالِاتِّفَاقِ ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بَيْنَهُمَا حَرْفُ الْعَطْفِ فَكَانَ الْكُلُّ وَاحِدًا ، وَلَوْ قَالَ : إحْدَى وَعَشْرَةً ، عِنْدَنَا تَطْلُقُ ثَلَاثًا ، وَعِنْدَ زُفَرَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَاحِدَةً ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا ذَكَرَ حَرْفَ الْعَطْفِ كَانَ كَلَامَيْنِ ، وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ : وَاحِدَةً وَمِائَةً ، عِنْدَنَا تَطْلُقُ ثَلَاثًا ، وَقَالَ زُفَرُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَاحِدَةً .
وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى أَنَّ هُنَا تَطْلُقُ وَاحِدَةً ؛ لِأَنَّ الْعِبَارَةَ الْمَعْرُوفَةَ لِهَذَا الْعَدَدِ مِائَةٌ وَوَاحِدَةٌ ، فَإِذَا غَيَّرَ ذَلِكَ تَفَرَّقَ كَلَامُهُ فَتَبِينُ بِالْأُولَى .

( قَالَ ) : وَلَوْ قَالَ : أَنْتِ طَالِقٌ أَلْبَتَّةَ ، أَوْ قَالَ : الْبَائِنُ يَنْوِي ثَلَاثًا فَهِيَ ثَلَاثٌ ؛ لِأَنَّ أَلْبَتَّةَ عِبَارَةٌ عَنْ الْقَطْعِ ، وَقَدْ بَيَّنَّا أَنَّ الْقَطْعَ نَوْعَانِ ، فَهُوَ بِنِيَّةِ الثَّلَاثِ يَنْوِي أَحَدَ نَوْعَيْ الْقَطْعِ فَيَعْمَلُ بِنِيَّتِهِ ، وَكَذَلِكَ وَلَوْ قَالَ : أَنْتِ طَالِقٌ حَرَامًا يَنْوِي ثَلَاثًا ، فَهُوَ كَمَا نَوَى ؛ لِأَنَّهُ نَوَى أَحَدَ نَوْعَيْ الْحُرْمَةِ ، وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ : طَالِقٌ الْحَرَامَ ، فَهَذَا وَقَوْلُهُ حَرَامٌ سَوَاءٌ ، وَيَسْتَوِي إنْ كَانَ دَخَلَ بِهَا أَوْ لَمْ يَدْخُلْ بِهَا ؛ لِأَنَّ الْكَلِمَةَ وَاحِدَةٌ ، فَإِنَّ مَا ذَكَرَ بَعْدَ قَوْلِهِ طَالِقٌ تَفْسِيرٌ لِهَذِهِ الْكَلِمَةِ ، فَهَذَا وَقَوْلُهُ أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا سَوَاءٌ ، وَإِنْ قَالَ : أَنْتِ طَالِقٌ الطَّلَاقَ أَوْ طَلَاقًا ، فَإِنْ نَوَى ثَلَاثًا فَثَلَاثٌ ، وَإِنْ نَوَى وَاحِدَةً فَوَاحِدَةٌ رَجْعِيَّةٌ ، وَإِنْ عَنَى بِطَالِقٍ تَطْلِيقَةً ، وَبِالطَّلَاقِ أُخْرَى فَهِيَ ثِنْتَانِ رَجْعِيَّتَانِ إنْ كَانَ قَدْ دَخَلَ بِهَا ؛ لِأَنَّ هَذِهِ الْأَلْفَاظَ مُشْتَقَّةٌ مِنْ لَفْظِ صَرِيحِ الطَّلَاقِ ، وَإِنْ لَمْ يَدْخُلْ بِهَا فَوَاحِدَةٌ بَائِنَةٌ ، فَإِنَّهُ لَمَّا نَوَى بِكُلِّ كَلِمَةٍ تَطْلِيقَةً كَانَ هَذَا بِمَنْزِلَةِ قَوْلِهِ : أَنْتِ طَالِقٌ ، أَنْتِ طَالِقٌ فَتَبِينُ بِالْأُولَى .
فَإِنْ قَالَ : أَنْتِ طَالِقٌ الطَّلَاقَ كُلَّهُ فَهِيَ طَالِقٌ ثَلَاثًا كَانَتْ لَهُ نِيَّةٌ ، أَوْ لَمْ تَكُنْ ؛ لِأَنَّهُ صَرَّحَ بِإِيقَاعِ كُلِّ الطَّلَاقِ ، وَهُوَ ثَلَاثٌ ، وَمَعَ التَّصْرِيحِ لَا حَاجَةَ إلَى النِّيَّةِ ، وَإِنْ قَالَ : أَنْتِ طَالِقٌ أَخْبَثَ الطَّلَاقِ ، أَوْ أَشَدَّ الطَّلَاقِ ، أَوْ أَعْظَمَ الطَّلَاقِ ، أَوْ أَكْبَرَ الطَّلَاقِ فَهَذَا كُلُّهُ بَابٌ وَاحِدٌ ، فَإِنْ نَوَى ثَلَاثًا فَثَلَاثٌ ، وَإِنْ نَوَى وَاحِدَةً ، أَوْ لَمْ يَكُنْ لَهُ نِيَّةٌ فَهِيَ وَاحِدَةٌ بَائِنَةٌ ؛ لِمَا بَيَّنَّا أَنَّ مَعْنَى الْعِظَمِ ، وَالْكِبَرِ ، وَالشِّدَّةِ يَظْهَرُ فِي الْحُكْمِ فَهَذَا ، وَقَوْلُهُ طَالِقٌ بَائِنٌ سَوَاءٌ .
وَإِنْ قَالَ : أَنْتِ طَالِقٌ أَكْبَرَ الطَّلَاقِ فَهِيَ ثَلَاثٌ لَا يَدِينُ فِيهَا

إذَا قَالَ : نَوَيْتُ وَاحِدَةً ؛ لِأَنَّ الْكَثْرَةَ ، وَالْقِلَّةَ فِي الْعَدَدِ ، فَقَدْ صَرَّحَ بِإِيقَاعِ أَكْثَرِ مَا يَمْلِكُ عَلَيْهَا مِنْ الطَّلَاقِ ، وَمَعَ التَّصْرِيحِ لَا حَاجَةَ إلَى النِّيَّةِ وَلَوْ قَالَ : أَسْوَأَ الطَّلَاقِ ، أَوْ شَرَّهُ ، أَوْ أَفْحَشَهُ ، فَهُوَ وَقَوْلُهُ أَخْبَثَ الطَّلَاقِ سَوَاءٌ عَلَى مَا بَيَّنَّا ، وَإِنْ قَالَ : أَكْمَلَ الطَّلَاقِ ، أَوْ أَتَمَّ الطَّلَاقِ فَهِيَ وَاحِدَةٌ رَجْعِيَّةٌ ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي لَفْظِهِ مَا يُنْبِئُ عَنْ الْعِظَمِ ، وَالشِّدَّةِ ، وَلَوْ قَالَ : أَنْتِ طَالِقٌ طُولَ كَذَا ، أَوْ عَرْضَ كَذَا فَهِيَ وَاحِدَةٌ بَائِنَةٌ ؛ لِأَنَّ الطُّولَ ، وَالْعَرْضَ فِيهِ إشَارَةٌ إلَى مَعْنَى الشِّدَّةِ فَإِنَّ الْأَمْرَ إذَا اشْتَدَّ عَلَى إنْسَانٍ يَقُولُ : كَانَ لِهَذَا الْأَمْرِ طُولٌ وَعَرْضٌ فَتَكُونُ وَاحِدَةً بَائِنَةً ، وَلَا تَكُونُ ثَلَاثًا ، وَإِنْ نَوَاهَا ؛ لِأَنَّ الطُّولَ ، وَالْعَرْضَ لِلشَّيْءِ الْوَاحِدِ فَكَأَنَّهُ قَالَ : أَنْتِ طَالِقٌ وَاحِدَةً طُولُهَا وَعَرْضُهَا كَذَا ، وَهَذَا لَا تَسَعُ فِيهِ نِيَّةُ الثَّلَاثِ .
وَلَوْ قَالَ : أَنْتِ طَالِقٌ خَيْرَ الطَّلَاقِ ، أَوْ أَعْدَلَ الطَّلَاقِ ، أَوْ أَحْسَنَ الطَّلَاقِ فَهَذَا بِمَنْزِلَةِ قَوْلِهِ : أَنْتِ طَالِقٌ لِلسُّنَّةِ ؛ لِأَنَّ الْأَعْدَلَ ، وَالْأَحْسَنَ مَا يُوَافِقُ السُّنَّةَ ، وَإِنَّمَا يُوصَفُ بِالْخَيْرِيَّةِ مَا يُوَافِقُ السُّنَّةَ حَتَّى يَقَعَ بِهَذَا تَطْلِيقَةٌ رَجْعِيَّةٌ فِي وَقْتِ السُّنَّةِ ، وَإِنْ نَوَى ثَلَاثًا فَثَلَاثٌ بِمَنْزِلَةِ قَوْلِهِ ، أَنْتِ طَالِقٌ لِلسُّنَّةِ .

( قَالَ ) : وَلَوْ قَالَ لَهَا : أَنْتِ طَالِقٌ إنْ رَكِبْتِ ، وَهِيَ رَاكِبَةٌ فَمَكَثَتْ كَذَلِكَ سَاعَةً طَلُقَتْ ؛ لِأَنَّ الرُّكُوبَ مُسْتَدَامٌ حَتَّى تُضْرَبَ لَهُ الْمُدَّةُ يُقَالُ : رَكِبَتْ يَوْمًا ، وَالِاسْتِدَامَةُ عَلَى مَا يُسْتَدَامُ إنْشَاءٌ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى : { وَإِمَّا يُنْسِيَنَّكَ الشَّيْطَانُ فَلَا تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرَى } أَيْ لَا تَمْكُثْ قَاعِدًا ، وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ : أَنْتِ طَالِقٌ إنْ قَعَدْتِ ، وَهِيَ قَاعِدَةٌ ، أَوْ إنْ قُمْت ، وَهِيَ قَائِمَةٌ ، أَوْ إنْ مَشَيْتِ ، وَهِيَ مَاشِيَةٌ ، أَوْ إنْ اتَّكَأْتِ ، وَهِيَ مُتَّكِئَةٌ فَمَكَثَتْ كَذَلِكَ سَاعَةً يَحْنَثُ بِخِلَافِ مَا لَوْ قَالَ : أَنْتِ طَالِقٌ إنْ دَخَلْت الدَّارَ ، وَهِيَ فِي الدَّارِ فَمَكَثَتْ كَذَلِكَ لَمْ تَطْلُقْ حَتَّى تَخْرُجَ وَتَدْخُلَ ؛ لِأَنَّ الدُّخُولَ لَيْسَ بِمُسْتَدَامٍ فَإِنَّهُ انْفِصَالٌ مِنْ الْخَارِجِ إلَى الدَّاخِلِ ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَا تُضْرَبُ لَهُ الْمُدَّةُ ، فَلَا يُقَالُ : دَخَلَ يَوْمًا ، وَإِنَّمَا يُقَالُ : دَخَلَ ، وَإِنَّمَا يُقَالُ : دَخَلَ وَسَكَنَ يَوْمًا ، وَالْخُرُوجُ نَظِيرُ الدُّخُولِ ؛ لِأَنَّهُ انْفِصَالٌ مِنْ الدَّاخِلِ إلَى الْخَارِجِ فَلَا يَكُونُ لِاسْتِدَامَتِهِ حُكْمُ إنْشَائِهِ .
وَلَوْ قَالَ : أَنْتِ طَالِقٌ مَا بَيْنَ تَطْلِيقَةٍ إلَى ثَلَاثٍ ، أَوْ مِنْ تَطْلِيقَةٍ إلَى ثَلَاثٍ فَفِي الْقِيَاسِ تَطْلُقُ وَاحِدَةً ، وَهُوَ قَوْلُ زُفَرَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى ؛ لِأَنَّهُ جَعَلَ الْأُولَى ، وَالثَّالِثَةَ غَايَةً ، وَالْغَايَةُ حَدٌّ فَلَا تَدْخُلُ فِي الْمَحْدُودِ كَقَوْلِهِ : بِعْتُ مِنْكَ مِنْ هَذَا الْحَائِطِ إلَى هَذَا الْحَائِطِ ، فَيَكُونُ الْوَاقِعُ مَا بَيْنَ الْغَايَتَيْنِ ، وَهِيَ الْوَاحِدَةُ .
وَفِي الِاسْتِحْسَانِ ، وَهُوَ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى تَطْلُقُ ثَلَاثًا ؛ لِأَنَّ الْحَدَّ إنَّمَا يَكُونُ فِي ذَوِي الْمِسَاحَاتِ ، فَأَمَّا فِي عُرْفِ اللِّسَانِ إنَّمَا يُرَادُ بِمِثْلِ هَذَا الْكَلَامِ دُخُولُ الْكُلِّ ، فَإِنَّ الرَّجُلُ يَقُولُ : خُذْ مِنْ مَالِي مِنْ دِرْهَمٍ إلَى عَشْرَةٍ ، فَيَكُونُ لَهُ أَخْذُ الْعَشَرَةِ ، وَيَقُولُ : كُلْ مِنْ

الْمِلْحِ إلَى الْحُلْوِ فَيَكُونُ الْمُرَادُ تَعْمِيمَ الْإِذْنِ ، وَمُطْلَقُ الْكَلَامِ مَحْمُولٌ عَلَى عُرْفِ أَهْلِ اللِّسَانِ وَأَبُو حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى يَقُولُ : الْقِيَاسُ مَا قَالَهُ زُفَرُ أَنَّ الْحَدَّ غَيْرُ الْمَحْدُودِ ، وَلَكِنْ فِي إدْخَالِ الْأُولَى ضَرُورَةٌ ؛ لِأَنَّهُ أَوْقَعَ الثَّانِيَةَ ، وَلَا ثَانِيَةَ قَبْلَ الْأُولَى ، وَلَا بُدَّ لِلْكَلَامِ مِنْ ابْتِدَاءٍ .
فَإِذَا لَمْ يُوقِعْ الْأُولَى ؛ تَصِيرُ الثَّانِيَةُ ابْتِدَاءً فَلَا يُمْكِنُ إيقَاعُهَا أَيْضًا فَلِأَجْلِ الضَّرُورَةِ ؛ أَدْخَلَتْ الْغَايَةُ الْأُولَى ، وَلَا ضَرُورَةَ فِي الْغَايَةِ الثَّانِيَةِ فَأَخَذْتُ فِيهَا بِالْقِيَاسِ وَقُلْتُ : تَطْلُقُ اثْنَتَيْنِ ، وَهَذَا ؛ لِأَنَّ الْغَايَةَ الَّتِي يَنْتَهِي الْكَلَامُ إلَيْهَا قَدْ لَا تَدْخُلُ كَاللَّيْلِ فِي قَوْله تَعَالَى { ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إلَى اللَّيْلِ } ، وَقَدْ تَدْخُلُ كَالْمَرَافِقِ ، وَالْكَعْبَيْنِ فِي الْوُضُوءِ ، وَالطَّلَاقُ بِالشَّكِّ لَا يَقَعُ ، فَإِنْ : قَالَ أَرَدْت وَاحِدَةً لَا يَدِينُ فِي الْقَضَاءِ ، وَهُوَ يَدِينُ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى ؛ لِاحْتِمَالِ الْكَلَامِ مَا نَوَى ، وَإِنْ قَالَ : أَنْتِ طَالِقٌ مَا بَيْنَ وَاحِدَةٍ إلَى أُخْرَى فَفِي الْقِيَاسِ قَوْلُ زُفَرَ : لَا يَقَعُ شَيْءٌ ، وَفِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ : تَطْلُقُ وَاحِدَةً ، وَعِنْدَهُمَا تَطْلُقُ اثْنَتَيْنِ .
وَإِنْ قَالَ : مِنْ وَاحِدَةٍ إلَى وَاحِدَةٍ قِيلَ : هُوَ عَلَى الْخِلَافِ ، وَقِيلَ : تَقَعُ وَاحِدَةٌ عِنْدَهُمْ جَمِيعًا ؛ لِأَنَّ الشَّيْءَ لَا يَكُونُ غَايَةَ نَفْسِهِ فَكَانَ قَوْلُهُ : إلَى وَاحِدَةٍ لَغْوًا ، وَإِنْ قَالَ : أَنْتِ طَالِقٌ وَاحِدَةً ، أَوْ لَا شَيْءَ فَهِيَ طَالِقٌ تَطْلِيقَةً رَجْعِيَّةً فِي قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى الْأَوَّلِ ، وَهُوَ قَوْلُ مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى ، ثُمَّ رَجَعَ أَبُو يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى ، وَقَالَ : لَا يَقَعُ شَيْءٌ ، وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ : أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا ، أَوْ لَا شَيْءَ فَهُوَ عَلَى هَذَا الْخِلَافِ .
وَجْهُ قَوْلِهِ الْأَوَّلِ أَنَّ حَرْفَ " أَوْ " ؛ لِإِثْبَاتِ أَحَدِ

الْمَذْكُورَيْنِ فِيمَا يَتَخَلَّلُهُمَا ، وَإِنَّمَا يَتَخَلَّلُ هُنَا قَوْلُهُ : وَاحِدَةً ، أَوْ لَا شَيْءَ ، وَقَوْلُهُ ثَلَاثًا ، أَوْ لَا شَيْءَ فَيَسْقُطُ اعْتِبَارُ هَذَا اللَّفْظِ ، وَيَبْقَى قَوْلُهُ : أَنْتِ طَالِقٌ فَيَقَعُ بِهِ تَطْلِيقَةٌ رَجْعِيَّةٌ .
وَجْهُ قَوْلِهِ الْآخَرِ أَنَّ حَرْفَ " أَوْ " لِلتَّخْيِيرِ ؛ لِأَنَّ مُوجِبَهُ إثْبَاتُ أَحَدِ الْمَذْكُورَيْنِ فَقَدْ خَيَّرَ نَفْسَهُ بَيْنَ أَنْ يَقَعَ عَلَيْهَا وَاحِدَةٌ ، أَوْ لَا يَقَعَ عَلَيْهَا شَيْءٌ ، وَأَحَدُهُمَا مَوْجُودٌ فَلَا يَثْبُتُ بِهَذَا الْكَلَامِ شَيْءٌ كَمَا لَوْ جَمَعَ بَيْنَ امْرَأَتِهِ وَأَجْنَبِيَّةٍ ، وَقَالَ : هَذِهِ طَالِقٌ ، أَوْ هَذِهِ لَمْ يَقَعْ شَيْءٌ ، وَهَذَا ؛ لِأَنَّ الْكَلَامَ إذَا اقْتَرَنَ بِهِ ذِكْرُ الْعَدَدِ كَانَ الْعَامِلُ هُوَ الْعَدَدَ لَا قَوْلَهُ : أَنْتِ طَالِقٌ ، وَقَدْ خَرَجَ ذِكْرَ الْعَدَدِ مِنْ أَنْ يَكُونَ عَزِيمَةً بِحَرْفِ " أَوْ " فَلَا يَقَعُ عَلَيْهَا شَيْءٌ .

وَإِنْ قَالَ : أَنْتِ طَالِقٌ .
أَوْ غَيْرُ طَالِقٍ ، أَوْ قَالَ : أَنْتِ طَالِقٌ ، أَوْ لَا ، أَوْ قَالَ : أَنْتِ طَالِقٌ ، أَوْ لَا شَيْءَ لَمْ يَقَعْ عَلَيْهَا شَيْءٌ ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا أَدْخَلَ حَرْفَ الْوَاوِ بَيْنَ طَلَاقٍ وَغَيْرِ طَلَاقٍ فَتَخْرُجُ بِهِ كَلِمَةُ الْإِيقَاعِ مِنْ أَنْ تَكُونَ عَزِيمَةً فَلَا يَقَعُ شَيْءٌ كَمَا لَوْ قَالَ لِعَبْدِهِ : أَنْتَ حُرٌّ أَوْ عَبْدٌ ، وَإِنْ قَالَ : أَنْتِ طَالِقٌ وَاحِدَةً فِي اثْنَتَيْنِ فَهُوَ ثَلَاثٌ ؛ لِأَنَّ حَرْفَ فِي قَدْ يَكُونُ بِمَعْنَى الْوَاوِ ؛ لِأَنَّ حُرُوفَ الصِّلَاتِ يَقُومُ بَعْضُهَا مَقَامَ بَعْضٍ .
وَإِنْ نَوَى وَاحِدَةً مَعَ اثْنَتَيْنِ يَقَعُ ثَلَاثٌ أَيْضًا سَوَاءٌ دَخَلَ بِهَا أَوْ لَمْ يَدْخُلْ بِهَا ؛ لِأَنَّ حَرْفَ " فِي " يُذْكَرُ بِمَعْنَى " مَعَ " قَالَ اللَّهُ تَعَالَى : { فَادْخُلِي فِي عِبَادِي } أَيْ مَعَ عِبَادِي ، وَيُقَالُ : دَخَلَ الْأَمِيرُ الْبَلْدَةَ فِي جُنْدِهِ ، أَيْ مَعَ جُنْدِهِ ، وَإِنْ نَوَى حِسَابَ الضَّرْبِ فَهِيَ وَاحِدَةٌ عِنْدَنَا ، وَعِنْدَ زُفَرَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى اثْنَتَانِ ؛ لِأَنَّ هَذَا شَيْءٌ مَعْرُوفٌ عِنْدَ أَهْلِ الْحِسَابِ أَنَّ وَاحِدًا إذَا ضُرِبَ فِي اثْنَيْنِ يَكُونُ اثْنَيْنِ فَيُحْمَلُ كَلَامُهُ عَلَيْهِمَا إذَا نَوَى ، وَلَكِنَّا نَقُولُ الضَّرْبُ إنَّمَا يَكُونُ فِي الْمَمْسُوحَاتِ لَا فِي الطَّلَاقِ ، وَتَأْثِيرُ الضَّرْبِ فِي تَكْثِيرِ الْأَجْزَاءِ لَا فِي زِيَادَةِ الْمَالِ ، وَالتَّطْلِيقَةُ الْوَاحِدَةُ ، وَإِنْ كَثُرَتْ أَجْزَاؤُهَا لَا تَصِيرُ أَكْثَرَ مِنْ وَاحِدَةٍ كَمَا لَوْ قَالَ : أَنْتِ طَالِقٌ نِصْفَ تَطْلِيقَةٍ وَسُدُسَهَا وَثُلُثَهَا لَمْ يَقَعْ إلَّا وَاحِدَةٌ ، فَهَذَا مِثْلُهُ ، وَعَلَى هَذَا لَوْ قَالَ : اثْنَتَيْنِ فِي اثْنَتَيْنِ وَنَوَى الضَّرْبَ عِنْدَنَا تَطْلُقُ اثْنَتَيْنِ ، وَعِنْدَ زُفَرَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى ثَلَاثًا ؛ لِأَنَّ اثْنَيْنِ فِي اثْنَيْنِ يَكُونُ أَرْبَعَةً ، وَلَكِنَّ الطَّلَاقَ لَا يَكُونُ أَكْثَرَ مِنْ ثَلَاثٍ ، وَعَلَى هَذَا مَسَائِلُ الْإِقْرَارِ ، إذَا قَالَ : لِفُلَانٍ عَلَيَّ عَشَرَةُ دَرَاهِمَ فِي عَشَرَةِ دَرَاهِمَ وَنَوَى حِسَابَ الضَّرْبِ فَعَلَيْهِ عَشَرَةٌ عِنْدنَا ،

وَمِائَةٌ عِنْدَ زُفَرَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَإِنْ نَوَى عَشَرَةً وَعَشَرَةً فَعَلَيْهِ عِشْرُونَ ، وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ : دِرْهَمٌ فِي دِينَارٍ ، أَوْ كُرُّ حِنْطَةٍ فِي كُرِّ شَعِيرٍ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ إلَّا الْمَذْكُورُ أَوَّلًا عِنْدَنَا إلَّا أَنْ يَقُولَ نَوَيْتُ الْوَاوَ ، أَوْ حَرْفَ مَعَ فَيَلْزَمُهُ جَمِيعُ ذَلِكَ حِينَئِذٍ ، وَيُحَلِّفُهُ الْقَاضِي بِاَللَّهِ مَا أَرَدْتَ الْإِقْرَارَ بِذَلِكَ كُلِّهِ يَعْنِي إذَا كَانَ الْخَصْمُ مُدَّعِيًا بِجَمِيعِ ذَلِكَ .

( قَالَ ) : وَإِنْ كَانَ لَهُ ثَلَاثُ نِسْوَةٍ ، فَقَالَ : فُلَانَةُ طَالِقٌ ثَلَاثًا ، وَفُلَانَةُ ، أَوْ فُلَانَةُ فَالْأُولَى طَالِقٌ ، وَالْخِيَارُ إلَيْهِ فِي الْأُخْرَيَيْنِ يُوقِعُ عَلَى أَيَّتِهِمَا شَاءَ ؛ لِأَنَّ حَرْفَ التَّخْيِيرِ إنَّمَا ذُكِرَ بَيْنَ الْأُخْرَيَيْنِ فَكَانَ كَلَامُهُ عَزِيمَةً فِي الْأُولَى فَيَقَعُ الطَّلَاقُ عَلَيْهَا وَيُخَيَّرُ فِي الْأُخْرَيَيْنِ بِمَنْزِلَةِ قَوْلِهِ : هَذِهِ طَالِقٌ ، وَإِحْدَى هَاتَيْنِ ، وَكَذَلِكَ الْجَوَابُ فِي الْعِتْقِ ، وَقَدْ بَيَّنَّا الْفَرْقَ بَيْنَ هَذَيْنِ الْفَصْلَيْنِ وَبَيْنَ قَوْلِهِ : وَاَللَّهِ لَا أُكَلِّمُ فُلَانًا وَفُلَانًا أَوْ فُلَانًا فِيمَا أَمْلَيْنَاهُ مِنْ شَرْحِ الْجَامِعِ ، وَاسْتَوْضَحَ فِي الْكِتَابِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ بِمَا إذَا قَالَ لِامْرَأَتِهِ : أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا ، وَقَدْ اسْتَقْرَضَتْ أَلْفَ دِرْهَمٍ مِنْ فُلَانٍ أَوْ فُلَانٍ كَانَ الطَّلَاقُ وَاقِعًا عَلَيْهَا ، وَهُوَ مُخَيَّرٌ فِي الْأَلْفِ يُقِرُّ بِهَا .
لِأَحَدِهِمَا ، وَيَحْلِفُ لِلْآخَرِ مَا اسْتَقْرَضَ مِنْهُ شَيْئًا ، وَهَذَا غَيْرُ مُشْكِلٍ ؛ لِأَنَّ حَرْفَ التَّخْيِيرِ إنَّمَا ذُكِرَ فِي الْإِقْرَارِ لَا فِي الْإِيقَاعِ فَيَبْقَى مُوقِعًا لِلطَّلَاقِ عَلَى امْرَأَتِهِ عَزْمًا .
وَلَوْ قَالَ : فُلَانَةُ طَالِقٌ ثَلَاثًا أَوْ فُلَانَةُ وَفُلَانَةُ طَلُقَتْ الثَّالِثَةُ ، وَالْخِيَارُ إلَيْهِ فِي الْأُولَيَيْنِ ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا أَدْخَلَ حَرْفَ التَّخْيِيرِ بَيْنَ الْأُولَيَيْنِ ، وَابْنُ سِمَاعَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى يَرْوِي عَنْ مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى أَنَّهُ يُخَيَّرُ بَيْنَ الْإِيقَاعِ عَلَى الْأُولَى ، وَالْأُخْرَيَيْنِ بِمَنْزِلَةِ قَوْلِهِ : هَذَا طَالِقٌ أَوْ هَاتَانِ وَجَعَلَ عَلَى تِلْكَ الرِّوَايَةِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ كَمَسْأَلَةِ الْيَمِينِ ، وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا عَلَى ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ قَدْ اسْتَقْصَيْنَا شَرْحَهُ فِي الْجَامِعِ .
وَإِنْ قَالَ : فُلَانَةُ طَالِقٌ ثَلَاثًا وَفُلَانَةُ مَعَهَا يَقَعُ عَلَى كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا ثَلَاثُ تَطْلِيقَاتٍ ؛ لِأَنَّهُ عَطَفَ الثَّانِيَةَ عَلَى الْأُولَى ، وَلَمْ يَذْكُرْ لَهَا خَبَرًا فَيَكُونُ الْخَبَرُ الْأَوَّلُ

خَبَرًا لِلثَّانِي ؛ كَمَا هُوَ مُوجَبُ الْعَطْفِ ؛ وَلِأَنَّهُ ضَمَّ الثَّانِيَةَ إلَى الْأُولَى بِقَوْلِهِ : مَعَهَا ، وَإِنَّمَا يَتَحَقَّقُ هَذَا الضَّمُّ إذَا وَقَعَ عَلَيْهَا مِثْلُ مَا وَقَعَ عَلَى الْأُولَى ، فَإِنْ قَالَ : عَنَيْت أَنَّ فُلَانَةَ مَعَهَا شَاهِدَةٌ لَمْ يُصَدَّقْ فِي الْقَضَاءِ ، وَهُوَ مُصَدَّقٌ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى ؛ لِأَنَّهُ أَضْمَرَ لِلثَّانِيَةِ خَبَرًا آخَرَ ، وَهُوَ مُحْتَمَلٌ ، وَلَكِنَّهُ خِلَافُ الظَّاهِرِ فَيَدِينُ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى ، وَلَا يَدِينُ فِي الْقَضَاءِ ، وَإِنْ قَالَ : فُلَانَةُ طَالِقٌ ثَلَاثًا ، ثُمَّ قَالَ : أَشْرَكْتُ فُلَانَةَ مَعَهَا فِي الطَّلَاقِ وَقَعَ عَلَى الْأُخْرَى ثَلَاثٌ ؛ لِأَنَّ لَفْظَ الِاشْتِرَاكِ يَقْتَضِي التَّسْوِيَةَ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى فِي مِيرَاثِ أَوْلَادِ الْأُمِّ : { فَهُمْ شُرَكَاءُ فِي الثُّلُثِ } فَيَسْتَوِي فِيهِ الذُّكُورُ ، وَالْإِنَاثُ ؛ وَلِأَنَّهُ قَدْ أَشْرَكَهَا فِي كُلِّ وَاحِدَةٍ مِمَّا وَقَعَتْ عَلَى الْأُولَى وَهَذَا بِخِلَافِ مَا لَوْ قَالَ لِامْرَأَتَيْنِ لَهُ : بَيْنَكُمَا ثَلَاثُ تَطْلِيقَاتٍ حَيْثُ تَطْلُقُ كُلُّ وَاحِدَةٍ اثْنَتَيْنِ ؛ لِأَنَّ هُنَاكَ لَمْ يَسْبِقْ وُقُوعُ شَيْءٍ عَلَى وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا فَتَنْقَسِمُ الثَّلَاثُ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ قِسْمَةً وَاحِدَةً ، وَهُنَا قَدْ وَقَعَ الثَّلَاثُ عَلَى الْأُولَى فَلَا يُمْكِنُهُ أَنْ يَرْفَعَ شَيْئًا مِمَّا أَوْقَعَ عَلَيْهَا بِإِشْرَاكِ الثَّانِيَةِ ، وَإِنَّمَا يُمْكِنُهُ أَنْ يُسَوِّيَ الثَّانِيَةَ بِهَا بِإِيقَاعِ الثَّلَاثِ عَلَيْهَا حَتَّى لَوْ قَالَ لِامْرَأَتَيْنِ : أَشْرَكْتُكُمَا فِي ثَلَاثِ تَطْلِيقَاتٍ لَمْ يَقَعْ عَلَى كُلِّ وَاحِدَةٍ إلَّا اثْنَتَانِ ؛ وَلِأَنَّهُ لَمَّا أَوْقَعَ الثَّلَاثَ عَلَى الْأُولَى فَكَلَامُهُ فِي حَقِّ الثَّانِيَةِ إشْرَاكٌ فِي حَقِّ كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْ الثَّلَاثِ فَكَأَنَّهُ قَالَ : بَيْنَكُمَا ثَلَاثُ تَطْلِيقَاتٍ ، وَهُوَ يَنْوِي أَنَّ كُلَّ تَطْلِيقَةٍ بَيْنَهُمَا فَلِهَذَا تَطْلُقُ كُلُّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا ثَلَاثًا .
وَإِنْ قَالَ لِامْرَأَتَيْنِ لَهُ : أَنْتُمَا طَالِقَانِ ثَلَاثًا يَنْوِي أَنَّ الثَّلَاثَ بَيْنَهُمَا

فَهُوَ مَدِينٌ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى ؛ لِكَوْنِ الْمَنْوِيِّ مِنْ مُحْتَمَلَاتِ لَفْظِهِ ، وَلَكِنَّهُ خِلَافُ الظَّاهِرِ فَلَا يَدِينُ فِي الْقَضَاءِ ، وَتَطْلُقُ كُلُّ وَاحِدَةٍ ثَلَاثًا ، وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ لِأَرْبَعِ نِسْوَةٍ لَهُ : أَنْتُنَّ طَوَالِقُ ثَلَاثًا يَنْوِي أَنَّ الثَّلَاثَ بَيْنَهُنَّ كَانَ مَدِينًا فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى فَتَطْلُقُ كُلُّ وَاحِدَةٍ وَاحِدَةً .
أَلَا تَرَى أَنَّهُ قَدْ يُقَالُ : أَكَلْنَ أَرْبَعَةَ أَرْغِفَةٍ عَلَى مَعْنَى أَنَّ كُلَّ وَاحِدَةٍ أَكَلَتْ رَغِيفًا وَلَكِنَّهُ خِلَافُ الظَّاهِرِ فِي الْوَصْفِ فَلَا يَدِينُ فِي الْقَضَاءِ وَتَطْلُقُ كُلُّ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ ثَلَاثًا ، وَإِنْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ : أَنْتِ طَالِقٌ نِصْفَ تَطْلِيقَةٍ فَهِيَ تَطْلِيقَةٌ كَامِلَةٌ عِنْدَنَا ، وَعِنْدَ نُفَاةِ الْقِيَاسِ لَا يَقَعُ عَلَيْهَا شَيْءٌ ؛ لِأَنَّ نِصْفَ التَّطْلِيقَةِ غَيْرُ مَشْرُوعٍ ، وَإِيقَاعُ مَا لَيْسَ بِمَشْرُوعٍ مِنْ الزَّوْجِ بَاطِلٌ ، وَلَكِنَّا نَقُولُ : مَا لَا يَحْتَمِلُ الْوَصْفَ بِالتَّجَزِّي فَذِكْرُ بَعْضِهِ كَذِكْرِ كُلِّهِ ، فَكَانَ هُوَ مُوقِعًا تَطْلِيقَةً كَامِلَةً بِهَذَا اللَّفْظِ ، وَإِيقَاعُ التَّطْلِيقَةِ مَشْرُوعٌ ، وَكَذَلِكَ كُلُّ جُزْءٍ سَمَّاهُ مِنْ نِصْفٍ ، أَوْ ثُلُثٍ ، أَوْ رُبُعٍ فَهُوَ كَذَلِكَ ، وَإِنْ قَالَ : أَنْتِ طَالِقٌ نِصْفَيْ تَطْلِيقَةٍ فَهِيَ طَالِقٌ وَاحِدَةً ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا أَوْقَعَ أَجْزَاءَ تَطْلِيقَةٍ وَاحِدَةٍ .

( قَالَ ) : وَإِنْ قَالَ : أَنْتِ طَالِقٌ نِصْفَ تَطْلِيقَةٍ مِنْ التَّطْلِيقَاتِ الثَّلَاثِ ، وَثُلُثَ تَطْلِيقَةٍ ، وَرُبُعَ تَطْلِيقَةٍ ، وَقَدْ دَخَلَ بِهَا فَهِيَ طَالِقٌ ثَلَاثًا ؛ لِأَنَّهُ أَوْقَعَ مِنْ كُلِّ تَطْلِيقَةٍ مِنْ التَّطْلِيقَاتِ الثَّلَاثِ جُزْءٌ فَإِنَّهُ نَكَّرَ التَّطْلِيقَةَ فِي كُلِّ كَلِمَةٍ ، وَالْمُنَكَّرُ إذَا أُعِيدَ مُنَكَّرًا فَالثَّانِي غَيْرُ الْأَوَّلِ ؛ وَلِهَذَا قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي قَوْله تَعَالَى { فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا إنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا } : لَنْ يَغْلِبَ عُسْرٌ يُسْرَيْنَ ، وَإِنْ قَالَ : أَنْتِ طَالِقٌ نِصْفَ تَطْلِيقَةٍ وَثُلُثَهَا وَسُدُسَهَا لَمْ تَطْلُقْ إلَّا وَاحِدَةً ؛ لِأَنَّهُ أَضَافَ الْأَجْزَاءَ الْمَذْكُورَةَ إلَى تَطْلِيقَةٍ وَاحِدَةٍ بِحَرْفِ الْكِنَايَةِ ، وَلَمْ يَذْكُرْ مَا لَوْ قَالَ : أَنْتِ طَالِقٌ نِصْفَ تَطْلِيقَةٍ وَثُلُثَهَا وَرُبُعَهَا ، فَمِنْ أَصْحَابِنَا مَنْ يَقُولُ هُنَا : تَطْلُقُ اثْنَتَيْنِ ؛ لِأَنَّكَ إذَا جَمَعْت هَذِهِ الْأَجْزَاءَ الْمَذْكُورَةَ تَكُونُ أَكْثَرَ مِنْ وَاحِدَةٍ ، وَالْأَصَحُّ أَنَّهَا لَا تَطْلُقُ إلَّا وَاحِدَةً ؛ لِأَنَّهُ أَضَافَ الْأَجْزَاءَ الْمَذْكُورَةَ إلَى تَطْلِيقَةٍ وَاحِدَةٍ بِحَرْفِ الْكِنَايَةِ فَلَا يَقَعُ إلَّا وَاحِدَةٌ .

( قَالَ ) : وَلَوْ قَالَ : أَنْتِ طَالِقٌ إنْ لَمْ تَصْنَعِي كَذَا وَكَذَا لِعَمَلٍ يَعْلَمُ أَنَّهَا لَا تَصْنَعُهُ أَبَدًا نَحْوُ : أَنْ يَقُولَ : إنْ لَمْ تَمَسِّي السَّمَاءَ بِيَدِكِ ، أَوْ إنْ لَمْ تُحَوِّلِي هَذَا الْحَجَرَ ذَهَبًا فَهِيَ طَالِقً سَاعَةَ تَكَلَّمَ بِهِ بِخِلَافِ مَا لَوْ قَالَ : إنْ لَمْ تَدْخُلِي الدَّارَ فَإِنَّ هُنَاكَ لَا تَطْلُقُ حَتَّى تَمُوتَ ؛ لِأَنَّ الشَّرْطَ فَوَاتُ الدُّخُولِ ، وَلَا يَتَحَقَّقُ ذَلِكَ إلَّا عِنْدَ مَوْتِهَا ، فَإِنَّ الدُّخُولَ مِنْهَا يَتَأَتَّى مَا دَامَتْ حَيَّةً ، فَأَمَّا هُنَا الشَّرْطُ عَدَمُ مَسِّ السَّمَاءِ مِنْهَا ، أَوْ تَحْوِيلُ الْحَجَرِ ذَهَبًا ، وَذَلِكَ مُتَحَقِّقٌ فِي الْحَالِ مِنْ حَيْثُ الظَّاهِرُ ، وَلِأَنَّهُ لَا فَائِدَةَ فِي الِانْتِظَارِ هُنَا ؛ لِأَنَّهُ لَا يَحْصُلُ بِهِ عَجْزٌ لَمْ يَكُنْ ثَابِتًا قَبْلَهُ بِخِلَافِ مَسْأَلَةِ الدُّخُولِ عَلَى مَا بَيَّنَّا لَوْ وَقَّتَ وَقْتًا ، فَقَالَ أَنْتَ طَالِقٌ إنْ لَمْ تُمْسِي السَّمَاءَ الْيَوْمَ لَمْ تَطْلُقْ إلَّا بَعْدَ مُضِيِّ الْيَوْمِ عِنْدَنَا ، وَقَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ : تَطْلُقُ فِي الْحَالِ ؛ لِأَنَّ فَوْتَ الشَّرْطِ مُتَحَقِّقٌ فِي الْحَالِ ؛ وَلِأَنَّ الْوَقْتَ فِي الْيَمِينِ الْمُؤَقَّتِ كَالْعُمْرِ فِي الْمُطْلَقِ فَكَمَا لَا يُنْتَظَرُ هُنَاكَ مَوْتُهَا ؛ فَكَذَلِكَ هُنَا لَا يُنْتَظَرُ مُضِيُّ الْمُدَّةِ ، وَلَكِنَّا نَقُولُ : عِنْدَ ذِكْرِ الْوَقْتِ الشَّرْطُ عَدَمُ الْفِعْلِ فِي آخِرِ جُزْءٍ مِنْ أَجْزَاءِ النَّهَارِ ، وَذَلِكَ لَا يَتَحَقَّقُ قَبْلَ مَجِيءِ ذَلِكَ الْوَقْتِ وَلِأَنَّهُ بِذِكْرِ الْوَقْتِ قَصَدَ التَّرْفِيهَ عَلَى نَفْسِهِ فَكَانَ هَذَا بِمَنْزِلَةِ قَوْلِهِ : أَنْتِ طَالِقٌ إذَا ذَهَبَ هَذَا الْيَوْمُ ، فَمَا لَمْ يَذْهَبْ لَا يَقَعُ الطَّلَاقُ .

( قَالَ ) : رَجُلٌ قَالَ لِامْرَأَتِهِ : يَا مُطَلَّقَةُ فَهِيَ طَالِقٌ وَاحِدَةً ؛ لِأَنَّهُ وَصَفَهَا بِالطَّلَاقِ حِينَ نَادَاهَا بِهِ فَكَانَ هَذَا وَقَوْلُهُ : أَنْتِ طَالِقٌ سَوَاءً أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ قَالَ لَهَا : يَا زَانِيَةُ كَانَ قَاذِفًا لَهَا بِمَنْزِلَةِ قَوْلِهِ : أَنْتِ زَانِيَةٌ ، فَإِنْ قَالَ : عَنَيْتُ أَنَّهَا مُطَلَّقَةٌ مِنْ زَوْجٍ لَهَا قَبْلِي ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا زَوْجٌ لَا يُلْتَفَتُ إلَى كَلَامِهِ ؛ لِأَنَّهُ نَوَى الْمُحَالَ ، وَإِنْ كَانَ لَهَا زَوْجٌ قَبْلَهُ فَهُوَ مَدِينٌ فِي الْقَضَاءِ ، وَلَا يَقَعُ عَلَيْهَا شَيْءٌ ؛ لِأَنَّهُ نَوَى حَقِيقَةَ كَلَامِهِ فَإِنَّ النِّدَاءَ فِي الْحَقِيقَةِ بِوَصْفٍ مَوْجُودٍ ، وَذَلِكَ مِنْ طَلَاقِ زَوْجٍ كَانَ قَبْلَهُ وَلِأَنَّ حَقِيقَةَ كَلَامِهِ الْوَصْفُ ، وَهُوَ غَيْرُ الْإِيقَاعِ .

( قَالَ ) : وَإِنْ قَالَ لَهَا : طَلَّقْتُك أَمْسِ ، وَهُوَ كَاذِبٌ كَانَتْ طَالِقًا فِي الْقَضَاءِ ، فَأَمَّا فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى فَهِيَ امْرَأَتُهُ ؛ لِأَنَّ الْإِقْرَارَ إخْبَارٌ مُحْتَمِلٌ لِلصِّدْقِ ، وَالْكَذِبِ إلَّا أَنَّ دِينَهُ وَعَقْلَهُ يَحْمِلُهُ عَلَى الصِّدْقِ وَيَمْنَعُهُ عَنْ الْكَذِبِ فَحَمَلْنَا كَلَامَهُ فِي الظَّاهِرِ عَلَى الصِّدْقِ ، فَأَمَّا فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى فَالْمُخْبَرُ عَنْهُ إذَا كَانَ كَذِبًا لَا يَصِيرُ بِالْإِخْبَارِ عَنْهُ صِدْقًا ؛ فَلِهَذَا لَا يَقَعُ شَيْءٌ .

( قَالَ ) : وَلَوْ قَالَ لَهَا : يَا بَائِنُ ، أَوْ يَا حَرَامُ أَوْ مَا أَشْبَهَ ذَلِكَ مِنْ الْكَلَامِ الَّذِي يُشْبِهُ الْفُرْقَةَ ، وَهُوَ يُرِيدُ بِذَلِكَ أَنْ يُسَمِّيَهَا تَسْمِيَةً ، وَلَا يَنْوِي الطَّلَاقَ لَمْ تَطْلُقْ ؛ لِأَنَّا قَدْ بَيَّنَّا فِي قَوْلِهِ أَنْتِ بَائِنٌ أَنَّهُ لَا يَقَعُ الطَّلَاقُ إلَّا إذَا نَوَى ؛ لِأَنَّ اللَّفْظَ مُبْهَمٌ مُحْتَمِلٌ ، فَكَذَلِكَ فِي قَوْلِهِ : يَا بَائِنُ ، فَإِذَا قَالَ : لَمْ أَنْوِ الطَّلَاقَ كَانَ مُدَيَّنًا فِي الْقَضَاءِ ، وَفِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى .
وَإِنْ قَالَ : يَا مُطَلَّقَةُ يُرِيدُ أَنْ يُسَمِّيَهَا بِذَلِكَ ، وَلَا يُرِيدُ الطَّلَاقَ وَسِعَهُ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى وَلَمْ يُصَدَّقْ فِي الْقَضَاءِ ؛ لِأَنَّ اللَّفْظَ صَرِيحٌ فَوُقُوعُ الطَّلَاقِ بِهِ يَكُونُ بِعَيْنِهِ لَا بِنِيَّتِهِ بِخِلَافِ مَا سَبَقَ إلَّا أَنَّ مَا نَوَاهُ مُحْتَمَلٌ فَيُدَيَّنُ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى بِمَنْزِلَةِ قَوْلِهِ : عَنَيْتُ الطَّلَاقَ عَنْ الْوَثَاقِ ، وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ لِعَبْدِهِ : يَا حُرُّ يُرِيدُ أَنْ يُسَمِّيَهُ بِذَلِكَ فَهُوَ مُدَيَّنُ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى ، وَلَكِنْ يُعْتَقُ بِهِ فِي الْقَضَاءِ .

( قَالَ ) : وَلَوْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ : هَذِهِ أُخْتِي فَهُوَ صَادِقٌ فِي ذَلِكَ ، وَلَا يَقَعُ عَلَيْهَا شَيْءٌ ؛ لِأَنَّ هَذَا الْكَلَامَ مُحْتَمِلٌ لِلْأُخُوَّةِ فِي الدِّينِ ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى { إنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إخْوَةٌ } ، وَفِي الْقَبِيلَةِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى : { وَإِلَى عَادٍ أَخَاهُمْ هُودًا } وَبِالْمُحْتَمِلِ لَا تَثْبُتُ الْحُرْمَةُ ، وَعَلَى هَذَا لَوْ قَالَ لِمَمْلُوكِهِ : هَذَا أَخِي كَانَ صَادِقًا وَلَمْ يُعْتَقْ ، وَإِنْ قَالَ هَذِهِ أُمِّي أَوْ ابْنَتِي مِنْ نَسَبٍ أَوْ رَضَاعٍ ، أَوْ قَالَ هِيَ عَمَّتِي أَوْ خَالَتِي مِنْ نَسَبٍ أَوْ رَضَاعٍ فَإِنَّهُ يُسْأَلُ عَنْ ذَلِكَ ، فَإِنْ ثَبَتَ عَلَيْهِ فُرِّقَ بَيْنَهُمَا ، وَإِنْ قَالَ : كَذَبْتُ أَوْ تَوَهَّمْتُ فَهِيَ امْرَأَتُهُ ، وَقَدْ بَيَّنَّا هَذَا فِي كِتَابِ النِّكَاحِ ، وَذَكَرْنَا الْفَرْقَ بَيْنَهُمَا إذَا قَالَ لِمَمْلُوكِهِ وَلِزَوْجَتِهِ ، وَكَذَلِكَ إذَا قَالَ : يَا أُمَّاهُ ، أَوْ يَا بِنْتَاهُ ، أَوْ يَا عَمَّتَاهُ ، أَوْ يَا خَالَتَاهُ أَوْ يَا أُخْتَاهُ ، أَوْ يَا جَدَّتَاهُ كَانَ هَذَا بَاطِلًا ، وَلَا تَقَعُ بِهِ الْفُرْقَةُ ؛ لِأَنَّ فِي مَوْضِعِ النِّدَاءِ الْمُرَادَ إحْضَارُهَا لَا تَحْقِيقُ ذَلِكَ الْوَصْفِ فِيهَا أَلَا تَرَى أَنَّهُ قَدْ يُنَادِيهَا بِمَا لَا يَتَحَقَّقُ فِيهَا فِي مَوْضِعِ الْإِهَانَةِ كَالْكَلْبِ ، وَالْحِمَارِ ، وَفِي مَوْضِعِ الْإِكْرَامِ كَحُورِ الْعِينِ وَنَحْوِهِ فَعَرَفْنَا أَنَّهُ لَيْسَ مُرَادُهُ التَّحْقِيقَ وَبِدُونِ قَصْدِ التَّحْقِيقِ لَا عَمَلَ لِهَذَا الْكَلَامِ فِي قَطْعِ الزَّوْجِيَّةِ فَلِهَذَا لَا يَقَعُ شَيْءٌ .

( قَالَ ) : قَالَ رَجُلٌ لِامْرَأَتِهِ : قَدْ وَهَبْتُ لَكِ طَلَاقَكِ ، وَلَا نِيَّةَ لَهُ فَهِيَ طَالِقٌ فِي الْقَضَاءِ ؛ لِأَنَّ مَعْنَى كَلَامِهِ هَذَا طَلَّقْتُك بِغَيْرِ عِوَضٍ فَإِنَّ هِبَةَ الشَّيْءِ مِنْ غَيْرِهِ جَعْلُهُ لَهُ مَجَّانًا .
وَلَوْ قَالَ : بِعْتُكَ طَلَاقَكَ بِكَذَا ، فَقَالَتْ : قَبِلْتُ طَلُقَتْ فَكَذَلِكَ إذَا قَالَ : وَهَبْت لَك طَلَاقَك تَطْلُقُ ، وَإِنْ لَمْ تَقْبَلْ ؛ لِأَنَّ اشْتِرَاطَ قَبُولِهَا لِأَجْلِ الْبَدَلِ ، وَإِنْ كَانَ يَنْوِي بِذَلِكَ أَنْ يَكُونَ الطَّلَاقُ فِي يَدِهَا لَمْ يُصَدَّقْ فِي الْقَضَاءِ ؛ لِأَنَّهُ خِلَافُ الظَّاهِرِ فَإِنَّ الْهِبَةَ تُزِيلُ مِلْكَ الْوَاهِبِ عَنْ الْمَوْهُوبِ ، وَبِجَعْلِ الطَّلَاقِ فِي يَدِهَا لَا يَزُولُ مِلْكُهُ عَنْ الطَّلَاقِ ، وَيَدِينُ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى ، وَقَدْ رُوِيَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى أَنَّهُ يَدِينُ فِي الْقَضَاءِ ؛ لِأَنَّ هِبَةَ الشَّيْءِ مِنْ غَيْرِهِ تَمْلِيكٌ لِذَلِكَ الشَّيْءِ مِنْهُ فِي الظَّاهِرِ ؛ فَيَكُونُ هَذَا تَمْلِيكًا لِلْأَمْرِ مِنْهَا ، فَإِنْ طَلَّقَتْ نَفْسَهَا فِي ذَلِكَ الْمَجْلِسِ طَلُقَتْ وَإِلَّا فَهِيَ امْرَأَتُهُ .

( قَالَ ) : وَإِذَا قَالَ لِآخَرَ : أَخْبِرْ امْرَأَتِي بِطَلَاقِهَا فَهِيَ طَالِقٌ سَوَاءٌ أَخْبَرَهَا بِهِ أَوْ لَمْ يُخْبِرْهَا ؛ لِأَنَّ حَرْفَ الْبَاءِ لِلْإِلْصَاقِ فَيَكُونُ مَعْنَاهُ أَخْبِرْهَا بِمَا أَوْقَعْتُ عَلَيْهَا مِنْ الطَّلَاقِ مَوْصُولًا بِالْإِيقَاعِ ، وَذَلِكَ يَقْتَضِي إيقَاعًا سَابِقًا لَا مَحَالَةَ ، وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ : احْمِلْ إلَيْهَا طَلَاقَهَا ، أَوْ بَشِّرْهَا بِطَلَاقِهَا فَهِيَ طَالِقٌ بَلَغَهَا ، أَوْ لَمْ يَبْلُغْهَا ؛ لِأَنَّ مَعْنَاهُ بَشِّرْهَا بِمَا أَوْقَعْتُ عَلَيْهَا ، أَوْ احْمِلْ إلَيْهَا مَا أَوْقَعْتُ عَلَيْهَا .
وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ : أَخْبِرْهَا أَنَّهَا طَالِقٌ أَوْ قُلْ لَهَا : إنَّهَا طَالِقٌ ؛ لِأَنَّ الْخَبَرَ ، وَإِنْ كَانَ يَحْتَمِلُ الصِّدْقَ ، وَالْكَذِبَ فَالْأَصْلُ فِيهِ الصِّدْقُ ، وَذَلِكَ لَا يَكُونُ إلَّا بَعْدَ إيقَاعِهِ الطَّلَاقَ عَلَيْهَا ، وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ لِعَبْدِهِ : وَهَبْتُ لَك عِتْقَك ، أَوْ تَصَدَّقْتُ عَلَيْك بِعِتْقِك ، أَوْ قَالَ لِغَيْرِهِ : أَخْبِرْهُ أَنَّهُ حُرٌّ ، أَوْ بَشِّرْهُ بِأَنَّهُ حُرٌّ أَوْ قُلْ لَهُ أَنَّهُ حُرٌّ كَانَ حُرًّا لِمَا بَيَّنَّا .

( قَالَ ) : وَإِذَا أَرَادَ أَنْ يُطَلِّقَ امْرَأَتَهُ ، فَقَالَتْ : لَا تُطَلِّقْنِي هَبْ لِي طَلَاقِي ، فَقَالَ : قَدْ وَهَبْتُ لَكِ طَلَاقَك يُرِيدُ بِذَلِكَ لَا أُطَلِّقُك فَهِيَ امْرَأَتُهُ فِي الْقَضَاءِ ، وَفِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى ؛ لِأَنَّ كَلَامَهُ جَوَابٌ لِسُؤَالِهَا ، وَهِيَ إنَّمَا سَأَلَتْهُ الْإِعْرَاضَ عَنْ الْإِيقَاعِ ، وَقَدْ أَظْهَرَ بِكَلَامِهِ أَنَّهُ أَجَابَهَا إلَى مَا سَأَلَتْهُ فَلَا يَكُونُ ذَلِكَ إيقَاعًا مِنْهُ ، وَلَوْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ : قَدْ أَعْرَضْتُ عَنْ طَلَاقِك ، أَوْ صَفَحْت عَنْ طَلَاقِك يُرِيدُ بِذَلِكَ الطَّلَاقَ لَمْ تَطْلُقْ ؛ لِأَنَّهُ نَوَى ضِدَّ كَلَامِهِ فَإِنَّ الْإِعْرَاضَ عَنْ الشَّيْءِ بِتَرْكِ الْخَوْضِ فِيهِ ، وَهُوَ ضِدُّ الْإِيقَاعِ ، وَلَوْ قَالَ : قَدْ تَرَكْتُ طَلَاقَك ، أَوْ قَدْ خَلَّيْت طَلَاقَك ، أَوْ قَدْ خَلَّيْت سَبِيلَ طَلَاقِك ، وَهُوَ يُرِيدُ بِذَلِكَ الطَّلَاقَ فَهِيَ طَالِقٌ ؛ لِأَنَّ هَذَا الْكَلَامَ مُحْتَمِلٌ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مُرَادُهُ تَرْكَهَا بِطَرِيقِ الْإِعْرَاضِ عَنْ التَّصَرُّفِ فِيهَا ، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ تَرَكْتُهَا بِأَنْ أَخْرَجْتُهَا مِنْ يَدِي بِالْإِيقَاعِ فَيَنْوِي فِيهِ ، فَإِنْ لَمْ يَنْوِ الطَّلَاقَ فَلَيْسَ بِشَيْءٍ ، وَإِنْ نَوَى الطَّلَاقَ فَهُوَ طَلَاقٌ بِمَنْزِلَةِ الْكِنَايَاتِ .

( قَالَ ) : وَلَوْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ ، وَقَدْ دَخَلَ بِهَا : أَنْتِ طَالِقٌ كُلَّ يَوْمٍ ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ نِيَّةٌ لَمْ تَطْلُقْ إلَّا وَاحِدَةً عِنْدَنَا ، وَعِنْدَ زُفَرَ تَطْلُقُ ثَلَاثًا فِي ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ : أَنْتِ طَالِقٌ إيقَاعٌ ، وَكَلِمَةَ كُلٍّ تَجْمَعُ الْأَسْمَاءَ فَقَدْ جَعَلَ نَفْسَهُ مُوقِعًا لِلطَّلَاقِ عَلَيْهَا فِي كُلِّ يَوْمٍ ، وَذَلِكَ بِتَجَدُّدِ الْوُقُوعِ حَتَّى تَطْلُقَ ثَلَاثًا ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ قَالَ : أَنْتِ طَالِقٌ فِي كُلِّ يَوْمٍ طَلُقَتْ ثَلَاثًا فِي كُلِّ يَوْمٍ وَاحِدَةً ، وَلَكِنَّا نَقُولُ : كَلَامُهُ صِفَةٌ ، وَقَدْ وَصَفَهَا بِالطَّلَاقِ فِي كُلِّ يَوْمٍ ، وَهِيَ بِالتَّطْلِيقَةِ الْوَاحِدَةِ تَتَّصِفُ بِهِ فِي الْأَيَّامِ كُلِّهَا ، وَإِنَّمَا جَعَلْنَا كَلَامَهُ إيقَاعًا لِضَرُورَةِ تَحْقِيقِ الْوَصْفِ ، وَهَذِهِ الضَّرُورَةُ تَرْتَفِعُ بِالْوَاحِدَةِ ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ قَالَ : أَنْتِ طَالِقٌ أَبَدًا لَمْ تَطْلُقْ إلَّا وَاحِدَةً بِخِلَافِ قَوْلِهِ : فِي كُلِّ يَوْمٍ ؛ لِأَنَّ حَرْفَ " فِي " لِلظَّرْفِ ، وَالزَّمَانُ ظَرْفٌ لِلطَّلَاقِ مِنْ حَيْثُ الْوُقُوعُ فِيهِ فَمَا يَكُونُ الْيَوْمُ ظَرْفًا لَهُ لَا يَصْلُحُ الْغَدُ ظَرْفًا لَهُ فَيَتَجَدَّدُ الْإِيقَاعُ ؛ لِتَحْقِيقِ مَا اقْتَضَاهُ حَرْفُ فِي ، وَفِي قَوْلِهِ : كُلَّ يَوْمٍ إنْ قَالَ : أَرَدْتُ أَنَّهَا طَالِقٌ كُلَّ يَوْمٍ تَطْلِيقَةً أُخْرَى فَهُوَ كَمَا نَوَى ، وَتَطْلُقُ ثَلَاثًا فِي ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ إمَّا ؛ لِأَنَّهُ أَضْمَرَ حَرْفَ " فِي " أَوْ ؛ لِأَنَّهُ أَضْمَرَ التَّطْلِيقَةَ فَكَأَنَّهُ قَالَ : أَنْتِ طَالِقٌ كُلَّ يَوْمٍ تَطْلِيقَةً .

( قَالَ ) : وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ : أَنْتِ طَالِقٌ الْيَوْمَ وَغَدًا وَبَعْدَ غَدٍ ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ نِيَّةٌ فَهِيَ وَاحِدَةٌ ؛ لِأَنَّ بِوُقُوعِ الْوَاحِدَةِ عَلَيْهَا تَتَّصِفُ بِالطَّلَاقِ فِي هَذِهِ الْأَيَّامِ ، وَإِنْ نَوَى ثَلَاثًا فَهُوَ كَمَا نَوَى ، وَهِيَ طَالِقٌ كُلَّ يَوْمٍ وَاحِدَةً حَتَّى تَسْتَكْمِلَ ثَلَاثًا فِي الْيَوْمِ الثَّالِثِ إمَّا ؛ لِإِضْمَارِ حَرْفِ " فِي " أَوْ ؛ لِإِضْمَارِ التَّطْلِيقَةِ .

( قَالَ ) : وَإِنْ قَالَ : أَنْتِ طَالِقٌ مَا لَا يَجُوزُ عَلَيْك مِنْ الطَّلَاقِ ، أَوْ مَا لَا يَقَعُ عَلَيْك مِنْ الطَّلَاقِ فَهِيَ طَالِقٌ وَاحِدَةً رَجْعِيَّةً ؛ لِأَنَّ آخِرَ كَلَامِهِ لَغْوٌ ، فَإِنَّهُ لَيْسَ فِيمَا يَمْلِكُهُ الزَّوْجُ عَلَيْهَا طَلَاقٌ مَوْصُوفٌ بِمَا ذَكَرَ ، وَكَذَلِكَ إنْ قَالَ : أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا لَا يَقَعْنَ عَلَيْك ، أَوْ ثَلَاثًا لَا يَجُزْنَ عَلَيْك فَهِيَ طَالِقٌ ثَلَاثًا ؛ لِمَا بَيَّنَّا ، وَفِي النَّوَادِرِ قَالَ : أَنْتِ طَالِقٌ أَقْبَحَ الطَّلَاقِ قَالَ : عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى تَطْلُقُ تَطْلِيقَةً رَجْعِيَّةً ، وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى تَطْلُقُ تَطْلِيقَةً بَائِنَةً ؛ لِأَنَّهُ جَعَلَ الْقُبْحَ صِفَةً لِلطَّلَاقِ ، وَذَلِكَ هُوَ الطَّلَاقُ الْمُزِيلُ لِلْمِلْكِ وَأَبُو يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى يَقُولُ : قَدْ يَكُونُ الْقُبْحُ بِالْإِيقَاعِ فِي غَيْرِ وَقْتِ السُّنَّةِ فَلَا تَثْبُتُ صِفَةُ الْبَيْنُونَةِ بِالشَّكِّ .

( قَالَ ) : وَلَوْ قَالَ : أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا ، وَأَنَا بِالْخِيَارِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ فَالْخِيَارُ بَاطِلٌ ، وَالطَّلَاقُ وَاقِعٌ ؛ لِأَنَّ اشْتِرَاطَ الْخِيَارِ لِلْفَسْخِ بَعْدَ الْوُقُوعِ لَا لِلْمَنْعِ عَنْ الْوُقُوعِ وَالطَّلَاقُ لَا يَحْتَمِلُ الْفَسْخَ بَعْدَ وُقُوعِهِ فَيَلْغُو شَرْطُ الْخِيَارِ فِيهِ ، وَالْعِتْقُ كَذَلِكَ .

( قَالَ ) : وَلَوْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ : اذْهَبِي فَتَزَوَّجِي ، فَإِنْ كَانَ نَوَى طَلَاقًا فَهُوَ طَلَاقٌ ، وَإِنْ نَوَى ثَلَاثًا فَثَلَاثٌ ، وَإِنْ نَوَى وَاحِدَةً فَوَاحِدَةٌ بَائِنَةٌ ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ نِيَّةٌ فَلَيْسَ بِشَيْءٍ ؛ لِأَنَّ كَلَامَهُ مُحْتَمَلٌ فَلَا يَتَعَيَّنُ مَعْنَى الطَّلَاقِ فِيهِ إلَّا بِالنِّيَّةِ ، وَهُوَ مُحْتَمِلٌ لِلطَّلَاقِ ؛ لِأَنَّهُ أَلْزَمَهَا الذَّهَابَ مِنْ بَيْتِهِ ، رُوِيَ عَنْ مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى أَنَّهُ لَوْ قَالَ لَهَا : افْلَحِي أَوْ اسْتَفْلِحِي يَنْوِي بِهِ الطَّلَاقَ فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ قَوْلِهِ : اذْهَبِي ؛ لِأَنَّ الْعَرَبَ تَقُولُ : أَفْلِحْ بِخَيْرٍ أَيْ اذْهَبْ بِخَيْرٍ ، وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ : اسْتَفْلِحِي ؛ لِأَنَّ مَعْنَاهُ اُطْلُبِي فَحْلًا فَكَانَ هَذَا ، وَقَوْلُهُ تَزَوَّجِي سَوَاءً وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .

بَابُ طَلَاقِ الْأَخْرَسِ ( قَالَ ) : وَإِذَا طَلَّقَ الْأَخْرَسُ امْرَأَتَهُ فِي كِتَابٍ ، وَهُوَ يَكْتُبُ جَازَ عَلَيْهِ مِنْ ذَلِكَ مَا يَجُوزُ عَلَى الصَّحِيحِ فِي كِتَابِهِ ؛ لِأَنَّ الْأَخْرَسَ عَاجِزٌ عَنْ الْكَلَامِ ، وَهُوَ قَادِرٌ عَلَى الْكِتَابِ فَهُوَ وَالصَّحِيحُ فِي الْكِتَابِ سَوَاءٌ ، وَالْأَصْلُ أَنَّ الْبَيَانَ بِالْكِتَابِ بِمَنْزِلَةِ الْبَيَانِ بِاللِّسَانِ ؛ لِأَنَّ الْمَكْتُوبَ حُرُوفٌ مَنْظُومَةٌ تَدُلُّ عَلَى مَعْنًى مَفْهُومٍ كَالْكَلَامِ أَلَا تَرَى أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ مَأْمُورًا بِتَبْلِيغِ الرِّسَالَةِ ، وَقَدْ بَلَّغَ تَارَةً بِالْكِتَابِ وَتَارَةً بِاللِّسَانِ ، ثُمَّ الْكِتَابُ عَلَى ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ : ( أَحَدُهَا ) أَنْ يَكْتُبَ طَلَاقًا ، أَوْ عَتَاقًا عَلَى مَا لَا يَتَبَيَّنُ فِيهِ الْخَطُّ كَالْهَوَاءِ ، وَالْمَاءِ ، وَالصَّخْرَةِ الصَّمَّاءِ فَلَا يَقَعُ بِهِ شَيْءٌ نَوَى أَوْ لَمْ يَنْوِ ؛ لِأَنَّ مِثْلَ هَذِهِ الْكِتَابَةِ كَصَوْتٍ لَا يَتَبَيَّنُ مِنْهُ حُرُوفٌ ، وَلَوْ وَقَعَ الطَّلَاقُ لَوَقَعَ بِمُجَرَّدِ نِيَّتِهِ ، وَذَلِكَ لَا يَجُوزُ .
( الثَّانِي ) أَنْ يَكْتُبَ طَلَاقَ امْرَأَتِهِ عَلَى مَا يَتَبَيَّنُ فِيهِ الْخَطُّ ، وَلَكِنْ لَا عَلَى رَسْمِ كَتْبِ الرِّسَالَةِ فَهَذَا يَنْوِي فِيهِ ؛ لِأَنَّ مِثْلَ هَذِهِ الْكِتَابَةِ قَدْ تَكُونُ لِلْإِيقَاعِ ، وَقَدْ تَكُونُ لِتَجْرِبَةِ الْخَطِّ ، وَالْقَلَمِ ، وَالْبَيَاضِ ، وَفِيهِ يَنْوِي كَمَا فِي الْأَلْفَاظِ الَّتِي تُشْبِهُ الطَّلَاقَ ، فَإِنْ كَانَ صَحِيحًا تَبِينُ نِيَّتُهُ بِلِسَانِهِ ، وَإِنْ كَانَ أَخْرَسَ تَبِينُ نِيَّتُهُ بِكِتَابِهِ .
( وَالثَّالِثُ ) أَنْ يَكْتُبَ عَلَى رَسْمِ كَتْبِ الرِّسَالَةِ طَلَاقَ امْرَأَتِهِ أَوْ عَتَاقَ عَبْدِهِ فَيَقَعُ الطَّلَاقُ ، وَالْعَتَاقُ بِهَذَا فِي الْقَضَاءِ ، وَإِنْ قَالَ : عَنَيْت بِهِ تَجْرِبَةَ الْخَطِّ لَا يَدِينُ فِي الْقَضَاءِ ؛ لِأَنَّهُ خِلَافُ الظَّاهِرِ ، وَهُوَ نَظِيرُ مَا لَوْ قَالَ : أَنْتِ طَالِقٌ ، ثُمَّ قَالَ : عَنَيْت الطَّلَاقَ مِنْ وَثَاقٍ ، ثُمَّ يُنْظَرُ إلَى الْمَكْتُوبِ ، فَإِنْ كَانَ كَتَبَ : امْرَأَتَهُ طَالِقٌ فَهِيَ طَالِقٌ سَوَاءٌ بَعَثَ الْكِتَابَ

إلَيْهَا ، أَوْ لَمْ يَبْعَثْ ، وَإِنْ كَانَ الْمَكْتُوبُ : إذَا وَصَلَ إلَيْك كِتَابِي هَذَا فَأَنْتِ طَالِقٌ ، فَمَا لَمْ يَصِلْ إلَيْهَا لَا يَقَعُ الطَّلَاقُ ؛ كَمَا لَوْ تَكَلَّمَ بِمَا كَتَبَ ، فَإِنْ نَدِمَ عَلَى ذَلِكَ فَمَحَى ذِكْرَ الطَّلَاقِ مِنْ كِتَابِهِ ، وَتَرَكَ مَا سِوَى ذَلِكَ ، وَبَعَثَ بِالْكِتَابِ إلَيْهَا فَهِيَ طَالِقٌ إذَا وَصَلَ إلَيْهَا الْكِتَابُ ؛ لِوُجُودِ الشَّرْطِ ، وَمَحْوُهُ كَرُجُوعِهِ عَنْ التَّعْلِيقِ ، فَإِنْ مَحَى الْخُطُوطَ كُلَّهَا ، وَبَعَثَ بِالْبَيَاضِ إلَيْهَا لَمْ تَطْلُقْ ؛ لِأَنَّ الشَّرْطَ لَمْ يُوجَدْ فَإِنَّ مَا وَصَلَ إلَيْهَا لَيْسَ بِكِتَابٍ ، وَلَوْ جَحَدَ الزَّوْجُ الْكِتَابَ ، وَأَقَامَتْ عَلَيْهِ الْبَيِّنَةَ أَنَّهُ كَتَبَهُ بِيَدِهِ فُرِّقَ بَيْنَهُمَا فِي الْقَضَاءِ ؛ لِأَنَّ الثَّابِتَ بِالْبَيِّنَةِ عَلَيْهِ كَالثَّابِتِ بِإِقْرَارِهِ .

وَإِنْ كَانَ الْأَخْرَسُ لَا يَكْتُبُ ، وَكَانَتْ لَهُ إشَارَةٌ تُعْرَفُ فِي طَلَاقِهِ وَنِكَاحِهِ وَشِرَائِهِ وَبَيْعِهِ فَهُوَ جَائِزٌ اسْتِحْسَانًا ، وَفِي الْقِيَاسِ لَا يَقَعُ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ بِإِشَارَتِهِ ؛ لِأَنَّهُ لَا يَتَبَيَّنُ بِإِشَارَتِهِ حُرُوفٌ مَنْظُومَةٌ ؛ فَبَقِيَ مُجَرَّدُ قَصْدِهِ الْإِيقَاعَ ، وَبِهَذَا لَا يَقَعُ شَيْءٌ ، أَلَا تَرَى أَنَّ الصَّحِيحَ لَوْ أَشَارَ لَا يَقَعُ شَيْءٌ مِنْ التَّصَرُّفَاتِ بِإِشَارَتِهِ وَلَكِنَّهُ اُسْتُحْسِنَ ، فَقَالَ : الْإِشَارَةُ مِنْ الْأَخْرَسِ كَالْعِبَارَةِ مِنْ النَّاطِقِ ، أَلَا تَرَى أَنَّ فِي الْعِبَادَاتِ جُعِلَ هَكَذَا حَتَّى إذَا حَرَّكَ شَفَتَيْهِ بِالتَّكْبِيرِ ، وَالْقُرْآنِ جُعِلَ ذَلِكَ بِمَنْزِلَةِ الْقِرَاءَةِ مِنْ النَّاطِقِ ، فَكَذَلِكَ فِي الْمُعَامَلَاتِ ؛ وَهَذَا لِأَجْلِ الضَّرُورَةِ ؛ لِأَنَّهُ مُحْتَاجٌ إلَى مَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ النَّاطِقُ ، فَلَوْ لَمْ يَجْعَلْ إشَارَتَهُ كَعِبَارَةِ النَّاطِقِ أَدَّى إلَى أَنْ يَمُوتَ جُوعًا ، وَهَذِهِ الضَّرُورَةُ لَا تَتَأَتَّى فِي حَقِّ النَّاطِقِ ؛ وَلِهَذَا قُلْنَا : الْمَرِيضُ .
وَإِنْ اُعْتُقِلَ لِسَانُهُ لَا يَنْفُذُ تَصَرُّفُهُ بِإِشَارَتِهِ ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَقَعْ الْيَأْسُ عَنْ نُطْقِهِ ، وَإِقَامَةُ الْإِشَارَةِ مَقَامَ الْعِبَارَةِ عِنْدَ وُقُوعِ الْيَأْسِ عَنْ النُّطْقِ ؛ لِأَجْلِ الضَّرُورَةِ ، وَإِنْ لَمْ تَكُنْ لَهُ إشَارَةٌ مَعْرُوفَةٌ يُعْرَفُ ذَلِكَ مِنْهُ ، أَوْ يُشَكُّ فِيهِ فَهُوَ بَاطِلٌ ؛ لِأَنَّهُ لَا يُوقَفُ عَلَى مُرَادِهِ بِمِثْلِ هَذِهِ الْإِشَارَةِ ؛ فَلَا يَجُوزُ الْحُكْمُ بِهَا

وَلَمْ يَذْكُرْ فِي الْكِتَابِ حُكْمَ الطَّلَاقِ بِالْفَارِسِيَّةِ .
وَقَدْ رُوِيَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى أَنَّ الْفَارِسِيَّ إذَا قَالَ لِامْرَأَتِهِ : هسته ، أَوْ قَالَ : از زَنَى هسته ، يَنْوِي فِي ذَلِكَ ، فَإِنْ نَوَى ثَلَاثًا فَثَلَاثٌ ، وَإِنْ نَوَى وَاحِدَةً فَوَاحِدَةٌ رَجْعِيَّةٌ وَيَسْتَوِي إنْ كَانَ فِي حَالِ مُذَاكَرَةِ الطَّلَاقِ ، أَوْ لَمْ يَكُنْ ، وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى إنْ قَالَ : هِسَته ، يَنْوِي فِيهِ ، وَلَوْ قَالَ : ازْ زِنِي هِسَته فَهِيَ تَطْلِيقَةٌ رَجْعِيَّةٌ إلَّا أَنْ يَنْوِيَ ثَلَاثًا ، وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى فِي قَوْلِهِ : بهستمت ، أَوْ ازْ زني بهستمت ، أَنَّهُ طَلَاقٌ ، وَكَأَنَّهُمْ جَعَلُوا هَذَا اللَّفْظَ تَفْسِيرًا لِلتَّخْلِيَةِ ؛ وَلِهَذَا قَالَ زُفَرُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى يَكُونُ الْوَاقِعُ بِهِ بَائِنًا ، وَلَكِنْ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَبُو يُوسُفَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى قَالَا : يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ هَذَا فِي مَعْنَى التَّخْلِيَةِ ؛ فَيَكُونُ الْوَاقِعُ بِهِ بَائِنًا ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ هَذَا مَعْنَى لَفْظٍ آخَرَ ، فَلَا تَثْبُتُ الْبَيْنُونَةُ بِالشَّكِّ ، وَلَكِنَّا نَقُولُ : نَحْنُ أَعْرَفُ بِلُغَتِنَا مِنْهُمْ ، وَالْوَاقِعُ بِهَذَا اللَّفْظِ عِنْدَنَا تَطْلِيقَةٌ رَجْعِيَّةٌ سَوَاءٌ نَوَى الطَّلَاقَ ، أَوْ لَمْ يَنْوِ ، أَوْ نَوَى الثَّلَاثَ أَوْ لَمْ يَنْوِ ؛ لِأَنَّ هَذَا اللَّفْظَ فِي لِسَانِنَا صَرِيحٌ بِمَنْزِلَةِ الطَّلَاقِ فِي لِسَانِ الْعَرَبِ ، وَإِنَّمَا مَعْنَى تَفْسِيرِ التَّخْلِيَةِ بَلَّهُ كَرَدْمِ فَيَنْوِي فِي ذَلِكَ ، وَالْحَاصِلُ أَنَّ كُلَّ لَفْظٍ لَا يُسْتَعْمَلُ إلَّا مُضَافًا إلَى النِّسَاءِ فَهُوَ صَرِيحٌ ، وَكُلُّ مَا يُسْتَعْمَلُ فِي النِّسَاءِ ، وَغَيْرِ النِّسَاءِ فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ الْكِنَايَةِ يَنْوِي فِيهِ ، فَقَوْلُهُ : بَلَّهُ كَرَدْمِ ، يُسْتَعْمَلُ فِي غَيْرِ النِّسَاءِ كَمَا يُسْتَعْمَلُ فِي النِّسَاءِ ، فَأَمَّا قَوْلُهُ : هِسَته أَوْ بهستمت لَا يُسْتَعْمَلُ إلَّا فِي النِّسَاءِ فَيَكُونُ صَرِيحًا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ ، وَإِلَيْهِ الْمَرْجِعُ ، وَالْمَآبُ .

بَابُ الشَّهَادَةِ فِي الطَّلَاقِ ( قَالَ ) : رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَإِذَا شَهِدَ شَاهِدَانِ أَنَّهُ طَلَّقَ إحْدَى امْرَأَتَيْهِ بِعَيْنِهَا ، وَقَالَا : قَدْ سَمَّاهَا لَنَا لَكِنَّا نَسِينَاهَا ، فَشَهَادَتُهُمَا بَاطِلَةٌ عِنْدَنَا ، وَقَالَ زُفَرُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى : تُقْبَلُ شَهَادَتُهُمَا ، وَيُحَالُ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُمَا إذَا شَهِدَا بِالثَّلَاثِ حَتَّى يُبَيِّنَ الْمُطَلَّقَةَ مِنْهُمَا ؛ لِأَنَّ الثَّابِتَ بِشَهَادَتِهِمَا كَالثَّابِتِ بِإِقْرَارِ الزَّوْجِ ، وَلَوْ أَقَرَّ أَنَّهُ طَلَّقَ إحْدَاهُمَا بِعَيْنِهَا ، وَقَالَ : قَدْ نَسِيتُهَا أُمِرَ أَنْ لَا يَقْرَبَ وَاحِدَةً مِنْهُمَا حَتَّى يَتَذَكَّرَ وَهَذَا ؛ لِأَنَّ الشَّهَادَةَ عَلَى الطَّلَاقِ مَقْبُولَةٌ مِنْ غَيْرِ دَعْوَى ، وَإِنَّمَا تَنْعَدِمُ الدَّعْوَى ، إذَا لَمْ يَعْرِفَا الْمُطَلَّقَةَ مِنْهُمَا فَوَجَبَ قَبُولُ شَهَادَتِهِمَا بِقَدْرِ مَا حَفِظَا مِنْ كَلَامِ الزَّوْجِ ، وَلَكِنَّا نَقُولُ : قَدْ أَقَرَّا عَلَى أَنْفُسِهِمَا بِالْغَفْلَةِ وَبِأَنَّهُمَا ضَيَّعَا شَهَادَتَهُمَا وَلِأَنَّ الْقَاضِيَ إمَّا أَنْ يَقْضِيَ بِطَلَاقِ إحْدَاهُمَا بِغَيْرِ عَيْنِهَا فَيَكُونُ هَذَا قَضَاءً بِغَيْرِ مَا شَهِدَا ، أَوْ يَقْضِيَ بِطَلَاقِ إحْدَاهُمَا بِعَيْنِهَا ، وَلَا يَتَمَكَّنُ مِنْ ذَلِكَ بِهَذِهِ الشَّهَادَةِ ؛ لِأَنَّهُمَا لَمْ يُعَيِّنَا ، وَلَيْسَتْ إحْدَاهُمَا بِأَوْلَى مِنْ الْأُخْرَى ، فَإِذَا تَعَذَّرَ الْقَضَاءُ بِهَا بَطَلَتْ الشَّهَادَةُ ؛ لِأَنَّهَا لَا تَكُونُ مُوجِبَةً بِدُونِ الْقَضَاءِ بِخِلَافِ إقْرَارِ الزَّوْجِ فَإِنَّهُ مُوجِبٌ بِنَفْسِهِ قَبْلَ أَنْ يَتَّصِلَ بِهِ الْقَضَاءُ فَكَانَ مُلْزِمًا إيَّاهُ الْبَيَانَ .
وَإِنْ شَهِدَا أَنَّهُ طَلَّقَ إحْدَاهُمَا بِغَيْرِ عَيْنِهَا ، فَفِي الْقِيَاسِ لَا تُقْبَلُ هَذِهِ الشَّهَادَةُ أَيْضًا ؛ لِأَنَّ الْمَشْهُودَ لَهُ مَجْهُولٌ ، وَجَهَالَةُ الْمَشْهُودِ لَهُ تَمْنَعُ صِحَّةَ الشَّهَادَةِ وَلَكِنَّهُ اسْتَحْسَنَ ، فَقَالَ : تُقْبَلُ الشَّهَادَةُ وَيُجْبَرُ عَلَى أَنْ يُوقِعَ الطَّلَاقَ عَلَى إحْدَاهُمَا ؛ لِأَنَّ الْجَهَالَةَ فِي الْمَشْهُودِ لَهُ لَا تَمْنَعُ صِحَّةَ الشَّهَادَةِ لِعَيْنِهَا بَلْ ؛ لِانْعِدَامِ

الدَّعْوَى فَإِنَّ الدَّعْوَى مِنْ الْمَجْهُولِ لَا تَتَحَقَّقُ ، وَهَذَا لَا يُوجَدُ فِي الطَّلَاقِ فَإِنَّ الشَّهَادَةَ عَلَى الطَّلَاقِ تُقْبَلُ حِسْبَةً مِنْ غَيْرِ دَعْوَى ، وَهُمَا أَثْبَتَا بِشَهَادَتِهِمَا قَوْلَ الزَّوْجِ إحْدَاهُمَا طَالِقٌ فَكَأَنَّ الْقَاضِيَ سَمِعَ ذَلِكَ مِنْ الزَّوْجِ فَيُجْبِرُهُ عَلَى أَنْ يُوقِعَ عَلَى إحْدَاهُمَا .

( قَالَ ) : وَإِذَا قَالَ الرَّجُلُ : فُلَانَةُ بِنْتُ فُلَانٍ طَالِقٌ ، وَسَمَّى امْرَأَتَهُ وَنَسِيَهَا ، ثُمَّ قَالَ : عَنَيْت بِذَلِكَ امْرَأَةً أَجْنَبِيَّةً عَلَى ذَلِكَ الِاسْمِ ، وَالنَّسَبِ لَمْ يُصَدَّقْ ، وَالطَّلَاقُ وَاقِعٌ عَلَى امْرَأَتِهِ فِي الْقَضَاءِ ؛ لِأَنَّ كَلَامَ الْعَقْلِ مَحْمُولٌ عَلَى الصِّحَّةِ مَا أَمْكَنَ ، وَلَهُ وِلَايَةُ الْإِيقَاعِ عَلَى امْرَأَتِهِ دُونَ الْأَجْنَبِيَّةِ فَلَا يُصَدَّقُ فِيمَا يَدَّعِي مِنْ إلْغَاءِ كَلَامِهِ فِي الْقَضَاءِ ، وَلَكِنْ يَدِينُ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى ؛ لِأَنَّ مَا قَالَهُ مُحْتَمَلٌ ، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مُرَادُهُ أَنَّ فُلَانَةَ طَالِقٌ مِنْ زَوْجِهَا عَلَى سَبِيلِ الْحِكَايَةِ ، أَوْ عَلَى سَبِيلِ الْإِيقَاعِ فَيَكُونُ مَوْقُوفًا عَلَى إجَازَةِ الزَّوْجِ ، وَلَا يَسَعُ امْرَأَتَهُ أَنْ تُقِيمَ مَعَهُ ؛ لِأَنَّهَا مَأْمُورَةٌ بِاتِّبَاعِ الظَّاهِرِ كَالْقَاضِي ، فَإِنْ قَالَ : هَذِهِ الْمَرْأَةُ الَّتِي عَنَيْتُهَا امْرَأَتِي وَصَدَّقَتْهُ فِي ذَلِكَ وَقَعَ الطَّلَاقُ عَلَيْهَا ؛ لِإِقْرَارِ الزَّوْجِ بِأَنَّهَا هِيَ الْمُطَلَّقَةُ ، وَلَمْ يُصَدَّقْ عَلَى إبْطَالِ الطَّلَاقِ عَنْ الْمَرْأَةِ الْمَعْرُوفَةِ بِذَلِكَ ؛ لِأَنَّهَا تَعَيَّنَتْ لِلطَّلَاقِ فِي الْحُكْمِ ، وَهُوَ مُتَّهَمٌ فِي صَرْفِ الطَّلَاقِ عَنْهَا فَلَا يُصَدَّقُ إلَّا أَنْ يَشْهَدَ الشُّهُودُ عَلَى نِكَاحِهَا قَبْلَ أَنْ يَتَكَلَّمَ بِطَلَاقِهَا ، أَوْ عَلَى إقْرَارِهَا قَبْلَ ذَلِكَ فَحِينَئِذٍ يَقَعُ الطَّلَاقُ عَلَيْهَا دُونَ الْمَعْرُوفَةِ ؛ لِأَنَّ الثَّابِتَ بِالْبَيِّنَةِ كَالثَّابِتِ بِالْمُعَايَنَةِ .
وَلَوْ كَانَ تَحْتَهُ مَعْرُوفَتَانِ عَلَى اسْمٍ وَنَسَبٍ وَاحِدٍ فَطَلَّقَ بِذَلِكَ الِاسْمِ ، وَالنَّسَبِ ؛ كَانَ الْبَيَانُ إلَيْهِ يُوقِعُ الطَّلَاقَ عَلَى أَيَّتِهِمَا شَاءَ فَكَذَلِكَ هُنَا ، وَكَذَلِكَ إنْ صَدَّقَتْهُ الْمَرْأَةُ الْمَعْرُوفَةُ بِذَلِكَ ، وَفِي هَذَا نَوْعُ إشْكَالٍ فَإِنَّ الْمَعْرُوفَةَ مُتَّهَمَةٌ فِي هَذَا التَّصْدِيقِ كَمَا أَنَّ الزَّوْجَ مُتَّهَمٌ فِي الْإِقْرَارِ ، وَلَكِنَّهُ لَمْ يَعْتَبِرْ هَذَا الْجَانِبَ ؛ لِأَنَّ الْحَقَّ لَهُمَا ، وَقَدْ تَصَادَقَا عَلَى قِيَامِ

النِّكَاحِ بَيْنَهُمَا بِاعْتِبَارِ أَمْرٍ مُحْتَمَلٍ ، وَلَوْ تَصَادَقَا عَلَى النِّكَاحِ ابْتِدَاءً ثَبَتَ فِي الْحُكْمِ بِتَصَادُقِهِمَا فَكَذَلِكَ إذَا تَصَادَقَا عَلَى بَقَاءِ النِّكَاحِ بَيْنَهُمَا .

( قَالَ ) : وَإِنْ قَالَ فُلَانَةُ طَالِقٌ ، وَذَلِكَ اسْمُ امْرَأَتِهِ طَلُقَتْ امْرَأَتُهُ ، وَلَمْ يُصَدَّقْ عَلَى صَرْفِ الطَّلَاقِ عَنْهَا ؛ لِأَنَّ كَلَامَهُ إيقَاعٌ ، وَلَهُ وِلَايَةُ الْإِيقَاعِ عَلَى زَوْجَتِهِ ، وَقَدْ بَيَّنَّا أَنَّ كَلَامَ الْعَاقِلِ مَحْمُولٌ عَلَى الصِّحَّةِ فَتَعَيَّنَتْ زَوْجَتُهُ لِهَذَا ، وَالْعَتَاقُ فِي هَذَا قِيَاسُ الطَّلَاقِ ، وَهَذَا بِخِلَافِ الْإِقْرَارِ إذَا قَالَ : لِفُلَانٍ عَلَيَّ أَلْفُ دِرْهَمٍ فَجَاءَ رَجُلٌ عَلَى ذَلِكَ الِاسْمِ وَادَّعَى الْمَالَ لَمْ يَلْزَمْهُ الْمَالُ إلَّا أَنْ يَشْهَدَ الشُّهُودُ عَلَى إقْرَارِهِ أَنَّهُ عَنَاهُ ؛ لِأَنَّ الْإِقْرَارَ مِنْ الْمُقِرِّ تَصَرُّفٌ فِي ذِمَّتِهِ مِنْ حَيْثُ الِالْتِزَامُ فَلَا يَتَعَيَّنُ الْمُقَرُّ لَهُ إلَّا بِدَلِيلٍ مُوجِبٍ لِلتَّعَيُّنِ ، وَذَلِكَ إشَارَتُهُ إلَيْهِ ، وَإِقْرَارُهُ أَنَّهُ عَنَاهُ ، فَأَمَّا الطَّلَاقُ ، وَالْعَتَاقُ تَصَرُّفٌ عَلَى الْمَحَلِّ بِالْإِيقَاعِ وَزَوْجَتُهُ وَمَمْلُوكَتُهُ مُتَعَيِّنَةٌ لِذَلِكَ ، تَوْضِيحُهُ أَنَّ جَهَالَةَ الْمُقَرِّ لَهُ تَمْنَعُ صِحَّةَ الْإِقْرَارِ ، وَبِمُجَرَّدِ ذِكْرِ الِاسْمِ لَا تَرْتَفِعُ الْجَهَالَةُ وَجَهَالَةُ الْمُطَلَّقَةِ ، وَالْمُعْتَقَةِ لَا تَمْنَعُ صِحَّةَ الْإِيقَاعِ وَلِأَنَّ الْمَالَ بِالشَّكِّ لَا يُسْتَوْجَبُ ، وَالطَّلَاقُ ، وَالْعَتَاقُ يُؤْخَذُ فِيهِمَا بِالِاحْتِيَاطِ ، وَكَذَلِكَ فِي الْإِقْرَارِ ، وَلَوْ قَالَ : لِفُلَانِ بْنِ فُلَانٍ عَلَيَّ أَلْفُ دِرْهَمٍ فَالْمُقَرُّ لَهُ بِهَذَا الْقَدْرِ لَا يَصِيرُ مَعْلُومًا كَمَا فِي الدَّعْوَى ، وَالشَّهَادَةُ بِذِكْرِ اسْمِهِ وَاسْمِ أَبِيهِ لَا يَصِيرُ مَعْلُومًا إلَّا بِذِكْرِ اسْمِ جَدِّهِ أَوْ بِنَسَبِهِ إلَى فَخِذٍ ، أَوْ يُشِيرُ إلَيْهِ فَحِينَئِذٍ يَصِيرُ مَعْلُومًا وَيَلْزَمُهُ الْمَالُ بِالْإِقْرَارِ .

( قَالَ ) : وَإِذَا شَهِدَ شَاهِدَانِ عَلَى رَجُلٍ أَنَّهُ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ ثَلَاثًا وَجَحَدَ الزَّوْجُ ، وَالْمَرْأَةُ ذَلِكَ فُرِّقَ بَيْنَهُمَا ؛ لِأَنَّ الْمَشْهُودَ بِهِ حُرْمَتُهَا عَلَيْهِ ، وَالْحِلُّ ، وَالْحُرْمَةُ حَقُّ اللَّهِ تَعَالَى فَتُقْبَلُ الشَّهَادَةُ عَلَيْهِ مِنْ غَيْر دَعْوَى كَمَا لَوْ شَهِدُوا بِحُرْمَتِهَا عَلَيْهِ ، وَالْحِلُّ ، وَالْحُرْمَةُ حَقُّ اللَّهِ تَعَالَى فَتُقْبَلُ الشَّهَادَةُ عَلَيْهِ بِنَسَبٍ أَوْ رَضَاعٍ أَوْ مُصَاهَرَةٍ ، وَهَذَا ؛ لِأَنَّهُمْ يَشْهَدُونَ أَنَّ وَطْأَهُ إيَّاهَا بَعْدَ هَذَا زِنًا ، وَالشَّهَادَةُ عَلَى الزِّنَا تُقْبَلُ مِنْ غَيْرِ دَعْوَى فَكَذَلِكَ عَلَى مَا يَتَضَمَّنُ مَعْنَى الزِّنَا ، وَعَلَى هَذَا الشَّهَادَةُ عَلَى عِتْقِ الْأَمَةِ تُقْبَلُ مِنْ غَيْرِ دَعْوَى ، وَفِي الشَّهَادَةِ عَلَى عِتْقِ الْعَبْدِ اخْتِلَافٌ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ لَا تُقْبَلُ مِنْ غَيْرِ دَعْوَى وَعِنْدَهُمَا تُقْبَلُ عَلَى مَا نُبَيِّنُهُ فِي كِتَابِ الْعَتَاقِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى .

( قَالَ ) : وَإِذَا كَانَ لَهُ امْرَأَتَانِ إحْدَاهُمَا نِكَاحُهَا صَحِيحٌ ، وَالْأُخْرَى نِكَاحُهَا فَاسِدٌ وَاسْمُهُمَا وَاحِدٌ وَقَالَ : فُلَانَةُ طَالِقٌ ، ثُمَّ قَالَ : عَنَيْت الَّتِي نِكَاحُهَا فَاسِدٌ لَمْ يُصَدَّقْ فِي الْقَضَاءِ ؛ لِأَنَّهَا بِالنِّكَاحِ الْفَاسِدِ لَمْ تَصِرْ مَحَلًّا لِوُقُوعِ طَلَاقِهِ عَلَيْهَا فَهِيَ كَالْأَجْنَبِيَّةِ ، وَاَلَّتِي نِكَاحُهَا صَحِيحٌ مَحَلٌّ لِوُقُوعِ طَلَاقِهِ عَلَيْهَا فَمُطْلَقُ الِاسْمِ يَتَنَاوَلُهَا ، وَلَا يُصَدَّقُ فِي صَرْفِهِ عَنْهَا فِي الْقَضَاءِ ، وَإِنْ كَانَ يُصَدَّقُ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى كَمَا لَوْ قَالَ : نَوَيْت أَجْنَبِيَّةً ، وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ : إحْدَى امْرَأَتَيَّ طَالِقٌ ؛ لِأَنَّهُ أَوْقَعَ الطَّلَاقَ بِهَذَا اللَّفْظِ عَلَى امْرَأَتِهِ ، وَهِيَ الَّتِي صَحَّ نِكَاحُهَا دُونَ الْأُخْرَى ؛ لِأَنَّ بِالنِّكَاحِ الْفَاسِدِ لَا تَصِيرُ هِيَ امْرَأَتَهُ فَكَأَنَّهُ لَيْسَ فِي نِكَاحِهِ إلَّا امْرَأَةٌ وَاحِدَةٌ ، فَقَالَ : إحْدَى امْرَأَتَيَّ طَالِقٌ ، وَلَوْ قَالَ : إحْدَاكُمَا طَالِقٌ لَمْ تَطْلُقْ امْرَأَتُهُ إلَّا أَنْ يُعَيِّنَهَا ؛ لِأَنَّهُ أَوْقَعَ الطَّلَاقَ عَلَى إحْدَى اللَّتَيْنِ خَاطَبَهُمَا ، وَأَشَارَ إلَيْهِمَا ، وَإِحْدَاهُمَا لَيْسَتْ بِمَحَلٍّ لِطَلَاقِهِ فَلَا تَتَعَيَّنُ امْرَأَتُهُ إلَّا بِالنِّيَّةِ كَمَا لَوْ جَمَعَ بَيْنَ امْرَأَتِهِ وَأَجْنَبِيَّةٍ ، وَقَالَ : إحْدَاكُمَا طَالِقٌ ، وَلَوْ كَانَ فِي يَدِهِ عَبْدَانِ فَاشْتَرَى أَحَدَهُمَا شِرَاءً صَحِيحًا ، وَاشْتَرَى الْآخَرَ شِرَاءً فَاسِدًا ، فَقَالَ : أَحَدُكُمَا حُرٌّ ، أَوْ أَحَدُ عَبْدَيَّ حُرٌّ فَهُوَ سَوَاءٌ ، وَالْقَوْلُ قَوْلُهُ فِي الْبَيَانِ ؛ لِأَنَّ الْمُشْتَرَى شِرَاءً فَاسِدًا صَارَ مَمْلُوكًا لَهُ بِالْقَبْضِ ، وَصَارَ مَحَلًّا لِعِتْقِهِ كَالْمُشْتَرَى شِرَاءً صَحِيحًا فَكَانَ كَلَامُهُ إيقَاعًا سَوَاءٌ قَالَ : أَحَدُ عَبْدَيَّ ، أَوْ قَالَ : أَحَدُكُمَا فَكَانَ الْبَيَانُ إلَيْهِ بِخِلَافِ الْأُولَى ، فَإِنَّ الَّتِي نِكَاحُهَا فَاسِدٌ لَيْسَتْ بِمَحَلٍّ لِطَلَاقِهِ .

( قَالَ ) : وَإِنْ قَالَ : فُلَانَةُ بِنْتُ فُلَانٍ طَالِقٌ فَسَمَّى امْرَأَتَهُ ، وَنَسَبَهَا إلَى غَيْرِ أَبِيهَا لَمْ تَطْلُقْ امْرَأَتُهُ ؛ لِأَنَّهُ مَا أَوْقَعَ الطَّلَاقَ عَلَيْهَا فَإِنَّهُ مَا أَضَافَهَا إلَى نَفْسِهِ بِالنِّكَاحِ ، وَمَا أَشَارَ إلَيْهَا ، وَلَا عَرَّفَهَا بِذِكْرِ نَسَبِهَا ، إنَّمَا ذَكَرَ امْرَأَةً أُخْرَى ، وَأَوْقَعَ الطَّلَاقَ عَلَيْهَا بِمَا ذَكَرَ مِنْ الِاسْمِ ، وَالنَّسَبِ فَلَا يَتَنَاوَلُ ذَلِكَ امْرَأَتَهُ كَمَا لَوْ أَشَارَ إلَى أَجْنَبِيَّةٍ ، وَقَالَ : أَنْتِ طَالِقٌ لَمْ تَطْلُقْ امْرَأَتُهُ ، وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ : فُلَانَةُ الْهَمْدَانِيَّةُ طَالِقٌ وَامْرَأَتُهُ تَمِيمِيَّةٌ لَمْ تَطْلُقْ ، وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ : فُلَانَةُ الْعَمْيَاءُ طَالِقٌ ، وَامْرَأَتُهُ صَحِيحَةُ الْعَيْنَيْنِ ، فَإِنْ نَوَى امْرَأَتَهُ بِهَذَا كُلِّهِ طَلُقَتْ ؛ لِأَنَّهُ قَصَدَ الْإِيقَاعَ عَلَيْهَا بِذِكْرِ اسْمِهَا ، وَمَا زَادَ عَلَى ذَلِكَ فَضْلٌ مِنْ الْكَلَامِ ، وَفِي هَذَا تَشْدِيدٌ عَلَيْهِ فَتَعْمَلُ نِيَّتُهُ .
وَإِنْ كَانَ اسْمُ امْرَأَتِهِ زَيْنَبَ ، فَقَالَ : فُلَانَةُ طَالِقٌ يَعْنِي امْرَأَتَهُ ، وَإِنَّمَا قَالَ : فُلَانَةُ ، وَلَمْ يُسَمِّهَا فَالطَّلَاقُ وَاقِعٌ عَلَيْهَا ، وَإِنْ لَمْ يَعْنِهَا لَمْ تَطْلُقْ ؛ لِأَنَّهُ أَوْقَعَ الطَّلَاقَ بِذِكْرِ مُطْلَقِ الِاسْمِ ، وَمُطْلَقُ الِاسْمِ كَمَا يَتَنَاوَلُهَا يَتَنَاوَلُ غَيْرَهَا فَكَانَ هَذَا بِمَنْزِلَةِ الْإِيقَاعِ بِلَفْظِ الْكِنَايَةِ فَيَنْوِي فِي ذَلِكَ ؛ لِكَوْنِ اللَّفْظِ مُبْهَمًا مُحْتَمَلًا ، وَإِذَا شَهِدَ شَاهِدٌ عَلَى تَطْلِيقَتَيْنِ ، وَشَاهِدٌ عَلَى ثَلَاثٍ ، وَالزَّوْجُ يَجْحَدُ ذَلِكَ ، أَوْ شَهِدَ شَاهِدٌ بِتَطْلِيقَةٍ ، وَالْآخَرُ بِتَطْلِيقَتَيْنِ ، أَوْ شَاهِدٌ بِتَطْلِيقَةٍ ، وَالْآخَرُ بِثَلَاثٍ لَمْ تُقْبَلْ هَذِهِ الشَّهَادَةُ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَعِنْدَهُمَا وَابْنِ أَبِي لَيْلَى تُقْبَلُ عَلَى الْأَقَلِّ ؛ لِأَنَّ الْمُعْتَبَرَ اتِّفَاقُ الشَّاهِدَيْنِ فِي الْمَعْنَى دُونَ اللَّفْظِ حَتَّى لَوْ شَهِدَ أَحَدُهُمَا بِالْهِبَةِ ، وَالْآخَرُ بِالتَّخَلِّي تُقْبَلُ ، وَقَدْ اتَّفَقَ الشَّاهِدَانِ عَلَى الْأَقَلِّ ؛

لِأَنَّ الْأَقَلَّ مَوْجُودٌ فِي الْأَكْثَرِ فَصَارَ كَمَا لَوْ شَهِدَ أَحَدُهُمَا بِأَلْفٍ ، وَالْآخَرُ بِأَلْفٍ وَخَمْسِمِائَةٍ ، وَالْمُدَّعِي يَدَّعِي الْأَكْثَرَ تُقْبَلُ شَهَادَتُهُمَا عَلَى الْأَقَلِّ ، وَكَذَلِكَ لَوْ شَهِدَ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ قَالَ لَهَا : أَنْتِ طَالِقٌ ، وَالْآخَرُ أَنَّهُ قَالَ لَهَا : أَنْتِ طَالِقٌ وَطَالِقٌ ، أَوْ شَهِدَ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ طَلَّقَهَا ، وَالْآخَرُ أَنَّهُ طَلَّقَهَا وَضَرَّتَهَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُمَا عَلَى طَلَاقِهَا ؛ لِاتِّفَاقِ الشَّاهِدَيْنِ عَلَيْهِ ؛ وَلِأَنَّ الْمُوَافَقَةَ كَمَا تُرَاعَى بَيْنَ الشَّاهِدَيْنِ تُرَاعَى بَيْنَ الدَّعْوَى ، وَالشَّهَادَةِ .
ثُمَّ لَوْ ادَّعَى أَلْفَيْنِ ، وَشَهِدَ شَاهِدَانِ بِأَلْفٍ تُقْبَلُ الشَّهَادَةُ بِالِاتِّفَاقِ ، فَكَذَلِكَ إذَا شَهِدَ أَحَدُ الشَّاهِدَيْنِ بِأَلْفٍ ، وَالْآخَرُ بِأَلْفَيْنِ يَنْبَغِي أَنْ تُقْبَلَ عَلَى الْأَقَلِّ وَأَبُو حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى يَقُولُ اخْتَلَفَ الشَّاهِدَانِ فِي الْمَشْهُودِ بِهِ لَفْظًا وَمَعْنًى فَلَا تُقْبَلُ الشَّهَادَةُ كَمَا لَوْ قَالَ أَحَدُهُمَا : إنَّهُ قَالَ لَهَا : أَنْتِ خَلِيَّةٌ ، وَالْآخَرُ : إنَّهُ قَالَ : لَهَا أَنْتِ بَرِّيَّةٌ ، وَإِنَّمَا قُلْنَا ذَلِكَ ؛ لِأَنَّ أَحَدَهُمَا شَهِدَ بِالْوَاحِدَةِ ، وَالْآخَرُ بِثِنْتَيْنِ أَوْ بِثَلَاثٍ ، وَالْوَاحِدَةُ أَصْلُ الْعَدَدِ لَا تَرَكُّبَ فِيهَا ، وَالِاثْنَانِ ، وَالثَّلَاثُ اسْمٌ لِعَدَدٍ مُرَكَّبٍ فَكَانَتْ الْمُغَايَرَةُ بَيْنَهُمَا عَلَى سَبِيلِ الْمُضَادَّةِ ، وَمِنْ حَيْثُ إنَّ اللَّفْظَ الْوَاحِدَ غَيْرُ التَّثْنِيَةِ ، وَالْجَمْعِ ، وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ أَنَّ مُدَّعِيَ الِاثْنَيْنِ أَوْ الثَّلَاثَةِ لَا يَكُونُ مُقِرًّا بِالْوَاحِدِ ، إذْ لَوْ كَانَ مُقِرًّا بِالْوَاحِدِ لَكَانَ مُرْتَدًّا بِالشِّرْكِ بَعْدَ ذَلِكَ فَيَنْبَغِي أَنْ تُقْبَلَ ، وَلِأَنَّ التَّطْلِيقَتَيْنِ اسْمٌ وَاحِدٌ ، وَالتَّطْلِيقَةُ كَذَلِكَ ، وَبِزِيَادَةِ حَرْفٍ يَتَغَيَّرُ الِاسْمُ كَمَا يُقَالُ : زَيْدٌ وَزِيَادٌ ، وَنَصْرٌ وَنَاصِرٌ ، وَكَذَلِكَ فِي الْأَلْفِ ، وَالْأَلْفَيْنِ وَإِذَا ثَبَتَتْ الْمُغَايَرَةُ كَانَ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْأَمْرَيْنِ شَاهِدٌ وَاحِدٌ

، فَلَا يَتَمَكَّنُ الْقَاضِي مِنْ الْقَضَاءِ بِشَيْءٍ بِخِلَافِ الْأَلْفِ مَعَ الْأَلْفِ وَخَمْسِمِائَةٍ فَإِنَّهُمَا اسْمَانِ أَحَدُهُمَا مَعْطُوفٌ عَلَى الْآخَرِ فَيَحْصُلُ الِاتِّفَاقُ بَيْنَهُمَا عَلَى الْأَلْفِ لَفْظًا وَمَعْنًى ، وَكَذَلِكَ فِي قَوْلِهِ : طَالِقٌ وَطَالِقٌ ، وَفِي قَوْلِهِ : فُلَانَةُ وَفُلَانَةُ ، وَهَذَا بِخِلَافِ الدَّعْوَى مَعَ الشَّهَادَةِ ، فَإِنَّ الِاتِّفَاقَ هُنَاكَ فِي اللَّفْظِ لَيْسَ بِشَرْطٍ .
فَأَمَّا بَيْنَ الشَّهَادَتَيْنِ الْمُوَافَقَةُ فِي اللَّفْظِ شَرْطٌ ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ ادَّعَى الْغَصْبَ ، أَوْ الْقَتْلَ وَشَهِدَ شَاهِدَانِ بِالْإِقْرَارِ بِهِ تُقْبَلُ ، وَلَوْ شَهِدَ أَحَدُ الشَّاهِدَيْنِ بِالْغَصْبِ ، وَالْآخَرُ بِإِقْرَارٍ بِهِ لَا تُقْبَلُ ، وَهَذَا ؛ لِأَنَّ الشَّهَادَةَ تَعْتَمِدُ اللَّفْظَ ، أَلَا تَرَى أَنَّهَا لَا تُقْبَلُ مَا لَمْ يَقُلْ : أَشْهَدُ ، وَاَلَّذِي يُبْطِلُ مَذْهَبَهُمَا مَا ذُكِرَ فِي كِتَابِ الرُّجُوعِ ، لَوْ شَهِدَ شَاهِدَانِ بِتَطْلِيقَةٍ ، وَشَاهِدَانِ بِثَلَاثِ تَطْلِيقَاتٍ ، وَفَرَّقَ الْقَاضِي بَيْنَهُمَا قَبْلَ الدُّخُولِ ، ثُمَّ رَجَعُوا ، كَانَ ضَمَانُ نِصْفِ الصَّدَاقِ عَلَى شَاهِدَيْ الثَّلَاثِ دُونَ شَاهِدَيْ الْوَاحِدَةِ ، وَلَوْ اُعْتُبِرَ مَا قَالَا أَنَّ الْوَاحِدَةَ تُوجَدُ فِي الثَّلَاثِ ؛ لَكَانَ الضَّمَانُ عَلَيْهِمْ جَمِيعًا .
وَإِنْ شَهِدَ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ طَلَّقَهَا إنْ دَخَلَتْ الدَّارَ ، وَأَنَّهَا قَدْ دَخَلَتْ وَشَهِدَ الْآخَرُ أَنَّهُ طَلَّقَهَا إنْ كَلَّمَتْ فُلَانًا ، وَأَنَّهَا قَدْ كَلَّمَتْ فُلَانًا فَشَهَادَتُهُمَا بَاطِلَةٌ ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَوْقَعَ الطَّلَاقَ بِغَيْرِ مَا أَوْقَعَ بِهِ صَاحِبُهُ ، وَإِنَّمَا شَهِدَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِتَعْلِيقٍ آخَرَ مِنْ الزَّوْجِ ، وَلَيْسَ عَلَى وَاحِدٍ مِنْ الْأَمْرَيْنِ شَهَادَةُ شَاهِدَيْنِ ، فَإِنْ شَهِدَ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ طَلَّقَهَا ثَلَاثًا ، وَشَهِدَ الْآخَرُ أَنَّهُ قَالَ لَهَا : أَنْتِ عَلَيَّ حَرَامٌ يَنْوِي الثَّلَاثَ فَشَهَادَتُهُمَا بَاطِلَةٌ ؛ لِاخْتِلَافِهِمَا فِي الْمَشْهُودِ بِهِ لَفْظًا ، وَكَذَلِكَ إنْ اخْتَلَفَا فِي أَلْفَاظِ الْكِنَايَاتِ كَالْخَلِيَّةِ ،

وَالْبَرِيَّةِ ؛ لِأَنَّ هَذِهِ الْأَلْفَاظَ عِنْدَنَا تَعْمَلُ بِحَقَائِقِ مُوجِبَاتِهَا فَيَكُونُ أَحَدُهُمَا شَاهِدًا بِالتَّخْلِيَةِ ، وَالْآخَرُ بِالْبَرَاءَةِ ، وَكَذَلِكَ الِاخْتِلَافُ فِي مَقَادِيرِ الشُّرُوطِ الَّتِي عَلَّقَ بِهَا الطَّلَاقَ ، وَفِي التَّعْلِيقِ ، وَالْإِرْسَالِ ، وَفِي مَقَادِيرِ الْجُعْلِ وَصِفَاتِهَا ، وَفِي اشْتِرَاطِهَا وَحَذْفِهَا ، كُلُّ ذَلِكَ اخْتِلَافٌ فِي الْمَشْهُودِ بِهِ لَفْظًا وَمَعْنًى فَيَمْتَنِعُ الْقَضَاءُ بِهَذِهِ الشَّهَادَةِ ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا إلَّا شَاهِدٌ وَاحِدٌ وَبِالشَّاهِدِ الْوَاحِدِ لَا يَتَمَكَّنُ الْقَاضِي مِنْ الْقَضَاءِ ، وَإِذَا شَهِدَ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ قَالَ : إنْ دَخَلَتْ فُلَانَةُ الدَّارَ فَهِيَ طَالِقٌ وَفُلَانَةُ مَعَهَا ، وَشَهِدَ الْآخَرُ أَنَّهُ قَالَ : إنْ دَخَلَتْ فُلَانَةُ الدَّارَ فَهِيَ طَالِقٌ وَحْدَهَا ، وَقَدْ دَخَلَتْ فُلَانَةُ فَهِيَ طَالِقٌ وَحْدَهَا ؛ لِأَنَّهُمَا اتَّفَقَا عَلَى أَنَّ الشَّرْطَ دُخُولُهَا ، وَاتَّفَقَا أَنَّ الْجَزَاءَ طَلَاقُهَا ، إنَّمَا تَفَرَّدَ أَحَدُهُمَا بِزِيَادَةِ جَزَاءٍ مَعْطُوفٍ عَلَى طَلَاقِهَا ، فَيَثْبُتُ مَا اتَّفَقَا عَلَيْهِ ، وَلَا يَثْبُتُ مَا تَفَرَّدَ بِهِ أَحَدُهُمَا .

( قَالَ ) : وَتَجُوزُ شَهَادَةُ رَجُلٍ وَامْرَأَتَيْنِ عَلَى طَلَاقِ الْمَرْأَةِ عِنْدَنَا خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى ، وَقَدْ بَيَّنَّا هَذَا فِي النِّكَاحِ ، وَفِي الْكِتَابِ قَالَ : رُوِيَ عَنْ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ أَجَازَ شَهَادَةَ رَجُلٍ وَامْرَأَتَيْنِ فِي النِّكَاحِ .
( قَالَ ) : وَالطَّلَاقُ عِنْدَنَا بِمَنْزِلَتِهِ ، وَلَا يَجُوزُ أَقَلُّ مِنْ ذَلِكَ حَتَّى إذَا شَهِدَ بِالطَّلَاقِ رَجُلٌ وَامْرَأَةٌ ، أَوْ شَهِدَ بِهِ أَرْبَعُ نِسْوَةٍ لَيْسَ مَعَهُنَّ رَجُلٌ لَا تُقْبَلُ ؛ لِأَنَّ الطَّلَاقَ مِمَّا يَطَّلِعُ عَلَيْهِ الرِّجَالُ .

( قَالَ ) : وَلَا تَجُوزُ شَهَادَةُ الْوَلَدِ عَلَى أَبِيهِ ، وَلَا عَلَى غَيْرِهِ بِطَلَاقِ أُمِّهِ إذَا ادَّعَتْ ذَلِكَ أُمُّهُ ؛ لِأَنَّهُ شَاهِدٌ لَهَا ، وَالْوَلَدُ مُتَّهَمٌ فِي حَقِّ أُمِّهِ ، فَإِنْ قِيلَ : لَا مُعْتَبَرَ بِدَعْوَاهَا فِي الشَّهَادَةِ عَلَى الطَّلَاقِ ( قُلْنَا ) : نَعَمْ ، وَلَكِنْ إذَا وُجِدَتْ الدَّعْوَى مِنْهَا فَفِي شَهَادَتِهِ إظْهَارُ صِدْقِ دَعْوَاهَا ، وَفِيهِ مَنْفَعَةٌ لَهَا حَتَّى لَوْ كَانَتْ هِيَ تَجْحَدُ ذَلِكَ مَعَ الْأَبِ ، كَانَتْ شَهَادَتُهُ مَقْبُولَةً عَلَيْهِمَا ، وَعَلَى هَذَا لَوْ شَهِدَ الْأَبُ عَلَى طَلَاقِ ابْنَتِهِ لَا تُقْبَلُ إذَا ادَّعَتْهُ ، وَيَجُوزُ شَهَادَةُ الْأَبِ مَعَ رَجُلٍ آخَرَ عَلَى ابْنِهِ بِطَلَاقِ امْرَأَتِهِ ، وَكَذَلِكَ شَهَادَةُ الِابْنِ عَلَى أَبِيهِ إذَا لَمْ تَكُنْ لِأُمِّهِ ، وَالْحَاصِلُ أَنَّ الشَّهَادَةَ عَلَى الطَّلَاقِ بِمَنْزِلَةِ الشَّهَادَةِ عَلَى سَائِرِ الْحُقُوقِ تُقْبَلُ مِنْ الْوَلَدِ عَلَى الْوَالِدَيْنِ ، وَلَا تُقْبَلُ لَهُمَا وَتُقْبَلُ مِنْ الْمُسْلِمِينَ عَلَى أَهْلِ الذِّمَّةِ ، وَلَا تُقْبَلُ مِنْ أَهْلِ الذِّمَّةِ عَلَى الْمُسْلِمِينَ .

( قَالَ ) : وَإِذَا زَوَّجَ رَجُلٌ أُخْتَهُ ، ثُمَّ شَهِدَ هُوَ وَآخَرُ عَلَى الزَّوْجِ بِطَلَاقِهَا تُقْبَلُ ؛ لِأَنَّ شَهَادَةَ الْأَخِ لِلْأُخْتِ بِسَائِرِ الْحُقُوقِ مَقْبُولَةٌ فَكَذَلِكَ الطَّلَاقُ وَهَذَا ؛ لِأَنَّ الطَّلَاقَ حَادِثٌ بَعْدَ النِّكَاحِ لَا صُنْعَ لِلْأَخِ فِيهِ ؛ فَلَا يَمْتَنِعُ شَهَادَتُهُ عَلَيْهِ بِسَبَبِ مُبَاشَرَتِهِ لِلنِّكَاحِ بِخِلَافِ مَا لَوْ شَهِدَ عَلَى أَصْلِ النِّكَاحِ أَنَّ الْمَرْأَةَ قَدْ أَجَازَتْهُ فَإِنَّ شَهَادَتَهُ لَا تُقْبَلُ ؛ لِأَنَّهُ هُوَ الْمُزَوِّجُ ، وَقَدْ قَصَدَ بِشَهَادَتِهِ تَتْمِيمَ فِعْلِهِ فَلَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ لِهَذَا .

( قَالَ ) : وَإِذَا شَهِدَ شَاهِدَانِ عَلَى رَجُلٍ بِالطَّلَاقِ قَبْلَ الدُّخُولِ فَقَضَى لَهَا بِنِصْفِ الْمَهْرِ ، ثُمَّ رَجَعَا ضَمِنَا لِلزَّوْجِ ذَلِكَ إمَّا ؛ لِأَنَّهُ مَا قَرَّرَا عَلَيْهِ مَا كَانَ عَلَى شَرَفِ السُّقُوطِ بِمَجِيءِ الْفُرْقَةِ مِنْ جَانِبِهَا ، وَالْمُقَرَّرُ كَالْمُوجَبِ ؛ أَوْ لِأَنَّ وُقُوعَ الْفُرْقَةِ قَبْلَ الدُّخُولِ مُسْقِطٌ لِجَمِيعِ الصَّدَاقِ إلَّا أَنْ يَكُونَ مُضَافًا إلَى الزَّوْجِ فَهُمَا بِإِضَافَةِ السَّبَبِ إلَى الزَّوْجِ ، وَهُوَ الطَّلَاقُ مَنَعَا الْعِلَّةَ الْمُسْقِطَةَ مِنْ أَنْ تَعْمَلَ عَمَلَهَا فِي النِّصْفِ ؛ فَكَانَ ذَلِكَ كَالْإِيجَابِ مِنْهُمَا فَيَضْمَنَانِ إذَا رَجَعَا ، وَإِنْ رَجَعَ أَحَدُهُمَا ضَمِنَ الرُّبُعَ .
وَإِنْ كَانَ الشَّاهِدُ رَجُلًا وَامْرَأَتَيْنِ ، ثُمَّ رَجَعَتْ امْرَأَةٌ فَعَلَيْهَا ثَمَنُ الْمَهْرِ ، وَإِنْ رَجَعُوا جَمِيعًا فَعَلَى الرَّجُلِ رُبْعُ الْمَهْرِ ، وَعَلَى كُلِّ امْرَأَةٍ ثُمُنُ الْمَهْرِ ؛ لِأَنَّ الثَّابِتَ بِشَهَادَةِ الرَّجُلِ ضِعْفُ مَا يَثْبُتُ بِشَهَادَةِ الْمَرْأَةِ ، فَإِنَّ عِنْدَ الِاخْتِلَاطِ كُلَّ امْرَأَتَيْنِ تَقُومَانِ مَقَامَ رَجُلٍ ، ثُمَّ الْمُعْتَبَرُ فِي الرُّجُوعِ بَقَاءُ مَنْ بَقِيَ عَلَى الشَّهَادَةِ لَا رُجُوعُ مَنْ رَجَعَ حَتَّى لَوْ شَهِدَ ثَلَاثَةُ نَفَرٍ بِحَقٍّ ، ثُمَّ رَجَعَ أَحَدُهُمْ لَمْ يَضْمَنْ شَيْئًا ؛ لِأَنَّهُ قَدْ بَقِيَ عَلَى الشَّهَادَةِ مَنْ يُثْبِتُ جَمِيعَ الْحَقِّ بِشَهَادَتِهِ ، فَإِنْ كَانَ الشَّاهِدُ بِالطَّلَاقِ رَجُلَيْنِ وَامْرَأَتَيْنِ ، ثُمَّ رَجَعَ رَجُلٌ وَامْرَأَةٌ كَانَ عَلَيْهِمَا ثُمُنُ الْمَهْرِ أَثْلَاثًا ثُلُثَاهُ عَلَى الرَّجُلِ وَثُلُثُهُ عَلَى الْمَرْأَةِ ؛ لِأَنَّهُ قَدْ بَقِيَ عَلَى الشَّهَادَةِ مَنْ يَقُومُ ثَلَاثَةَ أَرْبَاعِ الْحَقِّ بِهِ ، فَإِنَّمَا انْعَدَمَتْ الْحُجَّةُ فِي قَدْرِ الرُّبُعِ فَلِهَذَا ضَمِنَا ذَلِكَ الْقَدْرَ أَثْلَاثًا .
فَإِنْ رَجَعَتْ الْمَرْأَةُ الْأُخْرَى أَيْضًا لَزِمَهَا مَعَ الرَّاجِعَيْنِ الْأَوَّلَيْنِ رُبُعُ الْمَهْرِ ؛ لِأَنَّهُ قَدْ بَقِيَ عَلَى الشَّهَادَةِ رَجُلٌ ، وَهُوَ يَقُومُ بِنِصْفِ الْحَقِّ ، ثُمَّ نِصْفُ هَذَا الرُّبُعِ عَلَى الرَّجُلِ الرَّاجِعِ ، وَنِصْفُهُ

عَلَى الْمَرْأَتَيْنِ ، وَإِنْ رَجَعُوا جَمِيعًا كَانَ عَلَى الْمَرْأَتَيْنِ سُدُسُ الْمَهْرِ ، وَعَلَى الرَّجُلَيْنِ الثُّلُثُ ؛ لِأَنَّ الثَّابِتَ بِشَهَادَةِ كُلِّ رَجُلٍ مِثْلُ الثَّابِتِ بِشَهَادَةِ الْمَرْأَتَيْنِ .

( قَالَ ) : وَإِنْ شَهِدَ رَجُلَانِ بِالدُّخُولِ وَرَجُلَانِ بِالطَّلَاقِ فَأَلْزَمَ الْقَاضِي الزَّوْجَ كَمَالَ الْمَهْرِ ، ثُمَّ رَجَعَ شَاهِدَا الطَّلَاقِ فَلَا شَيْء عَلَيْهِمَا عِنْدَنَا ، وَعَلَى قَوْلِ الشَّافِعِيِّ عَلَيْهِمَا ضَمَانُ مَهْرِ الْمِثْلِ ؛ لِأَنَّ شَاهِدَيْ الدُّخُولِ ثَابِتَانِ عَلَى الشَّهَادَةِ فَصَارَ كَأَنَّ الدُّخُولَ ثَابِتٌ بِإِقْرَارِ الزَّوْجِ فَبَقِيَتْ شَهَادَةُ الْآخَرَيْنِ بِالطَّلَاقِ بَعْدَ الدُّخُولِ ، وَذَلِكَ غَيْرُ مُوجِبٍ لِلضَّمَانِ عَلَيْهِمَا إذَا رَجَعَا عِنْدَنَا ؛ لِأَنَّ الْبُضْعَ عِنْدَ خُرُوجِهِ مِنْ مِلْكِ الزَّوْجِ غَيْرُ مُتَقَوِّمٍ ، وَإِتْلَافُ مَا لَيْسَ بِمُتَقَوِّمٍ لَا يُوجِبُ الضَّمَانَ عَلَيْهِمَا وَعِنْدَهُ الْبُضْعُ مُتَقَوِّمٌ عِنْدَ خُرُوجِهِ مِنْ مِلْكِ الزَّوْجِ بِمَهْرِ الْمِثْلِ كَمَا أَنَّهُ مُتَقَوِّمٌ عِنْدَ دُخُولِهِ فِي مِلْكِ الزَّوْجِ ، وَقَدْ بَيَّنَّا الْفَرْقَ بَيْنَهُمَا فِي كِتَابِ النِّكَاحِ ، ثُمَّ نَقُولُ : لَمَّا كَانَ جَمِيعُ الْمَهْرِ يَثْبُتُ بِشَهَادَةِ شَاهِدَيْ الدُّخُولِ ، وَهُمَا ثَابِتَانِ عَلَى الشَّهَادَةِ لَمْ يَضْمَنْ الرَّاجِعَانِ شَيْئًا ، وَإِنْ رَجَعَ شَاهِدَا الدُّخُولِ ، وَلَمْ يَرْجِعْ شَاهِدُ الطَّلَاقِ فَعَلَيْهِمَا نِصْفُ الْمَهْرِ ؛ لِأَنَّهُ قَدْ بَقِيَ عَلَى الشَّهَادَةِ مَنْ يَثْبُتُ بِشَهَادَتِهِ نِصْفُ الْمَهْرِ ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ لَمْ يُوجَدْ شَاهِدَا الدُّخُولِ كَانَ الْقَاضِي يَقْضِي بِنِصْفِ الْمَهْرِ بِشَهَادَةِ شَاهِدَيْ الطَّلَاقِ فَإِنَّمَا انْعَدَمَتْ الْحُجَّةُ بِرُجُوعِهِمَا فِي نِصْفِ الْمَهْرِ فَيَضْمَنَانِ ذَلِكَ ، وَإِنْ رَجَعَ أَحَدُ شَاهِدَيْ الدُّخُولِ وَأَحَدُ شَاهِدَيْ الطَّلَاقِ لَمْ يَكُنْ عَلَى شَاهِدِ الطَّلَاقِ شَيْءٌ ؛ لِأَنَّ الثَّابِتَ بِشَهَادَتِهِ وَشَهَادَةِ صَاحِبِهِ نِصْفُ الْمَهْرِ ، وَقَدْ بَقِيَ عَلَى الشَّهَادَةِ مَنْ يَثْبُتُ بِشَهَادَتِهِ ثَلَاثَةُ أَرْبَاعِ الْمَهْرِ ، وَهُوَ أَحَدُ شَاهِدَيْ الدُّخُولِ وَأَحَدُ شَاهِدَيْ الطَّلَاقِ ؛ فَلِهَذَا لَا يَضْمَنُ شَاهِدُ الطَّلَاقِ شَيْئًا وَيَضْمَنُ شَاهِدُ الدُّخُولِ رُبُعَ الْمَهْرِ ؛ لِأَنَّ الْحُجَّةَ قَدْ انْعَدَمَتْ فِي قَدْرِ الرُّبُعِ ، وَحَقِيقَةُ

الْمَعْنَى فِيهِ أَنَّ نِصْفَ الْمَهْرِ ثَابِتٌ بِشَهَادَةِ شَاهِدَيْ الدُّخُولِ خَاصَّةً ، وَالنِّصْفُ الْآخَرُ ثَابِتٌ بِشَهَادَةِ الْأَرْبَعَةِ فَالنِّصْفُ الَّذِي هُوَ ثَابِتٌ بِشَهَادَتِهِمْ قَدْ بَقِيَ كَمَالُ الْحُجَّةِ فِيهِ بِبَقَاءِ اثْنَيْنِ عَلَى الشَّهَادَةِ ، وَالنِّصْفُ الَّذِي قَدْ ثَبَتَ بِشَهَادَةِ شَاهِدَيْ الدُّخُولِ بَقِيَ نِصْفُهُ بِبَقَاءِ أَحَدِهِمَا عَلَى الشَّهَادَةِ ، وَانْعَدَمَتْ الْحُجَّةُ فِي نِصْفِهِ فَلِهَذَا ضَمِنَ شَاهِدُ الدُّخُولِ رُبُعَ الْمَهْرِ ، وَإِنْ رَجَعَ شَاهِدَا الطَّلَاقِ مَعَ أَحَدِ شَاهِدَيْ الدُّخُولِ كَانَ عَلَيْهِمْ ضَمَانُ نِصْفِ الْمَهْرِ ؛ لِأَنَّهُ قَدْ بَقِيَ مَنْ يَثْبُتُ بِشَهَادَتِهِ نِصْفُ الْمَهْرِ ، وَهُوَ أَحَدُ شَاهِدَيْ الدُّخُولِ فَإِنَّمَا انْعَدَمَتْ الْحُجَّةُ فِي النِّصْفِ نِصْفِ هَذَا النِّصْفِ عَلَى شَاهِدِ الدُّخُولِ ، وَالنِّصْفُ الْآخَرُ عَلَيْهِمْ أَثْلَاثًا ؛ لِأَنَّ نِصْفَ الْمَهْرِ ثَبَتَ بِشَهَادَةِ شَاهِدَيْ الدُّخُولِ ، وَقَدْ بَقِيَ نِصْفُهُ بِبَقَاءِ أَحَدِهِمَا فَيَجِبُ نِصْفُهُ عَلَى الْآخَرِ ، وَالنِّصْفُ الْآخَرُ يَثْبُتُ بِشَهَادَةِ الْأَرْبَعَةِ ، وَقَدْ بَقِيَ وَاحِدٌ عَلَى الشَّهَادَةِ فَيَبْقَى نِصْفُ ذَلِكَ النِّصْفِ بِبَقَائِهِ ، وَتَنْعَدِمُ الْحُجَّةُ فِي نِصْفِهِ فَيَكُونُ عَلَيْهِمْ أَثْلَاثًا .
وَإِنْ رَجَعُوا جَمِيعًا كَانَ عَلَى شَاهِدَيْ الدُّخُولِ ثَلَاثَةُ أَرْبَاعِ الْمَهْرِ وَعَلَى شَاهِدَيْ الطَّلَاقِ رُبُعُ الْمَهْرِ ؛ لِأَنَّ النِّصْفَ يَثْبُتُ بِشَهَادَةِ شَاهِدَيْ الدُّخُولِ خَاصَّةً فَضَمَانُ ذَلِكَ عَلَيْهِمَا إذَا رَجَعَا ، وَالنِّصْفُ الْآخَرُ يَثْبُتُ بِشَهَادَةِ الْأَرْبَعَةِ فَيَكُونُ عَلَيْهِمْ أَرْبَاعًا نِصْفُهُ عَلَى شَاهِدَيْ الدُّخُولِ وَنِصْفُهُ عَلَى شَاهِدَيْ الطَّلَاقِ .

( قَالَ ) : وَإِذَا شَهِدَ شَاهِدٌ وَاحِدٌ عَلَى الطَّلَاقِ فَسَأَلَتْ الْمَرْأَةُ الْقَاضِيَ أَنْ يَضَعَهَا عَلَى يَدَيْ عَدْلٍ حَتَّى تَأْتِيَ بِشَاهِدٍ آخَرَ لَمْ يَقَعْ ذَلِكَ ، وَدَفَعَهَا إلَى زَوْجِهَا حَتَّى تَأْتِيَ بِبَقِيَّةِ شُهُودِهَا ؛ لِأَنَّ قِيَامَ النِّكَاحِ ، وَالْحِلِّ بَيْنَهُمَا مَعْلُومٌ وَبِشَهَادَةِ الْوَاحِدِ لَمْ يَثْبُتْ سَبَبُ الْحُرْمَةِ ؛ لِأَنَّهَا شَطْرُ الْعِلَّةِ ، وَبِشَطْرِ الْعِلَّةِ لَا يَثْبُتُ شَيْءٌ مِنْ الْحُكْمِ فَيَتَمَسَّكُ الْقَاضِي بِمَا كَانَ مَعْلُومًا لَهُ حَتَّى يَثْبُتَ عِنْدَهُ الْعَارِضُ ، فَإِنْ كَانَ الطَّلَاقُ ثَلَاثًا ، أَوْ بَائِنًا وَادَّعَتْ أَنَّ بَقِيَّةَ شُهُودِهَا فِي الْمِصْرِ ، وَشَاهِدَهَا هَذَا عَدْلٌ حَالَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الزَّوْجِ وَأَجَّلَهَا ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ حَتَّى يَنْظُرَ مَا تَصْنَعُ فِي شَاهِدِهَا الْآخَرِ ، وَهَذَا اسْتِحْسَانٌ ، وَفِي الْقِيَاسِ لَا يَحُولُ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا ؛ لِأَنَّ الْحُجَّةَ لَمْ تَتِمَّ ، وَلَكِنَّهُ اسْتَحْسَنَ ، فَقَالَ : لِلشَّهَادَةِ طَرَفَانِ الْعَدَدُ ، وَالْعَدَالَةُ ، وَلَوْ وُجِدَ تَمَامُ الْعَدَدِ تَثْبُتُ بِهِ الْحَيْلُولَةُ قَبْلَ ظُهُورِ الْعَدَالَةِ بِأَنْ شَهِدَ رَجُلَانِ مَسْتُورَانِ فَكَذَلِكَ إذَا وُجِدَتْ الْعَدَالَةُ وَهَذَا ؛ لِأَنَّ الَّذِي يَسْبِقُ إلَى وَهْمِ كُلِّ أَحَدٍ أَنَّ الْعَدْلَ صَادِقٌ فِي شَهَادَتِهِ ، وَبَابُ الْفَرْجِ مَبْنِيٌّ عَلَى الِاحْتِيَاطِ ، وَلَيْسَ فِي هَذِهِ الْحَيْلُولَةِ كَثِيرُ ضَرَرٍ عَلَى الزَّوْجِ ، وَلَكِنْ مَعَ هَذَا لَا تَكُونُ هَذِهِ الْحَيْلُولَةُ وَاجِبَةً عَلَى الْقَاضِي ، بَلْ إنْ فَعَلَ فَحَسَنٌ ، وَإِنْ لَمْ يَفْعَل وَدَفَعَهَا إلَى الزَّوْجِ فَلَا بَأْسَ ؛ لِأَنَّ حُجَّةَ الْقَضَاءِ بِهِ لَمْ تَتِمَّ ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ قَضَى بِشَهَادَةِ الْوَاحِدِ لَمْ يَنْفُذْ قَضَاؤُهُ .

( قَالَ ) : وَإِذَا شَهِدَ شَاهِدٌ عَلَى تَطْلِيقَةٍ بَائِنَةٍ ، وَشَهِدَ آخَرُ عَلَى تَطْلِيقَةٍ رَجْعِيَّةٍ فَشَهَادَتُهُمَا جَائِزَةٌ عَلَى تَطْلِيقَةٍ رَجْعِيَّةٍ ؛ لِأَنَّهُ مَا اتَّفَقَا عَلَى أَصْلِ الطَّلَاقِ ، وَإِنَّمَا تَفَرَّدَ أَحَدُهُمَا بِزِيَادَةِ صِفَةِ الْبَيْنُونَةِ فَلَا يَثْبُتُ مَا تَفَرَّدَ بِهِ أَحَدُهُمَا ، وَالدَّلِيلُ لَهُمَا عَلَى أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي الثَّلَاثِ مَعَ الْوَاحِدَةِ يَقُولَانِ : تَفَرُّدُ أَحَدِهِمَا بِالْبَيْنُونَةِ الْغَلِيظَةِ كَتَفَرُّدِ أَحَدِهِمَا بِالْبَيْنُونَةِ الْخَفِيفَةِ ، وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ الطَّلَاقُ إذَا قُرِنَ بِالْعَدَدِ كَانَ الْعَامِلُ هُوَ الْعَدَدَ وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا شَاهِدٌ بِالْوُقُوعِ بِلَفْظٍ آخَرَ هُنَاكَ ، فَأَمَّا هُنَا ، وَإِنْ أَلْحَقَ صِفَةَ الْبَيْنُونَةِ بِالطَّلَاقِ فَوُقُوعُ الطَّلَاقِ يَكُونُ بِلَفْظِ الطَّلَاقِ ، وَقَدْ اتَّفَقَ الشَّاهِدَانِ عَلَيْهِ لَفْظًا ، تَوْضِيحُهُ أَنَّ بِصِفَةِ الْبَيْنُونَةِ لَا يَتَغَيَّرُ أَصْلُ الطَّلَاقِ ، أَلَا تَرَى أَنَّ بِمُضِيِّ الْعِدَّةِ يَنْقَلِبُ الرَّجْعِيُّ بَائِنًا .
فَأَمَّا بِانْضِمَامِ الثَّانِي ، وَالثَّالِثِ يَتَغَيَّرُ حُكْمُ أَصْلِ الطَّلَاقِ وَلَوْ شَهِدَ أَحَدُهُمَا عَلَى تَطْلِيقَةٍ ، وَالْآخَرُ عَلَى وَاحِدَةٍ وَوَاحِدَةٍ جَازَتْ شَهَادَتُهُمَا فِي الْوَاحِدَةِ ؛ لِاتِّفَاقِ الشَّاهِدَيْنِ عَلَيْهَا لَفْظًا وَمَعْنًى ، وَلَوْ شَهِدَ أَحَدُهُمَا عَلَى أَنَّهُ طَلَّقَهَا وَاحِدَةً وَشَهِدَ الْآخَرُ أَنَّهُ طَلَّقَهَا وَاحِدَةً وَعِشْرِينَ ، أَوْ وَاحِدَةً وَنِصْفًا فَقَدْ اتَّفَقَا عَلَى الْوَاحِدَةِ فِي لَفْظِهِمَا ، وَتَكَلَّمَا بِهَا إنَّمَا تَفَرَّدَ أَحَدُهُمَا بِزِيَادَةِ لَفْظٍ آخَرَ مَعْطُوفٍ عَلَى لَفْظِ الْوَاحِدِ ، فَيَثْبُتُ مَا اتَّفَقَا عَلَيْهِ ، وَفَرَّقَ أَبُو حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ بَيْنَ هَذَا ، وَبَيْنَمَا إذَا شَهِدَ أَحَدُهُمَا بِوَاحِدَةٍ ، وَالْآخَرُ بِأَحَدَ عَشَرَ قَالَ : هُنَاكَ أَحَدَ عَشَرَ اسْمٌ وَاحِدٌ ؛ لِانْعِدَامِ حَرْفِ الْعَطْفِ ، فَالشَّاهِدُ بِهَا لَا يَكُونُ شَاهِدًا بِالْوَاحِدَةِ لَفْظًا ، فَأَمَّا وَاحِدَةٌ وَعِشْرُونَ اسْمَانِ بَيْنَهُمَا حَرْفُ الْعَطْفِ ،

فَالشَّاهِدُ بِهَا شَاهِدٌ بِالْوَاحِدَةِ لَفْظًا .

( قَالَ ) : وَإِنْ شَهِدَ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ طَلَّقَهَا وَاحِدَةً ، وَشَهِدَ الْآخَرُ أَنَّهُ طَلَّقَهَا نِصْفَ وَاحِدَةٍ ، أَوْ شَهِدَ أَحَدُهُمَا عَلَى نِصْفِ وَاحِدَةٍ ، وَالْآخَرُ عَلَى ثُلُثِ وَاحِدَةٍ لَمْ تُقْبَلْ الشَّهَادَةُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ ، وَتُقْبَلُ عِنْدَهُمَا ؛ لِأَنَّ الْمُعْتَبَرَ عِنْدَهُمَا الِاتِّفَاقُ فِي الْمَعْنَى ، وَقَدْ وُجِدَ فَإِنَّ نِصْفَ التَّطْلِيقَةِ وَثُلُثَهَا كَمَالُهَا ، وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ يُعْتَبَرُ اتِّفَاقُ الشَّاهِدَيْنِ لَفْظًا وَمَعْنًى وَبَيْنَ النِّصْفِ ، وَالْكُلِّ مُغَايَرَةٌ عَلَى سَبِيلِ الْمُضَادَّةِ ، وَكَذَلِكَ النِّصْفُ غَيْرُ الثُّلُثِ فَلَمْ يُوجَدْ اتِّفَاقُ الشَّاهِدَيْنِ لَفْظًا ؛ فَلِهَذَا قَالَ : لَا تُقْبَلُ الشَّهَادَةُ ، وَإِنْ شَهِدَ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ قَالَ : فُلَانَةُ طَالِقٌ لَا ، بَلْ فُلَانَةُ ، وَشَهِدَ الْآخَرُ أَنَّهُ قَالَ : فُلَانَةُ طَالِقٌ يُسَمِّي الْأُولَى فَقَدْ جَازَتْ الشَّهَادَةُ عَلَى طَلَاقِ الْأُولَى ؛ لِاتِّفَاقِ الشَّاهِدَيْنِ عَلَى ذَلِكَ لَفْظًا وَمَعْنًى وَمَا تَفَرَّدَ أَحَدُهُمَا مِنْ الزِّيَادَةِ لَمْ يَثْبُتْ .
وَإِنْ شَهِدَ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ قَالَ : أَنْت طَالِقٌ الطَّلَاقَ كُلَّهُ .
وَشَهِدَ الْآخَرُ أَنَّهُ قَالَ : أَنْتَ طَالِقٌ بَعْضَ الطَّلَاقِ فَعِنْدَهُمَا يَقْضِي بِتَطْلِيقَةٍ وَاحِدَةٍ ؛ لِاتِّفَاقِ الشَّاهِدَيْنِ عَلَيْهَا مَعْنًى وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى لَا تُقْبَلُ هَذِهِ الشَّهَادَةُ ؛ لِاخْتِلَافِهِمَا لَفْظًا ، وَالْمُغَايَرَةُ بَيْنَ الْكُلِّ ، وَالْبَعْضِ عَلَى سَبِيلِ الْمُضَادَّةِ .

( قَالَ ) : وَإِنْ شَهِدَ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ قَالَ لَهَا : أَنْتِ طَالِقٌ ، وَشَهِدَ الْآخَرُ أَنَّهُ أَقَرَّ أَنَّهُ طَلَّقَهَا فَالشَّهَادَةُ جَائِزَةٌ ؛ لِأَنَّ الطَّلَاقَ قَوْلٌ ، وَصِيغَةُ الْإِقْرَارِ ، وَالْإِنْشَاءِ فِيهِ وَاحِدَةٌ ، فَاخْتِلَافُ الشُّهُودِ فِي الْإِنْشَاءِ ، وَالْإِقْرَارِ لَا يَكُونُ اخْتِلَافًا فِي الْمَشْهُودِ بِهِ ، وَكَذَلِكَ إنْ اخْتَلَفَا فِي الْمَكَانِ ، وَالزَّمَانِ ؛ لِأَنَّ الْقَوْلَ مِمَّا يُعَادُ وَيُكَرَّرُ وَيَكُونُ الثَّانِي هُوَ الْأَوَّلَ فَبِاخْتِلَافِهِمَا فِي الْمَكَانِ ، وَالزَّمَانِ لَا يَخْتَلِفُ الْمَشْهُودُ بِهِ لَفْظًا بِخِلَافِ الْأَفْعَالِ كَالْغَصْبِ ، وَالْقَتْلِ .
( قَالَ ) : وَإِنْ شَهِدَ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ طَلَّقَهَا بِمَكَّةَ يَوْمَ النَّحْرِ ، وَشَهِدَ الْآخَرُ أَنَّهُ طَلَّقَهَا فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ بِالْكُوفَةِ كَانَتْ شَهَادَتُهُمَا بَاطِلَةً لَا لِأَنَّ الْمَشْهُودَ بِهِ مُخْتَلِفٌ ، وَلَكِنْ ؛ لِأَنَّا تَيَقَّنَّا بِكَذِبِ أَحَدِهِمَا ، فَإِنَّ الشَّخْصَ الْوَاحِدَ فِي يَوْمٍ وَاحِدٍ لَا يَكُونُ بِمَكَّةَ ، وَالْكُوفَةِ ، وَإِذَا كَانَتْ تُهْمَةُ الْكَذِبِ تَمْنَعُ الْعَمَلَ بِالشَّهَادَةِ فَالتَّيَقُّنُ بِالْكَذِبِ أَوْلَى ، وَلَا يُقَالُ : هَذَا يَتَحَقَّقُ فِي كَرَامَاتِ الْأَوْلِيَاءِ ؛ لِأَنَّ مِثْلَ ذَلِكَ الْوَلِيِّ لَا يَجْحَدُ مَا أَوْقَعَ مِنْ الطَّلَاقِ حَتَّى يُحْتَاجَ إلَى إثْبَاتِهِ عَلَيْهِ بِالْبَيِّنَةِ ؛ وَلِأَنَّا نَبْنِي الْأَحْكَامَ عَلَى الظَّاهِرِ .
( قَالَ ) : وَلَوْ شَهِدَا بِذَلِكَ عَلَى يَوْمَيْنِ مُتَفَرِّقَيْنِ بَيْنَهُمَا مِنْ الْأَيَّامِ قَدْرَ مَا يَسِيرُ الرَّاكِبُ مِنْ الْكُوفَةِ إلَى مَكَّةَ تُقْبَلُ شَهَادَتُهُمَا ؛ لِأَنَّ تُهْمَةَ الْكَذِبِ هُنَا مُنْتَفِيَةٌ ؛ لِظُهُورِ عَدَالَتِهِمَا ، وَإِنَّمَا تَعَدَّدَ مَكَانُ مَا شَهِدَا بِهِ ، وَبِاخْتِلَافِ الْمَكَانِ لَا يَخْتَلِفُ الْمَشْهُودُ بِهِ ، وَهُوَ الطَّلَاقُ .

( قَالَ ) : وَلَوْ شَهِدَ شَاهِدَانِ أَنَّهُ طَلَّقَ عَمْرَةَ يَوْمَ النَّحْرِ بِالْكُوفَةِ ، وَشَهِدَ شَاهِدَانِ أَنَّهُ طَلَّقَ زَيْنَبَ يَوْمَ النَّحْرِ بِمَكَّةَ ، أَوْ أَعْتَقَ عَبْدَهُ فَشَهَادَتُهُمْ جَمِيعًا بَاطِلَةٌ ؛ لِأَنَّ الْقَاضِيَ يَتَيَقَّنُ بِكَذِبِ أَحَدِ الْفَرِيقَيْنِ ، وَلَا يَعْرِفُ الصَّادِقَ مِنْ الْكَاذِبِ ، فَتَعَذَّرَ عَلَيْهِ الْعَمَلُ بِشَهَادَتِهِمَا .
( قَالَ ) : فَإِنْ جَاءَتْ إحْدَى الْبَيِّنَتَيْنِ قَبْلَ صَاحِبَتِهَا فَحَكَمَ بِهَا ، ثُمَّ جَاءَتْ الْأُخْرَى لَمْ يَلْتَفِتْ إلَيْهَا ؛ لِأَنَّ الْأُولَى تَأَكَّدَتْ بِقَضَاءِ الْقَاضِي فَتَعَيَّنَ الْكَذِبُ فِي الْأُخْرَى إذْ لَا يَجُوزُ نَقْضُ الْقَضَاءِ بِالشَّكِّ ، وَهُوَ نَظِيرُ مَا لَوْ ادَّعَى رَجُلَانِ نِكَاحَ امْرَأَةٍ ، وَأَقَامَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا الْبَيِّنَةَ وَاسْتَوَيَا لَمْ يَقْضِ الْقَاضِي لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا وَلَوْ سَبَقَ أَحَدُهُمَا بِإِقَامَةِ الْبَيِّنَةِ ، وَقَضَى لَهُ ، ثُمَّ أَقَامَ الْآخَرُ الْبَيِّنَةَ لَمْ تُقْبَلْ بَيِّنَتُهُ ؛ لِهَذَا الْمَعْنَى .

( قَالَ ) : وَلَوْ قَالَ لِامْرَأَتَيْنِ لَهُ : أَيَّتُكُمَا أَكَلَتْ هَذَا الطَّعَامَ فَهِيَ طَالِقٌ فَجَاءَتْ كُلُّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا بِالْبَيِّنَةِ أَنَّهَا أَكَلَتْهُ فَشَهَادَتُهُمَا جَمِيعًا بَاطِلَةٌ ؛ لِتَيَقُّنِنَا بِكَذِبِ أَحَدِ الْفَرِيقَيْنِ فَالشَّرْطُ أَكْلُ جَمِيعِ الطَّعَامِ مِنْ وَاحِدَةٍ ، وَلَا يُتَصَوَّرُ أَنْ تَأْكُلَ كُلُّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا جَمِيعَ الطَّعَامِ .
فَإِنْ جَاءَتْ إحْدَى الْبَيِّنَتَيْنِ قَبْلَ الْأُخْرَى فَحَكَمَ بِهَا ، ثُمَّ جَاءَتْ الْأُخْرَى لَمْ يَلْتَفِتْ إلَيْهَا ؛ لِأَنَّ بِقَضَائِهِ تَعَيَّنَ مَعْنَى الصِّدْقِ فِي شَهَادَةِ الْفَرِيقِ الْأَوَّلِ فَيَتَعَيَّنُ مَعْنَى الْكَذِبِ فِي شَهَادَةِ الْفَرِيقِ الثَّانِي ، وَإِنْ كَانَتَا أَكَلَتَاهُ لَمْ تَطْلُقْ وَاحِدَةٌ مِنْهُمَا ؛ لِأَنَّ الشَّرْطَ أَكْلُ الْوَاحِدَةِ جَمِيعَ الطَّعَامِ فَإِنَّ كَلِمَةَ أَيُّ تَتَنَاوَلُ كُلَّ وَاحِدَةٍ مِنْ الْمُخَاطَبَتَيْنِ عَلَى الِانْفِرَادِ ، وَقَدْ بَيَّنَّا هَذَا وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ بِالصِّدْقِ ، وَالصَّوَابِ ، وَإِلَيْهِ الْمَرْجِعُ ، وَالْمَآبُ .

بَابُ طَلَاقِ الْمَرِيضِ ( قَالَ ) : رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، وَإِذَا طَلَّقَ الْمَرِيضُ امْرَأَتَهُ ثَلَاثًا ، أَوْ وَاحِدَةً بَائِنَةً ، ثُمَّ مَاتَ ، وَهِيَ فِي الْعِدَّةِ ، فَلَا مِيرَاثَ لَهَا مِنْهُ فِي الْقِيَاسِ ، وَهُوَ أَحَدُ أَقَاوِيلِ الشَّافِعِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، وَفِي الِاسْتِحْسَانِ تَرِثُ مِنْهُ ، وَهُوَ قَوْلُنَا ، وَقَالَ ابْنُ أَبِي لَيْلَى : وَإِنْ مَاتَ بَعْدَ انْقِضَاءِ عِدَّتِهَا تَرِثُ مِنْهُ مَا لَمْ تَتَزَوَّجْ بِزَوْجٍ آخَرَ ، وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ ، وَقَالَ مَالِكٌ رَحِمَهُ اللَّهُ ، وَإِنْ مَاتَ بَعْدَ مَا تَزَوَّجَتْ بِزَوْجٍ آخَرَ ، فَلَهَا الْمِيرَاثُ مِنْهُ ، وَجْهُ الْقِيَاسِ أَنَّ سَبَبَ الْإِرْثِ انْتِهَاءُ النِّكَاحِ بِالْمَوْتِ ، وَلَمْ يُوجَدْ ؛ لِارْتِفَاعِهِ بِالتَّطْلِيقَاتِ ، وَالْحُكْمُ لَا يَثْبُتُ بِدُونِ السَّبَبِ كَمَا لَوْ كَانَ طَلَّقَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ ؛ وَلِأَنَّ الْمِيرَاثَ يُسْتَحَقُّ بِالنَّسَبِ تَارَةً وَبِالزَّوْجِيَّةِ أُخْرَى ، وَلَوْ انْقَطَعَ النَّسَبُ لَا يَبْقَى اسْتِحْقَاقُ الْمِيرَاثِ بِهِ سَوَاءٌ كَانَ فِي صِحَّتِهِ ، أَوْ فِي مَرَضِهِ فَكَذَلِكَ إذَا انْقَطَعَتْ الزَّوْجِيَّةُ ، وَلَكِنَّا اسْتَحْسَنَّا ؛ لِاتِّفَاقِ الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ ، فَقَدْ رَوَى إبْرَاهِيمُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى قَالَ : جَاءَ عُرْوَةُ الْبَارِقِيُّ إلَى شُرَيْحٍ مِنْ عِنْدِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ بِخَمْسِ خِصَالٍ ، مِنْهُنَّ إذَا طَلَّقَ الْمَرِيضُ امْرَأَتَهُ ثَلَاثًا ، وَرِثَتْهُ إذَا مَاتَ ، وَهِيَ فِي الْعِدَّةِ ، وَعَنْ الشَّعْبِيِّ أَنَّ أُمَّ الْبَنِينَ بِنْتَ عُيَيْنَةَ بْنِ حِصْنٍ الْفَزَارِيّ كَانَتْ تَحْتَ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَفَارَقَهَا بَعْدَ مَا حُوصِرَ ، فَجَاءَتْ إلَى عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ بَعْدَ مَا قُتِلَ ، وَأَخْبَرْته بِذَلِكَ ، فَقَالَ : تَرَكَهَا حَتَّى إذَا أَشْرَفَ عَلَى الْمَوْتِ فَارَقَهَا ، وَوَرَّثَهَا مِنْهُ ، وَإِنَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ عَوْفٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ تُمَاضِرَ آخِرَ التَّطْلِيقَاتِ الثَّلَاثِ فِي مَرَضِهِ فَوَرَّثَهَا عُثْمَانُ رَضِيَ اللَّهُ

عَنْهُ ، وَقَالَ : مَا اتَّهَمْتُهُ ، وَلَكِنِّي أَرَدْت السُّنَّةَ ، وَعَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنَّ امْرَأَةَ الْفَارِّ تَرِثُ مَا دَامَتْ فِي الْعِدَّةِ ، وَعَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهَا تَرِثُ مَا لَمْ تَتَزَوَّجْ ، وَقَالَ ابْنُ سِيرِينَ : كَانُوا يَقُولُونَ : مَنْ فَرَّ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى رُدَّ إلَيْهِ يَعْنِي هَذَا الْحُكْمَ ، وَالْقِيَاسُ يُتْرَكُ بِإِجْمَاعِ الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ فَإِنْ قِيلَ : لَا إجْمَاعَ هُنَا ، فَقَدْ قَالَ ابْنُ الزُّبَيْرِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي حَدِيثِ تُمَاضِرَ : لَوْ كَانَ الْأَمْرُ إلَيَّ لَمَا وَرَّثْتُهَا .
وَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ : مَا طَلَّقْتهَا ضِرَارًا وَلَا فِرَارًا ، قُلْنَا : مَعْنَى قَوْلِ ابْنِ الزُّبَيْرِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ : مَا وَرَّثْتهَا ، أَيْ ؛ لِجَهْلِي بِوَجْهِ الِاسْتِحْسَانِ فَتَبَيَّنَ أَنَّهُ كَانَ يَخْفَى عَلَيْهِ مَا لَمْ يَخَفْ عَلَى عُثْمَانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، وَفِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ أَنَّهَا سَأَلَتْهُ الطَّلَاقَ فَمَعْنَى قَوْلِهَا : مَا وَرَّثَهَا ؛ لِأَنَّهَا سَأَلَتْهُ الطَّلَاقَ ، وَبِهِ نَقُولُ ، وَلَكِنَّ تَوْرِيثَ عُثْمَانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ إيَّاهَا بَعْدَ سُؤَالِهَا الطَّلَاقَ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ كَانَ يُوَرِّثُهَا قَبْلَهُ ، وَقَدْ قِيلَ : مَا سَأَلَتْهُ الطَّلَاقَ وَلَكِنَّهُ قَالَ لَهَا : إذَا طَهُرْتِ فَآذِنِينِي ، فَلَمَّا طَهُرَتْ آذَنَتْهُ ، وَبِهَذَا لَا يَسْقُطُ مِيرَاثُهَا ، وَابْنُ عَوْفٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ لَمْ يُنْكِرْ التَّوْرِيثَ إنَّمَا نَفَى عَنْ نَفْسِهِ تُهْمَةَ الْفِرَارِ حَتَّى رُوِيَ أَنَّ عُثْمَانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَادَهُ ، فَقَالَ : لَوْ مِتَّ وَرَّثْتُهَا مِنْك ، فَقَالَ : أَنَا أَعْلَمُ ذَلِكَ مَا طَلَّقْتُهَا ضِرَارًا وَلَا فِرَارًا ، وَالْمَعْنَى فِيهِ أَنَّهُ قَصَدَ إبْطَالَ حَقِّهَا عَنْ الْمِيرَاثِ بِقَوْلِهِ : فَيُرَدُّ عَلَيْهِ قَصْدُهُ كَمَا لَوْ وَهَبَ جَمِيعَ مَالِهِ مِنْ إنْسَانٍ ، وَإِنَّمَا قُلْنَا ذَلِكَ ؛ لِأَنَّ بِمَرَضِ الْمَوْتِ تَعَلَّقَ حَقُّ الْوَرَثَةِ بِمَالِهِ ؛ وَلِهَذَا يُمْنَعُ عَنْ التَّبَرُّعِ بِمَا زَادَ

عَلَى الثُّلُثِ ، ثُمَّ اسْتِحْقَاقُ الْمِيرَاثِ بِالسَّبَبِ ، وَالْمَحَلِّ .
فَإِذَا كَانَ تَصَرُّفُهُ فِي الْمَحَلِّ يُجْعَلُ كَالْمُضَافِ إلَى مَا بَعْدَ الْمَوْتِ حُكْمًا ؛ إبْقَاءً لِحَقِّ الْوَارِثِ ، فَتَصَرُّفُهُ بِالسَّبَبِ بِالرَّفْعِ يُجْعَلُ كَالْمُضَافِ إلَى مَا بَعْدَ الْمَوْتِ حُكْمًا ، بَلْ ، أَوْلَى ؛ لِأَنَّ الْحُكْمَ يُضَافُ إلَى السَّبَبِ دُونَ الْمَحَلِّ ، وَإِذَا صَارَ كَالْمُضَافِ ، كَانَ النِّكَاحُ بَيْنَهُمَا قَائِمًا عِنْدَ الْمَوْتِ حُكْمًا ؛ وَلِهَذَا قَالَ ابْنُ أَبِي لَيْلَى رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ : إنَّ عِدَّتَهَا فِي حَقِّ الْمِيرَاثِ لَا تَنْقَضِي حَتَّى إنَّ لَهَا الْمِيرَاثَ مَا لَمْ تَتَزَوَّجْ ، فَإِذَا تَزَوَّجَتْ فَهِيَ الَّتِي رَضِيَتْ بِسُقُوطِ حَقِّهَا ، وَلَهَا ذَلِكَ كَمَا لَوْ سَأَلَتْهُ الطَّلَاقَ فِي الِابْتِدَاءِ ، وَلَكِنَّا نَقُولُ : لَمَّا انْقَضَتْ عِدَّتُهَا حَلَّ لَهَا أَنْ تَتَزَوَّجَ ، وَذَلِكَ دَلِيلٌ حُكْمِيٌّ مُنَافٍ لِلنِّكَاحِ الْأَوَّلِ فَلَا يَبْقَى مَعَهُ النِّكَاحُ حُكْمًا كَمَا لَوْ تَزَوَّجَتْ ، وَهُوَ نَظِيرُ وُجُوبِ الصَّلَاةِ عَلَى الَّتِي انْقَطَعَ دَمُهَا فِيمَا دُونَ الْعَشَرَةِ بِمُضِيِّ الْوَقْتِ يُجْعَلُ كَأَدَاءِ الصَّلَاةِ فِي الْحُكْمِ بِانْقِضَاءِ الْعِدَّةِ ، وَمَا قَالَهُ مَالِكٌ مِنْ بَقَاءِ الْمِيرَاثِ بَعْدَ التَّزَوُّجِ بَعِيدٌ ؛ لِأَنَّ الْمَرْأَةَ الْوَاحِدَةَ لَا تَرِثُ مِنْ زَوْجَيْنِ بِحُكْمِ النِّكَاحِ ، وَمَا قَالَهُ يُؤَدِّي إلَى هَذَا ، ثُمَّ بَعْدَ انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ يَكُونُ مُسْقِطًا حَقَّهَا بِعِوَضٍ ، فَإِنَّهَا تَقْدِرُ عَلَى أَنْ تَتَزَوَّجَ بِزَوْجٍ آخَرَ فَتَسْتَحِقُّ مِيرَاثَهُ ، وَذَلِكَ صَحِيحٌ مِنْ الْمَرِيضِ كَمَا لَوْ بَاعَ مَالَهُ بِمِثْلِ قِيمَتِهِ ، فَأَمَّا قَبْلَ انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ يَكُونُ هَذَا إبْطَالًا لِحَقِّهَا بِغَيْرِ عِوَضٍ ؛ لِأَنَّهَا لَا تَقْدِرُ عَلَى التَّزَوُّجِ ، وَهَذَا بِخِلَافِ النَّسَبِ ، فَإِنَّهُ لَا يَنْقَطِعُ بِمُجَرَّدِ قَوْلِهِ ، إنَّمَا يَنْقَطِعُ بِقَضَاءِ الْقَاضِي بِاللِّعَانِ ، وَذَلِكَ أَمْرٌ حُكْمِيٌّ ، ثُمَّ النَّسَبُ بَعْدَ ثُبُوتِهِ لَا يَنْقَطِعُ ، وَلَكِنْ يَتَبَيَّنُ بِنَفْيِهِ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ

ثَابِتًا فِي وَلَدِ أُمِّ الْوَلَدِ فَيَتَبَيَّنُ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ لَهُ حَقٌّ فِي مَالِهِ ، وَلَكِنَّ الْكَلَامَ مِنْ حَيْثُ الْمَعْنَى لَيْسَ بِقَوِيٍّ ، فَإِنَّ بَعْدَ ثُبُوتِ حُرْمَةِ الْمَحَلِّ إمَّا بِالطَّلْقَاتِ الثَّلَاثِ ، أَوْ بِالْمُصَاهَرَةِ يَتَعَذَّرُ إبْقَاءُ النِّكَاحِ حُكْمًا ، وَلَكِنْ يُجْعَلُ بَقَاءُ الْعِدَّةِ الَّتِي هِيَ حَقٌّ مِنْ حُقُوقِ النِّكَاحِ كَبَقَاءِ النِّكَاحِ فِي حُكْمِ التَّوْرِيثِ بِاتِّفَاقِ الصَّحَابَةِ رِضْوَانُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ ، وَلِهَذَا لَوْ كَانَ الطَّلَاقُ قَبْلَ الدُّخُولِ لَا تَرِثُ ؛ لِأَنَّهُ لَا عِدَّةَ عَلَيْهَا ، وَلَكِنَّ هَذَا فِي إبْقَاءِ مَا كَانَ ثَابِتًا لَا فِي إثْبَاتِ مَا لَمْ يَكُنْ ثَابِتًا حَتَّى لَوْ كَانَ صَحِيحًا حِينَ طَلَّقَهَا لَمْ تَرِثْ مِنْهُ ، وَإِنَّمَا أَقَمْنَا الْعِدَّةَ مَقَامَ النِّكَاحِ ؛ لِدَفْعِ الضَّرَرِ عَنْهَا ، فَإِذَا كَانَ الطَّلَاقُ بِسُؤَالِهَا فَقَدْ رَضِيَتْ هِيَ بِسُقُوطِ حَقِّهَا فَلَا مِيرَاثَ لَهَا مِنْهُ ، وَإِنْ مَاتَ ، وَهِيَ فِي الْعِدَّةِ .

( قَالَ ) ، وَإِنْ كَانَتْ الْمَرْأَةُ أَمَةً ، أَوْ كِتَابِيَّةً حِينَ أَبَانَهَا فِي مَرَضِهِ ، ثُمَّ أُعْتِقَتْ الْأَمَةُ وَأَسْلَمَتْ الْكِتَابِيَّةُ فَلَا مِيرَاثَ لَهَا مِنْهُ ، وَإِنْ مَاتَ ، وَهِيَ فِي الْعِدَّةِ ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ فَارًّا مِنْ مِيرَاثِهَا يَوْمَ طَلَّقَ إذْ لَمْ يَتَعَلَّقْ حَقُّهَا بِمَالِهِ فِي الْمَرَضِ ، فَلَوْ وَرِثَتْ كَانَ فِيهِ إقَامَةُ الْعِدَّةِ مَقَامَ النِّكَاحِ فِي ابْتِدَاءِ الِاسْتِحْقَاقِ بَعْدَ الْعِتْقِ ، وَالْإِسْلَامِ ، وَذَلِكَ غَيْرُ مَا اتَّفَقَ عَلَيْهِ الصَّحَابَةُ رِضْوَانُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ فَلَا يُمْكِنُ إثْبَاتُهُ بِالرَّأْيِ .

( قَالَ ) : وَلَوْ طَلَّقَ الْمَرِيضُ امْرَأَتَهُ تَطْلِيقَةً رَجْعِيَّةً ، ثُمَّ مَاتَ بَعْدَ انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ فَلَا مِيرَاثَ لَهَا مِنْهُ ؛ لِانْعِدَامِ السَّبَبِ عِنْدَ الْمَوْتِ حَقِيقَةً وَحُكْمًا ، وَأَيُّهُمَا مَاتَ قَبْلَ انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ وَرِثَهُ الْآخَرُ ؛ لِانْتِهَاءِ النِّكَاحِ بَيْنَهُمَا بِالْمَوْتِ ، وَإِذَا طَلَّقَهَا فِي مَرَضِهِ تَطْلِيقَةً بَائِنَةً ، ثُمَّ صَحَّ مِنْ مَرَضِهِ ، ثُمَّ مَاتَ مِنْ غَيْرِ ذَلِكَ الْمَرَضِ ، وَهِيَ فِي الْعِدَّةِ فَلَا مِيرَاثَ لَهَا مِنْهُ عِنْدَنَا ، وَقَالَ زُفَرُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى : تَرِثُ مِنْهُ ؛ لِأَنَّهُ صَارَ مُتَّهَمًا بِالْفِرَارِ حِينَ طَلَّقَهَا فِي مَرَضِهِ ؛ وَلِأَنَّ حَقَّهَا كَانَ مُتَعَلِّقًا بِمَالِهِ عِنْدَ الطَّلَاقِ وَعِنْدَ الْمَوْتِ فَلَا يُعْتَبَرُ مَا تَخَلَّى بَيْنَهُمَا ، فَكَأَنَّهُ لَمْ يَصِحَّ حَتَّى مَاتَ فِي مَرَضِهِ ، وَلَكِنَّا نَقُولُ : حَقُّهَا إنَّمَا يَتَعَلَّقُ بِمَالِهِ بِمَرَضِ الْمَوْتِ ، وَمَرَضُ الْمَوْتِ مَا يَتَّصِلُ بِهِ الْمَوْتُ ، وَلَمْ يُوجَدْ ذَلِكَ ، وَكُلُّ مَرَضٍ يُعْقِبُهُ بُرْءٌ فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ حَالَةِ الصِّحَّةِ فَكَأَنَّهُ طَلَّقَهَا ، وَهُوَ صَحِيحٌ ، ثُمَّ مَرِضَ وَمَاتَ .
وَإِنْ كَانَتْ الْمَرْأَةُ هِيَ الَّتِي مَاتَتْ فِي جَمِيعِ هَذِهِ الْوُجُوهِ لَمْ يَرِثْهَا الزَّوْجُ ؛ لِأَنَّهُ رَفَعَ السَّبَبَ بِاخْتِيَارِهِ ، وَلَمْ يَكُنْ لَهُ حَقٌّ فِي مَالِهَا فِي حَالِ قِيَامِ الزَّوْجِيَّةِ ؛ لِيَبْقَى ذَلِكَ بِبَقَاءِ الْعِدَّةِ

ثُمَّ جَمَعَ بَيْنَ فُصُولٍ أَرْبَعَةٍ : أَحَدُهَا أَنْ يُعَلِّقَ طَلَاقَهَا بِفِعْلِ نَفْسِهِ ، وَالثَّانِي أَنْ يُعَلِّقَ بِفِعْلِ أَجْنَبِيٍّ ، وَالثَّالِثُ بِمَجِيءِ الْوَقْتِ ، وَالرَّابِعُ بِفِعْلِهَا ، وَكُلُّ فَصْلٍ مِنْ ذَلِكَ عَلَى وَجْهَيْنِ إمَّا أَنْ يَكُونَ التَّعْلِيقُ ، وَالْوُقُوعُ فِي الْمَرَضِ ، أَوْ التَّعْلِيقُ فِي الصِّحَّةِ ، وَالْوُقُوعُ فِي الْمَرَضِ أَمَّا الْفَصْلُ الْأَوَّلُ ، وَهُوَ مَا إذَا عَلَّقَ بِفِعْلِ نَفْسِهِ ، وَقَالَ : إنْ دَخَلْتُ الدَّارَ فَأَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا ، ثُمَّ دَخَلَ الدَّارَ فَلَهَا الْمِيرَاثُ إذَا مَاتَ ، وَهِيَ فِي الْعِدَّةِ .
أَمَّا إذَا كَانَ التَّعْلِيقُ ، وَالْوُقُوعُ فِي الْمَرَضِ فَلِأَنَّهُ مُتَّهَمٌ بِالْفِرَارِ ، وَالْقَصْدِ إلَى إبْطَالِ حَقِّهَا عَنْ مَالِهِ ، وَإِنْ كَانَ التَّعْلِيقُ فِي الصِّحَّةِ ، وَالْوُقُوعُ فِي الْمَرَضِ فَكَذَلِكَ ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا أَقْدَمَ عَلَى الشَّرْطِ فِي الْمَرَضِ مَعَ عِلْمِهِ أَنَّ التَّطْلِيقَاتِ عِنْدَهُ تَقَعُ فَقَدْ صَارَ قَاصِدًا إلَى إبْطَالِ حَقِّهَا فَيُجْعَلُ ذَلِكَ كَتَنْجِيزِ الطَّلَاقِ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ ، وَيَسْتَوِي إنْ كَانَ الشَّرْطُ فِعْلًا لَهُ مِنْهُ بُدٌّ ، أَوْ لَا بُدَّ لَهُ مِنْهُ كَالْأَكْلِ وَالشُّرْبِ وَالصَّلَاةِ ؛ لِأَنَّهُ إنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مِنْ الْفِعْلِ بُدٌّ فَقَدْ كَانَ لَهُ مِنْ التَّعْلِيقِ أَلْفُ بُدٍّ .
فَأَمَّا إذَا عَلَّقَ بِفِعْلِ أَجْنَبِيٍّ ، فَإِنْ كَانَ التَّعْلِيقُ فِي الْمَرَضِ فَلَهَا الْمِيرَاثُ ؛ لِأَنَّهُ قَاصِدٌ إبْطَالَ حَقِّهَا عَنْ مَالِهِ فَهَذَا وَالتَّنْجِيزُ فِي حَقِّهِ سَوَاءٌ ، وَإِنْ كَانَ التَّعْلِيقُ فِي الصِّحَّةِ فَفَعَلَ ذَلِكَ الْفِعْلَ الْأَجْنَبِيُّ فِي مَرَضِهِ فَلَا مِيرَاثَ لَهَا مِنْهُ إلَّا عَلَى قَوْلِ زُفَرَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى فَإِنَّهُ يَقُولُ : الْمُعَلَّقُ بِالشَّرْطِ عِنْدَ وُجُودِ الشَّرْطِ كَالْمُنَجَّزِ مِنْ الْمُعَلَّقِ فَيَصِيرُ عِنْدَ فِعْلِ الْأَجْنَبِيِّ كَأَنَّ الزَّوْجَ طَلَّقَهَا ثَلَاثًا ، وَهُوَ مَرِيضٌ ، وَلَكِنَّا نَقُولُ : لَمْ يُوجَدْ مِنْ الزَّوْجِ قَصْدُ الْفِرَارِ ؛ لِأَنَّهُ حِينَ عَلَّقَ لَمْ يَكُنْ لَهَا حَقٌّ فِي مَالِهِ ، وَلَمْ يُوجَدْ مِنْ

جِهَتِهِ صُنْعٌ بَعْدَ ذَلِكَ فِي وُجُودِ الشَّرْطِ ، وَلَا كَانَ مُتَمَكِّنًا مِنْ الْمَنْعِ ؛ لِأَنَّهُ مَا كَانَ يَقْدِرُ عَلَى إبْطَالِ التَّعْلِيقِ وَلَا عَلَى مَنْعِ الْأَجْنَبِيِّ مِنْ إيجَادِ الشَّرْطِ .

فَأَمَّا إذَا كَانَ التَّعْلِيقُ بِمُضِيِّ الْوَقْتِ بِأَنْ قَالَ : إذَا جَاءَ رَأْسُ الشَّهْرِ فَأَنْتِ طَالِقٌ ، فَإِنْ كَانَ التَّعْلِيقُ فِي الْمَرَضِ ، فَلَهَا الْمِيرَاثُ مِنْهُ ؛ لِوُجُودِ قَصْدِهِ إلَى إبْطَالِ حَقِّهَا بَعْدَ مَا تَعَلَّقَ بِمَالِهِ ، وَإِنْ كَانَ التَّعْلِيقُ فِي الصِّحَّةِ ، ثُمَّ جَاءَ رَأْسُ الشَّهْرِ ، وَهُوَ مَرِيضٌ لَمْ تَرِثْهُ عِنْدَنَا ؛ لِمَا بَيَّنَّا ، وَقَالَ زُفَرُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى : تَرِثُهُ ، وَهَذَا ، وَالْأَوَّلُ سَوَاءٌ ، وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ : أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا غَدًا ، ثُمَّ مَرِضَ قَبْلَ مَجِيءِ الْغَدِ

فَأَمَّا إذَا عَلَّقَ بِفِعْلِهَا ، فَإِنْ كَانَ التَّعْلِيقُ فِي الْمَرَضِ ، وَالْفِعْلُ فِعْلٌ لَهَا مِنْهُ بُدٌّ كَدُخُولِ الدَّارِ وَكَلَامِ أَجْنَبِيٍّ فَفَعَلَتْ فَلَا مِيرَاثَ لَهَا ؛ لِأَنَّهَا لَمَّا أَقْدَمَتْ عَلَى إيجَادِ الشَّرْطِ مَعَ اسْتِغْنَائِهَا عَنْهُ فَقَدْ صَارَتْ رَاضِيَةً بِسُقُوطِ حَقِّهَا عَنْ مَالِهِ فَيَكُونُ هَذَا بِمَنْزِلَةِ مَا لَوْ سَأَلَتْهُ الطَّلَاقَ ، وَإِنْ كَانَ الْفِعْلُ فِعْلًا لَا بُدَّ لَهَا مِنْهُ كَالْأَكْلِ ، وَالشُّرْبِ ، وَالصَّلَاةِ الْمَكْتُوبَةِ ، وَكَلَامِ الْأَبَوَيْنِ ، أَوْ أَحَدٍ مِنْ ذَوِي الرَّحِمِ الْمُحَرَّمِ مِنْهَا فَلَهَا الْمِيرَاثُ إذَا مَاتَ ، وَهِيَ فِي الْعِدَّةِ ، لِأَنَّهَا مُضْطَرَّةٌ إلَى إيجَادِ هَذَا الشَّرْطِ ؛ فَلَا تَصِيرُ بِالْإِقْدَامِ عَلَيْهِ رَاضِيَةً بِسُقُوطِ حَقِّهَا مِنْ مَالِهِ ، وَتُقَاضِي دَيْنَهَا مِنْ الْفِعْلِ الَّذِي لَا بُدَّ لَهَا مِنْهُ ، إذَا كَانَتْ تَخَافُ فَوْتَ حَقِّهَا بِتَرْكِ التَّقَاضِي ، فَأَمَّا إذَا كَانَ التَّعْلِيقُ فِي الصِّحَّةِ فَفَعَلَتْ فِي الْمَرَضِ ، فَإِنْ كَانَ لَهَا مِنْ الْفِعْلِ بُدٌّ فَلَا إشْكَالَ أَنَّهَا لَا تَرِثُ ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا مِنْ الْفِعْلِ بُدٌّ فَلَهَا الْمِيرَاثَ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى وَلَا مِيرَاثَ لَهَا فِي قَوْلِ مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى ؛ لِأَنَّهُ حِينَ عَلَّقَ الزَّوْجُ الطَّلَاقَ لَمْ يَكُنْ لَهَا فِي مَالِهِ حَقٌّ ؛ فَلَا يُتَّهَمُ بِقَصْدِهِ الْفِرَارَ ، وَلَمْ يُوجَدْ بَعْدَ ذَلِكَ مِنْهُ صُنْعٌ ، وَأَكْثَرُ مَا فِي الْبَابِ أَنْ يَنْعَدِمَ رِضَاهَا ، أَوْ فِعْلُهَا بِاعْتِبَارِ أَنَّهَا لَا تَجِدُ مِنْهُ بُدًّا ؛ فَيَكُونَ هَذَا كَالتَّعْلِيقِ بِفِعْلِ أَجْنَبِيٍّ ، أَوْ بِمَجِيءِ رَأْسِ الشَّهْرِ ، وَقَدْ بَيَّنَّا أَنَّ هُنَاكَ لَا تَرِثُ إذَا كَانَ التَّعْلِيقُ فِي الصِّحَّةِ فَكَذَلِكَ هُنَا ، وَهُمَا يَقُولَانِ : هِيَ مُضْطَرَّةٌ إلَى الْإِقْدَامِ عَلَى هَذَا الْفِعْلِ ؛ فَإِنَّهَا إنْ لَمْ تُقْدِمْ تَخَافُ عَلَى نَفْسِهَا ، أَوْ تَخَافُ الْعُقُوبَةَ ، وَإِنْ أَقْدَمَتْ سَقَطَ حَقُّهَا فَكَانَتْ مُضْطَرَّةً مُلْجَأَةً ، وَهُوَ الَّذِي أَلْجَأَهَا

إلَى ذَلِكَ .
وَالْأَصْلُ أَنَّ الْمُلْجَأَ يَصِيرُ آلَةً لِلْمُلْجِئِ ، وَالْفِعْلُ فِي الْحُكْمِ الْمَوْجُودِ مِنْ الْمُلْجِئِ كَالْمُكْرَهِ عَلَى إتْلَافِ الْمَالِ فَبِهَذَا الْمَعْنَى تَصِيرُ كَأَنَّ الْفِعْلَ وُجِدَ مِنْ الزَّوْجِ حُكْمًا فَلَهَا الْمِيرَاثُ .

( قَالَ ) : وَإِذَا بَانَتْ بِالْإِيلَاءِ فِي مَرَضِهِ ، فَإِنْ كَانَ الْإِيلَاءُ مِنْهُ فِي مَرَضِهِ فَلَهَا الْمِيرَاثُ إذَا مَاتَ ، وَهِيَ فِي الْعِدَّةِ ، وَإِنْ كَانَ أَصْلُ الْإِيلَاءِ فِي صِحَّتِهِ فَلَا مِيرَاثَ لَهَا ؛ لِأَنَّ الْمَوْلَى فِي الْمَعْنَى يَصِيرُ كَأَنَّهُ قَالَ : إنْ مَضَتْ أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ ، وَلَمْ أَقْرَبِك فِيهَا فَأَنْتِ طَالِقٌ تَطْلِيقَةً بَائِنَةً ، وَقَدْ بَيَّنَّا فِي التَّعْلِيقِ بِمَجِيءِ الْوَقْتِ أَنَّهُ إنْ كَانَ التَّعْلِيقُ فِي الْمَرَضِ ، فَلَهَا الْمِيرَاثُ ، وَإِنْ كَانَ التَّعْلِيقُ فِي الصِّحَّةِ ، فَلَا مِيرَاثَ لَهَا ، فَكَذَلِكَ فِي الْإِيلَاءِ ، وَلَوْ قَالَ الْمَرِيضُ لِامْرَأَتِهِ : إنْ شِئْتِ فَأَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا فَشَاءَتْ ، أَوْ خَيَّرَهَا فَاخْتَارَتْ نَفْسَهَا لَمْ تَرِثْ مِنْهُ ؛ لِأَنَّهَا رَضِيَتْ بِسُقُوطِ حَقِّهَا فَكَأَنَّهَا سَأَلَتْهُ الطَّلَاقَ ، أَوْ اخْتَلَعَتْ مِنْهُ .

( قَالَ ) : وَلَوْ قَالَ لَهَا ، وَهُوَ مَرِيضٌ : إذَا جَاءَ رَأْسُ الشَّهْرِ فَأَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا ، فَجَاءَ رَأْسُ الشَّهْرِ ، وَهُوَ صَحِيحٌ فَلَا مِيرَاثَ لَهَا ، وَكَذَلِكَ لَوْ آلَى مِنْهَا ، وَهُوَ مَرِيضٌ وَتَمَّتْ الْمُدَّةُ ، وَهُوَ صَحِيحٌ ؛ لِأَنَّهُ حِينَ وَقَعَتْ الْفُرْقَةُ بَيْنَهُمَا لَمْ يَكُنْ لَهَا حَقٌّ فِي مَالِهِ فَكَأَنَّهُ نَجَّزَ طَلَاقَهَا فِي هَذِهِ الْحَالَةِ ، وَلَوْ قَالَ لَهَا ، وَهُوَ صَحِيحٌ : إذَا مَرِضْتُ فَأَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا ، ثُمَّ مَرِضَ وَمَاتَ وَرِثَتْهُ ؛ لِأَنَّ الْمُعَلَّقَ بِالشَّرْطِ عِنْدَ وُجُودِ الشَّرْطِ كَالْمُنَجَّزِ ، وَلَمَّا جَعَلَ الشَّرْطَ مَرَضَهُ مَعَ عِلْمِهِ أَنَّ بِمَرَضِهِ يَتَعَلَّقُ حَقُّهَا بِمَالِهِ فَقَدْ قَصَدَ الْفِرَارَ ، وَكَانَ أَبُو الْقَاسِمِ الصَّفَّارُ يَقُولُ : لَا تَرِثُهُ ؛ لِأَنَّ الطَّلَاقَ يَقَعُ عَلَيْهَا عِنْدَ ابْتِدَاءِ مَرَضِهِ ، وَعِنْدَ ذَلِكَ هُوَ لَا يَكُونُ صَاحِبَ فِرَاشِ ، وَالْمَرِيضُ الَّذِي يَتَعَلَّقُ حَقُّ الْوَارِثِ بِمَالِهِ مَا يُضْنِيه وَيَجْعَلُهُ صَاحِبَ فِرَاشٍ ، وَإِنْ قَالَ فِي مَرَضِهِ : قَدْ كُنْتُ طَلَّقْتُك ثَلَاثًا فِي صِحَّتِي وَقَعَ الطَّلَاقُ عَلَيْهَا سَاعَةَ أَقَرَّ ، وَلَهَا الْمِيرَاثُ مِنْهُ ؛ لِأَنَّهُ مُتَّهَمٌ بِالْفِرَارِ بِهَذَا الْإِقْرَارِ ، كَمَا يَكُون مُتَّهَمًا بِإِنْشَاءِ الطَّلَاقِ ، وَهَذَا ؛ لِأَنَّهُ فِي الْإِسْنَادِ إلَى حَالَةِ الصِّحَّةِ مُتَّهَمٌ فِي حَقِّهَا ؛ لِأَنَّهُ لَوْ أَنْشَأَ الطَّلَاقَ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ لَمْ يَسْقُطْ مِيرَاثُهَا ؛ فَلِهَذَا لَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ فِي الْإِسْنَادِ فِي حَقِّهَا .

( قَالَ ) : وَإِنْ أَقَرَّ فِي مَرَضِهِ أَنَّهُ قَدْ جَامَعَ أُمَّ امْرَأَتِهِ فِي الصِّحَّةِ ، أَوْ أَنَّ بَيْنَهُمَا رَضَاعًا ، أَوْ أَنَّهُ تَزَوَّجَهَا بِغَيْرِ شُهُودٍ ، أَوْ فِي عِدَّةِ مِنْ زَوْجٍ كَانَ لَهَا قَبْلَهُ لَمْ يُصَدَّقْ فِي إبْطَالِ مِيرَاثِهَا ؛ لِكَوْنِهِ مُتَّهَمًا فِي ذَلِكَ ، وَيُجْعَلُ هَذَا كَإِنْشَاءِ سَبَبِ الْفُرْقَةِ مِنْهُ

( قَالَ ) : وَإِذَا قَالَ لِامْرَأَتِهِ فِي مَرَضِهِ : إذَا صَحَحْتُ فَأَنْتِ طَالِقٌ ، ثُمَّ صَحَّ مِنْ مَرَضِهِ وَقَعَ الطَّلَاقُ عَلَيْهَا ؛ لِوُجُودِ الشَّرْطِ ، وَلَا مِيرَاثَ لَهَا إنْ مَرِضَ بَعْدَ ذَلِكَ وَمَاتَ ؛ لِأَنَّهُ حِينَ وَقَعَ الطَّلَاقُ عَلَيْهَا لَمْ يَكُنْ لَهَا حَقٌّ فِي مَالِهِ ؛ فَلَا يَكُونُ هُوَ قَاصِدًا الْفِرَارَ .

( قَالَ ) : وَلَوْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ : أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا قَبْلَ أَنْ أُقْتَلَ ، أَوْ قَبْلَ أَنْ أَمُوتَ مِنْ مَرَضِ كَذَا ، وَكَذَا بِشَهْرٍ فَمَاتَ مِمَّا قَالَ ، أَوْ مِنْ غَيْرِهِ قَبْلَ مُضِيِّ شَهْرٍ ، أَوْ بَعْدَهُ لَمْ تَطْلُقْ ؛ لِأَنَّ مَا عُرِفَ الْوَقْتُ بِهِ لَيْسَ بِكَائِنٍ لَا مَحَالَةَ فَصَارَ فِي مَعْنَى الشَّرْطِ بِمَنْزِلَةِ قُدُومِ فُلَانٍ عَلَى مَا تَقَدَّمَ ، وَلَوْ وَقَعَ الطَّلَاقُ ، لَوَقَعَ بَعْدَهُ ، وَلَا نِكَاحَ بَيْنَهُمَا بَعْدَ مَا قُتِلَ ؛ فَلِهَذَا لَا تَطْلُقُ ، وَلَهَا الْمِيرَاثَ فَإِنْ قَالَ : أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا قَبْلَ مَوْتِي بِشَهْرٍ وَنِصْفٍ ، أَوْ بِأَقَلَّ مِنْ شَهْرَيْنِ فَمَاتَ بَعْدَ مُضِيِّ ذَلِكَ الْوَقْتِ الَّذِي قَالَهُ فَجْأَةً ، أَوْ مَرِضَ ، ثُمَّ مَاتَ ؛ وَقَعَ الطَّلَاقُ عَلَيْهَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى قَبْلَ مَوْتِهِ كَمَا قَالَ ، وَلَهَا الْمِيرَاثُ وَعِنْدَهُمَا لَا تَطْلُقُ ؛ لِمَا بَيَّنَّا أَنَّ عِنْدَهُمَا الْمَوْتُ يَصِيرُ فِي مَعْنَى الشَّرْطِ ، وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى هُوَ مُعَرِّفٌ لِلْوَقْتِ ، فَإِنَّمَا يَقَعُ الطَّلَاقُ مِنْ أَوَّلِهِ ، وَلَكِنَّ عِدَّتَهَا لَا تَنْقَضِي بِمَا دُونَ الشَّهْرَيْنِ ، فَكَانَ لَهَا الْمِيرَاثُ وَيَصِيرُ الزَّوْجُ فَارًّا ؛ لِأَنَّ الطَّلَاقَ لَا يَقَعُ مَا لَمْ يُشْرِفْ عَلَى الْمَوْتِ وَيَتَعَلَّقُ حَقُّهَا بِمَالِهِ .
وَإِنْ كَانَ قَالَ : قَبْلَ مَوْتِي بِشَهْرَيْنِ ، أَوْ بِأَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ ، ثُمَّ مَاتَ قَبْلَ مُضِيِّ الشَّهْرَيْنِ لَمْ يَقَعْ الطَّلَاقُ ، وَلَهَا الْمِيرَاثُ ؛ لِأَنَّ الْوَقْتَ الَّذِي أَضَافَ إلَيْهِ الطَّلَاقَ يُوجَدُ بَعْدَ كَلَامِهِ ، وَإِنْ عَاشَ مِثْلَ مَا سَمَّى ، أَوْ أَكْثَرَ ، ثُمَّ مَاتَ وَقَعَ عَلَيْهَا الطَّلَاقُ قَبْلَ مَوْتِهِ بِمَا سَمَّى ، وَلَا مِيرَاث لَهَا مِنْهُ ؛ لِأَنَّ الْعِدَّةَ قَدْ تَنْقَضِيَ فِي شَهْرَيْنِ بِثَلَاثِ حِيَضٍ ، وَكَذَلِكَ لَوْ كَانَ وَقْتَ وُقُوعِ الطَّلَاقِ مَرِيضًا ، إذَا كَانَ الْكَلَامُ فِي الصِّحَّةِ ، وَإِنْ كَانَتْ صَغِيرَةً ، أَوْ آيِسَةً فَعِدَّتُهَا ثَلَاثَةُ أَشْهُرٍ ، وَلَهَا الْمِيرَاثُ إلَّا أَنْ يُسَمِّيَ مِنْ الْوَقْتِ

ثَلَاثَةَ أَشْهُرٍ ، أَوْ أَكْثَرَ ، وَهَذَا كُلُّهُ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى ، فَأَمَّا عِنْدَهُمَا لَا يَقَعُ الطَّلَاقُ فِي شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ ، وَإِنْ وَقَّتَ سَنَةً ، وَلَهَا الْمِيرَاثُ ؛ لِأَنَّ عِنْدَهُمَا الْمَوْتُ فِي مَعْنَى الشَّرْطِ فَلَوْ وَقَعَ الطَّلَاقُ لَوَقَعَ بَعْدَهُ

( قَالَ ) : وَإِذَا قَالَ لَهَا ، وَهُوَ صَحِيحٌ : أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا قَبْلَ مَوْتَى بِشَهْرٍ ، ثُمَّ مَاتَ فَجْأَةً بِغَيْرِ مَرَضٍ فَلَهَا الْمِيرَاثُ ؛ لِأَنَّهُ ذَكَرَ الْمَوْتَ فِيمَا وَقَعَ عَلَيْهَا مِنْ الطَّلَاقِ فَيَصِيرُ بِهِ فَارًّا مِنْ مِيرَاثِهَا ، وَإِنْ اسْتَنَدَ الْوُقُوعُ إلَى حَالَةِ الصِّحَّةِ إذَا مَاتَ قَبْلَ انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ .

( قَالَ ) : وَإِذَا طَلَّقَ الْمَرِيضُ امْرَأَتَهُ وَاحِدَةً بَائِنَةً ، ثُمَّ تَزَوَّجَهَا فِي عِدَّتِهَا ، ثُمَّ طَلَّقَهَا قَبْلَ أَنْ يَدْخُلَ بِهَا فَعَلَيْهَا عِدَّةٌ مُسْتَقْبَلَةٌ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى بِاعْتِبَارِ أَنَّ الدُّخُولَ السَّابِقَ عَلَى الْعَقْدِ الثَّانِي يُجْعَلُ كَالْمَوْجُودِ بَعْدَهُ ، وَقَدْ بَيَّنَّا هَذَا فِي كِتَابِ النِّكَاحِ فَلَهَا الْمَهْرُ كَامِلًا ، وَالْمِيرَاثُ ، وَلَهُ عَلَيْهَا الرَّجْعَةُ مَادَامَ فِي الْعِدَّةِ ، وَكَذَلِكَ لَوْ كَانَ الطَّلَاقُ الْأَوَّلُ فِي الصِّحَّةِ ، وَهَذَا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ ، وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى لَا رَجْعَةَ لَهُ عَلَيْهَا ، وَلَهَا نِصْفُ الْمَهْرِ ، وَتُتِمُّ بَقِيَّةَ عِدَّتِهَا مِنْ الطَّلَاقِ الْأَوَّلِ ؛ لِأَنَّ الطَّلَاقَ فِي النِّكَاحِ الثَّانِي حَصَلَ قَبْلَ الدُّخُولِ ، وَلَمْ يُبَيِّنْ حُكْمَ الْمِيرَاثِ ، وَلَا مِيرَاثَ لَهَا مِنْهُ عِنْد مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُلْزِمْهَا الْعِدَّةَ بِالطَّلَاقِ الثَّانِي ؛ لِأَنَّهُ طَلَاقٌ قَبْلَ الدُّخُولِ وَحُكْمُ الْفِرَارِ لَا يَثْبُتُ بِالطَّلَاقِ قَبْلَ الدُّخُولِ .

( قَالَ ) : وَإِذَا اخْتَلَعَتْ نَفْسَهَا مِنْ زَوْجِهَا فِي مَرَضِهِ ، أَوْ جَعَلَ أَمْرَهَا بِيَدِهَا فَطَلَّقَتْ نَفْسَهَا فَلَا مِيرَاثَ لَهَا مِنْهُ ؛ لِأَنَّ وُقُوعَ الْفُرْقَةِ بِفِعْلِهَا إمَّا بِقَبُولِهَا الْبَدَلَ ، أَوْ بِإِيقَاعِهَا الطَّلَاقَ عَلَى نَفْسِهَا ، وَهَذَا أَبْيَنُ فِي إسْقَاطِ حَقِّهَا مِنْ سُؤَالِ الطَّلَاقِ

( قَالَ ) : وَإِذَا قَالَ الْمَرِيضُ لِامْرَأَتِهِ وَهِيَ أَمَةٌ : أَنْتِ طَالِقٌ غَدًا ثَلَاثًا ، وَقَالَ الْمَوْلَى لَهَا : أَنْتِ حُرَّةٌ غَدًا فَجَاءَ الْغَدُ وَقَعَ الطَّلَاقُ ، وَالْعَتَاقُ مَعًا ، وَلَا مِيرَاثَ لَهَا مِنْهُ ؛ لِأَنَّ الزَّوْجَ حِينَ تَكَلَّمَ بِالطَّلَاقِ لَمْ يَقْصِدْ الْفِرَارَ إذْ لَمْ يَكُنْ لَهَا حَقٌّ فِي مَالِهِ يَوْمئِذٍ ؛ وَلِأَنَّ الطَّلَاقَ ، وَالْعَتَاقَ يَقَعَانِ مَعًا ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مُضَافٌ إلَى الْغَدِ ، ثُمَّ الْعِتْقُ يُصَادِفُهَا وَهِيَ رَقِيقَةٌ فَكَذَلِكَ الطَّلَاقُ يُصَادِفُهَا وَهِيَ رَقِيقَةٌ فَلَا مِيرَاثَ لَهَا ، وَكَذَلِكَ لَوْ كَانَ الْمَوْلَى تَكَلَّمَ بِالْعِتْقِ قَبْلَ كَلَامِ الزَّوْجِ ؛ لِأَنَّ الْعِتْقَ لَمْ يَلْزَمْهُ بِقَوْلِ الْمَوْلَى ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ يُمْكِنُهُ أَنْ يَبِيعَهَا وَلَا تُعْتَقُ غَدًا فَلَا يَصِيرُ الزَّوْجُ فَارًّا ؛ وَلِأَنَّ الْوُقُوعَ يُصَادِفُهَا وَهِيَ رَقِيقَةٌ ، فَلَوْ ثَبَتَ حَقُّهَا فِي مَالِهِ إنَّمَا يَثْبُتُ بَعْدَ الْعِتْقِ ، وَلَا نِكَاحَ بَيْنَهُمَا بَعْدَ الْعِتْقِ .

( قَالَ ) : وَإِذَا قَالَ : إذَا أُعْتِقْتِ فَأَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا كَانَ فَارًّا ؛ لِأَنَّ الطَّلَاقَ هُنَا إنَّمَا يَقَعُ بَعْدَ الْعِتْقِ وَبَعْدَ مَا يَتَعَلَّقُ حَقُّهَا بِمَالِهِ فَقَدْ قَصَدَ إسْقَاطَ حَقِّهَا فَيُرَدُّ عَلَيْهِ قَصْدُهُ .

( قَالَ ) : وَإِنْ قَالَ لَهَا الْمَوْلَى : أَنْتِ حُرَّةٌ غَدًا ، وَقَالَ الزَّوْجُ : أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا بَعْدَ الْغَدِ ، فَإِنْ كَانَ يَعْلَمُ بِمَقَالَةِ الْمَوْلَى فَهُوَ فَارٌّ ، وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ بِذَلِكَ فَلَيْسَ بِفَارٍّ ؛ لِأَنَّهُ لَا حَقَّ لَهَا فِي مَالِهِ حِينَ عَلَّقَ الزَّوْجُ ؛ لِكَوْنِهَا رَقِيقَةً ، وَلَكِنَّهُ إذَا أَضَافَ إلَى وَقْتٍ يَعْلَمُ أَنَّهَا تَكُونُ حُرَّةً فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ ، وَإِنَّ حَقَّهَا يَكُونُ مُتَعَلِّقًا بِمَالِهِ فَقَدْ قَصَدَ إبْطَالَ حَقِّهَا ، وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ بِذَلِكَ لَمْ يَكُنْ قَاصِدًا إسْقَاطَ حَقِّهَا فَلِهَذَا لَا تَرِثُهُ .
وَإِنْ أَعْتَقَهَا الْمَوْلَى ، ثُمَّ طَلَّقَهَا الزَّوْجُ ثَلَاثًا ، وَهُوَ لَا يَعْلَمُ بِالْعِتْقِ فَلَهَا الْمِيرَاثُ مِنْهُ ؛ لِأَنَّهَا حِينَ عَتَقَتْ ، وَالزَّوْجُ مَرِيضٌ فَقَدْ تَعَلَّقَ حَقُّهَا فِي مَالِهِ ، فَلَوْ سَقَطَ إنَّمَا يَسْقُطُ بِإِيقَاعِهِ الثَّلَاثَ ، وَذَلِكَ غَيْرُ مُسْقِطٍ لِمِيرَاثِهَا مَادَامَ فِي الْعِدَّةِ ، وَجَهْلُ الزَّوْجِ بِالْعِتْقِ لَا يَكُونُ مُعْتَبَرًا فِي إسْقَاطِ حَقِّهَا ، وَهَذَا بِخِلَافِ مَا سَبَقَ مِنْ قَوْلِ الزَّوْجِ لَهَا : أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا بَعْدَ غَدٍ ؛ لِأَنَّ هُنَاكَ لَا حَقَّ لَهَا فِي مَالَهُ حِينَ تَكَلَّمَ الزَّوْجُ بِالطَّلَاقِ .
أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ نَجَّزَ طَلَاقَهَا فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ لَمْ تَرِثْ ، فَلَمْ يَكُنْ الزَّوْجُ مُسْقِطًا حَقًّا ثَابِتًا لَهَا ، وَلَكِنْ إذَا كَانَ عَالِمًا بِمَقَالَةِ الْمَوْلَى فَقَدْ أَضَافَ الطَّلَاق إلَى وَقْتِ يَعْلَمُ حُرِّيَّتَهَا فِيهِ ، فَكَانَ ذَلِكَ قَصْدًا مِنْهُ الْإِضْرَارَ بِهَا فَيُرَدُّ عَلَيْهِ قَصْدُهُ ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ عَالِمًا بِمَقَالَةِ الْمَوْلَى فَلَمْ يُوجَدْ مِنْهُ الْقَصْدُ إلَى إضْرَارِهَا فَلَا يَكُونُ فَارًّا لِهَذَا .

( قَالَ ) : وَإِذَا كَانَتْ الْمَرْأَةُ حُرَّةً كِتَابِيَّةً ، فَقَالَ لَهَا : أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا غَدًا ، ثُمَّ أَسْلَمَتْ قَبْلَ الْغَدِ ، أَوْ بَعْدَهُ فَلَا مِيرَاثَ لَهَا مِنْهُ ؛ لِأَنَّهُ حِينَ تَكَلَّمَ الزَّوْجُ بِالطَّلَاقِ لَمْ يَكُنْ لَهَا حَقٌّ فِي مَالِهِ ، لَوْ نَجَّزَ الثَّلَاثَ لَمْ تَرِثْ ، وَلَمْ يَقْصِدْ الْإِضْرَارَ بِهَا بِإِضَافَةِ الطَّلَاقِ إلَى الْغَدِ ؛ لِأَنَّهُ مَا كَانَ يَعْلَمُ أَنَّهَا تُسْلِمُ قَبْلَ مَجِيءِ الْغَدِ فَلَمْ يَكُنْ فَارًّا .

( قَالَ ) : وَإِذَا قَالَ لَهَا : إذَا أَسْلَمْتِ فَأَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا كَانَ فَارًّا ؛ لِأَنَّهُ قَصَدَ الْإِضْرَارَ بِهَا حِينَ أَضَافَ الطَّلَاقَ إلَى وَقْتِ تَعَلُّقِ حَقِّهَا بِمَا لَهُ ، وَهُوَ مَا بَعْدَ الْإِسْلَامِ ، وَهَذَا نَظِيرُ مَا سَبَقَ إذَا قَالَ الصَّحِيحُ لِامْرَأَتِهِ إذَا جَاءَ : رَأْسُ الشَّهْرِ فَأَنْتِ طَالِقٌ ، ثُمَّ مَرِضَ قَبْلَ مَجِيءِ رَأْسِ الشَّهْرِ لَمْ يَكُنْ فَارًّا ، وَلَوْ قَالَ : إذَا مَرِضْتُ فَأَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا كَانَ فَارًّا ، وَإِنْ أَسْلَمَتْ فَطَلَّقَهَا ثَلَاثًا ، وَهُوَ لَا يَعْلَمُ بِإِسْلَامِهَا فَلَهَا الْمِيرَاثُ مِنْهُ ؛ لِأَنَّ إيقَاعَ الثَّلَاثِ كَانَ بَعْدَ تَعَلُّقِ حَقِّهَا بِمَالِهِ ، وَجَهْلُ الزَّوْجِ غَيْرُ مُعْتَبَرٍ فِي إسْقَاطِ حَقِّهَا بَعْدَ مَا تَعَلَّقَ بِمَالِهِ .

( قَالَ ) : وَإِذَا أَسْلَمَتْ امْرَأَةُ الْكَافِرِ ، ثُمَّ طَلَّقَهَا ثَلَاثًا ، وَهُوَ مَرِيضٌ ، ثُمَّ أَسْلَمَ وَمَاتَ وَهِيَ فِي الْعِدَّةِ فَلَا مِيرَاثَ لَهَا مِنْهُ ؛ لِأَنَّهُ حِينَ ، أَوْقَعَ الثَّلَاثَ قَبْلَ إسْلَامِهِ فَهُوَ غَيْرُ فَارٍّ إذْ لَمْ يَكُنْ لَهَا مِيرَاثٌ مِنْهُ ، فَإِنَّ اخْتِلَافَ الدِّينِ يَمْنَعُ تَوْرِيثَ الْمُسْلِمِ مِنْ الْكَافِرِ بِخِلَافِ مَا لَوْ كَانَ أَسْلَمَ قَبْلَ الطَّلَاقِ ، وَهُوَ يَعْلَمُ بِإِسْلَامِهَا ، أَوْ لَا يَعْلَمُ ، فَإِنَّ هُنَاكَ إنَّمَا ، أَوْقَعَ الطَّلَاقَ بَعْدَ مَا تَعَلَّقَ حَقُّهَا بِمَالِهِ وَكَذَلِكَ الْعَبْدُ إذَا طَلَّقَ امْرَأَتَهُ فِي مَرَضِهِ ، ثُمَّ عَتَقَ وَأَصَابَ مَالًا فَلَا مِيرَاثَ لَهَا ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ فَارًّا حِينَ طَلَّقَ ؛ لِأَنَّهُ مَا كَانَ يَعْلَمُ أَنَّهُ يَعْتِقُ ، وَإِذَا قَالَ : إذَا أُعْتِقْتُ فَأَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا فَهُوَ فَارٌّ ؛ لِأَنَّهُ بِالْإِضَافَةِ إلَى مَا بَعْدَ عِتْقِهِ قَاصِدٌ الْإِضْرَارَ بِهَا .

( قَالَ ) : وَلَوْ كَانَتْ امْرَأَتُهُ أَمَةً ، فَقَالَ لَهَا فِي مَرَضِهِ : إذَا عَتَقْتُ أَنَا وَأَنْتِ فَأَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا ، ثُمَّ أُعْتِقَا جَمِيعًا فَلَهَا الْمِيرَاثُ ؛ لِإِضَافَتِهِ الطَّلَاقَ إلَى مَا بَعْدَ تَعَلُّقِ حَقِّهَا بِمَالِهِ ، وَلَوْ قَالَ : أَنْتِ طَالِقٌ غَدًا ثَلَاثًا ، ثُمَّ أُعْتِقَا الْيَوْمَ لَمْ يَكُنْ لَهَا مِيرَاثٌ ؛ لِأَنَّهُ حِينَ تَكَلَّمَ بِالطَّلَاقِ لَمْ يَكُنْ لَهَا حَقٌّ فِي مِيرَاثِهِ ، وَمَا كَانَ يَدْرِي أَنَّهُمَا يُعْتَقَانِ قَبْلَ مَجِيءِ الْغَدِ ، فَلَا يَكُونُ بِهَذِهِ الْإِضَافَةِ قَاصِدًا الْإِضْرَارَ ، وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ لَهَا الْمَوْلَى : أَنْتُمَا حُرَّانِ غَدًا ، وَقَالَ الزَّوْجُ : أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا غَدًا لَمْ يَكُنْ بَيْنَهُمَا مِيرَاثٌ ؛ لِأَنَّ وُقُوعَ الثَّلَاثِ بِهَذَا اللَّفْظِ قَبْلَ أَنْ يَثْبُتَ حُكْمُ التَّوْرِيثِ بَيْنَهُمَا فَإِنَّ حُكْمَ التَّوْرِيثِ بَعْدَ الْعِتْقِ وَالطَّلَاقِ يَقْتَرِنُ بِالْعِتْقِ قَبْلَ مَجِيءِ الْغَدِ .

( قَالَ ) : وَإِنْ قَالَ لَهَا : أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا بَعْدَ الْغَدِ فِي الْقِيَاسِ لَا مِيرَاثَ لَهَا مِنْهُ ؛ لِأَنَّهُ حِينَ تَكَلَّمَ بِالطَّلَاقِ لَمْ يَكُنْ لَهَا حَقٌّ فِي مَالِهِ .
أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ نَجَّزَ لَمْ يَكُنْ بَيْنَهُمَا تَوَارُثٌ ؛ وَلِأَنَّهُ لَا يَتَيَقَّنُ بِعِتْقِهِمَا بَعْدَ الْغَدِ ؛ لِجَوَازِ أَنْ يَبِيعَهُمَا قَبْلَ مَجِيءِ الْغَدِ ، وَلَكِنَّهُ اسْتَحْسَنَ ، فَقَالَ : إذَا كَانَ يَعْلَمُ بِمَقَالَةِ الْمَوْلَى فَلَهَا الْمِيرَاثُ ، وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ ، فَلَا مِيرَاثَ لَهَا مِنْهُ ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ بَعْدَ مَقَالَةِ الْمَوْلَى أَنَّهُمَا يُعْتَقَانِ بِمَجِيءِ الْغَدِ فَإِنَّ الْأَصْلَ بَقَاؤُهُمَا فِي مِلْكِهِ ، وَالْبِنَاءُ عَلَى الظَّاهِرِ وَاجِبٌ حَتَّى يَظْهَرَ خِلَافُهُ ، فَهُوَ بِإِضَافَةِ الثَّلَاثِ إلَى مَا بَعْدَ الْغَدِ بَعْدَ الْعِلْمِ بِمَقَالَةِ الْمَوْلَى يَكُونُ قَاصِدًا الْإِضْرَارَ بِهَا فَيَكُونُ فَارًّا ، وَإِذَا لَمْ يَكُنْ عَالِمًا بِمَقَالَةِ الْمَوْلَى ، لَمْ يَكُنْ قَاصِدًا الْإِضْرَارَ بِهَا .

( قَالَ ) : وَإِنْ قَالَ زَوْجُ أُمِّ الْوَلَدِ ، أَوْ الْمُرْتَدَّةِ ، وَهُوَ حُرٌّ مَرِيضٌ : أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا إذَا مَضَى شَهْرٌ ، ثُمَّ مَاتَ الْمَوْلَى قَبْلَ ذَلِكَ فَعَتَقَتْ ، ثُمَّ وَقَعَ الطَّلَاقُ عَلَيْهَا لَمْ يَكُنْ لَهَا مِيرَاثٌ مِنْهُ ؛ لِأَنَّهُ بِهَذِهِ الْإِضَافَةِ لَمْ يَقْصِدْ الْإِضْرَارَ ؛ لِأَنَّهُ مَا كَانَ يَعْلَمُ أَنَّ الْمَوْلَى يَمُوتُ قَبْلَ مُضِيِّ الشَّهْرِ بِخِلَافِ مَا لَوْ قَالَ : إذَا مَاتَ مَوْلَاك فَعَتَقْتِ فَأَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا ؛ لِأَنَّ هُنَاكَ يَتَحَقَّقُ أَنَّ قَصْدَهُ الْإِضْرَارَ بِهَا .

( قَالَ ) : وَإِذَا طَلَّقَ الْمُكَاتَبُ فِي مَرَضِهِ امْرَأَتَهُ الْحُرَّةَ ثَلَاثًا ، ثُمَّ مَاتَ وَهِيَ فِي الْعِدَّةِ وَتَرَكَ وَفَاءً فَأُدِّيَتْ كِتَابَتُهُ ، أَوْ أُعْتِقَ قَبْلَ أَنْ يَمُوتَ فَلَا مِيرَاثَ لَهَا مِنْهُ ؛ لِأَنَّهُ حِينَ ، أَوْقَعَ الثَّلَاثَ لَمْ يَكُنْ لَهَا حَقٌّ فِي كَسْبِهِ ، فَإِنَّ الْمُكَاتَبَ عَبْدٌ ، وَمَا كَانَ يَدْرِي أَنَّهُ يُعْتَقُ قَبْلَ مَوْتِهِ ، أَوْ يَتْرُكُ وَفَاءً فَلَمْ يَكُنْ فَارًّا ، وَإِنْ كَانَ مُكَاتَبَيْنِ كِتَابَةً وَاحِدَةً ، إنْ أَدَّيَا عَتَقَا ، وَإِنْ عَجَزَا رُدَّا رَقِيقَيْنِ فَطَلَّقَهَا فِي مَرَضِهِ ثَلَاثًا ، ثُمَّ مَاتَ ، وَتَرَكَ وَفَاءً فَلَا مِيرَاثَ لَهَا مِنْهُ ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ لَهَا فِي مَالِهِ حَقٌّ حِينَ طَلَّقَهَا ثَلَاثًا وَعَلَيْهَا الْعِدَّةُ حَيْضَتَانِ ؛ لِأَنَّ الطَّلَاقَ وَقَعَ عَلَيْهَا وَهِيَ أَمَةٌ وَيَرْجِعُونَ عَلَيْهَا بِمَا أَدَّى مِنْ تَرِكَةِ الْمُكَاتَبِ عَنْهَا كَمَا لَوْ كَانَ أَدَّى بِنَفْسِهِ فِي حَيَاتِهِ .

( قَالَ ) : وَإِذَا خَرَجَتْ الْأَمَةُ إلَيْنَا مُسْلِمَةً ، ثُمَّ خَرَجَ زَوْجُهَا بَعْدَهَا مُسْلِمًا ، وَهُوَ مَرِيضٌ فَطَلَّقَهَا ، أَوْ لَمْ يُطَلِّقْهَا ، ثُمَّ مَاتَ فَلَا مِيرَاثَ لَهَا مِنْهُ ؛ لِأَنَّ الْعِصْمَةَ قَدْ انْقَطَعَتْ بَيْنَهُمَا بِتَبَايُنِ الدَّارَيْنِ ، وَلَا تَوَارُثَ بَيْنَهُمَا يَوْمَئِذٍ ، ثُمَّ لَا يَقَعُ طَلَاقُهُ عَلَيْهَا بَعْدَ ذَلِكَ ، وَقَدْ بَيَّنَّا هَذَا .

( قَالَ ) : وَإِذَا ارْتَدَّ الْمُسْلِمُ نَعُوذُ بِاَللَّهِ ، ثُمَّ قُتِلَ ، أَوْ مَاتَ ، أَوْ لَحِقَ بِدَارُ الْحَرْبِ ، وَلَهُ امْرَأَةٌ مُسْلِمَةٌ لَمْ تَنْقَضِ عِدَّتُهَا بَعْدُ فَلَهَا الْمِيرَاثُ مِنْهُ مِنْ يَوْمِ ارْتَدَّ ؛ لِأَنَّهُ بِالرِّدَّةِ قَدْ أَشْرَفَ عَلَى الْهَلَاكِ ، وَالتَّوْرِيثُ يَسْتَنِدُ إلَى ذَلِكَ الْوَقْتِ فَلَا يُعْتَبَرُ فِعْلُهُ فِي إسْقَاطِ حَقِّهَا عَنْ مِيرَاثِهِ ؛ وَلِأَنَّ الرِّدَّةَ مِنْ الرَّجُلِ كَالْمَوْتِ ؛ لِأَنَّهُ يُسْتَحَقُّ قَتْلُهُ بِهَا ، وَالنِّكَاحُ كَانَ قَائِمًا بَيْنَهُمَا يَوْمئِذٍ فَكَانَ لَهَا الْمِيرَاثُ ، وَعِدَّتُهَا ثَلَاثُ حِيَضٍ ؛ لِأَنَّهُ حَيٌّ حَقِيقَةً بَعْدَ الرِّدَّةِ مَا لَمْ يُقْتَلْ ، وَالْفُرْقَةُ مَتَى وَقَعَتْ فِي حَالَةِ الْحَيَاةِ فَإِنَّهَا تَعْتَدُّ بِالْحِيَضِ فَإِنْ حَاضَتْ قَبْلَ ذَلِكَ ثَلَاثَ حِيَضٍ ، أَوْ لَمْ يَكُنْ دَخَلَ بِهَا فَلَا مِيرَاثَ لَهَا مِنْهُ ؛ لِأَنَّ حُكْمَ التَّوْرِيثِ إنَّمَا يَتَقَرَّرُ بِالْمَوْتِ ، وَإِنْ كَانَ يَسْتَنِدُ إلَى أَوَّلِ الرِّدَّةِ ؛ لِأَنَّهُ بَعْدَ الرِّدَّةِ حَيٌّ حَقِيقَةً ، وَإِنَّمَا يَرِثُ الْحَيُّ مِنْ الْمَيِّتِ لَا مِنْ الْحَيِّ ؛ فَلِهَذَا يُعْتَبَرُ بَقَاءُ الْوَارِثِ وَقْتَ مَوْتِهِ حَتَّى لَوْ مَاتَ وَلَدُهُ قَبْلَ مَوْتِهِ لَمْ يَرِثْهُ ؛ فَكَذَلِكَ يُعْتَبَرُ قِيَامُ عِدَّتِهَا وَقْتَ مَوْتِهِ فَإِذَا انْعَدَمَ لَمْ يَكُنْ لَهَا مِيرَاثٌ .

( قَالَ ) : وَإِنْ كَانَتْ الْمَرْأَةُ هِيَ الَّتِي ارْتَدَّتْ ، ثُمَّ مَاتَتْ وَهِيَ فِي الْعِدَّةِ فَلَا مِيرَاثَ لِلزَّوْجِ مِنْهَا ؛ لِأَنَّهُ لَا تَأْثِيرَ لِرِدَّتِهَا فِي زَوَالِ مِلْكِهَا ؛ وَلِهَذَا نَفَذَ تَصَرُّفُهَا فِي مَالِهَا بَعْدَ الرِّدَّةِ وَهَذَا ؛ لِأَنَّ نَفْسَهَا لَمْ تَصِرْ مُسْتَحَقَّةً بِسَبَبِ الرِّدَّةِ بِخِلَافِ الرَّجُلِ .
فَإِذَنْ ، قَدْ وَقَعَتْ الْفُرْقَةُ بِرِدَّتِهَا ، وَلَا حَقَّ لَهُ فِي مَالِهَا .

( قَالَ ) : وَإِذَا ارْتَدَّتْ وَهِيَ مَرِيضَةٌ ، ثُمَّ مَاتَتْ ، أَوْ لَحِقَتْ بِدَارِ الْحَرْبِ ، وَهِيَ فِي الْعِدَّةِ فِي الْقِيَاسِ لَا مِيرَاثَ لِلزَّوْجِ مِنْهَا ، وَهِيَ رِوَايَةٌ عَنْ أَبِي يُوسُفَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ؛ لِأَنَّهُ لَا عِدَّةَ فِي جَانِبِ الزَّوْج ، وَتَوْرِيثُ الْبَاقِي مِنْ الْمَيِّتِ بِشَرْطِ بَقَاءِ الْعِدَّةِ .
أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ طَلَّقَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ فِي مَرَضِهِ ، لَمْ يَكُنْ لَهَا الْمِيرَاثُ ؛ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ فِي عِدَّتِهِ وَلَكِنَّهُ اسْتَحْسَنَ ، فَقَالَ : لَهُ الْمِيرَاثُ ؛ لِأَنَّ حَقَّهُ قَدْ تَعَلَّقَ بِمَالِهَا بِمَرَضِهَا فَكَانَتْ بِالرِّدَّةِ قَاصِدَةً إبْطَالَ حَقِّهِ فَارَّةً عَنْ مِيرَاثِهِ فَيُرَدُّ عَلَيْهَا قَصْدُهَا كَمَا فِي جَانِبِ الزَّوْجِ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَتْ صَحِيحَةً حِينَ ارْتَدَّتْ ، وَإِنَّمَا يُعْتَبَرُ قِيَامُ الْعِدَّةِ وَقْتَ الْمَوْتِ ، وَهِيَ كَانَتْ فِي عِدَّتِهِ يَوْمَ مَاتَتْ ، وَلَوْ كَانَتْ فِي نِكَاحِهِ يَوْمَ مَاتَتْ كَانَ لَهُ الْمِيرَاثُ ، فَكَذَلِكَ إذَا كَانَتْ فِي عِدَّتِهِ .

( قَالَ ) : وَإِذَا طَلَّقَ الْمَرِيضُ امْرَأَته ثَلَاثًا ، ثُمَّ ارْتَدَّتْ عَنْ الْإِسْلَامِ وَالْعِيَاذُ بِاَللَّهِ ثُمَّ أَسْلَمَتْ ، وَمَاتَ وَهِيَ فِي الْعِدَّةِ فَلَا مِيرَاثَ لَهَا ؛ لِأَنَّهَا بِالرِّدَّةِ صَارَتْ مُبْطِلَةً حَقَّهَا ؛ لِأَنَّهَا تَخْرُجُ بِهَا مِنْ أَنْ تَكُونَ أَهْلًا لِلْمِيرَاثِ ؛ فَلَا يَعُودُ حَقُّهَا بِالْإِسْلَامِ بَعْدَ ذَلِكَ ؛ لِأَنَّهُ فِي مَعْنَى ابْتِدَاءِ ثُبُوتِ الْحَقِّ وَلَيْسَ بَيْنَهُمَا نِكَاحٌ قَائِمٌ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ بِخِلَافِ مَا لَوْ طَاوَعَتْ ابْنَ زَوْجِهَا فِي الْعِدَّةِ فَجَامَعَهَا فَإِنَّهُ لَا يَبْطُلُ مِيرَاثُهَا ؛ لِأَنَّهَا بِهَذِهِ الطَّوَاعِيَةِ لَمْ تُبْطِلْ حَقَّهَا ، فَإِنَّهُ لَيْسَ لِفِعْلِهَا تَأْثِيرٌ فِي الْفُرْقَةِ ؛ لِأَنَّ الْفُرْقَةَ قَدْ وَقَعَتْ بِإِيقَاعِ الثَّلَاثِ ، وَلَمْ تَخْرُجْ بِهَذَا الْفِعْلِ مِنْ أَنْ تَكُونَ أَهْلًا لِلْإِرْثِ فَبَقَاءُ مِيرَاثِهَا بِبَقَاءِ الْعِدَّةِ ، وَلَا تَأْثِيرَ لِهَذَا الْفِعْلِ فِي إسْقَاطِ الْعِدَّةِ ، وَهَذَا بِخِلَافِ مَا لَوْ طَاوَعَتْ ابْنَ زَوْجِهَا قَبْلَ أَنْ يُطَلِّقَهَا الزَّوْجُ ؛ لِأَنَّ الْفُرْقَةَ هُنَاكَ وَقَعَتْ بِفِعْلِهَا ، وَذَلِكَ مُسْقِطٌ لِمِيرَاثِهَا ؛ وَلِأَنَّ تَعَلُّقَ حَقِّهَا بِمَالِهِ يَوْمِئِذٍ كَانَ بِسَبَبِ النِّكَاحِ ، وَفِعْلُهَا مُؤَثِّرٌ فِي رَفْعِ النِّكَاحِ ؛ فَلِهَذَا سَقَطَ بِهِ مِيرَاثُهَا ، وَكَذَلِكَ إنْ أَكْرَهَهَا الِابْنُ عَلَى ذَلِكَ ، وَغَلَبَ عَلَى نَفْسِهَا فَلَا مِيرَاثَ لَهَا ؛ وَلِأَنَّ الْفِعْلَ يَنْعَدِمُ مِنْ جَانِبِهَا بِهَذَا السَّبَبِ ، وَإِنَّمَا تَقَعُ الْفُرْقَةُ حُكْمًا ؛ لِثُبُوتِ الْحُرْمَةِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَصِيرَ مُضَافًا إلَى الزَّوْجِ فَلَا مِيرَاثَ لَهَا مِنْهُ ؛ لِأَنَّ بَقَاءَ الْمِيرَاثِ بَعْدَ الْفُرْقَةِ بِسَبَبِ الْفِرَارِ ، وَذَلِكَ عِنْدَ إضَافَةِ الْفِعْلِ إلَى الزَّوْجِ ، فَإِنْ كَانَ الزَّوْجُ أَمَرَ ابْنَهُ بِذَلِكَ كَانَ لَهَا الْمِيرَاثُ ؛ لِأَنَّهُ قَاصِدٌ إلَى إبْطَالِ حَقِّهَا حِينَ أَمَرَ ابْنَهُ أَنْ يُكْرِهَهَا عَلَى ذَلِكَ الْفِعْلِ فَكَانَ فَارًّا ، وَإِنْ كَانَ الزَّوْجُ هُوَ الْمُرْتَدَّ بَعْدَ مَا طَلَّقَهَا ثَلَاثًا لَمْ يَبْطُلُ مِيرَاثُهَا ؛

لِأَنَّهُ لَمْ يُوجَدْ مِنْهَا مَا يُسْقِطُ حَقَّهَا ، وَإِنَّمَا تَكَرَّرَ سَبَبُ الْفِرَارِ مِنْ الزَّوْجِ ، وَبِهَذَا يَتَقَرَّرُ حَقُّهَا فَلَا يَسْقُطُ .

( قَالَ ) : وَإِذَا أَسْلَمَ أَحَدُ الزَّوْجَيْنِ وَأَبَى الْآخَرُ أَنْ يُسْلِمَ فَفُرِّقَ بَيْنَهُمَا فِي مَرَضِ الزَّوْجِ ، ثُمَّ مَاتَ لَمْ تَرِثْهُ ؛ لِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يُفَرَّقْ بَيْنَهُمَا حَتَّى مَاتَ لَمْ تَرِثْهُ ؛ لِاخْتِلَافِ الدِّينِ إذْ لَا تَوَارُثَ بَيْنَ الْمُسْلِمِ ، وَالْكَافِرِ ؛ فَبَعْدَ التَّفْرِيقِ ، أَوْلَى .

( قَالَ ) : وَإِذَا قَذَفَ الْمَرِيضُ امْرَأَتَهُ وَلَاعَنَهَا وَفُرِّقَ بَيْنَهُمَا ، ثُمَّ مَاتَ فَلَهَا الْمِيرَاثُ مِنْهُ ؛ لِأَنَّ سَبَبَ الْفُرْقَةِ مِنْ الزَّوْجِ ، وَهُوَ قَذْفُهُ إيَّاهَا بَعْدَ تَعَلُّقِ حَقِّهَا بِمَالِهِ ، وَهِيَ لَا تَجِدُ بُدًّا مِنْ الْخُصُومَةِ لِدَفْعِ عَارِ الزِّنَا عَنْ نَفْسِهَا ، فَلَا تَصِيرُ بِذَلِكَ رَاضِيَةً بِسُقُوطِ حَقِّهَا بِمَنْزِلَةِ مَا لَوْ عَلَّقَ الطَّلَاقَ بِفِعْلِهَا فِي مَرَضِهِ ، وَلَا بُدَّ لَهَا مِنْ ذَلِكَ الْفِعْلِ .

( قَالَ ) : وَلَوْ كَانَ قَذَفَهَا فِي صِحَّتِهِ ، ثُمَّ مَرِضَ فَلَاعَنَهَا ، ثُمَّ فُرِّقَ بَيْنَهُمَا ، فَعَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى لَهَا الْمِيرَاثُ أَيْضًا ، وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللَّهُ لَا مِيرَاثَ لَهَا مِنْهُ ، وَهُوَ نَظِيرُ مَا سَبَقَ إذَا عَلَّقَ الطَّلَاقَ فِي صِحَّتِهِ بِفِعْلٍ لَا بُدَّ لَهَا مِنْهُ فَفَعَلَتْ ذَلِكَ الْفِعْلَ فِي مَرَضِهِ .

( قَالَ ) : وَإِذَا فُرِّقَ بَيْنَ الْعِنِّينِ وَامْرَأَتِهِ فِي مَرَضِهِ ، ثُمَّ مَاتَ وَهِيَ فِي الْعِدَّةِ فَلَا مِيرَاثَ لَهَا مِنْهُ ؛ لِأَنَّهَا صَارَتْ رَاضِيَةً بِسُقُوطِ حَقِّهَا حِينَ اخْتَارَتْ الْفُرْقَةَ ، وَكَانَتْ تَجِدُ بُدًّا مِنْ هَذَا الِاخْتِيَارِ بِأَنْ تَصْبِرَ حَتَّى يَمُوتَ الزَّوْجُ فَتَتَخَلَّصَ مِنْهُ ، وَكَذَلِكَ الْمُعْتَقَةُ إذَا اخْتَارَتْ الْفُرْقَةَ وَهَذَا ، أَوْلَى ؛ لِأَنَّ الْفُرْقَةَ هُنَا إنَّمَا تَقَعُ بِمُجَرَّدِ اخْتِيَارِهَا نَفْسَهَا ، وَهِيَ غَيْرُ مُضْطَرَّةٍ إلَى ذَلِكَ .

( قَالَ ) : وَإِذَا ارْتَدَّ الزَّوْجَانِ مَعًا ، وَالْعِيَاذُ بِاَللَّهِ ، ثُمَّ أَسْلَمَ أَحَدُهُمَا ، وَمَاتَ الْآخَرُ ، فَلَا مِيرَاثَ لِلْبَاقِي مِنْهُ ؛ لِأَنَّهُ مُرْتَدٌّ ، وَالْمُرْتَدُّ لَا يَرِثُ أَحَدًا فَإِنْ أَسْلَمَا مَعًا ، ثُمَّ مَاتَ أَحَدُهُمَا كَانَ لِلْآخَرِ الْمِيرَاثُ ؛ لِأَنَّ وُقُوعَ الْفُرْقَةِ بَيْنَهُمَا بِالْمَوْتِ ، وَإِنْ أَسْلَمَتْ الْمَرْأَةُ ، ثُمَّ مَاتَ الزَّوْجُ مُرْتَدًّا وَرِثَتْهُ ؛ لِأَنَّ إصْرَارَهُ عَلَى الرِّدَّةِ بَعْدَ إسْلَامِهَا كَإِنْشَاءِ الرِّدَّةِ حَتَّى تُجْعَلَ هَذِهِ الْفُرْقَةُ مُضَافَةً إلَى فِعْلِ الزَّوْجِ فَكَانَ لَهَا الْمِيرَاثُ إذَا مَاتَ الزَّوْجُ وَهِيَ فِي الْعِدَّةِ ، فَإِنْ طَلَّقَهَا ثَلَاثًا ، وَهُمَا مُرْتَدَّانِ ، وَهُوَ مَرِيضٌ ، ثُمَّ أَسْلَمَا فَلَا مِيرَاثَ لَهَا مِنْهُ ؛ لِأَنَّهُ حِينَ طَلَّقَهَا لَمْ يَكُنْ حَقُّهَا مُتَعَلِّقًا بِمَالِهِ لِرِدَّتِهَا فَلَا يَصِيرُ هُوَ فَارًّا ، فَلَوْ ثَبَتَ حَقُّهَا إنَّمَا يَثْبُتُ بَعْدَ إسْلَامِهَا ابْتِدَاءً ، وَلَا نِكَاحَ بَيْنَهُمَا بَعْدَ إسْلَامِهِمَا .

( قَالَ ) : وَإِذَا قَالَ الْمَرِيضُ لِامْرَأَتِهِ : قَدْ طَلَّقْتُك ثَلَاثًا فِي صِحَّتِي ، وَانْقَضَتْ عِدَّتُك وَصَدَّقَتْهُ بِذَلِكَ ، فَلَا مِيرَاثَ لَهَا ؛ لِأَنَّ مَا تَصَادَقَا عَلَيْهِ كَالْمُعَايَنِ ، أَوْ كَالثَّابِتِ بِالْبَيِّنَةِ فِي حَقِّهِمَا ؛ وَلِأَنَّ الْحَقَّ فِي الْمِيرَاثِ لَهَا ، وَقَدْ أَقَرَّتْ بِمَا يُسْقِطُ حَقَّهَا ، فَإِنْ أَقَرَّ لَهَا بِدَيْنٍ ، أَوْ أَوْصَى لَهَا بِوَصِيَّةٍ فَهُوَ جَائِزُ فِي قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى كَمَا يَجُوزُ لِأَجْنَبِيَّةٍ أُخْرَى الْإِقْرَارُ مِنْ جَمِيعِ الْمَالِ ، وَالْوَصِيَّةُ مِنْ الثُّلُثِ ، وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى لَهَا الْأَقَلُّ مِنْ مِيرَاثِهَا وَمِمَّا أَقَرَّ ، أَوْ أَوْصَى بِهِ .
هُمَا يَقُولَانِ قَدْ صَارَتْ أَجْنَبِيَّةً مِنْهُ حَتَّى أَنَّهَا لَا تَرِثُهُ ، وَلَهَا أَنْ تَتَزَوَّجَ فِي الْحَالِ ، فَإِقْرَارُهُ لَهَا كَإِقْرَارِهِ لِأَجْنَبِيَّةٍ أُخْرَى ، وَلَوْ اُعْتُبِرَتْ التُّهْمَةُ لَاعْتُبِرَتْ فِي حَقِّ التَّزْوِيجِ ؛ لِأَنَّ الْحِلَّ ، وَالْحُرْمَةَ يُؤْخَذُ فِيهِمَا بِالِاحْتِيَاطِ ، فَإِذَا كَانَ يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَتَزَوَّجَ بِأُخْتِهَا وَأَرْبَعٍ سِوَاهَا ، وَيَجُوزُ لَهَا أَنْ تَتَزَوَّجَ بِزَوْجٍ آخَرَ عَرَفْنَا أَنَّهُ لَا تُهْمَةَ ؛ وَلِأَنَّ الْمَانِعَ مِنْ صِحَّةِ الْإِقْرَارِ ، وَالْوَصِيَّةِ لَهَا كَوْنُهَا وَارِثَةً لَهُ ، وَذَلِكَ يَنْعَدِمُ بِالْحُكْمِ بِانْقِضَاءِ عِدَّتِهَا بِيَقِينٍ وَأَبُو حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى يَقُولُ : لَمَّا مَرِضَ ، وَالنِّكَاحُ قَائِمٌ بَيْنَهُمَا فِي الظَّاهِرِ ، فَقَدْ صَارَ مَمْنُوعًا عَنْ الْإِقْرَارِ ، وَالْوَصِيَّةِ لَهَا فَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ وَاضَعَهَا عَلَى أَنْ تُقِرَّ بِالطَّلَاقِ فِي صِحَّتِهِ ، وَبِانْقِضَاءِ عِدَّتِهَا ، وَتُصَدِّقُهُ عَلَى ذَلِكَ ؛ لِتَصْحِيحِ إقْرَارِهِ وَوَصِيَّتِهِ لَهَا ، وَلَكِنَّ هَذِهِ التُّهْمَةَ فِي الزِّيَادَةِ عَلَى قَدْرِ الْمِيرَاثِ ، فَأَمَّا فِي مِقْدَارِ الْمِيرَاثِ لَا تُهْمَةَ ؛ فَلِهَذَا جَعَلْنَا لَهَا الْأَقَلَّ ، وَأَبْطَلْنَا الزِّيَادَةَ عَلَى ذَلِكَ لِلتُّهْمَةِ كَمَا لَوْ سَأَلَتْهُ فِي مَرَضِهِ أَنْ

يُطَلِّقَهَا ثَلَاثًا فَفَعَلَ ، ثُمَّ أَقَرَّ لَهَا بِدَيْنٍ ، أَوْ ، أَوْصَى لَهَا بِوَصِيَّةٍ لَا تَصِحُّ إلَّا فِي الْأَقَلِّ ؛ لِتَمَكُّنِ تُهْمَةِ الْمُوَاضَعَةِ فِي الزِّيَادَة عَلَى ذَلِكَ ، وَهَذِهِ التُّهْمَةُ فِيمَا بَيْنَهُمَا وَبَيْنَ سَائِرِ الْوَرَثَةِ لَا فِي حَقِّ الشَّرْعِ ، وَحِلُّ التَّزَوُّجِ حَقُّ الشَّرْعِ ؛ فَلِهَذَا صُدِّقَا عَلَى ذَلِكَ .

( قَالَ ) : وَإِذَا مَاتَ الرَّجُلُ وَقَالَتْ امْرَأَتُهُ : قَدْ كَانَ طَلَّقَنِي ثَلَاثًا فِي مَرَضِهِ ، وَمَاتَ وَأَنَا فِي الْعِدَّةِ وَقَالَ الْوَرَثَةُ : بَلْ طَلَّقَك فِي صِحَّتِهِ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمَرْأَةِ ؛ لِأَنَّ الْوَرَثَةَ يَدَّعُونَ عَلَيْهَا سَبَبَ الْحِرْمَانِ ، وَهِيَ جَاحِدَةٌ لِذَلِكَ ، فَإِنَّ الطَّلَاقَ فِي مَرَضِهِ لَا يَحْرِمُهَا ، فَلَا تَكُونُ هِيَ مُقِرَّةً بِالْحِرْمَانِ كَمَا لَوْ قَالَتْ : طَلَّقَنِي فِي حَالَةِ نَوْمِهِ ؛ وَلِأَنَّ الْوَرَثَةَ يَدَّعُونَ الطَّلَاقَ بِتَارِيخٍ سَابِقٍ ، وَهِيَ تُنْكِرُ ذَلِكَ التَّارِيخَ ، وَلَوْ أَنْكَرَتْ أَصْلَ الطَّلَاقِ ، كَانَ الْقَوْلُ قَوْلُهَا ، فَكَذَا إذَا أَنْكَرَتْ التَّارِيخَ .
.

( قَالَ ) : وَلَوْ كَانَتْ أَمَةً ، فَقَالَتْ : أُعْتِقْتُ قَبْلَ مَوْتِ زَوْجِي ، وَصَدَّقَهَا الْمَوْلَى ، وَقَالَتْ الْوَرَثَةُ : أُعْتِقَتْ بَعْدَ مَوْتِهِ ، فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْوَرَثَةِ ؛ لِأَنَّ سَبَبَ الْحِرْمَانِ ، وَهُوَ الرِّقُّ كَانَ ظَاهِرًا فِيهَا ، فَإِذَا ادَّعَتْ زَوَالَهُ قَبْلَ الْمَوْتِ ، وَأَنْكَرَهُ الْوَرَثَةُ كَانَ الْقَوْلُ قَوْلَ الْوَرَثَةِ ؛ وَلِأَنَّهَا تَدَّعِي تَارِيخًا سَابِقًا لِعِتْقِهَا ؛ فَلَا تُصَدَّقُ إلَّا بِحُجَّةٍ ، وَلَا مُعْتَبَرَ بِتَصْدِيقِ الْمَوْلَى ؛ لِأَنَّهُ لِلْحَالِ لَا يَمْلِكُ إسْنَادَ عِتْقِهَا إلَى حَالِ حَيَاةِ الزَّوْجِ ، فَلَا يُعْتَبَرُ قَوْلُهُ فِي ذَلِكَ ، وَكَذَلِكَ إنْ كَانَتْ كَافِرَةً ، وَادَّعَتْ الْإِسْلَامَ قَبْلَ مَوْتِ الزَّوْجِ لَمْ يُقْبَلْ قَوْلُهَا إلَّا بِحُجَّةٍ ؛ لِأَنَّهَا تَدَّعِي زَوَالَ سَبَبِ الْحِرْمَانِ بَعْدَ مَا عُرِفَ ثُبُوتُهُ ، وَإِنْ لَمْ يُعْرَفْ كُفْرُهَا وَلَا رِقُّهَا فَادَّعَتْ الْوَرَثَةُ أَنَّهَا كَافِرَةٌ ، أَوْ رَقِيقَةٌ يَوْمَ مَوْتِهِ ، وَقَالَتْ : مَا زِلْتُ عَلَى هَذِهِ حُرَّةً مُسْلِمَةً فَالْقَوْلُ قَوْلُهَا ؛ لِأَنَّ سَبَبَ الْمِيرَاثِ ، وَهُوَ النِّكَاحُ ظَاهِرٌ ، وَالْوَرَثَةُ يَدَّعُونَ عَلَيْهَا سَبَبَ الْحِرْمَانِ ، وَهِيَ تُنْكِرُ ؛ وَلِأَنَّ مَنْ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ ، فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ حُرٌّ مُسْلِمٌ ، وَلَا يُقَالُ : هَذَا إثْبَاتُ الِاسْتِحْقَاقِ بِالظَّاهِرِ ؛ لِأَنَّ الِاسْتِحْقَاقَ بِالنِّكَاحِ مَعْلُومٌ ، وَإِنَّمَا هَذَا دَفْعُ الْمَانِعِ بِالظَّاهِرِ .

( قَالَ ) : وَإِذَا مَاتَ الزَّوْجُ كَافِرًا فَجَاءَتْ الْمَرْأَةُ مُسْلِمَةً تَدَّعِي مِيرَاثَهَا ، فَقَالَتْ : أَسْلَمْتُ بَعْدَ مَوْتِهِ ، وَقَالَتْ الْوَرَثَةُ : أَسْلَمَتْ قَبْلَ مَوْتِهِ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْوَرَثَةِ ؛ لِأَنَّهَا جَاءَتْ تَدَّعِي الْمِيرَاثَ وَمَا يَحْرِمُهَا قَائِمٌ فِيهَا ؛ لِأَنَّهَا مُسْلِمَةٌ ، وَالْمُسْلِمَةُ لَا تَرِثُ الْكَافِرَ فَمَعَ ظُهُورِ سَبَبِ الْحِرْمَانِ لَا مِيرَاثَ لَهَا إلَّا أَنْ يَثْبُتَ سَبَبُ الِاسْتِحْقَاقِ بِالْبَيِّنَةِ ؛ وَلِأَنَّ الْأَصْلَ أَنَّ الِاشْتِبَاهَ إذَا وَقَعَ فِيمَا سَبَقَ يُحَكَّمُ الْحَالُ ، كَمَا إذَا اخْتَلَفَ صَاحِبُ الرَّحَى مَعَ الْمُسْتَأْجِرِ فِي جَرَيَانِ الْمَاءِ فِي الْمُدَّةِ ، فَإِنْ كَانَ الْمَاءُ جَارِيًا فِي الْحَالِ يُجْعَلُ جَارِيًا فِيمَا مَضَى ، فَإِذَا كَانَتْ هِيَ مُسْلِمَةً فِي الْحَالِ ، تُجْعَلُ مُسْلِمَةً فِيمَا مَضَى أَيْضًا ، وَالْمُسْلِمَةُ لَا تَرِثُ الْكَافِرَ .

( قَالَ ) : وَإِذَا طَلَّقَ الْمَرِيضُ امْرَأَتَهُ ثَلَاثًا ، ثُمَّ قَالَ بَعْدَ شَهْرَيْنِ : قَدْ أَخْبَرَتْنِي أَنَّ عِدَّتَهَا انْقَضَتْ وَكَذَّبَتْهُ ، ثُمَّ تَزَوَّجَ أُخْتَهَا ، أَوْ أَرْبَعًا سِوَاهَا ، ثُمَّ مَاتَ فَالْقَوْلُ قَوْلُهَا ، وَالْمِيرَاثُ لَهَا دُونَ الْأَرْبَعِ ، وَالْأُخْتِ لِأَنَّ الْمِيرَاثَ مِنْ حَقِّهَا ، وَهُوَ لَا يُصَدَّقُ فِي إبْطَالِ حَقِّهَا كَمَا فِي نَفَقَتِهَا وَسُكْنَاهَا ، وَمِنْ ضَرُورَةِ بَقَاءِ الْمِيرَاثِ لَهَا بِالنِّكَاحِ أَنْ لَا تَرِثَ أُخْتُهَا ، أَوْ أَرْبَعٌ سِوَاهَا بِهَذَا السَّبَبِ ، وَقَدْ بَيَّنَّا فِي كِتَابِ النِّكَاحِ اخْتِلَافَ الرِّوَايَتَيْنِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ .

( قَالَ ) : وَإِذَا تَزَوَّجَ ثَلَاثًا سِوَاهَا إحْدَاهُنَّ أُخْتُهَا ، فَلَا مِيرَاثَ لِأُخْتِهَا ، وَلِلِاثْنَتَيْنِ مَعَهَا الْمِيرَاثُ ؛ لِأَنَّ إخْبَارَهُ غَيْرُ مُعْتَبَرٍ فِي مِيرَاثِهَا ، وَلَوْ لَمْ يُخْبِرْ حَتَّى تَزَوَّجَ اثْنَتَيْنِ كَانَتَا وَارِثَتَيْنِ مَعَهَا بِخِلَافِ أُخْتِهَا ، وَإِذَا طَلَّقَهَا ثَلَاثًا فِي مَرَضِهِ ، ثُمَّ مَاتَ بَعْدَ تَطَاوُلِ ذَلِكَ ، وَهِيَ تَقُولُ : لَمْ تَنْقَضِ عِدَّتِي فَالْقَوْلُ قَوْلُهَا ، وَلَهَا الْمِيرَاثُ ؛ لِأَنَّهَا أَمِينَةٌ ، وَمُدَّةُ الْعِدَّةِ قَدْ تَطُولُ وَتَقْصُرُ ، وَلَكِنْ عَلَيْهَا الْيَمِينُ بِاَللَّهِ مَا انْقَضَتْ عِدَّتُهَا إذَا طَلَبَتْ الْوَرَثَةُ ؛ لِأَنَّهُمْ يَدَّعُونَ عَلَيْهَا مَا لَوْ أَقَرَّتْ بِهِ لَزِمَهَا ، فَإِذَا أَنْكَرَتْ حَلَفَتْ عَلَى ذَلِكَ ، وَلَوْ أَقَامَ عَلَيْهَا الْوَرَثَةُ الْبَيِّنَةَ بِإِقْرَارِهَا بِانْقِضَاءِ الْعِدَّةِ قَبْلَ مَوْتِهِ فَلَا مِيرَاثَ لَهَا ؛ لِأَنَّ الثَّابِتَ بِإِقْرَارِهَا كَالثَّابِتِ بِالْمُعَايَنَةِ ، وَإِنْ كَانَتْ تَزَوَّجَتْ قَبْلَ مَوْتِهِ فِي قَدْرِ مَا تَنْقَضِي فِي مِثْلِهِ الْعِدَّةُ ، ثُمَّ قَالَتْ : لَمْ تَنْقَضِ عِدَّتِي مِنْ الْأَوَّلِ لَمْ تُصَدَّقْ عَلَى ذَلِكَ ؛ لِأَنَّ تَزْوِيجَهَا نَفْسَهَا إقْرَارٌ مِنْهَا بِانْقِضَاءِ عِدَّتِهَا دَلَالَةً ، فَإِنَّ الْمُسْلِمَةَ تُبَاشِرُ الْعَقْدَ الصَّحِيحَ دُونَ الْبَاطِلِ ، وَلَوْ لَمْ تَتَزَوَّجْ وَقَالَتْ : قَدْ آيَسْتُ مِنْ الْحَيْضِ ، ثُمَّ اعْتَدَّتْ بِثَلَاثَةِ أَشْهُرٍ ، ثُمَّ مَاتَ الزَّوْجُ وَحُرِمَتْ الْمِيرَاثَ ، ثُمَّ وَلَدَتْ بَعْدَ ذَلِكَ مِنْ زَوْجٍ غَيْرِهِ فَنِكَاحُ الْآخَرِ فَاسِدٌ ، وَلَهَا الْمِيرَاثُ مِنْ الْأَوَّلِ ؛ لِأَنَّا تَيَقَّنَّا بِكَذِبِهَا فَإِنَّ الْآيِسَةَ لَا تَلِدُ ، فَتَبَيَّنَ أَنَّهَا كَانَتْ مُمْتَدًّا طُهْرُهَا لَا آيِسَةً ، وَإِنَّمَا تَزَوَّجَتْ فِي الْعِدَّةِ فَالنِّكَاحُ فَاسِدٌ ، وَلَهَا الْمِيرَاثُ مِنْ الْأَوَّلِ ؛ لِأَنَّهُ مَاتَ ، وَهِيَ فِي الْعِدَّةِ ، وَكَذَلِكَ إنْ حَاضَتْ ؛ لِأَنَّ الْآيِسَةَ لَا تَحِيضُ إلَّا أَنَّهَا إنْ ادَّعَتْ الْحَيْضَ لَمْ تُصَدَّقْ عَلَى زَوْجِهَا الْآخَرِ إلَّا أَنْ يُصَدِّقَهَا ؛ لِأَنَّ النِّكَاحَ

بَيْنَهُمَا صَحِيحٌ فِي الظَّاهِرِ فَلَا تُصَدَّقُ فِي دَعْوَاهَا الْبُطْلَانَ ، وَإِنْ صَدَّقَهَا فُرِّقَ بَيْنَهُمَا ، وَلَمْ يُصَدَّقَا عَلَى وَرَثَةِ الْأَوَّلِ مَا لَمْ يُقِرُّوا بِذَلِكَ ؛ لِأَنَّهَا تَسْتَحِقُّ الْمِيرَاثَ عَلَيْهِمْ فَلَا بُدَّ مِنْ تَصْدِيقِهِمْ إيَّاهَا بِمَا تَقُولُ .
.

( قَالَ ) : وَإِذَا كَانَتْ الْمُطَلَّقَةُ فِي الْمَرَضِ مُسْتَحَاضَةً ، وَكَانَ حَيْضُهَا مُخْتَلِفًا فَقَدْ بَيَّنَّا فِيمَا سَبَقَ أَنَّهَا تَأْخُذُ بِالِاحْتِيَاطِ ، فَفِي الصَّلَاةِ وَالرَّجْعَةِ تَأْخُذُ بِالْأَقَلِّ ، وَفِي الْحِلِّ لِلْأَزْوَاجِ تَأْخُذُ بِالْأَكْثَرِ ، وَفِي الْمِيرَاثِ تَأْخُذُ بِالْأَقَلِّ ؛ لِأَنَّ الْمَالَ بِالشَّكِّ لَا يُسْتَوْجَبُ ، وَبَقَاءُ الْعِدَّةِ عِنْدَ مَوْتِ الزَّوْجِ شَرْطٌ لِمِيرَاثِهَا فَمَا لَمْ يُتَيَقَّنْ بِهَذَا الشَّرْطِ لَمْ تَرِثْ ، وَإِنْ كَانَ حَيْضُهَا مَعْلُومًا ، وَانْقَطَعَ الدَّمُ عَنْهَا فِي آخِرِ الْحَيْضَةِ الثَّالِثَةِ ، ثُمَّ مَاتَ الزَّوْجُ ، فَإِنْ كَانَتْ أَيَّامُهَا عَشَرَةً فَلَا مِيرَاثَ لَهَا ؛ لِأَنَّا تَيَقَّنَّا بِانْقِضَاءِ عِدَّتِهَا قَبْلَ مَوْتِهِ ، وَإِنْ كَانَتْ أَيَّامُهَا دُونَ الْعَشَرَةِ ، فَإِنْ مَاتَ قَبْلَ أَنْ تَغْتَسِلَ ، أَوْ قَبْلَ أَنْ يَذْهَبَ وَقْتُ الصَّلَاةِ ، فَلَهَا الْمِيرَاثُ ؛ لِأَنَّ عِدَّتَهَا بَاقِيَةٌ مَا لَمْ تَغْتَسِلْ ، وَكَذَلِكَ إنْ اغْتَسَلَتْ وَبَقِيَ عُضْوٌ ؛ لِأَنَّ عِدَّتَهَا لَا تَنْقَضِي مَعَ بَقَاءِ عُضْوٍ لَمْ يُصِبْهُ الْمَاءُ ، وَقَدْ بَيَّنَّا هَذَا فِي بَابِ الرَّجْعَةِ .

( قَالَ ) : وَإِذَا بَقِيَ الزَّوْجُ فِي مَرَضِهِ بَعْدَ مَا طَلَّقَهَا أَكْثَرَ مِنْ سَنَتَيْنِ ، ثُمَّ وَلَدَتْ الْمَرْأَةُ بَعْدَ مَوْتِهِ بِشَهْرٍ فَلَا مِيرَاثَ لَهَا فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى وَلَهَا الْمِيرَاثُ فِي قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ ، وَهُوَ نَظِيرُ الِاخْتِلَافِ الْمَذْكُورِ فِي النَّفَقَةِ أَنَّ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى تَرُدُّ نَفَقَةَ سِتَّةِ أَشْهُرٍ ؛ لِأَنَّهُمَا يَجْعَلَانِ هَذَا مِنْ حَبَلٍ حَادِثٍ مِنْ زَوْجٍ بَعْدَ انْقِضَاءِ عِدَّتِهَا حَمْلًا لِأَمْرِهَا عَلَى الصَّلَاحِ ، وَكَذَلِكَ فِي حُكْمِ الْمِيرَاثِ يَتَبَيَّنُ بِهَا انْقِضَاءُ عِدَّتِهَا قَبْلَ مَوْتِهِ فَلَا مِيرَاثَ لَهَا ، وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى تُجْعَلُ مُعْتَدَّةً إلَى أَنْ وَلَدَتْ ، فَلِهَذَا لَا تَرُدُّ شَيْئًا مِنْ النَّفَقَةِ فَكَانَ لَهَا الْمِيرَاثُ .

( قَالَ ) : وَإِذَا طَلَّقَهَا فِي مَرَضِهِ ، ثُمَّ قُتِلَ ، أَوْ مَاتَ مِنْ غَيْرِ ذَلِكَ الْمَرَضِ غَيْرَ أَنَّهُ لَمْ يَصِحَّ فَلَهَا الْمِيرَاثُ ، وَكَانَ عِيسَى بْنُ أَبَانَ يَقُولُ : لَا مِيرَاثَ لَهَا ؛ لِأَنَّ مَرَضَ الْمَوْتِ مَا يَكُونُ سَبَبًا لِلْمَوْتِ ، وَلَمَّا مَاتَ بِسَبَبٍ آخَرَ فَقَدْ عَلِمْنَا أَنَّ مَرَضَهُ لَمْ يَكُنْ مَرَضَ الْمَوْتِ ، وَإِنَّ حَقَّهَا لَمْ يَكُنْ مُتَعَلِّقًا بِمَالِهِ يَوْمِئِذٍ ، فَهُوَ كَمَا لَوْ طَلَّقَهَا فِي صِحَّتِهِ ، وَلَكِنَّا نَقُولُ : قَدْ اتَّصَلَ الْمَوْتُ بِمَرَضِهِ حِينَ لَمْ يَصِحَّ حَتَّى مَاتَ ، وَقَدْ يَكُونُ لِلْمَوْتِ سَبَبَانِ فَلَا يُتَبَيَّنُ بِهَذَا أَنَّ مَرَضَهُ لَمْ يَكُنْ مَرَضَ الْمَوْتِ ، وَأَنَّ حَقَّهَا لَمْ يَكُنْ ثَابِتًا فِي مَاله ، وَقَدْ بَيَّنَّا أَنَّ إرْثَهَا مِنْهُ بِحُكْمِ الْفِرَارِ ، وَهُوَ مُتَحَقِّقٌ هُنَا .
.

( قَالَ ) : وَإِذَا قُرِّبَ الرَّجُلُ ؛ لِيُقْتَلَ فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ الْمَرِيضِ إذَا طَلَّقَ امْرَأَتَهُ ثَلَاثًا فِي تِلْكَ الْحَالَةِ فَلَهَا الْمِيرَاثُ ، وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْمَرِيضَ مُشْرِفٌ عَلَى الْهَلَاكِ ، فَكُلُّ سَبَبٍ يَعْتَرِضُ مِمَّا يَكُونُ الْغَالِبُ فِيهِ الْهَلَاكَ فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ الْمَرَضِ ، وَمَا يَكُونُ الْغَالِبُ فِيهِ السَّلَامَةَ ، وَقَدْ يُخَافُ مِنْهُ الْهَلَاكُ أَيْضًا فَلَا يُجْعَلُ بِمَنْزِلَةِ الْمَرَضِ ، فَاَلَّذِي قُرِّبَ ؛ لِيُقْتَلَ فِي قِصَاصٍ ، أَوْ رَجْمٍ فَالظَّاهِرُ فِيهِ هُوَ الْهَلَاكُ ، وَالسَّلَامَةُ بَعْدَ هَذَا نَادِرٌ ، فَأَمَّا الْمَحْبُوسُ قَبْلَ أَنْ يَخْرُجَ ؛ لِيُقْتَلَ ، فَالْغَالِبُ فِيهِ السَّلَامَةُ ، فَإِنَّهُ يَتَخَلَّصُ بِنَوْعٍ مِنْ أَنْوَاعِ الْحِيلَةِ ، فَإِذَا طَلَّقَهَا فِي تِلْكَ الْحَالَةِ لَمْ يَكُنْ فَارًّا ، وَكَذَلِكَ إنْ كَانَ مُوَافِقًا لِلْعَدُوِّ ، فَمَا دَامَ فِي الصَّفِّ فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ الصَّحِيحِ ، فَإِذَا خَرَجَ بَيْنَ الصَّفَّيْنِ يُبَارِزُ قِرْنَهُ مِنْ الْمُشْرِكِينَ ، فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ الْمَرِيضِ ؛ لِأَنَّهُ صَارَ مُشْرِفًا عَلَى الْهَلَاكِ ، وَالْمَحْصُورُ بِمَنْزِلَةِ الصَّحِيحِ ؛ لِأَنَّ غَالِبَ حَالِهِ السَّلَامَةُ ، فَإِنْ خَرَجَ يُقَاتِلُ ، فَهُوَ كَالْمَرِيضِ ، وَرَاكِبُ السَّفِينَةِ بِمَنْزِلَةِ الصَّحِيحِ فَإِنْ تَلَاطَمَتْ الْأَمْوَاجُ ، وَخِيفَ الْغَرَقُ فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ الْمَرِيضِ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ .
وَالْمَرْأَةُ الْحَامِلُ كَالصَّحِيحَةِ ، فَإِنْ أَخَذَهَا الطَّلْقُ فَهِيَ بِمَنْزِلَةِ الْمَرِيضَةِ

فَإِذَا قَتَلَتْهُ الْمَرْأَةُ بَعْدَ مَا طَلَّقَهَا ثَلَاثًا فِي مَرَضِهِ فَلَا مِيرَاثَ لَهَا مِنْهُ ؛ لِأَنَّ بَقَاءَ مِيرَاثِهَا بِبَقَاءِ الْعِدَّةِ كَبَقَاءِ الْمِيرَاثِ بِبَقَاءِ النِّكَاحِ وَإِنْ قَتَلَتْهُ قَبْلَ الطَّلَاقِ لَمْ تَرِثْهُ لِلْأَثَرِ ، وَهُوَ قَوْلُهُ : { لَا مِيرَاثَ لِلْقَاتِلِ } بَعْدَ صَاحِبِ الْبَقَرَةِ ، وَالْمُقْعَدُ ، وَالْمَرِيضُ ، وَالْمَفْلُوجُ مَادَامَ يَزْدَادُ مَا بِهِ فَهُوَ كَالْمَرِيضِ ، وَإِنْ صَارَ قَدِيمًا لَا يَزْدَادُ ، كَانَ بِمَنْزِلَةِ الصَّحِيحِ فِي الطَّلَاقِ وَغَيْرِهِ ؛ لِأَنَّهُ مَادَامَ يَزْدَادُ عِلَّتُهُ فَالْغَالِبُ أَنَّ آخِرَهُ الْمَوْتُ ، وَإِذَا صَارَ بِحَيْثُ لَا يَزْدَادُ ، فَلَا يُخَافُ مِنْهُ الْمَوْتُ فَكَانَ بِمَنْزِلَةِ الصَّحِيحِ وَصَاحِبُ جُرْحٍ ، أَوْ قُرْحَةٍ ، أَوْ وَجَعٍ لَمْ يُصَيِّرْهُ عَلَى الْفِرَاشِ بِمَنْزِلَةِ الصَّحِيحِ فِي الطَّلَاقِ وَغَيْرِهِ .

وَحَدُّ الْمَرَضِ الَّذِي يَكُون بِهِ فَارًّا أَنْ يَكُونَ صَاحِبَ فِرَاشٍ قَدْ أَضْنَاهُ الْمَرَضُ ، فَأَمَّا الَّذِي يَجِيءُ وَيَذْهَبُ فِي حَوَائِجِهِ ، فَلَا يَكُونُ فَارًّا ، وَإِنْ كَانَ يَشْتَكِي وَيُحَمُّ ، لِأَنَّ الْإِنْسَانَ فِي الْعَادَةِ قَلَّ مَا يَخْلُو عَنْ نَوْعِ مَرَضٍ فِي بَاطِنِهِ ، وَلَا يُجْعَلُ بِذَلِكَ فِي حُكْمِ الْمَرِيضِ ، بَلْ الْمَرِيضُ إنَّمَا يُفَارِقُ الصَّحِيحَ فِي أَنَّ الصَّحِيحَ يَكُونُ فِي السُّوقِ ، وَيَقُومُ بِحَوَائِجِهِ ، وَالْمَرِيضُ يَكُونُ صَاحِبَ فِرَاشٍ فِي بَيْتِهِ وَهَذَا ؛ لِأَنَّ مَا لَا يُمْكِنُ الْوُقُوفُ عَلَى حَقِيقَتِهِ يُعْتَبَرُ فِيهِ السَّبَبُ الظَّاهِرُ ، وَيُقَامُ ذَلِكَ مَقَامَ الْمَعْنَى الْخَفِيِّ تَيْسِيرًا ، وَقَدْ تَكَلَّفَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ ، فَقَالَ : إذَا كَانَ بِحَالٍ يَخْطُو ثَلَاثَ خُطُوَاتٍ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَسْتَعِينَ بِأَحَدٍ فَهُوَ فِي حُكْمِ الصَّحِيحِ فِي التَّصَرُّفَاتِ ، وَهَذَا ضَعِيفٌ فَالْمَرِيضُ جِدًّا لَا يَعْجَزَ عَنْ هَذَا الْقَدْرِ إذَا تَكَلَّفَ فَكَانَ الْمُعْتَبَرُ مَا قُلْنَا ، وَهُوَ أَنْ يَكُونَ صَاحِبَ فِرَاشٍ .

وَمَنْ قُرِّبَ ؛ لِيُقْتَلَ فَطَلَّقَ امْرَأَتَهُ ثَلَاثًا ، ثُمَّ خُلِّيَ سَبِيلُهُ ، أَوْ حُبِسَ ، ثُمَّ قُتِلَ بَعْدَ ذَلِكَ ، فَلَا مِيرَاثَ لَهَا مِنْهُ بِمَنْزِلَةِ الْمَرِيضِ إذَا صَحَّ بَعْدَ مَا طَلَّقَ امْرَأَتَهُ ثَلَاثًا ، وَقَدْ بَيَّنَّا هَذَا كُلَّهُ ، فَكَذَلِكَ فِي هَذَا الْفَصْلِ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ ، وَإِلَيْهِ الْمَرْجِعُ ، وَالْمَآبُ .

بَابُ الْوَلَدِ عِنْدَ مَنْ يَكُونُ فِي الْفُرْقَةِ ( قَالَ ) : رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَإِذَا اخْتَلَعَتْ الْمَرْأَةُ مِنْ زَوْجِهَا عَلَى أَنْ تَتْرُكَ وَلَدَهَا عِنْدَ الزَّوْجِ ، فَالْخُلْعُ جَائِزٌ ، وَالشَّرْطُ بَاطِلٌ ؛ لِأَنَّ الْأُمَّ إنَّمَا تَكُونُ أَحَقَّ بِالْوَلَدِ لِحَقِّ الْوَلَدِ ، فَإِنَّ كَوْنَ الْوَلَدِ عِنْدَهَا أَنْفَعُ لَهُ ؛ وَلِهَذَا لَوْ تَزَوَّجَتْ ، أَوْ كَانَتْ أَمَةً ، وَالْوَلَدُ حُرٌّ لَمْ تَكُنْ أَحَقَّ بِالْحَضَانَةِ ؛ لِأَنَّهَا مَشْغُولَةٌ بِخِدْمَةِ زَوْجِهَا ، أَوْ مَوْلَاهَا ، فَلَا مَنْفَعَةَ لِلْوَلَدِ فِي كَوْنِهِ عِنْدَهَا ، وَإِذَا ثَبَتَ أَنَّ هَذَا مِنْ حَقِّ الْوَلَدِ فَلَيْسَ لَهَا أَنْ تُبْطِلَهُ بِالشَّرْطِ .

( قَالَ ) : وَإِذَا أَرَادَتْ الْمَرْأَةُ أَنْ تَخْرُجَ بِوَلَدِهَا مِنْ مِصْرٍ إلَى مِصْرٍ فَإِنْ كَانَ النِّكَاحُ بَيْنَهُمَا قَائِمًا ، فَلَيْسَ لَهَا أَنْ تَخْرُجَ إلَّا بِإِذْنِهِ مَعَ الْوَلَدِ وَبِغَيْرِ الْوَلَدِ ، فَإِنْ وَقَعَتْ الْفُرْقَةُ بَيْنَهُمَا وَانْقَضَتْ عِدَّتُهَا ، فَإِنْ كَانَ أَصْلُ النِّكَاحِ فِي الْمِصْرِ الَّذِي هِيَ فِيهِ فَلَيْسَ لَهَا أَنْ تَخْرُجَ بِوَلَدِهَا إلَى مِصْرٍ آخَرَ ؛ لِمَا فِيهِ مِنْ الْإِضْرَارِ بِالزَّوْجِ بِقَطْعِ وَلَدِهِ عَنْهُ إلَّا أَنْ يَكُونَ بَيْنَ الْمِصْرَيْنِ قُرْبٌ بِحَيْثُ لَوْ خَرَجَ الزَّوْجُ ؛ لِمُطَالَعَةِ الْوَلَدِ أَمْكَنَهُ الرُّجُوعُ إلَى مَنْزِلِهِ قَبْلَ اللَّيْلِ ، فَحِينَئِذٍ هَذَا بِمَنْزِلَةِ مَحَالَّ مُخْتَلِفَةٍ فِي مِصْرٍ ، وَلَهَا أَنْ تَتَحَوَّلَ مِنْ مَحَلَّةٍ إلَى مَحَلَّةٍ ، وَإِنْ كَانَ تَزَوَّجَهَا فِي ذَلِكَ الْمِصْرِ الَّذِي يُرِيدُ الرُّجُوعَ إلَيْهِ ، وَنَقَلَهَا إلَى هَذَا الْمِصْرِ ، فَإِنْ كَانَتْ مِنْ أَهْلِ هَذَا الْمِصْرِ ، فَلَهَا أَنْ تَخْرُجَ بِوَلَدِهَا إلَيْهِ ؛ لِأَنَّ الْإِنْسَانَ إنَّمَا يَتَزَوَّجُ الْمَرْأَةَ فِي مِصْرٍ ؛ لِيُقِيمَ مَعَهَا فِيهِ ، وَإِنَّمَا سَاعَدَتْهُ عَلَى الْخُرُوجِ ؛ لِأَجْلِ النِّكَاحِ فَإِذَا ارْتَفَعَ كَانَ لَهَا أَنْ تَعُودَ إلَى مِصْرِهَا ؛ لِأَنَّ فِي الْمُقَامِ فِي الْغُرْبَةِ نَوْعُ ذُلٍّ وَلَهَا أَنْ تَخْرُجَ بِوَلَدِهَا ؛ لِأَنَّهَا بِأَصْلِ النِّكَاحِ اسْتَحَقَّتْ الْمُقَامَ بِوَلَدِهَا فِي ذَلِكَ الْمِصْرِ ، فَإِنَّمَا تَسْتَوْفِي مَا اسْتَحَقَّتْ لَا أَنْ تَقْصِدَ الْإِضْرَارَ بِالزَّوْجِ ، وَإِنْ لَمْ تَكُنْ مِنْ أَهْلِ ذَلِكَ الْمِصْرِ الَّذِي تَزَوَّجَهَا فِيهِ ، فَإِنْ أَرَادَتْ أَنْ تَخْرُجَ بِوَلَدِهَا إلَى مِصْرِهَا لَمْ يَكُنْ لَهَا ذَلِكَ ؛ لِأَنَّ أَصْلَ الْعَقْدِ مَا كَانَ فِي مِصْرِهَا ، وَاخْتِيَارُهَا الْغُرْبَةَ لَمْ يَكُنْ بِسَبَبِ النِّكَاحِ ، فَلَا يَكُونُ لَهَا أَنْ تَرْجِعَ بِوَلَدِهَا إلَى مِصْرِهَا ، وَلَكِنْ يُقَالُ لَهَا : اُتْرُكِي الْوَلَدَ ، وَاذْهَبِي حَيْثُ شِئْت ، وَكَذَلِكَ إنْ أَرَادَتْ الْخُرُوجَ إلَى مِصْرٍ آخَرَ ؛ لِأَنَّهَا فِي ذَلِكَ الْمِصْرِ غَرِيبَةٌ كَمَا هُنَا ، فَلَا تَقْصِدُ بِالْخُرُوجِ

إلَيْهِ دَفْعَ وَحْشَةِ الْغُرْبَةِ ، إنَّمَا تَقْصِدُ قَطْعَ الْوَلَدِ عَنْ أَبِيهِ .
وَإِنْ أَرَادَتْ أَنْ تَخْرُجَ بِهِ إلَى الْمِصْرِ الَّذِي كَانَ تَزَوَّجَهَا فِيهِ ، فَلَيْسَ لَهَا ذَلِكَ أَيْضًا ؛ لِأَنَّهَا غَرِيبَةٌ فِي ذَلِكَ الْمِصْرِ كَمَا هُنَا ، وَفِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ يَقُولُ : اُنْظُرْ إلَى عُقْدَةِ النِّكَاحِ أَيْنَ وَقَعَ ، وَهَذِهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّ لَهَا أَنْ تَخْرُجَ بِالْوَلَدِ إلَى مَوْضِعِ الْعَقْدِ كَمَا لَوْ كَانَ تَزَوَّجَهَا فِي مِصْرِهَا ، وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ لَيْسَ لَهَا ذَلِكَ ؛ لِأَنَّهَا تَقْصِدُ الْإِضْرَارَ بِالزَّوْجِ لَا دَفْعَ الْوَحْشَةِ عَنْ نَفْسِهَا بِالْخُرُوجِ إلَى ذَلِكَ الْمَوْضِعِ ؛ وَلِأَنَّ الزَّوْجَ مَا أَخْرَجَهَا إلَى دَارِ الْغُرْبَةِ بِخِلَافِ مَا إذَا تَزَوَّجَهَا فِي مِصْرِهَا ، وَإِنْ كَانَ أَصْلُ النِّكَاحِ فِي رُسْتَاقٍ لَهُ قُرًى مُتَفَرِّقَةٌ ، فَأَرَادَتْ أَنْ تَخْرُجَ بِوَلَدِهَا مِنْ قَرْيَةٍ إلَى قَرْيَةٍ ، فَلَهَا ذَلِكَ ، إنْ كَانَتْ الْقُرَى قَرِيبَةً بَعْضُهَا مِنْ بَعْضٍ عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي بَيَّنَّا ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ قَطْعُ الْوَلَدِ عَنْ أَبِيهِ ، وَإِنْ كَانَتْ بَعِيدَةً فَلَيْسَ لَهَا ذَلِكَ إلَّا أَنْ تَعُودَ إلَى قَرْيَتِهَا ، وَقَدْ كَانَ أَصْلُ النِّكَاحِ فِيهَا ، وَكَذَلِكَ إنْ أَرَادَتْ أَنْ تَعُودَ مِنْ الْقَرْيَةِ إلَى الْمِصْرِ .

وَإِنْ أَرَادَتْ أَنْ تَخْرُجَ بِوَلَدِهَا مِنْ مِصْرٍ جَامِعٍ إلَى قَرْيَةٍ قَرِيبَةٍ مِنْهُ ، فَلَيْسَ لَهَا ذَلِكَ إلَّا أَنْ يَكُونَ النِّكَاحُ وَقَعَ فِي تِلْكَ الْقَرْيَةِ فَتَخْرُجُ إلَيْهَا ؛ لِأَنَّهَا بِأَصْلِ الْعَقْدِ اسْتَحَقَّتْ الْمُقَامَ فِي قَرْيَتِهَا بِوَلَدِهَا ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ أَصْلُ النِّكَاحِ فِيهَا ، فَإِنَّهَا تُمْنَعُ مِنْ الْخُرُوجِ بِوَلَدِهَا ؛ لِأَنَّ فِي أَخْلَاقِ أَهْلِ الرُّسْتَاقِ بَعْضَ الْجَفَاءِ قَالَ : صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { أَهْلُ الْكُفُورِ هُمْ أَهْلُ الْقُبُورِ } فَفِي خُرُوجِهَا بِوَلَدِهَا إلَى الْقَرْيَةِ مِنْ الْمِصْرِ إضْرَارٌ بِالْوَلَدِ ؛ لِأَنَّهُ يَتَخَلَّقُ بِأَخْلَاقِهِمْ وَهِيَ مَمْنُوعَةٌ مِنْ الْإِضْرَارِ بِالْوَلَدِ

وَلَيْسَ لَهَا أَنْ تَخْرُجَ بِوَلَدِهَا إلَى دَارِ الْحَرْبِ .
وَإِنْ كَانَ النِّكَاحُ وَقَعَ هُنَاكَ لِمَا فِيهِ مِنْ الْإِضْرَارِ بِالْوَلَدِ ، فَإِنَّهُ يَتَخَلَّقُ بِأَخْلَاقِ أَهْلِ الشِّرْكِ ، وَلَا يَأْمَنُ عَلَى نَفْسِهِ هُنَاكَ ، فَإِنَّ دَارَ الْحَرْبِ دَارُ نُهْبَةٍ وَغَارَةٍ ، وَكَذَلِكَ إنْ كَانَتْ هِيَ مِنْ أَهْلِ الْحَرْبِ بَعْدَ أَنْ يَكُونَ زَوْجُهَا مُسْلِمًا ، أَوْ ذِمِّيًّا ؛ لِأَنَّهَا صَارَتْ ذِمِّيَّةً تَبَعًا لِزَوْجِهَا فَتُمْنَعُ مِنْ الرُّجُوعِ إلَى دَارِ الْحَرْبِ .

( قَالَ ) : وَلَيْسَ لِلْمَرْأَةِ ، وَإِنْ كَانَتْ أَحَقَّ بِوَلَدِهَا أَنْ تَشْتَرِيَ لَهُ وَتَبِيعَ ؛ لِأَنَّ الثَّابِتَ لَهَا حَقُّ الْحَضَانَةِ ، فَأَمَّا وِلَايَةُ التَّصَرُّفِ لِلْأَبِ ، أَوْ لِمَنْ يَقُومُ مَقَامَهُ بَعْدَهُ ، فَإِنْ كَانَتْ هِيَ وَصِيَّةَ أَبِيهِ فَلَهَا أَنْ تَتَصَرَّفَ بِسَبَبِ الْوِصَايَةِ لَا بِسَبَبِ الْأُمُومَةِ .

( قَالَ ) : وَكُلُّ فُرْقَةٍ وَقَعَتْ بَيْنَ الزَّوْجَيْنِ فَالْأُمُّ أَحَقُّ بِالْوَلَدِ مَا لَمْ تَتَزَوَّجْ ، وَقَدْ بَيَّنَّا تَمَامَ هَذَا فِي النِّكَاحِ إلَّا أَنْ تَرْتَدَّ ، فَحِينَئِذٍ إنْ لَحِقَتْ بِدَارِ الْحَرْبِ فَهِيَ مَمْنُوعَةٌ مِنْ أَنْ تَخْرُجَ بِوَلَدِهَا ، وَلَا حَقَّ لَهَا فِي الْحَضَانَةِ ، وَإِنْ كَانَتْ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ فَإِنَّهَا تُحْبَسُ ، وَتُجْبَرُ عَلَى الْإِسْلَامِ فَلَا يَكُونُ لَهَا حَقُّ الْحَضَانَةِ إلَّا أَنْ تَتُوبَ ، فَإِنْ تَابَتْ فَهِيَ أَحَقُّ بِالْوَلَدِ .

( قَالَ ) : وَإِذَا احْتَلَمَ الْغُلَامُ فَلَا سَبِيلَ لِأَبِيهِ عَلَيْهِ إنْ كَانَ قَدْ عَقَلَ وَكَانَ مَأْمُونًا عَلَيْهِ ؛ لِأَنَّهُ صَارَ مِنْ أَهْلِ أَنْ يَلِي عَلَى غَيْرِهِ فَلَا يُوَلَّى عَلَيْهِ إلَّا أَنْ يَكُونَ مَخُوفًا عَلَيْهِ ، فَحِينَئِذٍ يَضُمُّهُ الْأَبُ إلَى نَفْسِهِ ؛ لِدَفْعِ الْفِتْنَةِ ، وَلَا نَفَقَةَ لَهُ عَلَى أَبِيهِ إلَّا أَنْ يَتَطَوَّعَ ، وَقَدْ بَيَّنَّا تَمَامَ فُصُولِ النَّفَقَةِ فِي النِّكَاحِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ .

بَابُ الْخُلْعِ ( قَالَ ) : وَإِذَا اخْتَلَعَتْ الْمَرْأَةُ مِنْ زَوْجِهَا فَالْخُلْعُ جَائِزٌ ، وَالْخُلْعُ تَطْلِيقَةٌ بَائِنَةٌ عِنْدَنَا ، وَفِي قَوْلِ الشَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ هُوَ فَسْخٌ ، وَهُوَ مَرْوِيٌّ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا ، وَقَدْ رُوِيَ رُجُوعُهُ إلَى قَوْلِ عَامَّةِ الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ اسْتَدَلَّ الشَّافِعِيُّ بِقَوْلِهِ تَعَالَى : { الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ } إلَى أَنْ قَالَ : { فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ } إلَى أَنْ قَالَ : { فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلَا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ } ، فَلَوْ جَعَلْنَا الْخُلْعَ طَلَاقًا صَارَتْ التَّطْلِيقَاتُ أَرْبَعًا فِي سِيَاقِ هَذِهِ الْآيَةِ ، وَلَا يَكُونُ الطَّلَاقُ أَكْثَرَ مِنْ ثَلَاثٍ ؛ وَلِأَنَّ النِّكَاحَ عَقْدٌ مُحْتَمِلٌ لِلْفَسْخِ حَتَّى يُفْسَخَ بِخِيَارِ عَدَمِ الْكَفَاءَةِ ، وَخِيَارِ الْعِتْقِ ، وَخِيَارِ الْبُلُوغِ عِنْدَكُمْ فَيَحْتَمِلُ الْفَسْخَ بِالتَّرَاضِي أَيْضًا ، وَذَلِكَ بِالْخُلْعِ ، وَاعْتَبَرَ هَذِهِ الْمُعَاوَضَةَ الْمُحْتَمِلَةَ لِلْفَسْخِ بِالْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ فِي جَوَازِ فَسْخِهَا بِالتَّرَاضِي .
( وَلَنَا ) مَا رُوِيَ عَنْ عُمَرَ وَعَلِيٍّ وَابْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ مَوْقُوفًا عَلَيْهِمْ وَمَرْفُوعًا إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { الْخُلْعُ تَطْلِيقَةٌ بَائِنَةٌ } ، وَالْمَعْنَى فِيهِ أَنَّ النِّكَاحَ لَا يَحْتَمِلُ الْفَسْخَ بَعْدَ تَمَامِهِ ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَا يُفْسَخُ بِالْهَلَاكِ قَبْلَ التَّسْلِيمِ ، فَإِنَّ الْمِلْكَ الثَّابِتَ بِهِ ضَرُورِيٌّ لَا يَظْهَرُ إلَّا فِي حَقِّ الِاسْتِيفَاءِ ، وَقَدْ قَرَّرْنَا هَذَا فِي النِّكَاحِ ، وَبَيَّنَّا أَنَّ الْفَسْخَ بِسَبَبِ عَدَم الْكَفَاءَةِ فَسْخٌ قَبْلَ التَّمَامِ فَكَانَ فِي مَعْنَى الِامْتِنَاعِ مِنْ الْإِتْمَامِ ، وَكَذَلِكَ فِي خِيَارِ الْبُلُوغِ ، وَالْعِتْقِ ، فَأَمَّا الْخُلْعُ يَكُونُ بَعْدَ تَمَامِ الْعَقْدِ ، وَالنِّكَاحُ لَا يَحْتَمِلُ الْفَسْخَ بَعْدَ تَمَامِهِ ، وَلَكِنْ يَحْتَمِلُ الْقَطْعَ فِي الْحَالِ فَيُجْعَلُ لَفْظُ الْخُلْعِ عِبَارَةً عَنْ رَفْعِ الْعَقْدِ فِي الْحَالِ

مَجَازًا ، وَذَلِكَ إنَّمَا يَكُونُ بِالطَّلَاقِ .
أَلَا تَرَى أَنَّ الرَّجُلَ يَقُولُ : خَلَعْت الْخُفَّ مِنْ رِجْلِي يُرِيدُ بِهِ الْفَصْلَ فِي الْحَالِ ، فَأَمَّا الْآيَةُ فَقَدْ ذَكَرَ اللَّهُ تَعَالَى التَّطْلِيقَةَ الثَّالِثَةَ بِعِوَضٍ ، وَبِغَيْرِ عِوَضٍ ، وَبِهَذَا لَا يَصِيرُ الطَّلَاقُ أَرْبَعًا ، وَفَائِدَةُ هَذَا الِاخْتِلَافِ أَنَّهُ لَوْ خَالَعَهَا بَعْد تَطْلِيقَتَيْنِ عِنْدَنَا لَا تَحِلُّ لَهُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ ، وَعِنْدَهُ لَهُ أَنْ يَتَزَوَّجَهَا ، وَإِنْ نَوَى بِالْخُلْعِ ثَلَاثَ تَطْلِيقَاتٍ فَهِيَ ثَلَاثٌ ؛ لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ أَلْفَاظِ الْكِنَايَةِ ، وَقَدْ بَيَّنَّا أَنَّ نِيَّةَ الثَّلَاثِ تَسَعُ هُنَاكَ ؛ فَكَذَلِكَ فِي الْخُلْعِ ، وَإِنْ نَوَى اثْنَتَيْنِ فَهِيَ وَاحِدَةٌ بَائِنَةٌ ، وَعَلَى قَوْلِ زُفَرَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى اثْنَتَانِ كَمَا فِي لَفْظِ الْحُرْمَةِ ، وَالْبَيْنُونَةِ ، وَكَذَلِكَ كُلُّ طَلَاقٍ بِجُعْلٍ فَهُوَ بَائِنٌ ؛ لِأَنَّ الزَّوْجَ مَلَكَ الْبَدَلَ عَلَيْهَا فَتَصِيرُ هِيَ بِمُقَابَلَتِهِ أَمْلَكَ لِنَفْسِهَا ؛ وَلِأَنَّ غَرَضَهَا مِنْ الْتِزَامِ الْبَدَلِ أَنْ تَتَخَلَّصَ مِنْ الزَّوْجِ ، وَلَا يَحْصُلُ ذَلِكَ إلَّا بِوُقُوعِ الْبَيْنُونَةِ ، فَإِنْ قَالَ الزَّوْجُ : لَمْ أَعْنِ بِالْخُلْعِ طَلَاقًا ، وَقَدْ أَخَذَ عَلَيْهِ جُعْلًا لَمْ يُصَدَّقْ فِي الْحُكْمِ ؛ لِأَنَّهُ أَخَذَ الْجُعْلَ عَلَى سَبِيلِ التَّمَلُّكِ ، وَلَا يَتَمَلَّكُ ذَلِكَ إلَّا بِوُقُوعِ الطَّلَاقِ عَلَيْهَا فَكَانَ ذَلِكَ أَدَلَّ عَلَى قَصْدِهِ الطَّلَاقَ مِنْ حَالِ مُذَاكَرَةِ الطَّلَاقِ ، وَلَكِنْ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى يَسَعُهُ أَنْ يُقِيمَ مَعَهَا ؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى عَالِمٌ بِمَا فِي سِرِّهِ إلَّا أَنَّهُ لَا يَسَعُ الْمَرْأَةَ أَنْ تُقِيمَ مَعَهُ ؛ لِأَنَّهَا لَا تَعْرِفُ مِنْهُ إلَّا الظَّاهِرَ كَالْقَاضِي .

( قَالَ ) : وَالْمُبَارَأَةُ بِمَنْزِلَةِ الْخُلْعِ فِي جَمِيعِ ذَلِكَ ؛ لِأَنَّهُ مُشْتَقُّ مِنْ الْبَرَاءَةِ ، وَهُوَ أَدَلُّ عَلَى قَطْعِ الْوُصْلَةِ مِنْ الْخُلْعِ ، وَإِذَا جُعِلَ الْخُلْعُ تَطْلِيقَةً بَائِنَةً ، فَالْمُبَارَأَةُ ، أَوْلَى وَلِلْمُخْتَلِعَةِ ، وَالْمُبَارَأَةُ النَّفَقَةُ وَالسُّكْنَى مَادَامَ فِي الْعِدَّةِ هَكَذَا نُقِلَ عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَهَذَا ؛ لِأَنَّ النَّفَقَةَ لَمْ تَجِبْ قَبْلَ مَجِيءِ وَقْتِهَا فَلَا يَتَنَاوَلُهَا الْخُلْعُ ، وَالْبَرَاءَةُ الْعَامَّةُ ، وَإِنَّمَا يَنْصَرِفُ مُطْلَقُ اللَّفْظِ إلَى مَا هُوَ وَاجِبٌ .
.

( قَالَ ) : فَإِنْ كَانَ الزَّوْجُ اشْتَرَطَ عَلَيْهَا الْبَرَاءَةَ مِنْ النَّفَقَةِ وَالسُّكْنَى فَهُوَ بَرِيءٌ مِنْ النَّفَقَةِ ؛ لِأَنَّهَا أَسْقَطَتْ حَقَّهَا ، وَوُجُوبُ النَّفَقَةِ لَهَا فِي الْعِدَّةِ بِاعْتِبَارِ حَالَةِ الْفُرْقَةِ حَتَّى إذَا كَانَتْ مِمَّنْ لَا تَسْتَحِقُّ النَّفَقَةَ عِنْدَ ذَلِكَ لَا تَسْتَحِقُّهُ مِنْ بَعْدُ فَيَصِحُّ إسْقَاطُهَا ، وَلَكِنْ فِي ضِمْنِ الْخُلْعِ تَبَعًا لَهُ حَتَّى لَوْ أَسْقَطَتْ نَفَقَتَهَا بَعْدَ الْخُلْعِ بِإِبْرَاءِ الزَّوْجِ عَنْهَا لَا يَصِحُّ ذَلِكَ ؛ لِأَنَّهَا مَقْصُودَةٌ بِالْإِسْقَاطِ فَلَا يَكُونُ إلَّا بَعْدَ وُجُوبِهَا ، وَهِيَ تَجِبُ شَيْئًا فَشَيْئًا بِحَسْبِ الْمُدَّةِ ، وَلَا يَصِحُّ إبْرَاؤُهَا عَنْ السُّكْنَى فِي الْخُلْعِ ؛ لِأَنَّ خُرُوجَهَا مِنْ بَيْتِ الزَّوْجِ مَعْصِيَةٌ ، قَالُوا : وَلَوْ أَبْرَأَتْهُ عَنْ مُؤْنَةِ السُّكْنَى بِأَنْ سَكَنَتْ فِي بَيْتِ نَفْسِهَا ، أَوْ الْتَزَمَتْ مُؤْنَةَ السُّكْنَى مِنْ مَالِهَا صَحَّ ذَلِكَ مَشْرُوطًا فِي الْخُلْعِ ؛ لِأَنَّهُ خَالِصُ حَقِّهَا .

( قَالَ ) : وَالْخُلْعُ جَائِزٌ عِنْدَ السُّلْطَانِ وَغَيْرِهِ ؛ لِأَنَّهُ عَقْدٌ يَعْتَمِدَ التَّرَاضِيَ كَسَائِرِ الْعُقُودِ ، وَهُوَ بِمَنْزِلَةِ الطَّلَاقِ بِعِوَضٍ ، وَلِلزَّوْجِ وِلَايَةُ إيقَاعِ الطَّلَاقِ ، وَلَهَا وِلَايَةُ الْتِزَامِ الْعِوَضِ ، فَلَا مَعْنَى لِاشْتِرَاطِ حَضْرَةِ السُّلْطَانِ فِي هَذَا الْعَقْدِ .

( قَالَ ) : وَإِنْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ : قَدْ خَالَعْتُكِ ، أَوْ بَارَأْتُك ، أَوْ طَلَّقْتُك بِأَلْفِ دِرْهَمٍ ، فَالْقَبُولُ إلَيْهَا فِي مَجْلِسِهَا ، وَالْحَاصِلُ أَنَّ إيجَابَ الْخُلْعِ مِنْ الزَّوْجِ فِي الْمَعْنَى تَعْلِيقُ الطَّلَاقِ بِشَرْطِ قَبُولِهَا ؛ لِأَنَّ الْعِوَضَ الَّذِي مِنْ جَانِبِهِ فِي هَذَا الْعَقْدِ طَلَاقٌ ، وَهُوَ مُحْتَمِلٌ لِلتَّعْلِيقِ بِالشَّرْطِ ؛ وَلِهَذَا لَا يَبْطُلُ بِقِيَامِهِ عَنْ الْمَجْلِسِ ، وَيَصِحُّ مِنْهُ ، وَإِنْ كَانَتْ غَائِبَةً حَتَّى إذَا بَلَغَهَا فَقَبِلَتْ فِي مَجْلِسِهَا ، ثُمَّ وَإِنْ قَامَتْ مِنْ مَجْلِسِهَا قَبْلَ أَنْ تَقْبَلَ بَطَلَ ذَلِكَ بِمَنْزِلَةِ تَعْلِيقِ الطَّلَاقِ بِمَشِيئَتِهَا وَتَمْلِيكِ الْأَمْرِ مِنْهَا ؛ لِأَنَّهَا تَقْدِرُ عَلَى الْمَشِيئَةِ فِي مَجْلِسِهَا فَيَبْطُلُ بِقِيَامِهَا ، فَكَذَلِكَ تَقْدِرُ عَلَى الْقَبُولِ قَبْلَ ذَلِكَ ، وَاَلَّذِي مِنْ جَانِبِهَا فِي الْخُلْعِ الْتِزَامُ الْمَالِ فَيَكُونُ بِمَنْزِلَةِ الْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ لَا يَحْتَمِلُ التَّعْلِيقَ بِالشَّرْطِ حَتَّى إذَا بَدَأَتْ فَقَالَتْ : اخْلَعْنِي ، أَوْ بَارِئْنِي ، أَوْ طَلِّقْنِي بِأَلْفِ دِرْهَمٍ فَإِنَّهُ يَبْطُلُ بِقِيَامِهَا عَنْ الْمَجْلِسِ قَبْلَ قَبُولِ الزَّوْجِ ، وَكَذَلِكَ بِقِيَامِ الزَّوْجِ عَنْ الْمَجْلِسَ قَبْلَ الْقَبُولِ كَمَا يَبْطُلُ إيجَابُ الْبَيْعِ بِقِيَامِ أَحَدِهِمَا عَنْ الْمَجْلِسِ قَبْلَ قَبُولِ الْآخَرِ ، وَكَذَلِكَ إنْ كَانَ الزَّوْجُ غَائِبًا حِينَ قَالَتْ هَذِهِ الْمَقَالَةَ ، لَا تَتَوَقَّفُ عَلَى قَبُولِهِ ، إذَا بَلَغَهُ كَمَا لَا يَتَوَقَّفُ إيجَابُ الْبَيْعِ عَلَى قَبُولِ الْمُشْتَرِي إذَا كَانَ غَائِبًا .

( قَالَ ) : فَإِنْ قَالَتْ : طَلِّقْنِي ثَلَاثًا بِأَلْفِ دِرْهَمٍ فَطَلَّقَهَا وَاحِدَةً فَلَهُ ثُلُثُ الْأَلْفِ ؛ لِأَنَّ حَرْفَ الْبَاءِ يَصْحَبُ الْأَبْدَالَ ، وَالْأَعْوَاضَ ، وَالْعِوَضُ يَنْقَسِمُ عَلَى الْمُعَوَّضِ ، فَهِيَ لَمَّا الْتَمَسَتْ الثُّلُثَ بِأَلْفٍ فَقَدْ جَعَلَتْ بِإِزَاءِ كُلِّ تَطْلِيقَةٍ ثُلُثَ الْأَلْفِ ، ثُمَّ فِيمَا صَنَعَ الزَّوْجُ مَنْفَعَةً لَهَا ؛ لِأَنَّهَا رَضِيَتْ بِوُجُوبِ جَمِيعِ الْأَلْفِ عَلَيْهَا بِمُقَابَلَةِ التَّخَلُّصِ مِنْ زَوْجِهَا فَتَكُونُ أَرْضَى بِوُجُوبِ ثُلُثِ الْأَلْفِ عَلَيْهَا إذَا تَخَلَّصَتْ مِنْ زَوْجِهَا ، وَبِالْوَاحِدَةِ تَتَخَلَّصُ مِنْهُ ، وَهَذَا بِخِلَافِ مَا لَوْ كَانَ الزَّوْجُ قَالَ لَهَا : أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا بِأَلْفٍ فَقَبِلَتْ وَاحِدَةً لَمْ يَقَعْ شَيْءٌ ؛ لِأَنَّهُ لَوْ وَقَعَتْ الْوَاحِدَةُ لَوَقَعَتْ بِثُلُثِ الْأَلْفِ ، وَالزَّوْجُ مَا رَضِيَ بِزَوَالِ مِلْكِهِ عَنْهَا مَا لَمْ يَجِبْ عَلَيْهَا جَمِيعُ الْأَلْفِ ، وَبِخِلَافِ مَا لَوْ قَالَ : هَذِهِ طَالِقٌ ، وَهَذِهِ بِأَلْفٍ فَقَبِلَتْ إحْدَاهُمَا وَقَعَ الطَّلَاقُ عَلَيْهَا بِنِصْفِ الْأَلْفِ ؛ لِأَنَّ الزَّوْجَ هُنَاكَ رَاضٍ بِوُقُوعِ الْفُرْقَةِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ إحْدَاهُمَا إذَا وَجَبَتْ عَلَيْهَا حِصَّتُهَا مِنْ الْمَالِ ، فَإِنَّ نِكَاحَ إحْدَاهُمَا لَا يَتَّصِلُ بِنِكَاحِ الْأُخْرَى .
( قَالَ ) : وَلَوْ طَلَّقَهَا ثَلَاثًا فِي كَلَامٍ مُتَفَرِّقٍ فِي مَجْلِسٍ وَاحِدٍ فِي الْقِيَاسِ ، يَلْزَمُهَا ثُلُثَ الْأَلْفِ ؛ لِأَنَّهَا بَانَتْ بِالْأُولَى فَلَزِمَهَا ثُلُثُ الْأَلْفِ ، فَهُوَ بِإِيقَاعِ الثَّانِيَةِ وَالثَّالِثَةِ بَعْدَ ذَلِكَ لَا يَسْتَوْجِبُ عَلَيْهَا عِوَضًا آخَرَ ، وَفِي الِاسْتِحْسَانِ يَقَعُ عَلَيْهَا ثَلَاثُ تَطْلِيقَاتٍ بِجَمِيعِ الْأَلْفِ ؛ لِأَنَّ الْمَجْلِسَ الْوَاحِدَ يَجْمَعُ الْكَلِمَاتِ الْمُتَفَرِّقَةَ ، وَيَجْعَلُهَا كَكَلَامٍ وَاحِدٍ فَكَأَنَّهُ أَوْقَعَ الثَّلَاثَ عَلَيْهَا بِكَلَامٍ وَاحِدٍ فَيَلْزَمُهَا جَمِيعُ الْأَلْفِ .

( قَالَ ) : وَلَوْ كَانَتْ قَالَتْ لَهُ : طَلِّقْنِي ثَلَاثًا عَلَى أَلْفِ دِرْهَمٍ ، أَوْ عَلَى أَنْ لَك عَلَيَّ أَلْفَ دِرْهَمٍ فَطَلَّقَهَا وَاحِدَةً قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى تَقَعُ تَطْلِيقَةً رَجْعِيَّةً ، وَلَيْسَ عَلَيْهَا شَيْءٌ مِنْ الْأَلْفِ ، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى : يَقَعُ عَلَيْهَا تَطْلِيقَةً بَائِنَةً بِثُلُثِ الْأَلْفِ وَحُجَّتُهُمَا فِي ذَلِكَ أَنَّ الْخُلْعَ مِنْ عُقُودِ الْمُعَاوَضَاتِ ، وَحَرْفُ " عَلَى " فِي الْمُعَاوَضَاتِ كَحَرْفِ الْبَاءِ .
أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَا فَرَّقَ بَيْنَ أَنْ يَقُولَ : بِعْتُ مِنْك هَذَا الْمَتَاعَ بِدِرْهَمٍ ، أَوْ عَلَى دِرْهَمٍ ، وَكَذَلِكَ لَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَقُولَ : احْمِلْ هَذَا الْمَتَاعَ إلَى مَوْضِعِ كَذَا بِدِرْهَمٍ ، أَوْ عَلَى دِرْهَمٍ ، فَإِذَا كَانَ عِنْدَ حَرْفِ الْبَاءِ تَتَوَزَّعُ الْأَلْفُ عَلَى التَّطْلِيقَاتِ الثَّلَاثِ ، فَكَذَلِكَ عِنْدَ ذِكْرِ حَرْفِ " عَلَى " يَدُلُّ عَلَيْهِ أَنَّهَا لَوْ قَالَتْ : طَلِّقْنِي وَفُلَانَةَ عَلَى أَلْفِ دِرْهَمٍ فَطَلَّقَهَا وَحْدَهَا كَانَ عَلَيْهَا حِصَّتُهَا مِنْ الْمَالِ بِمَنْزِلَةِ مَا لَوْ الْتَمَسَتْ بِحَرْفِ الْبَاءِ ، فَكَذَلِكَ هُنَا ، وَهَذَا بِخِلَافِ مَا قَالَ فِي السِّيَرِ الْكَبِيرِ : إذَا صَالَحَ الْإِمَامُ أَهْلَ حِصْنٍ عَلَى أَنْ يُؤَمِّنَهُمْ ثَلَاثَ سِنِينَ عَلَى أَلْفِ دِرْهَمٍ ، ثُمَّ بَدَا لَهُ بَعْدَ مُضِيِّ السَّنَةِ أَنْ يَنْبِذَ إلَيْهِمْ يَلْزَمُهُ رَدُّ جَمِيعِ الْمَالِ ، وَلَوْ كَانَ الصُّلْحُ بِحَرْفِ الْبَاءِ يَلْزَمُهُ رَدُّ ثُلُثَيْ الْمَالِ ؛ لِأَنَّ إعْطَاءَ الْأَمَانِ لَيْسَ بِعَقْدِ مُعَاوَضَةٍ ، وَحَرْفُ " عَلَى " لِلشَّرْطِ فَجَعْلُهُ بِمَنْزِلَةِ الْبَاءِ مَجَازًا يُصَارُ إلَيْهِ لِدَلَالَةِ الْمُعَاوَضَةِ ؛ وَلِأَنَّ غَرَضَهُمْ لَا يَحْصُلُ هُنَاكَ فَمَقْصُودُهُمْ أَنْ يَتَحَصَّنُوا فِي هَذِهِ الْمُدَّةِ ، وَلَا يَتَمَكَّنُوا مِنْ ذَلِكَ فِي بَعْضِ الْمُدَّةِ فَلِهَذَا حَمَلْنَا حَرْفَ عَلَى عَلَى الشَّرْطِ ، وَهُنَا مَقْصُودُهَا يَحْصُلُ بِإِيقَاعِ الْوَاحِدَةِ فَكَانَ مَحْمُولًا عَلَى الْمُعَاوَضَةِ بِمَنْزِلَةِ حَرْفِ الْبَاءِ وَأَبُو حَنِيفَةَ

رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى يَقُولُ : حَرْفُ " عَلَى " لِلشَّرْطِ حَقِيقَةً ؛ لِأَنَّهُ حَرْفُ الِالْتِزَامِ ، وَلَا مُقَابَلَةَ بَيْنَ الْوَاقِعِ وَبَيْنَ مَا الْتَزَمَ ، بَلْ بَيْنَهُمَا مُعَاقَبَةٌ كَمَا يَكُونُ بَيْنَ الشَّرْطِ ، وَالْجَزَاءِ ، فَكَانَ مَعْنَى الشَّرْطِ فِيهِ حَقِيقَةً ، وَالتَّمَسُّكُ بِالْحَقِيقَةِ وَاجِبٌ حَتَّى يَقُومَ دَلِيلُ الْمَجَازِ ، وَالطَّلَاقُ مِمَّا يَحْتَمِلُ التَّعْلِيقَ بِالشَّرْطِ ، فَلَا حَاجَةَ إلَى الْعُدُولِ مِنْ الْحَقِيقَةِ إلَى الْمَجَازِ .
فَإِذَا كَانَ مَحْمُولًا عَلَى الْحَقِيقَةِ ، وَالشَّرْطُ يُقَابِلُ الْمَشْرُوطَ جُمْلَةً ، وَلَا يُقَابِلُهُ جُزْءًا فَجُزْءً ، فَإِنَّمَا شَرَطَتْ لِوُجُوبِ الْمَالِ عَلَيْهَا إيقَاعَ الثَّلَاثِ ، فَإِذَا لَمْ يُوقِعْ لَا يَجِبُ شَيْءٌ مِنْ الْمَالِ ؛ وَلِأَنَّ لَهَا فِي ذَلِكَ غَرَضًا صَحِيحًا ، وَهُوَ حُصُولُ الْبَيْنُونَةِ الْغَلِيظَةِ ؛ حَتَّى لَا تَصِيرَ فِي وَثَاقِ نِكَاحِهِ ، وَإِنْ أَكْرَهَهَا عَلَى ذَلِكَ فَاعْتَبَرْنَا مَعْنَى الشَّرْطِ فِي ذَلِكَ لِيَحْصُلَ مَقْصُودُهَا كَمَا فِي مَسْأَلَةِ الْأَمَانِ ، وَكَمَا أَنَّ الْمَالَ فِي الْأَمَانِ نَادِرٌ ، فَكَذَلِكَ فِي الطَّلَاقِ الْغَالِبُ فِيهِ الْإِيقَاعُ بِغَيْرِ بَدَلٍ ، وَبِهَذَا فَارَقَ الْبَيْعَ ، وَالْإِجَارَةَ ؛ لِأَنَّ مَعْنَى الشَّرْطِ هُنَاكَ تَعَذَّرَ اعْتِبَارُهُ ، فَإِنَّهُ لَا يَحْتَمِلُ التَّعْلِيقَ بِالشَّرْطِ ؛ فَلِهَذَا جَعَلْنَا حَرْفَ " عَلَى " بِمَعْنَى حَرْفِ الْبَاءِ ، وَالدَّلِيلُ عَلَى أَنَّ " حَرْفَ " عَلَى لِلشَّرْطِ قَوْله تَعَالَى { إنِّي رَسُولٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ حَقِيقٌ عَلَى أَنْ لَا أَقُولَ عَلَى اللَّهِ إلَّا الْحَقَّ } ، أَيْ بِشَرْطِ أَنْ لَا أَقُولَ ، وَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى { يُبَايِعْنَك عَلَى أَنْ لَا يُشْرِكْنَ بِاَللَّهِ شَيْئًا } ، أَيْ بِشَرْطِ أَنْ لَا يُشْرِكْنَ ، وَهَذَا بِخِلَافِ قَوْلِهِ : طَلِّقْنِي وَفُلَانَةَ عَلَى كَذَا ؛ لِأَنَّهُ لَا غَرَضَ لَهَا فِي طَلَاقِ فُلَانَةَ ؛ لِتَجْعَلَ ذَلِكَ كَالشَّرْطِ مِنْهَا وَلَهَا فِي اشْتِرَاطِ إيقَاعِ الثَّلَاثِ غَرَضٌ صَحِيحٌ كَمَا بَيَّنَّا ، وَإِنْ طَلَّقَهَا ثَلَاثًا فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ مُتَفَرِّقَاتٍ فِي مَجْلِسٍ

وَاحِدٍ ، فَالْأَلْفُ لَازِمَةٌ عَلَيْهَا فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى قِيَاسًا وَاسْتِحْسَانًا ؛ لِأَنَّ شَيْئًا مِنْ الْبَدَلِ لَمْ يَجِبْ بِإِيقَاعِ الْأُولَى وَالثَّانِيَةِ ، وَالْمَجْلِسُ الْوَاحِدُ يَجْمَعُ الْكَلِمَاتِ الْمُتَفَرِّقَةَ وَعِنْدَهُمَا عَلَى الْقِيَاسِ وَالِاسْتِحْسَانِ الَّذِي بَيَّنَّا فِي حَرْفِ الْبَاءِ .

( قَالَ ) : وَإِذَا طَلَّقَ الرَّجُلُ امْرَأَتَهُ ، وَهِيَ فِي الْعِدَّةِ بَعْدَ الْخُلْعِ عَلَى جُعْلٍ وَقَعَ الطَّلَاقُ ، وَلَمْ يَثْبُتْ الْجُعْلُ ، وَكَذَلِكَ الْبَائِنَةُ بَعْدَ الْخُلْعِ يَعْنِي إذَا قَالَ لَهَا : أَنْتِ بَائِنٌ ، ثُمَّ طَلَّقَهَا عَلَى جُعْلٍ فِي الْعِدَّةِ ؛ لِأَنَّهَا بِاعْتِبَارِ قِيَامِ الْعِدَّةِ مَحَلٌّ لِلطَّلَاقِ ، وَالطَّلَاقُ تَعْلِيقًا مِنْ الزَّوْجِ بِشَرْطِ الْقَبُولِ ، وَقَدْ قَبِلَتْ وَلَا يَجِبُ عَلَيْهَا الْجُعْلُ ؛ لِأَنَّ وُجُوبَ الْجُعْلِ عَلَيْهَا بِاعْتِبَارِ زَوَالِ مِلْكِ الزَّوْجِ عَنْهَا ، وَذَلِكَ لَا يَحْصُلُ بَعْدَ الْبَيْنُونَةِ وَلَكِنَّ امْتِنَاعَ وُجُوبِ الْمَقْبُولِ لَا يَمْنَعُ صِحَّةَ الْقَبُولِ فِي حُكْمِ وُقُوعِ الطَّلَاقِ ، كَمَا لَوْ خَالَعَهَا بِبَدَلٍ فَاسِدٍ كَالْخَمْرِ ، وَالْخِنْزِيرِ .

( قَالَ ) : وَإِنْ قَالَ لَهَا بَعْدَ الْبَيْنُونَةِ : خَلَعْتُك يَنْوِي بِهِ الطَّلَاقَ لَمْ يَقَعْ ؛ لِأَنَّ هَذَا اللَّفْظَ بِمَنْزِلَةِ لَفْظِ الْبَيْنُونَةِ ، وَالْحُرْمَةِ ، وَقَدْ بَيَّنَّا أَنَّ ذَلِكَ لَا يَعْمَلُ فِي الْعِدَّةِ بَعْدَ الْفُرْقَةِ ، فَكَذَلِكَ لَفْظُ الْخُلْعِ .
أَلَا تَرَى أَنَّ الْوَاقِعَ بِلَفْظِ الْخُلْعِ يَكُونُ بَائِنًا ، وَإِنْ لَمْ يَذْكُرْ الْبَدَلَ بِمُقَابَلَتِهِ بِخِلَافِ الْوَاقِعِ بِلَفْظِ الطَّلَاقِ ، وَلَوْ قَالَ : كُلُّ امْرَأَةٍ لِي طَالِقٌ لَمْ تَطْلُقْ هَذِهِ الْمُبَانَةُ إلَّا أَنْ يَعْنِيهَا ، فَإِنْ عَنَاهَا طَلُقَتْ ؛ لِأَنَّهُ ، أَوْقَعَ بِهَذَا اللَّفْظِ عَلَى كُلِّ امْرَأَةٍ هِيَ مُضَافَةٌ إلَيْهِ مُطْلَقًا ، وَهِيَ الْمَنْكُوحَةُ ، فَإِنَّهَا تُضَافُ إلَيْهِ مِلْكًا وَيَدًا ، فَأَمَّا الْمُبَانَةُ تُضَافُ إلَيْهِ يَدًا لَا مِلْكًا ، فَكَانَتْ مُقَيَّدَةً فَلَا تَدْخُلُ تَحْتَ الْمُطْلَقِ إلَّا أَنْ يَعْنِيهَا ، كَمَا لَوْ قَالَ : كُلُّ مَمْلُوكٍ لِي فَهُوَ حُرٌّ لَا يَدْخُلُ الْمُكَاتَبُ فِيهِ إلَّا أَنْ يَعْنِيه ، وَلَا يَقَعُ شَيْءٌ مِنْ الطَّلَاقِ بَعْدَ انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ لَهُ عَلَيْهَا مِلْكٌ وَلَا يَدٌ ، وَبِدُونِهِمَا لَا تَكُونُ مَحَلًّا لِإِضَافَةِ الطَّلَاقِ إلَيْهَا ؛ لِأَنَّ الْإِيقَاعَ تَصَرُّفٌ مِنْهُ عَلَى الْمَحَلِّ فَيَسْتَدْعِي وِلَايَتَهُ عَلَى الْمَحَلِّ .

( قَالَ ) : وَإِنْ طَلَّقَهَا عَلَى جُعْلٍ بَعْدَ الطَّلَاقِ الرَّجْعِيِّ جَازَ وَلَزِمَهَا الْجُعْلُ ؛ لِأَنَّ زَوَالَ الْمِلْكِ لَا يَحْصُلُ بِهَذَا الطَّلَاقِ ؛ لِأَنَّ الطَّلَاقَ الرَّجْعِيَّ لَا يُزِيلَ مِلْكَ النِّكَاحِ ، فَإِنَّهُ يَعْتَاضُ عَنْ مِلْكٍ قَائِمٍ لَهُ فَيَصِحُّ كَمَا قَبْلَ الطَّلَاقِ الرَّجْعِيِّ .

( قَالَ ) : وَخُلْعُ السَّكْرَانِ وَطَلَاقُهُ وَعَتَاقُهُ وَاقِعٌ عِنْدَنَا ، وَفِي أَحَدِ قَوْلَيْ الشَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى لَا يَقَعُ ، وَهُوَ اخْتِيَارُ الْكَرْخِيِّ وَالطَّحَاوِيِّ ، وَقَدْ نُقِلَ ذَلِكَ عَنْ عُثْمَانَ ، وَهَذَا ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ لِلسَّكْرَانِ قَصْدٌ صَحِيحٌ ، وَالْإِيقَاعُ يَعْتَمِدُ الْقَصْدَ الصَّحِيحَ ؛ وَلِهَذَا لَا يَصِحُّ مِنْ الصَّبِيِّ ، وَالْمَجْنُونِ .
أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ سَكِرَ مِنْ شُرْبِ الْبَنْجِ لَمْ يَقَعْ طَلَاقُهُ ، فَكَذَلِكَ إذَا سَكِرَ مِنْ النَّبِيذِ ؛ وَلِأَنَّ غَفْلَتَهُ عَنْ نَفْسِهِ فَوْقَ غَفْلَةِ النَّائِمِ ، فَإِنَّ النَّائِمَ يَنْتَبِهُ إذَا نُبِّهَ وَالسَّكْرَانُ لَا يَنْتَبِهُ ، ثُمَّ طَلَاقُ النَّائِمِ لَا يَقَعُ ، فَطَلَاقُ السَّكْرَانِ ، أَوْلَى ، وَلَا مَعْنَى لِقَوْلِ مَنْ يَقُولُ غَفْلَتُهُ هُنَا بِسَبَبِ الْمَعْصِيَةِ ، وَذَلِكَ سَبَبُ لِلتَّشْدِيدِ عَلَيْهِ لَا لِلتَّخْفِيفِ ، فَإِنَّ السَّكْرَانَ لَوْ ارْتَدَّ تَصِحُّ رِدَّتُهُ بِالِاتِّفَاقِ ، وَلَا تَقَعُ الْفُرْقَةُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ امْرَأَتِهِ ، وَلَوْ اُعْتُبِرَ هَذَا الْمَعْنَى ؛ لَحُكِمَ بِصِحَّةِ رِدَّتِهِ ، وَحُجَّتُنَا مَا رَوَيْنَا كُلُّ طَلَاقٍ جَائِزٍ إلَّا طَلَاقَ الصَّبِيِّ ، وَالْمَعْتُوهِ ؛ وَلِأَنَّ السَّكْرَانَ مُخَاطَبٌ ، فَإِذَا صَادَفَ تَصَرُّفُهُ مَحَلَّهُ نَفَذَ كَالصَّاحِي ، وَدَلِيلُ الْوَصْفِ قَوْله تَعَالَى { لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى } ، فَإِنْ كَانَ خِطَابًا بِهِ فِي حَالِ سُكْرِهِ فَهُوَ نَصٌّ ، وَإِنْ كَانَ خِطَابًا لَهُ قَبْلَ سُكْرِهِ فَهُوَ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ مُخَاطَبٌ فِي حَالِ سُكْرِهِ ؛ لِأَنَّهُ لَا يُقَالُ : إذَا جُنِنْت فَلَا تَفْعَلْ كَذَا ، وَهَذَا ؛ لِأَنَّ الْخِطَابَ إنَّمَا يُتَوَجَّهُ بِاعْتِدَالِ الْحَالِ ، وَلَكِنَّهُ أَمْرٌ بَاطِنٌ لَا يُوقَفُ عَلَى حَقِيقَتِهِ فَيُقَامُ السَّبَبُ الظَّاهِرُ الدَّالُّ عَلَيْهِ ، وَهُوَ الْبُلُوغُ عَنْ عَقْلِ مَقَامِهِ ؛ تَيْسِيرًا ، وَبِالسُّكْرِ لَا يَنْعَدِمُ هَذَا الْمَعْنَى ، فَإِذَا ثَبَتَ أَنَّهُ مُخَاطَبٌ قُلْنَا غَفْلَتُهُ عَنْ نَفْسِهِ لَمَّا كَانَتْ بِسَبَبٍ هُوَ مَعْصِيَةٌ ، وَلَا يَسْتَحِقُّ بِهِ التَّخْفِيفَ ،

لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ عُذْرًا فِي الْمَنْعِ مِنْ نُفُوذِ شَيْءٍ مِنْ تَصَرُّفَاتِهِ بَعْدَ مَا تَقَرَّرَ سَبَبُهُ ؛ لِأَنَّ بِالسُّكْرِ لَا يَزُولُ عَقْلُهُ إنَّمَا يَعْجِزُ عَنْ اسْتِعْمَالِهِ ؛ لِغَلَبَةِ السُّرُورِ عَلَيْهِ بِخِلَافِ الْبَنْجِ ، فَإِنَّ غَفْلَتَهُ لَيْسَتْ بِسَبَبٍ هُوَ مَعْصِيَةٌ ، وَمَا يَعْتَرِيهِ نَوْعُ مَرَضٍ لَا أَنْ يَكُونَ سُكْرًا حَقِيقَةً ، فَيَكُونُ بِمَنْزِلَةِ الْإِغْمَاءِ ، وَبِخِلَافِ النَّائِمِ ؛ لِأَنَّ النَّوْمَ يَمْنَعُهُ مِنْ الْعَمَلِ ؛ فَلِانْعِدَامِ الْإِيقَاعِ نَقُولُ : إنَّهُ لَا يَقَعُ ، وَالسُّكْرُ لَا يَمْنَعُهُ مِنْ الْعَمَلِ مَعَ أَنَّ الْغَفْلَةَ بِسَبَبِ النَّوْمِ لَمْ تَكُنْ عَنْ مَعْصِيَةٍ ، وَهَذَا بِخِلَافِ الرِّدَّةِ ، فَإِنَّ الرُّكْنَ فِيهَا الِاعْتِقَادُ ، وَالسَّكْرَانُ غَيْرُ مُعْتَقِدٍ لِمَا يَقُولُ ، فَلَا يُحْكَمُ بِرِدَّتِهِ ، لِانْعِدَامِ رُكْنِهَا لَا لِلتَّخْفِيفِ عَلَيْهِ بَعْدَ تَقَرُّرِ السَّبَبِ .

( قَالَ ) : وَخُلْعُ الْمُكْرَهِ وَطَلَاقُهُ وَعَتَاقُهُ جَائِزٌ عِنْدَنَا ، وَهُوَ بَاطِلٌ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى ، فَتَأْثِيرُ الْإِكْرَاهِ عِنْدَهُ فِي إلْغَاءِ عِبَارَةِ الْمُكْرَهِ كَتَأْثِيرِ الصَّبِيِّ ، وَالْجُنُونِ .
وَعِنْدَنَا تَأْثِيرُ الْإِكْرَاهِ فِي انْعِدَامِ الرِّضَا لَا فِي إهْدَارِ الْقَوْلِ حَتَّى تَنْعَقِدَ تَصَرُّفَاتُ الْمُكْرَهِ ، وَلَكِنْ مَا يَعْتَمِدُ لُزُومُهُ تَمَامَ الرِّضَا كَالْبَيْعِ لَا يَلْزَمُ مِنْهُ ، وَمَا لَا يَعْتَمِدُ تَمَامَ الرِّضَا كَالنِّكَاحِ وَالطَّلَاقِ ، وَالْعَتَاقِ يَلْزَمُ مِنْهُ ، وَحُجَّتُهُ فِي ذَلِكَ قَوْلُهُ : صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { رُفِعَ عَنْ أُمَّتِي الْخَطَأُ وَالنِّسْيَانُ وَمَا اُسْتُكْرِهُوا عَلَيْهِ } ، فَهَذَا يَقْتَضِي أَنَّ عَيْنَ مَا أُكْرِهَ عَلَيْهِ فَحُكْمُهُ وَإِثْمُهُ يَكُونُ مَرْفُوعًا عَنْهُ ، وَالْمَعْنَى فِيهِ أَنَّ هَذِهِ فُرْقَةٌ يَعْتَمِدُ سَبَبُهَا الْقَوْلَ ، فَلَا تَصِحُّ مِنْ الْمُكْرَهِ كَالرِّدَّةِ ، وَتَأْثِيرُهُ أَنَّ الْقَوْلَ إنَّمَا يُعْتَبَرُ شَرْعًا ، إذَا صَدَرَ عَنْ قَصْدٍ صَحِيحٍ وَبِسَبَبِ الْإِكْرَاهِ يَنْعَدِمُ ذَلِكَ الْقَصْدُ ؛ لِأَنَّ الْمُكْرَهَ يَقْصِدُ دَفْعَ الشَّرِّ عَنْ نَفْسِهِ لَا عَيْنَ مَا تَكَلَّمَ بِهِ ، وَهُوَ مُضْطَرٌّ إلَى هَذَا الْقَصْدِ وَالِاخْتِيَارِ أَيْضًا فَيَفْسُدُ قَصْدُهُ شَرْعًا .
أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ أُكْرِهَ عَلَى الْإِقْرَارِ بِالطَّلَاقِ كَانَ إقْرَارُهُ لَغْوًا ؛ لِهَذَا يُقَرِّرُهُ أَنَّ تَأْثِيرَ الْإِكْرَاهِ الْمُبِيحِ لِلْإِقْدَامِ فِي جَعْلِ الْمُكْرَهِ آلَةً لِلْمُكْرِهِ وَإِعْدَامِ الْفِعْلِ مِنْ الْمُكْرَهِ ، كَمَا فِي الْإِكْرَاهِ عَلَى إتْلَافِ الْمَالِ فَيُجْعَلُ الْمُكْرَهُ آلَةً ، وَيَصِيرُ كَأَنَّ الْمُكْرَهَ هُوَ الَّذِي تَكَلَّمَ بِالْإِيقَاعِ فَيَكُونُ لَغْوًا .
أَلَا تَرَى أَنَّ حَقَّ إبْقَاءِ قَدْرِ الْمِلْكِ عَلَى الْمُكْرَهِ جُعِلَ كَالْآلَةِ ؛ حَتَّى يَكُونَ الْمُكْرَهُ ضَامِنًا قِيمَةَ عَبْدِهِ عِنْدَكُمْ إذَا أَكْرَهَهُ عَلَى أَنْ يَعْتِقَهُ ، وَيَكُونُ ضَامِنًا نِصْفَ الصَّدَاقِ إذَا أَكْرَهَهُ عَلَى الطَّلَاقِ قَبْلَ الدُّخُولِ ، فَكَذَلِكَ فِي إبْقَاءِ عَيْنِ

الْمِلْكِ عَلَيْهِ يُجْعَلُ آلَةً لَهُ ، وَحُجَّتنَا فِي ذَلِكَ مَا رُوِيَ { أَنَّ امْرَأَةً كَانَتْ تُبْغِضُ زَوْجَهَا فَوَجَدَتْهُ نَائِمًا فَأَخَذَتْ شَفْرَةً وَجَلَسَتْ عَلَى صَدْرِهِ ، ثُمَّ حَرَّكَتْهُ ، فَقَالَتْ : لِتُطَلِّقَنِي ثَلَاثًا ، أَوْ لَأَذْبَحَنَّكَ ، فَنَاشَدَهَا اللَّهَ تَعَالَى فَأَبَتْ فَطَلَّقَهَا ثَلَاثًا ، ثُمَّ جَاءَ إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَسَأَلَهُ عَنْ ذَلِكَ ، فَقَالَ : صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا قَيْلُولَةَ فِي الطَّلَاقِ } ، وَاسْتَكْثَرَ مُحَمَّدٌ مِنْ الِاسْتِدْلَالِ بِالْآثَارِ فِي أَوَّلِ كِتَابِ الْإِكْرَاهِ حَتَّى رَوَى عَنْ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ أَرْبَعٌ مُبْهَمَاتٌ مُقْفَلَاتٌ لَيْسَ فِيهِنَّ رَدِيدٌ : النِّكَاحُ وَالطَّلَاقُ ، وَالْعَتَاقُ وَالصَّدَقَةُ ، وَالْمَعْنَى فِيهِ أَنَّهُ مُكَلَّفٌ ، أَوْقَعَ الطَّلَاقَ فِي مَحَلِّهِ فَيَقَعُ كَالطَّائِعِ ، وَتَفْسِيرُ الْوَصْفِ أَنَّ الْإِكْرَاهَ لَا يُزِيلُ الْخِطَابَ ، أَمَّا فِي غَيْرِ مَا أُكْرِهَ عَلَيْهِ ، فَلَا إشْكَالَ ، وَفِيمَا أُكْرِهَ عَلَيْهِ كَذَلِكَ حَتَّى تُنَوَّعَ عَلَيْهِ أَفْعَالُهُ فَتَارَةً يُبَاحُ لَهُ الْإِقْدَامُ ، وَتَارَةً يُفْتَرَضُ عَلَيْهِ كَشُرْبِ الْخَمْرِ ، وَتَارَةً يُحَرَّمُ عَلَيْهِ كَالْقَتْلِ وَالزِّنَا ، وَذَلِكَ لَا يَكُونُ إلَّا بِاعْتِبَارِ الْخِطَابِ ، وَتَأْثِيرُهُ أَنَّ انْعِقَادَ التَّصَرُّفِ بِوُجُودِ رُكْنِهِ وَمَحَلِّهِ ، وَلَا يَنْعَدِمُ بِسَبَبِ الْإِكْرَاهِ ، ذَلِكَ إنَّمَا يَنْعَدِمُ الرِّضَا بِهِ ، وَالرِّضَا لَيْسَ بِشَرْطٍ ؛ لِوُقُوعِ الطَّلَاقِ .
أَلَا تَرَى أَنَّ الرِّضَا بِاشْتِرَاطِ الْخِيَارِ يَنْعَدِمُ ، وَلَا يَمْنَعُ لُزُومَ الطَّلَاقِ ، فَكَذَلِكَ الْإِكْرَاهُ وَبِسَبَبِ الْإِكْرَاهِ لَا يَنْعَدِمُ الْقَصْدُ الصَّحِيحُ ، فَإِنَّ الْمُكْرَهَ يَقْصِدُ مَا بَاشَرَهُ وَلَكِنْ لِغَيْرِهِ ، وَهُوَ دَفْعُ الشَّرِّ عَنْ نَفْسِهِ لَا لِعَيْنِهِ فَهُوَ كَالْهَازِلِ يَكُونُ قَاصِدًا التَّكَلُّمَ بِالطَّلَاقِ ، وَلَكِنْ لِلْعَبَثِ لَا لِعَيْنِهِ ثُمَّ الْهَزْلُ لَا يَمْنَعُ وُقُوعَ الطَّلَاقِ ، فَكَذَلِكَ الْإِكْرَاهُ وَلِلْمُكْرَهِ اخْتِيَارٌ صَحِيحٌ ؛ لِأَنَّهُ عَرَفَ

الشَّرَّيْنِ فَاخْتَارَ أَهْوَنَهُمَا ، وَهَذَا دَلِيلُ صِحَّةِ اخْتِيَارِهِ إلَّا أَنَّهُ لَا يُحْكَمُ بِصِحَّةِ رِدَّتِهِ ؛ لِأَنَّهَا تَنْبَنِي عَلَى الِاعْتِقَادِ ، وَهُوَ غَيْرُ مُعْتَقِدٍ ، وَفِيمَا يُخْبِرُ بِهِ عَنْ اعْتِقَادِهِ مُكْرَهٌ ، فَذَلِكَ دَلِيلٌ ظَاهِرٌ عَلَى أَنَّهُ غَيْرُ مُعْتَقِدٍ بِخِلَافِ الْهَازِلِ ، فَإِنَّهُ مُسْتَخِفٌّ بِالدِّينِ ، وَالِاسْتِخْفَافُ بِالدِّينِ كُفْرٌ ، وَبِخِلَافِ الْإِقْرَارِ بِالطَّلَاقِ ، فَإِنَّهُ خَبَرٌ مُتَمَثِّلٌ بَيْنَ الصِّدْقِ ، وَالْكَذِبِ ، وَقِيَامُ السَّبَبِ عَلَى رَأْسِهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ كَاذِبٌ ، وَالْمَخْبَرُ بِهِ إذَا كَانَ كَذِبًا ؛ فَالْإِخْبَارُ عَنْهُ لَا يَصِيرُ صِدْقًا وَلَا مَعْنَى لِجَعْلِ الْمُكْرَهِ آلَةً لِلْمُكْرِهِ هُنَا ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا يُجْعَلُ بِالْإِكْرَاهِ آلَةً فِيمَا يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ فِيهِ آلَةً لِغَيْرِهِ دُونَ مَا لَا يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ كَذَلِكَ ، وَفِي التَّكَلُّمِ لَا يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ آلَةً لِغَيْرِهِ ؛ إذْ لَا يَتَحَقَّقُ تَكَلُّمُ الْمَرْءِ بِلِسَانِ غَيْرِهِ فَبَقِيَ مَقْصُورًا عَلَيْهِ ، وَلَكِنْ فِي حُكْمِ الْإِتْلَافِ يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ آلَةً لِغَيْرِهِ ؛ فَلِهَذَا كَانَ الضَّمَانُ عَلَى الْمُكْرَهِ مَعَ أَنَّ الْخِلَافَ ثَابِتٌ فِي الْإِكْرَاهِ بِالْحَبْسِ ، وَهَذَا النَّوْعُ مِنْ الْإِكْرَاهِ لَا يَجْعَلُ الْمُكْرَهَ آلَةً لِلْمُكْرِهِ ، وَالْمُرَادُ بِالْحَدِيثِ رَفْعُ الْإِثْمِ عَنْ الْمُكْرَهِ لَا رَفْعُ الْعَيْنِ ، وَالْحُكْمِ ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ أُكْرِهَ أَنْ يُجَامِعَ أُمَّ امْرَأَتِهِ وَجَبَ عَلَيْهِ الْغُسْلُ ، وَحُرِّمَتْ عَلَيْهِ امْرَأَتُهُ بِذَلِكَ .
.

( قَالَ ) : وَخُلْعُ الصَّبِيِّ وَطَلَاقُهُ بَاطِلٌ ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ لَهُ قَصْدٌ مُعْتَبَرٌ شَرْعًا خُصُوصًا فِيمَا يَضُرُّهُ ، وَهَذَا ؛ لِمَا بَيَّنَّا أَنَّ اعْتِبَارَ الْقَصْدِ يَنْبَنِي عَلَى الْخِطَابِ ، وَالْخِطَابُ يَنْبَنِي عَلَى اعْتِدَالِ الْحَالِ ، وَكَذَلِكَ فِعْلُ أَبِيهِ عَلَيْهِ فِي الطَّلَاقِ بَاطِلٌ ؛ لِأَنَّ الْوِلَايَةَ إنَّمَا تَثْبُتُ عَلَى الصَّبِيِّ ؛ لِمَعْنَى النَّظَرِ لَهُ ؛ وَلِتَحَقُّقِ الْحَاجَةِ إلَيْهِ ، وَذَلِكَ لَا يَتَحَقَّقُ فِي الطَّلَاقِ ، وَالْعَتَاقِ .

( قَالَ ) : وَالْمَعْتُوهُ ، وَالْمُغْمَى عَلَيْهِ مِنْ مَرَضٍ بِمَنْزِلَةِ الصَّبِيِّ فِي ذَلِكَ ؛ لِانْعِدَامِ الْقَصْدِ الصَّحِيحِ مِنْهُمَا .

( قَالَ ) : وَإِذَا اخْتَلَعَتْ الصَّبِيَّةُ مِنْ زَوْجِهَا الْكَبِيرِ فَالطَّلَاقُ وَاقِعٌ عَلَيْهَا ؛ لِأَنَّ الزَّوْجَ مِنْ أَهْلِ الْإِيقَاعِ وَإِيجَابُ الْخُلْعِ تَعْلِيقُ الطَّلَاقِ بِشَرْطِ قَبُولِهَا ، وَقَدْ تَحَقَّقَ الْقَبُولُ مِنْهَا فَيَقَعُ كَمَا لَوْ قَالَ لَهَا : إنْ تَكَلَّمْتِ فَأَنْتِ طَالِقٌ فَتَكَلَّمَتْ ، وَلَكِنْ لَا يَلْزَمُهَا الْمَالُ ؛ لِأَنَّ الْتِزَامَ الْمَالِ مِنْ الصَّبِيَّةِ لَا يَصِحُّ خُصُوصًا فِيمَا لَا مَنْفَعَةَ لَهَا فِيهِ كَالِالْتِزَامِ بِالْإِقْرَارِ ، وَالْكَفَالَةِ ، وَقَدْ بَيَّنَّا أَنَّ وُقُوعَ الطَّلَاقِ يَعْتَمِدُ الْقَبُولَ لَا وُجُودَ الْمَقْبُولِ ، وَكَذَلِكَ الْأَمَةُ إذَا اخْتَلَعَتْ مِنْ زَوْجِهَا بِغَيْرِ إذْنِ الْمَوْلَى فَالطَّلَاقُ وَاقِعٌ عَلَيْهَا ، وَلَا تُؤَاخَذُ بِالْمَالِ إلَّا بَعْدَ الْعِتْقِ ؛ لِأَنَّهَا مُخَاطَبَةٌ يَصِحُّ الْتِزَامُهَا فِي حَقِّ نَفْسِهَا دُونَ الْمَوْلَى فَتُؤَاخَذُ بِهِ بَعْدَ الْعِتْقِ كَمَا لَوْ الْتَزَمَتْ بِالْإِقْرَارِ ، وَالْكَفَالَةِ ، وَإِنْ فَعَلَتْهُ بِإِذْنِ الْمَوْلَى سَعَتْ فِيهِ ؛ لِأَنَّ الْتِزَامَهَا الْمَالَ بِإِذْنِ الْمَوْلَى صَحِيحٌ فِي حَقِّ الْمَوْلَى فَتُؤَاخَذُ بِهِ فِي الْحَالِ ، وَالْمُدَبَّرَةُ وَأُمُّ الْوَلَدِ فِي ذَلِكَ سَوَاءٌ كَالْأَمَةِ إلَّا أَنَّهَا لَا تَحْتَمِلُ الْبَيْعَ فَتُؤَدِّي الْبَدَلَ مِنْ كَسْبِهَا إذَا الْتَزَمَتْ بِإِذْنِ الْمَوْلَى ، فَأَمَّا الْمُكَاتَبَةُ لَا تُؤَاخَذُ بِبَدَلِ الْخُلْعِ إلَّا بَعْدَ الْعِتْقِ سَوَاءٌ اخْتَلَعَتْ بِإِذْنِ الْمَوْلَى ، أَوْ بِغَيْرِ إذْنِهِ ؛ لِأَنَّ إذْنَ الْمَوْلَى غَيْرُ مُعْتَبَرٍ فِي إلْزَامِ الْمَالِ إيَّاهَا ، أَلَا تَرَى أَنَّ الْمَوْلَى لَا يَمْلِكُ أَنْ يُلْزِمَهَا الْمَالَ ، وَلَا تَأْثِيرَ لِلْكِتَابَةِ فِي فَكِّ الْحَجْرِ عَنْ الْتِزَامِ الْمَالِ بِسَبَبِ الْخُلْعِ ؛ فَلِهَذَا تُؤَاخَذُ بِهِ بَعْدَ الْعِتْقِ .

( قَالَ ) : وَإِذَا وَكَّلَ أَحَدُ الزَّوْجَيْنِ صَبِيًّا ، أَوْ مَعْتُوهًا ، أَوْ مَمْلُوكًا بِالْقِيَامِ مَقَامَهُ بِالْخُلْعِ وَالِاخْتِلَاعِ جَازَ ذَلِكَ ؛ لِأَنَّ الْوَكِيلَ بِهَذَا الْعَقْدِ سَفِيرٌ مُعَبِّرٌ عَنْ الْمُوَكِّلِ ، وَلِهَؤُلَاءِ عِبَارَةٌ مُعْتَبَرَةٌ حَتَّى يَنْفُذَ تَصَرُّفُهُمْ بِإِذْنِ الْمَوْلَى فَيَنْفُذُ الْعَقْدُ بِعِبَارَتِهِمْ أَيْضًا .

( قَالَ ) : وَإِذَا خَلَعَ الرَّجُلُ ابْنَتَهُ الصَّغِيرَةَ مِنْ زَوْجِهَا عَلَى صَدَاقِهَا وَلَمْ يَدْخُلْ بِهَا فَإِنْ لَمْ يَضْمَنْ الْأَبُ فَهُوَ بَاطِلٌ ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ لَهُ وِلَايَةُ إلْزَامِ الْمَالِ إيَّاهَا بِهَذَا السَّبَبِ إذْ لَا مَنْفَعَةَ لَهَا فِيهِ ، وَلَا يَدْخُلُ فِي مِلْكِهَا بِمُقَابَلَةِ شَيْءٍ بِخِلَافِ مَا لَوْ زَوَّجَ ابْنَهُ الصَّغِيرَ بِمَالِهِ ، فَإِنَّ ذَلِكَ الْعَقْدَ مِنْ مَصَالِحِهِ ، وَيَدْخُلُ فِي مِلْكِهِ شَيْءٌ مُتَقَوِّمٌ بِإِزَاءِ مَا يَلْزَمُهُ مِنْ الْمَالِ فَإِنْ ضَمِنَ الْأَبُ الْمَالَ جَازَ الْخُلْعُ ؛ لِأَنَّ الزَّوْجَ يَنْفَرِدُ بِالْإِيقَاعِ ، وَاشْتِرَاطُ الْقَبُولِ فِي الْخُلْعِ ؛ لِأَجْلِ الْمَالِ ، فَإِذَا كَانَ الْأَبُ هُوَ الْمُلْتَزِمَ لِلْمَالِ بِضَمَانِهِ يُتِمُّ الْخُلْعَ كَمَا لَوْ خَالَعَ امْرَأَتَهُ مَعَ أَجْنَبِيٍّ عَلَى مَالٍ ، وَضَمِنَ الْأَجْنَبِيُّ مِنْ أَصْحَابِنَا مَنْ يَقُولُ : تَأْوِيلُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ إذَا خَالَعَهَا عَلَى مَالٍ مِثْلَ الصَّدَاقِ ، فَأَمَّا إذَا خَالَعَهَا عَلَى الصَّدَاقِ يَنْبَغِي أَنْ لَا يَصِحَّ ؛ لِأَنَّهُ عَيْنُ مِلْكِهَا .
، وَلَيْسَ لِلْأَبِ وِلَايَةُ إخْرَاجِ عَيْنٍ عَنْ مِلْكِهَا بِغَيْرِ عِوَضٍ ، وَلَا مُعْتَبَرٌ بِضَمَانِهِ فِي ذَلِكَ ، وَلَكِنَّا نَقُولُ ، وَإِنْ سَمَّى الصَّدَاقَ فِي الْخُلْعِ فَإِنَّمَا يَتَنَاوَلُ الْعَقْدُ مِثْلَهُ ، فَضَمَانُ الْأَبِ إيَّاهُ صَحِيحٌ ، وَإِسْقَاطُهُ حَقَّهَا فِي نِصْفِ الصَّدَاقِ بَاطِلٌ فَيَغْرَمُ الزَّوْجُ لَهَا نِصْفَ الصَّدَاقِ ، كَمَا لَوْ طَلَّقَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ ، وَيَرْجِعُ الزَّوْجُ عَلَى الْأَبِ بِمَا يَضْمَنُ مِنْ ذَلِكَ ؛ لِأَنَّهُ قَدْ ضَمِنَ لِلزَّوْجِ ، وَإِنْ كَانَ قَدْ دَخَلَ بِهَا ، فَلَهَا أَنْ تَرْجِعَ بِجَمِيعِ مَهْرِهَا عَلَى الزَّوْجِ ؛ لِأَنَّ حَقَّهَا فِي جَمِيعِ الْمَهْرِ تَأَكَّدَ بِالدُّخُولِ فَلَا يَمْلِكُ الْأَبُ إبْطَالَ حَقِّهَا عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ ، وَلَكِنَّهَا تَرْجِعُ بِالصَّدَاقِ عَلَى الزَّوْجِ ، وَالزَّوْجُ عَلَى الْأَبِ بِحُكْمِ الضَّمَانِ ، أَوْ تَرْجِعُ عَلَى الْأَبِ بِجَمِيعِ الصَّدَاقِ هُنَا وَبِنِصْفِ الصَّدَاقِ فِي الْأَوَّلِ ؛ لِأَنَّ الْأَبَ يَصِيرُ كَالْمُعَاوِضِ مَعَ

الزَّوْجِ بِمَا ضَمِنَهُ لِلزَّوْجِ مِمَّا لَهَا عَلَيْهِ ( قَالَ ) : وَلَوْ كَانَتْ كَبِيرَةً ، فَإِنْ كَانَ خُلْعُ الْأَبِ بِإِذْنِ الْبِنْتِ جَازَ ذَلِكَ عَلَيْهَا ، وَإِنْ كَانَ بِغَيْرِ إذْنِهَا ، وَقَدْ ضَمِنَ الْأَبُ لِلزَّوْجِ ، فَالْخُلْعُ جَائِزٌ وَتَرْجِعُ هِيَ بِالصَّدَاقِ عَلَى زَوْجِهَا ، ثُمَّ الزَّوْجُ عَلَى الْأَبِ بِحُكْمِ ضَمَانِهِ ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ لَهُ وِلَايَةُ الْمُعَارَضَةِ فِي مَالِهَا .

( قَالَ ) : وَكُلُّ خُلْعٍ كَانَ بِجُعْلٍ فَامْتَنَعَ وُجُوبُ الْجُعْلِ ؛ إمَّا لِفَسَادِهِ كَالْخَمْرِ ، أَوْ ؛ لِأَنَّ الْمُلْتَزِمَ لَمْ يَكُنْ مِنْ أَهْلِهِ كَالصَّغِيرَةِ فَالْوَاقِعُ بِهِ طَلَاقٌ بَائِنٌ ؛ لِأَنَّ لَفْظَ الْخُلْعِ لَيْسَ بِصَرِيحٍ فِي الطَّلَاقِ ، وَلَكِنَّهُ يُشْبِهُ الْفُرْقَةَ كَالْبَيْنُونَةِ ، وَالْحُرْمَةِ وَكُلُّ تَطْلِيقَةٍ ، أَوْ تَطْلِيقَتَيْنِ بِجُعْلٍ أَبْطَلْتُ الْجُعْلَ وَأَمْضَيْتُ فِيهِ الطَّلَاقَ ، فَالطَّلَاقُ رَجْعِيٌّ ، إذَا كَانَ قَدْ دَخَلَ بِهَا ؛ لِأَنَّ الْوُقُوعَ بِصَرِيحِ لَفْظِ الطَّلَاقِ فَلَا يُوجِبُ الْبَيْنُونَةَ إلَّا بِعِوَضٍ ، وَلَمْ يَجِبْ الْعِوَضُ .

( قَالَ ) : وَلَوْ خَلَعَ ابْنَتَهُ الْكَبِيرَةَ بِصَدَاقِهَا وَضَمِنَهُ لِلزَّوْجِ فَبَلَغَهَا فَأَجَازَتْ لَمْ يَضْمَنْ الْأَبُ شَيْئًا ؛ لِأَنَّ إجَازَتَهَا فِي الِانْتِهَاءِ كَإِذْنِهَا فِي الِابْتِدَاءِ ، وَكَذَلِكَ لَوْ خَلَعَهَا بِالنَّفَقَةِ وَضَمِنَهَا لَهُ بِغَيْرِ أَمْرِهَا ، فَإِنْ أَجَازَتْ ، فَلَا شَيْءَ عَلَى الْأَبِ ، وَإِنْ أَبَتْ فَلَهَا أَنْ تَتْبَعَ الزَّوْجَ بِالنَّفَقَةِ ؛ لِأَنَّهَا حَقُّهَا كَالصَّدَاقِ ، فَلَا يَعْمَلُ إسْقَاطُ الْأَبِ لِحَقِّهَا وَيَرْجِعُ الزَّوْجُ عَلَى الْأَبِ بِمَا ضَمِنَ لَهُ مِنْ ذَلِكَ ، وَكَذَلِكَ لَوْ فَعَلَ هَذَا غَيْرُ الْأَبِ مِنْ الْأَقَارِبِ ، وَالْأَجَانِبِ ؛ لِأَنَّهُ لَا وِلَايَةَ لِلْأَبِ عَلَيْهَا فِي هَذَا التَّصَرُّفِ فَهُوَ ، وَالْأَجْنَبِيُّ فِيهِ سَوَاءٌ .

( قَالَ ) : وَإِذَا اخْتَلَعَتْ بِمَالٍ وَدَفَعَتْهُ إلَيْهِ ، ثُمَّ أَقَامَتْ الْبَيِّنَةَ أَنَّهُ طَلَّقَهَا ثَلَاثًا قَبْلَ الْخُلْعِ كَانَ لَهَا أَنْ تَرْجِعَ عَلَيْهِ بِالْمَالِ ؛ لِأَنَّهُ تَبَيَّنَ بِهَذَا أَنَّ الْبَيْنُونَةَ لَمْ تَحْصُلْ بِمَا الْتَزَمَتْ مِنْ الْمَالِ فَلَا يَكُونُ الْتِزَامُهَا صَحِيحًا ، وَإِقْدَامُهَا عَلَى الْخُلْعِ لَا يَمْنَعُهَا مِنْ إقَامَةِ هَذِهِ الْبَيِّنَةِ ؛ لِأَنَّ دَعْوَاهَا فِي قَبُولِ الْبَيِّنَةِ عَلَى الطَّلَاقِ لَيْسَ بِشَرْطٍ ، فَالتَّنَاقُضُ مِنْهَا لَا يَمْنَعُ قَبُولَ الْبَيِّنَةِ ، وَكَذَلِكَ لَوْ أَقَامَتْ الْبَيِّنَةَ عَلَى حُرْمَةٍ بِنَسَبٍ أَوْ رَضَاعٍ ، أَوْ مُصَاهَرَةٍ .

( قَالَ ) : وَإِذَا قَالَتْ الْمَرْأَةُ : اخْلَعْنِي ، وَلَك أَلْفِ دِرْهَمٍ ، أَوْ قَالَتْ طَلِّقْنِي ، وَلَك أَلْفُ دِرْهَمٍ ، فَفَعَلَ وَقَعَ الطَّلَاقُ ، وَلَمْ يَجِبْ الْمَالُ عَلَيْهَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ .
وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ يَجِبُ الْمَالُ لِوَجْهَيْنِ : أَحَدُهُمَا أَنَّ الْوَاوَ ، وَإِنْ كَانَ لِلْعَطْفِ حَقِيقَةً ، فَقَدْ يُسْتَعْمَلُ بِمَعْنَى الْبَاءِ مَجَازًا كَمَا فِي الْقَسَمِ ، فَإِنَّ قَوْلَهُ : وَاَللَّهِ كَقَوْلِهِ بِاَللَّهِ فَقَوْلُهَا وَلَك أَلْفٌ بِمَنْزِلَةِ قَوْلِهَا : طَلِّقْنِي بِأَلْفٍ ، أَوْ بِعْنِي طَلَاقِي بِأَلْفٍ ، وَإِنَّمَا حَمَلْنَاهُ عَلَى هَذَا الْمَجَازِ ؛ لِمَعْنَى الْمُعَاوَضَةِ ؛ لِأَنَّ الْخُلْعَ مُعَاوَضَةٌ ، وَفِي الْمُعَاوَضَاتِ لَا يُعْطَفُ أَحَدُ الْعِوَضَيْنِ عَلَى الْآخَرِ ، إنَّمَا يُلْصَقُ أَحَدُهُمَا بِالْآخَرِ ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ قَالَ : احْمِلْ هَذَا الْمَتَاعَ إلَى بَيْتِي وَلَك دِرْهَمٌ كَانَ هَذَا ، وَقَوْلُهُ : احْمِلْهُ بِدِرْهَمٍ سَوَاءٌ حَتَّى يَجِبَ الْمَالُ إذَا حَمَلَهُ ؛ وَلِأَنَّ هَذَا الْوَاوَ بِمَعْنَى وَاوِ الْحَالِ ، كَقَوْلِ الْمَوْلَى لِعَبْدِهِ : أَدِّ إلَيَّ أَلْفًا ، وَأَنْتَ حُرٌّ ، وَقَوْلِ الْغَازِي لِلْمَحْصُورِ : افْتَحْ الْبَابَ ، وَأَنْتَ آمِنٌ .
وَقَدْ بَيَّنَّا فِيمَا سَبَقَ أَنَّ الْوَاوَ قَدْ تَكُونُ لِلْحَالِ كَمَا فِي قَوْلِهِ : أَنْتِ طَالِقٌ وَأَنْتِ مَرِيضَةٌ ، وَإِذَا كَانَتْ لِلْحَالِ كَانَتْ هِيَ مُلْتَزِمَةٌ الْمَالَ لَهُ حَالَ إيقَاعِ الطَّلَاقِ عَلَيْهَا ، وَذَلِكَ لَا يَكُونُ إلَّا عِوَضًا وَأَبُو حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى يَقُولُ : الْوَاوُ لِلْعَطْفِ حَقِيقَةً ، وَالْحَمْلُ عَلَى الْحَقِيقَةِ وَاجِبٌ حَتَّى يَقُومَ الدَّلِيلُ عَلَى الْمَجَازِ ، وَبِاعْتِبَارِ الْعَطْفِ تَبَيَّنَ أَنَّ الْأَلْفَ لَيْسَ بِعِوَضٍ عَنْ الطَّلَاقِ ، وَلَا وَجْهَ لِحَمْلِهَا عَلَى الْبَاءِ ، أَوْ وَاوِ الْحَالِ ؛ لِمَعْنَى الْمُعَاوَضَةِ ؛ لِأَنَّ الْمَالَ فِي الطَّلَاقِ نَادِرٌ ، وَالْمُعْتَادُ فِيهِ الْإِيقَاعُ بِغَيْرِ عِوَضٍ بِخِلَافِ الْإِجَارَةِ ، فَالْعِوَضُ فِيهِ أَصْلٌ لَا تَصِحُّ الْإِجَارَةُ بِدُونِهِ ، وَبِخِلَافِ

قَوْلِهِ : أَدِّ إلَيَّ أَلْفًا ، وَأَنْتَ حُرٌّ ؛ لِأَنَّ أَوَّلَ كَلَامِهِ هُنَاكَ غَيْرُ مُفِيدٍ شَرْعًا إلَّا بِآخِرِهِ ، فَإِنَّهُ يَصِيرُ بِهِ تَعْلِيقًا لِلْعِتْقِ بِأَدَاءِ الْمَالِ ، وَهُنَا أَوَّلُ الْكَلَامِ إنْ صَدَرَ مِنْ الزَّوْجِ ، بِأَنْ قَالَ : أَنْتِ طَالِقٌ ، وَعَلَيْك أَلْفُ دِرْهَمٍ كَانَ إيقَاعًا مُفِيدًا دُونَ آخِرِهِ ، فَلَا حَاجَةَ إلَى أَنْ يَحْمِلَهُ عَلَى الْحَالِ ، وَإِنْ صَدَرَ مِنْهَا فَهُوَ الْتِمَاسٌ مُفِيدٌ أَيْضًا ؛ فَلِهَذَا لَا يُحْمَلُ عَلَى وَاوِ الْحَالِ ، بَلْ هُوَ بِمَعْنَى الْعَطْفِ ، فَمَعْنَاهُ وَلَك أَلْفُ دِرْهَمٍ فِي بَيْتِك ، أَوْ بِمَعْنَى الِابْتِدَاءِ ، فَيَكُونُ وَعْدًا مِنْهَا إيَّاهُ بِالْمَالِ ، وَالْمَوَاعِيدُ لَا يَتَعَلَّقُ بِهَا اللُّزُومُ ؛ وَلِأَنَّ أَدْنَى مَا يَكُونُ فِي الْبَابِ أَنْ يَكُونَ حَرْفُ الْوَاوِ مُحْتَمِلًا لِجَمِيعِ مَا ذَكَرْنَا ، فَالْمَالُ بِالشَّكِّ لَا يَجِبُ .
.

( قَالَ ) : وَإِذَا قَالَتْ : طَلِّقْنِي ، وَلَك أَلْفُ دِرْهَمٍ ، فَقَالَ : أَنْتِ طَالِقٌ عَلَى هَذِهِ الْأَلْفِ الَّتِي سَمَّيْتِ .
فَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى الطَّلَاقُ وَاقِعٌ ، وَالْمَالُ عَلَيْهَا قَبِلَتْ ، أَوْ لَمْ تَقْبَلْ ؛ لِأَنَّهَا بِالْكَلَامِ الْأَوَّلِ مُلْتَزِمَةٌ لِلْمَالِ عِنْدَهُمَا فَبَقِيَ ، وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى بِالْكَلَامِ الْأَوَّلِ لَمْ تَكُنْ مُلْتَزِمَةً لِلْمَالِ ، فَبَقِيَ إيقَاعُ الزَّوْجِ عَلَيْهَا بِمَالٍ ابْتِدَاءً ، فَإِنْ قَبِلَتْ وَقَعَ الطَّلَاقُ ، وَلَزِمَهَا الْمَالُ ، وَإِنْ لَمْ تَقْبَلْ لَا يَقَعْ عَلَيْهَا شَيْءٌ ، وَلَوْ قَالَتْ : طَلِّقْنِي ثَلَاثًا عَلَى أَنَّ لَك عَلَيَّ أَلْفَ دِرْهَمٍ ، فَطَلَّقَهَا ثَلَاثًا لَزِمَهَا الْمَالُ ؛ لِأَنَّهَا صَرَّحَتْ بِحَرْفِ عَلَى ، وَهُوَ لِالْتِزَامِ الْمَالِ ، وَلَوْ كَانَ طَلَّقَهَا اثْنَتَيْنِ قَبْلَ هَذَا ، فَقَالَتْ : طَلِّقْنِي ثَلَاثًا عَلَى أَنَّ لَك أَلْفًا فَطَلَّقَهَا وَاحِدَةً لَزِمَهَا الْأَلْفُ ؛ لِأَنَّ الْأَلْفَ بِإِزَاءِ مَا يَصِحُّ فِيهِ الْتِمَاسُهَا مِنْ الزَّوْجِ ، وَذَلِكَ إيقَاعُ مَا لَيْسَ بِوَاقِعٍ ، وَهِيَ التَّطْلِيقَةُ الثَّالِثَةُ ، فَأَمَّا إيقَاعُ مَا هُوَ وَاقِعٌ لَا يَتَحَقَّقُ ، فَكَانَ تَكَلُّمُهَا بِهِ لَغْوًا غَيْرَ مُعْتَدٍّ بِهِ ؛ وَلِأَنَّهَا الْتَزَمَتْ الْمَالَ ؛ لِحُصُولِ الْبَيْنُونَةِ الْغَلِيظَةِ لَهَا ، وَقَدْ تَمَّ ذَلِكَ بِإِيقَاعِ الثَّالِثَةِ .

( قَالَ ) : وَإِذَا قَالَ الرَّجُلُ : طَلَّقْتُك أَمْسِ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ أَوْ عَلَى أَلْفِ دِرْهَمٍ فَلَمْ تَقْبَلِي ، وَقَالَتْ : قَدْ قَبِلْتُ ، فَالْقَوْلُ قَوْلُ الزَّوْجِ مَعَ يَمِينِهِ ؛ لِأَنَّ إيجَابَ الطَّلَاقِ بِمَالٍ تَعْلِيقٌ بِقَبُولِهَا ، فَالزَّوْجُ أَقَرَّ بِالتَّعْلِيقِ وَأَنْكَرَ وُجُودَ الشَّرْطِ ، فَكَانَ الْقَوْلُ قَوْلَهُ كَمَا لَوْ عَلَّقَ بِدُخُولِهَا ، فَقَالَتْ قَدْ دَخَلْت وَأَنْكَرَ الزَّوْجُ ذَلِكَ ، وَهَذَا بِخِلَافِ الْبَيْعِ إذْ قَالَ : قَدْ بِعْتُ مِنْك هَذَا الْعَبْدَ أَمْسِ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ فَلَمْ تَقْبَلْ ، وَقَالَ الْمُشْتَرِي : قَدْ قَبِلْتُ ، فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُشْتَرِي ؛ لِأَنَّ الْبَيْعَ عَقْدُ مُعَاوَضَةٍ لَا يَنْعَقِدُ إلَّا بِإِيجَابٍ وَقَبُولٍ ، فَإِقْرَارُهُ بِالْبَيْعِ يَكُونُ إقْرَارًا بِقَبُولِ الْمُشْتَرِي ، فَلَا يَعْمَلُ رُجُوعُهُ عَنْ الْإِقْرَارِ بَعْدَ ذَلِكَ ، فَأَمَّا إيجَابُ الطَّلَاقِ بِمَالٍ يَكُونُ تَصَرُّفًا عِنْدَ الْإِيقَاعِ ، وَهُوَ التَّعْلِيقُ بِمَنْزِلَةِ الْيَمِينِ ؛ وَلِهَذَا لَا يَبْطُلُ بِقِيَامِهِ قَبْلَ قَبُولِهَا ، فَلَمْ يَكُنْ هُوَ مُقِرًّا بِالْإِيقَاعِ أَصْلًا فَجَعَلْنَا الْقَوْلَ قَوْلَهُ مَعَ يَمِينِهِ لِهَذَا .

( قَالَ ) : وَإِذَا قَالَ لَهَا : قَدْ طَلَّقْتُك وَاحِدَةً بِأَلْفِ دِرْهَمٍ ، وَقَبِلَتْ ، وَقَالَتْ هِيَ : إنَّمَا سَأَلْتُك أَنْ تُطَلِّقَنِي ثَلَاثًا بِأَلْفِ دِرْهَمٍ ، وَإِنَّمَا طَلَّقْتَنِي وَاحِدَةً ، فَإِنَّمَا لَك ثُلُثُ الْأَلْفِ ، فَالْقَوْلُ قَوْلُهَا مَعَ يَمِينِهَا ؛ لِأَنَّهُمَا اتَّفَقَا عَلَى وُقُوعِ الْوَاحِدَةِ عَلَيْهَا ، وَإِنَّمَا تَنَازَعَا فِي الْمَالِ ، فَهُوَ يَدَّعِي الزِّيَادَةَ عَلَيْهَا ، وَهِيَ تُنْكِرُ ، فَالْقَوْلُ قَوْلُهَا .
وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَتْ : سَأَلْتُك : أَنْ تُطَلِّقَنِي بِمِائَةِ دِرْهَمٍ ، وَقَالَ الزَّوْجُ : بَلْ بِأَلْفٍ ، فَالْقَوْلُ قَوْلُهَا ؛ لِمَا بَيَّنَّا أَنَّ الِاخْتِلَافَ فِي مِقْدَارِ الْمَالِ الْوَاجِبِ عَلَيْهَا ، فَإِنْ أَقَامَا الْبَيِّنَةَ ، فَالْبَيِّنَةُ بَيِّنَةُ الزَّوْجِ ؛ لِأَنَّهُ يُثْبِتُ الزِّيَادَةَ بِبَيِّنَتِهِ فِي حَقِّهِ ، وَالْبَيِّنَةُ لِلْإِثْبَاتِ فَتَتَرَجَّحُ بِالزِّيَادَةِ فِيهِ .
وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَتْ : خَلَعْتَنِي بِغَيْرِ شَيْءٍ ، وَقَالَ الزَّوْجُ : بَلْ بِأَلْفٍ ، فَالْقَوْلُ قَوْلُهَا ، وَالْبَيِّنَةُ بَيِّنَةُ الزَّوْجِ : لِمَا قُلْنَا .

( قَالَ ) : وَإِذَا اتَّفَقَا عَلَى أَنَّهَا سَأَلَتْ أَنْ يُطَلِّقَهَا ثَلَاثًا بِأَلْفِ دِرْهَمٍ ، فَقَالَتْ : طَلَّقَنِي وَاحِدَةً ، وَقَالَ الزَّوْجُ : طَلَّقْتُك ثَلَاثًا ، فَالْقَوْلُ قَوْلُ الزَّوْجِ إنْ كَانَ فِي ذَلِكَ الْمَجْلِسِ ؛ لِأَنَّهُ أَخْبَرَ بِمَا يَمْلِكُ إنْشَاءَهُ ، وَقَدْ بَيَّنَّا أَنَّهُ لَوْ طَلَّقَهَا ثَلَاثًا مُتَفَرِّقَاتٍ فِي الْمَجْلِسِ يَلْزَمُهَا الْأَلْفُ فَلَا تَتَمَكَّنُ التُّهْمَةُ فِي خَبَرِهِ .
( قَالَ ) : أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ قَالَ لَهَا : أَنْتِ طَالِقٌ أَنْتِ طَالِقٌ أَنْتِ طَالِقٌ حَصَلَتْ لَهُ جَمِيعُ الْأَلْفِ ، فَإِنْ كَانَا قَدْ افْتَرَقَا مِنْ ذَلِكَ الْمَجْلِسِ ، لَزِمَهَا الطَّلَاقُ إنْ كَانَتْ فِي الْعِدَّةِ ؛ لِإِقْرَارِ الزَّوْجِ بِوُقُوعِ الطَّلَاقِ عَلَيْهَا ، وَهُوَ مَالِكٌ لِلْإِيقَاعِ ، وَلَا يَكُونُ عَلَيْهَا إلَّا ثُلُثُ الْأَلْفِ ؛ لِأَنَّهُ فِي حَقِّ الْمَالِ مُتَّهَمٌ فِي خَبَرِهِ ، فَإِنَّهُ يُخْبِرُ بِمَا يَمْلِكُ إنْشَاءَهُ ، فَكَانَ الْقَوْلُ قَوْلَهَا مَعَ يَمِينِهَا ، وَعَلَيْهِ إثْبَاتُ الزِّيَادَةِ بِالْبَيِّنَةِ .

( قَالَ ) : وَإِذَا قَالَتْ الْمَرْأَةُ : سَأَلْتُك أَنْ تُطَلِّقَنِي ثَلَاثًا عَلَى أَلْفِ دِرْهَمٍ فَطَلِّقْنِي وَاحِدَةً ، وَلَا شَيْءَ لَك ، وَقَالَ هُوَ : بَلْ سَأَلْتِنِي وَاحِدَةً عَلَى أَلْفٍ ، وَقَدْ طَلَّقْتُكَهَا ، فَالْقَوْلُ فِي ذَلِكَ قَوْلُ الْمَرْأَةِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى ، وَلَا شَيْءَ عَلَيْهَا ؛ لِأَنَّهَا تُنْكِرُ وُجُوبَ الْمَالِ بِنَاءً عَلَى مَا تَقَدَّمَ إذَا قَالَتْ : طَلِّقْنِي ثَلَاثًا عَلَى أَلْفِ دِرْهَمٍ ، فَطَلَّقَهَا وَاحِدَةً لَا يَجِبُ عَلَيْهَا شَيْءٌ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ ، وَإِنْ قَالَتْ : سَأَلْتُك أَنْ تُطَلِّقَنِي ثَلَاثًا بِأَلْفِ دِرْهَمٍ ، فَلَمْ تُطَلِّقْنِي فِي ذَلِكَ الْمَجْلِسِ ، وَقَالَ الزَّوْجُ : قَدْ طَلَّقْتُك ثَلَاثًا فِي ذَلِكَ الْمَجْلِسِ ، فَالثَّلَاثُ وَاقِعَاتٌ عَلَيْهَا ؛ لِإِقْرَارِ الزَّوْجِ بِهَا ، وَالْقَوْلُ فِي الْمَال قَوْلُهَا مَعَ يَمِينِهَا : إمَّا لِإِنْكَارِهَا وُجُوبَ الْمَالِ ، أَوْ لِإِنْكَارِهَا الزِّيَادَةَ عَلَى الثَّلَاثِ ، إنْ أَقَرَّتْ أَنَّهُ طَلَّقَهَا وَاحِدَةً فِي ذَلِكَ الْمَجْلِسِ ، وَإِنْ قَالَتْ : سَأَلْتُك أَنْ تُطَلِّقَنِي أَنَا وَصَاحِبَتِي فُلَانَةَ عَلَى أَلْفِ دِرْهَمٍ فَطَلَّقْتَنِي وَحْدِي ، وَقَالَ الزَّوْجُ طَلَّقْتُهَا مَعَكِ ، وَقَدْ افْتَرَقَا مِنْ ذَلِكَ الْمَجْلِسِ ، فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمَرْأَةِ ، وَعَلَيْهَا حِصَّتُهَا مِنْ الْأَلْفِ ؛ لِأَنَّ الِاخْتِلَافَ بَيْنَهُمَا فِي مِقْدَارِ مَا عَلَيْهَا مِنْ الْمَالِ ، وَالزَّوْجُ مُخْبِرُ بِمَا لَا يَمْلِكُ إنْشَاءَهُ فِي حَقِّ الْمَالِ ، وَلَكِنَّ الطَّلَاقَ وَاقِعٌ عَلَى الْأُخْرَى بِإِقْرَارِ الزَّوْجِ ؛ لِأَنَّهُ يَنْفَرِدُ بِالْإِيقَاعِ عَلَيْهَا ، وَكَذَلِكَ إنْ قَالَتْ لَمْ تُطَلِّقْنِي ، وَلَا صَاحِبَتِي فِي ذَلِكَ الْمَجْلِسِ ، فَالْقَوْلُ قَوْلُهَا مَعَ يَمِينِهَا ؛ لِإِنْكَارِهَا أَصْلَ الْمَالِ ، وَعَلَى الزَّوْجِ أَنْ يُثْبِتَ الْمَالَ بِالْبَيِّنَةِ ، وَلَكِنَّ الطَّلَاقَ وَاقِعٌ عَلَيْهَا بِإِقْرَارِ الزَّوْجِ .

( قَالَ ) : وَإِذَا خَلَعَ الرَّجُلُ امْرَأَتَيْهِ عَلَى أَلْفِ دِرْهَمٍ فَإِنَّ الْأَلْفَ تَنْقَسِمُ عَلَى مَهْرَيْهِمَا الَّذِي تَزَوَّجَهُمَا عَلَيْهِمَا ؛ لِأَنَّهُ سَمَّى الْأَلْفَ بِمُقَابَلَةِ شَيْئَيْنِ ، وَمُقْتَضَى هَذِهِ التَّسْمِيَةِ الِانْقِسَامُ بِاعْتِبَارِ الْقِيمَةِ ، كَمَا لَوْ اشْتَرَى عَبْدَيْنِ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ إلَّا أَنَّ الْبُضْعَ عِنْدَ خُرُوجِهِ مِنْ مِلْكِ الزَّوْجِ غَيْرُ مُتَقَوِّمٍ فَوَجَبَ الْمَصِيرُ إلَى أَقْرَبِ الْأَشْيَاءِ إلَيْهِ ، وَذَلِكَ الْمَهْرُ الَّذِي تَزَوَّجَهَا عَلَيْهِ .
أَلَا تَرَى أَنَّ فِي الْكِتَابَةِ الْفَاسِدَةِ عَلَى الْعَبْدِ قِيمَةَ نَفْسِهِ بَعْدَمَا يَعْتِقُ ؛ لِأَنَّ مَا هُوَ الْمَعْقُودُ عَلَيْهِ هُوَ مِلْكُ الْيَدِ ، وَالْمَكَاسِبُ لَيْسَتْ بِمُقَوَّمَةٍ ، فَيُصَارُ إلَى قِيمَةِ أَقْرَبِ الْأَشْيَاءِ إلَيْهِ ، وَهُوَ الرَّقَبَةُ ، ثُمَّ الْأَصْلُ فِي الْخُلْعِ أَنَّ النُّشُوزَ إذَا كَانَ مِنْ الزَّوْجِ ، فَلَا يَحِلُّ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ مِنْهَا شَيْئًا بِإِزَاءِ الطَّلَاقِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى { وَإِنْ أَرَدْتُمْ اسْتِبْدَالَ زَوْجٍ مَكَانَ زَوْجٍ } إلَى أَنْ قَالَ : { فَلَا تَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْئًا } ، وَإِنْ كَانَ النُّشُوزُ مِنْ قِبَلِهَا ، فَلَهُ أَنْ يَأْخُذَ مِنْهَا بِالْخُلْعِ مِقْدَارَ مَا سَاقَ إلَيْهَا مِنْ الصَّدَاقِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى { ، فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ } ، وَلَوْ أَرَادَ أَنْ يَأْخُذَ مِنْهَا زِيَادَةً عَلَى مَا سَاقَ إلَيْهَا ، فَذَلِكَ مَكْرُوهٌ فِي رِوَايَةِ الطَّلَاقِ ، وَفِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ يَقُولُ : لَا بَأْسَ بِذَلِكَ .
وَجْهُ هَذِهِ الرِّوَايَةِ مَا رُوِيَ { أَنَّ جُمَيْلَةَ بِنْتَ سَلُولَ رَحِمَهَا اللَّهُ تَعَالَى كَانَتْ تَحْتَ ثَابِتِ بْنِ قَيْسٍ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى فَجَاءَتْ إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَقَالَتْ لَا أَعِيبُ عَلَى ثَابِتِ بْنِ قَيْسٍ فِي دِينٍ وَلَا خُلُقٍ ، وَلَكِنِّي أَخْشَى الْكُفْرَ فِي الْإِسْلَامِ لِشِدَّةِ بُغْضِي إيَّاهُ ، فَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَتَرُدِّينَ عَلَيْهِ حَدِيقَتَهُ ، فَقَالَتْ : نَعَمْ وَزِيَادَةً ، فَقَالَ : صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَّا

الزِّيَادَةُ ، فَلَا ، وَرُوِيَ أَنَّهُ قَالَ لِثَابِتٍ : اخْلَعْهَا بِالْحَدِيقَةِ ، وَلَا تَزْدَدْ } ؛ وَلِأَنَّهُ لَا يُمَلِّكُهَا شَيْئًا ، إنَّمَا يَرْفَعُ الْعَقْدَ فَيَحِلُّ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ مِنْهَا قَدْرَ مَا سَاقَ إلَيْهَا بِالْعَقْدِ ، وَلَا يَحِلُّ لَهُ الزِّيَادَةُ عَلَى ذَلِكَ ، وَوَجْهُ رِوَايَةِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ مَا رُوِيَ أَنَّ امْرَأَةً نَاشِزَةً أُتِيَ بِهَا عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَحَبَسَهَا فِي مَزْبَلَةٍ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ ، ثُمَّ دَعَاهَا ، وَقَالَ : كَيْفَ وَجَدْتِ مَبِيتَك ، فَقَالَتْ : مَا مَضَتْ عَلَيَّ لَيَالٍ هُنَّ أَقَرُّ لِعَيْنِي مِنْ هَذِهِ اللَّيَالِي ؛ لِأَنِّي لَمْ أَرَهُ ، فَقَالَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ : وَهَلْ يَكُونُ النُّشُوزُ إلَّا هَكَذَا اخْلَعْهَا ، وَلَوْ بِقُرْطِهَا ، وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ مَوْلَاةً اخْتَلَعَتْ بِكُلِّ شَيْءٍ لَهَا فَلَمْ يَعِبْ ذَلِكَ عَلَيْهَا ، وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ لَوْ اخْتَلَعَتْ بِكُلِّ شَيْءٍ لَأَجَزْتُ ذَلِكَ ، وَهَذَا ؛ لِأَنَّ جَوَازَ أَخْذِ الْمَالِ هُنَا بِطَرِيقِ الزَّجْرِ لَهَا عَنْ النُّشُوزِ ؛ وَلِهَذَا لَا يَحِلُّ إذَا كَانَ النُّشُورُ مِنْ الزَّوْجِ ، وَهَذَا لَا يَخْتَصُّ بِمَا سَاقَ إلَيْهَا مِنْ الْمَهْرِ دُونَ غَيْرِهِ .
فَأَمَّا فِي الْحُكْمِ الْخُلْعُ صَحِيحٌ ، وَالْمَالُ وَاجِبٌ فِي جَمِيعِ الْفُصُولِ عِنْدَنَا ، وَعِنْدَ نُفَاةِ الْقِيَاسِ لَا يَجِبُ الْمَالُ إذَا كَانَ النُّشُوزُ مِنْ الزَّوْجِ ، وَلَا تَجِبُ الزِّيَادَةُ إذَا كَانَ النُّشُوزُ مِنْهَا لِقَوْلِهِ تَعَالَى { وَلَا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَأْخُذُوا مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئًا } إلَى أَنْ قَالَ : { تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَعْتَدُوهَا } ، وَقَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ يَعْنِي فِي الزِّيَادَةِ ، وَالِاعْتِدَاءُ يَكُونُ ظُلْمًا ، وَالْمَالُ لَا يَجِبُ بِالظُّلْمِ ، وَلَكِنَّا نَسْتَدِلُّ بِمَا رَوَيْنَا مِنْ الْآثَارِ ، وَتَأْوِيلُ الْآيَةِ فِي الْحِلِّ ، وَالْحُرْمَةِ ، لَا فِي مَنْعِ وُجُوبِ أَصْلِ الْمَالِ .
.

( قَالَ ) : وَإِذَا قَالَتْ الْمَرْأَةُ لِزَوْجِهَا : إنْ طَلَّقْتَنِي ثَلَاثًا فَلَكَ عَلَيَّ أَلْفُ دِرْهَمٍ ، فَقَالَ : نَعَمْ سَأُطَلِّقُك ، فَلَا شَيْءَ لَهُ حَتَّى يَفْعَلَ ؛ لِأَنَّهَا الْتَزَمَتْ الْمَالَ بِمُقَابَلَةِ الْإِيقَاعِ دُونَ الْوَعْدِ ، فَإِنْ فَعَلَ ذَلِكَ فِي الْمَجْلِسِ فَلَهُ الْأَلْفُ ، وَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ فِي الْمَجْلِسِ ، فَلَا شَيْءَ لَهُ وَالطَّلَاقُ وَاقِعٌ ؛ لِأَنَّ الَّذِي مِنْ جِهَتِهَا الْتِزَامُ الْمَالِ بِمَنْزِلَةِ إيجَابِ الْبَيْعِ لَا يَتَوَقَّفُ عَلَى مَا وَرَاءَ الْمَجْلِسِ ، وَلَكِنْ يَبْطُلُ بِالْقِيَامِ عَنْ الْمَجْلِسِ قَبْل الْإِيقَاعِ فَإِذَا أَوْقَعَ الطَّلَاقَ بَعْدَ ذَلِكَ مُطْلَقًا وَقَعَ الطَّلَاقُ ؛ لِأَنَّ الزَّوْجَ يَنْفَرِدُ بِهِ ، وَكَلَامُهَا ، وَإِنْ كَانَ شَرْطًا فِي الصُّورَةِ فَفِي الْمَعْنَى الْتِزَامُ الْعِوَضِ ؛ لِأَنَّ الْتِزَامَ الْمَالِ لَا يَحْتَمِلُ التَّعْلِيقَ بِالشَّرْطِ ، فَهُوَ نَظِيرُ قَوْلِهِ : إنْ عَمِلْت لِي هَذَا الْعَمَلَ فَلَكَ عَلَيَّ أَلْفُ دِرْهَمٍ يَكُونُ الْتِزَامًا لِلْعِوَضِ بِطَرِيقِ الْإِجَارَةِ .

( قَالَ ) : وَلَوْ قَالَ لَهَا : أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا إذَا أَعْطَيْتِنِي أَلْفًا ، أَوْ مَتَى أَعْطَيْتِنِي أَلْفًا ، فَهِيَ امْرَأَتُهُ عَلَى حَالِهَا حَتَّى تُعْطِيَهُ ذَلِكَ ؛ لِأَنَّهُ عَلَّقَ الطَّلَاقَ بِشَرْطِ إعْطَاءِ الْمَالِ ، فَلَا يَقَعُ بِدُونِهِ ، وَمَتَى أَعْطَتْهُ فِي الْمَجْلِسِ ، أَوْ بَعْدَهُ ، فَالطَّلَاقُ وَاقِعٌ عَلَيْهَا ؛ لِأَنَّ " إذَا " وَ " مَتَى " لِلْوَقْتِ فَمَعْنَى قَوْلِهِ : إذَا أَعْطَيْتِنِي فِي الْوَقْتِ الَّذِي تُعْطِينَنِي ، وَلَيْسَ لِلزَّوْجِ أَنْ يَمْتَنِعَ مِنْهُ إذَا أَتَتْهُ بِهِ لَا أَنَّهُ يُجْبَرُ عَلَى الْقَبُولِ ، وَلَكِنْ إذَا وَضَعَتْهُ بَيْنَ يَدَيْهِ طَلُقَتْ ، وَهُوَ اسْتِحْسَانٌ ، وَفِي الْقِيَاسِ لَا تَطْلُقُ حَتَّى يَقْبَلَهُ الزَّوْجُ ، وَهُوَ قَوْلُ زُفَرَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى ، وَأَصْلُهُ فِي الْعَتَاقِ ، إذَا قَالَ لِعَبْدِهِ : إذَا أَدَّيْتَ إلَيَّ أَلْفًا فَأَنْتَ حُرٌّ .
وَجْهُ الْقِيَاسِ أَنَّ الْحَالِفَ لَا يُجْبَرُ عَلَى إيجَادِ الشَّرْطِ ، وَوَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّ كَلَامَهُ تَعْلِيقٌ بِالشَّرْطِ صُورَةً ، وَإِيجَابٌ لِلطَّلَاقِ بِعِوَضٍ مَعْنَى حَتَّى إذَا قَبِلَ الْمَالَ كَانَ الْوَاقِعُ بَائِنًا ، وَلَوْ وَجَدَهُ زُيُوفًا كَانَ لَهُ أَنْ يَرُدَّ ، وَيَسْتَبْدِلَ ، وَهَذَا حُكْمُ الْمُعَاوَضَةِ ، وَالْمُلْتَزِمُ لِلْعِوَضِ ، إذَا خَلَّى بَيْنَ صَاحِبَهُ ، وَبَيْنَ الْمَالِ يَصِيرُ قَابِضًا ، فَبِاعْتِبَارِ الشَّرْطِ قُلْنَا : لَا حَاجَةَ إلَى قَبُولِهَا فِي الْمَجْلِسِ ، وَبِاعْتِبَارِ الْمُعَاوَضَةِ قُلْنَا : إذَا وَضَعَتْ الْمَالَ بَيْنَ يَدَيْهِ طَلُقَتْ ، وَلَيْسَ لَهَا أَنْ تَرْجِعَ بِشَيْءٍ مِنْهُ ؛ لِأَنَّهَا أَدَّتْ الْمَالَ عِوَضًا عَنْ الطَّلَاقِ ، وَقَدْ سَلَّمَ لَهَا .

( قَالَ ) : وَلَوْ كَانَ قَالَ لَهَا : إنْ جِئْتِنِي بِأَلْفِ دِرْهَمٍ فَأَنْتِ طَالِقٌ ، فَإِنْ جَاءَتْ بِهِ فِي ذَلِكَ الْمَجْلِسِ وَقَعَ الطَّلَاقُ ، وَإِنْ تَفَرَّقَا قَبْلَ أَنْ تَأْتِيَهُ بِهِ بَطَلَ هَذَا الْقَوْلُ ؛ لِأَنَّ كَلَامَ الزَّوْجِ تَعْلِيقٌ بِالشَّرْطِ ، فَيَتِمُّ بِهِ مِنْ غَيْرِ حَاجَةٍ إلَى قَبُولِهَا ، وَلَكِنَّهَا تَتَمَكَّنُ مِنْ أَدَاءِ الْمَالِ فِي الْمَجْلِسِ ، فَقِيَامُهَا قَبْلَ الْأَدَاءِ يَكُونُ مُبْطِلًا بِمَنْزِلَةِ قَوْلِهِ : إنْ شِئْتِ فَأَنْتِ طَالِقٌ ، وَهُمَا سَوَاءٌ فِي الْمَعْنَى إلَّا أَنَّ ذَلِكَ تَمْلِيكُ الْأَمْرِ مِنْهَا بِغَيْرِ عِوَضٍ ، وَهَذَا تَمْلِيكُ الْأَمْرِ مِنْهَا بِعِوَضٍ ، فَكَمَا يَبْطُلُ هُنَاكَ بِقِيَامِهَا عَنْ الْمَجْلِسِ قَبْلَ الْمَشِيئَةِ يَبْطُلُ هُنَا بِقِيَامِهَا قَبْلَ الْأَدَاءِ .

( قَالَ ) : وَإِنْ قَالَ لَهَا : أَنْتِ طَالِقٌ عَلَى أَنْ تُعْطِيَنِي أَلْفَ دِرْهَمٍ ، أَوْ عَلَى أَلْفِ دِرْهَمٍ ، فَهُوَ سَوَاءٌ ، فَإِنْ قَبِلَتْ فِي ذَلِكَ الْمَجْلِسِ ، وَقَعَ عَلَيْهَا الطَّلَاقُ ، وَالْمَالُ دَيْنٌ عَلَيْهَا تُؤْخَذُ بِهِ ؛ لِأَنَّ كَلَامَ الزَّوْجِ إيجَابٌ لِلطَّلَاقِ بِجُعْلٍ ، وَلَيْسَ بِتَعْلِيقٍ بِشَرْطِ الْإِعْطَاءِ بِمَنْزِلَةِ مَنْ يَقُولُ لِغَيْرِهِ : بِعْتُ مِنْك هَذَا الْعَبْدَ عَلَى أَلْفِ دِرْهَمٍ ، أَوْ عَلَى أَنْ تُعْطِيَنِي أَلْفَ دِرْهَمٍ يَكُونُ إيجَابًا ، لَا تَعْلِيقًا ، فَإِذَا وُجِدَ الْقَبُولُ فِي الْمَجْلِسِ وَقَعَ الطَّلَاقُ وَوَجَبَ الْمَالُ عَلَيْهَا بِخِلَافِ قَوْلِهِ : إنْ جِئْتنِي ، أَوْ إذَا أَعْطَيْتنِي ، فَإِنَّ هُنَاكَ قَدْ صَرَّحَ بِالتَّعْلِيقِ بِالشَّرْطِ فَمَا لَمْ يُوجَدْ الشَّرْطُ لَا يَقَعُ الطَّلَاقُ ، وَالدَّلِيلُ عَلَى الْفَرْقِ أَنَّ هُنَاكَ لَوْ كَانَ لَهَا عَلَى الزَّوْجِ أَلْفٌ ، فَاتَّفَقَا عَلَى جَعْلِ الْأَلْفِ قِصَاصًا بِمَا عَلَيْهِ لَا يَقَعُ الطَّلَاقُ ، وَهُنَا يَصِيرُ قِصَاصًا بِالدَّيْنِ الَّذِي لَهَا عَلَيْهِ ، وَقَدْ يَجُوزُ أَنْ يَثْبُتَ الْحُكْمُ بِالْقَبُولِ مَعَ التَّصْرِيحِ بِالْإِعْطَاءِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى : { حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ } ، وَبِالْقَبُولِ يَثْبُتُ حُكْمُ الذِّمَّةِ ، فَإِذَا ثَبَتَ أَنَّ الْحُكْمَ هُنَا يَتَعَلَّقُ بِقَبُولِ الْمَالِ يُشْتَرَطُ الْقَبُولُ مِنْهَا فِي الْمَجْلِسِ ، فَإِذَا لَمْ تَقْبَلْ حَتَّى قَامَتْ ، فَهُوَ بَاطِلٌ ، وَفِيمَا تَقَدَّمَ لَمَّا كَانَ الْإِعْطَاءُ شَرْطًا فَبِجَعْلِهِ قِصَاصًا بِمَا عَلَيْهِ لَا يَصِيرُ الشَّرْطُ مَوْجُودًا قَبْلَ الْإِعْطَاءِ ، وَالْمُقَاصَّةُ بَيْنَ دَيْنَيْنِ وَاجِبَيْنِ فَفِي قَوْلِهِ : إذَا أَعْطَيْتنِي الْمَالَ ، الْمَالُ غَيْرُ وَاجِبٍ عَلَيْهَا ، فَلَا يَصِيرُ قِصَاصًا .
وَفِي قَوْلِهِ : أَنْتِ طَالِقٌ عَلَى أَنْ تُعْطِيَنِي الْمَالَ يَجِبُ عَلَيْهَا بِالْقَبُولِ فَيَصِيرُ قِصَاصًا ، فَإِذَا لَمْ يَصِرْ قِصَاصًا فِي قَوْلِهِ : إذَا أَعْطَيْتنِي ، فَرَضِيَ الزَّوْجُ أَنْ يُوقِعَ عَلَيْهَا طَلَاقًا مُسْتَقْبَلًا بِالْأَلْفِ الَّتِي لَهَا عَلَيْهِ ، فَذَلِكَ جَائِزٌ إذَا قَبِلَتْ ، وَكَانَ

هَذَا مِنْهُ لَهَا إيجَابًا مُبْتَدَأً .

( قَالَ ) : وَإِنْ كَانَ لِلرَّجُلِ امْرَأَتَانِ فَسَأَلَتَاهُ أَنْ يُطَلِّقَهُمَا عَلَى أَلْفٍ ، أَوْ بِأَلْفٍ ، فَطَلَّقَ إحْدَاهُمَا لَزِمَ الْمُطَلَّقَةَ حِصَّتُهَا مِنْ الْأَلْفِ ، أَمَّا فِي حَرْفِ الْبَاءِ ، فَلِأَنَّهُمَا جَعَلَتَا الْأَلْفَ بَدَلًا عَنْ طَلَاقِهَا ، فَإِذَا طَلَّقَ إحْدَاهُمَا ، فَعَلَيْهَا حِصَّتُهَا ، وَكَذَلِكَ فِي حَرْفِ " عَلَى " ؛ لِأَنَّهُ لَا مَنْفَعَةَ لَهَا فِي طَلَاقِ الضَّرَّةِ حَتَّى يُجْعَلَ شَرْطًا ؛ وَلِأَنَّ أَكْثَرَ مَا فِي الْبَابِ أَنَّ كُلَّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا الْتَزَمَتْ حِصَّتَهَا مِنْ الْأَلْفِ بِشَرْطِ أَنْ يُطَلِّقَ صَاحِبَتَهَا ، وَإِذَا أَبَى كَانَ هَذَا شَرْطًا فَاسِدًا إلَّا أَنَّ الْخُلْعَ لَا يَبْطُلُ بِالشَّرْطِ الْفَاسِدِ كَالنِّكَاحِ ، فَإِنْ طَلَّقَ الْأُخْرَى فِي ذَلِكَ الْمَجْلِسِ أَيْضًا لَزِمَتْهَا حِصَّتُهَا مِنْ الْمَالِ ، فَإِنَّ الْمَجْلِسَ الْوَاحِدَ يَجْمَعُ الْكَلِمَاتِ الْمُتَفَرِّقَةَ ، فَكَانَ هَذَا ، وَمَا لَوْ طَلَّقَهَا بِكَلَامٍ وَاحِدٍ سَوَاءٌ ، وَإِنْ افْتَرَقُوا قَبْلَ أَنْ يُطَلِّقَ وَاحِدَةً مِنْهُمَا بَطَلَ إيجَابُهُمَا بِالِافْتِرَاقِ ، فَإِذَا طَلَّقَهُمَا بَعْدَ ذَلِكَ كَانَ الطَّلَاقُ وَاقِعًا بِغَيْرِ بَدَلٍ .
.

( قَالَ ) : وَإِذَا ادَّعَتْ الْمَرْأَةُ الْخُلْعَ ، وَأَنْكَرَهُ الزَّوْجُ ، فَأَقَامَتْ شَاهِدَيْنِ : شَهِدَ أَحَدُهُمَا بِالْخُلْعِ بِأَلْفٍ ، وَالْآخَرُ بِأَلْفٍ وَخَمْسِمِائَةٍ ، فَالشَّهَادَةُ بَاطِلَةٌ ؛ لِأَنَّهَا تَدَّعِي أَحَدَ الْأَمْرَيْنِ لَا مَحَالَةَ ، فَتَكُونُ مُكَذِّبَةً لِلشَّاهِدِ الْآخَرِ ؛ وَلِأَنَّ الْخُلْعَ فِي جَانِبِهَا قِيَاسُ الْبَيْعِ ، وَشُهُودُ الْبَيْعِ إذَا اخْتَلَفُوا فِي جِنْسِ الثَّمَنِ ، أَوْ فِي مِقْدَارِهِ بَطَلَتْ الشَّهَادَةُ ، فَكَذَلِكَ هُنَا إذَا اخْتَلَفَا فِي جِنْسِ الْجُعْلِ كَالْعَرَضِ ، وَالْعَبْدِ ، أَوْ كَالْعَرَضِ وَالدَّرَاهِمِ ، فَالشَّهَادَةُ بَاطِلَةٌ ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا شَهِدَ بِالطَّلَاقِ لِعِوَضٍ آخَرَ ، وَلَا يُمْكِنُ إيجَابُ وَاحِدٍ مِنْ الْعِوَضَيْنِ عَلَيْهَا ، فَلَوْ حَكَمَ بِالطَّلَاقِ لَحَكَمَ بِالطَّلَاقِ بِغَيْرِ عِوَضٍ ، وَقَدْ اتَّفَقَا أَنَّ الزَّوْجَ مَا أَوْقَعَ الطَّلَاقَ بِغَيْرِ عِوَضٍ .

( قَالَ ) : وَلَوْ كَانَ الزَّوْجُ هُوَ الْمُدَّعِيَ لِلْخُلْعِ ، وَالْمَرْأَةُ مُنْكِرَةٌ فَشَهِدَ أَحَدُ الشَّاهِدَيْنِ بِأَلْفِ ، وَالْآخَرُ بِأَلْفٍ وَخَمْسِمِائَةٍ ، فَإِنْ كَانَ الزَّوْجُ يَدَّعِي أَلْفًا وَخَمْسِمِائَةٍ جَازَتْ شَهَادَتُهُمَا عَلَى الْأَلْفِ ؛ لِأَنَّ الطَّلَاقَ قَدْ وَقَعَ بِإِقْرَارِ الزَّوْجِ بَقِيَ مِنْهُ دَعْوَى الْمَالِ ، وَمَنْ ادَّعَى عَلَى غَيْرِهِ أَلْفًا وَخَمْسَمِائَةٍ ، فَشَهِدَ لَهُ شَاهِدَانِ : شَهِدَ أَحَدُهُمَا بِأَلْفٍ ، وَالْآخَرُ بِأَلْفٍ وَخَمْسِمِائَةٍ تُقْبَلُ شَهَادَتُهُمَا عَلَى الْأَلْفِ ؛ لِاتِّفَاقِ الشَّاهِدَيْنِ عَلَيْهَا لَفْظًا وَمَعْنَى ، فَإِنْ ادَّعَى الزَّوْجُ الْأَلْفَ لَمْ تَجُزْ شَهَادَتُهُمَا ؛ لِأَنَّ الزَّوْجَ قَدْ كَذَّبَ أَحَدَ شَاهِدَيْهِ ، وَهُوَ الَّذِي شَهِدَ بِأَلْفٍ وَخَمْسِمِائَةٍ ، وَالْمُدَّعِي إذَا أَكْذَبَ شَاهِدَهُ بَطَلَتْ شَهَادَتُهُ لَهُ ، وَالطَّلَاقُ وَاقِعٌ بِإِقْرَارِهِ ، وَكَذَلِكَ إذَا اخْتَلَفَا فِي جِنْسِ الْجُعْلِ ؛ لِأَنَّ الزَّوْجَ مُكَذِّبٌ لِأَحَدِهِمَا لَا مَحَالَةَ ، فَلَا بُدَّ أَنْ يَدَّعِيَ أَحَدَ الْجِنْسَيْنِ .
فَإِنْ شَهِدَ أَحَدُهُمَا بِأَلْفٍ ، وَالْآخَرُ بِخَمْسِمِائَةٍ ، فَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُمَا ؛ لِاخْتِلَافِهِمَا لَفْظًا وَعِنْدَهُمَا تُقْبَلُ عَلَى الْخَمْسِمِائَةِ ، إذَا ادَّعَى الزَّوْجُ الْأَلْفَ ؛ لِاتِّفَاقِهِمَا عَلَى مِقْدَارِ الْخَمْسِمِائَةِ مَعْنًى ، وَقَدْ بَيَّنَّا هَذَا فِيمَا سَبَقَ ، ثُمَّ الْأَصْلُ بَعْدَ هَذَا فِي بَابِ الْخُلْعِ أَنَّ الْبَدَلَ فِي الْخُلْعِ بِمَنْزِلَةِ الصَّدَاقِ فِي النِّكَاحِ ، فَإِنَّهُ مَالٌ يَلْتَزِمُهُ لَا بِمُقَابَلَةِ مَالٍ ، وَقَدْ بَيَّنَّا حُكْمَ الصَّدَاقِ فِي النِّكَاحِ ، فَالْخُلْعُ قِيَاسُهُ إلَّا فِي فُصُولٍ يَذْكُرُ الْفَرْقَ بَيْنَهُمَا فِيهَا حَتَّى إذَا اخْتَلَعَتْ عَلَى دَارٍ ، فَلَا شُفْعَةَ لِلشَّفِيعِ فِيهَا ، وَإِنْ اشْتَرَطَ أَنْ يَرُدَّ عَلَيْهَا أَلْفًا مَعَ ذَلِكَ ، فَفِي وُجُوبِ الشُّفْعَةِ فِي حِصَّةِ الْأَلْفِ خِلَافٌ بَيْنَ أَبِي حَنِيفَةَ وَصَاحِبَيْهِ كَمَا فِي الصَّدَاقِ ، وَلَيْسَ فِي جَعْلِ الْخُلْعِ خِيَارُ الرُّؤْيَةِ ، وَلَا رَدٌّ بِعَيْبٍ يَسِيرٍ

أقسام الكتاب
1 2 3 4 5 6 7 8 9 10 11 12 13 14 15 16 17 18 19 20 21 22 23 24 25 26 27 28 29 30 31 32 33 34 35 36 37 38 39 40 41 42 43 44 45 46 47 48 49 50 51 52 53 54 55 56 57 58 59 60 61 62 63 64 65 66 67 68 69 70 71 72 73 74 75 76 77 78 79 80 81 82 83 84 85 86 87 88 89 90 91 92 93 94 95 96