كتاب : المبسوط
المؤلف : محمد بن أحمد بن أبي سهل شمس الأئمة السرخسي
وَإِذَا صَالَحَ مِنْ دَمِ عَمْدٍ عَلَى دَارٍ عَلَى أَنْ يَرُدَّ عَلَيْهِ صَاحِبُ الدَّمِ أَلْفَ دِرْهَمٍ ، فَلَا شُفْعَةَ فِي الدَّارِ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ فِيهِ الصُّلْحُ وَمَا يُقَابَلُ مِنْ دَمِ الْعَمْدِ بِالدَّارِ لَا يُسْتَحَقُّ بِالشُّفْعَةِ فَكَذَلِكَ مَا يَتْبَعُهُ وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ يَأْخُذُ مِنْهَا جُزْءًا مِنْ أَحَدَ عَشَرَ جُزْءٍ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ ؛ لِأَنَّ الدَّارَ تُقْسَمُ عَلَى الْأَلْفِ وَعَلَى دَمِ الْعَمْدِ وَقِيمَةِ الدِّيَةِ ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ إذَا تَعَذَّرَ اسْتِيفَاءُ الْقَوَدِ يَجِبُ الْمَصِيرُ إلَى الدِّيَةِ ، وَالدِّيَةُ عَشَرَةُ آلَافٍ ، فَإِذَا جَعَلْت كُلَّ أَلْفٍ جُزْءًا كَانَتْ حِصَّةُ الدَّمِ مِنْ الدَّارِ عَشَرَةَ أَجْزَاءٍ مِنْ أَحَدَ عَشَرَ جُزْءًا ، وَحِصَّةُ الْأَلْفِ : جُزْءًا مِنْ أَحَدَ عَشَرَ جُزْءًا فَيَأْخُذُ الشَّفِيعُ ذَلِكَ بِالشُّفْعَةِ ، وَكَذَلِكَ الصُّلْحُ مِنْ شِجَاجِ الْعَمْدِ الَّتِي فِيهَا الْقَوَدُ ، وَإِنْ صَالَحَهُ مِنْ مُوضِحَتَيْنِ إحْدَاهُمَا عَمْدٌ ، وَالْأُخْرَى خَطَأٌ عَلَى دَارِ ، فَلَا شُفْعَةَ فِيهَا فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَفِي قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ يَأْخُذُ الشَّفِيعُ نِصْفَهَا بِخَمْسِمِائَةٍ ؛ لِأَنَّ مُوجَبَ مُوضِحَةِ الْخَطَأِ خَمْسُمِائَةِ دِرْهَمٍ وَمُوجَبُ الْعَمْدِ الْقَوَدُ ، فَإِذَا صَالَحَ عَنْهُمَا عَلَى دَارٍ كَانَ نِصْفُهَا بَدَلًا عَنْ الْقَوَدِ وَنِصْفُهَا بَدَلًا عَنْ الْخَمْسِمِائَةِ ، وَأَبُو حَنِيفَةَ يَقُولُ : الْمَقْصُودُ بِهَذَا الصُّلْحِ الْقَوَدُ ؛ لِأَنَّ الْمَالَ لَا يُعَارِضُ النَّفْسَ أَلَا تَرَى أَنَّ مُوجِبَ مُوضِحَةِ الْعَمْدِ وَهُوَ الْقَوَدُ عَلَى صَاحِبِ الدَّارِ خَاصَّةً ، وَأَنَّ مُوجِبَ الْخَطَأِ عَلَيْهِ وَعَلَى عَوَاقِلِهِ وَإِذَا لَمْ تَجِبُ الشُّفْعَةُ فِيمَا هُوَ الْأَصْلُ لَا تَجِبُ فِي الْبَيْعِ أَيْضًا إمَّا ؛ لِأَنَّهُ صَارَ شَرِيكًا بِمَا هُوَ الْأَصْلُ ، أَوْ قِيَاسًا عَلَى الْمُضَارِبِ إذَا بَاعَ دَارًا مِنْ مَالِ الْمُضَارَبَةِ وَرَبُّ الْمَالِ شَفِيعُهَا بِدَارٍ لَهُ وَفِي الْمَالِ رِبْحٌ ، فَإِنَّهُ لَا يَأْخُذُ بِالشُّفْعَةِ نَصِيبَ الْمُضَارِبِ مِنْ الرِّبْحِ ؛ لِأَنَّ الشُّفْعَةَ لَمْ
تَجِبْ لَهُ فِيمَا هُوَ الْأَصْلُ بِاعْتِبَارِ أَنَّ الْبَيْعَ كَانَ لَهُ ، فَلَا تَجِبُ الشُّفْعَةُ فِي الْبَيْعِ أَيْضًا .
وَإِنْ صَالِح مِنْ كَفَالَةٍ بِنَفْسِ رَجُلٍ عَلَى دَارٍ ، فَلَا شُفْعَةَ فِيهَا ؛ لِأَنَّ هَذَا الصُّلْحَ بَاطِلٌ ، فَإِنَّهُ بِإِسْقَاطِ حَقِّهِ عَنْ الْكَفَالَةِ بِالنَّفْسِ لَا يَمْلِكُ الْكَفِيلُ شَيْئًا ، فَلَا يَسْتَحِقُّ عَلَيْهِ عِوَضًا ، وَإِنْ كَانَ هَذَا الصُّلْحُ صَحِيحًا لَمْ يَجِبْ فِيهَا الشُّفْعَةُ ؛ لِأَنَّ الدَّارَ مُلِكَتْ بِإِزَاءِ مَا لَيْسَ بِمَالٍ ، فَالْكَفَالَةُ بِالنَّفْسِ لَيْسَتْ بِمَالٍ وَسَوَاءٌ كَانَتْ الْكَفَالَةُ بِنَفْسِ رَجُلٍ فِي قِصَاصٍ وَاحِدٍ ، أَوْ مَالٍ فَفِي حُكْمِ الشُّفْعَةِ ، وَبُطْلَانِ الصُّلْحِ فِي الْكُلِّ سَوَاءٌ وَلَوْ صَالَحَهُ مِنْ الْمَالِ الَّذِي يُطْلَبُ بِهِ ، فَإِنْ قَالَ : عَلَى أَنْ يَبْرَأَ فُلَانٌ مِنْ الْمَالِ كُلِّهِ ، فَهُوَ جَائِزٌ وَلِلشَّفِيعِ فِيهَا الشُّفْعَةُ ؛ لِأَنَّ صُلْحَ الْأَجْنَبِيِّ عَنْ الدَّيْنِ عَلَى مِلْكِهِ صَحِيحٌ كَصُلْحِ الْمَدْيُونِ وَلَوْ كَانَ الْمَدْيُونُ هُوَ الَّذِي صَالَحَ عَلَى ذَلِكَ جَازَ الصُّلْحُ وَوَجَبَ لِلشَّفِيعِ فِيهَا الشُّفْعَةُ فَكَذَلِكَ إذَا فَعَلَهُ أَجْنَبِيٌّ هُوَ كَفِيلٌ بِالنَّفْسِ ، وَإِنْ قَالَ أَقَبَضْتُكُمَا عَنْهُ ، فَالصُّلْحُ بَاطِلٌ ؛ لِأَنَّهُ مَلَّكَهُ الدَّارَ بِمِقْدَارِ قِيمَتِهَا مِنْ الدَّيْنِ فَقَضَاءُ الدَّيْنِ بِالدَّارِ يَكُونُ بِهَذِهِ الصِّفَةِ ، وَذَلِكَ مَجْهُولٌ ؛ لِأَنَّهُ يَعْلَمُ أَنَّهُ جَمِيعُ الدَّيْنِ ، أَوْ بَعْضُهُ فَكَانَ الصُّلْحُ فَاسِدًا ، وَلَا شُفْعَةَ فِي الْعِوَضِ فِي الصُّلْحِ الْفَاسِدِ فِي الْبَيْعِ كَمَا لَا شُفْعَةَ فِي الْبَيْعِ الْفَاسِدِ .
وَإِذَا زَوَّجَ الرَّجُلُ ابْنَتَهُ ، وَهِيَ صَغِيرَةٌ عَلَى دَارٍ فَطَلَبَهَا الشَّفِيعُ بِالشُّفْعَةِ فَسَلَّمَهَا الْأَبُ لَهُ بِثَمَنٍ مُسَمًّى مَعْلُومٍ بِمَهْرِ مِثْلِهَا ، أَوْ بِقِيمَةِ الدَّارِ فَهَذَا بَيْعٌ وَلِلشَّفِيعِ فِيهَا الشُّفْعَةُ ؛ لِأَنَّ الصَّدَاقَ لَا يُسْتَحَقُّ بِالشُّفْعَةِ بِالتَّسْلِيمِ فِيهِ إلَى الشَّفِيعِ سَمْحًا بِغَيْرِ قَضَاءٍ بِمَنْزِلَةِ الشَّفِيعِ الْمُبْتَدِئِ وَلِلْأَبِ وِلَايَةُ الْبَيْعِ فِي دَارِ ابْنَتِهِ الصَّغِيرَةِ ، وَهُوَ بَيْعٌ صَحِيحٌ ؛ لِأَنَّ الثَّمَنَ فِيهِ مُسَمًّى مَعْلُومًا ، وَكَذَلِكَ لَوْ كَانَتْ الِابْنَةُ كَبِيرَةً فَسَلَّمَتْ ، فَهُوَ بَيْعٌ وَلِلشَّفِيعِ فِيهَا الشُّفْعَةُ ، وَلَا شُفْعَةَ فِي الْبَيْعِ الْفَاسِدِ إنْ قَبَضَهَا الْمُشْتَرِي ، أَوْ لَمْ يَقْبِضْهَا أَمَّا قَبْلَ الْقَبْضِ فَلِبَقَاءِ مِلْكِ الْبَائِعِ فِيهَا وَأَمَّا بَعْدَ الْقَبْضِ فَلِبَقَاءِ حَقِّهِ فِي اسْتِرْدَادِهَا .
وَوُجُوبُ الشُّفْعَةِ بِغَيْرِ انْقِطَاعِ حَقِّ الْبَائِعِ عَنْ الدَّارِ ، فَإِنْ كَانَ قَدْ قَبَضَهَا فَبِيعَتْ دَارٌ إلَى جَنْبِهَا فَلِلْمُشْتَرِي أَنْ يَأْخُذَهَا بِالشُّفْعَةِ ؛ لِأَنَّهُ مَلَكهَا بِالْقَبْضِ ، فَهُوَ جَارٌ لِلدَّارِ الْمَبِيعَةِ حِينَ بِيعَتْ بِمِلْكِ هَذِهِ الدَّارِ وَقِيَامُ حَقِّ الْبَائِعِ فِي الِاسْتِرْدَادِ لَا يَمْنَعُ وُجُوبَ هَذِهِ الشُّفْعَةِ لَهَا كَقِيَامِ حَقِّ الْمُرْتَهِنِ فِي الدَّارِ الْمَرْهُونَةِ لَا يَمْنَعُ وُجُوبَ الشُّفْعَةِ لِلرَّاهِنِ إذَا بِيعَتْ دَارٌ بِجَنْبِهَا ، فَإِنْ لَمْ يَأْخُذْهَا حَتَّى رَدَّ هَذِهِ الدَّارَ بَطَلَتْ شُفْعَتُهُ فِي تِلْكَ الدَّارِ ؛ لِأَنَّهُ زَالَ جِوَارُهُ قَبْلَ أَنْ يَأْخُذَهَا بِالشُّفْعَةِ وَقِيَامُ السَّبَبِ لَهُ إلَى وَقْتِ الْأَخْذِ بِالشُّفْعَةِ شَرْطٌ لِلْقَضَاءِ لَهُ بِالْأَخْذِ ، وَلَا شُفْعَةَ لِلْبَائِعِ فِيهَا ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ جَارًا حِينَ بِيعَتْ هَذِهِ الدَّارُ ، وَهُوَ بِمَنْزِلَةِ مَا لَوْ بَاعَ الشَّفِيعُ دَارِهِ الَّتِي يَطْلُبُ بِهَا الشُّفْعَةَ قَبْلَ أَنْ يُخَاصِمَ بِالشُّفْعَةِ ، فَإِنَّهُ لَا يَسْتَحِقُّ الْمَبِيعَةَ بِالشُّفْعَةِ ؛ لِأَنَّهُ زَالَ جِوَارُهُ ، وَلَا الْمُشْتَرِي مِنْهُ ؛ لِأَنَّ جِوَارَهُ
حَادِثٌ بَعْدَ مِلْكِهِ الدَّارَ .
وَإِذَا اشْتَرَى دَارًا شِرَاءً فَاسِدًا وَقَبَضَهَا وَبَنَاهَا فَلِلْبَائِعِ قِيمَتُهَا وَيَنْقَطِعُ حَقُّهُ فِي الِاسْتِرْدَادِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ لَا يَنْقَطِعُ حَقُّهُ فِي الِاسْتِرْدَادِ ، وَلَكِنْ يَهْدِمُ بِنَاءَ الْمُشْتَرِي فَيَرُدُّ الدَّارَ عَلَى الْبَائِعِ ؛ لِأَنَّهُ بَنَى فِي بُقْعَةٍ غَيْرُهُ أَحَقُّ بِتَمَلُّكِهَا مِنْهُ فَيَنْقُضُ بِنَاءَهُ لِلرَّدِّ عَلَى صَاحِبِ الْحَقِّ ، كَالْمُشْتَرِي إذَا بَنَى فِي الشِّقْصِ الْمَشْفُوعِ وَهَذَا ؛ لِأَنَّ الْبِنَاءَ بَيْعٌ لَحِقَ الثَّابِتَ فِي الْأَصْلِ بِصِفَةِ التَّأْكِيدِ لَا يَبْطُلُ بِمَعْنًى فِي الْبَيْعِ ، ثُمَّ حَقُّ الْبَائِعِ فِي الِاسْتِرْدَادِ أَقْوَى مِنْ حَقِّ الشَّفِيعِ ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَا يَبْطُلُ بِالسُّكُوتِ ، وَلَا يَسْقُطُ بِإِسْقَاطِ الْبَائِعِ ، وَإِنَّ ذَلِكَ مُسْتَحَقٌّ لَهُ وَعَلَيْهِ شَرْعًا ، ثُمَّ بِنَاءُ الْمُشْتَرِي فِي مِلْكِهِ يُنْقَضُ لِحَقِّ الشَّفِيعِ مَعَ ضَعْفِهِ فَلَأَنْ يُنْقَضَ بِحَقِّ الْبَائِعِ فِي الِاسْتِرْدَادِ كَانَ أَوْلَى أَرَأَيْت لَوْ هَدَمَ الْمُشْتَرِي بِنَاءَهُ أَلَمْ يَكُنْ لِلْبَائِعِ أَنْ يَسْتَرِدَّهُ ، وَهَذَا لَا وَجْهَ لِمَنْعِهِ ، فَالْمُشْتَرِي إذَا وَجَدَ بِهَا عَيْبًا بَعْدَ مَا رَفَعَ بِنَاءَهُ كَانَ لَهُ أَنْ يَرُدَّهَا بِالْعَيْبِ فَلَأَنْ يَرُدَّهَا بِفَسَادِ الْبَيْعِ كَانَ أَوْلَى ، وَهَذَا بِخِلَافِ حَقِّ الْوَاهِبِ فِي الرُّجُوعِ ، فَهُوَ حَقٌّ ضَعِيفٌ فَيَسْقُطُ بِمَعْنًى فِي الْبَيْعِ كَمَا يَسْقُطُ بِحُدُوثِ الزِّيَادَةِ الْمُتَّصِلَةِ وَبِمَوْتِ أَحَدِهِمَا وَأَبُو حَنِيفَةَ يَقُولُ : بَنَى فِي مِلْكِ نَفْسِهِ بِتَسْلِيطِ مَنْ لَهُ الْحَقُّ ، فَلَا يُنْقَضُ بِنَاؤُهُ لِحَقِّهِ ، كَالْمَوْهُوبِ لَهُ يَبْنِي فِي الدَّارِ الْمَوْهُوبَةِ وَبَيَانُ الْوَصْفِ أَنَّ الْحَقَّ فِي الِاسْتِرْدَادِ لِلْبَائِعِ ، فَهُوَ الَّذِي سَلَّطَ الْمُشْتَرِيَ عَلَى هَذَا الْبِنَاءِ بِإِيجَابِ الْمِلْكِ لَهُ فِيهَا وَالْبَيْعُ ، وَإِنْ فَسَدَ شَرْعًا ، فَالتَّسْلِيطُ مِنْ الْبَائِعِ بَقِيَ مُعْتَبَرًا فِي حَقِّهِ ، وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ أَنَّ سَائِرَ تَصَرُّفَاتِ الْمُشْتَرِي مِنْ الْبَيْعِ ، وَالْهِبَةِ ،
وَالصَّدَقَةِ لَا تُنْقَضُ لِحَقِّ الْبَائِعِ فِي الِاسْتِرْدَادِ وَمَا كَانَ ذَلِكَ إلَّا بِاعْتِبَارِ تَسْلِيطِهِ إيَّاهُ عَلَى ذَلِكَ ، وَبِهِ فَارَقَ الشَّفِيعَ ، فَإِنَّهُ لَمْ يُوجَدْ مِنْهُ تَسْلِيطُ الْمُشْتَرِي عَلَى التَّصَرُّفِ ؛ وَلِهَذَا يُنْقَضُ سَائِرُ تَصَرُّفَاتِ الْمُشْتَرِي لِحَقِّ الشَّفِيعِ فَكَذَلِكَ يُنْقَضُ بِنَاؤُهُ وَإِذَا عَرَفْنَا هَذَا ، فَنَقُولُ : عِنْدَهُمَا لَا يَجِبُ لِلشَّفِيعِ فِيهَا الشُّفْعَةُ لِبَقَاءِ حَقِّ الْبَائِعِ فِي الِاسْتِرْدَادِ وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ يَجِبُ لِلشَّفِيعِ فِيهَا الشُّفْعَةُ ؛ لِأَنَّ حَقَّ الْبَائِعِ فِي الِاسْتِرْدَادِ قَدْ انْقَطَعَ فَيَأْخُذُهَا الشَّفِيعُ بِقِيمَتِهَا وَيُنْقَضُ بِنَاءُ الْمُشْتَرِي لِحَقِّ الشَّفِيعِ وَهُمَا بِهَذَا الْحَرْفِ يَسْتَدِلَّانِ عَلَى أَبِي حَنِيفَةَ فَيَقُولَانِ : لَا قَرَارَ لِهَذَا الْبِنَاءِ بِالِاتِّفَاقِ ، بَلْ رَفْعُهُ مُسْتَحَقٌّ إمَّا لَحِقَ الْبَائِعِ ، أَوْ لِحَقِّ الشَّفِيعِ وَأَبُو حَنِيفَةَ يَقُولُ : لِهَذَا الْبِنَاءِ قَرَارٌ فِي حَقِّ الْبَائِعِ ، فَإِنَّهُ حَصَلَ بِتَسْلِيطٍ فَيَنْقَطِعُ بِهِ حَقُّ الْبَائِعِ فِي الِاسْتِرْدَادِ ، وَلَكِنْ لَا قَرَارَ لَهُ فِي حَقِّ الشَّفِيعِ ، فَيَكُونُ لَهُ أَنْ يَنْقُضَهُ لِلْأَخْذِ بِالشُّفْعَةِ ، وَهُوَ بِمَنْزِلَةِ تَصَرُّفٍ آخَرَ مِنْ الْمُشْتَرِي فِيهَا ، كَالْبَيْعِ ، وَالْهِبَةِ ، وَالصَّدَقَةِ ، فَإِنَّهُ يَقْطَعُ حَقَّ الْبَائِعِ فِي الِاسْتِرْدَادِ ، ثُمَّ يُنْقَضُ ذَلِكَ التَّصَرُّفُ لِحَقِّ الشَّفِيعِ يَقُولُ : فَإِنْ بَاعَهَا الْمُشْتَرِي بَيْعًا صَحِيحًا فَلِلشَّفِيعِ الْخِيَارُ إنْ شَاءَ أَخَذَهَا بِالْبَيْعِ الثَّانِي بِالثَّمَنِ الْمُسَمَّى ، وَإِنْ شَاءَ أَبْطَلَ الْبَيْعَ الثَّانِي وَأَخَذَهَا بِالْبَيْعِ الْأَوَّلِ بِالْقِيمَةِ لِاجْتِمَاعِ سَبَبَيْنِ فِيهَا لِثُبُوتِ حَقِّ الْأَخْذِ لَهُ ، فَيَأْخُذُ بِأَيِّ السَّبَبَيْنِ شَاءَ ، وَهُمَا يُفَرِّقَانِ بَيْنَ هَذَا وَبَيْنَ الْبِنَاءِ وَيَقُولَانِ : تَصَرُّفُ الْمُشْتَرِي هُنَا حَصَلَ فِي غَيْرِ مَا هُوَ مَمْلُوكٌ لَهُ بِالْعَقْدِ الْفَاسِدِ وَفِي الْبِنَاءِ حَقُّهُ فِي الْبَيْعِ ؛ لِأَنَّ الْبِنَاءَ بَيْعٌ لِلْأَصْلِ وَفِي هَذَا الْقَوْلِ
إشْكَالٌ ، فَالشَّفِيعُ إذَا نَقَضَ الْبَيْعَ الثَّانِيَ ، فَقَدْ صَارَ ذَلِكَ كَأَنْ لَمْ يَكُنْ وَقِيلَ الْبَيْعُ الثَّانِي يُرَدُّ عَلَى الْبَائِعِ الْأَوَّلِ ، وَلَا شُفْعَةَ فِيهَا فَكَذَلِكَ بَعْدَ مَا اُنْتُقِضَ الْبَيْعُ الثَّانِي مِنْ الْأَصْلِ ، وَلَكِنَّ الْجَوَابَ عَنْهُ أَنَّ الْبَيْعَ الثَّانِيَ مِنْ الْأَصْلِ الثَّانِي صَحِيحٌ مُزِيلٌ لِمِلْكِ الْمُشْتَرِي ، وَإِنَّمَا يُنْقَضُ لِحَقِّ الشَّفِيعِ فَمَا يَكُونُ مِنْ مُقْتَضَيَاتِ حَقِّ الشَّفِيعِ لَا يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ مُبْطِلًا حَقَّهُ فِي الْأَخْذِ بِالشُّفْعَةِ ، وَإِنْ اشْتَرَاهَا شِرَاءً فَاسِدًا وَلَمْ يَقْبِضْهَا حَتَّى بِيعَتْ دَارٌ إلَى جَنْبِهَا فَلِلْبَائِعِ أَنْ يَأْخُذَ هَذِهِ الدَّارَ بِالشُّفْعَةِ ؛ لِأَنَّ الْأَوَّلَ فِي مِلْكِهِ بُعْدٌ ، فَيَكُونُ جَارًا بِمِلْكِهِ الدَّارَ الْأُخْرَى ، فَإِنْ سَلَّمَهَا إلَى الْمُشْتَرِي بَطَلَتْ شُفْعَتُهُ ؛ لِأَنَّهُ أَزَالَ جِوَارَهُ بِاخْتِيَارِهِ قَبْلَ الْأَخْذِ بِالشُّفْعَةِ ، وَلَا شُفْعَةَ فِيهَا لِلْمُشْتَرِي ؛ لِأَنَّ جِوَارَهُ مُحْدَثٌ بَعْدَ بَيْعِ تِلْكَ الدَّارِ .
وَإِنْ اشْتَرَاهَا بِخَمْرٍ ، أَوْ خِنْزِيرٍ ، وَالْمُتَعَاقِدَانِ مُسْلِمَانِ ، أَوْ أَحَدُهُمَا وَشَفِيعُهَا نَصْرَانِيٌّ ، فَلَا شُفْعَةَ فِيهِ ؛ لِأَنَّ الْبَيْعَ فَاسِدٌ ، وَالْخَمْرُ وَالْخِنْزِيرُ لَيْسَا بِمَالٍ مُتَقَوِّمٍ فِي حَقِّ الْمُسْلِمِ مِنْهُمَا وَفِي الْبَيْعِ الْفَاسِدِ لَا تَجِبُ الشُّفْعَةُ لِمُسْلِمٍ ، وَلَا كَافِرٍ ، وَإِنْ اشْتَرَاهَا كَافِرٌ مِنْ كَافِرٍ وَشَفِيعُهَا مُسْلِمٌ ، فَالْبَيْعُ صَحِيحٌ ؛ لِأَنَّ الْخَمْرَ ، وَالْخِنْزِيرَ فِي حَقِّهِمْ مَالٌ مُتَقَوِّمٌ ، كَالْبَعِيرِ وَالشَّاةِ فِي حَقِّ الْمُسْلِمِينَ ، فَإِنْ كَانَ شَفِيعُهَا نَصْرَانِيًّا أَخَذَهَا بِمِثْلِ الْخَمْرِ الْمُشْتَرَى بِهَا أَوْ بِقِيمَةِ الْخِنْزِيرِ ؛ لِأَنَّ الْخَمْرَ مِنْ ذَوَاتِ الْأَمْثَالِ فَيَأْخُذُهَا الشَّفِيعُ بِمِثْلِ مَا يُمْلَكُ بِهِ الْمُشْتَرَى صُورَةً وَمَعْنًى ، وَفِي الْخِنْزِيرِ يَأْخُذُهَا بِقِيمَتِهِ وَلَوْ كَانَ الشَّفِيعُ مُسْلِمًا أَخَذَهَا بِقِيمَةِ الْخَمْرِ ، وَالْخِنْزِيرِ ؛ لِأَنَّ الْمُسْلِمَ عَاجِزٌ عَنْ تَمْلِيكِ الْخَمْرِ قَصْدًا فَعَلَيْهِ قِيمَتُهَا وَهُوَ مُعْتَبَرٌ بِالِاسْتِهْلَاكِ ، فَإِنَّ خَمْرَ النَّصْرَانِيِّ عِنْدَ الِاسْتِهْلَاكِ مَضْمُونٌ عَلَى النَّصْرَانِيِّ بِالْمِثْلِ وَعَلَى الْمُسْلِمِ بِالْقِيمَةِ فَكَذَلِكَ فِي حَقِّ الشَّفِيعِ ، وَطَرِيقُ مَعْرِفَةِ الْقِيمَةِ وَالرُّجُوعُ فِيهَا إلَى مَنْ أَسْلَمَ مِنْ أَهْلِ الذِّمَّةِ ، أَوْ مَنْ تَابَ مِنْ فَسَقَةِ الْمُسْلِمِينَ ، فَإِنْ وَقَعَ الِاخْتِلَافُ فِي ذَلِكَ ، فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُشْتَرِي بِمَنْزِلَةِ مَا إذَا اخْتَلَفَ الشَّفِيعُ ، وَالْمُشْتَرِي فِي مِقْدَارِ الثَّمَنِ .
وَإِذَا اشْتَرَى أَرْضًا شِرَاءً فَاسِدًا فَزَرَعَهَا وَغَرَسَ فِيهَا الشَّجَرَ فَنَقَضَهَا ذَلِكَ ، ثُمَّ جَاءَ الشَّفِيعُ ، وَالْبَائِعُ فَلِلشَّفِيعِ أَنْ يَأْخُذَهَا بِقِيمَتِهَا فِي قِيَاسِ قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ ؛ لِأَنَّ الْغَرْسَ ، كَالْبِنَاءِ فَكَمَا لَا يُنْقَضُ بِنَاءُ الْمُشْتَرِي لِحَقِّ الْبَائِعِ عِنْدَهُ فَكَذَلِكَ لَا تُقْلَعُ أَشْجَارُهُ وَإِذَا انْقَطَعَ حَقُّ الْبَائِعِ فِي الِاسْتِرْدَادِ وَجَبَ لِلشَّفِيعِ فِيهَا الشُّفْعَةُ بِقِيمَتِهَا ، إلَّا أَنَّهُ يُطْرَحُ عَنْهُ مِنْ ذَلِكَ بِقَدْرِ مَا نَقَضَ الْأَرْضَ مِنْ عَمَلِ الْمُشْتَرِي ؛ لِأَنَّهُ فِي مَعْنَى الْمُتْلِفِ لِجُزْءٍ مِنْهَا ، وَقَدْ بَيَّنَّا أَنَّ لِمَا يُتْلِفُهُ الْمُشْتَرِي حِصَّةً مِنْ الثَّمَنِ فِي حَقِّ الشَّفِيعِ يُطْرَحُ عَنْهُ بِقَدْرِهِ ، كَالْبِنَاءِ إذَا أَحْرَقَهُ وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ يُقْلَعُ الشَّجَرُ كَمَا يُهْدَمُ الْبِنَاءُ وَيُرَدُّ عَلَى الْبَائِعِ ، وَلَا شُفْعَةَ فِيهَا ، وَكَذَلِكَ إنْ اتَّخَذَهَا مَسْجِدًا ، ثُمَّ خَاصَمَهُ الْبَائِعُ فِيهَا فَلَهُ الْقِيمَةُ فِي قِيَاسِ قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ ؛ لِأَنَّ تَصَرُّفَ الْمُشْتَرِي بِتَسْلِيطِ الْبَائِعِ ، فَلَا يُنْقَضُ لِحَقِّهِ وَعِنْدَهُمَا يُرَدُّ عَلَى الْبَائِعِ كَمَا لَوْ بَنَى فِيهَا الْمُشْتَرِي بِنَاءً آخَرَ وَذَكَرَ هِلَالٌ هُنَاكَ فِي كِتَابِ الْوَقْفِ أَنَّ حَقَّ الْبَائِعِ فِي الْقِيمَةِ عِنْدَهُمْ جَمِيعًا ؛ لِأَنَّ الْمَسْجِدَ يَتَحَرَّرُ عَنْ حَقِّ الْعِبَادِ وَيَصِيرُ خَالِصًا لِلَّهِ تَعَالَى ، فَهُوَ نَظِيرُ الْعِتْقِ فِي الْعَبْدِ الَّذِي اشْتَرَاهُ شِرَاءً فَاسِدًا ، ثُمَّ هَذَا تَصَرُّفٌ مِنْ الْمُشْتَرِي فِي عَيْنِ مَا يَمْلِكُهُ بِالْعَقْدِ الْفَاسِدِ وَلَوْ تَصَرَّفَ فِيهِ بِنَقْلِ الْمِلْكِ إلَى غَيْرِهِ لَمْ يُنْقَضْ تَصَرُّفُهُ لِحَقِّ الْبَائِعِ فِي الِاسْتِرْدَادِ ، فَإِذَا تَصَرَّفَ فِيهِ بِإِبْطَالِ الْمِلْكِ أَوْلَى ، فَإِنْ بَاعَ نِصْفَهَا بَيْعًا صَحِيحًا يُرَدُّ النِّصْفُ الثَّانِي عَلَى الْبَائِعِ اعْتِبَارًا لِلْبَعْضِ بِالْكُلِّ وَيَأْخُذُ الشَّفِيعُ النِّصْفَ الْآخَرَ بِالثَّمَنِ الْآخَرِ هَكَذَا قَالَ ، وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ يَتَخَيَّرُ بَيْنَ أَنْ
يَأْخُذَ النِّصْفَ بِنِصْفِ الْقِيمَةِ بِحُكْمِ الْبَيْعِ الْأَوَّلِ لَمَّا انْقَطَعَ حَقُّ الْبَائِعِ فِي الِاسْتِرْدَادِ فِيهِ وَبَيْنَ أَنْ يَأْخُذَهُ بِالْبَيْعِ بِالثَّمَنِ الْمُسَمَّى اعْتِبَارًا لِلْبَعْضِ بِالْكُلِّ وَإِذَا أَخَذَهُ بِالثَّمَنِ الْآخَرِ يُصَدَّقُ الْمُشْتَرِي بِفَضْلِ نِصْفِ الثَّمَنِ عَلَى نِصْفِ الْقِيمَةِ ، فَإِنَّهُ إنَّمَا يَغْرَمُ لِلْبَائِعِ نِصْفَ الْقِيمَةِ ، فَالْفَضْلُ حَصَلَ لَهُ بِكَسْبٍ خَبِيثٍ فَيُؤْمَرُ بِالتَّصَدُّقِ بِهِ .
وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .
بَابُ الشُّفْعَةِ فِي الْمَرِيضِ .
( قَالَ : رَحِمَهُ اللَّهُ مَرِيضٌ بَاعَ دَارًا بِأَلْفَيْ دِرْهَمٍ وَقِيمَتُهَا ثَلَاثَةُ آلَافِ دِرْهَمٍ ، وَلَا مَالَ لَهُ غَيْرُهَا ، ثُمَّ مَاتَ وَابْنُهُ شَفِيعُ الدَّارِ ، فَلَا شُفْعَةَ لِلِابْنِ فِيهَا ) ؛ لِأَنَّهُ لَوْ بَاعَهَا مِنْ أَبِيهِ بِهَذَا الثَّمَنِ لَمْ يَجُزْ ، وَقَدْ بَيَّنَّا أَنَّ الشَّفِيعَ يَتَقَدَّمُ عَلَى الْمُشْتَرِي شَرْعًا فِي ثُبُوتِ الْمِلْكِ لَهُ بِالسَّبَبِ الَّذِي يَمْلِكُ بِهِ الْمُشْتَرِي ، وَقَدْ تَعَذَّرَ ذَلِكَ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ .
يُوَضِّحُهُ : إمَّا أَنْ يَأْخُذَهَا بِأَلْفَيْنِ كَمَا أَخَذَهَا الْمُشْتَرِي ، فَيَكُونُ ذَلِكَ وَصِيَّةً مِنْ الْمَرِيضِ لِوَارِثِهِ خُصُوصًا إذَا أَخَذَهَا مِنْ يَدِ الْبَائِعِ ، وَلَا وَصِيَّةَ لِوَارِثٍ ، أَوْ يَأْخُذَهَا بِثَلَاثَةِ آلَافٍ ، وَذَلِكَ لَا يَسْتَقِيمُ ؛ لِمَا فِيهِ مِنْ إثْبَاتِ ثَمَنٍ فِي حَقِّ الشَّفِيعِ لَيْسَ ذَلِكَ بِثَابِتٍ فِي حَقِّ الْمُشْتَرِي ، فَإِذَا تَعَذَّرَ الْوَجْهَانِ قُلْنَا لَا شُفْعَةَ لَهُ أَصْلًا .
وَذُكِرَ فِي كِتَابِ الْوَصَايَا : أَنَّ عَلَى قَوْلِهِمَا لَهُ أَنْ يَأْخُذَهَا بِقِيمَتِهَا إنْ شَاءَ ، وَالْأَصَحُّ مَا ذَكَرْنَا هُنَا ، فَإِنَّهُ نَصَّ فِي الْجَامِعِ عَلَى أَنَّهُ قَوْلُهُمْ جَمِيعًا وَلَوْ كَانَ الِابْنُ هُوَ الْمُشْتَرِيَ لِلدَّارِ مِنْ أَبِيهِ وَأَجْنَبِيٌّ شَفِيعُهَا ، فَإِنْ كَانَ اشْتَرَاهَا بِمِثْلِ الْقِيمَةِ ، فَلَا شُفْعَةَ لِلشَّفِيعِ فِيهَا فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَفِي قَوْلِهِمَا لِلشَّفِيعِ فِيهَا الشُّفْعَةُ ، وَهَذَا بِنَاءٌ عَلَى أَنَّ بَيْعَ الْمَرِيضِ مِنْ وَارِثِهِ بِمِثْلِ قِيمَتِهِ لَا يَجُوزُ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَيَجُوزُ فِي قَوْلِهِمَا ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي تَصَرُّفِهِ إبْطَالُ حَقِّ الْوَرَثَةِ عَنْ شَيْءٍ مِمَّا تَعَلَّقَ حَقُّهُمْ بِهِ وَهُوَ الْمَالِيَّةُ ، وَالْوَارِثُ وَالْأَجْنَبِيُّ فِي مِثْلِ هَذَا التَّصَرُّفِ سَوَاءٌ كَمَا لَوْ أَعَانَهُ بِبَدَنِهِ .
يُوَضِّحُهُ : أَنَّهُ مَمْنُوعٌ مِنْ الْوَصِيَّةِ لِلْوَارِثِ كَمَا أَنَّهُ مَمْنُوعٌ مِنْ الْوَصِيَّةِ بِمَا زَادَ عَلَى الثُّلُثِ لِلْأَجْنَبِيِّ ، ثُمَّ الْبَيْعُ بِمِثْلِ الْقِيمَةِ مِنْ الْمَرِيضِ
صَحِيحٌ فِي حَقِّ الْأَجْنَبِيِّ فِي جَمِيعِ مَالِهِ ، وَلَا يَكُونُ ذَلِكَ وَصِيَّةً بِشَيْءٍ ، فَكَذَلِكَ مَعَ الْوَارِثِ يُوَضِّحُهُ أَنَّهُ إذَا كَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ مُسْتَغْرِقٌ فَبَاعَ بَعْضَ مَالِهِ مِنْ آخَرَ بِمِثْلِ قِيمَتِهِ يَجُوزُ ، وَهُوَ مَمْنُوعٌ فِي هَذِهِ الْحَالِ مِنْ الْوَصِيَّةَ بِشَيْءٍ مِنْ مَالِهِ ، ثُمَّ لَمْ يُجْعَلْ بَيْعُهُ بِمِثْلِ قِيمَتِهِ وَصِيَّةً مِنْهُ فَكَذَلِكَ فِي حَقِّ الْوَارِثِ وَأَبُو حَنِيفَةَ يَقُولُ : آثَرَ بَعْضَ وَرَثَتِهِ بِعَيْنٍ مِنْ أَعْيَانِ مَالِهِ بِقَوْلِهِ ، وَهُوَ مَحْجُورٌ عَنْ ذَلِكَ لِحَقِّ سَائِرِ الْوَرَثَةِ كَمَا لَوْ أَوْصَى بِأَنْ يُعْطَى أَحَدُ وَرَثَتِهِ هَذِهِ الدَّارَ بِنَصِيبِهِ مِنْ الْمِيرَاثِ وَهَذَا ؛ لِأَنَّ حَقَّ الْوَرَثَةِ يَتَعَلَّقُ بِالْعَيْنِ فِيمَا بَيْنَهُمْ كَمَا يَتَعَلَّقُ بِالْمَالِيَّةِ وَعَلَى هَذَا لَوْ أَرَادَ بَعْضُهُمْ أَنْ يَجْعَلَ شَيْئًا لِنَفْسِهِ بِنَصِيبِهِ مِنْ الْمِيرَاثِ لَا يَمْلِكُ ذَلِكَ ، إلَّا بِرِضَا سَائِرِ الْوَرَثَةِ فَكَمَا أَنَّهُ لَوْ قَصَدَ إيثَارَ الْبَعْضِ بِشَيْءٍ مِنْ مَالِهِ رُدَّ عَلَيْهِ قَصْدُهُ فَكَذَلِكَ إذَا قَصَدَ إيثَارَهُ بِالْعَيْنِ وَهَذَا ؛ لِأَنَّ لِلنَّاسِ فِي الْأَعْيَانِ أَغْرَاضًا ، فَقَدْ يَفْتَخِرُ الْإِنْسَانُ بِخَطِّهِ إيَّاهُ فَوْقَ مَا يَفْتَخِرُ بِكَثْرَةِ مَالِهِ ، وَإِنَّمَا نَفَى الشَّرْعُ وَصِيَّةَ الْمَرِيضِ لِبَعْضِ الْوَرَثَةِ دَفْعًا لِلْغَضَاضَةِ عَنْ سَائِرِ الْوَرَثَةِ ، وَذَلِكَ الْمَعْنَى يَتَحَقَّقُ هُنَا ؛ فَلِهَذَا يَمْتَنِعُ بِبَيْعِهِ مِنْهُ بِمِثْلِ قِيمَتِهِ وَبِأَكْثَرَ بِخِلَافِ الْأَجْنَبِيِّ ، فَإِنَّهُ غَيْرُ مَمْنُوعٍ مِنْ التَّصَرُّفِ مَعَ الْأَجْنَبِيِّ فِيمَا يَرْجِعُ إلَى الْعَيْنِ وَإِنَّمَا يُمْنَعُ مِنْ إبْطَالِ حَقِّ الْوَرَثَةِ عَنْ ثُلُثَيْ مَالِهِ ، وَلَيْسَ فِي الْبَيْعِ بِمِثْلِ الْقِيمَةِ مِنْ الْأَجْنَبِيِّ إبْطَالُ حَقِّ الْوَرَثَةِ عَنْ شَيْءٍ مِنْ مَالِهِ ، وَالدَّلِيلُ عَلَى الْفَرْقِ أَنَّ إقْرَارَ الْمَرِيضِ لِلْأَجْنَبِيِّ بِالدَّيْنِ ، أَوْ بِالْعَيْنِ وَإِقْرَارُهُ بِاسْتِيفَاءِ الدَّيْنِ مِنْهُ صَحِيحٌ فِي حَقِّ الْوَرَثَةِ ، وَشَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ لَا يَصِحُّ مَعَ
الْوَارِثِ وَيُجْعَلُ وَصِيَّةً مِنْهُ فَكَذَلِكَ الْبَيْعُ بِمِثْلِ الْقِيمَةِ ، وَهَذَا بِخِلَافِ بَيْعِهِ مِنْ الْأَجْنَبِيِّ إذَا كَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ مُسْتَغْرِقٌ ؛ لِأَنَّ الْمَنْعَ لِحَقِّ الْغُرَمَاءِ ، وَحَقُّهُمْ فِي دُيُونِهِمْ لَا فِي عَيْنِ مَالِ الْمَرِيضِ ، أَلَا تَرَى أَنَّ لِلْوَارِثِ أَنْ يَسْتَخْلِصَ الْعَيْنَ لِنَفْسِهِ بِقَضَاءِ الدَّيْنِ مِنْ مَالٍ آخَرَ ، فَإِذَا لَمْ يَكُنْ فِي الْبَيْعِ بِمِثْلِ الْقِيمَةِ إبْطَالُ حَقِّهِمْ عَنْ شَيْءٍ مِمَّا تَعَلَّقَ بِهِ حَقُّهُمْ كَانَ صَحِيحًا بِخِلَافِ مَا نَحْنُ فِيهِ ، وَالدَّلِيلُ عَلَى الْفَرْقِ أَنَّهُ لَوْ بَاعَ عَيْنًا فِي صِحَّتِهِ مِنْ أَجْنَبِيٍّ ، ثُمَّ أَقَرَّ بِاسْتِيفَاءِ الثَّمَنِ مِنْهُ فِي مَرَضِهِ صَحَّ إقْرَارُهُ فِي حَقِّ الْغُرَمَاءِ وَبِمِثْلِهِ لَوْ بَاعَهُ مِنْ دَارٍ بِهِ لَمْ يَصِحَّ إقْرَارُهُ بِاسْتِيفَاءِ الثَّمَنِ مِنْهُ فِي مَرَضِهِ فِي حَقِّ سَائِرِ الْوَرَثَةِ ، وَالْفَرْقُ مَا ذَكَرْنَا ، إذَا عَرَفْنَا هَذَا ، فَنَقُولُ : عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ لَا شُفْعَةَ لِلشَّفِيعِ ؛ لِأَنَّ الْبَيْعَ فَاسِدٌ .
وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ لَمَّا صَحَّ الْبَيْعُ كَانَ لِلشَّفِيعِ أَنْ يَأْخُذَهَا بِالشُّفْعَةِ وَلَوْ كَانَ بَاعَهَا مِنْ ابْنِهِ بِأَلْفَيْ دِرْهَمٍ وَقِيمَتُهَا ثَلَاثَةُ آلَافٍ ، فَلَا إشْكَالَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ الْبَيْعَ فَاسِدٌ ، وَلَا شُفْعَةَ لِلشَّفِيعِ وَعِنْدَهُمَا لِلشَّفِيعِ أَنْ يَأْخُذَهَا بِثَلَاثَةِ آلَافِ دِرْهَمٍ إنْ شَاءَ فِي رِوَايَةِ كِتَابِ الشُّفْعَةِ ؛ لِأَنَّ الشَّفِيعَ قَائِمٌ مَقَامَ الْمُشْتَرِي ، وَقَدْ كَانَ لِلِابْنِ أَنْ يُزِيلَ الْمُحَابَاةَ وَيَأْخُذَهَا بِثَلَاثَةِ آلَافٍ إنْ شَاءَ فَكَذَلِكَ لِلشَّفِيعِ أَنْ يَأْخُذَهَا بِذَلِكَ وَذَكَرَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ أَنَّ الشَّفِيعَ لَا يَأْخُذُهَا بِالشُّفْعَةِ هُنَا ؛ لِأَنَّ عِنْدَهُمَا بَيْعُ الْمَرِيضِ مِنْ وَارِثِهِ إنَّمَا يَجُوزُ بِاعْتِبَارِ أَنَّهُ لَا وَصِيَّةَ فِي تَصَرُّفِهِ وَفِي الْبَيْعِ بِالْمُحَابَاةِ وَصِيَّةٌ ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ حَصَلَ مَعَ أَجْنَبِيٍّ آخَرَ كَانَ مُعْتَبَرًا مِنْ الثُّلُثِ ، وَلَا وَصِيَّةَ لِوَارِثٍ فَكَانَ الْبَيْعُ فَاسِدًا ،
وَلَا شُفْعَةَ فِي الْبَيْعِ الْفَاسِدِ وَبِأَنْ كَانَ الْمُشْتَرِي يَتَمَكَّنُ مِنْ إزَالَةِ الْمُفْسِدِ ، فَذَلِكَ لَا يُوجِبُ الشُّفْعَةَ لِلشَّفِيعِ كَمَا لَوْ اشْتَرَاهَا بِشَرْطِ أَجَلٍ فَاسِدٍ ، أَوْ خِيَارٍ فَاسِدٍ ، وَقَدْ رُوِيَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّ لِلشَّفِيعِ أَنْ يَأْخُذَهَا بِالْقِيمَةِ ؛ لِأَنَّهُ يَتَقَدَّمُ عَلَى الْمُشْتَرِي شَرْعًا فَيُجْعَلُ كَأَنَّ الْبَيْعَ مِنْ الْمَرِيضِ كَانَ مِنْهُ بِهَذَا الثَّمَنِ ، وَالْأَصَحُّ مَا ذَهَبَ إلَيْهِ أَبُو حَنِيفَةَ ، فَإِنَّ نَفْسَ الْبَيْعِ وَصِيَّةٌ ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ أَوْصَى بِأَنْ تُبَاعُ دَارُهُ مِنْ فُلَانٍ بِمِثْلِ قِيمَتِهَا يَجِبُ تَنْفِيذُ الْوَصِيَّةِ بَعْدَ مَوْتِهِ إذَا طَلَبَ الْمُوصَى لَهُ ، وَإِنَّ الْمُوصَى لَهُ بِالْبَيْعِ يُزَاحِمُ سَائِرَ أَصْحَابِ الْوَصَايَا ، فَإِذَا ثَبَتَ أَنَّ نَفْسَ الْبَيْعِ وَصِيَّةً ، وَقَدْ نَفَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْوَصِيَّةَ لِلْوَارِثِ قُلْنَا لَا يَجُوزُ مِنْهُ الْبَيْعُ أَصْلًا .
وَإِذَا اشْتَرَى الْمَرِيضُ دَارًا بِأَلْفَيْ دِرْهَمٍ وَقِيمَتُهَا أَلْفُ دِرْهَمٍ وَلَهُ سِوَى ذَلِكَ أَلْفُ دِرْهَمٍ ، ثُمَّ مَاتَ ، فَالْبَيْعُ جَائِزٌ وَلِلشَّفِيعِ فِيهَا الشُّفْعَةُ ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا حَابَاهُ بِقَدْرِ الثُّلُثِ ، وَذَلِكَ صَحِيحٌ مِنْهُ فِي حَقِّ الْأَجْنَبِيِّ فَيَجِبُ لِلشَّفِيعِ فِيهَا الشُّفْعَةُ وَلَوْ كَانَ بَاعَ دَارًا بِقِيمَتِهَا ، أَوْ أَكْثَرَ وَوَارِثُهُ شَفِيعُهَا ، فَلَا شُفْعَةَ لَهُ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ ؛ لِأَنَّ بَيْعَهُ مِنْ الْوَارِثِ لَا يَجُوزُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ ، وَكَذَلِكَ بَيْعُهُ مِنْ الْأَجْنَبِيِّ لَا يَكُونُ مُثْبِتًا حَقَّ الْأَخْذِ بِالشُّفْعَةِ لِلْوَارِثِ وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ لِلْوَارِثِ أَنْ يَأْخُذَهَا بِالشُّفْعَةِ ؛ لِأَنَّهُ لَوْ بَاعَهَا مِنْهُ بِذَلِكَ الثَّمَنِ جَازَ الْبَيْعُ فَكَذَلِكَ إذَا بَاعَهَا مِنْ أَجْنَبِيٍّ آخَرَ وَالْوَارِثُ شَفِيعُهَا ؛ لِأَنَّ الشَّفِيعَ يَتَقَدَّمُ عَلَى الْمُشْتَرِي فِي تَمَلُّكِهَا بِالسَّبَبِ الَّذِي بَاشَرَهُ الْمُشْتَرِي إذَا أَخَذَهَا بِالشُّفْعَةِ ، وَإِنْ بَاعَهَا بِأَلْفَيْنِ وَقِيمَتُهَا ثَلَاثَةُ آلَافِ دِرْهَمٍ وَشَفِيعُهَا أَجْنَبِيٌّ فَلَهُ أَنْ يَأْخُذَهَا بِأَلْفَيْنِ ؛ لِأَنَّ الْمُحَابَاةَ بِقَدْرِ الثُّلُثِ ، وَذَلِكَ صَحِيحٌ مِنْهُ فِي حَقِّ الْأَجْنَبِيِّ ، فَإِنْ قِيلَ كَيْف يَأْخُذُهَا الشَّفِيعُ بِأَلْفَيْنِ ، وَالْوَصِيَّةُ كَانَتْ مِنْهُ لِلْمُشْتَرِي دُونَ الشَّفِيعِ ، وَمَنْ أَوْصَى لِإِنْسَانٍ بِشَيْءٍ مِنْ مَالِهِ لَا يَجُوزُ تَنْفِيذُ الْوَصِيَّةِ لِغَيْرِ مَنْ أَوْصَى لَهُ بِهِ قُلْنَا هُوَ كَذَلِكَ فِي وَصِيَّةٍ مَقْصُودَةٍ ، فَالْوَصِيَّةُ هُنَا لَمْ تَكُنْ مَقْصُودَةً ، وَإِنَّمَا كَانَتْ فِي ضِمْنِ الْبَيْعِ ، أَلَا تَرَى أَنَّهَا لَا تَبْقَى بَعْدَ مَا بَطَلَ الْبَيْعُ وَفِي حَقِّ الْبَيْعِ الشَّفِيعُ صَارَ مُقَدَّمًا عَلَى الْمُشْتَرِي شَرْعًا فَكَذَلِكَ فِيمَا هُوَ مِنْ مُتَضَمَّنَاتِ الْبَيْعِ ، وَلَمَّا أُوجِبَ الْبَيْعُ لَهُ بِمَا سُمِّيَ مِنْ الثَّمَنِ مَعَ عِلْمِهِ أَنَّ الشَّفِيعَ يَتَمَكَّنُ مِنْ الْأَخْذِ بِمِثْلِ مَا اشْتَرَى بِهِ الْمُشْتَرِي فَكَأَنَّهُ أَوْجَبَ الْوَصِيَّةَ بِالْمُحَابَاةِ
لِلْمُشْتَرِي إنْ سَلَّمَ الشَّفِيعُ لَهُ وَلِلشَّفِيعِ أَنْ يَأْخُذَهَا بِالشُّفْعَةِ وَإِنْ كَانَ لِلدَّارِ شَفِيعَانِ أَحَدُهُمَا وَارِثٌ ، فَلَا شُفْعَةَ لِلْوَارِثِ ؛ لِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يَكُنْ لَهَا شَفِيعٌ سِوَاهُ لَمْ يَسْتَحِقَّهَا بِالشُّفْعَةِ فِي هَذَا الْبَيْعِ ، فَإِذَا كَانَ مَعَهُ شَفِيعٌ آخَرُ أَوْلَى أَنْ لَا يَسْتَحِقَّهَا ، وَإِذَا انْعَدَمَتْ مُزَاحَمَتُهُ كَانَ لِلْأَجْنَبِيِّ أَنْ يَأْخُذَ الْكُلَّ بِالشُّفْعَةِ بِمَنْزِلَةِ مَا لَوْ سَلَّمَ أَحَدُ الشَّفِيعِينَ شُفْعَتَهُ ، وَإِنْ بَاعَهَا بِأَلْفِ دِرْهَمٍ وَهِيَ تُسَاوِي أَلْفَيْنِ ، وَلَيْسَ لَهُ مَالٌ غَيْرُهَا قِيلَ لِلْمُشْتَرِي إنْ شِئْتَ فَخُذْهَا بِثُلُثَيْ الْأَلْفَيْنِ ، وَإِنْ شِئْت فَدَعْ ؛ لِأَنَّهُ حَابَاهُ بِنِصْفِ مَالِهِ ، وَلَا يُمْكِنُ تَنْفِيذُ الْمُحَابَاةِ ، إلَّا فِي مِقْدَارِ الثُّلُثِ ، وَالْمُشْتَرِي يَتَمَكَّنُ مِنْ إزَالَةِ الْمَانِعِ بِأَنْ يَلْتَزِمَ إلَى تَمَامِ ثُلُثَيْ الْأَلْفَيْنِ ، إلَّا أَنَّهُ يَتَخَيَّرُ فِي ذَلِكَ ؛ لِأَنَّهُ يَلْزَمُهُ زِيَادَةٌ فِي الثَّمَنِ لَمْ يَرْضَ بِالْتِزَامِهَا ، فَإِنْ شَاءَ فَسَخَ الْبَيْعَ لِأَجَلِهِ ، وَلَا شَيْءَ لَهُ ؛ لِأَنَّ الْوَصِيَّةَ كَانَتْ فِي ضِمْنِ الْبَيْعِ ، وَقَدْ بَطَلَ الْبَيْعُ ، وَإِنْ شَاءَ الْتَزَمَ ذَلِكَ فَيُسَلِّمُ لَهُ الْوَصِيَّةَ بِقَدْرِ الثُّلُثِ كَمَا لَوْ كَانَ اشْتَرَاهَا فِي الِابْتِدَاءِ بِثُلُثَيْ الْأَلْفَيْنِ وَأَيُّ ذَلِكَ فَعَلَ كَانَ لِلشَّفِيعِ فِيهَا الشُّفْعَةُ أَمَّا عِنْدَ إمْضَاءِ الْبَيْعِ ، فَلَا إشْكَالَ وَأَمَّا عِنْدَ الرَّدِّ فَلِأَنَّ الْبَيْعَ كَانَ صَحِيحًا مُوجِبًا لِلشُّفْعَةِ حَتَّى إذَا ظَهَرَ لِلْمَيِّتِ مَالٌ آخَرُ ، فَالْبَيْعُ سَالِمٌ لِلْمُشْتَرِي وَبِاعْتِبَارِ صِحَّةِ الْبَيْعِ وَجَبَتْ الشُّفْعَةُ لِلشَّفِيعِ ، ثُمَّ الرَّدُّ مِنْ الْمُشْتَرِي يَعْمَلُ فِي إبْطَالِ حَقِّهِ لَا فِي إبْطَالِ حَقِّ الشَّفِيعِ كَمَا لَوْ تَفَاسَخَا الْبَيْعَ ، وَلَكِنَّ الشَّفِيعَ يَأْخُذُهَا بِثُلُثَيْ الْأَلْفَيْنِ ؛ لِأَنَّهَا مَا كَانَتْ تُسَلَّمُ لِلْمُشْتَرِي إلَّا بِهَذَا الْقَدْرِ مِنْ الثَّمَنِ فَكَذَلِكَ الشَّفِيعُ .
وَإِنْ بَاعَهَا بِأَلْفَيْنِ إلَى أَجَلٍ
وَقِيمَتُهَا ثَلَاثَةُ آلَافٍ ، فَالْأَجَلُ بَاطِلٌ ؛ لِأَنَّ الْمُحَابَاةَ بِالْقَدْرِ اسْتَغْرَقَتْ ثُلُثَ الْمَالِ ، فَلَا يُمْكِنُ تَنْفِيذُ الْوَصِيَّةُ بِالْأَجَلِ فِي شَيْءٍ ، وَلَكِنْ يَتَخَيَّرُ الْمُشْتَرِي بَيْنَ أَنْ يَفْسَخَ الْبَيْعَ أَوْ يُؤَدِّيَ الْأَلْفَيْنِ حَالَّةً ؛ لِيَصِلَ إلَى الْوَرَثَةِ كَمَالُ حَقِّهِمْ وَأَيُّ ذَلِكَ فَعَلَ فَلِلشَّفِيعِ أَنْ يَأْخُذَهَا بِالشُّفْعَةِ ؛ لِأَنَّهُ قَائِمٌ مَقَامَ الْمُشْتَرِي فِي حُكْمِ هَذَا الْبَيْعِ كَمَا فِي الْفَصْلِ الْأَوَّلِ وَهَذَا أَظْهَرُ مِنْ ذَلِكَ ، فَالْأَجَلُ فِي الثَّمَنِ لَا يَثْبُتُ فِي حَقِّ الشَّفِيعِ ، وَقَدْ بَيَّنَّا أَنَّ خِيَارَ الْمُشْتَرِي لَا يَمْنَعُ وُجُوبَ الشُّفْعَةِ لِلشَّفِيعِ ، وَإِنْ بَاعَهَا بِثَلَاثَةِ آلَافٍ إلَى سَنَةٍ وَقِيمَتُهَا أَلْفَانِ قِيلَ لِلْمُشْتَرِي : إنْ شِئْتَ فَعَجِّلْ أَلْفَيْنِ ، وَإِنْ شِئْت فَدَعْ فِي قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ ، وَهُوَ قِيَاسُ قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَقَالَ مُحَمَّدٌ : إنْ شَاءَ عَجَّلَ ثُلُثَيْ قِيمَتِهَا وَيَكُونُ الْبَاقِي عَلَيْهِ إلَى أَجَلٍ ، وَإِنْ شَاءَ تَرَكَهُ ، وَقَدْ تَقَدَّمَ بَيَانُ نَظِيرِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فِي كِتَابِ الْعَتَاقِ وَذَكَرْنَا أَنَّ مِنْ أَصْلِ مُحَمَّدٍ أَنَّ تَأْجِيلَ الْمَرِيضِ صَحِيحٌ مُطْلَقًا فِيمَا لَهُ أَنْ لَا يَتَمَلَّكَهُ أَصْلًا كَمَا فِي الصَّدَاقِ وَبَدَلِ الصُّلْحِ عَنْ الْقِصَاصِ .
وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ : جَمِيعُ الْمُسَمَّى مَمْلُوكٌ بِإِزَاءِ مَالٍ تَعَلَّقَ بِهِ حَقُّ الْوَرَثَةِ ، فَلَا يَصِحُّ تَأْجِيلُهُ فِيهِ ، إلَّا بِقَدْرِ الثُّلُثِ ؛ لِأَنَّ التَّأْجِيلَ بِمَنْزِلَةِ الْإِسْقَاطِ مِنْ حَيْثُ إنَّ الْحَيْلُولَةَ تَقَعُ بَيْنَ الْوَرَثَةِ وَبَيْنَ الْمَالِ فِي الْحَالِ بِسَبَبِ الْأَجَلِ ؛ وَلِهَذَا لَوْ رَجَعَ شُهُودُ التَّأْجِيلِ ضَمِنُوا كَمَا تَضْمَنُ شُهُودُ الْإِبْرَاءِ فَعَلَى ذَلِكَ الْأَصْلِ تَنْبَنِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ ، وَقَدْ قَرَّرْنَا هَذَا الْكَلَامَ فِيمَا أَمْلَيْنَاهُ مِنْ شَرْحِ الْجَامِعِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ بِعَيْنِهَا وَأَمَّا الشَّفِيعُ ، فَالْأَجَلُ لَا يَثْبُتُ فِي حَقِّهِ ، وَلَكِنَّهُ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ عَجَّلَ الْمَالَ كُلَّهُ وَأَخَذَ
الدَّارَ كُلَّهَا ، وَإِنْ شَاءَ كَفَّ حَتَّى يَحِلَّ الْمَالُ ، وَقَدْ بَيَّنَّا هَذَا فِي الصَّحِيحِ بِبَيْعِ دَارِهِ بِثَمَنٍ مُؤَجَّلٍ أَنَّ الْأَجَلَ لَا يَثْبُتُ فِي حَقِّ الشَّفِيعِ ، فَهُوَ مِثْلُهُ فِي حَقِّ الْمَرِيضِ وَإِذَا بَاعَ الْمَرِيضُ دَارًا ، أَوْ حَابَى فِيهَا ، ثُمَّ بَرِئَ مِنْ مَرَضِهِ ، وَالشَّفِيعُ وَارِثُهُ ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ عَلِمَ بِالْبَيْعِ حَتَّى الْآنَ فَلَهُ أَنْ يَأْخُذَهَا بِالشُّفْعَةِ ؛ لِأَنَّ الْمَرَضَ إذَا تَعَقَّبَهُ بُرْءٌ ، فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ حَالِ الصِّحَّةِ ، وَإِنْ كَانَ قَدْ عَلِمَ بِالْبَيْعِ ، وَقَدْ بَطَلَتْ الشُّفْعَةُ حَتَّى بَرِئَ مِنْ مَرَضِهِ ، فَلَا شُفْعَةَ لَهُ ؛ لِأَنَّ السَّبَبَ الْمُوجِبَ لِلشُّفْعَةِ لَهُ الْبَيْعُ ، وَقَدْ سَكَتَ عَنْ الطَّلَبِ بَعْدَ مَا عَلِمَ بِالسَّبَبِ فَتَبْطُلُ شُفْعَتُهُ بِهِ ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُتَمَكِّنًا مِنْ الْأَخْذِ عِنْدَ ذَلِكَ ، كَالْجَارِ إذَا سَكَتَ عَنْ الطَّلَبِ بَعْدَ عِلْمِهِ بِالْبَيْعِ لِمَكَانِ الشَّرِيكِ ، ثُمَّ سَلَّمَ الشَّرِيكُ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ بِالشُّفْعَةِ فَهَذَا مِثْلُهُ .
وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ .
بَابُ تَسْلِيمِ الشُّفْعَةِ ( قَالَ : رَحِمَهُ اللَّهُ وَإِذَا سَلَّمَ الشَّفِيعُ الشُّفْعَةَ بَعْدَ وُقُوعِ الْبَيْعِ ، وَالْمُشْتَرِي حَاضِرٌ ، أَوْ غَائِبٌ فَتَسْلِيمُهُ جَائِزٌ ) ؛ لِأَنَّهُ أَسْقَطَ الْحَقَّ الْوَاجِبَ لَهُ ، وَالْإِسْقَاطُ يَتِمُّ بِالْمُسْقِطِ ، وَأَنَّهُ تَصَرُّفٌ مِنْهُ عَلَى نَفْسِهِ ، وَلَا يَتَعَدَّى تَصَرُّفُهُ إلَى مَحَلٍّ هُوَ حَقُّ غَيْرِهِ ؛ وَلِهَذَا لَا يُشْتَرَطُ الْقَبُولُ فِيهِ مِنْ غَيْرِهِ ، وَكَذَلِكَ إنْ سَاوَمَ الشَّفِيعُ الْمُشْتَرِيَ بِالدَّارِ ؛ لِأَنَّهُ سَاوَمَهُ بِهَا ؛ لِيَشْتَرِيَهَا مِنْهُ ابْتِدَاءً ، وَذَلِكَ الرِّضَا بِتَقَرُّرِ مِلْكِهِ فِيهَا ، وَكَذَلِكَ لَوْ سَأَلَهُ أَنْ يُوَلِّيَهَا إيَّاهُ ؛ لِأَنَّ حَاجَتَهُ إلَى ذَلِكَ بَعْدَ سُقُوطِ حَقِّهِ فِي الْأَخْذِ بِالشُّفْعَةِ ، فَالْتِمَاسُهُ دَلِيلُ إسْقَاطِ شُفْعَتِهِ وَدَلِيلُ الْإِسْقَاطِ كَصَرِيحِهِ ، وَكَذَلِكَ إنْ قَالَ الْمُشْتَرِي لِلشَّفِيعِ أَنْفَقْتُ عَلَيْهَا كَذَا فِي بِنَائِهَا وَإِنِّي أُوَلِّيكهَا بِذَلِكَ وَبِالثَّمَنِ ، فَقَالَ : نَعَمْ ، فَهُوَ تَسْلِيمٌ مِنْهُ ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ نَعَمْ فِي مَوْضِعِ الْجَوَابِ فَيَصِيرُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ الْخِطَابِ كَالْمُعَادِ فِيهِ وَمَعْنَاهُ وَلِّنِي بِذَلِكَ وَإِذَا وَكَّلَ وَكِيلًا بِطَلَبِ الشُّفْعَةِ فَسَلَّمَ الْوَكِيلُ الشُّفْعَةَ ، أَوْ أَقَرَّ بِأَنَّ مُوَكِّلَهُ قَدْ سَلَّمَ الشُّفْعَةَ ، فَنَقُولُ : أَمَّا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ يَصِحُّ ذَلِكَ مِنْهُ فِي مَجْلِسِ الْقَضَاءِ ، وَلَا يَصِحُّ فِي غَيْر مَجْلِسِ الْقَضَاءِ وَكَانَ أَبُو يُوسُفَ يَقُولُ : أَوَّلًا لَا يَصِحُّ ذَلِكَ مِنْهُ فِي مَجْلِسِ الْقَضَاءِ وَفِي غَيْرِ مَجْلِسِ الْقَضَاءِ ، وَهُوَ قَوْلُ زُفَرَ ، ثُمَّ رَجَعَ ، فَقَالَ : إقْرَارُهُ عَلَى الْمُوَكِّلِ بِالتَّسْلِيمِ صَحِيحٌ فِي مَجْلِسِ الْقَضَاءِ وَمُحَمَّدٌ يَقُولُ فِي إقْرَارِهِ عَلَى الْمُوَكِّلِ بِالتَّسْلِيمِ بِقَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَقَالَ يَجُوزُ تَسْلِيمُ الشُّفْعَةِ فِي مَجْلِسِ الْقَضَاءِ ، وَلَا يَجُوزُ فِي غَيْرِ مَجْلِسِ الْقَضَاءِ ذَكَرَ قَوْلَهُ هَذَا فِي كِتَابِ الْوَكَالَةِ ، وَلَا يُحْفَظُ جَوَابُ أَبِي يُوسُفَ الْآخَرُ فِيمَا إذَا أَسْلَمَ الْوَكِيلُ
الشُّفْعَةَ وَقِيلَ ذَلِكَ صَحِيحٌ مِنْهُ كَمَا يَصِحُّ إقْرَارُهُ عَلَى الْمُوَكِّلِ بِالتَّسْلِيمِ وَأَصْلُ الْمَسْأَلَةِ فِي كِتَابِ الْوَكَالَةِ ، فَإِنَّ الْوَكِيلَ بِالْخُصُومَةِ إذَا أَقَرَّ عَلَى مُوَكِّلِهِ فِي الْقِيَاسِ لَا يَجُوزُ إقْرَارُهُ ، وَهُوَ قَوْلُ زُفَرَ وَأَبِي يُوسُفَ وَفِي الِاسْتِحْسَانِ يَجُوزُ إقْرَارُهُ فِي مَجْلِسِ الْقَاضِي وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ وَفِي قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ الْآخَرُ إقْرَارُهُ صَحِيحٌ فِي غَيْرِ مَجْلِسِ الْقَاضِي وَفِي مَجْلِسِ الْقَاضِي كَإِقْرَارِ الْمُوَكِّل ، فَالْوَكِيلُ بِطَلَبِ الشُّفْعَةِ وَكِيلُ الْخُصُومَةِ ، فَإِذَا أَقَرَّ عَلَى مُوَكِّلِهِ بِالتَّسْلِيمِ كَانَ عَلَى هَذَا الْخِلَافِ ، فَأَمَّا إذَا سَلَّمَ بِنَفْسِهِ ، فَمِنْ أَصْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ أَنَّ مَنْ مَلَكَ طَلَبَ الشُّفْعَةِ وَالْخُصُومَةِ فِيهَا يَصِحُّ تَسْلِيمُهُ ، إلَّا أَنَّ الْوَكِيلَ قَائِمٌ مَقَامَ الْمُوَكِّلِ فِي الْخُصُومَةِ وَمَجْلِسُ الْخُصُومَةِ مَجْلِسُ الْقَاضِي فَيَصِحُّ تَسْلِيمُهُ فِي مَجْلِسِ الْقَاضِي عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَفِي قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ الْوَكِيلُ قَائِمٌ مَقَامَ الْمُوَكِّلِ فَيَصِحُّ مِنْهُ التَّسْلِيمُ فِي مَجْلِسِ الْقَاضِي وَغَيْرِ مَجْلِسِ الْقَاضِي وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ وَزُفَرَ لَا يَصِحُّ مِنْهُ التَّسْلِيمُ أَصْلًا ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ ضِدُّ مَا فُوِّضَ إلَيْهِ ، فَإِنَّهُ أُمِرَ بِاسْتِيفَاءِ الْحَقِّ لَا بِإِسْقَاطِهِ الْحَقَّ وَأَصْلُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فِي الْأَبِ وَالْوَصِيِّ إذَا سَلَّمَا شُفْعَةَ الصَّبِيِّ جَازَ ذَلِكَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ ، وَلَيْسَ لِلصَّبِيِّ أَنْ يُطَالِبَ بِحَقِّهِ بَعْدَ الْبُلُوغِ ؛ لِأَنَّهُمَا قَامَا مَقَامَهُ فِي اسْتِيفَاءِ حَقِّهِ ، وَالْإِسْقَاطُ ضِدُّ الِاسْتِيفَاءِ ، فَلَا يَثْبُتُ لَهُمَا الْوِلَايَةُ فِي الْإِسْقَاطِ ، كَالْإِبْرَاءِ عَنْ الدَّيْنِ ، وَالْعَفْوِ عَنْ الْقِصَاصِ الْوَاجِبِ لَهُ ، وَهَذَا ؛ لِأَنَّ تَصَرُّفَهُمَا مُقَيَّدٌ بِالنَّظَرِ ، وَلَيْسَ فِي إسْقَاطِ حَقِّ الصَّبِيِّ مَعْنَى النَّظَرِ لَهُ ؛ وَلِأَنَّ حَقَّ الْأَخْذِ بِالشُّفْعَةِ يَثْبُتُ شَرْعًا لِدَفْعِ الضُّرِّ فِيهَا بِالْإِسْقَاطِ
كَأَنَّهُمَا يُلْزِمَانِهِ الضَّرَرَ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَأَبُو يُوسُفَ قَالَا : تَسْلِيمُ الشُّفْعَةِ تَرْكُ الشِّرَاءِ .
وَالْأَبُ ، وَالْوَصِيُّ كَمَا يَجُوزُ مِنْهُمَا الشِّرَاءُ عَلَى الصَّبِيِّ يَجُوزُ تَرْكُ الشِّرَاءِ ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ أَوْجَبَ صَاحِبُ الدَّارِ الْبَيْعَ فِيهَا مِنْ الصَّغِيرِ فَرَدَّهُ الْأَبُ ، وَالْوَصِيُّ صَحَّ ذَلِكَ مِنْهُمَا .
وَبَيَانُ الْوَصْفِ : أَنَّ الشَّفِيعَ بِالْأَخْذِ يَتَمَلَّكُ الْعَيْنَ بِالثَّمَنِ ، وَهَذَا هُوَ الشِّرَاءُ .
وَتَأْثِيرُهُ أَنَّ فِي تَسْلِيمِ الشُّفْعَةِ يَبْقَى أَحَدُ الْعِوَضَيْنِ عَلَى مِلْكِ الصَّبِيِّ ، وَهُوَ الثَّمَنُ ، فَإِنْ كَانَ فِيهِ إسْقَاطُ حَقِّهِ ، فَهُوَ إسْقَاطٌ بِعِوَضٍ يُعَدُّ لَهُ ، فَلَا يُعَدُّ ذَلِكَ ضَرَرًا كَبَيْعِ مَالِهِ بِخِلَافِ الْإِبْرَاءِ عَنْ الدَّيْنِ وَإِسْقَاطِ الْقَوَدِ يُوَضِّحُهُ أَنَّهُ لَوْ أَخَذَهَا بِالشُّفْعَةِ ، ثُمَّ بَاعَهَا مِنْ هَذَا الرَّجُلِ بِعَيْنِهِ جَازَ ذَلِكَ فَكَذَلِكَ إذَا سَلَّمَهَا إلَيْهِ ، بَلْ أَوْلَى ؛ لِأَنَّهُ إذَا أَخَذَهَا ، ثُمَّ بَاعَهَا مِنْهُ تَتَوَجَّهُ الْعُهْدَةُ فِيهَا عَلَى الصَّغِيرِ وَفِي التَّسْلِيمِ لَا تَتَوَجَّهُ عَلَيْهِ الْعُهْدَةُ وَإِذَا ثَبَتَ هَذَا قُلْنَا سُكُوتُ مَنْ يَمْلِكُ التَّسْلِيمَ عَنْ الطَّلَبِ بِمَنْزِلَةِ التَّسْلِيمِ ، فَإِذَا سَكَتَ الْأَبُ ، وَالْوَصِيُّ عَنْ طَلَبِ الشُّفْعَةِ مِنْ الْأَجْنَبِيِّ ، فَذَلِكَ مُبْطِلٌ لِحَقِّ الصَّبِيِّ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ بِمَنْزِلَةِ تَسْلِيمِهَا وَفِي قَوْلِ مُحَمَّدٍ وَزُفَرَ لَا يَبْطُلُ حَقُّ الصَّبِيِّ .
وَلَوْ اشْتَرَى الْأَبُ لِلصَّبِيِّ دَارًا ، وَهُوَ شَفِيعُهَا فَلَهُ أَنْ يَأْخُذَهَا بِالشُّفْعَةِ عِنْدَنَا وَقَالَ زُفَرُ لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ ، وَهُوَ بِنَاءً عَلَى شِرَاءِ الْأَبِ مَالَ الصَّبِيِّ لِنَفْسِهِ ، وَإِنْ كَانَ مَكَانَ الْأَبِ وَصِيٌّ لَمْ يَمْلِكْ أَخْذَهَا لِنَفْسِهِ بِالشُّفْعَةِ ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ بِمَنْزِلَةِ الشِّرَاءِ مِنْهُ ، وَالْوَصِيُّ لَا يَشْتَرِي مَالَ الْيَتِيمِ لِنَفْسِهِ بِمِثْلِ الْقِيمَةِ وَلَوْ اشْتَرَى الْأَبُ لِنَفْسِهِ دَارًا ، وَالصَّبِيُّ شَفِيعُهَا فَلَيْسَ لِلصَّبِيِّ إذَا بَلَغَ أَنْ يَأْخُذَهَا بِالشُّفْعَةِ ؛ لِأَنَّ الْأَبَ مُتَمَكِّنٌ مِنْ الْأَخْذِ فَسُكُوتُهُ يَكُونُ مُبْطِلًا شُفْعَةَ الصَّبِيِّ بِخِلَافِ مَا إذَا بَاعَ الْأَبُ دَارًا ، وَالصَّبِيُّ شَفِيعُهَا ؛ لِأَنَّ الْبَائِعَ لَا يَمْلِكُ الْأَخْذَ بِالشُّفْعَةِ ، وَالسُّكُوتُ عَنْ الطَّلَبِ مِمَّنْ يَمْلِكُ الْأَخْذَ يَكُونُ مُبْطِلًا لِلشُّفْعَةِ ، فَأَمَّا مِمَّنْ لَا يَمْلِكُ الْأَخْذَ لَا يَكُونُ مُبْطِلًا وَلَوْ كَانَ الْمُشْتَرِي اشْتَرَى الدَّارَ بِأَكْثَرَ مِنْ قِيمَتِهَا بِمَا لَا يَتَغَابَنُ النَّاسُ فِي مِثْلِهِ ، وَالصَّبِيُّ شَفِيعُهَا فَسَلَّمَ الْأَبُ ذَلِكَ مِنْ أَصْحَابِنَا مَنْ قَالَ : يَصِحُّ التَّسْلِيمُ هُنَا عِنْدَ مُحَمَّدٍ وَزُفَرَ ؛ لِمَا فِيهِ مِنْ النَّظَرِ لِلصَّبِيِّ ، وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ التَّسْلِيمُ عِنْدَهُمْ جَمِيعًا ؛ لِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُ الْأَخْذَ لِكَثْرَةِ الثَّمَنِ وَسُكُوتُهُ عَنْ الطَّلَبِ وَتَسْلِيمُهُ إنَّمَا يَصِحُّ إذَا كَانَ مَالِكًا لِلْأَخْذِ فَيَبْقَى الصَّبِيُّ عَلَى حَقِّهِ إذَا بَلَغَ .
وَتَسْلِيمُ أَحَدِ الْمُتَعَاوِضَيْنِ شُفْعَةَ صَاحِبِهِ فِي دَارٍ لَهُ خَاصَّةٍ مِنْ مِيرَاثٍ جَائِزٌ ؛ لِأَنَّ الْأَخْذَ بِالشُّفْعَةِ شِرَاءٌ ، وَالْمُتَعَاوَضَانِ فِي ذَلِكَ كَشَخْصٍ وَاحِدٍ ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فِي ذَلِكَ قَائِمٌ مَقَامَ صَاحِبِهِ ، فَيَصِحُّ تَسْلِيمُهُ ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ أَخَذَ بِالشُّفْعَةِ كَانَتْ الدَّارُ بَيْنَهُمَا وَكَانَ الثَّمَنُ عَلَيْهِمَا فَكَمَا يُجْعَلُ أَخْذُ أَحَدِهِمَا فِي الْحُكْمِ كَأَحَدِهِمَا فَكَذَلِكَ التَّسْلِيمُ .
وَلَوْ كَانَ الْمُضَارِبُ هُوَ الشَّفِيعَ بِدَارُ مِنْ الْمُضَارَبَةِ فِيهَا رِبْحٌ ، وَلَيْسَ فِي يَدِهِ مِنْ مَالِ الْمُضَارَبَةِ غَيْرُهَا فَسَلَّمَ الْمُضَارِبُ الشُّفْعَةَ كَانَ لِرَبِّ الْمَالِ أَنْ يَأْخُذَهَا لِنَفْسِهِ ، وَإِنْ سَلَّمَ رَبُّ الْمَالِ كَانَ لِلْمُضَارِبِ أَنْ يَأْخُذَهَا لِنَفْسِهِ ؛ لِأَنَّ الْمُضَارِبَ لَا يَأْخُذُهَا بِالشُّفْعَةِ لِلْمُضَارَبَةِ ، فَإِنَّهُ يَكُونُ ذَلِكَ اسْتِدَانَةً عَلَى الْمُضَارَبَةِ ، وَالْمُضَارِبُ لَا يَمْلِكُ ذَلِكَ فَيَبْقَى حَقُّ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فِي الْأَخْذِ لِنَفْسِهِ بِحُكْمِ الْجِوَارِ ؛ لِأَنَّ الْمُضَارِبَ شَرِيكٌ فِي دَارِ الْمُضَارَبَةِ إذَا كَانَ فِيهَا رِبْحٌ وَإِذَا بِيعَتْ دَارٌ بِجَنْبِ الدَّارِ الْمُشْتَرَكَةِ فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الشَّرِيكَيْنِ فِيهَا الشُّفْعَةُ وَتَسْلِيمُ أَحَدِهِمَا يَصِحُّ فِي حَقِّ نَفْسِهِ دُونَ حَقِّ شَرِيكِهِ وَلَوْ بَاعَ الْمُضَارِبُ دَارًا مِنْ الْمُضَارَبَةِ وَرَبُّ الْمَالِ شَفِيعُهَا ، فَلَا شُفْعَةَ لَهُ ؛ لِأَنَّ الْمُضَارِبَ فِي بَيْعِهَا عَامِلٌ لِرَبِّ الْمَالِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ لَحِقَهُ فِي ذَلِكَ عُهْدَةٌ رَجَعَ عَلَى رَبِّ الْمَالِ ، وَلَا شُفْعَةَ لِمَنْ وَقَعَ الْبَيْعُ لَهُ ، وَكَذَلِكَ لَوْ بَاعَهَا رَبُّ الْمَالِ ، وَهِيَ مِنْ الْمُضَارَبَةِ وَفِي يَدِ الْمُضَارِبِ دَارٌ أُخْرَى مِنْ الْمُضَارَبَةِ ، وَهُوَ شَفِيعُهَا لَمْ يَكُنْ لَهُ فِيهَا شُفْعَةٌ ؛ لِأَنَّهُ لَوْ أَخَذَهَا أَخَذَهَا لِرَبِّ الْمَالِ ، فَإِنَّ الْأَصْلَ فِي مَالِ الْمُضَارَبَةِ حَقُّ رَبِّ الْمَالِ وَرَبُّ الْمَالِ بَائِعٌ لَا يَمْلِكُ الْأَخْذَ بِالشُّفْعَةِ فَكَذَلِكَ لَا يَأْخُذُ غَيْرُهُ لَهُ بِالشُّفْعَةِ وَلَوْ بَاعَ الْمُضَارِبُ دَارًا مِنْ غَيْرِ الْمُضَارَبَةِ كَانَ لِرَبِّ الْمَالِ أَنْ يَأْخُذَهَا بِالشُّفْعَةِ بِدَارٍ مِنْ الْمُضَارَبَةِ وَتَكُونُ لَهُ خَاصَّةً دُونَ الْمُضَارِبِ ؛ لِأَنَّ الْمُضَارِبَ فِي بَيْعِ دَارِهِ مِنْ غَيْرِ الْمُضَارَبَةِ عَامِلٌ لِنَفْسِهِ لَا لِرَبِّ الْمَالِ ، فَهُوَ فِي ذَلِكَ كَأَجْنَبِيٍّ آخَرَ وَبِاعْتِبَارِ دَارِ الْمُضَارَبَةِ رَبُّ الْمَالِ جَارٌ لِلدَّارِ فَلَهُ أَنْ يَأْخُذَهَا بِالشُّفْعَةِ ، وَالْأَخْذُ
بِمَنْزِلَةِ الشِّرَاءِ وَلَوْ اشْتَرَاهَا كَانَتْ لَهُ خَاصَّةً دُونَ الْمُضَارَبَةِ وَلَوْ بَاعَ رَبُّ الْمَالِ دَارًا لَهُ خَاصَّةً ، وَالْمُضَارِبُ شَفِيعُهَا بِدَارٍ مِنْ الْمُضَارَبَةِ ، فَإِنْ كَانَ فِيهَا رِبْحٌ فَلَهُ أَنْ يَأْخُذَهَا لِنَفْسِهِ ؛ لِأَنَّهُ جَارٌ بِاعْتِبَارِ شَرِكَتِهِ فِي الرِّبْحِ ، وَهُوَ فِي الْأَخْذِ لِنَفْسِهِ غَيْرُ عَامِلٍ لِرَبِّ الْمَالِ ، فَيَكُونُ فِي ذَلِكَ كَأَجْنَبِيٍّ آخَرَ ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهَا رِبْحٌ لَمْ يَأْخُذْهَا ؛ لِأَنَّهُ لَوْ أَخَذَهَا أَخَذَهَا لِلْمُضَارَبَةِ فَفِي مَالِ الْمُضَارَبَةِ حَقُّ رَبِّ الْمَالِ هُوَ الْأَصْلُ وَرَبُّ الْمَالِ هُوَ الْبَائِعُ فَكَمَا لَا يَثْبُتُ لِلْبَائِعِ حَقُّ الْأَخْذِ بِالشُّفْعَةِ فَكَذَلِكَ لَا يَأْخُذُ الْغَيْرُ لَهُ .
وَإِذَا بَاعَ الْمُفَاوِضُ دَارًا لَهُ خَاصَّةً مِنْ مِيرَاثٍ وَشَرِيكُهُ شَفِيعُهَا بِدَارٍ لَهُ خَاصَّةٍ مِنْ مِيرَاثٍ ، فَلَا شُفْعَةَ لَهُ فِيهَا ؛ لِأَنَّهُ لَوْ أَخَذَهَا كَانَتْ بَيْنَهُمَا بِمَنْزِلَةِ مَا لَوْ اشْتَرَاهَا وَإِذَا كَانَ بَائِعُهَا شَرِيكَهُ لَوْ ثَبَتَ لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا فِيهَا شُفْعَةٌ كَانَتْ ثَابِتَةً لِلْبَائِعِ ؛ لِأَنَّهُمَا فِيمَا يَأْخُذَانِ بِالشُّفْعَةِ كَشَخْصٍ وَاحِدٍ .
وَإِذَا وَجَبَتْ الشُّفْعَةُ لِلْعَبْدِ الْمَأْذُونِ فَسَلَّمَهَا ، فَهُوَ جَائِزٌ إنْ كَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ ، أَوْ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ دَيْنٌ ؛ لِأَنَّ هَذَا بَدَلُ الشِّرَاءِ ، وَهُوَ مِنْ صَنِيعِ التُّجَّارِ ، ثُمَّ هُوَ إسْقَاطُ حَقٍّ بِعِوَضٍ يُعَدُّ لَهُ ، فَإِنَّ الثَّمَنَ يَبْقَى كَسْبًا لَهُ ، وَإِنْ سَلَّمَهَا مَوْلَاهُ جَازَ إنْ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ دَيْنٌ ؛ لِأَنَّ الْعَبْدَ لَوْ أَخَذَهَا تَصِيرُ مَمْلُوكَةً لِلْمَوْلَى ، وَهُوَ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ كَالنَّائِبِ عَنْهُ فَيَصِحُّ التَّسْلِيمُ مِنْ الْمَوْلَى كَمَا يَصِحُّ مِنْ الْمُوَكِّلِ وَإِنْ كَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ لَمْ يَجُزْ تَسْلِيمُ الْمَوْلَى عَلَيْهِ ؛ لِأَنَّ الْعَبْدَ فِي الْأَخْذِ عَامِلٌ لِغُرَمَائِهِ لِلْمَوْلَى ، وَالْمَوْلَى مِنْ كَسْبِ عَبْدِهِ الْمَدْيُونِ كَسَائِرِ الْأَجَانِبِ ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ بَعْدَ الْأَخْذِ لَوْ بَاعَهَا الْمَوْلَى جَازَ بَيْعُهُ إذَا لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ دَيْنٌ وَلَمْ يَجُزْ بَيْعُهُ إذَا كَانَ عَلَى الْعَبْدِ دَيْنٌ فَكَذَلِكَ تَسْلِيمُهُ .
وَتَسْلِيمُ الْمُكَاتَبِ شُفْعَتَهُ جَائِزٌ ؛ لِأَنَّهُ مُنْفَكُّ الْحَجْرِ عَنْهُ فِيمَا هُوَ مِنْ صَنِيعِ التُّجَّارِ ، وَقَدْ بَيَّنَّا أَنَّ تَسْلِيمَ الشُّفْعَةِ مِنْ صَنِيعِ التُّجَّارِ كَالْأَخْذِ بِالشُّفْعَةِ .
وَتَسْلِيمُ الْمُرْتَدِّ شُفْعَتَهُ جَائِزٌ أَيْضًا ، وَذَكَرَ فِي بَعْضِ نُسَخِ الْأَصْلِ إذَا مَاتَ ، أَوْ قُتِلَ عَلَى رِدَّتِهِ ، أَوْ لَحِقَ بِدَارُ الْحَرْبِ ، فَهُوَ بَاطِلٌ فِي قِيَاسِ قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ ، وَهَذَا لَا مَعْنَى لَهُ ؛ لِأَنَّ الشُّفْعَةَ لَا تُورَثُ ، فَلَا يَقُومُ وَارِثُهُ مَقَامَهُ فِي الْأَخْذِ بِالشُّفْعَةِ بِهَذَا الطَّرِيقِ يَقُولُ : لَا يَتَوَقَّفُ فِيهِ تَسْلِيمُ الشُّفْعَةِ بِخِلَافِ سَائِرِ التَّصَرُّفَاتِ ؛ لِأَنَّهُ لَا فَائِدَةَ فِي هَذَا التَّوَقُّفِ إنْ أَسْلَمَ فَتَسْلِيمُهُ صَحِيحٌ ، وَإِنْ مَاتَ ، فَالشُّفْعَةُ لَا تُورَثُ ، إلَّا أَنْ يَكُونَ مَوْضُوعُ هَذَا فِيمَا إذَا كَانَ اشْتَرَى الْمُرْتَدُّ دَارًا فَطَلَبَهَا الشَّفِيعُ بِالشُّفْعَةِ فَسَلَّمَهَا إلَيْهِ فَهَذَا يَتَوَقَّفُ مِنْهُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ بِمَنْزِلَةِ بَيْعِهِ .
وَإِذَا اشْتَرَى دَارًا بِعَبْدٍ وَسَلَّمَ الشَّفِيعُ الشُّفْعَةَ ، ثُمَّ رَأَى صَاحِبُ الدَّارِ الْعَبْدَ فَلَمْ يَرْضَهُ وَرَدَّهُ وَأَخَذَ دَارِهِ ، وَقَدْ كَانَ دَفَعَهَا ، أَوْ لَمْ يَدْفَعْهَا ، فَلَا شُفْعَةَ لِلشَّفِيعِ فِي ذَلِكَ ؛ لِأَنَّ الرَّدَّ بِخِيَارِ الرُّؤْيَةِ فَسْخٌ مِنْ الْأَصْلِ ؛ وَلِهَذَا يَنْفَرِدُ بِهِ الرَّادُّ مِنْ غَيْرِ قَضَاءٍ ، وَلَا رِضَاءٍ ، وَالشُّفْعَةُ تَجِبُ بِالْعُقُودِ لَا بِالْفُسُوخِ وَمَا كَانَ وَجَبَ لَهُ بِالْعَقْدِ ، فَقَدْ أَسْقَطَهُ .
وَلَوْ اشْتَرَى دَارًا لَمْ يَرَهَا ، ثُمَّ بِيعَتْ دَارٌ بِجَنْبِهَا فَأَخَذَهَا بِالشُّفْعَةِ لَمْ يَسْقُطْ بِهِ خِيَارُ رُؤْيَتِهِ فِي الدَّارِ الْمُشْتَرَاةِ بِخِلَافِ خِيَارِ الشَّرْطِ ؛ لِأَنَّهُ أَخْذُهُ إيَّاهَا بِالشُّفْعَةِ بِمَنْزِلَةِ التَّصْرِيحِ بِإِسْقَاطِ خِيَارِهِ ، وَالتَّصْرِيحُ بِإِسْقَاطِ خِيَارِ الشَّرْطِ صَحِيحٌ مِنْ الْمُشْتَرِي وَبِإِسْقَاطِ خِيَارِ الرُّؤْيَةِ بَاطِلٌ قَبْلَ أَنْ يَرَاهَا فَكَذَلِكَ إذَا أَخَذَ دَارًا بِالشُّفْعَةِ بِيعَتْ بِجَنْبِهَا .
وَإِذَا اشْتَرَى الْمُضَارِبُ دَارَيْنِ بِمَالِ الْمُضَارَبَةِ ، وَهُوَ أَلْفُ دِرْهَمٍ تُسَاوِي كُلُّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا أَلْفَ دِرْهَمٍ فَبِيعَتْ دَارٌ إلَى جَنْبِ إحْدَاهُمَا ، فَلَا شُفْعَةَ لِلضَّارِبِ فِيهَا ، فَالشُّفْعَةُ لِرَبِّ الْمَالِ ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا مَشْغُولَةٌ بِرَأْسِ الْمَالِ ، وَالْمُضَارِبُ شَرِيكٌ فِي الرِّبْحِ ، وَلَا رِبْحَ فِي وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا ، فَلَا يَأْخُذُهَا الْمُضَارِبُ بِالشُّفْعَةِ ، وَهَذَا ؛ لِأَنَّ الدُّورَ لَا تُقْسَمُ قِسْمَةً وَاحِدَةً ؛ لِمَا فِيهَا مِنْ التَّفَاوُتِ فِي الْمَنْفَعَةِ فَتُعْتَبَرُ كُلُّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا عَلَى الِانْفِرَادِ ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ كَانَ مَكَانَ الدَّارَيْنِ عَبْدَانِ لَمْ يَنْفُذْ عِتْقُ الْمُضَارِبِ فِي وَاحِدٍ مِنْهُمَا وَلَوْ كَانَ فِي أَحَدَيْهِمَا رِبْحٌ كَانَ لَهُ الشُّفْعَةُ مَعَ رَبِّ الْمَالِ ؛ لِأَنَّهُ شَرِيكٌ فِيهَا بِحِصَّتِهِ مِنْ الرِّبْحِ .
وَإِذَا سَلَّمَ الشَّفِيعُ الشُّفْعَةَ عَلَى أَنْ يُعْطِيَ نِصْفَ الدَّارِ بِنِصْفِ الثَّمَنِ ، فَهُوَ جَائِزٌ عَلَى مَا اشْتَرَطَ ؛ لِأَنَّهُ أَسْقَطَ بَعْضَ حَقِّهِ وَاسْتَوْفَى الْبَعْضَ ، وَذَلِكَ صَحِيحٌ عِنْدَ تَرَاضِيهِمَا اعْتِبَارًا لِلْبَعْضِ بِالْكُلِّ ، وَإِنْ اشْتَرَطَ بَيْتًا بِعَيْنِهِ لِنَفْسِهِ فَهَذَا بَاطِلٌ لِجَهَالَةِ حِصَّةِ الْبَيْتِ مِنْ الثَّمَنِ وَيَأْخُذُ الدَّارَ كُلَّهَا ، أَوْ يَدَعُ ؛ لِأَنَّهُ بِمَا صَنَعَ غَيْرُ مُسَلِّمٍ شُفْعَتَهُ ، بَلْ هُوَ مُظْهِرٌ رَغْبَتَهُ فِيمَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ مِنْهَا ، فَيَكُونُ عَلَى شُفْعَتِهِ فِيهَا .
وَإِذَا شَهِدَ شَاهِدَانِ عَلَى تَسْلِيمِ الشُّفْعَةِ وَاخْتَلَفَا فِي الْوَقْتِ ، وَالْمَكَانِ ، فَالشَّهَادَةُ جَائِزَةٌ ؛ لِأَنَّ تَسْلِيمَ الشُّفْعَةِ قَوْلٌ يُعَادُ وَيُكَرَّرُ فَاخْتِلَافُ الشَّاهِدَيْنِ فِي الْمَكَانِ ، وَالزَّمَانِ لَا يُوجِبُ اخْتِلَافًا بَيْنَهُمَا فِي الْمَشْهُودِ بِهِ .
وَإِذَا سَلَّمَ الشُّفْعَةَ فِي مَنْزِلٍ ، وَهُوَ شَرِيكٌ فِي الطَّرِيقِ عَلَى أَنْ يَأْخُذَ نِصْفَ الْمَنْزِلِ بِنِصْفِ الثَّمَنِ ، فَذَلِكَ جَائِزٌ ؛ لِمَا بَيَّنَّا أَنَّهُ أَسْقَطَ بَعْضَ حَقِّهِ وَاسْتَوْفَى الْبَعْضَ ، وَذَلِكَ جَائِزٌ بِتَرَاضِيهِمَا وَلِلْجَارِ أَنْ يَأْخُذَ النِّصْفَ الْآخَرَ بِالشُّفْعَةِ ؛ لِأَنَّ حَقَّ الْجَارِ كَانَ ثَابِتًا فِي جَمِيعِ الْمَنْزِلِ ، إلَّا أَنَّ الشَّرِيكَ فِي الطَّرِيقِ كَانَ مُقَدَّمًا عَلَيْهِ فَفِيمَا أَسْقَطَ الشَّرِيكُ حَقَّهُ زَالَ الْمَانِعُ فَلِلْجَارِ أَنْ يَأْخُذَهُ كَمَا لَوْ سَلَّمَ فِي جَمِيعِ الْمَنْزِلِ .
وَإِذَا اشْتَرَى الرَّجُلُ دَارًا فَسَلَّمَ الشَّفِيعُ الشُّفْعَةَ ، ثُمَّ أَقَرَّ الْمُشْتَرِي أَنَّ الْبَيْعَ كَانَ يُلْجِئُهُ لَمْ يَكُنْ لِلشَّفِيعِ فِي ذَلِكَ شُفْعَةٌ ؛ لِأَنَّ هَذَا إقْرَارٌ مِنْهُ بِفَسَادِ الْبَيْعِ الْأَوَّلِ مِنْ الْأَصْلِ بِخِلَافِ الْإِقَالَةِ ، فَإِنَّهُ يَتَضَمَّنُ مَعْنَى الْمُبَادَلَةِ ابْتِدَاءً وَبِاعْتِبَارِهِ تَجِبُ الشُّفْعَةُ ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ فَسَخَ الْبَيْعَ مِنْ الْأَصْلِ بِخِيَارِ الرُّؤْيَةِ ، أَوْ الشَّرْطِ لَمْ يَتَجَدَّدْ بِهِ حَقُّ الشَّفِيعِ بَعْدَ مَا سَلَّمَ الشُّفْعَةَ ، فَإِذَا أَقَرَّ بِفَسَادِ الْبَيْعِ مِنْ الْأَصْلِ أَوْلَى وَإِذَا سَلَّمَ الشَّفِيعُ الشُّفْعَةَ فِي هِبَةٍ بِعِوَضٍ بَعْدَ التَّقَابُضِ ، ثُمَّ أَقَرَّ الْبَائِعُ وَالْمُشْتَرِي أَنَّهَا كَانَتْ بَيْعًا بِذَلِكَ الْعِوَضِ لَمْ يَكُنْ لِلشَّفِيعِ فِيهَا الشُّفْعَةُ ؛ لِأَنَّ الْهِبَةَ بِشَرْطِ الْعِوَضِ بَعْدَ التَّقَابُضِ بِمَنْزِلَةِ الْبَيْعِ فِي حَقِّ الشُّفْعَةِ فَكَانَ التَّسْلِيمُ صَحِيحًا مِنْ الشَّفِيعِ سَوَاءٌ أَقَرَّ فِي الْبَيْعِ أَنَّهُ كَانَ هِبَةً بِعِوَضٍ ، أَوْ فِي الْهِبَةِ بِشَرْطِ الْعِوَضِ أَنَّهُ كَانَ بَيْعًا ، وَإِنْ سَلَّمَهَا فِي هِبَةٍ بِغَيْرِ عِوَضٍ ، ثُمَّ تَصَادَقَا أَنَّهَا كَانَتْ بِشَرْطِ عِوَضٍ أَوْ كَانَتْ بَيْعًا فَلِلشَّفِيعِ أَنْ يَأْخُذَهَا بِالشُّفْعَةِ ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُوجَدْ مِنْهُ الرِّضَا بِسُقُوطِ حَقِّهِ وَلَكِنَّهُ تَرَكَ الطَّلَبَ ، أَوْ سَلَّمَ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الشُّفْعَةَ لَمْ تَجِبْ لَهُ ، فَإِذَا ظَهَرَ أَنَّهَا كَانَتْ وَاجِبَةً لَهُ ، فَهُوَ عَلَى حَقِّهِ فِي الشُّفْعَةِ .
وَإِذَا وَهَبَ الرَّجُلُ دَارًا عَلَى عِوَضٍ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ فَقَبَضَ أَحَدُ الْعِوَضَيْنِ دُونَ الْآخَرِ ، ثُمَّ سَلَّمَ الشَّفِيعُ الشُّفْعَةَ ، فَهُوَ بَاطِلٌ حَتَّى إذَا قَبَضَ الْعِوَضَ الْآخَرُ كَانَ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ الدَّارَ بِالشُّفْعَةِ ؛ لِأَنَّهُ أَسْقَطَ حَقَّهُ قَبْلَ الْوُجُوبِ ، فَالْهِبَةُ بِشَرْطِ الْعِوَضِ إنَّمَا تَصِيرُ ، كَالْبَيْعِ بَعْدَ التَّقَابُضِ .
وَتَسْلِيمُ الشُّفْعَةِ قَبْلَ تَقَرُّرِ سَبَبِ الْوُجُوبِ بَاطِلٌ كَمَا لَوْ سَلَّمَهَا قَبْلَ الْبَيْعِ .
وَإِذَا وَهَبَ الرَّجُلُ لِرَجُلَيْنِ دَارًا عَلَى عِوَضٍ أَلْفُ دِرْهَمٍ وَتَقَابَضُوا ، فَذَلِكَ بَاطِلٌ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ ، جَائِزٌ فِي قَوْلِهِمَا ؛ لِأَنَّ الشُّيُوعَ فِي الْهِبَةِ بِشَرْطِ الْعِوَضِ كَهُوَ فِي الْهِبَةِ بِغَيْرِ عِوَضٍ ، وَقَدْ بَيَّنَّا هَذَا الْخِلَافَ فِي الْهِبَةِ مِنْ رَجُلَيْنِ بِغَيْرِ عِوَضٍ فِي كِتَابِ الْهِبَةِ ( فَكَذَلِكَ فِي ) الْهِبَةِ بِشَرْطِ الْعِوَضِ .
وَلَوْ وَهَبَ رَجُلَانِ مِنْ رَجُلٍ دَارًا عَلَى أَلْفِ دِرْهَمٍ وَقَبَضَا مِنْهُ الْأَلْفَ مَقْسُومَةً بَيْنَهُمَا وَسَلَّمَا إلَيْهِ الدَّارَ جَازَ ذَلِكَ وَلِلشَّفِيعِ فِيهَا الشُّفْعَةُ لِانْعِدَامِ الشُّيُوعِ فِي الدَّارِ ، فَالْمِلْكُ فِيهَا وَاحِدٌ وَانْعِدَامُ الشُّيُوعِ فِي الْأَلْفِ حِينَ قَبَضَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا نَصِيبَهُ مَقْسُومًا ، وَلَوْ كَانَتْ الْأَلْفُ غَيْرَ مَقْسُومَةٍ لَمْ يَجُزْ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ ؛ لِأَنَّ الشُّيُوعَ فِيمَا يَحْتَمِلُ الْقِسْمَةَ يَمْنَعُ صِحَّةَ التَّعْوِيضِ كَمَا يَمْنَعُ صِحَّةَ الْهِبَةِ ، وَالْأَلْفُ مُحْتَمِلٌ لِلْقِسْمَةِ .
وَإِذَا اشْتَرَى الرَّجُلُ دَارَيْنِ صَفْقَةً وَاحِدَةً وَشَفِيعُهُمَا وَاحِدٌ فَأَرَادَ أَخْذَ إحْدَاهُمَا دُونَ الْأُخْرَى فَلَيْسَ لَهُ ذَلِكَ ، وَكَذَلِكَ لَوْ كَانَتْ أَرْضَيْنِ ، أَوْ قَرْيَةً وَأَرْضَهَا ، أَوْ قَرْيَتَيْنِ وَأَرْضَيْهِمَا ، وَهُوَ شَفِيعُ ذَلِكَ كُلِّهِ بِأَرْضٍ وَاحِدَةٍ ، أَوْ بِأَرْضَيْنِ ، أَوْ بِدَارٍ وَاحِدَةٍ ، أَوْ بِدُورٍ ، فَإِنَّمَا لَهُ أَنْ يَأْخُذَ ذَلِكَ كُلَّهُ ، أَوْ يَدَعَ وَقَالَ زُفَرُ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ إحْدَاهُمَا دُونَ الْأُخْرَى ، وَالدُّورُ الْمُتَلَازِقَةُ وَغَيْرُ الْمُتَلَازِقَةِ فِي مِصْرٍ وَاحِدٍ أَوْ مِصْرَيْنِ فِي ذَلِكَ سَوَاءٌ بَعْدَ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ صَفْقَةً وَاحِدَةً فَزُفَرُ يَقُولُ : يَثْبُتُ لَهُ حَقُّ الْأَخْذِ فِي كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا ، وَلَيْسَ فِي أَخْذِ إحْدَاهُمَا ضَرَرٌ عَلَى الْمُشْتَرِي ؛ لِأَنَّ إحْدَاهُمَا تَنْفَصِلُ عَنْ الْأُخْرَى ، فَهُوَ كَمَا لَوْ كَانَ الْعَقْدُ فِي كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا صَفْقَةً عَلَى حِدَةٍ ، وَلَكِنَّا نَقُولُ الْمُشْتَرِي مَلَكَهُمَا صَفْقَةً وَاحِدَةً وَفِي أَخْذِ إحْدَاهُمَا تَفْرِيقُ الصَّفْقَةِ عَلَيْهِ وَكَمَا لَا يَمْلِكُ الْمُشْتَرِي فِي حَقِّ الْبَائِعِ تَفْرِيقَ الصَّفْقَةِ بِقَبُولِ الْعَقْدِ فِي إحْدَاهُمَا دُونَ الْأُخْرَى فَكَذَلِكَ لَا يَمْلِكُ الشَّفِيعُ ذَلِكَ فِي حَقِّ الْمُشْتَرِي بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ الْعَقْدُ فِي صَفْقَتَيْنِ ، وَهَذَا ؛ لِأَنَّ الْإِنْسَانَ قَدْ يَشْتَرِي دَارَيْنِ وَرَغْبَتُهُ وَمَنْفَعَتُهُ فِي إحْدَاهُمَا ، فَإِذَا أَخَذَ الشَّفِيعُ تِلْكَ دُونَ الْأُخْرَى تَضَرَّرَ الْمُشْتَرِي بِاخْتِيَارِ الشَّفِيعِ ، وَالشَّفِيعُ لَا يَمْلِكُ إلْحَاقَ الضَّرَرِ بِالْمُشْتَرِي فِيمَا يَأْخُذُ بِالشُّفْعَةِ وَلَمْ يَذْكُرْ فِي الْكِتَابِ أَنَّهُ إذَا كَانَ شَفِيعًا لِإِحْدَاهُمَا دُونَ الْأُخْرَى فَكَانَ أَبُو حَنِيفَةَ أَوَّلًا يَقُولُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ : لَهُ أَنْ يَأْخُذَهُمَا جَمِيعًا ، أَوْ يَدَعَ ؛ لِأَنَّ الشُّفْعَةَ تَثْبُتُ لَهُ فِي إحْدَاهُمَا وَلَوْ أَخَذَهَا وَحْدَهَا تَفَرَّقَتْ الصَّفْقَةُ عَلَى الْمُشْتَرِي فَيَثْبُتُ حَقُّهُ فِي الْأُخْرَى حُكْمًا لِدَفْعِ الضَّرَرِ عَنْ الْمُشْتَرِي ، ثُمَّ رَجَعَ ،
فَقَالَ : لَا يَأْخُذُ وَاحِدَةً مِنْهُمَا ؛ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ إثْبَاتُ الشُّفْعَةِ لَهُ فِي إحْدَاهُمَا بِدُونِ السَّبَبِ ، وَفِي الْأُخْرَى ؛ لِمَا فِيهِ مِنْ تَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ عَلَى الْمُشْتَرِي ، ثُمَّ رَجَعَ ، فَقَالَ : يَأْخُذُ الَّذِي هُوَ شَفِيعُهَا خَاصَّةً ، وَهُوَ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ بِمَنْزِلَةِ مَا لَوْ اشْتَرَى عَبْدًا وَدَارًا صَفْقَةً وَاحِدَةً كَانَ لِلشَّفِيعِ أَنْ يَأْخُذَ الدَّارَ بِالشُّفْعَةِ دُونَ الْعَبْدِ ، وَهَذَا ؛ لِأَنَّ تَفَرُّقَ الصَّفْقَةِ هُنَا لَمْ يَكُنْ بِاخْتِيَارِ الشَّفِيعِ ، بَلْ هُوَ بِمَعْنًى حُكْمِيٍّ ، وَهُوَ أَنَّهُ لَمْ يَتَمَكَّنْ مِنْ إحْدَاهُمَا لِانْعِدَامِ السَّبَبِ فِي إحْدَاهُمَا بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ شَفِيعًا لَهُمَا جَمِيعًا .
وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ .
بَابُ شُفْعَةِ أَهْلِ الْبَغْيِ .
( قَالَ : رَحِمَهُ اللَّهُ الْبَاغِي ، وَالْعَادِلُ فِي اسْتِحْقَاقِ الشُّفْعَةِ وَتَسْلِيمِهَا سَوَاءٌ ) ؛ لِأَنَّ أَهْلَ الْبَغْيِ مُسْلِمُونَ وَهُمْ مِنْ جُمْلَةِ أَهْلِ دَارِ الْإِسْلَامِ ، وَقَدْ بَيَّنَّا أَنَّ لِأَهْلِ الذِّمَّةِ الشُّفْعَةَ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ ، وَأَنَّهُمْ فِي ذَلِكَ ، كَالْمُسْلِمِينَ فَأَهْلُ الْبَغْيِ فِي ذَلِكَ أَوْلَى ، إلَّا أَنَّ الْعَادِلَ فِي عَسْكَرِ أَهْلِ الْعَدْلِ ، وَالْبَاغِي فِي عَسْكَرِ أَهْلِ الْبَغْيِ فَكَانَ بِمَنْزِلَةِ الْغَائِبِ إنْ عَلِمَ فَلَمْ يَبْعَثْ وَكِيلًا بَطَلَتْ شُفْعَةٌ ، وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ حَتَّى اصْطَلَحُوا ، فَهُوَ عَلَى شُفْعَتِهِ إذَا عَلِمَ وَإِذَا كَانَ الشَّفِيعُ فِي غَيْرِ الْمِصْرِ الَّذِي فِيهِ الدَّارُ الْمَبِيعَةُ فَجَاءَ إلَى هَذَا الْمِصْرِ فَطَلَبَ الشُّفْعَةَ وَأَشْهَدَ عَلَيْهَا وَلَمْ يَقْصِدْ الْبَلَدَ الَّذِي فِيهِ الْبَائِعُ وَالْمُشْتَرِي ، فَهُوَ عَلَى شُفْعَتِهِ ؛ لِأَنَّهُ أَتَى بِمَا يَحِقُّ عَلَيْهِ ، وَهُوَ عَاجِزٌ عَنْ اتِّبَاعِهِمَا مَعَ أَنَّهُ لَا فَائِدَةَ لَهُ فِي ذَلِكَ ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا يَتَمَكَّنُ مِنْ الْأَخْذِ فِي الْمَوْضِعِ الَّذِي فِيهِ الْمَبِيعُ ، وَكَذَلِكَ إنْ قَصَدَ الْمِصْرَ الَّذِي فِيهِ الْبَائِعُ ، وَالْمُشْتَرِي ، فَطَلَبَ الشُّفْعَةَ وَأَشْهَدَ وَلَمْ يَقْصِدْ الْمِصْرَ الَّذِي فِيهِ الدَّارُ ، فَهُوَ عَلَى شُفْعَتِهِ .
وَحَاصِلُ الْكَلَامِ أَنَّهُ بَعْدَ طَلَبِ الْمُوَاثَبَةِ عَلَيْهِ أَنْ يَأْتِيَ بِطَلَبِ التَّقْرِيرِ ، وَذَلِكَ بِالْإِشْهَادِ عِنْدَ الدَّارِ وَعِنْدَ الْمُشْتَرِي ، أَوْ الْبَائِعِ إنْ كَانَتْ الدَّارُ فِي يَدِهِ ، وَإِنْ كَانَ قَدْ سَلَّمَهَا ، فَقَدْ خَرَجَ الْبَائِعُ مِنْ الْوَسَطِ ، ثُمَّ عِنْدَ اخْتِلَافِ الْأَمْصَارِ ، وَالْقُرَى عَلَيْهِ أَنْ يَأْتِيَ أَقْرَبَ الثَّلَاثَةِ مِنْهُمْ فَيَشْهَدُ فَإِنْ تَرَكَ الْأَقْرَبَ وَجَاءَ إلَى الْأَبْعَدِ بَطَلَتْ شُفْعَتُهُ كَمَا لَوْ تَرَكَ الطَّلَبَ بَعْدَ الْعِلْمِ بِالْبَيْعِ حَتَّى قَامَ عَنْ مَجْلِسِهِ وَإِذَا كَانُوا فِي مِصْرٍ وَاحِدٍ ، فَإِنْ تَرَكَ الْأَقْرَبَ وَأَتَى الْأَبْعَدَ فَأَشْهَدَ عِنْدَهُ فَفِي الْقِيَاسِ كَذَلِكَ تَبْطُلُ
شُفْعَتُهُ ؛ لِأَنَّ الْقَلِيلَ مِنْ الْأَعْرَاضِ ، وَالْكَثِيرَ فِي الْحُكْمِ سَوَاءٌ وَفِي الِاسْتِحْسَانِ لَا تَبْطُلُ شُفْعَتُهُ ؛ لِأَنَّ الْمِصْرَ فِي حُكْمِ مَكَان وَاحِدٍ ؛ وَلِهَذَا لَوْ شُرِطَ فِي السِّلْمِ التَّسْلِيمُ فِي الْمِصْرِ يَكْفِي وَإِذَا اتَّخَذَ الْمَكَانَ حُكْمًا ، فَلَا مُعْتَبَرَ بِالْأَقْرَبِ وَالْأَبْعَدِ فِي ذَلِكَ .
وَإِذَا اشْتَرَى رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الْبَغْيِ دَارًا مِنْ رَجُلٍ فِي عَسْكَرِهِ ، وَالشَّفِيعُ فِي عَسْكَرِ أَهْلِ الْعَدْلِ لَا يَسْتَطِيعُ أَنْ يَدْخُلَ فِي عَسْكَرِ الْبَغْيِ فَلَمْ يَطْلُبْ بَعْدَ الْعِلْمِ بِالشِّرَاءِ ، أَوْ لَمْ يَبْعَثْ وَكِيلًا ، فَلَا شُفْعَةَ لَهُ ؛ لِأَنَّهُ كَانَ مُتَمَكِّنًا مِنْ أَنْ يَبْعَثَ وَكِيلًا ، فَإِنْ كَانَ لَا يَقْدِرُ عَلَى أَنْ يَبْعَثَ الْوَكِيلَ ، أَوْ عَلَى أَنْ يَدْخُلَ فَلَهُ الشُّفْعَةُ ؛ لِأَنَّهُ مَا تَرَكَ الطَّلَبَ بَعْدَ التَّمَكُّنِ مِنْهُ ، فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ تَرْكِ الطَّلَبِ قَبْلَ أَنْ يَعْلَمَ بِالْبَيْعِ ، أَلَا تَرَى أَنَّهُمْ لَوْ كَانُوا فِي غَيْرِ عَسْكَرٍ ، وَلَا حَرْب غَيْرَ أَنَّ الشَّفِيعَ فِي بَلَدٍ آخَرَ وَبَيْنَهُمَا قَوْمٌ مُحَارِبُونَ فَلَمْ يَقْدُمْ ، وَهُوَ يَقْدِرُ عَلَى أَنْ يَبْعَثَ وَكِيلًا يَأْخُذُ الشُّفْعَةَ أُبْطِلَتْ شُفْعَتُهُ أَرَأَيْت لَوْ كَانَ بَيْنَهُمَا نَهْرٌ مَخُوفٌ ، أَوْ أَرْضٌ مَسْبَعَةٌ كُنْتُ أَجْعَلُهُ عَلَى شُفْعَتِهِ ، وَقَدْ تَرَكَ الطَّلَبَ بَعْدَ مَا تَمَكَّنَ مِنْ ذَلِكَ بِنَفْسِهِ ، أَوْ بِوَكِيلٍ يَبْعَثُهُ ، فِي هَذَا كُلِّهِ تَبْطُلُ شُفْعَتُهُ بِالْإِعْرَاضِ عَنْ الطَّلَبِ .
وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ .
بَابُ الْوَكَالَةِ فِي الشُّفْعَةِ ( قَالَ : رَحِمَهُ اللَّهُ وَيَجُوزُ لِلشَّفِيعِ أَنْ يُوَكِّلَ بِطَلَبِ الشُّفْعَةِ وَالْخُصُومَةِ فِيهَا وَكِيلًا كَمَا يَجُوزُ أَنْ يُوَكِّلَ بِطَلَبِ سَائِرِ حُقُوقِهِ ، فَقَدْ يَحْتَاجُ إلَى التَّوْكِيلِ فِي ذَلِكَ لِقِلَّةِ هِدَايَتِهِ فِي الْخُصُومَاتِ ، أَوْ لِكَثْرَةِ اشْتِغَالِهِ ، وَلَا يُقْبَلُ مِنْ وَكِيلِهِ الْبَيِّنَةُ عَلَى الْوَكَالَةِ ، إلَّا وَخَصْمُهُ مَعَهُ ) ؛ لِأَنَّهُ يُقِيمُ الْبَيِّنَةَ ؛ لِيَقْضِيَ لَهُ بِالْوَكَالَةِ ، وَلَا يَقْضِي بِبَيِّنَةٍ قَامَتْ لَا عَلَى خَصْمٍ حَاضِرٍ وَإِذَا أَقَرَّ الْمُشْتَرِي بِشِرَاءِ الدَّارِ ، وَهِيَ فِي يَدِهِ وَجَبَتْ الشُّفْعَةُ لِلشَّفِيعِ فِيهَا وَخَصْمُهُ الْوَكِيلُ ، وَلَا أَقْبَلُ مِنْ الْمُشْتَرِي بَيِّنَةً أَنَّهُ اشْتَرَاهَا مِنْ صَاحِبِهَا إذَا كَانَ صَاحِبُهَا غَائِبًا ؛ لِأَنَّ الْقَضَاءَ عَلَيْهِ بِالشُّفْعَةِ بِإِقْرَارِهِ لَا يَكُونُ قَضَاءً عَلَى الْغَائِبِ بِالْبَيْعِ ، فَإِنَّ مَنْ فِي يَدِهِ عَيْنٌ إذَا أَقَرَّ بِحَقٍّ فِيهِ لِغَيْرِهِ قُضِيَ عَلَيْهِ بِإِقْرَارِهِ ، وَالْوَكِيلُ الَّذِي حَضَرَ لَيْسَ بِخَصْمٍ عَنْ صَاحِبِ الدَّارِ ، فَالْقَضَاءُ عَلَى الْغَائِبِ بِالْبَيِّنَةِ لَا يَجُوزُ ، إلَّا بِمَحْضَرٍ مِنْ الْخَصْمِ حَتَّى إذَا أُجِّرَتْ الدَّارُ فَأَنْكَرَ ذَلِكَ أَبْطَلْتَ الْبَيْعَ ، وَالشُّفْعَةَ ، وَرُدَّتْ الدَّارُ عَلَيْهِ لِتَصَادُقِهِمْ عَلَى أَنَّ أَصْلَ الْمِلْكِ كَانَ لَهُ بَعْدَ أَنْ يَحْلِفَ بِاَللَّهِ مَا بَاعَهُ ، إلَّا أَنْ تَقُومَ عَلَيْهِ بَيِّنَةٌ بِمَحْضَرٍ مِنْهُ وَهَذِهِ الْبَيِّنَةُ مَقْبُولَةٌ مِنْ الشَّفِيعِ ، وَالْمُشْتَرِي جَمِيعًا ؛ لِأَنَّ الْمُشْتَرِيَ يَثْبُتُ عَقْدُهُ بِالْبَيِّنَةِ ، وَالشَّفِيعُ يَثْبُتُ حَقُّهُ فِي الشُّفْعَةِ وَإِذَا طَلَبَ وَكِيلُ الشَّفِيعِ لَهُ الشُّفْعَةَ ، فَقَالَ الْمُشْتَرِي : أُرِيدُ يَمِينَ الشَّفِيعِ مَا سَلَّمَ لِي ، فَإِنَّهُ يُقْضَى عَلَيْهِ بِالدَّارِ بِهَذَا وَيُقَالُ لَهُ انْطَلِقْ فَاطْلُبْ يَمِينَ الْآمِرِ ، وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ قَالَ : لَا يَقْضِي بِهَا حَتَّى يَحْضُرَ الشَّفِيعُ وَيَحْلِفَ وَهَذِهِ ثَلَاثَةُ فُصُولٍ ( أَحَدُهَا ) مَا بَيَّنَّا ( وَالثَّانِي ) وَكِيلُ
صَاحِبِ الدَّيْنِ إذَا طَالَبَ الْمَدْيُونَ بِإِيفَاءِ الدَّيْنِ وَقَالَ الْمَدْيُونُ أُرِيدُ يَمِينَ الْمُوَكِّلِ مَا أَبْرَأَنِي ، فَإِنَّهُ يُقْضَى عَلَيْهِ بِالْمَالِ وَيُقَالُ لَهُ انْطَلِقْ فَاطْلُبْ يَمِينَ الطَّالِبِ ( وَالثَّالِثُ ) وَكِيلُ الْمُشْتَرِي إذَا أَرَادَ الرَّدَّ بِالْعَيْبِ ، فَقَالَ الْبَائِعُ : أُرِيدُ يَمِينَ الْمُوَكِّلِ مَا رَضِيَ بِالْعَيْبِ فَلَهُ ذَلِكَ ، وَلَا يُرَدُّ حَتَّى يَحْضُرَ الْمُشْتَرِي فَيَحْلِفَ فَأَبُو يُوسُفَ يَجْعَلُ مَسْأَلَةَ الشُّفْعَةِ نَظِيرَ مَسْأَلَةِ الْعَيْبِ ؛ لِأَنَّ فِي فَصْلِ الشُّفْعَةِ قَضَاءً بِالْمِلْكِ ، وَالْعَقْدِ ، فَإِنَّ الْأَخْذَ بِالشُّفْعَةِ بِمَنْزِلَةِ الشِّرَاءِ كَمَا أَنَّ الرَّدَّ بِالْعَيْبِ قَضَاءٌ بِفَسْخِ الْعَقْدِ وَإِعَادَةِ الْمَبِيعِ إلَى مِلْكِ الْبَائِعِ .
وَفِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ سَوَّى بَيْنَ الشُّفْعَةِ وَقَضَاءِ الدَّيْنِ ؛ لِأَنَّ بِالتَّسْلِيمِ سَقَطَ الْحَقُّ بَعْدَ الْوُجُوبِ ، وَلَا يَنْعَدِمُ السَّبَبُ كَمَا فِي الْإِبْرَاءِ عَنْ الدَّيْنِ بِخِلَافِ الرَّدِّ بِالْعَيْبِ فَهُنَاكَ يَنْعَدِمُ السَّبَبُ الْمُثْبِتُ لِحَقِّ الرَّدِّ ، وَهُوَ حَقُّ الْمُشْتَرِي فِي الْمُطَالَبَةِ بِتَسْلِيمِ الْجُزْءِ الْفَائِتِ ، يُوَضِّحُ الْفَرْقَ : أَنَّ هُنَاكَ لَوْ فُسِخَ الْعَقْدُ نَفَذَ قَضَاؤُهُ بِالْفَسْخِ لِقِيَامِ السَّبَبِ ، وَهُوَ الْعَيْبُ فَيَتَضَرَّرُ بِهِ الْبَائِعُ ضَرَرًا لَا يُمْكِنُهُ دَفْعُهُ عَنْ نَفْسِهِ ؛ لِأَنَّهُ لَا يُطَالِبُ الْمُشْتَرِي بِالْيَمِينِ بَعْدَ ذَلِكَ لِخُلُوِّهِ عَنْ الْفَائِدَةِ ، فَإِنَّهُ ، وَإِنْ نَكَلَ لَا يَعُودُ الْعَقْدُ وَفِي مَسْأَلَةِ قَضَاءِ الدَّيْنِ لَوْ أَمَرَ الْمَدْيُونَ بِقَضَاءِ الدَّيْنِ لَا يَتَضَرَّرُ بِذَلِكَ ضَرَرَ إبْطَالِ حَقِّهِ فِي الْيَمِينِ ، بَلْ هُوَ عَلَى حَقِّهِ مِنْ اسْتِحْلَافِ الطَّالِبِ وَمَتَى نَكَلَ رَدَّ عَلَيْهِ الْمَالَ ، وَكَذَلِكَ فِي مَسْأَلَةِ الشُّفْعَةِ ، فَالْمُشْتَرِي لَا يَتَضَرَّرُ بِالْقَضَاءِ بِالشُّفْعَةِ مِنْ حَيْثُ إبْطَالُ حَقِّهِ فِي الْيَمِينِ ، بَلْ هُوَ عَلَى حَقِّهِ فِي اسْتِحْلَافِ الشَّفِيعِ وَإِذَا نَكَلَ رَدَّ عَلَيْهِ الدَّارَ ؛ فَلِهَذَا لَا يَتَأَخَّرُ الْقَضَاءُ
بِالشُّفْعَةِ لِأَجْلِ يَمِينِ الْمُوَكِّلِ .
وَإِذَا قَضَى الْقَاضِي لِلْوَكِيلِ بِالشُّفْعَةِ فَأَبَى الْمُشْتَرِي أَنْ يَكْتُبَ لَهُ كِتَابًا كَتَبَ الْقَاضِي بِقَضَائِهِ كِتَابًا وَأَشْهَدَ عَلَيْهِ الشُّهُودَ كَمَا أَنَّهُ يَقْضِي لَهُ بِالشُّفْعَةِ ، وَإِنْ كَانَ الْمُشْتَرِي مُمْتَنِعًا مِنْ التَّسْلِيمِ ، وَالِانْقِيَادِ لَهُ فَكَذَلِكَ يَكْتُبُ لَهُ حُجَّةً بِقَضَائِهِ وَيُشْهِدُ عَلَى ذَلِكَ نَظَرًا لَهُ وَإِذَا كَانَ فِي سَائِرِ الْخُصُومَاتِ يُعْطِي الْقَاضِي الْمَقْضِيَّ لَهُ سِجِلًّا إذَا الْتَمَسَ ذَلِكَ ؛ لِيَكُونَ حُجَّةً لَهُ فَكَذَلِكَ فِي الْقَضَاءِ بِالشُّفْعَةِ يُعْطِيهِ ذَلِكَ وَإِذَا أَقَرَّ الْمُشْتَرِي بِالشِّرَاءِ وَقَالَ لَيْسَ لِفُلَانٍ فِيهَا شُفْعَةٌ سَأَلْتُ الْوَكِيلَ الْبَيِّنَةَ عَنْ الْحَقِّ الَّذِي وَجَبَتْ لَهُ الشُّفْعَةُ مِنْ شَرِكَةٍ أَوْ جِوَارٍ ؛ لِأَنَّهُ لَا يَتَوَصَّلُ إلَى إثْبَاتِ حَقِّ الْمُوَكِّلِ ، إلَّا بِإِثْبَاتِ سَبَبِهِ ، فَإِذَا أَقَامَهَا قَضَيْتُ لَهُ بِالشُّفْعَةِ ، وَذَلِكَ بِأَنْ يُقِيمَ الْبَيِّنَةَ عَلَى أَنَّ الدَّارَ الَّتِي إلَى جَنْبِ الدَّارِ الْمَبِيعَةِ مِلْكٌ لِمُوَكِّلِهِ فُلَانٍ ، فَإِذَا أَقَامَ الْبَيِّنَةَ أَنَّ الدَّارَ الَّتِي إلَى جَنْبِ الدَّارِ الْمَبِيعَةِ فِي يَدِ مُوَكِّلِهِ لَمْ أَقْبَلْ ذَلِكَ مِنْهُ ؛ لِأَنَّ الْمِلْكَ لَا يَثْبُتُ لَهُ فِيهَا بِهَذِهِ الْبَيِّنَةِ ، فَالْأَيْدِي تَتَنَوَّعُ وَلَوْ عَلِمَ الْقَاضِي أَنَّهَا فِي يَدِهِ لَمْ يَقْضِ لَهُ بِالشُّفْعَةِ بِذَلِكَ فَكَذَلِكَ إذَا أَثْبَتَ الْيَدَ بِالْبَيِّنَةِ وَأَصْلُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ أَنَّ الْمُشْتَرِيَ أَنْكَرَ كَوْنَ الدَّارِ الَّتِي فِي يَدِ الشَّفِيعِ مِلْكًا لَهُ فَفِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ لَا يَقْضِي الْقَاضِي لِلشَّفِيعِ بِالشُّفْعَةِ حَتَّى يَثْبُتَ مِلْكُهُ بِالْبَيِّنَةِ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّ الْقَوْلَ قَوْلُ الشَّفِيعِ فِي ذَلِكَ فَيَقْضِي لَهُ بِالشُّفْعَةِ ، وَهُوَ قَوْلُ زُفَرَ ؛ لِأَنَّ طَرِيقَ مَعْرِفَةِ الْمِلْكِ الْيَدُ ؛ وَلِهَذَا تَجُوزُ الشَّهَادَةُ بِالْمِلْكِ لِذِي الْيَدِ بِاعْتِبَارِ يَدِهِ وَكَمَا أَنَّ الْقَاضِيَ لَا يَقْضِي ، إلَّا بِعِلْمٍ ، فَالشَّاهِدُ لَا يَجُوزُ أَنْ يَشْهَدَ ، إلَّا بِعِلْمٍ ، ثُمَّ بِاعْتِبَارِ
ظَاهِرِ الْيَدِ يَجُوزُ لِلشَّاهِدِ أَنْ يَشْهَدَ بِالْمِلْكِ فَكَذَلِكَ يَجُوزُ لِلْقَاضِي أَنْ يَقْضِيَ بِالْمِلْكِ لِذِي الْيَدِ وَبِقَضَائِهِ بِهَذَا يَظْهَرُ اسْتِحْقَاقُ الشُّفْعَةِ وَإِذَا كَانَ يَقْضِي لِذِي الْيَدِ بِالْمِلْكِ إذَا حَلَفَ مَعَ وُجُودِ خَصْمٍ يُنَازِعُهُ فِيهَا وَيَدَّعِيهَا لِنَفْسِهِ فَلَأَنْ يَجُوزُ لَهُ الْقَضَاءُ بِذَلِكَ فِي مَوْضِعٍ لَيْسَ هُنَاكَ خَصْمٌ يَدَّعِيهَا لِنَفْسِهِ أَوْلَى .
وَجْهُ ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ أَنَّ الْمِلْكَ بِاعْتِبَارِ الْيَدِ يَثْبُتُ مِنْ حَيْثُ الظَّاهِرُ ، وَالظَّاهِرُ حُجَّةٌ لِدَفْعِ الِاسْتِحْقَاقِ لَا لِلِاسْتِحْقَاقِ عَلَى الْغَيْرِ ؛ وَلِهَذَا جَعَلْنَا الْيَدَ حُجَّةً لِلْمُدَّعِي عَلَيْهِ ؛ لِيَدْفَعَ بِهَا اسْتِحْقَاقَ الْمُدَّعِي وَحُجَّةً فِي حَقِّ الشَّاهِدِ ؛ لِيَدْفَعَ بِهَا اسْتِحْقَاقَ مَنْ يُنَازِعُهُ ، وَحَاجَةُ ذِي الْيَدِ هُنَا إلَى إثْبَاتِ الِاسْتِحْقَاقِ فِيمَا فِي يَدِ الْغَيْرِ ، وَالظَّاهِرُ لَا يَكْفِي لِذَلِكَ ، فَلَا بُدَّ مِنْ أَنْ يَثْبُتَ الْمِلْكُ بِالْبَيِّنَةِ ، وَهُوَ نَظِيرُ مَا لَوْ طَعَنَ الْمَشْهُودُ عَلَيْهِ فِي الشَّاهِدِ أَنَّهُ عَبْدٌ يَحْتَاجُ إلَى إقَامَةِ الْبَيِّنَةِ عَلَى الْحُرِّيَّةِ ؛ لِأَنَّ ثُبُوتَ حُرِّيَّتِهِ بِاعْتِبَارِ الظَّاهِرِ ، فَلَا يَصْلُحُ لِلْإِلْزَامِ وَإِذَا وُجِدَ قَتِيلٌ فِي دَارِ إنْسَانٍ فَأَنْكَرَ عَلَى عَاقِلَتِهِ كَوْنَ الدَّارِ لَهُ يَحْتَاجُ إلَى إثْبَاتِ الْمِلْكِ بِالْبَيِّنَةِ ؛ لِيَقْضِيَ بِالدِّيَةِ عَلَى عَاقِلَتِهِ فَهَذَا نَظِيرُهُ ( قَالَ : وَلَا أَقْبَلُ فِي ذَلِكَ شَهَادَةَ ابْنَيْ الْوَكِيلِ وَأَبَوَيْهِ وَزَوْجَتِهِ ، وَلَا شَهَادَةَ ابْنَيْ الْمُوَكِّلِ وَأَبَوَيْهِ وَزَوْجَتِهِ ، وَلَا شَهَادَةَ الْمَوْلَى إذَا كَانَ الْوَكِيلُ ، وَالْمُوَكِّلُ عَبْدًا لَهُ ، أَوْ مُكَاتَبًا ) ؛ لِأَنَّهُمْ مُتَّهَمُونَ فِي ذَلِكَ ، فَإِنَّهُمْ يَشْهَدُونَ لِحَقِّ الْمُوَكِّلِ وَيُثْبِتُونَ حَقَّ الْأَخْذِ لِلْوَكِيلِ ؛ فَلِهَذَا لَا تُقْبَلُ فِي ذَلِكَ شَهَادَةُ الْفَرِيقَيْنِ .
وَإِنْ أَقَامَ الْبَيِّنَةَ أَنَّ لِفُلَانٍ نَصِيبًا مِنْ الدَّارِ وَلَمْ يُبَيِّنْ كَمْ هُوَ لَمْ أَقْضِ لَهُ بِالشُّفْعَةِ ؛ لِأَنَّ الْقَاضِيَ لَا يَتَمَكَّنُ مِنْ الْقَضَاءِ بِالْمَجْهُولِ ، فَالنَّصِيبُ الْمَشْهُودُ بِهِ مَجْهُولٌ وَمَا لَمْ يُقْضَ لَهُ بِالْمِلْكِ فِي الدَّارِ ، أَوْ فِي بَعْضِهَا لَا يَتَمَكَّنُ مِنْ الْقَضَاءِ بِالشُّفْعَةِ ، فَإِنْ قَالَ الْمُشْتَرِي حَلَفَ الْوَكِيلُ مَا يَعْلَمُ أَنَّ صَاحِبَهُ سَلَّمَ الشُّفْعَةَ ، فَلَا يَمِينَ عَلَيْهِ ؛ لِأَنَّ التَّسْلِيمَ مُدَّعًى عَلَى الْمُوَكِّل ، وَلَوْ اسْتَحْلَفَ الْوَكِيلُ فِي ذَلِكَ كَانَ بِطَرِيقِ النِّيَابَةِ ، وَلَا نِيَابَةَ فِي الْأَيْمَانِ ، وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ : حَلِّفْهُ مَا سَلَّمَ هُوَ ؛ لِأَنَّ تَسْلِيمَهُ عِنْدَ غَيْرِ الْقَاضِي بَاطِلٌ ، فَلَا مَعْنَى لِلِاسْتِحْلَافِ فِي دَعْوَى تَسْلِيمٍ بَاطِلٍ .
وَلَوْ شَهِدَ رَجُلَانِ عَلَى الْوَكِيلِ أَنَّهُ سَلَّمَ عِنْدَ غَيْرِ الْقَاضِي ، ثُمَّ عُزِلَ قَبْلَ أَنْ يَقْضِيَ عَلَيْهِ لَمْ يَجُزْ ذَلِكَ ؛ لِأَنَّهُمْ شَهِدُوا بِتَسْلِيمٍ بَاطِلٍ ، فَإِنَّ تَسْلِيمَ الْوَكِيلِ الشُّفْعَةَ عِنْدَ مُحَمَّدٍ بَاطِلٌ وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ لَا فِي مَجْلِسِ الْقَضَاءِ بَاطِلٌ وَمَا يَخْتَصُّ بِمَجْلِسِ الْقَضَاءِ إذَا عُزِلَ الْقَاضِي قَبْلَ أَنْ يَقْضِيَ بِهِ ، فَهُوَ بَاطِلٌ ، وَهُوَ مَا لَوْ وُجِدَ فِي غَيْرِ مَجْلِسِ الْقَاضِي فِي الْحُكْمِ سَوَاءٌ كَرُجُوعِ الشَّاهِدِ عَنْ الشَّهَادَةِ ، فَإِنَّهُ كَمَا لَا يَصِحُّ فِي غَيْرِ مَجْلِسِ الْقَاضِي فَكَذَلِكَ لَا يَصِحُّ إذَا وُجِدَ فِي مَجْلِسِ الْقَاضِي وَعُزِلَ قَبْلَ أَنْ يَقْضِيَ بِهِ وَلَوْ أَقَرَّ هَذَا الْوَكِيلُ فِي مَجْلِسِ هَذَا الْقَاضِي أَنَّهُ سَلَّمَ عِنْدَ فُلَانٍ الْقَاضِي ، ثُمَّ عُزِلَ أَوْ أَنَّهُ سَلَّمَ عِنْدَ غَيْرِ الْقَاضِي جَازَ ذَلِكَ عَلَيْهِ بِمَنْزِلَةِ الرُّجُوعِ عَنْ الشَّهَادَةِ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ لِأَنَّ هَذَا يُجْعَلُ بِمَنْزِلَةِ ابْتِدَاءِ التَّسْلِيمِ مِنْهُ ، فَإِنْ كَانَ مَنْ أَقَرَّ بِشَيْءٍ يَمْلِكُ إنْشَاءَهُ يُجْعَلُ كَالْمُنْشِئِ لِذَلِكَ ، وَمُرَادُهُ مِنْ ذِكْرِ قَوْلِ مُحَمَّدٍ مَسْأَلَةُ الرُّجُوعِ لَا مَسْأَلَةُ تَسْلِيمِ الشُّفْعَةِ ، فَقَدْ بَيَّنَّا أَنَّ عِنْدَ مُحَمَّدٍ تَسْلِيمُ الْوَكِيلِ بَاطِلٌ .
وَإِذَا شَهِدَ ابْنَا الْوَكِيلِ أَوْ ابْنَا الْمُوَكِّلِ أَنَّ الْوَكِيلَ قَدْ سَلَّمَ الشُّفْعَةَ أَجَزْت شَهَادَتَهُمَا لِأَنَّهُمَا يَشْهَدَانِ عَلَى أَبِيهِمَا ، وَلَا يَجُوزُ شَهَادَةُ ابْنَيْ الْمُوَكِّلِ عَلَى الْوَكَالَةِ ، وَلَا شَهَادَةُ ابْنَيْ الْوَكِيلِ لِأَنَّ ابْنَيْ الْوَكِيلِ يُثْبِتَانِ صِدْقَ أَبِيهِمَا فِي دَعْوَى الْوَكَالَةِ وَيُثْبِتَانِ لَهُ حَقَّ الْأَخْذِ بِالشُّفْعَةِ وَابْنَيْ الْمُوَكِّلِ يُنَصِّبَانِ نَائِبًا عَنْ أَبِيهِمَا ؛ لِيَأْخُذَ الدَّارَ بِالشُّفْعَةِ وَلَيْسَ لِلْوَكِيلِ بِطَلَبِ شُفْعَتِهِ فِي دَارٍ أَنْ يُخَاصِمَ فِي غَيْرِهَا لِأَنَّ الْوَكَالَةَ تَنْفُذُ بِالتَّقْيِيدِ وَقَدْ بَيَّنَّا قَيْدَ الْوَكَالَةِ بِالدَّارِ الَّتِي عَيَّنَهَا وَهُوَ يُثْبِتُ الْوَكِيلَ فِيهِ مَنَابَ نَفْسِهِ وَقَدْ يَرْضَى الْإِنْسَانُ بِكَوْنِ الْغَيْرِ نَائِبًا عَنْهُ فِي بَعْضِ الْخُصُومَاتِ دُونَ الْبَعْضِ وَلَوْ وَكَّلَهُ بِالْخُصُومَةِ فِي كُلِّ شُفْعَةٍ تَكُونُ لَهُ كَانَ ذَلِكَ جَائِزًا لِأَنَّهُ عَمَّمَ التَّوْكِيلَ وَالْوَكَالَةُ تَقْبَلُ التَّعْمِيمَ وَلَهُ أَنْ يُخَاصِمَ فِي كُلِّ شُفْعَةٍ تَحْدُثُ لَهُ كَمَا يُخَاصِمُ فِي كُلِّ شُفْعَةٍ وَاجِبَةٍ لَهُ لِعُمُومِ الْوَكَالَةِ بِمَنْزِلَةِ التَّوْكِيلِ بِقَبْضِ غَلَّاتِهِ ، وَلَا يُخَاصِمُ بِدَيْنٍ ، وَلَا حَقٍّ سِوَى الشُّفْعَةِ لِتَقْيِيدِ الْوَكَالَةِ بِالشُّفْعَةِ ، إلَّا فِي تَثْبِيتِ الْوَكِيلِ الْحَقَّ الَّذِي يَطْلُبُ بِهِ الشُّفْعَةَ لِأَنَّهُ لَا يَتَوَكَّلُ إلَى الْخُصُومَةِ بِالشُّفْعَةِ ، إلَّا بِذَلِكَ فَتَتَعَدَّى الْوَكَالَةُ إلَيْهِ ضَرُورَةً .
وَإِذَا وَكَّلَ رَجُلٌ رَجُلًا يَأْخُذُ لَهُ دَارًا بِالشُّفْعَةِ وَلَمْ يَعْلَمْ الثَّمَنَ فَأَخَذَهَا الْوَكِيلُ بِثَمَنٍ كَثِيرٍ لَا يَتَغَابَنُ النَّاسُ فِيهِ بِقَضَاءِ قَاضٍ أَوْ بِغَيْرِ قَضَاءِ قَاضٍ ، فَهُوَ لِلْمُوَكِّلِ أَمَّا إعْلَامُ الثَّمَنِ لَيْسَ بِشَرْطٍ فِي صِحَّةِ التَّوْكِيلِ بِالشِّرَاءِ مَعَ أَنَّ ذَلِكَ لَا بُدَّ مِنْهُ فِي الشِّرَاءِ فَلَأَنْ لَا يُشْتَرَطُ ذَلِكَ فِي التَّوْكِيلِ بِالْأَخْذِ بِالشُّفْعَةِ وَهُوَ لَيْسَ بِشَرْطٍ فِي الْأَخْذِ بِالشُّفْعَةِ أَوْلَى ثُمَّ الشَّفِيعُ إنَّمَا يَأْخُذُ بِالثَّمَنِ الَّذِي يَمْلِكُ الْمُشْتَرِي الدَّارَ بِهِ ، فَالتَّوْكِيلُ بِالْأَخْذِ بِمَنْزِلَةِ التَّنْصِيصِ عَلَى ذَلِكَ وَالْوَكِيلُ مُمْتَثِلٌ سَوَاءٌ كَانَ بِقَضَاءٍ أَوْ بِغَيْرِ قَضَاءٍ قَلَّ الثَّمَنُ أَوْ كَثُرَ يُوَضِّحُهُ أَنَّ الْوَكِيلَ بِالشِّرَاءِ إذَا اشْتَرَى بِأَكْثَرَ مِنْ قِيمَتِهِ إنَّمَا لَا يَنْفُذُ شِرَاؤُهُ عَلَى الْمُوَكِّلِ لِتَمَكُّنِ التُّهْمَةِ ، فَمِنْ الْجَائِزِ أَنَّهُ اشْتَرَى لِنَفْسِهِ فَلَمَّا عَلِمَ بِغَلَاءِ الثَّمَنِ أَرَادَ أَنْ يَلْزَمَ الْأَمْرَ وَهَذَا الْمَعْنَى لَا يُوجَدُ فِي حَقِّ الْوَكِيلِ بِالْأَخْذِ بِالشُّفْعَةِ لِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُ أَنْ يَأْخُذَهَا لِنَفْسِهِ .
وَإِذَا وَكَّلَ رَجُلٌ غَيْرَ الشَّفِيعِ أَنْ يَأْخُذَ الدَّارَ لَهُ بِالشُّفْعَةِ فَأَظْهَرَ الشَّفِيعُ ذَلِكَ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَأْخُذَهَا لِنَفْسِهِ ، وَإِذَا وَكَّلَ رَجُلٌ غَيْر الشَّفِيعِ طَلَبَهُ لِغَيْرِهِ تَسْلِيمٌ مِنْهُ لِلشُّفْعَةِ كَأَنَّمَا يَطْلُبُ الْبَيْعَ مِنْ الْمُوَكِّلِ ، وَلَوْ طَلَبَ الْبَيْعَ لِنَفْسِهِ كَانَ بِهِ مُسَلِّمًا لِشُفْعَتِهِ ، فَإِذَا طَلَبَهَا لِغَيْرِهِ أَوْلَى وَلَمَّا كَانَ إظْهَارُهُ بِذَلِكَ بِمَنْزِلَةِ التَّسْلِيمِ لِلشُّفْعَةِ اسْتَوَى فِيهِ أَنْ يَكُونَ الْمُشْتَرِي حَاضِرًا أَوْ غَيْرَ حَاضِرٍ ، فَإِنْ أَسَرَّ ذَلِكَ حَتَّى أَخَذَهَا ثُمَّ عَلِمَ بِذَلِكَ ، فَإِنْ كَانَ الْمُشْتَرِي سَلَّمَهَا إلَيْهِ بِغَيْرِ حُكْمٍ ، فَهُوَ جَائِزٌ وَهِيَ لِلْأَمْرِ لِأَنَّهُ ظَهَرَ أَنَّهُ كَانَ مُسَلِّمًا شُفْعَتَهُ ، وَلَكِنَّ تَسْلِيمَ الْمُشْتَرِي إلَيْهِ سَمْحًا بِغَيْرِ قَضَاءٍ بِمَنْزِلَةِ الْبَيْعِ الْمُبْتَدَإِ فَكَأَنَّهُ اشْتَرَاهَا لِلْأَمْرِ بَعْدَ مَا سَلَّمَ الشُّفْعَةَ وَإِنْ كَانَ الْقَاضِي قَضَى بِهَا ، فَإِنَّهَا تُرَدُّ عَلَى الْمُشْتَرِي الْأَوَّلِ لِأَنَّهُ لَمَّا ظَهَرَ أَنَّهُ كَانَ مُسَلِّمًا شُفْعَتَهُ تَبَيَّنَ أَنَّ الْقَاضِيَ قَضَى عَلَى الْمُشْتَرِي الْأَوَّلِ بِغَيْرِ سَبَبٍ ، فَيَكُونُ قَضَاؤُهُ بَاطِلًا فَيَرُدُّ الدَّارَ عَلَيْهِ .
وَإِذَا كَانَ لِلدَّارِ شَفِيعَانِ فَوَكَّلَ رَجُلًا وَاحِدًا يَأْخُذُهَا لَهُمَا فَسَلَّمَ شُفْعَةَ أَحَدِهِمَا عِنْدَ الْقَاضِي وَأَخَذَهَا كُلَّهَا لِلْآخَرِ ، فَهُوَ جَائِزٌ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَقَامَهُ مَقَامَ نَفْسِهِ فَتَسْلِيمُهُ شُفْعَةَ أَحَدِهِمَا عِنْدَ الْقَاضِي كَتَسْلِيمِ الْمُوَكِّلِ وَبَعْدَ مَا سَقَطَ حَقُّ أَحَدِهِمَا يَبْقَى حَقُّ الْآخَرِ فِي جَمِيعِ الدَّارِ ، فَإِذَا أَخَذَهَا الْوَكِيلُ لَهُ جَازَ وَإِنْ قَالَ عِنْدَ الْقَاضِي قَدْ سَلَّمَتْ شُفْعَةَ أَحَدِهِمَا وَلَمْ يُبَيِّنْ أَيَّهمَا هُوَ أَوْ قَالَ : إنَّمَا أَطْلُبُ شُفْعَةَ الْآخَرِ لَمْ يَكُنْ لَهُ ذَلِكَ حَتَّى يُبَيِّنَ أَيَّهُمَا سَلَّمَ نَصِيبَهُ وَلِأَيِّهِمَا يَأْخُذُ أَمَّا تَسْلِيمَهُ شُفْعَةِ أَحَدِهِمَا لَهُ صَحِيحٌ لِأَنَّ تَسْلِيمَ الشُّفْعَةِ إسْقَاطٌ مَبْنِيٌّ عَلَى التَّوَسُّعِ ، فَالْجَهَالَةُ الْمَحْصُورَةُ فِي مِثْلِهِ لَا تَمْنَعُ الصِّحَّةَ ، وَلَكِنَّهُ لَا يَتَمَكَّنُ مِنْ أَخْذِهَا لِلْمَجْهُولِ مِنْهُمَا لِأَنَّ بِالْأَخْذِ ثَبَتَ الْمِلْكُ لِلْمُوَكِّلِ وَالْقَضَاءُ بِالْمِلْكِ لِلْمَجْهُولِ لَا يَجُوزُ فَلِهَذَا لَا بُدَّ لِلْوَكِيلِ مِنْ أَنْ يُبَيِّنَ لِأَيِّهِمَا يَأْخُذُ .
وَإِذَا وَكَّلَ الشَّفِيعُ الْمُشْتَرِيَ بِالْأَخْذِ بِالشُّفْعَةِ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَكِيلًا فِي ذَلِكَ لِأَنَّ الْأَخْذَ بِالشُّفْعَةِ بِمَنْزِلَةِ الشِّرَاءِ وَالْإِنْسَانُ لَا يَكُونُ وَكِيلًا عَنْ غَيْرِهِ فِي الشِّرَاءِ مِنْ نَفْسِهِ ؛ لِمَا فِيهِ مِنْ تَضَادِّ أَحْكَامِ الْأَحْكَامِ وَلَوْ وَكَّلَ الْبَائِعُ بِالْأَخْذِ بِالشُّفْعَةِ جَازَ ذَلِكَ فِي الْقِيَاسِ لِأَنَّ الْبَائِعَ بِتَسْلِيمِ الدَّارِ إلَى الْمُشْتَرِي قَدْ خَرَجَ مِنْ هَذِهِ الْخُصُومَةِ وَالْتَحَقَ بِأَجْنَبِيٍّ آخَرَ وَفِي الِاسْتِحْسَانِ لَا يَجُوزُ ذَلِكَ لِأَنَّ الْبَائِعَ لَا يَأْخُذُ الشُّفْعَةَ لِنَفْسِهِ وَمَنْ لَا يَمْلِكُ شِرَاءَ شَيْءٍ لِنَفْسِهِ لَا يَمْلِكُ ذَلِكَ لِغَيْرِهِ ، وَهَذَا لِأَنَّهُ تَوْكِيلٌ فِي بَعْضِ مَا قَدْ تَمَّ بِهِ وَهُوَ الْبَيْعُ .
وَإِذَا وَكَّلَ الذِّمِّيُّ الْمُسْلِمَ بِطَلَبِ الشُّفْعَةِ لَمْ تُقْبَلْ شَهَادَةُ أَهْلِ الذِّمَّةِ عَلَى الْوَكِيلِ الْمُسْلِمِ بِتَسْلِيمِ الشُّفْعَةِ لِأَنَّهُمْ يَشْهَدُونَ عَلَى الْمُسْلِمِ بِقَوْلٍ مِنْهُ وَهُوَ مُنْكِرٌ لِذَلِكَ وَشَهَادَةُ أَهْلِ الذِّمَّةِ لَا تَكُونُ حُجَّةً عَلَى الْمُسْلِمِ وَإِنْ كَانَ الذِّمِّيُّ هُوَ الْوَكِيلَ وَقَدْ أَجَازَ الشَّفِيعُ مَا صَنَعَ الْوَكِيلُ قَبِلْتُ شَهَادَتُهُمَا وَأَبْطَلْتُ الشُّفْعَةَ لِأَنَّ الْوَكِيلَ لَوْ أَقَرَّ بِذَلِكَ جَازَ إقْرَارُهُ ، فَإِنَّ الْمُوَكِّلَ أَجَازَ صُنْعَهُ عَلَى الْعُمُومِ مُطْلَقًا فَكَذَلِكَ إذَا شَهِدَ عَلَيْهِ بِذَلِكَ أَهْلُ الذِّمَّةِ لِأَنَّ شَهَادَتَهُمْ عَلَى الذِّمِّيِّ فِي إثْبَاتِ كَلَامِهِ حُجَّةٌ .
وَإِذَا وَكَّلَ رَجُلٌ رَجُلًا بِطَلَبِ شُفْعَةٍ لَهُ فَأَخَذَهَا ثُمَّ جَاءَ مُدَّعٍ يَدَّعِي فِي الدَّارِ شَيْئًا ، فَالْوَكِيلُ لَيْسَ بِخَصْمٍ لَهُ لِأَنَّ الْوَكَالَةَ قَدْ انْتَهَتْ بِالْأَخْذِ بِالشُّفْعَةِ فَبَقِيَتْ الدَّارُ فِي يَدِهِ أَمَانَةً وَالْأَمِينُ لَا يَكُونُ خَصْمًا لِلْمُدَّعِي وَلَوْ وَجَدَ بِالدَّارِ عَيْبًا كَانَ لَهُ أَنْ يَرُدَّهَا بِهِ ، وَلَا يَنْظُرَ فِي ذَلِكَ إلَى غَيْبَةِ الَّذِي وَكَّلَهُ لِأَنَّ الْأَخْذَ بِالشُّفْعَةِ بِمَنْزِلَةِ الشِّرَاءِ وَمَا دَامَ الْمَبِيعُ فِي يَدِ الْوَكِيلِ بِالشِّرَاءِ ، فَهُوَ فِي حُكْمِ الرَّدِّ بِالْعَيْبِ ، كَالْمُشْتَرِي لِنَفْسِهِ وَإِذَا قَالَ : قَدْ وَكَّلْتُك بِطَلَبِ الشُّفْعَةِ بِكَذَا دِرْهَمًا وَأَخَذَهُ ، فَإِنْ كَانَ الشِّرَاءُ وَقَعَ بِذَلِكَ أَوْ بِأَقَلَّ ، فَهُوَ وَكِيلٌ وَإِنْ كَانَ بِأَكْثَرَ فَلَيْسَ بِوَكِيلٍ لِأَنَّ الْأَخْذَ بِالشُّفْعَةِ يَكُونُ بِالثَّمَنِ الَّذِي وَقَعَ الشِّرَاءُ بِهِ وَالْوَكِيلُ بِشِرَاءِ عَيْنٍ بِعَشَرَةٍ يَمْلِكُ الشِّرَاءَ بِأَقَلَّ مِنْ عَشَرَةٍ ، وَلَا يَمْلِكُ الشِّرَاءَ بِأَكْثَرَ مِنْ عَشَرَةٍ لِلْمُوَكِّلِ ، فَإِذَا كَانَ الثَّمَنُ أَكْثَرَ مِمَّا سُمِّيَ ، فَقَدْ وَكَّلَهُ بِمَا لَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ وَعَلَى الْوَكِيلِ الْقِيَامُ بِهِ فَيَصِحُّ التَّوْكِيلُ وَكَذَلِكَ إنْ قَالَ : وَكَّلْتُك بِطَلَبِهَا إنْ كَانَ فُلَانٌ اشْتَرَاهَا لِأَنَّ هَذَا مُقَيَّدٌ ، فَالْإِنْسَانُ قَدْ يَتَمَكَّنُ مِنْ الْخُصُومَةِ مَعَ شَخْصٍ ، وَلَا يَتَمَكَّنُ مِنْ الْخُصُومَةِ مَعَ غَيْرِهِ وَقَدْ يَرْغَبُ الشَّفِيعُ فِي الْأَخْذِ إذَا كَانَ الْمُشْتَرِي إنْسَانًا بِعَيْنِهِ ، وَلَا يَرْغَبُ إذَا كَانَ الْمُشْتَرِي غَيْرَهُ ؛ فَلِهَذَا اعْتَبَرْنَا تَقْيِيدَهُ وَإِذَا كَانَتْ الشُّفْعَةُ لِوَرَثَةٍ مِنْهُمْ الصَّغِيرُ وَالْكَبِيرُ وَالْحَمْلُ الَّذِي لَمْ يُولَدْ بَعْدُ فَهُمْ فِي الشُّفْعَةِ سَوَاءٌ ؛ لِأَنَّ الْجَنِينَ مِنْ أَهْلِ الْمِلْكِ بِالْإِرْثِ فَبِاعْتِبَارِ الْمِلْكِ يَتَحَقَّقُ سَبَبُ اسْتِحْقَاقِ الشُّفْعَةِ مِنْ جِوَارٍ أَوْ شَرِكَةٍ وَإِذَا وَضَعَتْ الْحُبْلَى حَمْلَهَا وَقَدْ ثَبَتَ نَسَبُهُ مِنْ الْمَيِّتِ شَارَكَتْهُمْ فِي الشُّفْعَةِ وَإِنْ كَانَ
الْوَضْعُ بَعْدَ الْبَيْعِ لِأَكْثَرَ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ ؛ لِأَنَّا لَمَّا حَكَمْنَا بِثُبُوتِ نَسَبِهِ مِنْ الْمَيِّتِ ، فَقَدْ حَكَمْنَا بِالْإِرْثِ لَهُ وَبِكَوْنِهِ مَوْجُودًا عِنْدَ الْبَيْعِ ، فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ مَا لَوْ كَانَ بَعْضُ الشُّرَكَاءِ فِي الدَّارِ غَائِبًا أَخَذَ الْحَاضِرُ الدَّارَ الْمَبِيعَةَ ثُمَّ حَضَرَ الْغَائِبُ فَلَهُ أَنْ يَأْخُذَ حِصَّتَهُ فِي ذَلِكَ .
وَإِنْ اشْتَرَى دَارًا بِجَارِيَةٍ وَتَقَابَضَا ثُمَّ وَلَدَتْ الْجَارِيَةُ لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ بَعْدَ الشِّرَاءِ وَادَّعَاهُ الْبَائِعُ أَبْطَلْتُ الْبَيْعَ وَالشُّفْعَةَ وَإِنْ كَتَبَ قَدْ وَصَّيْت بِهَا قَبْلَ ذَلِكَ ؛ لِأَنَّ حُصُولَ الْعُلُوقِ مِنْ مِلْكِ بَائِعِهَا يُثْبِتُ لَهُ حَقَّ اسْتِحْقَاقِ النَّسَبِ وَذَلِكَ يَنْزِلُ مَنْزِلَةَ الْبَيِّنَةِ فِي إبْطَالِ مَا يَحْتَمِلُ النَّقْضَ وَالْقَضَاءُ بِالشُّفْعَةِ يَحْتَمِلُ النَّقْضَ كَنَفْسِ الْبَيْعِ ثُمَّ بِدَعْوَى النَّسَبِ يَتَبَيَّنُ أَنَّ الْبَيْعَ كَانَ فَاسِدًا مِنْ الْأَصْلِ ؛ لِأَنَّهُ بَاعَهَا بِأُمِّ الْوَلَدِ وَبِالْبَيْعِ الْفَاسِدِ لَا يَسْتَحِقُّ الشُّفْعَةَ وَقَدْ بَيَّنَّا فِي الِاسْتِحْقَاقِ نَظِيرَهُ فَكَذَلِكَ إذَا أَثْبَتَ الْوَلَدَ لِأَمَتِهِ .
وَإِذَا وَكَّلَ الرَّجُلُ رَجُلًا بِطَلَبِ كُلِّ دَيْنٍ لَهُ بِالْخُصُومَةِ فِيهِ فَلَهُ أَنْ يَتَقَاضَى مَا كَانَ لَهُ مِنْ دَيْنٍ وَمَا حَدَثَ لَهُ بَعْدَ ذَلِكَ ؛ لِأَنَّ مُطْلَقَ التَّوْكِيلِ يَنْصَرِفُ إلَى الْمُتَعَارَفِ وَفِي الْعُرْفِ يُرَادُ جَمِيعُ ذَلِكَ ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ وَكَّلَهُ بِتَقَاضِي كُلِّ عِلَّةٍ لَهُ أَوْ يَبْتَعْهَا دَخَلَ فِيهِ مَا يَحْدُثُ وَكَذَلِكَ لَوْ وَكَّلَهُ بِالْخُصُومَةِ فِي كُلِّ مِيرَاثٍ لَهُ وَإِذَا وَكَّلَهُ بِمَالِهِ وَلَمْ يُرِدْ عَلَى هَذَا فَفِي الْقِيَاسِ التَّوْكِيلُ بَاطِلٌ ؛ لِأَنَّ مَا وَكَّلَهُ بِهِ مَجْهُولٌ جَهَالَةً مُسْتَدِيمَةً لَهُ وَالْوَكِيلُ يَعْجِزُ عَنْ تَحْصِيلِ مَقْصُودِ الْمُوَكِّلِ فِي ذَلِكَ وَفِي الِاسْتِحْسَانِ هَذَا تَوْكِيلٌ بِالْحِفْظِ ؛ لِأَنَّ هَذَا الْقَدْرَ مُتَيَقَّنٌ بِهِ ؛ لِأَنَّ الْمَالَ مَحْفُوظٌ عِنْدَ كُلِّ مَالِكٍ ، فَإِذَا أَطْلَقَ الْمَالَ عِنْدَ ذِكْرِ التَّوْكِيلِ عَلِمْنَا أَنَّ مُرَادَهُ الْحِفْظُ فِيمَا وَرَاءَ ذَلِكَ مِنْ الْخُصُومَةِ ، وَالْبَيْعُ وَتَقَاضِي الدَّيْنِ شَكٌّ بِلَا بَيِّنَةٍ وَإِنْ قَالَ : تَقَاضَ دَيْنِي ؛ أَوْ أَرْسِلْهُ يَتَقَاضَاهُ أَوْ وَكِّلْهُ ، فَهُوَ سَوَاءٌ ؛ لِأَنَّ التَّوْكِيلَ بِالتَّقَاضِي مُعَبِّرٌ عَنْ مُوَكِّلِهِ ، وَلَا يَلْحَقُهُ فِي ذَلِكَ عُهْدَةٌ ، كَالرَّسُولِ وَلَهُ أَنْ يَتَقَاضَاهُ ، وَلَا يَشْتَرِيَ بِهِ شَيْئًا ، وَلَا يُوَكِّلَ بِقَبْضِهِ أَحَدًا مِنْ غَيْرِ عِيَالِهِ ؛ لِأَنَّهُ تَصَرُّفٌ فِيهِ سَوَاءٌ أَمَرَهُ بِهِ وَلَهُ أَنْ يُوَكِّلَ بِهِ عَبْدَهُ أَوْ ابْنَهُ أَوْ أَجِيرَهُ الَّذِي هُوَ فِي عِيَالِهِ بِمَنْزِلَةِ مَا لَوْ قَبَضَ بِنَفْسِهِ ثُمَّ دَفَعَ إلَى أَحَدٍ مِنْ هَؤُلَاءِ ، وَهَذَا ؛ لِأَنَّهُ أَمِينٌ فِيمَا يَقْبِضُ ، كَالْمُودَعِ فِي الْوَدِيعَةِ .
وَإِذَا وَكَّلَهُ بِتَقَاضِي دَيْنٍ لَهُ عَلَى رَجُلٍ بِعَيْنِهِ وَسَمَّى لَهُ مَا عَلَيْهِ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يُطَالِبَهُ بِمَا يَحْدُثُ لَهُ عَلَيْهِ ؛ لِأَنَّهُ قَيَّدَ التَّوْكِيلَ بِمَا سَمَّى لَهُ وَهُوَ تَقْيِيدُ مُقَيَّدٍ ، فَقَدْ يَأْتَمِنُ الْإِنْسَانُ غَيْرَهُ عَلَى الْقَلِيلِ مِنْ مَالِهِ دُونَ الْكَثِيرِ وَإِذَا وَكَّلَهُ بِتَسْلِيمِ شُفْعَتِهِ لَهُ فَجَاءَ الْوَكِيلُ وَقَدْ غَرِقَ بِنَاءُ الدَّارِ أَوْ احْتَرَقَ نَخْلِ الْأَرْضِ فَأَخَذَ بِجَمِيعِ الثَّمَنِ فَلَمْ يَرْضَ بِهِ الْمُوَكِّلُ ، فَهُوَ جَائِزٌ عَلَى الْمُوَكِّلِ لَا يَسْتَطِيعُ رَدَّهُ ؛ لِأَنَّهُ مُمْتَثِلٌ أَمْرَهُ ، فَإِنَّهُ لَا يَتَمَكَّنُ مِنْ الْأَخْذِ بَعْدَ مَا احْتَرَقَ الْبِنَاءُ ، إلَّا بِجَمِيعِ الثَّمَنِ ، فَيَكُونُ فِعْلُهُ فِي الْأَخْذِ كَفِعْلِ الْمُوَكِّلِ ؛ وَلِأَنَّهُ غَيْرُ مُتَّهَمٍ فِي هَذَا إذْ لَا يَتَمَكَّنُ مِنْ أَخْذِهَا لِنَفْسِهِ بِالشُّفْعَةِ ، وَبِهِ يَسْتَدِلُّ أَبُو حَنِيفَةَ فِي الْوَكِيلِ بِشِرَاءِ شَيْءٍ بِعَيْنِهِ إذَا اشْتَرَاهُ بِأَكْثَرَ مِنْ قِيمَتِهِ وَكَذَلِكَ لَوْ جَعَلَهُ حُرًّا أَوْ وَصِيًّا فِي الْخُصُومَةِ فِي حَيَاتِهِ وَطَلَبَ الشُّفْعَةَ فَهَذِهِ عِبَارَاتٌ عَنْ الْوَكَالَةِ وَالْمُعْتَبَرُ الْمَعْنَى دُونَ الْعِبَارَةِ فَلَهُ أَنْ يَقْبِضَهَا وَيُنْفِذَ الثَّمَنَ وَيَرْجِعَ بِهِ عَلَى الْمُوَكِّلِ وَإِذَا وَكَّلَ رَجُلَيْنِ بِالشُّفْعَةِ فَلِأَحَدِهِمَا أَنْ يُخَاصِمَ بِمَنْزِلَةِ الْوَكِيلِينَ بِالْخُصُومَةِ ؛ لِأَنَّهُمَا لَوْ حَضَرَا مَجْلِسَ الْقَاضِي لَمْ يَتَكَلَّمْ ، إلَّا أَحَدُهُمَا ، فَإِنَّهُمَا لَوْ تَكَلَّمَا جَمِيعًا لَمْ يَفْهَمْ الْقَاضِي كَلَامَهُمَا ، وَلَا يَأْخُذُ أَحَدُهُمَا دُونَ الْآخَرِ مَنْزِلَةَ الْوَكِيلِينَ بِالشِّرَاءِ وَإِذَا سَلَّمَ أَحَدُهُمَا الشُّفْعَةَ عِنْدَ الْقَاضِي جَازَ عَلَى الْمُوَكِّلِ ؛ لِأَنَّ صِحَّةَ التَّسْلِيمِ مِنْ الْوَكِيلَيْنِ بِطَرِيقِ أَنَّهُ مِنْ الْخُصُومَةِ مَعْنًى ؛ وَلِهَذَا اخْتَصَّ بِمَجْلِسِ الْقَاضِي وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا وَكِيلٌ تَامٌّ فِي الْخُصُومَةِ كَأَنَّهُ لَيْسَ مَعَهُ غَيْرُهُ وَإِذَا وَكَّلَهُ بِغَيْرِهِ بِطَلَبِ الشُّفْعَةِ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يُوَكِّلَ
غَيْرَهُ ، إلَّا أَنْ يَكُونَ الْأَمْرُ أَجَازَ لَهُ مَا صَنَعَ بِمَنْزِلَةِ مَا لَوْ وَكَّلَهُ بِالشِّرَاءِ وَإِنْ كَانَ قَالَ لَهُ ذَلِكَ ، فَالتَّوْكِيلُ مِنْ صُنْعِهِ فَإِنْ وَكَّلَ وَكِيلًا وَقَالَ لَهُ مِثْلَ ذَلِكَ لَمْ يَكُنْ لِلْوَكِيلِ الثَّانِي أَنْ يُوَكِّلَ غَيْرَهُ ؛ لِأَنَّ الْمُوَكِّلَ أَجَازَ صُنْعَ الْوَكِيلِ الْأَوَّلِ وَلَمْ يُجِزْ صُنْعَ الْوَكِيلِ الثَّانِي ، وَهَذَا اللَّفْظُ يُعْتَبَرُ فِي تَصْحِيحِ التَّوْكِيلِ مِنْ الْوَكِيلِ الْأَوَّلِ ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ مِنْ صُنْعِهِ ، وَلَا يُعْتَبَرُ فِي تَنْفِيذِ إجَازَةِ الْأَوَّلِ مَا صَنَعَ الْوَكِيلُ الثَّانِي عَلَى الْأَمْرِ ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ وَرَاءَ إجَازَةِ مَا صَنَعَ الْوَكِيلُ الْأَوَّلُ وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْإِنْسَانَ فِي حَقِّ الْغَيْرِ لَا يُسَوِّي غَيْرَهُ بِنَفْسِهِ ؛ وَلِهَذَا لَا يُوَكِّلُ عِنْدَ إطْلَاقِ التَّوْكِيلِ فَلَوْ جَوَّزْنَا مِنْ الْأَوَّلِ إجَازَتَهُ مَا صَنَعَ الثَّانِي كَانَ مُسَوِّيًا لَهُ بِنَفْسِهِ فِي حَقِّ الْغَيْرِ وَذَلِكَ لَا يَجُوزُ .
وَإِذَا طَلَبَ الْمُشْتَرِي مِنْ الْوَكِيلِ أَنْ يَكُفَّ عَنْهُ شَهْرًا أَوْ سَنَةً عَلَى أَنَّهُ عَلَى خُصُومَتِهِ وَعَلَى شُفْعَتِهِ فَفَعَلَ الْوَكِيلُ ذَلِكَ لَمْ تَبْطُلْ بِهِ شُفْعَةُ صَاحِبِهِ ؛ لِأَنَّهُ لَوْ طَلَبَ هَذَا مِنْ الْمُوَكِّلِ فَأَجَابَهُ إلَيْهِ لَمْ تَبْطُلْ بِهِ شُفْعَتُهُ وَهَذَا ؛ لِأَنَّ التَّأْخِيرَ إنَّمَا جَعَلَهُ مُحَمَّدٌ مُبْطِلًا لِلشُّفْعَةِ لِدَفْعِ الضَّرَرِ عَنْ الْمُشْتَرِي وَيَنْعَدِمُ ذَلِكَ عِنْدَ الْتِمَاسِ الْمُشْتَرِي بِطَلَبِهِ وَإِنْ مَاتَ الْوَكِيلُ قَبْلَ الْأَجَلِ وَلَمْ يَعْلَمْ صَاحِبُهُ بِمَوْتِهِ ، فَهُوَ عَلَى شُفْعَتِهِ ، فَإِذَا مَضَى الْأَجَلُ وَعَلِمَ بِمَوْتِهِ فَلَمْ يَطْلُبْ أَوْ يَبْعَثْ وَكِيلًا آخَرَ يَطْلُبُ لَهُ ، فَلَا شُفْعَةَ لَهُ كَمَا كَانَ الْحُكْمُ فِي الِابْتِدَاءِ قَبْلَ أَنْ يَبْعَثَ هَذَا الْوَكِيلُ وَمِقْدَارُ الْمُدَّةِ لَهُ فِي ذَلِكَ مِقْدَارُ الْمُشْتَرِي مِنْ حَيْثُ هُوَ عَلَى سَيْرِ النَّاسِ ؛ لِأَنَّهُ لَا يَتَمَكَّنُ مِنْ الطَّلَبِ ، إلَّا بِذَلِكَ وَإِنَّمَا يَلْزَمُهُ الطَّلَبُ بِحَسَبِ الْإِمْكَانِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
بَابُ شُفْعَةِ أَهْلِ الْكُفْرِ .
( قَالَ : رَحِمَهُ اللَّهُ وَإِذَا اشْتَرَى الْكَافِرُ دَارًا بِخَمْرٍ أَوْ خِنْزِيرٍ وَشَفِيعُهَا كَافِرٌ أَخَذَهَا بِخَمْرٍ بِمِثْلِ تِلْكَ الْخَمْرِ وَبِقِيمَةِ الْخِنْزِيرِ ) ؛ لِأَنَّ الْخَمْرَ وَالْخِنْزِيرَ مَالٌ مُتَقَوِّمٌ فِي حَقِّهِمْ ، فَالْبَيْعُ بِهِمَا صَحِيحٌ بَيْنَهُمْ ثُمَّ الشَّفِيعُ يَأْخُذُ بِمِثْلِ مَا يَمْلِكُ بِهِ الْمُشْتَرِي صُورَةً وَمَعْنًى فِيمَا لَهُ مِثْلٌ ، فَالْخَمْرُ بِهَذِهِ الصِّفَةِ ، فَهِيَ مَكِيلَةٌ أَوْ مَوْزُونَةٌ وَبِالْمِثْلِ مَعْنًى فِيمَا لَا مِثْلَ لَهُ مِنْ جِنْسِهِ وَالْخِنْزِيرُ مِنْ هَذِهِ الصِّفَةِ ، فَإِنَّهُ حَيَوَانٌ لَيْسَ مِنْ ذَوَاتِ الْأَمْثَالِ فَيَأْخُذُهَا بِقِيمَتِهِ وَإِنْ اشْتَرَاهَا بِمَيْتَةٍ أَوْ دَمٍ ، فَلَا شُفْعَةَ فِيهَا ؛ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ بِمَالٍ مُتَقَوِّم فِي حَقِّهِمْ ، فَالشِّرَاءُ بِهَا يَكُونُ بَاطِلًا وَبِالْعَقْدِ الْبَاطِلِ لَا تَجِبُ الشُّفْعَةُ وَإِنْ اشْتَرَاهَا بِخَمْرٍ وَشَفِيعُهَا مُسْلِمٌ وَكَافِرٌ فَهُمَا سَوَاءٌ فِي الشُّفْعَةِ ؛ لِأَنَّ الْأَخْذَ بِالشُّفْعَةِ مِنْ الْمُعَامَلَاتِ وَهُمْ فِي ذَلِكَ يَسْتَوُونَ بِالْمُسْلِمِينَ وَالْمَقْصُودُ دَفْعُ ضَرَرِ سُوءِ الْمُجَاوَرَةِ وَحَاجَةُ الذِّمِّيِّ إلَى ذَلِكَ كَحَاجَةِ الْمُسْلِمِ فَيَأْخُذُ الذِّمِّيُّ نِصْفَهَا بِمِثْلِ نِصْفِ الْخَمْرِ وَالْمُسْلِمُ نِصْفَهَا بِنِصْفِ قِيمَةِ الْخَمْرِ اعْتِبَارًا لِلْبَعْضِ بِالْكُلِّ ، وَهَذَا ؛ لِأَنَّهُ يَعْجِزُ الْمُسْلِمُ عَنْ تَمْلِيكِ عَيْنِ الْخَمْرِ وَقَدَرَ الْكَافِرُ عَلَى ذَلِكَ فَإِنْ أَسْلَمَ الشَّفِيعُ الْكَافِرُ قَبْلَ أَنْ يَأْخُذَهَا لَمْ تَبْطُلْ شُفْعَتُهُ ؛ لِأَنَّ الْإِسْلَامَ سَبَبٌ لِتَأَكُّدِ حَقِّهِ لَا لِإِبْطَالِهِ ، وَلَكِنْ يَأْخُذُ بِقِيمَةِ الْخَمْرِ ؛ لِأَنَّهُ قَدْ عَجَزَ عَنْ تَمْلِيكِ عَيْنِ الْخَمْرِ بَعْدَ إسْلَامِهِ فَيَأْخُذُ بِالْقِيمَةِ كَمَا لَوْ كَانَ مُسْلِمًا عِنْدَ الْعَقْدِ ، أَلَا تَرَى أَنَّ الْمُسْلِمَ لَوْ اشْتَرَى دَارًا بِكُرٍّ مِنْ رُطَبٍ فَجَاءَ الشَّفِيعُ بَعْدَ مَا انْقَطَعَ الرُّطَبُ مِنْ أَيْدِي النَّاسِ ، فَإِنَّهُ يَأْخُذُهَا بِقِيمَةِ الرُّطَبِ بِهَذَا الْمَعْنَى وَإِذَا أَسْلَمَ أَحَدُ
الْمُتَبَايِعَيْنِ وَالْخَمْرُ غَيْرُ مَقْبُوضَةٍ وَالدَّارُ مَقْبُوضَةٌ أَوْ غَيْرُ مَقْبُوضَةٍ انْتَقَضَ الْبَيْعُ لِفَوَاتِ الْقَبْضِ الْمُسْتَحَقِّ بِالْعَقْدِ ، فَالْإِسْلَامُ يَمْنَعُ قَبْضَ الْخَمْرِ بِحُكْمِ الْبَيْعِ كَمَا يَمْنَعُ الْعَقْدَ عَلَى الْخَمْرِ ، وَلَكِنْ لَا يَبْطُلُ حَقُّ الشَّفِيعِ فِي الشُّفْعَةِ ؛ لِأَنَّ وُجُوبَ الشُّفْعَةِ بِأَصْلِ الْبَيْعِ وَقَدْ كَانَ صَحِيحًا وَبَقَاؤُهُ لَيْسَ بِشَرْطٍ لِبَقَاءِ حَقِّ الشَّفِيعِ فِي الشُّفْعَةِ كَمَا لَوْ اشْتَرَى دَارًا بِعَبْدٍ فَمَاتَ الْعَبْدُ قَبْلَ التَّسْلِيمِ فِي الْخَمْرِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْآخَرِ بِسَبَبِ إسْلَامِهِ وَبِذَلِكَ انْتَقَضَ الْبَيْعُ وَلَمْ يَبْطُلْ بِهِ حَقُّ الشَّفِيعِ فَيَأْخُذُهَا الشَّفِيعُ بِقِيمَةِ الْخَمْرِ إنْ كَانَ هُوَ مُسْلِمًا أَوْ كَانَ الْمَأْخُوذُ مِنْهُ مُسْلِمًا لِتَعَذُّرِ تَمْلِيكِ عَيْنِ الْخَمْرِ بَيْنَهُمَا وَإِنْ كَانَا كَافِرَيْنِ أَخَذَهَا بِمِثْلِ تِلْكَ الْخَمْرِ ؛ لِأَنَّ مَنْ أَسْلَمَ مِنْ الْمُتَعَاقِدَيْنِ قَدْ تَعَذَّرَ الْقَبْضُ وَالتَّسْلِيمُ فِي الْخَمْرِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْآخَرِ بِسَبَبِ إسْلَامِهِ وَذَلِكَ غَيْرُ مَوْجُودٍ بَيْنَ الشَّفِيعِ وَالْمَأْخُوذِ مِنْهُ وَلَوْ كَانَا كَافِرَيْنِ وَإِذَا كَانَ إسْلَامُ أَحَدِ الْمُتَعَاقِدَيْنِ بَعْدَ قَبْضِ الْخَمْرِ قَبْلَ قَبْضِ الدَّارِ ، فَالْبَيْعُ بَيْنَهُمَا يَبْقَى صَحِيحًا ؛ لِأَنَّ حُكْمَ الْعَقْدِ فِي الْخَمْرِ يَنْتَهِي بِالْقَبْضِ وَالْإِسْلَامُ لَا يَمْنَعُ قَبْضَ الدَّارِ ، فَإِذَا اشْتَرَى الدَّارَ بِيعَةً أَوْ كَنِيسَةً أَوْ بَيْتَ نَارٍ ثُمَّ حَضَرَ الشَّفِيعُ فَلَهُ أَنْ يَأْخُذَهَا بِالشُّفْعَةِ ؛ لِأَنَّ حَقَّهُ مُقَدَّمٌ عَلَى حَقِّ الْمُشْتَرِي وَهُوَ مُتَمَكِّنٌ مِنْ بَعْضِ مَا لِلْمُشْتَرِي وَتَصَرُّفِهِ ، أَلَا تَرَى أَنَّ الْمُسْلِمَ لَوْ كَانَ جَعَلَ الدَّارَ مَسْجِدًا ثُمَّ حَضَرَ الشَّفِيعُ كَانَ لَهُ أَنْ يَأْخُذَهَا بِالشُّفْعَةِ فَهَذَا أَوْلَى ؛ لِأَنَّ اتِّخَاذَ الْبَيْعَةِ مَعْصِيَةٌ لَيْسَ فِيهَا مَعْنَى الطَّاعَةِ وَلَوْ مَاتَ الْمُشْتَرِي فَبِيعَتْ الدَّارُ فِي دَيْنِهِ ثُمَّ حَضَرَ الشَّفِيعُ كَانَ لَهُ أَنْ يَأْخُذَهَا بِالْبَيْعِ الْأَوَّلِ وَيَبْطُلُ
الْبَيْعُ الثَّانِي كَمَا لَوْ كَانَ الْمُشْتَرِي هُوَ الَّذِي بَاعَهَا بِنَفْسِهِ وَلَوْ كَانَ الْمُشْتَرِي لِلدَّارِ بِالْخَمْرِ ذِمِّيًّا فَأَسْلَمَ وَارِثُهُ بَعْدَ مَوْتِهِ كَانَ لِلشَّفِيعِ أَنْ يَأْخُذَهَا بِقِيمَةِ الْخَمْرِ كَمَا لَوْ كَانَ الْمُشْتَرِي هُوَ الَّذِي أَسْلَمَ بِنَفْسِهِ .
وَإِذَا اشْتَرَى الذِّمِّيُّ مِنْ الذِّمِّيِّ دَارًا بِخَمْرٍ وَتَقَابَضَا ثُمَّ صَارَتْ خَلًّا وَأَسْلَمَ الْبَائِعُ وَالْمُشْتَرِي ثُمَّ اسْتَحَقَّ نِصْفَ الدَّارِ ، فَنَقُولُ : إنْ كَانَ الْمُشْتَرِي هُوَ الَّذِي أَسْلَمَ وَلَمْ يُسْلِمْ الْبَائِعُ أَوْ أَسْلَمَ الْبَائِعُ بَعْدَ إسْلَامِ الْمُشْتَرِي أَوْ أَسْلَمَا مَعًا بَقِيَ النِّصْفُ الْمُسْتَحَقُّ وَيَأْخُذُ الْمُشْتَرِي نِصْفَ الْخَلِّ فَقَطْ ؛ لِأَنَّ بِالِاسْتِحْقَاقِ يُنْتَقَضُ الْعَقْدُ مِنْ الْأَصْلِ وَخَمْرُ الْمُسْلِمِ لَا يَكُونُ مَضْمُونًا عَلَى الْكَافِرِ ، فَهُوَ كَمَا لَوْ غَصَبَ مِنْ مُسْلِمٍ خَمْرًا فَتَخَلَّلَتْ ، فَإِنَّهُ يَأْخُذُ الْخَلَّ ، وَلَا شَيْءَ لَهُ غَيْرَهُ ، فَأَمَّا فِي النِّصْفِ الَّذِي لَمْ يَسْتَحِقَّ الْمُشْتَرِي بِالْخِيَارِ لِبَعْضِ الْمِلْكِ عَلَيْهِ ، فَإِنْ اخْتَارَ فَسْخَ الْعَقْدِ رَجَعَ بِنِصْفِ الْخَلِّ ؛ لِمَا بَيَّنَّا أَنَّ الْخَمْرَ لَا تَكُونُ مَضْمُونَةً لَهُ عَلَى أَحَدٍ ، وَهَذَا إذَا كَانَتْ الْخَمْرُ بِعَيْنِهَا فَإِنْ كَانَتْ بِغَيْرِ عَيْنِهَا ، فَلَا خِيَارَ لَهُ فِي النِّصْفِ الْبَاقِي ؛ لِأَنَّهُ لَوْ رَدَّهَا رَدَّهَا بِغَيْرِ شَيْءٍ ، وَلَا سَبِيلَ لَهُ عَلَى الْخَلِّ ؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ مَا يَتَنَاوَلُ هَذَا بِعَيْنِهِ وَإِنَّمَا تَنَاوَلَ خَمْرًا فِي الذِّمَّةِ فَعِنْدَ الْفَسْخِ يَعُودُ حَقُّهُ فِي ذَلِكَ وَالْخَمْرُ لَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ دَيْنًا لِلْمُسْلِمِ عَلَى آخَرَ ، فَأَمَّا إذَا كَانَ الْبَائِعُ هُوَ الَّذِي أَسْلَمَ دُونَ الْمُشْتَرِي أَوْ أَسْلَمَ الْبَائِعُ أَوَّلًا ثُمَّ الْمُشْتَرِي فَكَذَلِكَ الْجَوَابُ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ ، فَأَمَّا عَلَى مَا رَوَاهُ زُفَرُ وَعَاقَبَهُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ مِنْ الْفَرْقِ بَيْنَ إسْلَامِ الطَّالِبِ وَالْمَطْلُوبِ ، فَنَقُولُ : فِي النِّصْفِ الْمُسْتَحَقِّ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ أَخَذَ نِصْفَ الْخَلِّ وَإِنْ شَاءَ ضَمَّنَ الْبَائِعَ نِصْفَ الْخَمْرِ ؛ لِأَنَّهُ يَتَبَيَّنُ أَنَّ الْبَيْعَ فِي هَذَا النِّصْفِ كَانَ بَاطِلًا وَالْخَمْرُ تَكُونُ مَضْمُونَةً لِلْكَافِرِ عَلَى الْمُسْلِمِ وَقَدْ تَغَيَّرَ الْمَقْبُوضُ فِي يَدِهِ حِينَ تَخَلَّلَتْ ، فَإِنْ شَاءَ رَضِيَ بِالتَّغَيُّرِ وَبِأَخْذِ
نِصْفِ الْخَلِّ وَإِنْ شَاءَ ضَمَّنَهُ نِصْفَ قِيمَةِ الْخَمْرِ وَفِي النِّصْفِ الَّذِي لَمْ يُسْتَحَقَّ يَتَخَيَّرُ لِبَعْضِ الْمِلْكِ ، فَإِنْ فُسِخَ الْعَقْدُ وَكَانَتْ الْخَمْرُ بِعَيْنِهَا تَخَيَّرَ بَيْنَ أَنْ يَأْخُذَ بِنِصْفِ الْخَلِّ وَبَيْنَ أَنْ يَرْجِعَ بِنِصْفِ قِيمَةِ الْخَمْرِ لِلتَّغَيُّرِ فِي ضَمَانِ الْبَائِعِ وَإِنْ كَانَ الْخَمْرُ بِغَيْرِ عَيْنِهَا ، فَإِذَا فُسِخَ الْعَقْدُ رَجَعَ بِنِصْفِ قِيمَةِ الْخَمْرِ لَا غَيْرَ ؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ مَا يَتَنَاوَلُ هَذَا الْعَيْنَ وَعِنْدَ الْفَسْخِ إنَّمَا يَرْجِعُ بِمَا يَتَنَاوَلُهُ الْعَقْدُ فَلِهَذَا يَرْجِعُ بِنِصْفِ قِيمَةِ الْخَمْرِ ، فَإِنْ كَانَ الْبَائِعُ قَدْ اسْتَهْلَكَ الْخَلَّ فَفِي الْمُعَيَّنِ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ عَلَيْهِ بِمِثْلِهِ ؛ لِأَنَّ الْخَلَّ مِنْ ذَوَاتِ الْأَمْثَالِ وَإِنْ لَمْ يَقْدِرْ عَلَى مِثْلِهِ ، فَالرُّجُوعُ بِقِيمَتِهِ وَهُوَ عَلَى التَّخْرِيجِ الَّذِي بَيَّنَّا .
وَإِذَا بَاعَ الذِّمِّيُّ كَنِيسَةً أَوْ بِيعَةً أَوْ بَيْتَ نَارٍ ، فَالْبَيْعُ جَائِزٍ وَلِلشَّفِيعِ فِيهَا الشُّفْعَةُ ؛ لِأَنَّهُمْ أَعَدُّوا هَذِهِ الْبُقْعَةَ لِلْمَعْصِيَةِ ، فَلَا تَزُولُ عَنْ مِلْكِهِمْ بِذَلِكَ وَجَوَازُ الْبَيْعُ فِيهَا كَجَوَازِهِ فِي دَرَاهِمَ بِخِلَافِ الْمَسَاجِدِ فِي حَقِّ الْمُسْلِمِينَ ، فَالْمَسْجِدُ يَتَجَرَّدُ عَنْ حُقُوقِ الْعِبَادِ وَيَصِيرُ لِلَّهِ تَعَالَى خَالِصًا وَهَذَا ؛ لِأَنَّ صَيْرُورَةَ الْبُقْعَةِ لِلَّهِ تَعَالَى يَجْعَلُهَا مُعَدَّةً لِطَاعَةِ اللَّهِ تَعَالَى فِيهَا لَا لِلشِّرْكِ وَالْمَعْصِيَةِ .
( قَالَ : وَصَاحِبُ الطَّرِيقِ أَوْلَى بِالشُّفْعَةِ مِنْ صَاحِبِ مَسِيلِ الْمَاءِ ) ؛ لِأَنَّ عَيْنَ الطَّرِيقِ مَمْلُوكٌ لِصَاحِبِهِ وَصَاحِبُ الطَّرِيقِ شَرِيكٌ فِي حُقُوقِ الْمَبِيعِ ، فَأَمَّا صَاحِبُ الْمَسِيلِ لَهُ حَقُّ سَيْلِ الْمَاءِ فِي مِلْكِ الْغَيْرِ ، وَلَا شَيْءَ لَهُ مِنْ مِلْكِ ذَلِكَ الْمَوْضِعِ وَالشُّفْعَةُ لَا تُسْتَحَقُّ بِمِثْلِهِ كَجَارِ السُّكْنَى وَصَاحِبِ الْمَسِيلِ بِاعْتِبَارِ مِلْكِهِ جَارٌ لَا تُصَارُ مِلْكُهُ بِالدَّارِ الْمَبِيعَةِ وَالشَّرِيكُ فِي حُقُوقِ الْمَبِيعِ مُقَدَّمٌ عَلَى الْجَارِ وَكَذَلِكَ صَاحِبُ الْعُلْوِ وَالسُّفْلِ إذَا لَمْ يَكُنْ طَرِيقُهُ فِي الدَّارِ فَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا جَارٌ لِصَاحِبِهِ بِمَنْزِلَةِ بَيْتَيْنِ مُتَجَاوِرَيْنِ عَلَى الْأَرْضِ وَقَدْ تَقَدَّمَ بَيَانُ الْكَلَامِ فِي اسْتِحْقَاقِ الْعُلْوِ بِالشُّفْعَةِ وَصَاحِبُ الْجِذْعِ فِي حَائِطٍ مِنْ حِيطَانِ الدَّارِ أَوْ الْهَوَادِي بِمَنْزِلَةِ الدَّارِ ؛ لِأَنَّهُ فِي مَعْنَى الْمُسْتَعِيرِ بِوَضْعِ الْهَوَادِي عَلَى مِلْكِ الْغَيْرِ ، فَلَا تُسْتَحَقُّ الشُّفْعَةُ بِاعْتِبَارِهِ وَقَدْ بَيَّنَّا الْفَرْقَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الشَّرِيكِ فِي أَصْلِ الْحَائِطِ ، فَإِنَّ الشَّرِيكَ فِي أَصْلِ الْحَائِطِ شَرِكَتُهُ فِي نَفْسِ الْمَبِيعِ ، فَهُوَ أَوْلَى مِنْ الشَّرِيكِ فِي الطَّرِيقِ ؛ لِأَنَّ شَرِكَتَهُ فِي حُقُوقِ الْمَبِيعِ .
وَإِذَا اشْتَرَى مُسْلِمٌ مِنْ مُسْلِمٍ أَرْضَ عُشْرٍ وَلَهَا شُفَعَاءُ ثَلَاثَةٌ مُسْلِمٌ وَذِمِّيٌّ وَثَعْلَبِيٌّ فَأَخَذُوهَا بِالشُّفْعَةِ فَعَلَى الْمُسْلِمِ الْعُشْرُ فِي حِصَّتِهِ وَيُضَاعَفُ عَلَى الثَّعْلَبِيِّ الْعُشْرُ وَيُؤْخَذُ مِنْ الذِّمِّيِّ الْخَرَاجُ فِي حِصَّتِهِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ بِمَنْزِلَةِ مَا لَوْ اشْتَرَى كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ مِقْدَارَ نَصِيبِهِ ابْتِدَاءً وَهَذَا عَلَى مَا بَيَّنَّا عَلَى مَا تَقَدَّمَ بَيَانُهُ فِي كِتَابِ الزَّكَاةِ أَنَّ الذِّمِّيَّ إذَا اشْتَرَى أَرْضَ عُشْرٍ ، فَإِنَّهَا تَصِيرُ خَرَاجِيَّةً عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ ، وَلَكِنَّ هَذَا إذَا انْقَطَعَ حَقُّ الْمُسْلِمِينَ عَنْهَا حَتَّى لَوْ كَانَ الْبَيْعُ فَاسِدًا أَوْ كَانَ شَفِيعُهَا سَلَّمَهَا فَأَخَذَهَا بِالشُّفْعَةِ ، فَهِيَ عُشْرِيَّةٌ كَمَا كَانَتْ ، فَأَمَّا إذَا انْقَطَعَ حَقُّ الْمُسْلِمِ عَنْهَا ، فَإِنَّهَا تَكُونُ خَرَاجِيَّةً وَفِي الْكِتَابِ نَقُولُ سَوَاءٌ وُضِعَ عَلَيْهَا الْخَرَاجُ أَوْ لَمْ يُوضَعْ حَتَّى إذَا وَجَدَ بِهَا عَيْبًا لَيْسَ لَهُ أَنْ يَرُدَّهَا وَفِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ ذَكَرَ أَنَّهُ إنْ وُضِعَ عَلَيْهَا الْخَرَاجُ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَرُدَّهَا بِالْعَيْبِ ؛ لِأَنَّ الْخَرَاجَ فِي الْأَرْضِ عَيْبٌ وَإِنَّمَا يَتَقَرَّرُ فِيهَا بِالْوَضْعِ ، فَإِذَا وُضِعَ فَهَذَا عَيْبٌ حَدَثَ فِيهَا فِي يَدٍ ، كَمَا انْقَطَعَ الْمُشْتَرِي إذَا لَمْ يُوضَعْ عَلَيْهَا الْخَرَاجُ فَلَهُ أَنْ يَرُدَّهَا بِالْعَيْبِ وَتَكُونُ عُشْرِيَّةً كَمَا كَانَتْ ، فَأَمَّا فِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ كَمَا انْقَطَعَ حَقُّ الْمُسْلِمِ عَنْهَا صَارَتْ خَرَاجِيَّةً ؛ لِأَنَّ الْأَرَاضِيَ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ إمَّا أَنْ تَكُونَ عُشْرِيَّةً أَوْ خَرَاجِيَّةً وَهِيَ فِي مِلْكِ الْكَافِرِ لَا تَكُونُ عُشْرِيَّةً فَتَكُونُ خَرَاجِيَّةً سَوَاءٌ وُضِعَ عَلَيْهَا الْخَرَاجُ أَوْ لَمْ يُوضَعْ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَرُدَّهَا ، وَلَكِنْ يَرْجِعُ بِنُقْصَانِ الْعَيْبِ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ الْبَيْعُ فَاسِدًا أَوْ كَانَ لِمُسْلِمٍ فِيهَا شُفْعَةٌ ؛ لِأَنَّهَا بَقِيَتْ عُشْرِيَّةً لِبَقَاءِ حَقِّ الْمُسْلِمِ فِيهَا وَالْحَقُّ ، كَالْمِلْكِ فِي بَعْضِ الْفُصُولِ .
وَإِذَا اشْتَرَى الرَّجُلُ أَرْضًا أَوْ دَارًا فَوَجَدَ فِيهَا حَائِطًا وَاهِيًا أَوْ جِذْعًا مُنْكَسِرًا أَوْ نَخْلَةً مُنْكَسِرَةً أَوْ عَيْبًا يُنْقِصُ الثَّمَنَ فَرَدَّهَا كَانَ الشَّفِيعُ عَلَى شُفْعَتِهِ ؛ لِأَنَّ أَصْلَ الْبَيْعِ كَانَ صَحِيحًا وَاسْتِحْقَاقُ الشُّفْعَةِ بِهِ وَقَدْ بَيَّنَّا أَنْ بَقَاءَ الْمَبِيعِ لَيْسَ بِشَرْطٍ لِبَقَاءِ حَقِّ الشَّفِيعِ ، أَلَا تَرَى أَنَّ الْبَيْعَ قَدْ يَنْفَسِخُ بِأَخْذِ الشَّفِيعِ وَهُوَ مَا إذَا أَخَذُوهَا مِنْ يَدِ الْبَائِعِ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ إذَا اشْتَرَى الذِّمِّيُّ أَرْضَ عُشْرٍ فَعَلَيْهِ الْعُشْرُ مُضَاعَفًا وَإِنْ وَجَدَ بِهَا عَيْبًا رَدَّهَا لِأَنَّ التَّضْعِيفَ فِيهَا لَيْسَ بِلَازِمٍ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ بَاعَهَا مِنْ مُسْلِمٍ عَادَتْ إلَى عُشْرٍ وَاحِدٍ بِمَنْزِلَةِ الثَّعْلَبِيِّ يَشْتَرِي سَائِمَةً ، فَالتَّضْعِيفُ لَا يَكُونُ لَازِمًا فِيهَا وَإِذَا كَانَ بِالرَّدِّ يَعُودُ إلَى عُشْرٍ وَاحِدٍ كَمَا كَانَ لَا يَمْتَنِعُ الرَّدُّ بِالْعَيْبِ ؛ وَلِهَذَا قَالَ : لَوْ بَاعَهَا مِنْ مُسْلِمٍ عَادَتْ إلَى عُشْرٍ وَاحِدٍ بِخِلَافِ قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ فِي الْخَرَاجِ ، فَإِنَّ صِفَةَ الْخَرَاجِ فِي الْأَرْضِ تَلْزَمُ عَلَى وَجْهٍ لَا يَتَبَدَّلُ بِتَبَدُّلِ الْمَالِكِ بَعْدَ ذَلِكَ ، فَإِذَا بَاعَ الْمُرْتَدُّ دَارًا فَقُتِلَ أَوْ مَاتَ أَوْ لَحِقَ بِدَارِ الْحَرْبِ بَطَلَ الْبَيْعُ وَلَمْ يَلْزَمْهُ فِيهِ الشُّفْعَةُ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ بِخِلَافِ مَا إذَا اشْتَرَى الْمُرْتَدُّ دَارًا ؛ لِأَنَّ تَوَقُّفَ الْعَقْدِ عِنْدَهُ لِحَقِّ الْمُرْتَدِّ فَإِذَا كَانَ الْمُرْتَدُّ هُوَ الْبَائِعَ فَهَذَا فِي مَعْنَى بَيْعٍ بِشَرْطِ الْخِيَارِ لِلْبَائِعِ ، فَلَا تَجِبُ بِهِ الشُّفْعَةُ وَإِذَا كَانَ الْمُرْتَدُّ هُوَ الْمُشْتَرِيَ فَهَذَا فِي مَعْنَى بَيْعٍ بِشَرْطِ الْخِيَارِ لِلْمُشْتَرِي فَتَجِبُ الشُّفْعَةُ فِيهِ لِلشَّفِيعِ سَوَاءٌ نُقِضَ الْبَيْعُ أَوْ تَمَّ وَإِنْ أَسْلَمَ الْمُرْتَدُّ الْبَائِعُ قَبْلَ أَنْ يَلْحَقَ بِدَارِ الْحَرْبِ جَازَ بَيْعُهُ وَلِلشَّفِيعِ فِيهَا الشُّفْعَةُ لِأَنَّ الْبَيْعَ تَمَّ وَخِيَارُهُ وَسَقَطَ بِإِسْلَامِهِ وَلَوْ كَانَ إسْلَامُهُ بَعْدَ مَا لَحِقَ بِدَارِ
الْحَرْبِ وَبَعْدَ قِسْمَةِ مَالِهِ لَمْ يَكُنْ لِلشَّفِيعِ فِيهَا شُفْعَةٌ لِأَنَّ انْتِقَاضَ الْبَيْعِ تَأَكَّدَ بِقَضَاءِ الْقَاضِي وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ بَيْعُهُ جَائِزٌ وَلِلشَّفِيعِ فِيهَا الشُّفْعَةُ أَسْلَمَ أَوْ لَحِقَ بِدَارِ الْحَرْبِ .
وَإِذَا اشْتَرَى الْمُسْلِمُ دَارًا وَالْمُرْتَدُّ شَفِيعُهَا وَقُتِلَ فِي رِدَّتِهِ أَوْ مَاتَ أَوْ لَحِقَ بِدَارِ الْحَرْبِ فَلَا شُفْعَةَ فِيهَا لَهُ ، وَلَا لِوَرَثَتِهِ لِأَنَّ لَحَاقَهُ كَمَوْتِهِ وَالشُّفْعَةُ لَا تُورَثُ وَلَوْ كَانَتْ امْرَأَةٌ مُرْتَدَّةٌ وَجَبَتْ لَهَا الشُّفْعَةُ فَلَحِقَتْ بِدَارِ الْحَرْبِ بَطَلَتْ شُفْعَتُهَا ؛ لِأَنَّ لَحَاقَهُ كَمَوْتِهَا مِنْ حَيْثُ إنَّهُ لَا تَسْتَحِقُّ نَفْسَهَا بِإِلْحَاقٍ حَتَّى يَسْتَرِقَّ وَإِنْ كَانَتْ لَا تُقْبَلُ وَإِنْ كَانَتْ الْمُرْتَدَّةُ بَائِعَةً لِلدَّارِ فَلِلشَّفِيعِ الشُّفْعَةُ ؛ لِأَنَّ بَيْعَهَا صَحِيحٌ لَازِمٌ أَسْلَمَتْ أَوْ مَاتَتْ وَإِنْ كَانَ الشَّفِيعُ مُرْتَدًّا أَوْ مُرْتَدَّةً فَسَلَّمَ الشُّفْعَةَ جَازَ أَمَّا فِي الْمُرْتَدَّةِ فَظَاهِرٌ وَلَا الْمُرْتَدُّ ، لَا فَائِدَةَ فِي تَوَقُّفِ تَسْلِيمِ الشُّفْعَةِ ؛ لِأَنَّهُ إنْ أَسْلَمَ فَتَسْلِيمُهُ صَحِيحٌ وَإِنْ مَاتَ ، فَالشُّفْعَةُ لَا تُورَثُ وَإِنَّمَا يُوقَفُ مِنْ تَصَرُّفَاتِهِ مَا يَكُونُ فِي تَوَقُّفِهِ وَلَوْ لَمْ يُسْلِمْ وَطَلَبَ أَخْذَ الدَّارِ بِالشُّفْعَةِ لَمْ يَقْضِ لَهُ الْقَاضِي بِذَلِكَ ، إلَّا أَنْ يُسْلِمَ ؛ لِأَنَّ هَذَا مِنْهُ إصْرَارٌ عَلَى الرِّدَّةِ ، إلَّا أَنْ يَقْضِيَ لَهُ بِالشُّفْعَةِ وَلَيْسَ لِلْإِمَامِ أَنْ يُقِرَّهُ عَلَى الرِّدَّةِ فِي شَيْءٍ مِنْ الْأَوْقَاتِ ثُمَّ الْقَضَاءُ بِالشُّفْعَةِ لِدَفْعِ الضَّرَرِ عَنْ الشَّفِيعِ وَالْمُرْتَدِّ يَلْحَقُ بِهِ كُلُّ ضَرَرٍ ، فَلَا يَشْتَغِلُ الْقَاضِي بِدَفْعِ الضَّرَرِ عَنْهُ مَا لَمْ يُسْلِمْ فَإِنْ أَبْطَلَ الْقَاضِي شُفْعَتَهُ ثُمَّ أَسْلَمَ فَلَا شُفْعَةَ لَهُ ؛ لِأَنَّ الْإِبْطَالَ مِنْ الْقَاضِي صَحِيحٌ عَلَى وَجْهِ الْإِضْرَارِ بِهِ وَحِرْمَانِهِ الرِّفْقَ الشَّرْعِيَّ فَيَكُونُ ذَلِكَ لِتَسْلِيمِهِ بِنَفْسِهِ أَوْ أَقْوَى مِنْهُ وَإِنْ وَقَفَهُ الْقَاضِي حَتَّى يَنْظُرَ ثُمَّ أَسْلَمَ ، فَهُوَ عَلَى شُفْعَتِهِ ؛ لِأَنَّ الْقَاضِيَ لَمْ يُبْطِلْ حَقَّهُ وَإِنَّمَا امْتَنَعَ مِنْ الْقَضَاءِ لَهُ بِهَا ، فَإِذَا أَسْلَمَ ، فَهُوَ عَلَى حَقِّهِ ، وَهَذَا إذَا كَانَ طَلَبَ الشُّفْعَةَ حِينَ عَلِمَ بِالشِّرَاءِ ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ طَلَبَ إلَى أَنْ
أَسْلَمَ ، فَلَا شُفْعَةَ لَهُ لِتَرْكِهِ طَلَبَ الْمُوَاثَبَةِ بَعْدَ عِلْمِهِ بِالشِّرَاءِ وَلَوْ لَحِقَ الْمُرْتَدُّ بِدَارٍ الْحَرْبِ ثُمَّ بِيعَتْ الدَّارُ قَبْلَ قِسْمَةِ الْمِيرَاثِ ثُمَّ قُسِّمَ مِيرَاثُهُ كَانَ لِوَرَثَتِهِ الشُّفْعَةُ ؛ لِأَنَّ الْمِلْكَ لَهُمْ فِي الْمِيرَاثِ مِنْ حِينِ لَحِقَ الْمُرْتَدُّ ؛ وَلِهَذَا يُعْتَبَرُ قِيَامُ الْوَارِثِ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ حَتَّى أَنَّ مَنْ مَاتَ مِنْ وَرَثَتِهِ بَعْدَ لَحَاقِهِ يَكُونُ نَصِيبُهُ مِيرَاثًا عَنْهُ وَمَنْ أَسْلَمَ مِنْ أَوْلَادِهِ بَعْدَ لَحَاقِهِ لَمْ يَكُنْ لَهُ مِيرَاثٌ ، فَعَرَفْنَا أَنَّ الْمِيرَاثَ لَهُ مِنْ حِينِ لَحِقَ الْمُرْتَدُّ وَالْبَيْعُ وُجِدَ بَعْدَ ذَلِكَ ، فَالشُّفْعَةُ فِيهَا لِلْوَارِثِ بِمَنْزِلَةِ التَّرِكَةِ الْمُسْتَغْرَقَةِ بِالدَّيْنِ إذَا بِيعَتْ دَارٌ بِجَنْبِ دَارٍ مِنْهَا ثُمَّ سَقَطَ الدَّيْنُ كَانَ لِلْوَارِثِ فِيهَا الشُّفْعَةُ .
وَإِذَا اشْتَرَى الْمُرْتَدُّ دَارًا مِنْ مُسْلِمٍ أَوْ ذِمِّيٍّ بِخَمْرٍ ، فَالْبَيْعُ بَاطِلٌ ، وَلَا شُفْعَةَ فِيهَا ؛ لِأَنَّ الْمُرْتَدَّ مُجْبَرٌ عَلَى الْعُودِ إلَى الْإِسْلَامِ فَهُوَ فِي التَّصَرُّفِ فِي الْخَمْرِ ، كَالْمُسْلِمِ ، فَإِنَّ نُفُوذَ تَصَرُّفِ الْكَافِرِ فِي الْخَمْرِ بِاعْتِبَارِ الْبِنَاءِ عَلَى اعْتِقَادِهِ وَالْمُرْتَدُّ غَيْرُ مُقِرٍّ عَلَى مَا اعْتَقَدَهُ ، فَلَا يَنْفُذُ تَصَرُّفُهُ فِيهَا وَالْحَرْبِيُّ الْمُسْتَأْمَنُ فِي وُجُوبِ الشُّفْعَةِ لَهُ وَعَلَيْهِ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ سَوَاءٌ بِمَنْزِلَةِ الذِّمِّيِّ ؛ لِأَنَّهُ مِنْ جُمْلَةِ الْمُعَامَلَاتِ وَهُوَ قَدْ الْتَزَمَ حُكْمَ الْمُعَامَلَاتِ مُدَّةَ مَقَامِهِ فِي دَارِنَا ، فَيَكُونُ بِمَنْزِلَةِ الذِّمِّيِّ فِي ذَلِكَ ، فَإِنْ اشْتَرَى الْمُسْتَأْمَنُ مِنْ دَارِ الْحَرْبِ أَوْ لَحِقَ بِدَارِ الْحَرْبِ ، فَالشَّفِيعُ عَلَى شُفْعَتِهِ مَتَى لَحِقَهُ بِدَارِ الْحَرْبِ ؛ لِأَنَّ لَحَاقَهُ بِدَارِ الْحَرْبِ كَمَوْتِهِ وَمَوْتُ الْمُشْتَرِي لَا يُبْطِلُ شُفْعَةَ الشَّفِيعِ ، فَإِنْ كَانَ وَكَّلَ بِالدَّارِ مَنْ يَحْفَظُهَا وَيَقُومُ عَلَيْهَا ، فَلَا خُصُومَةَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الشَّفِيعِ ؛ لِأَنَّهُ أَمِينٌ فِيهَا وَالْأَمِينُ لَا يَكُونُ خَصْمًا لِمَنْ يَدَّعِي حَقًّا فِي الْأَمَانَةِ كَمَا لَا يَكُونُ خَصْمًا لِمَنْ يَدَّعِي رَقَبَتَهَا
وَإِذَا اشْتَرَى الْمُسْلِمُ فِي دَارِ الْحَرْبِ دَارًا وَشَفِيعُهَا مُسْلِمٌ بِدَارٍ لَهُ ثُمَّ أَسْلَمَ أَهْلُ الدَّارِ ، فَلَا شُفْعَةَ لِلشَّفِيعِ لِأَنَّ حَقَّ الشُّفْعَةِ مِنْ أَحْكَامِ الْإِسْلَامِ وَحُكْمُ الْإِسْلَامِ لَا يَجْرِي فِي دَارِ الْحَرْبِ ؛ وَلِأَنَّ الْمُشْتَرِيَ مُسْتَوْلٍ عَلَيْهِ وَاسْتِيلَاؤُهُ عَلَى مِلْكِ الْمُسْلِمِ فِي دَارِ الْحَرْبِ يُزِيلُ مِلْكَ الْمُسْلِمِ فَعَلَى حَقِّهِ أَوْلَى أَنْ يَكُونَ مُبْطِلًا حَقَّ الْمُسْلِمِ .
وَإِذَا اشْتَرَى الْمُسْلِمُ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ دَارًا وَشَفِيعُهَا حَرْبِيٍّ مُسْتَأْمَنٌ فَلَحِقَ بِدَارُ الْحَرْبِ بَطَلَتْ شُفْعَتُهُ ؛ لِأَنَّ لُحُوقَهُ بِدَارِ الْحَرْبِ كَمَوْتِهِ كَمَنْ هُوَ مِنْ أَهْلِ دَارِ الْحَرْبِ فِي حَقِّ مَنْ هُوَ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ ، كَالْمَيِّتِ وَبِمَوْتِهِ تَبْطُلُ شُفْعَتُهُ عَلِمَ بِالشِّرَاءِ أَوْ لَمْ يَعْلَمْ ؛ وَلِأَنَّ تَبَايُنَ الدَّارَيْنِ يَقْطَعُ الْعِصْمَةَ وَيُبْطِلَ مِنْ الْحُقُوقِ الْمُتَأَكِّدَةِ مَا هُوَ أَقْوَى مِنْ الشُّفْعَةِ ، كَالنِّكَاحِ ثُمَّ الْمُسْلِمُ الْمُشْتَرِي مُسْتَوْلٍ عَلَى الدَّارِ وَلَوْ اسْتَوْلَى عَلَى مِلْكِ الْحَرْبِيِّ بَطَلَ بِهِ مِلْكُهُ فَلَأَنْ يَبْطُلَ بِهِ حَقُّهُ أَوْلَى .
وَإِذَا اشْتَرَى الْحَرْبِيُّ الْمُسْتَأْمَنُ دَارًا وَشَفِيعُهَا حَرْبِيٌّ مُسْتَأْمَنٌ فَلَحِقَا جَمِيعًا بِدَارِ الْحَرْبِ ، فَلَا شُفْعَةَ لِلشَّفِيعِ فِيهَا ؛ لِأَنَّ لَحَاقَ الشَّفِيعِ بِدَارِ الْحَرْبِ كَمَوْتِهِ فِيمَا هُوَ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ وَإِنْ كَانَ الْمُشْتَرِي مَعَ الشَّفِيعِ فِي دَارِ الْحَرْبِ ، فَإِنْ كَانَ الشَّفِيعُ مُسْلِمًا أَوْ ذِمِّيًّا فَدَخَلَ دَارَ الْحَرْبِ ، فَهُوَ عَلَى شُفْعَتِهِ إذَا عَلِمَ لِأَنَّ الْمُسْلِمَ وَالذِّمِّيَّ مِنْ أَهْلِ دَارِ الْإِسْلَامِ فَدُخُولُهُ دَارَ الْحَرْبِ غَيْبَةٌ مِنْهُ وَغَيْبَةُ الشَّفِيعِ لَا تُبْطِلُ شُفْعَتَهُ إذَا لَمْ يَكُنْ عَالِمًا بِهَا ، فَإِنْ دَخَلَ وَهُوَ يَعْلَمُ فَلَمْ يَطْلُبْ حَتَّى غَابَ بَطَلَتْ شُفْعَتُهُ لِتَرْكِهِ الطَّلَبَ بَعْدَ مَا تَمَكَّنَ مِنْهُ لَا لِدُخُولِهِ دَارَ الْحَرْبِ وَإِذَا بَطَلَتْ الشُّفْعَةُ ثُمَّ عَرَضَ لَهُ سَفَرٌ إلَى دَارِ الْحَرْبِ أَوْ إلَى غَيْرِهَا ، فَهُوَ عَلَى شُفْعَتِهِ إذَا كَانَ عَلَى طَلَبِهِ لِأَنَّ حَقَّهُ قَدْ تَقَرَّرَ بِالطَّلَبِ وَقَدْ بَيَّنَّا اخْتِلَافَ الرِّوَايَةِ فِي هَذَا الْفَصْلِ ، فَإِنْ كَانَ الْمُشْتَرِي أَخَّرَهُ مُدَّةً مَعْلُومَةً ، فَهُوَ عَلَى شُفْعَتِهِ عِنْدَهُمْ جَمِيعًا ؛ لِأَنَّ عِنْدَ مُحَمَّدٍ بِمُضِيِّ شَهْرٍ إنَّمَا تَبْطُلُ شُفْعَتُهُ لِدَفْعِ الضَّرَرِ عَنْ الْمُشْتَرِي ، فَإِذَا كَانَ هُوَ الَّذِي أَخَّرَهُ ، فَقَدْ رَضِيَ بِهَذَا الضَّرَرِ وَإِنْ كَانَ الشَّفِيعُ حَرْبِيًّا مُسْتَأْمَنًا فَوَكَّلَ بِطَلَبِ الشُّفْعَةِ وَلَحِقَ بِدَارٍ الْحَرْبِ ، فَلَا شُفْعَةَ لَهُ كَمَا لَوْ مَاتَ بَعْدَ التَّوْكِيلِ بِطَلَبِ الشُّفْعَةِ وَإِنْ كَانَ الشَّفِيعُ مُسْلِمًا أَوْ ذِمِّيًّا فَوَكَّلَ مُسْتَأْمَنًا مِنْ أَهْلِ الْحَرْبِ ثُمَّ دَخَلَ الْوَكِيلُ دَارَ الْحَرْبِ بَطَلَتْ وَكَالَتُهُ وَالشَّفِيعُ عَلَى شُفْعَتِهِ لِأَنَّ لَحَاقَ الْوَكِيلِ بِدَارِ الْحَرْبِ كَمَوْتِهِ وَمَوْتُ الْوَكِيلِ يُبْطِلُ الْوَكَالَةَ وَلَا يُبْطِلُ شُفْعَةَ الْمُوَكِّلِ فَكَذَلِكَ لَحَاقُهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
بَابُ الشُّفْعَةُ فِي الصُّلْحِ قَالَ : رَحِمَهُ اللَّهُ وَإِذَا ادَّعَى الرَّجُلُ فِي دَارِ دَعْوَى مِنْ مِيرَاثٍ أَوْ غَيْرِهِ فَصَالَحَهُ بَعْضُ أَهْلِ الدَّارِ عَلَى صُلْحٍ عَلَى إنْ جُعِلَ ذَلِكَ لَهُ خَاصَّةً فَطَلَبَ بَقِيَّةُ أَهْلِ الدَّارِ بِالشُّفْعَةِ فَإِنْ كَانَ الصُّلْحُ عَلَى إقْرَارٍ فَلَهُمْ الشُّفْعَةُ فِي ذَلِكَ ؛ لِأَنَّ الْمُعْطِيَ فِي الْمَالِ مُتَمَلِّكٌ فِي نَصِيبِ الْمُدَّعِي بِمَا أَعْطَى مِنْ الْعِوَضَيْنِ ، فَهُوَ كَمَا لَوْ تَمَلَّكَهُ بِالشِّرَاءِ فَتَجِبُ عَلَيْهِ الشُّفْعَةُ فِيهِ لِلشُّرَكَاءِ وَإِنْ كَانَ الصُّلْحُ عَلَى الْإِنْكَارِ ، فَلَا شُفْعَةَ فِيهِ ؛ لِأَنَّ فِي زَعْمِ الْمُعْطِي لِلْمَالِ أَنَّهُ رَشَاهُ ؛ لِيَدْفَعَ عَنْهُ أَذَاهُ وَلَمْ يَتَمَلَّكْ عَلَيْهِ شَيْئًا مِنْ الدَّارِ بِهَذَا الصُّلْحِ وَفِيمَا فِي يَدِهِ يَنْبَنِي الْحُكْمُ عَلَى زَعْمِهِ وَهُوَ بِالْإِقْدَامِ عَلَى الصُّلْحِ لَا يَصِيرُ مُقِرًّا بِثُبُوتِ الْمِلْكِ لِلْمُدَّعِي فِي الْمُدَّعَى وَلَوْ صَالَحَهُ بِغَيْرِ إقْرَارٍ سُئِلَ الْمُصَالِحُ بَيِّنَةً عَلَى دَعْوَى الَّذِي صَالَحَهُ ، فَإِنْ أَقَامَهَا ، فَالثَّابِتُ بِالْبَيِّنَةِ ، كَالثَّابِتِ بِالْإِقْرَارِ فَيَأْخُذُ الْمُعْطِي لِلْمَالِ نَصِيبَ الْمُدَّعِي وَيَكُونُ لِلشُّرَكَاءِ أَنْ يَطْلُبُوا بِحِصَّتِهِمْ مِنْ الشُّفْعَةِ وَهَذَا ؛ لِأَنَّ الْمُعْطِي لِلْمَالِ يَقُومُ مَقَامَ الْمُدَّعِي وَقَدْ كَانَ الْمُدَّعِي مُتَمَكِّنًا مِنْ إثْبَاتِ نَصِيبِهِ بِالْبَيِّنَةِ ، فَالْمُعْطِي لِلْمَالِ يَتَمَكَّنُ مِنْ ذَلِكَ أَيْضًا وَلَوْ صَالَحَهُ عَلَى سُكْنَى دَارٍ لَهُ أُخْرَى سِنِينَ مُسَمَّاةً لَمْ يَكُنْ لِلشَّفِيعِ فِي ذَلِكَ شُفْعَةٌ لِأَنَّ الْمَصَالِحَ عَلَيْهِ مَنْفَعَةٌ وَالدَّارُ الْمَمْلُوكَةُ عِوَضًا عَنْ الْمَنْفَعَةِ بِلَفْظِ الشِّرَاءِ لَا تُسْتَحَقُّ بِالشُّفْعَةِ فَبِلَفْظِ الصُّلْحِ أَوْلَى ، وَهَذَا لِمَا بَيَّنَّا أَنَّ الشُّفْعَةَ لَا تَجِبُ إلَّا بِمُعَارَضَةِ مَالٍ بِمَالٍ مُطْلَقًا وَالْمَنْفَعَةُ لَيْسَتْ بِمَالٍ مُطْلَقًا .
وَإِذَا ادَّعَى حَقًّا فِي دَارٍ فَصَالَحَهُ مِنْهُ عَلَى دَارِ فَلِلشَّفِيعِ فِيهَا الشُّفْعَةُ ؛ لِأَنَّ فِي زَعْمِ الْمُدَّعِي أَنَّهُ يَمْلِكُ هَذِهِ الدَّارَ عِوَضًا عَنْ مِلْكِهِ فِي الدَّارِ الْأُخْرَى بِالصُّلْحِ وَالصُّلْحُ عَلَى الْإِنْكَارِ مَبْنِيٌّ عَلَى زَعْمِ الْمُدَّعِي فِي حَقِّهِ فَلِلشَّفِيعِ فِيهَا الشُّفْعَةُ بِقِيمَةِ حَقِّهِ فِي الدَّارِ الْأُخْرَى وَالْقَوْلُ فِيهِ قَوْلُ الْمُصَالِحِ الَّذِي أَخَذَ الدَّارَ بِمَنْزِلَةِ مَا إذَا اخْتَلَفَ الشَّفِيعُ وَالْمُشْتَرِي فِي مِقْدَارِ الثَّمَنِ ، فَإِنَّ الْقَوْلَ فِي ذَلِكَ قَوْلُ الْمُشْتَرِي وَلَوْ كَانَ ادَّعَى دَيْنًا أَوْ وَدِيعَةً أَوْ جِرَاحَةً خَطَأً فَصَالَحَهُ عَلَى دَارٍ أَوْ حَائِطٍ مِنْ دَارِ فَلِلشَّفِيعِ فِيهَا الشُّفْعَةُ بِاعْتِبَارِ الْبِنَاءِ عَلَى زَعْمِ الْمُدَّعِي وَإِذَا صَالَحَ مِنْ سُكْنَى دَارٍ أَوْصَى لَهُ بِهَا أَوْ مِنْ خِدْمَةِ عَبْدٍ عَلَى بَيْتٍ فَلَا شُفْعَةَ فِيهِ ؛ لِأَنَّ أَصْلَ الْمُدَّعَى لَمْ يَكُنْ مَالًا ، فَهُوَ كَمَا لَوْ صَالَحَ عَنْ الْقِصَاصِ عَلَى الْبَيْتِ .
وَإِذَا ادَّعَى عَلَى رَجُلٍ مَالًا فَصَالَحَهُ عَلَى أَنْ يَضَعَ جُذُوعَهُ عَلَى حَائِطٍ أَوْ يَكُونَ لَهُ مَوْضِعُهَا أَبَدًا وَسِنِينَ مَعْلُومَةً فَفِي الْقِيَاسِ هَذَا جَائِزٌ ؛ لِأَنَّ مَا وَقَعَ عَلَيْهِ الصُّلْحُ مَعْلُومٌ عَيْنًا كَانَ أَوْ مَنْفَعَةً ، وَلَكِنْ تَرَكَ هَذَا الْقِيَاسَ فَقَالَ الصُّلْحُ بَاطِلٌ وَلَا شُفْعَةَ لِلشَّفِيعِ فِيهَا ؛ لِأَنَّ الْمَصَالِحَ عَلَيْهِ لَيْسَ بِرَقَبَةِ الْحَائِطِ ، وَلَا مَنْفَعَةً مَعْلُومَةً ، فَالضَّرَرُ عَلَى الْحَائِطِ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْجُذُوعِ فِي الْغِلَظِ وَالدِّقَّةِ فِي مُدَّةِ الْمَنْفَعَةِ لَا تَسْتَحِقُّ بِالْإِجَارَةِ فَإِنَّ اسْتِئْجَارَ الْحَائِطِ مُدَّةً مَعْلُومَةً أَوْ أَبَدًا لِوَضْعِ الْجُذُوعِ عَلَيْهِ لَا يَجُوزُ فَكَذَلِكَ إذَا وَقَعَ الصُّلْحُ عَلَيْهِ أَرَأَيْت لَوْ صَالَحَهُ عَلَى أَنْ يَضَعَ عَلَيْهَا هَوَادِيَ أَوْ عَلَى أَنْ يَضَعَ جِذْعًا لَهُ فِي حَائِطٍ أَكَانَ يَكُونُ فِيهِ الشُّفْعَةُ لَا شُفْعَةَ فِي شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ وَكَذَلِكَ لَوْ صَالَحَهُ عَلَى أَنْ يَصْرِفَ مَسِيلَ مَائِهِ إلَى دَارِ لَمْ يَكُنْ لِجَارِ الدَّارِ أَنْ يَأْخُذَ مَسِيلَ مَائِهِ بِالشُّفْعَةِ ؛ لِأَنَّهُ مَا مَلَّكَهُ بِالصُّلْحِ شَيْئًا مِنْ الْعَيْنِ وَإِنَّمَا أَثْبَتَ لَهُ حَقَّ مَسِيلِ الْمَاءِ فِي مِلْكِهِ وَذَلِكَ لَا يُسْتَحَقُّ بِعَقْدٍ مَقْصُودٍ ؛ وَلِهَذَا لَا يَجُوزُ اسْتِئْجَارُهُ ، فَلَا يَكُونُ لِلشَّفِيعِ فِيهَا الشُّفْعَةُ وَفِي الْكِتَابِ أَشَارَ إلَى حَرْفٍ آخَرَ قَالَ ، أَلَا تَرَى أَنَّ الْمَسِيلَ لَا يُحَوَّلُ عَنْ حَالِهِ وَلَوْ أَخَذَهَا الشَّفِيعُ بِالشُّفْعَةِ لَمْ يَسْتَفِدْ بِهِ شَيْئًا ؛ لِأَنَّهُ لَا يَسْتَطِيعُ أَنْ يُسِيلَ فِيهِ مَا أَرَادَهُ ، فَإِنَّهُ لَا يَسِيلُ فِيهِ ، إلَّا مِنْ حَيْثُ وَجَبَ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَقَدْ كَانَ يَنْبَغِي فِي الْقِيَاسِ أَنْ يَأْخُذَهُ بِالشُّفْعَةِ ، وَلَكِنَّا نَقُولُ تَرَكْنَا الْقِيَاسَ وَأَبْطَلْنَا الصُّلْحَ وَالشُّفْعَةَ لِمَا قُلْنَا وَلَوْ صَالَحَهُ عَلَى طَرِيقِ مَحْدُودٍ مَعْرُوفٍ فِي دَارِ كَانَ لِلْجَارِ الْمُلَاصِقِ أَنْ يَأْخُذَ ذَلِكَ بِالشُّفْعَةِ وَلَيْسَ الطَّرِيقُ فِيهَا كَمَسِيلِ الْمَاءِ ؛ لِأَنَّ عَيْنَ الطَّرِيقِ
تُمْلَكُ ، فَيَكُونُ شَرِيكًا بِالطَّرِيقِ ، وَلَا يَكُونُ شَرِيكًا بِوَضْعِ الْجِذْعِ فِي الْحَائِطِ وَالْهَوَادِي وَمَسِيلِ الْمَاءِ وَالْقِيَاسُ فِي الْكُلِّ سَوَاءٌ وَعَلَى مَعْنَى الِاسْتِحْسَانِ قَدْ أَوْضَحْنَا الْفَرْقَ بَيْنَهُمَا .
وَإِذَا ادَّعَى الرَّجُلُ عَلَى الرَّجُلِ أَلْفَ دِرْهَمٍ فَصَالَحَهُ مِنْهَا عَلَى دَارٍ بَعْدَ الْإِقْرَارِ أَوْ الْإِنْكَارِ فَسَلَّمَ الشَّفِيعُ الشُّفْعَةَ ثُمَّ تَصَادَقَا عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ شَيْءٌ فَرَدَّ الدَّارَ عَلَيْهِ بِحُكْمٍ أَوْ بِغَيْرِ حُكْمٍ ، فَلَا شُفْعَةَ فِيهَا ؛ لِأَنَّ مَا وَجَبَ لَهُ مِنْ الشُّفْعَةِ بِالصُّلْحِ قَدْ أَبْطَلَهُ بِالتَّسْلِيمِ وَالرَّدُّ بِهَذَا التَّصَادُقِ لَيْسَ بِعَقْدٍ ، فَلَا تَتَجَدَّدُ بِهِ الشُّفْعَةُ كَمَا لَوْ تَصَادَقَا عَلَى أَنَّ الْبَيْعَ كَانَ تَلْجِئَةً بَيْنَهُمَا أَوْ رَهْنًا بِمَالٍ وَقَدْ سَلَّمَ الشَّفِيعُ الشُّفْعَةَ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ الشَّفِيعُ سَلَّمَ الشُّفْعَةَ فَلَهُ أَنْ يَأْخُذَهَا ، وَلَا يُصَدَّقَانِ عَلَى إبْطَالِ حَقِّهِ ، إلَّا عَلَى قَوْلِ زُفَرَ وَهُوَ رِوَايَة عَنْ أَبِي يُوسُفَ وَأَصْلُهُ فِيمَا لَوْ تَصَادَقَا فَإِنَّ الْبَيْعَ كَانَ تَلْجِئَةً أَوْ بِخِيَارِ الْبَائِعِ فَفُسِخَ الْبَيْعُ وَجْهُ قَوْلِ زُفَرَ أَنَّهُمَا يُنْكِرَانِ وُجُوبَ الشُّفْعَةِ لِلشَّفِيعِ وَإِنَّمَا يَسْتَحِقُّ الشَّفِيعُ الشُّفْعَةَ عَلَيْهِمَا ، فَإِذَا أَنْكَرَاهُ كَانَ الْقَوْلُ فِي ذَلِكَ قَوْلَهُمَا كَمَا لَوْ أَنْكَرَ الْبَيْعَ وَوَجْهُ ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ أَنَّ السَّبَبَ الْمُوجِبَ لِلشُّفْعَةِ قَدْ ظَهَرَ وَثَبَتَ حَقُّ الشَّفِيعِ بِاعْتِبَارِ الظَّاهِرِ عَلَى وَجْهٍ لَا يَمْلِكَانِ إبْطَالَهُ فَتَصَادَقَا عَمَّا يَكُونُ مُعْتَبَرًا فِي حَقِّهِمَا ، وَلَا يَكُونُ مُعْتَبَرًا فِي إبْطَالِ حَقِّ الشَّفِيعِ وَلَوْ كَانَ بَاعَهُ بِالْمَالِ الْمُدَّعَى دَارًا ثُمَّ تَصَادَقَا عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ لَهُ عَلَيْهِ شَيْءٌ لَمْ يَرُدَّ الدَّارَ عَلَى الْبَائِعِ ، وَلَكِنَّ الْمُشْتَرِيَ يَضْمَنُ لَهُ الثَّمَنَ ؛ لِأَنَّ الْبَيْعَ لَا يَتَعَلَّقُ بِالدَّيْنِ الْمُضَافِ إلَيْهِ بَلْ بِمِثْلِهِ دَيْنًا فِي الذِّمَّةِ بِخِلَافِ الصُّلْحِ إلَّا أَنَّهُ كَانَ بَيْعُ الْمُقَاصَّةِ بِهِ فَإِذَا تَصَادَقَا عَلَى أَنْ لَا دَيْنَ لَمْ تَقَعْ الْمُقَاصَّةُ فَبَقِيَ الثَّمَنُ لِلْبَائِعِ عَلَى الْمُشْتَرِي وَالشَّفِيعُ عَلَى شُفْعَتِهِ إنْ لَمْ يَكُنْ سَلَّمَهَا وَهَذَا ظَاهِرٌ ؛ لِأَنَّ الْبَيْعَ لَمْ
يَبْطُلْ بِهَذَا التَّصَادُقِ هُنَا وَفِي الْأَوَّلِ بَطَلَ الصُّلْحُ فِي حَقِّهِمَا ثُمَّ كَانَ الشَّفِيعُ هُنَاكَ عَلَى شُفْعَتِهِ فَهُنَا أَوْلَى وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
بَابُ شُفْعَةِ اللَّقِيطِ .
( قَالَ : رَحِمَهُ اللَّهُ وَلَيْسَ لِلْمُلْتَقِطِ أَنْ يُطَالِبَ بِشُفْعَةٍ وَاجِبَةٍ لِلَّقِيطِ ) ؛ لِأَنَّ الْأَخْذَ بِالشُّفْعَةِ بِمَنْزِلَةِ الشِّرَاءِ وَلَيْسَ لَهُ عَلَيْهِ وِلَايَةُ الشِّرَاءِ ، إلَّا أَنْ يَكُونَ الْقَاضِي جَعَلَهُ قَيِّمًا لَهُ فِي الْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ ، فَيَكُونُ بِمَنْزِلَةِ الْوَصِيِّ حِينَئِذٍ فِي طَلَبِ الشُّفْعَةِ لِوَكِيلِ الْيَتِيمِ وَتَسْلِيمِهِ وَإِنْ اشْتَرَى الْمُلْتَقِطُ لِلَّقِيطِ دَارًا بِمَالِهِ فَلِلشَّفِيعِ فِيهَا الشُّفْعَةُ ؛ لِأَنَّ شِرَاءَ الْمُلْتَقِطِ صَحِيحٌ لِنَفْسِهِ وَهُوَ ضَامِنٌ لِمَا أَدَّى فِيهِ مِنْ مَالِ الْمُلْتَقِطِ ، فَإِنْ أَدْرَكَ اللَّقِيطَ ، فَلَا سَبِيلَ لَهُ عَلَى الدَّارِ ، إلَّا أَنْ يَكُونَ شَفِيعَهَا بِدَارٍ أُخْرَى لَهُ فَيَأْخُذُهَا بِالشُّفْعَةِ حِينَئِذٍ فَإِنْ كَانَ الْمُلْتَقِطُ اشْتَرَى الدَّارَ بِعَيْنٍ مِنْ أَعْيَانِ مَالِ اللَّقِيطِ ، فَلَا شُفْعَةَ لِلشَّفِيعِ فِيهَا لِفَسَادِ شِرَائِهِ وَالْإِشْهَادُ عَلَى الْمُلْتَقِطِ فِي الْحَائِطِ الْمَائِلِ لِلَّقِيطِ بَاطِلٌ ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُتَمَكِّنٌ مِنْ الْهَدْمِ وَإِنْ أَشْهَدَ عَلَى اللَّقِيطِ بَعْدَ مَا أَدْرَكَ فَلَمْ يَهْدِمْهُ حَتَّى سَقَطَ وَأَصَابَ إنْسَانًا ، فَإِنَّ ذَلِكَ عَلَى بَيْتِ الْمَالِ ؛ لِأَنَّ عَاقِلَتَهُ بَيْتُ الْمَالِ كَمَا فِي جِنَايَتِهِ بِيَدِهِ وَإِنْ لَمْ يَسْقُطْ حَتَّى أَخَذَ الشَّفِيعُ مِنْهُ الدَّارَ بِالشُّفْعَةِ ثُمَّ سَقَطَ فَلَا ضَمَانَ عَلَى أَحَدٍ ؛ لِأَنَّ تَمَكُّنَهُ مِنْ الْهَدْمِ قَدْ زَالَ وَلَمْ يُوجَدْ الْإِشْهَادُ عَلَى الشَّفِيعِ وَإِنْ أَخَذَ الشَّفِيعُ نِصْفَ الدَّارِ بِأَنْ كَانَ اللَّقِيطُ مَعَهُ شَفِيعًا فِي هَذِهِ الدَّارِ فَحُكْمُ الْإِشْهَادِ يَبْطُلُ فِي النِّصْفِ دُونَ النِّصْفِ اعْتِبَارًا لِلْجُزْءِ بِالْكُلِّ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
بَابُ الشُّفْعَةِ فِي الْبِنَاءِ وَغَيْرِهِ .
قَالَ : ( رَحِمَهُ اللَّهُ وَإِذَا اشْتَرَى الرَّجُلُ دَارًا بِأَلْفِ دِرْهَمٍ ثُمَّ اخْتَلَفَ الشَّفِيعُ وَالْمُشْتَرِي فَقَالَ الْمُشْتَرِي أَحْدَثْت فِيهَا هَذَا الْبِنَاءَ وَكَذَّبَهُ الشَّفِيعُ ، فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُشْتَرِي ) لِإِنْكَارِهِ الشِّرَاءَ فِي الْبِنَاءِ وَلَوْ أَنْكَرَ الشِّرَاءَ فِي أَصْلِ الدَّارِ كَانَ الْقَوْلُ قَوْلُهُ فَكَذَلِكَ فِي الْبِنَاءِ وَإِنْ أَقَامَا الْبَيِّنَةَ فَالْبَيِّنَةُ بَيِّنَةُ الشَّفِيعِ ؛ لِأَنَّهُ ثَبَتَ حَقُّهُ فِي الْبِنَاءِ بِسَبَبِ ثُبُوتِ حَقِّهِ فِيهَا وَهُوَ الشِّرَاءُ ؛ وَلِأَنَّ الشَّفِيعَ يُثْبِتُ إقْرَارَ الْمُشْتَرِي بِأَنَّهُ اشْتَرَى الْبِنَاءَ وَذَلِكَ إكْذَابٌ مِنْهُ لِشُهُودِهِ وَعَلَى هَذَا اخْتِلَافُهُمَا فِي شَجَرِ الْأَرْضِ ، وَلَكِنْ إنَّمَا يُقْبَلُ قَوْلُ الْمُشْتَرِي إذَا كَانَ مُحْتَمِلًا حَتَّى إذَا قَالَ : أَحْدَثْت فِيهَا هَذِهِ الْأَشْجَارَ أَمْسِ لَمْ يَصَدَّقْ عَلَى ذَلِكَ لِأَنَّ كُلَّ أَحَدٍ يَعْلَمُ أَنَّهُ كَاذِبٌ فِيمَا يَقُولُ وَكَذَلِكَ فِيمَا أَشْبَهَ مِنْ الْبِنَاءِ وَغَيْرِهِ وَإِنْ قَالَ اشْتَرَيْتهَا مُنْذُ عَشْرِ سِنِينَ وَأَحْدَثْت فِيهَا هَذَا ، فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ ؛ لِأَنَّ خَبَرَهُ مُحْتَمِلٌ وَهُوَ مُنْكِرٌ لِثُبُوتِ حَقِّ الشَّفِيعِ فِيمَا زَعَمَ أَنَّهُ أَحْدَثَهُ وَلَا قَوْلَ لِلْبَائِعِ فِي شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ لِأَنَّهُ بِالتَّسْلِيمِ خَرَجَ مِنْ الْوَسَطِ وَالْتَحَقَ بِأَجْنَبِيٍّ آخَرَ وَإِنْ قَالَ الْمُشْتَرِي اشْتَرَيْت الْبِنَاءَ بِخَمْسِمِائَةٍ ثُمَّ اشْتَرَيْت الْأَرْضَ بَعْدَ ذَلِكَ بِخَمْسِمِائَةٍ أَوْ قَالَ الشَّفِيعُ اشْتَرَيْتُهُمَا مَعًا فَفِي الْقِيَاسِ الْقَوْلُ لِلْمُشْتَرِي اشْتَرَيْت الْبِنَاءَ بِخَمْسِمِائَةٍ ثُمَّ اشْتَرَيْت الْأَرْضَ بَعْدَ ذَلِكَ بِخَمْسِمِائَةٍ أَوْ قَالَ : اشْتَرَيْت الْأَرْضَ بِغَيْرِ بِنَاءٍ بِخَمْسِمِائَةٍ ثُمَّ اشْتَرَيْت الْبِنَاءَ بَعْدَ ذَلِكَ ، فَلَا شُفْعَةَ لَك فِي الْبِنَاءِ وَقَالَ الشَّفِيعُ اشْتَرَيْتُهُمَا مَعًا فَفِي الْقِيَاسِ الْقَوْلُ قَوْلُ الْمُشْتَرِي ؛ لِأَنَّهُ يُنْكِرُ ثُبُوتَ حَقِّ الشَّفِيعِ فِي الْبِنَاءِ ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ قَالَ : وَهَبَ لِي
الْبِنَاءَ وَاشْتَرَيْت الْأَرْضَ كَانَ الْقَوْلُ فِي ذَلِكَ قَوْلَهُ فَكَذَلِكَ هُنَا ، وَلَكِنَّهُ اسْتَحْسَنَ فَقَالَ الْقَوْلُ قَوْلُ الشَّفِيعِ هُنَا ؛ لِأَنَّ الْمُشْتَرِيَ أَقَرَّ بِالسَّبَبِ الْمُثْبِتِ لِحَقِّ الشَّفِيعِ فِي الْأَرْضِ وَالْبِنَاءِ وَهُوَ الشِّرَاءُ ثُمَّ ادَّعَى تَفْرِيقَ الصَّفْقَةِ لِيُسْقِطَ بِهِ حَقَّهُ فِي الْبِنَاءِ وَذَلِكَ حَادِثٌ يَدَّعِيهِ فَلَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ فِي ذَلِكَ ، وَلَكِنَّ الْقَوْلَ قَوْلُ الشَّفِيعِ لِإِنْكَارِهِ ، وَلَا قَوْلَ لِلْبَائِعِ فِي شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ .
فَأَمَّا فِي الْهِبَةِ هُوَ لَمْ يُقِرَّ بِالسَّبَبِ الْمُثْبِتِ لِحَقِّ الشَّفِيعِ فَالسَّائِلُ الشَّفِيعُ يَدَّعِي ذَلِكَ وَهُوَ مُنْكِرٌ ، فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ وَيَأْخُذُ الشَّفِيعُ الْأَرْضَ بِغَيْرِ بِنَاءٍ وَإِنْ قَالَ الْبَائِعُ لَمْ أَهَبْ لَك الْبِنَاءَ ، فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ مَعَ يَمِينِهِ وَيَأْخُذُ بِنَاءَهُ وَإِنْ قَالَ قَدْ وَهَبْتُهُ لَك كَانَتْ الْهِبَةُ جَائِزَةً وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ : اشْتَرَيْت النِّصْفَ ثُمَّ النِّصْفَ وَقَالَ الْجَارُ اشْتَرَيْت الْكُلَّ بِعَقْدٍ وَاحِدٍ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الشَّفِيعِ اسْتِحْسَانًا لِمَا قُلْنَا ، فَإِنْ أَقَامَا جَمِيعًا الْبَيِّنَةَ فَعَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ الْبَيِّنَةُ بَيِّنَةُ الْمُشْتَرِي ؛ لِأَنَّهُ هُوَ الْمُحْتَاجُ إلَيْهَا لِإِثْبَاتِ تَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ وَإِثْبَاتِ شَيْءٍ بِخِلَافِ الظَّاهِرِ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ الْبَيِّنَةُ بَيِّنَةُ الشَّفِيعِ ؛ لِأَنَّهُ يُثْبِتُ اسْتِحْقَاقَ جَمِيعِ الدَّارِ ؛ وَلِأَنَّا نَجْعَلُ كَأَنَّ الْأَمْرَيْنِ كَانَا إذْ لَا تَنَافِي بَيْنَهُمَا وَلَوْ اشْتَرَى النِّصْفَ ثُمَّ النِّصْفَ ثُمَّ اشْتَرَى الْكُلَّ أَوْ عَلَى عَكْسِ ذَلِكَ كَانَ لِلشَّفِيعِ أَنْ يَأْخُذَ الْكُلَّ بِالشُّفْعَةِ فَكَذَلِكَ هُنَا وَإِنْ ادَّعَى الْمُشْتَرِي أَنَّهُ اشْتَرَى جَمِيعَ ذَلِكَ مَعًا وَادَّعَى الشَّفِيعُ أَنَّهُ اشْتَرَاهُ مُتَفَرِّقًا فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُشْتَرِي لِإِنْكَارِهِ تَفْرِيقَ الصَّفْقَةِ وَإِنْكَارِهِ مَا ادَّعَى الشَّفِيعُ مِنْ ثُبُوتِ حَقِّ الْأَخْذِ لَهُ فِي النِّصْفِ دُونَ النِّصْفِ ، فَإِنْ قَالَ الْمُشْتَرِي وَهَبَ لِي هَذَا الْبَيْتَ بِطَرِيقِهِ
إلَى بَابِ الدَّارِ وَبَاعَنِي مَا بَقِيَ مِنْ الدَّارِ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ وَقَالَ الشَّفِيعُ بَلْ اشْتَرَيْت الدَّارَ كُلَّهَا بِأَلْفِ دِرْهَمٍ ، فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُشْتَرِي فِي الْبَيْتِ لِإِنْكَارِهِ سَبَبَ ثُبُوتِ حَقِّ الشَّفِيعِ فِيهِ وَيَأْخُذُ الشَّفِيعُ الدَّارَ كُلَّهَا غَيْرَ الْبَيْتِ وَطَرِيقِهَا إنْ شَاءَ ؛ لِأَنَّ الْمُشْتَرِيَ أَقَرَّ بِوُجُودِ السَّبَبِ الْمُوجِبِ لِحَقِّ الشَّفِيعِ فِيمَا سِوَى الْبَيْتِ وَادَّعَى لِنَفْسِهِ حَقَّ التَّقَدُّمِ عَلَيْهِ بِالشَّرِكَةِ فِي الطَّرِيقِ ، فَلَا يَثْبُتُ مَا ادَّعَاهُ بِغَيْرِ حُجَّةٍ فَلِهَذَا كَانَ لِلشَّفِيعِ أَنْ يَأْخُذَ مَا سِوَى الْبَيْتِ وَإِنْ جَحَدَ الْبَائِعُ هِبَةَ الْبَيْتِ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ مَعَ يَمِينِهِ وَإِنْ أَقَرَّ بِهَا ، فَالْبَيْتُ لِلْمَوْهُوبِ لَهُ ، وَلَكِنْ لَا يُصَدَّقَانِ عَلَى إبْطَالِ شُفْعَةِ الشَّفِيعِ فِي سَائِرِ الدَّارِ ؛ لِأَنَّ شَرِكَتَهُ فِي الطَّرِيقِ سَابِقًا عَلَى الشِّرَاءِ لَا يَظْهَرُ بِقَوْلِهِمَا حَقُّ الشَّفِيعِ ، إلَّا أَنْ تَقُومَ الْبَيِّنَةُ عَلَى الْهِبَةِ قَبْلَ الشِّرَاءِ فَحِينَئِذٍ الثَّابِتُ بِالْبَيِّنَةِ ، كَالثَّابِتِ بِإِقْرَارِ الْخَصْمِ فَيَصِيرُ هُوَ أَوْلَى بِالدَّارِ مِنْ الْجَارِ .
وَلَوْ ادَّعَى الشَّفِيعُ أَنَّ الْمُشْتَرِيَ هَدَمَ طَائِفَةً مِنْ بِنَاءِ الدَّارِ وَكَذَّبَهُ الْمُشْتَرِي ، فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُشْتَرِي ؛ لِأَنَّ الشَّفِيعَ يَدَّعِي سَبَبًا مُسْقِطًا لِبَعْضِ الثَّمَنِ عَنْهُ بَعْدَ أَخْذِهِ الدَّارَ وَالْمُشْتَرِي مُنْكِرٌ لِذَلِكَ وَالْبَيِّنَةُ بَيِّنَةُ الشَّفِيعِ لِأَنَّهُ يُثْبِتُ بِبَيِّنَتِهِ سُقُوطَ بَعْضِ الثَّمَنِ عَنْهُ .
رَجُلٌ أَقَامَ الْبَيِّنَةَ أَنَّهُ اشْتَرَى هَذِهِ الدَّارَ مِنْ فُلَانٍ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ وَأَقَامَ آخَرُ الْبَيِّنَةَ أَنَّهُ اشْتَرَى مِنْهُ هَذَا الْبَيْتَ بِطَرِيقِهِ بِمِائَةِ دِرْهَمٍ مُنْذُ شَهْرٍ قَضَيْتُ بِالْبَيْتِ لِصَاحِبِ الشَّهْرِ لِأَنَّ الشِّرَاءَ حَادِثٌ وَإِنَّمَا يُحَالُ بِشِرَائِهِ بِحُدُوثِهِ عَلَى أَقْرَبِ الْأَوْقَاتِ مَا لَمْ يُصَرِّحْ الشُّهُودُ بِسَبْقِ التَّارِيخِ وَقَدْ صَرَّحَ بِهِ شُهُودُ صَاحِبِ الْبَيْتِ فَيُقْضَى لَهُ بِالْبَيْتِ لِتَقَدُّمِ عَقْدِهِ فِيهِ ثُمَّ لَهُ الشُّفْعَةُ فِيمَا بَقِيَ مِنْ الدَّارِ ؛ لِأَنَّ شَرِكَتَهُ فِي الطَّرِيقِ تَثْبُتُ قَبْلَ ثُبُوتِ شِرَاءِ الْآخَرِ فِيمَا بَقِيَ مِنْ الدَّارِ ، فَهُوَ مُقَدَّمٌ عَلَى الْجَارِ وَلَوْ لَمْ يُوَقِّتْ شُهُودُ صَاحِبِ الْبَيْتِ قَضَيْتُ بِالْبَيْتِ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ لِاسْتِوَاءِ الدَّعْوَى وَالْحُجَّةِ مِنْهُمَا فِي الْبَيْتِ وَقَضَيْتُ بِبَقِيَّةِ الدَّارِ لِلَّذِي أَقَامَ الْبَيِّنَةَ عَلَى أَنَّهُ اشْتَرَى كُلَّهَا ؛ لِأَنَّهُ أَثْبَتَ شِرَاءَهُ بِالْبَيِّنَةِ ، وَلَا مُزَاحِمَ لَهُ فِي بَقِيَّةِ الدَّارِ ، وَلَا شُفْعَةَ لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا قَبْلَ صَاحِبِهِ ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَثْبُتْ سَبْقُ شِرَاءِ أَحَدِهِمَا وَكِلَا الْأَمْرَيْنِ ظَهَرَا وَلَا يُعْرَفُ تَارِيخٌ بَيْنَهُمَا فَيُجْعَلُ كَأَنَّهُمَا وَقَعَا مَعًا .
وَلَوْ كَانَتْ الدَّارَانِ مُتَلَازِقَتَيْنِ فَأَقَامَ رَجُلٌ الْبَيِّنَةَ أَنَّهُ اشْتَرَى إحْدَاهُمَا مُنْذُ شَهْرٍ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ وَأَقَامَ آخَرُ الْبَيِّنَةَ أَنَّهُ اشْتَرَى الْأُخْرَى مُنْذُ شَهْرَيْنِ قَضَيْتُ لَهُ بِشِرَاءِ هَذِهِ الدَّارِ مُنْذُ شَهْرَيْنِ ، فَمِنْ وَقْتِ شُهُودِهِ جَعَلْت لَهُ الشُّفْعَةَ فِي الدَّارِ الْأُخْرَى ؛ لِأَنَّهُ يَثْبُتُ جِوَارُهُ سَابِقًا عَلَى بَيْعِ الدَّارِ الْأُخْرَى وَلَوْ لَمْ يُوَقِّتَا قَضَيْتُ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِدَارِهِ وَلَمْ أَقْضِ بِالشُّفْعَةِ لَهُ ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا لَمْ يَثْبُتْ تَارِيخٌ فِي الشِّرَاءَيْنِ يُجْعَلُ كَأَنَّهُمَا وَقَعَا مَعًا وَكَذَلِكَ لَوْ كَانَ أَحَدُهُمَا قَبَضَ الدَّارَ وَلَمْ يَقْبِضْ الْآخَرُ ؛ لِأَنَّ الْقَبْضَ يَصْلُحُ حُجَّةً لِدَفْعِ الِاسْتِحْقَاقِ إذَا زَاحَمَهُ غَيْرُهُ فِيمَا هُوَ فِي يَدِهِ ، وَلَا يَكُونُ حُجَّةً لِإِثْبَاتِ الِاسْتِحْقَاقِ فِي الدَّارِ الْأُخْرَى وَلَوْ وُقِّتَ أَحَدُهُمَا وَلَمْ يُوَقَّتْ الْآخَرُ قَضَيْت لِصَاحِبِ الْوَقْتِ بِالشُّفْعَةِ ؛ لِأَنَّ شِرَاءَ الْآخَرِ حَادِثٌ ، فَإِنَّمَا يُحَالُ بِحُدُوثِهِ إلَى أَقْرَبِ الْأَوْقَاتِ وَكَذَلِكَ لَوْ ادَّعَى هِبَةً مَقْبُوضَةً مُؤَقَّتَةً فَالْهِبَةُ مَعَ الْقَبْضِ فِي إفَادَةِ الْمِلْكِ ، كَالشِّرَاءِ .
وَإِذَا كَانَ دَرْبٌ غَيْرُ نَافِذٍ ، وَفِيهِ دُورٌ لِقَوْمٍ فَبَاعَ رَجُلٌ مِنْ أَرْبَابِ تِلْكَ الدُّورِ بَيْتًا شَارِعًا فِي السِّكَّةِ الْعُظْمَى ، وَلَا طَرِيقَ لَهُ فِي الدَّارِ فَلِأَصْحَابِ الدَّرْبِ أَنْ يَأْخُذُوا الْبَيْتَ بِالشُّفْعَةِ لِشَرِكَتِهِمْ فِي الطَّرِيقِ فَإِنْ سَلَّمُوهَا ثُمَّ بَاعَ الْمُشْتَرِي الْبَيْتَ بَعْدَ ذَلِكَ ، فَلَا شُفْعَةَ لِأَهْلِ الدَّرْبِ فِيهِ ؛ لِأَنَّهُ لَا طَرِيقَ لِلْبَيْتِ فِي الدَّرْبِ فَبِالْبَيْعِ الْأَوَّلِ قَدْ انْقَطَعَتْ شَرِكَةُ الطَّرِيقِ لِصَاحِبِ الْبَيْتِ مَعَ أَصْحَابِ الدَّرْبِ وَإِنَّمَا الشُّفْعَةُ فِي الْبَيْتِ لِلْجَارِ الْمُلَاصِقِ وَكَذَلِكَ لَوْ بَاعَ قِطْعَةً مِنْ الدَّارِ بِغَيْرِ طَرِيقٍ لَهَا فَلَهُمْ الشُّفْعَةُ لِقِيَامِ شَرِكَتِهِمْ فِي الطَّرِيقِ وَقْتَ الْبَيْعِ ، فَإِنْ سَلَّمُوهَا ثُمَّ بَاعَ الْمُشْتَرِي ، فَلَا شُفْعَةَ فِيهَا ، إلَّا لِمَنْ يُجَاوِرُهَا لِانْقِطَاعِ الشَّرِكَةِ فِي الطَّرِيقِ عِنْدَ الْبَيْعِ الثَّانِي وَإِذَا كَانَ الدَّرْبُ غَيْرَ نَافِذٍ وَفِي أَقْصَاهُ مَسْجِدُ خُطْبَةٍ وَبَابُ الْمَسْجِدِ فِي الدَّرْبِ وَظَهَرَ الْمَسْجِدُ وَجَانِبُهُ الْآخَرُ إلَى الطَّرِيقِ الْأَعْظَمِ فَبَاعَ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الدَّرْبِ دَارِهِ فَلَا شُفْعَةَ لِأَهْلِ الدَّرْبِ فِيهَا ، إلَّا لِمَنْ يُجَاوِرُهَا بِالْجِوَارِ ؛ لِأَنَّ الْمَسْجِدَ بِمَنْزِلَةِ الطَّرِيقِ النَّافِذِ ، أَلَا تَرَى أَنَّ مَوْضِعَ الْمَسْجِدِ لَيْسَ بِمَمْلُوكٍ لِأَهْلِ الدَّرْبِ وَأَنَّ أَهْلَ الطَّرِيقِ الْأَعْظَمِ لَوْ أَرَادُوا أَنْ يَكُونَ لِهَذَا الْمَسْجِدِ بَابٌ إلَى الطَّرِيقِ الْأَعْظَمِ لِيَدْخُلُوهُ لِلصَّلَاةِ كَانَ لَهُمْ ذَلِكَ إذَا لَمْ يَضُرَّ ذَلِكَ بِأَهْلِ الدَّرْبِ وَلَهُمْ أَنْ يَدْخُلُوا فِي ذَلِكَ الدَّرْبِ لِيُصَلُّوا فِي الْمَسْجِدِ ثُمَّ يَخْرُجُوا مِنْ جَانِبِ الطَّرِيقِ الْأَعْظَمِ فَعَرَفْنَا أَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ الطَّرِيقِ الْأَعْظَمِ النَّافِذِ ، فَلَا تُسْتَحَقُّ الشُّفْعَةُ ، إلَّا بِالْجِوَارِ وَعَلَى هَذَا حُكْمُ السِّكَكِ الَّتِي فِي أَقْصَاهَا الْوَادِي الْمُجْتَازُ وَلَوْ كَانَ حَوْلَ الْمَسْجِدِ دُورٌ يَحُولُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الطَّرِيقِ الْأَعْظَمِ كَانَ لِأَهْلِ الدَّرْبِ
الشُّفْعَةُ بِالشَّرِكَةِ ؛ لِأَنَّ الْمَسْجِدَ الْآنَ لَيْسَ بِطَرِيقٍ نَافِذٍ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ رُفِعَ بِنَاءُ الْمَسْجِدِ ؛ لَمْ يَصِرْ الطَّرِيقُ نَافِذًا بِخِلَافِ الْأَوَّلِ فَإِنَّهُ لَوْ رُفِعَ بِنَاءُ الْمَسْجِدِ ؛ صَارَ الدَّرْبُ طَرِيقًا نَافِذًا إلَى الطَّرِيقِ الْأَعْظَمِ وَفِي الْمَوْضِعَيْنِ جَمِيعًا يُجْعَلُ الْمَسْجِدُ بِمَنْزِلَةِ فِنَاءٍ وَلَوْ كَانَ فِي أَقْصَى الدَّرْبِ بَابٌ نَافِذٌ إلَى السِّكَّةِ الْعُظْمَى كَانَ ذَلِكَ طَرِيقًا نَافِذًا وَإِنْ كَانَ الْفِنَاءُ إلَى دُورِ قَوْمٍ لَمْ تَكُنْ سِكَّةً نَافِذَةً وَلَوْ كَانَ مَوْضِعُ الْمَسْجِدِ دَارًا فِيهَا طَرِيقٌ إلَى الدَّرْبِ يَخْرُجُ مِنْ بَابٍ آخَرَ مِنْهَا إلَى الطَّرِيقِ الْأَعْظَمِ ، فَإِنْ كَانَ طَرِيقًا لِلنَّاسِ لَيْسَ لِأَهْلِ الدَّرْبِ أَنْ يَمْنَعُوهُ ، فَلَا شُفْعَةَ لِأَهْلِ الدَّرْبِ إلَّا بِالْجَوَازِ وَإِنْ كَانَ طَرِيقًا لِأَهْلِ الدَّارِ خَاصَّةً فَأَهْلُ الدَّارِ شُفَعَاءُ بِالشَّرِكَةِ فِي الطَّرِيقِ لِأَنَّ الطَّرِيقَ الَّذِي لَهُمْ خَاصَّةً مِلْكٌ لَهُمْ وَإِنْ أَرَادُوا سَدَّهُ لَمْ يَكُنْ لِأَحَدٍ أَنْ يَمْنَعَهُمْ مِنْ ذَلِكَ وَفِي الْأَوَّلِ الطَّرِيقُ لِلْعَامَّةِ وَلَوْ أَرَادَ أَهْلُ الدَّرْبِ سَدَّهُ مُنِعُوا مِنْ ذَلِكَ فَلِهَذَا لَا يَسْتَحِقُّونَ الشُّفْعَةَ بِالشَّرِكَةِ فِي الطَّرِيقِ .
وَإِنْ كَانَ دَرْبٌ غَيْرُ نَافِذٍ لَيْسَ فِيهِ مَسْجِدٌ فَاشْتَرَى أَهْلُ الدَّرْبِ مِنْ رَجُلٍ مِنْ أَهْلِهِ دَارًا وَظَهْرُهَا إلَى الطَّرِيقِ الْأَعْظَمِ فَاِتَّخَذُوهَا مَسْجِدًا وَجَعَلُوا بَابَهُ فِي الدَّرْبِ وَلَمْ يَجْعَلُوا لَهُ إلَى الطَّرِيقِ الْأَعْظَمِ بَابًا أَوْ جَعَلُوا ثُمَّ بَاعَ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الدَّرْبِ دَارِهِ فَلِأَهْلِ الدَّرْبِ الشُّفْعَةُ بِالشَّرِكَةِ فِي الطَّرِيقِ ؛ لِأَنَّ قَبْلَ بِنَاءِ الْمَسْجِدِ كَانَ الطَّرِيقُ مَمْلُوكًا لَهُمْ وَكَانَتْ شَرِكَتُهُمْ فِيهَا شَرِكَةً خَاصَّةً فَبِاِتِّخَاذِ الْمَسْجِدِ لَا يُنْتَقَضُ حَقُّهُمْ وَشَرِكَتُهُمْ فِي الطَّرِيقِ بِخِلَافِ مَسْجِدِ الْخُطْبَةِ ، فَذَلِكَ الْمَوْضِعُ لَمْ يَكُنْ مَمْلُوكًا لَهُمْ قَطُّ بَلْ كَانَ ذَلِكَ مُصَلًّى لِجَمَاعَةِ الْمُسْلِمِينَ فَيَمْنَعُ ذَلِكَ ثُبُوتَ الشَّرِكَةِ الْخَاصَّةِ لَهُمْ فِي الدَّرْبِ ، وَهَذَا ؛ لِأَنَّ صَاحِبَ هَذَا الْمَوْضِعِ قَبْلَ بِنَاءِ الْمَسْجِدِ كَانَ شَرِيكًا فِي الطَّرِيقِ شَرِكَةً خَاصَّةً فَبِنَاءُ الْمَسْجِدِ لَا يُغَيِّرُ مَا كَانَ مِنْ الْحَقِّ فِي الطَّرِيقِ لِهَذَا الْمَوْضِعِ بِخِلَافِ مَسْجِدِ الْخُطْبَةِ وَإِذَا اشْتَرَى دَارًا هُوَ شَفِيعُهَا وَلَهَا شَفِيعٌ آخَرُ غَائِبٌ ثُمَّ إنَّ الْمُشْتَرِي تَصَدَّقَ بِبَيْتٍ مِنْهَا وَطَرِيقِهِ عَلَى رَجُلٍ وَسَلَّمَهُ إلَيْهِ ثُمَّ بَاعَهُ مَا بَقِيَ ثُمَّ قَدِمَ الشَّفِيعُ الْغَائِبُ فَطَلَبَ الشُّفْعَةَ ، فَإِنَّهُ تُنْتَقَضُ الصَّدَقَةُ وَالْبَيْعُ الْآخَرُ وَيَأْخُذُ نِصْفَ جَمِيعِ الدَّارِ بِالْبَيْعِ الْأَوَّلِ ؛ لِأَنَّ حَقَّ الشَّفِيعِ مُقَدَّمٌ عَلَى حَقِّ الْمُشْتَرِي فَبِاعْتِبَارِ حَقِّهِ يَتَمَكَّنُ مِنْ نَقْضِ تَصَرُّفِ الْمُشْتَرِي وَحَقُّهُ فِي النِّصْفِ لِأَنَّ الْمُشْتَرِيَ شَفِيعٌ مَعَهُ ، فَإِذَا أَخَذَ نِصْفَ جَمِيعِ الدَّارِ بِالشُّفْعَةِ كَانَ النِّصْفُ الْبَاقِي لِلْمُشْتَرِي الْأَوَّلِ بِمَنْزِلَةِ دَارٍ بَيْنَ رَجُلَيْنِ بَاعَ أَحَدُهُمَا مِنْهَا مَوْضِعًا مَقْسُومًا أَوْ وَهَبَ لَمْ يَجُزْ ذَلِكَ لِمَا فِي تَصَرُّفِهِ مِنْ الضَّرَرِ عَلَى الشَّرِيكِ ، فَإِنَّهُ يَحْتَاجُ إلَى قِسْمَتَيْنِ وَرُبَّمَا يَتَفَرَّقُ نَصِيبُهُ فِي مَوْضِعَيْنِ وَإِنْ لَمْ
يُخَاصِمْ حِينَ بَاعَ مَا بَقِيَ مِنْ الدَّارِ مِنْ الْمُشْتَرِي الْأَوَّلِ جَازَ بَيْعُهُ فِي نَصِيبِهِ كَمَا لَوْ بَاعَهَا صَفْقَةً وَاحِدَةً يَجُوزُ الْبَيْعُ فِي نَصِيبِهِ وَإِنْ بَاعَ مِنْ غَيْرِهِ ، فَالْبَيْعُ الْأَوَّلُ وَالثَّانِي بَاطِلٌ لِدَفْعِ الضَّرَرِ عَنْ الشَّرِيكِ عَلَى مَا بَيَّنَّا وَشُبِّهَ هَذَا بِمَا لَوْ بَاعَ جِذْعًا فِي حَائِطٍ عَلَى أَنْ يَقْلَعَهُ وَيُسَلِّمَهُ ، فَالْبَيْعُ بَاطِلٌ ؛ لِمَا عَلَى الْبَائِعِ مِنْ الضَّرَرِ فِي التَّسْلِيمِ ، فَإِنْ سَلَّمَهُ لِلْمُشْتَرِي جَازَ الْبَيْعُ لِزَوَالِ الْمَانِعِ فَكَذَلِكَ الْبَيْعُ الْأَوَّلُ فِي الْمُشْتَرَكِ لَمْ يَجُزْ لِدَفْعِ الضَّرَرِ عَنْ الشَّرِيكِ ، فَإِذَا بَاعَ مَا بَقِيَ مِنْ الْمُشْتَرِي الْأَوَّلِ ، فَقَدْ زَالَ ذَلِكَ الْمَعْنَى .
وَإِذَا كَانَتْ دَارٌ لِرَجُلٍ إلَى جَنْبِهَا دَارٌ فَتَصَدَّقَ بِالْحَائِطِ الَّذِي يَلِي دَارَ جَارِهِ عَلَى رَجُلٍ وَسَلَّمَهُ إلَيْهِ ثُمَّ بَاعَهُ مَا بَقِيَ مِنْ الدَّارِ فَلَا شُفْعَةَ فِيهَا لِلْجَارِ ؛ لِأَنَّ مِلْكَهُ غَيْرُ مُتَّصِلٍ بِالْمَبِيعِ فَالْحَائِطُ الْمَوْهُوبُ حَائِلٌ بَيْنَ الْمَبِيعِ وَبَيْنَ مِلْكِ الْجَارِ وَلَوْ اشْتَرَى رَجُلٌ حَائِطًا بِأَصْلِهِ كَانَ لِلشَّفِيعِ فِيهِ الشُّفْعَةُ لِأَنَّ مِلْكَهُ مُتَّصِلٌ بِالْمَبِيعِ اتِّصَالَ تَأْبِيدٍ فَمَوْضِعُ الْحَائِطِ مِنْ الْأَرْضِ دَاخِلٌ فِي الْبَيْعِ .
وَإِذَا كَانَ مَنْزِلٌ لِرَجُلٍ فِي دَارٍ إلَى جَنْبِهِ فِي تِلْكَ الدَّارِ مَنْزِلٌ آخَرُ لِرَجُلٍ آخَرَ وَحَائِطُ الْمَنْزِلَيْنِ بَيْنَ الرَّجُلَيْنِ نِصْفَانِ وَفِي الدَّارِ مَنَازِلُ سِوَى هَذَيْنِ الْمَنْزِلَيْنِ وَلِلْمَنَازِلِ كُلِّهَا طَرِيقٌ فِي الدَّارِ إلَى بَابِ الدَّارِ الْأَعْظَمِ وَالدَّارُ فِي دَرْبٍ غَيْرِ نَافِذٍ وَفِي الدَّرْبِ دُورٌ أُخَرُ غَيْرُ هَذِهِ الدَّارِ فَبَاعَ رَبُّ أَحَدِ الْمَنْزِلَيْنِ مَنْزِلَهُ ، فَالشَّرِيكُ فِي الْحَائِطِ أَحَقُّ بِالشُّفْعَةِ فِي جَمِيعِ الْمَنْزِلِ ؛ لِأَنَّ شَرِكَتَهُ أَعَمُّ ، فَهُوَ شَرِيكٌ فِي نَفْسِ الْمَبِيعِ ؛ لِأَنَّ حِصَّةَ الْبَائِعِ مِنْ الْحَائِطِ دَخَلَ فِي الْبَيْعِ وَعَنْ زُفَرَ أَنَّهُ قَالَ : هُوَ أَحَقُّ بِالشُّفْعَةِ فِي الْحَائِطِ سِوَى ذَلِكَ مِنْ الْمَنْزِلِ هُوَ وَأَهْلُ الدَّارِ سَوَاءٌ وَكَذَلِكَ رُوِيَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ لِأَنَّ شَرِكَتَهُ فِي مَوْضِعٍ مُعَيَّنٍ وَلَيْسَ بِشَرِيكٍ فِي جَمِيعِ الْمَبِيعِ فَإِنَّمَا يَتَرَجَّحُ هُوَ بِالشَّرِكَةِ فِي ذَلِكَ الْمَوْضِعِ خَاصَّةً ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ جَمَعَ فِي الْبَيْعِ بَيْنَ نَصِيبِهِ مِنْ دَارٍ وَدَارٍ أُخْرَى كَانَ شَرِيكُهُ فِي تِلْكَ الدَّارِ أَحَقَّ بِالشُّفْعَةِ فِي تِلْكَ الدَّارِ خَاصَّةً دُونَ الْأُخْرَى وَجْهُ ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ أَنَّ الشَّرِكَةَ فِي الْحَائِطِ أَظْهَرُ مِنْ الشَّرِكَةِ فِي الطَّرِيقِ وَإِذَا كَانَ بِالشَّرِكَةِ فِي الطَّرِيقِ يَتَقَدَّمُ الشَّرِيكُ عَلَى الْجَارِ فَبِالشَّرِكَةِ فِي الْحَائِطِ أَوْلَى وَهَذَا لِأَنَّ الْحَائِطَ مِنْ مَرَافِقِ جَمِيعِ الْمَنْزِلِ بِخِلَافِ الدَّارَيْنِ الْمُتَفَرِّقَتَيْنِ ، فَإِنْ سَلَّمَ هُوَ الشُّفْعَةَ ، فَالشُّرَكَاءُ فِي الطَّرِيقِ الَّذِي فِي الدَّارِ أَحَقُّ لِشَرِكَةٍ بَيْنَهُمْ فِي الدَّارِ ؛ لِأَنَّ نَصِيبَ الْبَائِعِ مِنْ الصَّحْنِ صَارَ مَبِيعًا ، وَلَا شَرِكَةَ لِأَهْلِ الدَّرْبِ فِي صَحْنِ الدَّارِ فَإِنْ سَلَّمُوا ، فَالشُّرَكَاءُ الْمُلَاصِقُونَ فِي الطَّرِيقِ الَّذِي قُلْنَا أَحَقُّ لِوُجُودِ الشَّرِكَةِ بَيْنَهُمْ فِي طَرِيقٍ خَاصٍّ فِي دَرْبٍ غَيْرِ نَافِذٍ فَإِنْ سَلَّمُوا ، فَالْجِيرَانُ الْمُلَازِقُونَ لِلدَّارِ إلَى هَذَا الْمَنْزِلِ فِيهِ
شُرَكَاءُ فِي شُفْعَةِ هَذَا الْمَنْزِلِ وَالْمُلَاصِقُ مِنْهُمْ لِهَذَا الْمَنْزِلِ وَالْمُلَاصِقُ لِأَقْصَى الدَّارِ سَوَاءٌ ؛ لِأَنَّ مِلْكَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ مُتَّصِلٌ بِالْمَبِيعِ فَحِصَّةُ الْبَائِعِ مِنْ صَحْنِ الدَّارِ دَاخِلٌ فِي الْبَيْعِ فَقِيَامُ الِاتِّصَالِ فِي طَرِيقٍ وَاحِدٍ يَكْفِي لِلْجِوَارِ فَلِهَذَا اسْتَوَوْا فِي اسْتِحْقَاقِ الشُّفْعَةِ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ فِي السِّكَّةِ الَّتِي لَيْسَ لَهَا مَنْفَذٌ بَاعَ رَجُلٌ مِنْهُمْ دَارًا فَهُمْ جَمِيعًا شُفَعَاءُ فِيهَا لِلشَّرِكَةِ بَيْنَهُمْ فِي طَرِيقٍ خَاصٍّ فِي الطَّرِيقِ ، فَإِنْ كَانَ زُقَاقًا فِيهِ عِطْفٌ بِدُورٍ فَكَذَلِكَ أَيْضًا وَإِنْ كَانَ الْعِطْفُ مُرَبَّعًا فَبَاعَ رَجُلٌ فِيهِ دَارًا ، فَالشُّفْعَةُ لِأَصْحَابِ الْعِطْفِ دُونَ أَصْحَابِ السِّكَّةِ ؛ لِأَنَّ مَوْضِعَ الْعِطْفِ الْمُرَبَّعِ لِأَصْحَابِ الْعِطْفِ خَاصَّةً دُونَ أَصْحَابِ السِّكَّةِ وَفِي الْعِطْفِ الْمُدَوَّرِ حَقُّهُمْ جَمِيعًا فِي ذَلِكَ الصَّحْنِ ثَابِتٌ ؛ وَلِأَنَّ الْمُرَبَّعَ مِنْ الْعِطْفِ بِمَنْزِلَةِ سِكَّةٍ فِي سِكَّةٍ وَلَوْ كَانَتْ سِكَّةٌ فِي سِكَّةٍ فَبِيعَتْ دَارٌ فِي السِّكَّةِ الْأَقْصَى فَأَصْحَابُ تِلْكَ السِّكَّةِ أَحَقُّ بِالشُّفْعَةِ مِنْ أَصْحَابِ السِّكَّةِ الْأُولَى وَإِنْ بِيعَتْ دَارٌ فِي السِّكَّةِ الْأُولَى كَانَتْ الشُّفْعَةُ لِأَصْحَابِ السِّكَّتَيْنِ جَمِيعًا لِلشَّرِكَةِ الْخَاصَّةِ بَيْنَهُمْ فِي طَرِيقِ السِّكَّةِ الْأُولَى وَاخْتِصَاصُ أَصْحَابِ السِّكَّةِ الْأُولَى بِالطَّرِيقِ فِي السِّكَّةِ الْأَقْصَى .
وَإِذَا أَقَرَّ الْبَائِعُ بِبَيْعِ دَارِهِ مِنْ هَذَا الرَّجُلِ وَأَنَّهُ قَدْ قَبَضَ مِنْهُ ثَمَنَهَا أَوْ لَمْ يَقْبِضْ الثَّمَنَ فَلِلشَّفِيعِ أَنْ يَأْخُذَهَا بِالشُّفْعَةِ مِنْ الْبَائِعِ لِإِقْرَارِهِ بِثُبُوتِ حَقِّ الشَّفِيعِ وَإِنْ قَالَ بِعْتهَا مِنْهُ وَسَلَّمْتهَا إلَيْهِ ثُمَّ أَوْدَعْتهَا فَلِلشَّفِيعِ أَنْ يَأْخُذَهَا بِالشُّفْعَةِ ؛ لِأَنَّهُ أَقَرَّ بِثُبُوتِ حَقِّ الشَّفِيعِ ، فَإِنْ كَانَ خَصْمًا لَهُ ثُمَّ ادَّعَى بَعْدَ ذَلِكَ مَا يُخْرِجُهُ مِنْ الْخُصُومَةِ وَهُوَ التَّسْلِيمُ ثُمَّ الْإِيدَاعُ ، فَلَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ فِيمَا ادَّعَى وَلِلشَّفِيعِ أَنْ يَأْخُذَهَا وَإِنْ جَحَدَ الْمُشْتَرِي الشِّرَاءَ وَإِنْ كَانَ أَقَرَّ أَنَّهُ بَاعَهَا مِنْ رَجُلٍ غَائِبٍ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ ، فَلَا خُصُومَةَ بَيْنَ الشَّفِيعِ وَبَيْنَهُ حَتَّى يَحْضُرَ الْمُشْتَرِي ؛ لِأَنَّ الشَّفِيعَ مُصَدَّقٌ فِيمَا أَقَرَّ لَهُ بِهِ وَالدَّارُ وَإِنْ كَانَتْ فِي يَدِ الْبَائِعِ ، فَهِيَ مَمْلُوكَةٌ لِلْمُشْتَرِي فَلَا يَأْخُذُهَا الشَّفِيعُ ، إلَّا بِمَحْضَرٍ مِنْهَا .
رَجُلٌ ادَّعَى أَنَّهُ بَاعَ مِنْ هَذِهِ الْأَرْضِ خَمْسِينَ جَرِينًا مِنْ رَجُلٍ فَلَمْ يَدَّعِ الشَّفِيعُ الشُّفْعَةَ ثُمَّ خَاصَمَ فِيهَا إلَى الْقَاضِي فَأَبْطَلَ شُفْعَتَهُ لِتَرْكِهِ الطَّلَبَ ثُمَّ اخْتَصَمَ الْبَائِعُ وَالْمُشْتَرِي فِي مِقْدَارِ الْمَبِيعِ وَقَضَى الْقَاضِي بَيْنَهُمَا بِالْبَيِّنَةِ ثُمَّ ادَّعَى الشَّفِيعُ شُفْعَتَهُ قَالَ : إنْ وَقَعَ الْقَضَاءُ عَلَى مَا كَانَ بَلَغَ الشَّفِيعَ أَوْ أَقَلَّ مِنْهُ فَلَا شُفْعَةَ لَهُ وَإِنْ وَقَعَ عَلَى أَكْثَرَ مِنْهُ فَلَهُ الشُّفْعَةُ ؛ لِأَنَّ تَسْلِيمَهُ خَمْسِينَ جَرِينًا بِالثَّمَنِ الَّذِي بَلَغَهُ تَسْلِيمٌ فِيمَا دُونَ ذَلِكَ بِطَرِيقِ الْأَوْلَى ، وَلَا يَكُونُ تَسْلِيمًا فِي أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ ، فَقَدْ يَرْغَبُ الْإِنْسَانُ فِي الْأَخْذِ عِنْدَ الْكَثْرَةِ بِمَا لَا يَرْغَبُ فِيهِ عِنْدَ الْقِلَّةِ .
وَإِذَا اشْتَرَى قَوْمٌ أَرْضًا فَاقْتَسَمُوهَا دُورًا وَتَرَكُوا مِنْهَا سِكَّةً مَمْشًى لَهُمْ وَهِيَ سِكَّةٌ مَمْدُودَةٌ غَيْرُ نَافِذَةٍ فَبِيعَتْ دَارٌ مِنْ أَقْصَاهَا فَهُمْ جَمِيعًا شُرَكَاءُ فِي شُفْعَتِهَا لِلشَّرِكَةِ الْخَاصَّةِ بَيْنَهُمْ فِي الطَّرِيقِ الَّذِي رَفَعُوهُ بَيْنَهُمْ وَمَنْ كَانَتْ دَارُهُ أَسْفَلَ مِنْ الدَّارِ الْمَبِيعَةِ أَوْ أَعْلَى فِي الشُّفْعَةِ هُنَا سَوَاءٌ ؛ لِأَنَّ شَرِكَتَهُمْ فِي الطَّرِيقِ مِنْ أَوَّلِ السِّكَّةِ إلَى آخِرِهَا وَلَيْسَ لِبَعْضِهِمْ أَنْ يَمْنَعَ الْبَعْضَ مِنْ الِانْتِفَاعِ بِشَيْءٍ مِنْ السِّكَّةِ فَلِهَذَا كَانُوا فِي الشُّفْعَةِ سَوَاءً وَكَذَلِكَ إنْ كَانُوا وَرِثُوا الدُّورَ عَنْ آبَائِهِمْ ، وَلَا يَعْرِفُونَ كَيْفَ كَانَ أَصْلُهَا فَهَذَا وَالْأَوَّلُ سَوَاءٌ لِأَنَّهُمْ شُرَكَاءُ فِي الْفِنَاءِ وَهُوَ الطَّرِيقُ الَّذِي فِي السِّكَّةِ فَيَسْتَوُونَ فِي اسْتِحْقَاقِ الشُّفْعَةِ قَالَ فِي الْكِتَابِ وَالشَّرِيكُ فِي الْفِنَاءِ أَحَقُّ مِنْ الْجَارِ ، فَإِنْ كَانَ مُرَادُهُ فِنَاءً مَمْلُوكًا لَهُمْ مِلْكًا خَاصًّا ، فَهُوَ ظَاهِرٌ وَإِنْ كَانَ الْمُرَادُ فِنَاءً غَيْرَ مَمْلُوكٍ فَمَعَ ذَلِكَ هُمْ أَخُصُّ بِالِانْتِفَاعِ بِذَلِكَ الْفِنَاءِ وَلَهُمْ أَنْ يَمْنَعُوا غَيْرَهُمْ مِنْ الِانْتِفَاعِ بِهِ فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ الطَّرِيقِ الْخَاصِّ بَيْنَهُمْ فِي اسْتِحْقَاقِ الشُّفْعَةِ .
رَجُلٌ بَاعَ دَارًا فَرَضِيَ الشَّفِيعُ ثُمَّ جَاءَ يَدَّعِي أَنَّهُ لَمْ يَعْلَمْ أَنْ حَدَّهَا إلَى مَوْضِعِ كَذَا أَوْ ظَنَّ أَنَّهَا أَبْعَدُ أَوْ أَقْرَبُ وَيَدَّعِي شُفْعَتَهُ حِينَ عَلِمَ فَلَا شُفْعَةَ لَهُ عَلِمَ أَوْ لَمْ يَعْلَمْ لِأَنَّهُ أَسْقَطَ حَقَّهُ بَعْدَ الْوُجُوبِ وَجَهْلُهُ بِوُجُوبِ حَقِّهِ لَا يَمْنَعُ صِحَّةَ تَسْلِيمِهِ فَجَهْلُهُ بِمِقْدَارِ حَقِّهِ أَوْلَى .
رَجُلٌ أَقَامَ الْبَيِّنَةَ أَنَّهُ اشْتَرَى مِنْ رَجُلٍ كُلَّ حَقٍّ هُوَ لَهُ فِي هَذِهِ الدَّارِ ، فَإِنْ كَانَ الْمُشْتَرِي يَعْلَمُ كَمْ نَصِيبِ الْبَائِعِ مِنْ الدَّارِ جَازَ الْبَيْعُ عَلِمَ الْبَائِعُ أَوْ لَمْ يَعْلَمْ ، إلَّا فِي رِوَايَةٍ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ قَالَ : مَا لَمْ يَعْلَمَا جَمِيعًا كَمْ نَصِيبِ الْبَائِعِ لَا يَجُوزُ الْبَيْعُ ؛ لِأَنَّ الْبَيْعَ مَشْرُوعٌ لِلِاسْتِرْبَاحِ وَجَهْلُ الْبَائِعِ بِمِقْدَارِ نَصِيبِهِ رُبَّمَا يُفَوِّتُ مَقْصُودَهُ مِنْ الْبَيْعِ كَجَهْلِ الْمُشْتَرِي وَفِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ قَالَ الْمُشْتَرِي يَتَمَلَّكُ بِالشِّرَاءِ ، فَلَا بُدَّ مِنْ أَنْ يَعْلَمَ بِمِقْدَارِ مَا يَتَمَلَّكُهُ ؛ لِأَنَّهُ يَحْتَاجُ إلَى الْقَبْضِ ، فَإِذَا لَمْ يَكُنْ مَعْلُومًا لَهُ لَا يَتَمَكَّنُ مِنْ الْقَبْضِ وَأَمَّا الْبَائِعُ إنَّمَا تَمَلَّكَ الثَّمَنَ وَيَقْبِضُ بِحُكْمِ الْعَقْدِ الثَّمَنَ وَمِقْدَارُهُ مَعْلُومٌ لَهُ ، فَلَا يَضُرُّ جَهْلُهُ بِمِقْدَارِ نَصِيبِهِ ، أَلَا تَرَى أَنَّ عَدَمَ الرُّؤْيَةِ مِنْ الْمُشْتَرِي يُثْبِتُ الْخِيَارَ لَهُ وَمِنْ الْبَائِعِ لَا يُثْبِتُ الْخِيَارَ لَهُ وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ الْمُشْتَرِي كَمْ نَصِيبَ الْبَائِعِ وَعَلِمَ الْبَائِعُ ذَلِكَ أَوْ لَمْ يَعْلَمْ فَالْبَيْعُ فَاسِدٌ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ جَائِزٌ فِي قَوْل أَبِي يُوسُفَ وَالْمُشْتَرِي بِالْخِيَارِ إذَا عَلِمَ وَقَوْلُ مُحَمَّدٍ مُضْطَرِبٌ فِيهِ ذَكَرَهُ فِي بَعْضِ النُّسَخِ مَعَ أَبِي يُوسُفَ وَفِي الْبَعْضِ مَعَ أَبِي حَنِيفَةَ وَجْهُ قَوْلِهِ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ إنَّ انْعِقَادَ الْبَيْعِ يَكُونُ الْمَبِيعُ مَالًا مُتَقَوِّمًا وَهُمَا يَعْلَمَانِ أَنَّ نَصِيبَ الْبَائِعِ مِنْ الدَّارِ مَالٌ مُتَقَوِّمٌ قَلَّ ذَلِكَ أَوْ كَثُرَ فَيَجُوزُ الْبَيْعُ يُوَضِّحُهُ أَنَّ قِلَّةَ نَصِيبِهِ وَكَثْرَتَهُ يُؤَثِّرُ فِي الشُّفْعَةِ مِنْ حَيْثُ الشُّفْعَةُ وَالْجَهْلُ بِأَوْصَافِ الْمَبِيعِ لَا يَمْنَعُ صِحَّةَ الْبَيْعِ ، وَلَكِنْ يَثْبُتُ الْخِيَارُ لِلْمُشْتَرِي إذَا عَلِمَ بِهِ وَيَجِبُ لِلشَّفِيعِ فِيهِ الشُّفْعَةُ وَجْهُ قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ هَذِهِ جَهَالَةٌ تُفْضِي إلَى تَمَكُّنِ الْمُنَازَعَةِ بَيْنَهُمَا أَمَّا فِي الْحَالِ
إنْ احْتَاجَ الْمُشْتَرِي إلَى قَبْضِ الْمَبِيعِ أَوْ فِي ثَانِي الْحَالِ إنْ تَقَايَلَا الْبَيْعَ أَوْ رَدَّهُ بِالْعَيْبِ أَوْ أَخَذَهُ الشَّفِيعُ وَالْجَهَالَةُ فِي الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ إذَا كَانَتْ تُفْضِي إلَى الْمُنَازَعَةِ تَمْنَعُ صِحَّةَ الْعَقْدِ كَبَيْعِ شَاةٍ مِنْ الْقَطِيعِ وَإِذَا أَخَذَ الشَّفِيعُ الدَّارَ بِالشُّفْعَةِ فَلَهُ أَنْ يَرُدَّهَا بِخِيَارِ الرُّؤْيَةِ وَبِخِيَارِ الْعَيْبِ عَلَى مَنْ أَخَذَهَا مِنْهُ وَإِنْ كَانَ الْمُشْتَرِي قَدْ رَآهَا وَيَبْرَأُ مِنْ عُيُوبِهَا عِنْدَ الشِّرَاءِ ؛ لِأَنَّ الْأَخْذَ بِالشُّفْعَةِ بِمَنْزِلَةِ الشِّرَاءِ وَالْمُشْتَرِي لَمْ يَكُنْ نَائِبًا عَنْ الشَّفِيعِ فَرُؤْيَتُهُ وَرِضَاهُ بِالْعَيْبِ لَا تُعْتَبَرُ فِي حَقِّ الشَّفِيعِ وَإِذَا بَنَى الشَّفِيعُ فِي الدَّارِ ثُمَّ اُسْتُحِقَّتْ مِنْ مُدَّةٍ رَجَعَ الشَّفِيعُ بِالثَّمَنِ عَلَى مَنْ كَانَتْ عُهْدَتُهُ عَلَيْهِ وَلَمْ يَرْجِعْ بِقِيمَةِ الْبِنَاءِ بِخِلَافِ الْمُشْتَرِي إذَا بَنَى ثُمَّ اُسْتُحِقَّتْ الدَّارُ وَنُقِضَ بِنَاؤُهُ فَإِنَّهُ يَرْجِعُ بِقِيمَةِ الْبِنَاءِ عَلَى الْبَائِعِ ؛ لِأَنَّ الْمُشْتَرِيَ مَغْرُورٌ فَالْبَائِعُ أَوْجَبَ لَهُ الْعَقْدَ بِاخْتِيَارِهِ وَضَمِنَ لَهُ السَّلَامَةَ مِنْ عَيْبِ الِاسْتِحْقَاقِ ، فَإِذَا ظَهَرَ الِاسْتِحْقَاقُ كَانَ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ عَلَى الْبَائِعِ بِحُكْمِ الْغُرُورِ ، فَأَمَّا الشَّفِيعُ لَمْ يَصِرْ مَغْرُورًا مِنْ جِهَةِ أَحَدٍ ؛ لِأَنَّهُ أُجْبِرَ الْمَأْخُوذُ مِنْهُ عَلَى تَسْلِيمِ الدَّارِ إلَيْهِ ، فَلَا يَصِيرُ مَغْرُورًا يُوَضِّحُ الْفَرْقَ أَنَّ الْبَائِعَ بِإِيجَابِ الْبَيْعِ مُسَلِّطٌ لِلْمُشْتَرِي عَلَى الْبِنَاءِ وَالْمَأْخُوذُ مِنْهُ بِالشُّفْعَةِ غَيْرُ مُسَلِّطٍ لِلشَّفِيعِ عَلَى شَيْءٍ بَلْ هُوَ مُجْبَرٌ عَلَى تَسْلِيمِهَا إلَيْهِ فَلَا يَرْجِعُ بِقِيمَةِ الْبِنَاءِ عَلَيْهِ ، وَلَكِنَّهُ يَهْدِمُ بِنَاءَهُ وَيَنْقُلَهُ إلَى حَيْثُ أَحَبَّ وَنَظِيرُ هَذَا الْفَرْقِ مَنْ اشْتَرَى جَارِيَةً وَاسْتَوْلَدَهَا ثُمَّ اُسْتُحِقَّتْ فَالْمُشْتَرِي يَرْجِعُ بِالثَّمَنِ وَبِقِيمَةِ الْوَلَدِ عَلَى الْبَائِعِ لِلْغُرُورِ وَبِمِثْلِهِ الْجَارِيَةُ الْمَأْسُورَةُ إذَا وَقَعَتْ فِي سَهْمِ رَجُلٍ
فَأَخَذَهَا مَوْلَاهَا بِالْقِيمَةِ وَاسْتَوْلَدَهَا ثُمَّ أَقَامَ رَجُلٌ الْبَيِّنَةَ أَنَّهَا جَارِيَتُهُ دَبَّرَهَا قَبْلَ أَنْ تُؤْسَرَ رُدَّتْ عَلَيْهِ ؛ لِأَنَّ الْمُدَبَّرَةَ لَا تُمْلَكُ بِالْإِحْرَازِ فَيَضْمَنُ الْوَاطِئُ عُقْرَهَا وَقِيمَةَ الْوَلَدِ ؛ لِأَنَّهُ وَطِئَهَا بِشُبْهَةٍ ثُمَّ يَرْجِعُ عَلَى الَّذِي وَقَعَ فِي سَهْمِهِ بِالْقِيمَةِ الَّتِي أَعْطَاهَا إيَّاهَا ، وَلَا يَرْجِعُ بِالْعُقْرِ ، وَلَا بِقِيمَةِ الْوَلَدِ لِأَنَّهُ لَمْ يَصِرْ مَغْرُورًا مِنْ جِهَتِهِ فَقَدْ كَانَ مَنْ وَقَعَتْ فِي سَهْمِهِ مُجْبَرًا عَلَى تَسْلِيمِهَا إلَيْهِ بِالْقِيمَةِ وَالْغُرُورُ يَنْعَدِمُ بِهَذَا وَيُعَوَّضُ الَّذِي كَانَتْ وَقَعَتْ فِي سَهْمِهِ قِيمَتَهَا مِنْ بَيْتِ الْمَالِ ؛ لِأَنَّ نَصِيبَهُ مِنْ الْقِسْمَةِ اُسْتُحِقَّ فَيَثْبُتُ لَهُ حَقُّ الرُّجُوعِ عَلَى شُرَكَائِهِ وَيَتَعَذَّرُ ذَلِكَ عَلَيْهَا لِتَصَرُّفِهِمْ فَيُعَوَّضُ لَهُ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ ؛ لِأَنَّهُ لَوْ تَعَذَّرَ قِسْمَةُ شَيْءٍ بَيْنَ الْغَانِمِينَ ، كَالدُّرَّةِ النَّفِيسَةِ يُجْعَلُ ذَلِكَ فِي بَيْتِ الْمَالِ فَكَذَلِكَ إذَا لَحِقَهُ غُرْمٌ يُجْعَلُ ذَلِكَ عَلَى بَيْتِ الْمَالِ ؛ لِأَنَّ الْغُنْمَ بِمُقَابَلَةِ الْغُرْمِ وَإِنْ لَمْ يَشْهَدْ شُهُودُ الْمُدَّعِي بِالتَّدْبِيرِ لَمْ يَكُنْ لَهُ عَلَى الْجَارِيَةِ سَبِيلٌ ؛ لِأَنَّ الْمُشْرِكِينَ مَلَكُوهَا بِالْإِحْرَازِ وَقَدْ مَلَكَهَا مَنْ وَقَعَتْ فِي سَهْمِهِ ثُمَّ تَسْلِيمُهَا بِالْقِيمَةِ إلَى الْمُدَّعِي بِمَنْزِلَةِ الْبَيْعِ الْمُبْتَدَإِ فَكَأَنَّهُ اشْتَرَاهَا وَاسْتَوْلَدَهَا ثُمَّ حَضَرَ الْمَأْسُورُ مِنْهُ وَفِي هَذَا لَا سَبِيلَ لَهُ عَلَيْهَا بِخِلَافِ الْمُدَبَّرَةِ فَإِنَّهَا لَا تُمْلَكُ بِالْإِحْرَازِ لِثُبُوتِ حَقِّ الْعِتْقِ لَهَا بِالتَّدْبِيرِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ وَإِلَيْهِ الْمَرْجِعُ وَالْمَآبُ .
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ كِتَابُ الْقِسْمَةِ .
( قَالَ الشَّيْخُ الْإِمَامُ الْأَجَلُّ الزَّاهِدُ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ وَفَخْرُ الْإِسْلَامِ أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي سَهْلٍ السَّرَخْسِيُّ : إمْلَاءُ الْقِسْمَةِ مِنْ الْحُقُوقِ اللَّازِمَةِ فِي الْمَحَلِّ الْمُحْتَمَلِ لَهَا عِنْدَ طَلَبِ بَعْضِ الشُّرَكَاءِ وَجَوَازُهَا بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ ) أَمَّا الْكِتَاب فَقَوْلُهُ تَعَالَى { وَنَبِّئْهُمْ أَنَّ الْمَاءَ قِسْمَةٌ بَيْنَهُمْ } وَالسُّنَّةُ مَا اُشْتُهِرَ مِنْ { قِسْمَةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْغَنَائِمَ بَيْنَ الصَّحَابَةِ رِضْوَانُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ } وَقِسْمَةِ الْمَوَارِيثِ وَغَيْرِ ذَلِكَ وَالنَّاسُ يُعَامَلُونَ مِنْ لَدُنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلَى يَوْمِنَا هَذَا وَإِنَّمَا تَجِبُ بَعْدَ طَلَبِ بَعْضِ الشُّرَكَاءِ ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْ الشَّرِيكَيْنِ قَبْلَ الْقِسْمَةِ مُنْتَفِعٌ بِنَصِيبِ صَاحِبِهِ فَالطَّالِبُ لِلْقِسْمَةِ يَسْأَلُ الْقَاضِيَ أَيْ يَخُصُّهُ بِالِانْتِفَاعِ بِنَصِيبِهِ وَيَمْنَعُ الْغَيْرَ مِنْ الِانْتِفَاعِ بِمِلْكِهِ فَيَجِبُ عَلَى الْقَاضِي إجَابَتُهُ إلَى ذَلِكَ .
وَفِي الْقِسْمَةِ شَيْئَانِ : الْمُعَادَلَةُ فِي الْمَنْفَعَةِ وَتَمْيِيزُ نَصِيبِ أَحَدِهِمَا مِنْ نَصِيبِ الْآخَرِ وَهِيَ تَتَنَوَّعُ نَوْعَيْنِ : أَحَدُهُمَا تَمْيِيزٌ مَحْضٌ وَهُوَ الْقِسْمَةُ فِي الْمَكِيلَاتِ وَالْمَوْزُونَاتِ ؛ وَلِهَذَا يَنْفَرِدُ بَعْضُ الشُّرَكَاءِ حَتَّى أَنَّ الْمَكِيلَ وَالْمَوْزُونَ مِنْ جِنْسٍ وَاحِدٍ إذَا كَانَ مُشْتَرَكًا بَيْنَ اثْنَيْنِ وَأَحَدُهُمَا غَائِبٌ كَانَ لِلْحَاضِرِ أَنْ يَتَنَاوَلَ مِنْ ذَلِكَ مِنْ مِقْدَارِ نَصِيبِهِ وَبَعْدَ مَا اقْتَسَمَا نَصِيبَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَيَّنَ مَا كَانَ مَمْلُوكًا لَهُ قَبْلَ الْقِسْمَةِ ؛ وَلِهَذَا يَبِيعُهُ مُرَابَحَةً عَلَى نِصْفِ الثَّمَنِ وَنَوْعٌ هُوَ تَمْيِيزٌ فِيهِ مَعْنَى الْمُبَادَلَةِ كَالْقِسْمَةِ فِيمَا يَتَفَاوَتُ مِنْ الثِّيَابِ وَالْحَيَوَانَاتِ فَإِنَّمَا يَتَمَيَّزُ عِنْدَ اتِّحَادِ الْجِنْسِ وَتَقَارُبِ الْمَنْفَعَةِ ؛ وَلِهَذَا يُجْبَرُ الْقَاضِي عَلَيْهَا عِنْدَ طَلَبِ بَعْضِ الشُّرَكَاءِ وَفِيهَا مَعْنَى الْمُبَادَلَةِ عَلَى مَعْنَى أَنَّ مَا يُصِيبُ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِمَّا يَصِفُهُ كَانَ مَمْلُوكًا لَهُ وَنِصْفُهُ عِوَضٌ عَمَّا أَخَذَهُ صَاحِبُهُ مِنْ نَصِيبِهِ ؛ وَلِهَذَا لَا يَنْفَرِدُ بِهِ أَحَدُ الشَّرِيكَيْنِ وَلَا يَبِيعُ أَحَدُهُمَا نَصِيبَهُ مُرَابَحَةً إذَا عَرَفْنَا هَذَا فَنَقُولُ : بَدَأَ الْكِتَابُ بِحَدِيثِ يُسَيْرِ بْنِ يَسَارٍ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { أَنَّهُ قَسَّمَ جِبْرِيلُ عَلَى سِتَّةٍ وَثَلَاثِينَ سَهْمًا جَمَعَ ثَمَانِيَة عَشَرَ لِلْمُسْلِمِينَ ، وَسَهْمُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَعَهُمْ وَثَمَانِيَةَ عَشَرَ سَهْمًا فِيهَا أَرْزَاقُ أَزْوَاجِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَنَوَائِبُهُ } وَاعْلَمْ أَنَّ خَيْبَرَ كَانَتْ سِتَّةَ حُصُونٍ الشَّقَّ وَالنَّطَاةَ وَالْكَيْبَةَ وَالسَّلَالِمَ وَالْغُمُوضَ وَالْوَطِيحَةَ إلَّا أَنَّ الْأَمْوَالَ وَالْمَزَارِعَ كَانَتْ فِي ثَلَاثَةِ حُصُونٍ مِنْهَا : النَّسَقِ وَالنَّطَاةِ وَالْكَيْبَةِ وَقَدْ افْتَتَحَ بَعْضَ الْحُصُونِ مِنْهَا عَنْوَةً وَقَهْرًا وَبَعْضَهَا صُلْحًا عَلَى مَا رُوِيَ أَنَّ { كِنَانَةَ بْنَ أَبِي
الْحَقِيقِ مَعَ قَوْمِهِ صَالَحَ عَلَى النُّزُولِ ، وَذَلِكَ مَعْرُوفٌ فِي الْمَغَازِي فَمَا افْتَتَحَ مِنْهَا كَانَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَالِصًا ؛ فَإِنَّهُمْ إنَّمَا خَرَجُوا ؛ لِمَا وَقَعَ فِي قُلُوبِهِمْ مِنْ الرُّعْبِ } وَقَدْ خَصَّ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى رَسُولَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالنُّصْرَةِ بِإِلْقَاءِ الرُّعْبِ فِي قُلُوبِ أَعْدَائِهِ { قَالَ : صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نُصِرْتُ بِالرُّعْبِ مَسِيرَةَ شَهْرٍ } وَإِلَى ذَلِكَ أَشَارَ اللَّهُ تَعَالَى فِي قَوْلِهِ { : وَمَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْهُمْ } .
إلَى قَوْلِهِ { : وَلَكِنَّ اللَّهَ يُسَلِّطُ رُسُلَهُ عَلَى مَنْ يَشَاءُ : } { فَجَمَعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تِلْكَ الْحِصَّةَ مَعَ الْخُمْسِ فِي الشَّطْرِ وَقَسَّمَ الشَّطْرَ بَيْنَ الْغَانِمِينَ } وَقَدْ فَسَّرَ ذَلِكَ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ وَالْكَلْبِيُّ عَلَى مَا ذُكِرَ بَعْدَ هَذَا عَنْهُمَا { أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَسَّمَ خَيْبَرَ عَلَى ثَمَانِيَةَ عَشَرَ سَهْمًا جَمِيعًا وَكَانَتْ الرِّجَالُ أَلْفًا وَأَرْبَعَمِائَةٍ وَالْخَيْلُ مِائَتَيْ فَرَسٍ ، وَكَانَ عَلَى كُلِّ مِائَةٍ رَجُلٌ ، فَكَانَ عَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَلَى مِائَةٍ وَكَانَ عُبَيْدُ السُّهَا عَلَى مِائَةٍ وَكَانَ عَاصِمُ بْنُ عَدِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَلَى مِائَةٍ وَكَانَ الْقَاسِمُ فِي النَّسَقِ وَالنَّطَاةِ وَكَانَتْ النَّسَقُ الثَّلَاثَةَ عَشَرَ سَهْمًا وَالنَّطَاةُ خَمْسَةَ أَسْهُمٍ وَكَانَتْ الْكَتِيبَةُ فِيهَا خُمْسُ اللَّهِ وَطَعَامُ أَزْوَاجِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعَطَايَاهُ وَكَانَ أَوَّلُ سَهْمٍ خَرَجَ مِنْ النَّسَقِ سَهْمَ عَاصِمٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَفِيهِ سَهْمُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ } .
الْحَدِيثُ إلَى آخِرِهِ .
فَهَذَا الْحَدِيثُ يُبَيِّنُ مَعْنَى الْحَدِيثِ الْأَوَّلِ فَفِي الْحَدِيثِ الْأَوَّلِ ذَكَرَ الشَّطْرَيْنِ وَأَنَّ أَصْلَ الْقِسْمَةِ كَانَتْ عَلَى سِتَّةٍ وَثَلَاثِينَ سَهْمًا وَفِي الْحَدِيثِ الْآخَرِ ذَكَرَ مِقْدَارَ مَا قَسَّمَ بَيْنَ الْغَانِمِينَ
أَنَّهُ قَسَّمَ عَلَى ثَمَانِيَةَ عَشَرَ سَهْمًا وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ لِلْإِمَامِ فِي الْمَغَانِمِ قِسْمَيْنِ عَلَى الْعُرَفَاءِ وَأَصْحَابِ الرَّايَاتِ وَقِسْمَةً أُخْرَى عَلَى الرُّءُوسِ الَّذِينَ هُمْ تَحْتَ كُلِّ رَايَةٍ وَإِنَّمَا يَفْعَلُ ذَلِكَ ؛ لِأَنَّ اعْتِبَارَ الْمُعَادَلَةِ بِهَذَا الطَّرِيقِ أَيْسَرُ ؛ فَإِنَّهُ لَوْ قَسَّمَ ابْتِدَاءً عَلَى الرُّءُوسِ رُبَّمَا يَتَعَذَّرُ عَلَيْهِ اعْتِبَارُ الْمُعَادَلَةِ ، ثُمَّ { لَمْ يَجْعَلْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِاسْمِ نَفْسِهِ سَهْمًا وَلَكِنْ كَانَ سَهْمُهُ مَعَ سَهْمِ ابْنِ عَاصِمِ بْنِ عَدِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ } فَقِيلَ إنَّهُ تَوَاضَعَ بِذَلِكَ وَقِيلَ إنَّمَا فَعَلَ ذَلِكَ ؛ لِأَنَّهُ مَا كَانَ يُسَاوِي اسْمَهُ اسْمٌ فِي الْمُزَاحَمَةِ عِنْدَ خُرُوجِ الْقُرْعَةِ ؛ وَلِهَذَا خَرَجَ سَهْمُ عَاصِمِ بْنِ عَدِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَوَّلًا ؛ لِأَنَّ فِيهِ سَهْمَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهَذَا أَوْلَى مِمَّا يَقُولُهُ بَعْضُ مَشَايِخِنَا إنَّ الْعَرَافَةَ مَذْمُومَةٌ فِي الْجُمْلَةِ فَيُتَحَرَّزُ مِنْ ذَلِكَ فَإِنَّ فِي الْجِهَادِ وَقِسْمَةِ الْغَنَائِمِ الْعَرَافَةَ غَيْرَ مَذْمُومَةٍ .
( أَلَا تَرَى ) أَنَّهُ اخْتَارَ لِذَلِكَ الْكِبَارَ مِنْ الصَّحَابَةِ كَعَلِيٍّ وَطَلْحَةَ وَالزُّبَيْرِ وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ ، ثُمَّ بِظَاهِرِ الْحَدِيثِ اسْتَدَلَّ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ فِي أَنَّ سَهْمَ الْفَرَسِ ضِعْفُ سَهْمِ الرَّجُلِ ؛ لِأَنَّهُ قَالَ : وَكَانَتْ الرِّجَالُ أَلْفًا وَأَرْبَعَمِائَةٍ وَالْخَيْلُ أَرْبَعَمِائَةِ فَرَسٍ فَعَرَفْنَا أَنَّهُ كَانَ لِكُلِّ مِائَةٍ مِنْ الرِّجَالِ سَهْمٌ وَعَرَفْنَا أَنَّهُ كَانَ لِكُلِّ مِائَةٍ مِنْ الرِّجَالِ سَهْمٌ وَلِكُلِّ مِائَةٍ مِنْ الْخَيْلِ سَهْمَانِ وَلَكِنْ أَبُو حَنِيفَةَ يَقُولُ : الْمُرَادُ بِالرِّجَالِ الرَّجَّالَةُ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى { : يَأْتُوك رِجَالًا وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ } .
وَالْمُرَادُ بِالْخَيْلِ الْفُرْسَانُ يُقَالُ : غَارَتْ الْخَيْلُ قَالَ اللَّهُ { : وَأَجْلِبْ عَلَيْهِمْ بِخَيْلِك وَرَجْلِكَ } .
أَيْ بِفُرْسَانِك وَرَجَّالَتِك
فَهَذَا يَتَبَيَّنُ أَنَّ الرِّجَالَ كَانُوا أَلْفًا وَسِتَّمِائَةٍ وَأَنَّهُ أَعْطَى الْفَارِسَ سَهْمَيْنِ وَالرَّاجِلَ سَهْمًا .
وَفِيهِ دَلِيلٌ أَنَّهُ لَا بَأْسَ بِاسْتِعْمَالِ الْقُرْعَةِ فِي الْقِسْمَةِ فَقَدْ { اسْتَعْمَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَلِكَ فِي قِسْمَةِ الْغَنِيمَةِ مَعَ نَهْيِهِ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ عَنْ الْقِمَارِ } فَدَلَّ أَنَّ اسْتِعْمَالَهُ لَيْسَ مِنْ الْقِمَارِ وَذُكِرَ عَنْ مَسْرُوقٍ رَحِمَهُ اللَّهُ أَنَّهُ لَمْ يَأْخُذْ عَنْ الْقَضَاءِ رِزْقًا فَفِيهِ دَلِيلُ أَنَّهُ مَنْ اُبْتُلِيَ بِالْقَضَاءِ وَكَانَ صَاحِبَ يَسَارٍ فَالْأَوْلَى لَهُ أَنْ يَحْتَسِبَ وَلَا يَأْخُذَ كِفَايَتَهُ مِنْ مَالِ بَيْتِ الْمَالِ ، وَإِنْ كَانَ لَوْ أَخَذَ جَازَ لَهُ وَبَيَانُهُ بِمَا رُوِيَ عَنْ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِيهِ قَالَ : مَا أُحِبُّ أَنْ يَأْخُذَ قَاضِي الْمُسْلِمِينَ أَجْرًا وَلَا الَّذِي عَلَى الْغَنَائِمِ وَلَا الَّذِي عَلَى الْمَقَاسِمِ وَلَمْ يُرِدْ بِهِ حَقِيقَةَ الْأَجْرِ فَالِاسْتِئْجَارُ عَلَى الْقَضَاءِ لَا يَجُوزُ وَلَا يَسْتَوْجِبُ الْأَجْرَ عَلَى الْقَضَاءِ ، وَإِنْ شُرِطَ وَلَكِنَّ مُرَادَهُ الْكَفَالَةُ الَّتِي يَأْخُذُهَا الْقَاضِي مِنْ بَيْتِ الْمَالِ فَالْمُسْتَحَبُّ لَهُ عِنْدَ الِاسْتِغْنَاءِ أَنْ لَا يَأْخُذَ ذَلِكَ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى { وَمَنْ كَانَ غَنِيًّا فَلْيَسْتَعْفِفْ } وَقَدْ بَيَّنَّا الْكَلَامَ فِي هَذَا الْفَصْلِ فِيمَا أَمْلَيْنَاهُ مِنْ شَرْحِ أَدَبِ الْقَاضِي وَاَلَّذِي عَلَى الْغَنَائِمِ يَحْفَظُهَا وَاَلَّذِي عَلَى الْمَقَاسِم مَنْ وُجِدَ كَالْقَاضِي ؛ لِأَنَّهُ عَامِلٌ لِلْمُسْلِمِينَ وَلَكِنَّهُ لَيْسَ بِمَنْزِلَةِ الْقَاضِي فِي الْحُكْمِ حَتَّى يَجُوزَ اسْتِئْجَارُهُ عَلَى ذَلِكَ إنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ فِيهِ نَصِيبٌ وَتَأْوِيلُ الْحَدِيثِ إذَا كَانَ لَهُ نَصِيبٌ فِي ذَلِكَ فَاسْتِئْجَارُ أَحَدِ الشُّرَكَاءِ عَلَى الْعَمَلِ فِي الْمَالِ الْمُشْتَرَكِ لَا يَجُوزُ كَمَا لَا يَجُوزُ اسْتِئْجَارُ الْقَاضِي عَلَى الْقَضَاءِ ذُكِرَ عَنْ يَحْيَى بْنِ جَزَّارٍ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ يَحْيَى كَانَ يَقْسِمُ لِعَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْهُ الدُّورَ وَالْأَرْضِينَ وَيَأْخُذُ عَلَى ذَلِكَ الْأَجْرَ وَقَدْ بَيَّنَّا فَوَائِدَ هَذَا الْحَدِيثِ فِي أَدَبِ الْقَاضِي وَجَوَازُ الِاسْتِئْجَارِ لِعَمَلِ
الْقِسْمَةِ بِخِلَافِ عَمَلِ الْقَضَاءِ وَعَنْ عَامِرٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعَثَ عَلِيًّا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ إلَى الْيَمَنِ فَأَتَى بِرِكَازٍ مِنْهُ فَأَخَذَ مِنْهُ الْخُمْسَ وَتَرَكَ أَرْبَعَةَ أَخْمَاسِهِ لِلْوَاجِدِ وَأَتَاهُ ثَلَاثَةٌ يَدَّعُونَ غُلَامًا كُلُّ وَاحِدٍ يَقُولُ : ابْنِي فَأَقْرَعَ بَيْنَهُمْ وَقَضَى بِالْغُلَامِ لِلَّذِي خَرَجَتْ قُرْعَتُهُ وَجَعَلَ عَلَيْهِ الدِّيَةَ لِصَاحِبَيْهِ قَالَ الرَّاوِي فَقُلْت لِعَامِرٍ : هَلْ رُفِعَ عَنْهُ بِحِصَّتِهِ ؟ قَالَ : لَا أَدْرِي ، أَمَّا حُكْمُ الْخُمْسِ فِي الرِّكَازِ فَقَدْ بَيَّنَّاهُ فِي كِتَابِ الزَّكَاةِ وَأَمَّا حُكْمُ الْقُرْعَةِ فَالشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ يَسْتَدِلُّ بِظَاهِرِ هَذَا الْحَدِيثِ فِي الْمُصِرِّ عَلَى الْقُرْعَةِ فِي دَعْوَى النَّسَبِ عِنْدَ الِاشْتِبَاهِ وَلَسْنَا نَأْخُذُ بِذَلِكَ أَنَّ فِعْلَهُ هَذَا كَانَ بَعْدَ حُرْمَةِ الْقِمَارِ أَمْ قَبْلَهُ ، وَأَنَّهُ عَرَضَ ذَلِكَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَرَضِيَ بِهِ أَوْ لَمْ يَرْضَ عَلَيْهِ ، ثُمَّ لَعَلَّ الْقَضَاءَ لَهُ بِحُجَّةٍ أَقَامَهَا وَكَانَ اسْتِعْمَالُهُ الْقُرْعَةَ لِيُطَيِّبَ الْقُلُوبَ وَإِنَّمَا رَجَّحَهُ فِي الْقَضَاءِ لِتَرْجِيحٍ فِي حُجَّتِهِ مِنْ يَدٍ أَوْ غَيْرِهِ وَقَوْلُهُ : فَقَضَى لِلَّذِي خَرَجَتْ قُرْعَتُهُ مَذْكُورٌ عَلَى سَبِيلِ التَّعْرِيفِ لَا لِأَنَّ الِاسْتِحْقَاقَ كَانَ بِالْقُرْعَةِ كَمَا يُقَالُ قَضَى الْقَاضِي لِصَاحِبِ الطَّيْلَسَانِ وَمَا ذُكِرَ فِي آخِرِهِ مِنْ أَنَّهُ جَعَلَ عَلَيْهِ الدِّيَةَ لِصَاحِبَيْهِ مُشْكِلٌ لَا يَتَّضِحُ فَالْحَيُّ الْحُرُّ لَا يَتَقَوَّمُ بِالدِّيَةِ ، وَإِنْ كَانَ هَذَا الْغُلَامُ مَمْلُوكًا لَهُمْ أَوْ مِنْ جَارِيَةٍ مُشْتَرَكَةٍ بَيْنَهُمْ فَإِقْرَارُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ أَنَّهُ ابْنُهُ يُوجِبُ حُرِّيَّةَ نَصِيبِهِ وَيَسْقُطُ حَقُّهُ فِي التَّضْمِينِ ، وَكَذَلِكَ مَا أَشْكَلَ عَلَى السَّائِلِ حَيْثُ قَالَ : هَلْ رَفَعَ عَنْهُ بِحِصَّتِهِ فَإِنَّ الدِّيَةَ اسْمٌ يَجْمَعُ بَدَلَ النَّفْسِ وَقَدْ كَانَ فِي ذَلِكَ حِصَّةُ الَّذِي قَرَعَ فَلَا بُدَّ مِنْ أَنْ يَرْفَعَ عَنْهُ بِحِصَّتِهِ فِي
الْمَوْضِعِ الَّذِي يَجِبُ كَأَحَدِ الشُّرَكَاءِ فِي الْعَبْدِ إذَا قَبِلَهُ إلَّا أَنَّ عَامِرًا لَمْ يُحَارَفْ أَلَمْ يَرُدَّ مَا سَمِعَ ؟ فَقَالَ : لَا أَدْرِي فَكَأَنَّهُ لَمْ يَتَكَلَّفْ لِذَلِكَ لِعِلْمِهِ إنَّ هَذَا لَيْسَ بِحُكْمٍ مَأْخُوذٍ بِهِ فَبِهَذَا يَتَبَيَّنُ ضَعْفُ هَذَا الْحَدِيثِ فِي اسْتِعْمَالِ الْقُرْعَةِ فِي النَّسَبِ وَعَنْ إسْمَاعِيلَ بْنِ إبْرَاهِيمَ قَالَ : خَاصَمْت أَخِي إلَى الشَّعْبِيِّ فِي دَارٍ صَغِيرَةٍ أُرِيدُ قِسْمَتَهَا وَيَأْبَى ذَلِكَ فَقَالَ الشَّعْبِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ لَوْ كَانَتْ مِثْلَ هَذِهِ فَخَطَّ بِيَدِهِ مِقْدَارَ آجُرَّةٍ قَسَمْتُهَا بَيْنَكُمْ فَقَالَ : وَخَطَّهَا عَلَى أَرْبَعِ قِطَعٍ وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْقَاضِيَ يُقَسِّم الْمُشْتَرَكَ عِنْدَ طَلَبِ بَعْضِ الشُّرَكَاءِ ، وَإِنْ أَبَى ذَلِكَ بَعْضُهُمْ ؛ لِأَنَّ الَّذِي طَلَبَ الْقِسْمَةَ مُتَظَلِّمٌ مِنْ صَاحِبِهِ أَنَّهُ يَشْفَعُ بِمِلْكِهِ وَلَا يُنْصِفُهُ فِي الِانْتِفَاعِ وَاَلَّذِي يَتَعَنَّتُ وَإِنَّمَا يَبْنِي الْقَاضِي قَضَاءَهُ عَلَى الْتِمَاسِ الْمُتَظَلِّمِ الطَّالِبِ لِلْإِنْصَافِ دُونَ الْمُتَعَنِّتِ ؛ وَلِهَذَا لَا تَجِبُ الْقِسْمَةُ فِيمَا لَا يَحْتَمِلُهَا عِنْدَ طَلَبِ بَعْضِ الشُّرَكَاءِ ؛ لِأَنَّ الطَّالِبَ هُنَا مُتَعَنِّتٌ ؛ فَإِنَّهُ قَبْلَ الْقِسْمَةِ يَنْتَفِعُ بِنَصِيبِهِ وَبِالْقِسْمَةِ تَنْقَطِعُ عَنْهُ الْمَنْفَعَةُ وَأَمَّا قَوْلُ الشَّعْبِيِّ فِي مِقْدَارِ آجَرَّةٍ خَطَّهَا عَلَى الْأَرْضِ قَسَمْتهَا بَيْنَكُمْ عَلَى وَجْهِ التَّمْثِيلِ دُونَ التَّحْقِيقِ لِلْمُبَالَغَةِ فِي دَارِ الَّذِي يَأْتِي الْقِسْمَةَ مِنْهُمَا فِيمَا يَحْتَمِلُ ؛ لِأَنَّ مِقْدَارَ الْآجُرَّةِ يَحْتَمِلُ الْقِسْمَةَ وَهُوَ نَظِيرُ قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { : مَنْ بَنَى مَسْجِدًا لِلَّهِ كَمَفْحَصِ قَطَاةٍ بَنَى اللَّهُ لَهُ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ } وَالْمَسْجِدُ لَا يَكُونُ كَمَفْحَصِ الْقَطَاةِ وَإِنَّمَا قَالَ : ذَلِكَ لِلْمُبَالَغَةِ فِي بَيَانِ الْمِثْلِ ، وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ .
أُجْرَةُ الْقَسَّامِ إذَا اسْتَأْجَرَهُ الشُّرَكَاءُ لِلْقِسْمَةِ بَيْنَهُمْ عَلَى عَدَدِ الرُّءُوسِ لَا عَلَى مِقْدَارِ الْأَنْصِبَاءِ ، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ وَالشَّافِعِيُّ رَحِمَهُمُ اللَّهُ عَلَى مِقْدَارِ الْأَنْصِبَاءِ وَيَسْتَوِي فِي ذَلِكَ قَاسِمُ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ وَجْهُ قَوْلِهِمْ أَنَّ هَذِهِ مُؤْنَةٌ تَلْحَقُ الشُّرَكَاءَ بِسَبَبِ الْمِلْكِ فَيَكُونُ بَيْنَهُمْ عَلَى وَجْهِ النَّفَقَةِ عَلَى قَدْرِ الْمِلْكِ كَالنَّفَقَةِ وَأُجْرَةِ الْكَيَّالِ وَالْوَزَّانِ إنْ اسْتَأْجَرُوهُ لِيَفْعَلَ ذَلِكَ فِيمَا هُوَ مُشْتَرَكٌ بَيْنَهُمْ وَهَذَا ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ هُنَا بِالْقِسْمَةِ أَنْ يَتَوَصَّلَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ إلَى الِانْتِفَاعِ بِنَصِيبِهِ وَمَنْفَعَةُ نَصِيبِ صَاحِبِ الْكَبِيرِ أَكْبَرُ مِنْ مَنْفَعَةِ نَصِيبِ صَاحِبِ الْقَلِيلِ أَوْ لِأَنَّ الْغُرْمَ مُقَابَلٌ بِالْغُنْمِ ، ثُمَّ الْغُنْمُ بَيْنَ الشُّرَكَاءِ عَلَى قَدْرِ الْمِلْكِ يَعْنِي الثِّمَارَ وَالْأَوْلَادَ ، فَكَذَلِكَ الْغُرْمُ عَلَيْهِمْ بِقَدْرِ الْمِلْكِ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ عَمَلَهُ لَهُمْ سَوَاءٌ وَإِنَّمَا يَسْتَحِقُّ الْأَجْرَ بِذَلِكَ فَيَكُونُ الْأَجْرُ عَلَيْهِمْ بِالتَّسْوِيَةِ كَمَا إذَا اسْتَوَتْ الْأَنْصِبَاءُ وَبَيَانُ الْوَصْفِ أَنَّ الْقَسَّامَ لَا يَسْتَحِقُّ الْأَجْرَ بِالْمِسَاحَةِ وَمَدِّ الْأَطْنَابِ وَالْمَشْيِ عَلَى الْحُدُودِ ؛ فَإِنَّهُ لَوْ اسْتَعَانَ فِي ذَلِكَ بِأَرْبَابِ الْمِلْكِ اسْتَوْجَبَ كَمَالَ الْأَجْرِ إذَا قَسَّمَ بِنَفْسِهِ فَعَرَفْنَا أَنَّهُ لَا يَسْتَوْجِبُ الْأَجْرَ بِالْقِسْمَةِ وَهِيَ تَمْيِيزُ نَصِيبِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ وَلَا تَفَاوُتَ بَيْنَهُمْ فِي ذَلِكَ فَكَمَا يَتَمَيَّزُ نَصِيبُ صَاحِبِ الْكَبِيرِ بِعَمَلِهِ عَنْ نَصِيبِ صَاحِبِ الْقَلِيلِ يَتَمَيَّزُ نَصِيبُ صَاحِبِ الْقَلِيلِ عَنْ نَصِيبِ صَاحِبِ الْكَبِيرِ وَرُبَّمَا يَكُونُ عَمَلُهُ فِي نَصِيبِ صَاحِبِ الْقَلِيلِ أَكْبَرَ وَالْحِسَابُ لَا يَدِقُّ إذَا اسْتَوَتْ الْأَنْصِبَاءُ وَإِنَّمَا يَدِقُّ عِنْدَ تَفَاوُتِ الْأَنْصِبَاءِ وَتَزْدَادُ دِقَّتُهُ بِقِلَّةِ بَعْضِ
الْأَنْصِبَاءِ فَلَعَلَّ تَمْيِيزَ نَصِيبِ صَاحِبِ الْقَلِيلِ أَسْوَأُ مِنْ تَمْيِيزِ نَصِيبِ الْكَبِيرِ وَلَكِنْ لَا يُعْتَبَرُ ذَلِكَ ؛ لِأَنَّ التَّمْيِيزَ حَصَلَ بِعَمَلٍ وَاحِدٍ وَهُمَا فِي ذَلِكَ الْعَمَلِ سَوَاءٌ بِخِلَافِ الزَّوَائِدِ فَإِنَّهَا تَتَوَلَّدُ مِنْ الْمِلْكِ فَإِنَّمَا تَتَوَلَّدُ بِقَدْرِ الْمِلْكِ وَبِخِلَافِ النَّفَقَةِ فَإِنَّهَا لِإِبْقَاءِ الْمِلْكِ وَحَاجَةُ الْكَبِيرِ إلَى ذَلِكَ أَكْثَرُ مِنْ حَاجَةِ صَاحِبِ الْقَلِيلِ وَلَا مَعْنَى لِمَا قَالَ : إنَّ مَنْفَعَةَ صَاحِبِ الْكَثِيرِ هُنَا أَكْثَرُ ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ لِكَثْرَةِ نَصِيبِهِ لَا لِلْعَمَلِ الَّذِي اسْتَوْجَبَ الْأَجْرَ بِهِ فَأَمَّا أَجْرُ الْكَيَّالِ وَالْوَزَّانِ فَقَدْ قَالَ بَعْضُ مَشَايِخِنَا هُوَ عَلَى الْخِلَافِ فَإِنَّ الْمَكِيلَ وَالْمَوْزُونَ يُقْسَمُ بِذَلِكَ وَالْكَيَّالُ وَالْوَزَّانُ بِمَنْزِلَةِ الْقَسَّامِ وَالْأَصَحُّ أَنَّ أَبَا حَنِيفَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يُفَرِّقُ بَيْنَهُمَا فَنَقُولُ هُنَا : إنَّمَا لَا يَسْتَوْجِبُ الْأَجْرَ بِعَمَلِهِ فِي الْكَيْلِ وَالْوَزْنِ ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ اسْتَعَانَ فِي ذَلِكَ بِالشُّرَكَاءِ لَمْ يَسْتَوْجِبْ الْأَجْرَ وَعَمَلُهُ فِي ذَلِكَ بِالشُّرَكَاءِ لَمْ يَسْتَوْجِبْ الْأَجْرَ وَعَمَلُهُ فِي ذَلِكَ لِصَاحِبِ الْكَثِيرِ أَكْثَرُ فَكُلُّ عَاقِلٍ يَعْرِفُ أَنَّ كَيْلَ مِائَةِ قَفِيزٍ يَكُونُ أَكْثَرَ مِنْ كَيْلِ عَشَرَةِ أَقْفِزَةٍ ؛ فَلِهَذَا كَانَتْ الْأُجْرَةُ عَلَيْهِمَا بِقَدْرِ الْمِلْكِ بِخِلَافِ الْقَسَّامِ فَذَكَرَ أَنَّ الْأَوْلَى أَنْ يَجْعَلَ لِقَاسِمِ الْأَرْضِينَ رِزْقًا مِنْ بَيْتِ الْمَالِ حَتَّى لَا يَأْخُذَ مِنْ النَّاسِ شَيْئًا ، وَإِنْ لَمْ يَجْعَلْ رِزْقًا لَهُ فَقَسَمَ بِالْأَجْرِ فَهُوَ جَائِزٌ ؛ لِأَنَّ الْقِسْمَةَ لَيْسَتْ كَعَمَلِ الْقَضَاءِ فَالْقَضَاءُ فَرْضٌ هُوَ عِبَادَةٌ وَالْقَاضِي فِي ذَلِكَ نَائِبٌ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْقِسْمَةُ لَيْسَتْ مِنْ ذَلِكَ فِي شَيْءٍ وَلَكِنَّهَا تَتَّصِلُ بِالْقَضَاءِ ؛ لِأَنَّ تَمَامَ انْقِطَاعِ الْمُنَازَعَةِ يَكُونُ بِالْقِسْمَةِ فَمِنْ هَذَا الْوَجْهِ الْقَسَّامُ نَائِبٌ عَنْ الْقَاضِي فَالْأَوْلَى أَنْ يَجْعَلَ
كِفَايَتَهُ فِي مَالِ بَيْتِ الْمَالِ وَمِنْ حَيْثُ إنَّ عَمَلَهُ لَيْسَ مِنْ الْقَضَاءِ فِي شَيْءٍ يَجُوزُ لَهُ أَخْذُ الْأَجْرِ عَلَى ذَلِكَ وَالْقَسَّامُ بِمَنْزِلَةِ الْكَاتِبِ لِلْقَاضِي فِي ذَلِكَ وَقَدْ قَرَّرْنَا هَذَا فِي أَدَبِ الْقَاضِي ، وَكَذَلِكَ مَا ذُكِرَ بَعْدَهُ مِنْ حَدِيثِ شُرَيْحٍ رَحِمَهُ اللَّهُ : وَمَالِي لَا أَرْتَزِقُ أَسْتَوْفِي مِنْهُمْ وَأُوفِيهِمْ أَصْبِرُ لَهُمْ نَفْسِي فِي الْمَجْلِسِ وَأَعْدِلُ بَيْنَهُمْ فِي الْقَضَاءِ ، فَقَدْ بَيَّنَّا أَنَّ شُرَيْحًا رَحِمَهُ اللَّهُ كَانَ يَأْخُذُ كِفَايَتَهُ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ عَلَى مَا رُوِيَ أَنَّ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ كَانَ يَرْزُقُهُ مِائَةَ دِرْهَمٍ عَلَى الْقَضَاءِ فَزَادَهُ عَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، وَذَلِكَ لِكَثْرَةِ عِيَالِهِ حَتَّى جَعَلَ لَهُ فِي كُلِّ شَهْرٍ خَمْسَمِائَةِ دِرْهَمٍ وَلَعَلَّ عَاتَبَهُ بَعْضُ أَصْدِقَائِهِ عَلَى أَخْذِ الْأَجْرِ ، وَقَالَ لَهُ احْتَسِبْ فَقَالَ شُرَيْحٌ فِي جَوَابِهِ مَا قَالَ وَمُرَادُهُ إنِّي فَرَّغْت نَفْسِي عَنْ أَشْغَالِي لِعَمَلِ الْمُسْلِمِينَ فَآخُذُ كِفَايَتِي مِنْ مَالِ الْمُسْلِمِينَ وَكَأَنَّهُ بِهَذَا الْكَلَامِ أَشَارَ إلَى الِاسْتِدْلَالِ بِمَا جَعَلَ اللَّهُ تَعَالَى مِنْ النَّصِيبِ فِي الصَّدَقَاتِ لِلْعَامِلِينَ عَلَيْهَا ؛ فَإِنَّهُمْ لَمَّا فَرَّغُوا أَنْفُسَهُمْ لِعَمَلِ الْفُقَرَاءِ اسْتَحَقُّوا الْكِفَايَةَ فِي مَالِ الْفُقَرَاءِ وَذَكَرَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ وَالْكَلْبِيِّ { أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إذَا سَافَرَ أَقْرَعَ بَيْنَ نِسَائِهِ } قَالَتْ عَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا فَأَصَابَتْنِي الْقُرْعَةُ فِي السَّفَرَةِ الَّتِي أَصَابَنِي فِيهَا مَا أَصَابَنِي تُرِيدُ بِهِ حَدِيثَ الْإِفْكِ وَاعْلَمْ بِأَنَّ الْمَرْأَةَ لَا حَقَّ لَهَا فِي الْقَسْمِ عِنْدَ سَفَرِ الزَّوْجِ فَكَانَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ لَا يُسَافِرَ بِوَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ وَأَنْ يُسَافِرَ بِمَنْ شَاءَ مِنْهُنَّ مِنْ غَيْرِ قُرْعَةٍ وَلَكِنَّهُ { كَانَ يُقْرِعُ بَيْنَهُنَّ تَطْبِيبًا لِقُلُوبِهِنَّ } فَاسْتِعْمَالُ الْقُرْعَةِ فِي مِثْلِ هَذَا الْمَوْضِعِ جَائِزٌ
عِنْدَ الْعُلَمَاءِ أَجْمَعَ رَحِمَهُمُ اللَّهُ .
وَبِهَذَا الْحَدِيثِ قُلْنَا : إذَا تَزَوَّجَ أَرْبَعَ نِسْوَةٍ فَلَهُ أَنْ يُقْرِعَ بَيْنَهُنَّ لِإِبْدَائِهِ بِالْقَسْمِ ؛ لِأَنَّ لَهُ أَنْ يَبْدَأَ بِمَنْ شَاءَ مِنْهُنَّ فَيُقْرِعُ بَيْنَهُنَّ تَطْيِيبًا لِقُلُوبِهِنَّ وَنَفْيًا لِتُهْمَةِ الْمَيْلِ عَنْ نَفْسِهِ وَإِنَّمَا أَوْرَدَ الْحَدِيثَ لِلْحُكْمِ الْمَذْكُورِ بَعْدَهُ أَنَّهُ لَا بَأْسَ لِلْقَسَّامِ أَنْ يَسْتَعْجِلَ الْقُرْعَةَ فِي الْقِسْمَةِ بَيْنَ الشُّرَكَاءِ قَاسِمُ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ فِي ذَلِكَ سَوَاءٌ وَهُوَ اسْتِحْسَانٌ وَفِي الْقِيَاسِ هَذَا لَا يَسْتَقِيمُ ؛ لِأَنَّهُ فِي مَعْنَى الْقِمَارِ ؛ فَإِنَّهُ تَعْلِيقُ الِاسْتِحْقَاقِ بِخُرُوجِ الْقُرْعَةِ وَالْقِمَارُ حَرَامٌ ؛ وَلِهَذَا لَمْ يُجَوِّزْ عُلَمَاؤُنَا اسْتِعْمَالَ الْقُرْعَةِ فِي دَعْوَى النَّسَبِ وَدَعْوَى الْمِلْكِ وَتَعْيِينِ الْعِتْقِ ، ثُمَّ هَذَا فِي مَعْنَى الِاسْتِقْسَامِ بِالْأَزْلَامِ الَّذِي كَانَ بِعِبَادَةِ أَهْلِ الْجَاهِلِيَّةِ وَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ تَعَالَى ذَلِكَ وَنَصَّ عَلَى ذَلِكَ أَنَّهُ رِجْسٌ وَفِسْقٌ وَلَكِنَّا تَرَكْنَا بِالسُّنَّةِ وَالتَّعَامُلِ الظَّاهِرِ فِيهِ مِنْ لَدُنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلَى يَوْمِنَا هَذَا مِنْ غَيْرِ نَكِيرِ مُنْكِرٍ ، ثُمَّ هَذَا لَيْسَ فِي مَعْنَى الْقِمَارِ فَفِي الْقِمَارِ أَصْلُ الِاسْتِحْقَاقِ يَتَعَلَّقُ بِمَا يُسْتَعْمَلُ فِيهِ وَفِي هَذَا الْمَوْضِعِ أَصْلُ الِاسْتِحْقَاقِ بِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ لَا يَتَعَلَّقُ بِخُرُوجِ الْقُرْعَةِ ، ثُمَّ الْقَاسِمُ لَوْ قَالَ : عَدَلْت أَنَا فِي الْقِسْمَةِ فَخُذْ أَنْتَ هَذَا الْجَانِبَ وَأَنْتَ هَذَا الْجَانِب كَانَ مُسْتَقِيمًا إلَّا أَنَّهُ رُبَّمَا يُتَّهَمُ فِي ذَلِكَ فَيَسْتَعْمِلُ الْقُرْعَةَ لِتَطْبِيبِ قُلُوبِ الشُّرَكَاءِ وَنَفْيِ تُهْمَةِ الْمَيْلِ عَنْ نَفْسِهِ ، وَذَلِكَ جَائِزٌ ، أَلَا تَرَى أَنَّ يُونُسَ عَلَيْهِ السَّلَامُ فِي مِثْلِ هَذَا اسْتَعْمَلَ هَذِهِ الْقُرْعَةَ مَعَ أَصْحَابِ السَّفِينَةِ كَمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى { : فَسَاهَمَ فَكَانَ مِنْ الْمُدْحَضِينَ } .
وَهَذَا ؛ لِأَنَّهُ عَلِمَ أَنَّهُ هُوَ الْمَقْصُودُ وَلَكِنْ لَوْ أَلْقَى نَفْسَهُ فِي الْمَاءِ رُبَّمَا يُنْسَبُ
إلَى مَا لَا يَلِيقُ بِالْأَنْبِيَاءِ عَلَيْهِمْ السَّلَامُ فَاسْتَعْمَلَ الْقُرْعَةَ لِذَلِكَ وَكَذَلِكَ زَكَرِيَّا عَلَيْهِ السَّلَامُ اسْتَعْمَلَ الْقُرْعَةَ مَعَ الْأَحْبَارِ فِي ضَمِّ مَرْيَمَ عَلَيْهَا السَّلَامُ إلَى نَفْسِهِ وَقَدْ كَانَ عَلِمَ أَنَّهُ أَحَقُّ بِهَا مِنْهُمْ ؛ لِأَنَّ خَالَتَهَا كَانَتْ تَحْتَهُ وَلَكِنْ اسْتَعْمَلَ الْقُرْعَةَ تَطْبِيبًا لِقُلُوبِهِمْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى { إذْ يُلْقُونَ أَقْلَامَهُمْ أَيُّهُمْ يَكْفُلُ مَرْيَمَ } .
ثُمَّ إنْ كَانَ الْقَاضِي هُوَ الَّذِي يُقَسِّمُ بِالْقُرْعَةِ أَوْ نَائِبُهُ فَلَيْسَ لِبَعْضِ الشُّرَكَاءِ أَنْ يَأْتِيَ ذَلِكَ بَعْدَ خُرُوجِ بَعْضِ السِّهَامِ كَمَا لَا يَلْتَفِتُ إلَى إبَاءِ بَعْضِ الشُّرَكَاءِ قَبْلَ خُرُوجِ الْقُرْعَةِ ، وَإِنْ كَانَ الْقَاسِمُ يَقْسِمُ بَيْنَهُمْ بِالتَّرَاضِي فَرَجَعَ بَعْضُهُمْ بَعْدَ خُرُوجِ بَعْضِ السِّهَامِ كَانَ لَهُ ذَلِكَ إلَّا إذَا خَرَجَتْ السِّهَامُ كُلُّهَا إلَّا وَاحِدًا ؛ لِأَنَّ التَّمْيِيزَ هُنَا يَعْتَمِدُ التَّرَاضِيَ بَيْنَهُمْ فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ أَنْ يَرْجِعَ قَبْلَ أَنْ يُتِمَّ وَبِخُرُوجِ بَعْضِ السِّهَامِ لَا يَتِمُّ فَكَانَ هَذَا كَالرُّجُوعِ عَنْ الْإِيجَابِ قَبْلَ قَوْلِ الْمُشْتَرِي فَأَمَّا إذَا خَرَجَ جَمِيعُ السِّهَامِ إلَّا وَاحِدًا فَقَدْ تَمَّتْ الْقِسْمَةُ ؛ لِأَنَّ نَصِيبَ ذَلِكَ الْوَاحِدِ تَعَيَّنَ خَرَجَ أَوْ لَمْ يَخْرُجْ فَلَا يَمْلِكُ بَعْضُهُمْ الرُّجُوعَ بَعْدَ تَمَامِ الْقِسْمَةِ .
دَارٌ بَيْنَ وَرَثَةٍ اقْتَسَمُوهَا وَفَضَّلُوا بَعْضًا عَلَى بَعْضٍ بِفَضْلِ قِيمَةِ الْبِنَاءِ وَعَلَى بَعْضٍ بِفَضْلِ قِيمَةِ الْبِنَاءِ وَالْمَوْضِعِ فَهُوَ جَائِزٌ ؛ لِأَنَّهُ يُعْتَبَرُ فِي الْقِسْمَةِ الْمُعَادَلَةُ فِي الْمَالِيَّةِ وَالْمَنْفَعَةِ وَلَا يَتَأَتَّى ذَلِكَ فِي الْمُسَاوَاةِ فِي الزَّرْعِ وَالْبِنَاءُ يَكُونُ فِي جَانِبٍ دُونَ جَانِبٍ وَبَعْضُ الْعَرْصَةِ تَكُونُ أَفْضَلَ قِيمَةً مِنْ الْبَعْضِ وَأَكْثَرَ مَنْفَعَةً فَإِنَّ مُقَدِّمَ الدَّارِ يُرْغَبُ فِيهِ مَا لَا يُرْغَبُ فِي مُؤَخَّرِهِ وَفِي اعْتِبَارِ هَذِهِ الْمُعَادَلَةِ لَا بُدَّ مِنْ تَفْضِيلِ الْبَعْضِ عَلَى الْبَعْضِ فِي الْمِسَاحَةِ ، وَإِنْ اقْتَسَمُوا الْأَرْضَ مِسَاحَةً وَالْبِنَاءُ وَالْقِيمَةَ قِيمَةً بِقِيمَةِ عَدْلٍ فَهُوَ جَائِزٌ عِنْدَ التَّرَاضِي لَا يُشْكِلُ ، وَكَذَلِكَ إذَا قَضَى الْقَاضِي بِهِ ؛ لِأَنَّ الْمُعَادَلَةَ فِي الْأَرْضِ بِاعْتِبَارِ الْمِسَاحَةِ تَتَّسِرُ وَقَدْ يَتَعَذَّرُ ذَلِكَ فِي الْبِنَاءِ ؛ لِمَا بَيْنَ الْأَبْنِيَةِ مِنْ التَّفَاوُتِ الْعَظِيمِ فِي الْقِيمَةِ فَقِسْمَةُ الْبِنَاءِ بِالتَّقْوِيمِ تَكُونُ أَعْدَلَ وَإِذَا جَازَ قِسْمَةُ الْكُلِّ بِاعْتِبَارِ الْقِيمَةِ فَقِسْمَةُ الْبَعْضِ كَذَلِكَ ، وَإِنْ كَانَ الْبِنَاءُ حِينَ اقْتَسَمُوا الْأَرْضَ غَيْرَ مَعْرُوفِ الْقِسْمَةِ فَهَذَا فِي الْقِيَاسِ لَا يَكُونُ ؛ لِأَنَّ الْبِنَاءَ وَالْأَرْضَ تَتَنَاوَلُهُمَا قِسْمَةٌ وَاحِدَةٌ وَإِذَا لَمْ تُعْرَفْ قِيمَةُ الْبِنَاءِ فَقَدْ تَعَذَّرَ تَصْحِيحُ الْقِسْمَةِ فِي الْبِنَاءِ لِلْجَهَالَةِ فَلَا تَصِحُّ الْقِسْمَةُ فِي الْأَرْضِ أَيْضًا كَمَا هُوَ الْأَصْلُ فِي الْعَقْدِ الْوَاحِدِ إذَا فَسَدَ فِي بَعْضِ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ فَسَدَ فِي الْكُلِّ وَلَكِنَّا اسْتَحْسَنَّا وَجَوَّزْنَا هَذَا لِمَعْنَيَيْنِ ( أَحَدُهُمَا ) أَنَّهُمْ مَيَّزُوا الْبِنَاءَ عَنْ الْأَرْضِ فِي هَذِهِ الْقِسْمَةِ حِينَ خَالَفُوا بَيْنَهُمَا فِي طَرِيقِ الْقِسْمَةِ فَاعْتَبَرُوا فِي الْأَرْضِ الْمُعَادَلَةَ فِي الْمِسَاحَةِ وَفِي الْبِنَاءِ الْمُعَادَلَةَ فِي الْقِيمَةِ فَصَارَ بِمَنْزِلَةِ أَرْضَيْنِ يَقْسِمُ كُلَّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا قِسْمَةً عَلَى حِدَةٍ وَفِي ذَلِكَ تَصِحُّ
الْقِسْمَةُ فِي أَحَدَيْهِمَا قَبْلَ ظُهُورِ الْمِسَاحَةِ فِي الْأُخْرَى ، فَكَذَلِكَ هُنَا تَجُوزُ الْقِسْمَةُ فِي الْأَرْضِ قَبْلَ أَنْ يَظْهَرَ قِيمَةُ الْبِنَاءِ ( وَالثَّانِي ) أَنَّ حُكْمَ الْقِسْمَةِ فِي الْأَرْضِ لَا يَتِمُّ بِالْمِسَاحَةِ وَلَكِنْ يَتَوَقَّفُ تَمَامُ الْقِسْمَةِ فِيهَا عَلَى مَعْرِفَةِ قِيمَةِ الْبِنَاءِ وَقِسْمَتُهَا بِالْقِيمَةِ لَا تَتِمُّ الْقِسْمَةُ إلَّا بَعْدَ ظُهُورِ الْمُعَادَلَةِ فِي الْكُلِّ وَمَعْرِفَةِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الشُّرَكَاءِ نَصِيبَهُ وَإِنَّمَا يُعْتَبَرُ حَالُ تَمَامِ الْعَقْدِ وَإِذَا كَانَ يَتِمُّ فِي الْمَعْلُومِ لَمْ تَضُرَّهُمْ الْجَهَالَةُ فِي الِابْتِدَاءِ كَمَا لَوْ اشْتَرَى أَحَدَ الثِّيَابِ الثَّلَاثَةِ عَلَى أَنَّهُ بِالْخِيَارِ يَأْخُذُ أَيَّهُمَا شَاءَ وَيُسَمِّي لِكُلِّ وَاحِدٍ ثَمَنًا .
وَإِذَا كَانَتْ الدَّارُ مِيرَاثًا بَيْنَ قَوْمٍ حُضُورٍ كِبَارٍ تَصَادَقُوا عِنْدَ الْقَاضِي عَلَيْهَا وَأَرَادُوا الْقِسْمَةَ بِهَا فَإِنْ فَعَلُوا ذَلِكَ عَنْ تَرَاضٍ مِنْهُمْ لَمْ يَمْنَعْهُمْ الْقَاضِي مِنْ ذَلِكَ ؛ لِأَنَّ هَذَا تَصَرُّفٌ مِنْهُمْ فِيمَا بَقِيَ فِي أَيْدِيهمْ بِطَرِيقٍ مَشْرُوعٍ وَلَوْ تَصَرَّفُوا فِي ذَلِكَ بِبَيْعٍ أَوْ هِبَةٍ لَمْ يُمْنَعُوا مِنْهُ ، فَكَذَلِكَ بِالْقِسْمَةِ ، وَإِنْ سَأَلُوا الْقَاضِيَ أَنْ يَقْسِمَهَا بَيْنَهُمْ فَإِنَّ أَبَا حَنِيفَةَ قَالَ الْقَاضِي لَا يُقْسِمُ الْعَقَارَ بَيْنَهُمْ بِإِقْرَارِهِمْ حَتَّى تَقُومَ الْبَيِّنَةُ عَلَى أَصْلِ الْمِيرَاثِ ، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ يَقْسِمُهَا بَيْنَهُمْ وَيُشْهِدُ أَنَّهُ قَسَّمَهَا بِإِقْرَارِهِمْ وَقَضَى بِذَلِكَ عَلَيْهِمْ دُونَ غَيْرِهِمْ ؛ لِأَنَّ الْيَدَ فِيهَا لَهُمْ وَمَنْ فِي يَدِهِ شَيْءٌ فَقَوْلُهُ : مَقْبُولٌ فِيهِ مَا لَمْ يَحْضُرْ خَصْمٌ يُنَازِعُهُ فِي ذَلِكَ وَلَيْسَ هُنَا خَصْمٌ يُنَازِعُهُمْ فَلَا حَاجَةَ لَهُمْ إلَى إقَامَةِ الْبَيِّنَةِ لِإِثْبَاتِ مِلْكِهِمْ فِيهَا وَإِذَا كَانَ الْمِلْكُ ثَابِتًا لَهُمْ بِقَوْلِهِمْ إنَّمَا سَأَلُوا الْقَاضِيَ أَنْ يَقْسِمَ بَيْنَهُمْ مِلْكَهُمْ فَعَلَيْهِ أَنْ يُجِيبَهُمْ إلَى ذَلِكَ كَمَا لَوْ زَعَمُوا أَنَّ الدَّارَ مَمْلُوكَةٌ لَهُمْ وَلَمْ يَذْكُرُوا مِيرَاثًا وَلَا غَيْرَهُ وَسَأَلُوهُ أَنْ يَقْسِمَهَا بَيْنَهُمْ قَسَّمَهُمْ الْقَاضِي بِطَلَبِهِمْ وَأُشْهِدُوا أَنَّهُ قَضَى بِذَلِكَ عَلَيْهِمْ دُونَ غَيْرِهِمْ نَظَرًا مِنْهُ لِغَائِبٍ عَسَى يَحْضُرُ فَيَدَّعِي لِنَفْسِهِ فِيهَا حَقًّا ، فَكَذَلِكَ هُنَا وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ أَنَّهُ لَوْ كَانَتْ فِي أَيْدِيهمْ عُرُوضٌ أَوْ مَنْقُولٌ سِوَى الْعَقَارِ فَأَقَرُّوا أَنَّهَا مِيرَاثٌ بَيْنَهُمْ وَطَلَبُوا قِسْمَتَهَا قَسَّمَهَا الْقَاضِي بِإِقْرَارِهِمْ وَأَشْهَدَ عَلَى أَنَّهُ قَسَّمَهَا بِإِقْرَارِهِمْ لِاعْتِبَارِ يَدِهِمْ ، فَكَذَلِكَ فِي الْعَقَارِ ؛ لِأَنَّ الْيَدَ تَثْبُتُ عَلَى الْعَقَارِ كَمَا تَثْبُتُ عَلَى الْمَنْقُولِ .
وَكَذَلِكَ لَوْ كَانَ فِي أَيْدِيهِمْ دَارٌ فَأَقَرُّوا أَنَّهَا دَارُهُمْ اشْتَرَوْهَا مِنْ فُلَانٍ الْغَائِبِ وَسَأَلُوا الْقَاضِيَ قِسْمَتَهَا أَجَابَهُمْ الْقَاضِي إلَى ذَلِكَ بِهَذَا الطَّرِيقِ ، فَكَذَلِكَ فِي الْمِيرَاثِ إذْ لَا فَرْقَ بَيْنَهُمَا ؛ لِأَنَّهُمْ فِي الْمَوْضِعَيْنِ أَقَرُّوا بِأَصْلِ الْمِلْكِ لِغَيْرِهِمْ ، ثُمَّ أَخْبَرُوا بِانْتِقَالِ الْمِلْكِ إلَيْهِمْ بِسَبَبٍ مُحْتَمَلٍ مَشْرُوعٍ فَإِذَا جَازَ لَهُ أَنْ يَعْتَمِدَ الْقِسْمَةَ عَلَى قَوْلِهِمْ ، فَكَذَلِكَ فِي الشِّرَاءِ ، وَكَذَلِكَ فِي الْمِيرَاثِ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ طَرِيقَانِ أَحَدُهُمَا عَلَى قَوْلِهِمْ فِي أَنَّ قَضَاءَ الْقَاضِي هُنَا يَتَنَاوَلُ الْمَيِّتَ وَيَصِيرُ هُوَ مَقْضِيًّا عَلَيْهِ بِقِسْمَةِ الْقَاضِي وَقَوْلُهُمْ لَيْسَ بِحُجَّةٍ عَلَيْهِ فَلَا بُدَّ لَهُمْ مِنْ إقَامَةِ الْبَيِّنَةِ لِيَثْبُتَ بِهَا حُجَّةُ الْقَضَاءِ عَلَى الْمَيِّتِ وَبَيَانُهُ مِنْ وَجْهَيْنِ ( أَحَدُهُمَا ) أَنَّ التَّرِكَةَ قَبْلَ الْقِسْمَةِ مُبْقَاةٌ عَلَى مِلْكِ الْمَيِّتِ بِدَلِيلِ أَنَّ حَقَّهُ يَثْبُتُ فِي الزَّوَائِدِ الَّتِي تَحْدُثُ حَتَّى يَقْضِيَ مِنْهُ دُيُونَهُ وَيُنَفِّذَ وَصَايَاهُ وَبِالْقِسْمَةِ يَنْقَطِعُ حَقُّ الْمَيِّتِ عَنْ التَّرِكَةِ حَتَّى لَا يَثْبُتَ حَقُّهُ فِيمَا يَحْدُثُ بَعْدَ ذَلِكَ مِنْ الزَّوَائِدِ فَكَانَ فِيهِ قَضَاءٌ عَلَى الْمَيِّتِ يَقْطَعُ حَقَّهُ ( وَالثَّانِي ) أَنَّ الْقَاضِيَ يَثْبُتُ لَهُ الْوِلَايَةُ عَلَى الْمَيِّتِ فِي تَرِكَتِهِ فِيمَا يَرْجِعُ إلَى النَّظَرِ وَيَنْفُذُ تَصَرُّفُهُ إلَيْهِ إذَا كَانَ فِيهِ نَظَرٌ لِلْمَيِّتِ فَبِمَ يُخْبِرُونَ الْقَاضِيَ بِثُبُوتِ وِلَايَتِهِ عَلَى الْمَيِّتِ لِيَلْزَمَ الْمَيِّتَ قَضَاؤُهُ فِيمَا يَرْجِعُ إلَى النَّظَرِ ، وَذَلِكَ أَمْرٌ وَرَاءَ مَا فِي أَيْدِيهمْ فَلَا يَكُونُ قَوْلُهُمْ فِي ذَلِكَ حُجَّةً فَيُكَلِّفُهُمْ إقَامَةَ الْبَيِّنَةِ عَلَى ذَلِكَ وَتُقْبَلُ هَذِهِ الْبَيِّنَةُ مِنْ غَيْرِ خَصْمٍ ؛ لِأَنَّهَا تَقُومُ لِإِثْبَاتِ وِلَايَةِ النَّظَرِ لِلْقَاضِي فِي حَقِّ مَنْ هُوَ عَاجِزٌ عَنْ النَّظَرِ لِنَفْسِهِ وَهَذَا بِخِلَافِ مَا إذَا اقْتَسَمُوا بِأَنْفُسِهِمْ ؛ لِأَنَّ فِعْلَهُمْ
لَا يُلْزِمُ الْمَيِّتَ شَيْئًا وَبِخِلَافِ الْعُرُوضِ ؛ لِأَنَّ مَعْنَى النَّظَرِ لِلْمَيِّتِ هُنَاكَ فِي الْقِسْمَةِ مِنْ وَجْهَيْنِ ( أَحَدُهُمَا ) أَنَّ الْعُرُوضَ يُخْشَى عَلَيْهَا النَّوَى وَالتَّلَفُ وَفِي الْقِسْمَةِ تَحْصِينٌ وَحِفْظًا لَهَا فَأَمَّا الْعَقَارُ مُحْصَنَةٌ بِنَفْسِهَا لَا يُخْشَى عَلَيْهَا التَّلَفُ فَفِي الْقِسْمَةِ قَضَاءٌ عَلَى الْمَيِّتِ يَقْطَعُ حَقَّهُ عَنْهَا ( وَالثَّانِي ) أَنَّ فِي الْعُرُوضِ مَا يَأْخُذُهُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ بَعْدَ الْقِسْمَةِ يَصِيرُ مَضْمُونًا عَلَيْهِ بِالْقَبْضِ فِي حَقِّ غَيْرِهِمْ فَفِي ذَلِكَ مَضْمُونًا عَلَيْهِمْ مَعْنَى النَّظَرِ لِلْمَيِّتِ ، وَذَلِكَ لَا يُوجَدُ فِي الْعَقَارِ فَإِنَّهَا لَا تَصِيرُ مَضْمُونَةً عَلَى مَنْ أَثْبَتَ يَدَهُ فِيهَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ وَهَذَا بِخِلَافِ مَا زَعَمُوا أَنَّهَا مَمْلُوكَةٌ لَهُمْ ؛ لِأَنَّ الْقَضَاءَ بِالْقِسْمَةِ هُنَاكَ لَا يَقْتَصِرُ عَلَيْهِمْ وَلَا يَتَعَدَّى إلَى غَيْرِهِمْ إذْ لَمْ يَثْبُتْ فِيهَا أَصْلُ الْمِلْكِ لِغَيْرِهِمْ فَأَمَّا فِي الشِّرَاءِ فَقَدْ رُوِيَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي غَيْرِ الْأُصُولِ أَنَّ الْقَاضِيَ لَا يَقْسِمُهَا بَيْنَهُمْ وَسَوَّى ؛ بَيْنَ الشِّرَاءِ وَالْمِيرَاثِ وَلَكِنْ عَلَى هَذَا الطَّرِيقِ نُسَلِّمُ كَمَا هُوَ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ فَنَقُولُ قَضَاؤُهُ بِالْقِسْمَةِ فِي الْمُشْتَرَى لَا يَتَضَمَّنُ قَطْعَ حَقِّ الْبَائِعِ ؛ لِأَنَّ بَعْدَ الْبَيْعِ وَالتَّسْلِيمِ لَا يَبْقَى الْمَبِيعُ عَلَى حُكْمِ مِلْكِ الْبَائِعِ بِخِلَافِ الْمِيرَاثِ وَلِأَنَّهُ لَا يَثْبُتُ لِلْقَاضِي الْوِلَايَةُ عَلَى الْغَائِبِ بِالتَّصَرُّفِ فِي أَمْوَالِهِ فَهُمْ مَا أَخْبَرُوا الْقَاضِي بِثُبُوتِ وِلَايَتِهِ عَلَى الْبَائِعِ الْغَائِبِ بِخِلَافِ الْمِيرَاثِ عَلَى مَا قَرَّرْنَا وَالطَّرِيقُ الْآخَرُ لِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ لَا يَتَمَكَّنُ مِنْ الْقَضَاءِ بِالْقِسْمَةِ حَتَّى يَقْضِيَ بِمَوْتِ الْمُوَرِّثِ وَيَتَعَلَّقُ بِمَوْتِهِ أَحْكَامٌ غَيْرُ مَقْصُودَةٍ عَلَى مَا فِي أَيْدِيهمْ مِنْ وُقُوعِ التَّفْرِيقِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ زَوْجَتِهِ وَعِتْقِ أُمَّهَاتِ أَوْلَادِهِ وَمُدَبَّرَاتِهِ وَحُلُولِ
آجَالِهِ .
وَقَوْلُهُمْ لَيْسَ بِحُجَّةِ فِي شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ فَلَا يَشْتَغِلُ الْقَاضِي بِالْقِسْمَةِ حَتَّى تَقُومَ الْبَيِّنَةُ عِنْدَهُ عَلَى الْمَوْتِ وَأَصْلُ الْمِيرَاثِ بِخِلَافِ الْعُرُوضِ فَالْقِسْمَةُ فِيهَا لِلتَّحْصِينِ لَا لِتَحْصِيلِ الْمِلْكِ .
( أَلَا تَرَى ) أَنَّ الْقِسْمَةَ فِي الْعُرُوضِ تُجْرَى بَيْنَ الْمُوَدِّعِينَ لِلْحِفْظِ فَلَا يَتَضَمَّنُ الْقَضَاءَ بِمَوْتِهِ فَأَمَّا فِي الْعَقَارِ الْقِسْمَةُ لِتَحْصِيلِ الْمِلْكِ وَلَا يَكُونُ ذَلِكَ إلَّا بَعْدَ الْقَضَاءِ بِمَوْتِهِ وَعَلَى هَذَا الطَّرِيقِ يَأْخُذُ فِي مَسْأَلَةِ الشِّرَاءِ بِرِوَايَةِ النَّوَادِرِ ؛ لِأَنَّهُ لَا يَتَمَكَّنُ مِنْ الْقَضَاءِ بِالْقِسْمَةِ حَتَّى يَقْضِيَ بِالْبَيْعِ وَزَوَالُ مِلْكِ الْبَائِعِ وَقَوْلُهُمْ لَيْسَ بِحُجَّةٍ عَلَيْهِ وَلَئِنْ سَلَّمْنَا فَنَقُولُ الْحُكْمُ الْمُتَعَلِّقُ بِالْبَيْعِ هُنَاكَ مَقْصُودٌ عَلَى مَا فِي أَيْدِيهمْ فَيَسْتَقِيمُ أَنْ يَجْعَلَ ذَلِكَ نَائِبًا فِي حَقِّهِمْ بِإِقْرَارِهِمْ بِخِلَافِ الْمِيرَاثِ وَإِذَا كَانَ فِي الْوَرَثَةِ صَغِيرٌ أَوْ كَبِيرٌ غَائِبٌ وَالدَّارُ فِي أَيْدِي الْكِبَارِ الْحُضُورِ ، فَكَذَلِكَ الْجَوَابُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ لَا يَقْسِمُهَا الْقَاضِي بَيْنَهُمْ حَتَّى تَقُومَ الْبَيِّنَةُ عَلَى أُصُولِ الْمَوَارِيثِ ؛ لِأَنَّهَا لَمَّا لَمْ يَقْسِمْ فِي الْفَصْلِ الْأَوَّلِ مَعَ أَنَّ الْوَرَثَةَ كُلَّهُمْ كِبَارٌ حُضُورٌ فَفِي هَذَا الْفَصْلِ أَوْلَى أَنْ لَا يَقْسِمَ ؛ لِأَنَّ فِي قِسْمَتِهِ قَضَاءً عَلَى الْغَائِبِ وَالصَّغِيرِ بِقَوْلِهِمْ وَعَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ يَقْسِمُهَا بَيْنَهُمْ وَيَعْزِلُ حَقَّ الْغَائِبِ وَالصَّغِيرِ وَيُشْهِدُ أَنَّهُ قَسَّمَهَا بِإِقْرَارِ الْحُضُورِ الْكِبَارِ وَأَنَّ الْغَائِبَ وَالصَّغِيرَ عَلَى حُجَّتِهِمَا كَمَا فِي الْفَصْلِ الْأَوَّلِ ؛ لِأَنَّ الدَّارَ كُلَّهَا فِي يَدِ الْكِبَارِ الْحُضُورِ وَلَيْسَ فِي هَذِهِ الْقِسْمَةِ قَضَاءٌ عَلَى الصَّغِيرِ وَالْغَائِبِ بِإِخْرَاجِ شَيْءٍ مِنْ يَدِهِمَا بَلْ فِيهَا نَظَرٌ لَهُمَا بِظُهُورِ نَصِيبِهِمَا مِمَّا فِي يَدِ الْغَيْرِ ؛ فَإِنَّهُ بِالْقِسْمَةِ يَعْزِلُ نَصِيبَ الْغَائِبِ
وَالصَّغِيرِ وَكَانَ هَذَا مَحْضُ نَظَرٍ فِي حَقِّ الْغَائِبِ وَالصَّغِيرِ وَلِلْقَاضِي هَذِهِ الْوِلَايَةُ ، وَإِنْ كَانَ شَيْءٌ مِنْ الْعَقَارِ فِي يَدِ الصَّغِيرِ أَوْ الْغَائِبِ لَمْ أُقَسِّمْهَا بِإِقْرَارِ الْحُضُورِ حَتَّى تَقُومَ الْبَيِّنَةُ عَلَى أَصْلِ الْمِيرَاثِ ؛ لِأَنَّ فِي هَذِهِ الْقِسْمَةِ قَضَاءً عَلَى الْغَائِبِ وَالصَّغِيرِ بِإِخْرَاجِ شَيْءٍ مِمَّا كَانَ فِي يَدِهِ عَنْ يَدِهِ وَكَذَلِكَ إنْ كَانَ الْكَبِيرُ أَوْدَعَ مَا كَانَ فِي يَدِهِ مِنْهَا رَجُلًا حِينَ غَابَ ؛ لِأَنَّ الْمُودَعَ أَمِينٌ فَلَا يَكُونُ خَصْمًا فِي ذَلِكَ وَلَا يَجُوزُ لِلْقَاضِي أَنْ يَقْضِيَ عَلَى الْغَائِبِ بِحُضُورِ أَمِينِهِ ؛ فَلِهَذَا لَا يَقْسِمُ حَتَّى تَقُومَ الْبَيِّنَةُ فَإِذَا قَامَتْ الْبَيِّنَةُ قَبِلَهَا الْقَاضِي ؛ لِأَنَّهَا تَقُومُ لِإِثْبَاتِ وِلَايَةِ الْقَاضِي فِي تَرِكَةِ الْمَيِّتِ وَلِأَنَّ الْوَرَثَةَ يَخْلُفُونَ الْمَيِّتَ فِي الْمِيرَاثِ فَيَنْتَصِبُونَ خَصْمًا عَنْهُ وَيُنَصِّبُ بَعْضُهُمْ خَصْمًا عَنْ بَعْضٍ فَقَلَّ مَا تَخْلُو تَرِكَةٌ عَنْ هَذَا فَإِنَّ الْوَرَثَةَ يَكْثُرُونَ وَقَلَّ مَا يَحْضُرُونَ فَلَوْ لَمْ يَقْبَلْ الْقَاضِي الْبَيِّنَةَ وَلَمْ يَقْسِمْهَا لِمَكَانٍ غَائِبٍ أَوْ صَغِيرٍ أَدَّى إلَى الضَّرَرِ ، وَالضَّرَرُ مَدْفُوعٌ ، وَكَذَلِكَ إذَا حَضَرَ الْقَاضِيَ اثْنَانِ مِنْ الْوَرَثَةِ وَالْعَقَارُ فِي أَيْدِيهمَا وَأَقَامَا الْبَيِّنَةَ عَلَى أَصْلِ الْمِيرَاثِ فَإِنَّ الْقَاضِيَ يَقْسِمُهَا بَيْنَهُمْ وَيُوَكِّلُ بِنَصِيبِ الْغَائِبِ وَالصَّغِيرِ مَنْ يَحْفَظُهُ ؛ لِأَنَّهُ يَجْعَلُ أَحَدَ الْحَاضِرِينَ خَصْمًا عَنْ الْمَيِّتِ وَعَنْ الصَّغِيرِ وَالْغَائِبِ وَالْآخَرَ خَصْمًا عَنْ نَفْسِهِ فَيَتَمَكَّنُ مِنْ قَبُولِ هَذِهِ الْبَيِّنَةِ وَالْعَمَلِ بِهَا بِحُضُورِ مُدَّعٍ وَمُدَّعًى عَلَيْهِ وَإِذَا كَانَ الْحَاضِرُ وَاحِدًا لَمْ يَقْسِمْهَا الْقَاضِي وَلَمْ يَقْبَلْ مِنْهُ الْبَيِّنَةَ ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ مَعَهُ خَصْمٌ فَإِنَّ الْحَاضِرَ لَوْ كَانَ خَصْمًا عَنْ نَفْسِهِ فَلَيْسَ هُنَا خَصْمًا عَنْ الْمَيِّتِ وَعَنْ الْغَائِبِ ، وَإِنْ كَانَ هَذَا الْحَاضِرُ خَصْمًا عَنْهُمَا فَلَيْسَ هُنَا مَنْ يُخَاصِمُ عَنْ نَفْسِهِ
لِيُقِيمَ الْبَيِّنَةَ عَلَيْهِ بِذَلِكَ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ الْحَاضِرُ اثْنَيْنِ مِنْ الْوَرَثَةِ وَالثَّانِي أَنَّ الْحَاضِرَ إذَا كَانَ وَاحِدًا فَهُوَ غَيْرُ مُتَظَلِّمٍ فِي طَلَبِ الْقِسْمَةِ وَلَا طَالِبٌ لِلْإِنْصَافِ إذْ لَيْسَ مَعَهُ مَنْ يَنْتَفِعُ بِمِلْكِهِ حَتَّى يَقُولَ لِلْقَاضِي أَقْسِمْهَا بَيْنَنَا لِكَيْ لَا يَنْتَفِعَ بِمِلْكِي غَيْرِي فَإِذَا حَضَرَ اثْنَانِ فَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يَطْلُبُ الْقِسْمَةَ لِيَسْأَلَ الْقَاضِيَ أَنْ يَمْنَعَ صَاحِبَهُ مِنْ الِانْتِفَاعِ بِنَصِيبِهِ ، وَذَلِكَ مُسْتَقِيمٌ ، وَإِنْ كَانَ فِيهِمْ خَصْمٌ صَغِيرٌ جَعَلَ لَهُ الْقَاضِي وَصِيًّا ؛ لِأَنَّ لِلْقَاضِي وِلَايَةَ النَّظَرِ لِلصَّبِيِّ فِي نَصِيبِ الْوَصِيِّ وَوَصِيُّ الصَّغِيرِ قَائِمٌ مَقَامَ الصَّغِيرِ فَكَأَنَّهُ بَالِغٌ حَاضِرٌ فَتُقْبَلُ الْبَيِّنَةُ حِينَئِذٍ وَيَأْمُرُ بِالْقِسْمَةِ بِاعْتِبَارِ أَنَّهُ يَجْعَلُ أَحَدَهُمَا مُدَّعِيًا وَالْآخَرَ مُدَّعًى عَلَيْهِ وَأَحَدَهُمَا خَصْمًا عَنْ نَفْسِهِ وَالْآخَرُ عَنْ الْمَيِّتِ وَالْغَائِبِ ، وَإِنْ كَانَ الْعَقَارُ شِرَاءً بَيْنَهُمْ وَمِنْهُمْ غَائِبٌ لَمْ أَقْسِمْهَا بَيْنَهُمْ ، وَإِنْ أَقَامُوا الْبَيِّنَةَ عَلَى الشِّرَاءِ حَتَّى يَحْضُرَ الْغَائِبُ ؛ لِأَنَّ فِي الْمِيرَاثِ إنَّمَا قَسَّمَهَا عِنْدَ حُضُورِ جَمَاعَةٍ مِنْهُمْ لِتَعَذُّرِ اشْتِرَاطِ حُضُورِهِمْ عِنْدَ الْقِسْمَةِ بِطَرِيقِ الْعَادَةِ وَهَذَا لَا يُوجَدُ فِي الشِّرَاءِ فَقَدْ كَانُوا حَاضِرِينَ عِنْدَ الشِّرَاءِ فَتَيَسَّرَ اشْتِرَاطُ حُضُورِهِمْ عِنْدَ الْقِسْمَةِ أَيْضًا وَلِأَنَّ الْحَاضِرَ مِنْ الْمَسِيرَيْنِ لَا يَنْتَصِبُ خَصْمًا عَنْ الْغَائِبِ ؛ لِأَنَّ النَّائِبَ بِالشِّرَاءِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ مِلْكٌ جَدِيدٌ بِسَبَبٍ بَاشَرَهُ فِي نَصِيبِهِ وَلَا يَجُوزُ الْقَضَاءُ عَلَى الْغَائِبِ بِالْبَيِّنَةِ إذَا لَمْ يَكُنْ عَنْهُ خَصْمٌ حَاضِرٌ فَأَمَّا فِي الْمِيرَاثِ لَا يَثْبُتُ لِلْوَرَثَةِ مِلْكٌ مُتَجَدِّدٌ بِسَبَبٍ حَادِثٍ وَإِنَّمَا يُنْسَبُ إلَيْهِمْ مَا كَانَ مِنْ الْمِلْكِ لِلْمُورَثِ بِطَرِيقِ الْخِلَافَةِ ؛ وَلِهَذَا يَثْبُتُ لَهُمْ حَقُّ الرَّدِّ بِالْعَيْبِ عَلَى بَائِعِ الْمُورَثِ وَيَصِحُّ إقَالَتُهُمْ
مَعَهُ فَيَسْتَقِيمُ أَنْ يَجْعَلَ بَعْضَهُمْ خَصْمًا عَنْ الْبَعْضِ فِي ذَلِكَ لِاتِّحَادِ السَّبَبِ فِي حَقِّهِمْ وَهُوَ الْخِلَافَةُ عَنْ الْمَيِّتِ .
وَإِذَا كَانَتْ الدَّارُ مِيرَاثًا وَفِيهَا وَصِيَّةٌ بِالثُّلُثِ وَبَعْضُ الْوَرَثَةِ غَائِبٌ وَبَعْضُهُمْ شَاهِدٌ فَأَرَادَ الْمُوصَى لَهُ بِالثُّلُثِ الْقِسْمَةَ وَأَقَامَ الْبَيِّنَةَ عَلَى الْمَوَارِيثِ وَالْوَصِيَّةِ فَإِنَّ الدَّارَ تُقْسَمُ عَلَى ذَلِكَ ؛ لِأَنَّ مَنْ حَضَرَ مِنْ الْوَرَثَةِ يُنْتَصَبُ خَصْمًا عَنْ الْمَيِّتِ وَعَنْ سَائِرِ الْوَرَثَةِ فَتُقْبَلُ بَيِّنَةُ الْمُوصَى لَهُ بِذَلِكَ عَلَيْهِمْ وَإِذَا قُبِلَتْ بَيِّنَتُهُ قُسِّمَتْ الدَّارُ بَيْنَهُمْ عَلَى ذَلِكَ .
وَلَوْ أَنَّ بَيْتًا فِي دَارٍ بَيْنَ رَجُلَيْنِ أَرَادَ أَحَدُهُمَا قِسْمَتَهُ وَامْتَنَعَ الْآخَرُ وَهُوَ صَغِيرٌ لَا يَنْتَفِعُ وَاحِدٌ مِنْهُمَا بِنَصِيبِهِ إذَا قَسَّمَ لَمْ يُقَسِّمْهُ الْقَاضِي بَيْنَهُمَا ؛ لِأَنَّ الطَّالِبَ لِلْقِسْمَةِ بَيْنَهُمَا مُتَعَنِّتٌ فَإِنْ قَبِلَ الْقِسْمَةَ يَتَمَكَّنُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِنْ الِانْتِفَاعِ بِنَصِيبِهِ وَبِالْقِسْمَةِ يَفُوتُ ذَلِكَ فَالطَّالِبُ مِنْهُمَا إنَّمَا يَقْصِدُ التَّعَنُّتَ وَالْإِضْرَارَ بِشَرِيكِهِ فَلَا يُجِيبُهُ الْقَاضِي إلَى ذَلِكَ ، وَكَذَلِكَ لَا يَقْسِمُ الْحَائِطَ وَالْحَمَّامَ بَيْنَ رَجُلَيْنِ ؛ لِأَنَّ فِي قِسْمَتِهِ ضَرَرًا وَالْمَقْصُودُ بِالْقِسْمَةِ اتِّصَالُ مَنْفَعَةِ الْمِلْكِ إلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الشُّرَكَاءِ وَفِي الْحَائِطِ وَالْحَمَّامِ تَفُوتُ الْمَنْفَعَةُ بِالْقِسْمَةِ ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا لَا يَنْتَفِعُ بِنَصِيبِهِ بَعْدَ الْقِسْمَةِ كَمَا كَانَ يَنْتَفِعُ قَبْلَ الْقِسْمَةِ فَلَا يَقْسِمُهُ الْقَاضِي بَيْنَهُمْ ؛ لِأَنَّهُ لَا يَشْتَغِلُ ؛ لِمَا لَا يُفِيدُهُ وَلَا بِمَا فِيهِ إضْرَارٌ وَلَوْ اقْتَسَمُوا بَيْنَهُمْ بِالتَّرَاضِي لَمْ يَمْنَعْهُمْ مِنْ ذَلِكَ ؛ لِأَنَّهُمْ لَوْ أَقْدَمُوا عَلَى إتْلَافِ الْمِلْكِ لَمْ يَمْنَعْهُمْ مِنْ ذَلِكَ فِي الْحُكْمِ ، فَكَذَلِكَ إذَا تَرَاضَوْا الْقِسْمَةَ فِيمَا بَيْنَهُمْ فَإِنْ كَانَتْ دَارٌ بَيْنَ رَجُلَيْنِ وَلِأَحَدِهِمَا فِيهَا بَعْضٌ قَلِيلٍ لَا يُنْتَفَعُ بِهِ إذَا قُسِّمَ فَأَرَادَ صَاحِبُ الْكَثِيرِ الْقِسْمَةَ قَسَّمَهَا بَيْنَهُمْ ، وَإِنْ أَبَى ذَلِكَ صَاحِبُ الْقَلِيلِ عِنْدَنَا ( وَقَالَ ) ابْنُ أَبِي لَيْلَى رَحِمَهُ اللَّهُ لَا يَقْسِمُهَا ، وَكَذَلِكَ إنْ كَانَ سَائِرُ الشُّرَكَاءِ لَا يَنْتَفِعُونَ بِأَنْصِبَائِهِمْ إلَّا هَذَا الْوَاحِدُ الطَّالِبُ لِلْقِسْمَةِ ؛ فَإِنَّهُ يَقْسِمُهَا بَيْنَهُمْ ، وَإِنْ كَانَ الطَّالِبُ صَاحِبَ الْقَلِيلِ لَمْ يَقْسِمْهَا إذَا كَانَ هُوَ لَا يَنْتَفِعُ بِنَصِيبِهِ بَعْدَ الْقِسْمَةِ وَعَلَى قَوْلِ ابْنِ أَبِي لَيْلَى رَحِمَهُ اللَّهُ لَا يَقْسِمُهَا عِنْدَ إبَاءِ بَعْضِهِمْ إلَّا إذَا كَانَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ يَنْتَفِعُ بِنَصِيبِهِ بَعْدَ الْقِسْمَةِ ؛
لِأَنَّ الْمَقْصُودَ بِالْقِسْمَةِ تَحْصِيلُ الْمَنْفَعَةِ لَا تَفْوِيتُهَا وَالْمُعْتَبَرُ فِي الْقِسْمَةِ الْمُعَادَلَةُ بَيْنَ الشُّرَكَاءِ فِي الْمَنْفَعَةِ فَإِذَا كَانَ بَعْضُهُمْ لَا يَنْتَفِعُ بِنَصِيبِهِ بَعْدَ الْقِسْمَةِ فَهَذِهِ قِسْمَةٌ تَقَعُ عَلَى ضَرَرٍ وَالْقَاضِي لَا يُجْبِرُ الشُّرَكَاءَ عَلَى مِثْلِهِ كَمَا لَوْ كَانَ الطَّالِبُ مَنْ لَا يَنْتَفِعُ بِنَصِيبِهِ بَعْدَ الْقِسْمَةِ وَلَنَا أَنَّ الطَّالِبَ لِلْقِسْمَةِ يَطْلُبُ الْإِنْصَافَ مِنْ الْقَاضِي وَلَا يَتَعَنَّتُ ؛ لِأَنَّهُ يَطْلُبُ مِنْهُ أَنْ يَخُصَّهُ بِالِانْتِفَاعِ بِمِلْكِهِ وَيَمْنَعَ غَيْرَهُ مِنْ الِانْتِفَاعِ بِمِلْكِهِ وَهَذَا مِنْهُ طَلَبٌ لِلْإِنْصَافِ فَعَلَى الْقَاضِي أَنْ يُجِيبَهُ إلَى ذَلِكَ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ الطَّالِبُ لِلْقِسْمَةِ مَنْ لَا يَنْتَفِعُ بِنَصِيبِهِ ؛ لِأَنَّهُ مُتَعَنِّتٌ فِي طَلَب الْقِسْمَةِ وَالْقَاضِي يُجِيبُ الْمُتَعَنِّتَ بِالرَّدِّ يُوَضِّحُهُ أَنَّ بَعْدَ الْقِسْمَةِ ، وَإِنْ تَعَذَّرَ عَلَى صَاحِبِ الْقَلِيلِ الِانْتِفَاعُ بِنَصِيبِهِ فَذَلِكَ لِقِلَّةِ نَصِيبِهِ لَا لِمَعْنًى مِنْ جِهَةِ صَاحِبِ الْأَكْبَرِ ، وَذَلِكَ لَا يُعْتَبَرُ فِي حَقِّ صَاحِبِ الْكَبِيرِ فَيَصِيرُ هَذَا فِي حَقِّهِ وَمَا إذَا كَانَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يَنْتَفِعُ بِنَصِيبِهِ بَعْدَ الْقِسْمَةِ سَوَاءً وَالْحَاكِمُ فِي الْمُخْتَصَرِ ( قَالَ : ) إذَا كَانَ الضَّرَرُ عَلَى أَحَدِهِمَا دُونَ الْآخَرِ قَسَمْتهَا أَيُّهُمَا طَلَبَ الْقِسْمَةَ وَهَذَا غَيْرُ صَحِيحٍ وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ إنَّمَا يَقْسِمُ إذَا طَلَبَ ذَلِكَ صَاحِبُ الْكَبِيرِ خَاصَّةً وَمِنْهُمْ مَنْ صَحَّحَ مَا ذَكَرَهُ الْحَاكِمُ رَحِمَهُ اللَّهُ ، وَقَالَ صَاحِبُ الْقَلِيلِ رَضِيَ بِالضَّرَرِ حِينَ طَلَبَ الْقِسْمَةَ وَصَاحِبُ الْكَبِيرِ مُنْتَفِعٌ بِالْقِسْمَةِ فَيَقْسِمُهُ الْقَاضِي بَيْنَهُمْ لِهَذَا وَلَكِنَّ الْأَوَّلَ أَصَحُّ ؛ لِأَنَّ رِضَاهُ بِالْتِزَامِ الضَّرَرِ لَا يُلْزِمُ الْقَاضِي شَيْئًا وَإِنَّمَا الْمُلْزَمُ طَلَبُهُ الْإِنْصَافَ مِنْ الْقَاضِي وَاتِّصَالُهُ إلَى مَنْفَعَةِ مِلْكِهِ ، وَذَلِكَ لَا يُوجَدُ عِنْدَ طَلَبِ صَاحِبِ الْقَلِيلِ أَلَا تَرَى أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا
إذَا كَانَ بِحَيْثُ لَا يَنْتَفِعُ بِنَصِيبِهِ بَعْدَ الْقِسْمَةِ وَطَلَبَا جَمِيعًا الْقِسْمَةَ مِنْ الْقَاضِي لَمْ يَقْسِمْهَا الْقَاضِي بَيْنَهُمَا ، فَكَذَلِكَ إذَا كَانَ الطَّالِبُ مَنْ لَا يَنْتَفِعُ بِنَصِيبِهِ بَعْدَ الْقِسْمَةِ وَالرِّجَالُ وَالنِّسَاءُ وَالْحُرُّ وَالْمَمْلُوكُ وَأَهْلُ الْإِسْلَامِ وَأَهْلُ الذِّمَّةِ فِي الْقِسْمَةِ سَوَاءٌ ؛ لِأَنَّهَا مِنْ حُقُوقِ الْمِلْكِ وَالْمَقْصُودُ التَّوَصُّلُ بِهَا إلَى مَنْفَعَةِ الْمِلْكِ وَهُمْ فِي ذَلِكَ سَوَاءٌ .
وَإِذَا اقْتَسَمَ الرَّجُلَانِ دَارًا وَرَفَعَا بَيْنَهُمَا طَرِيقًا فَهُوَ جَائِزٌ ؛ لِأَنَّهُمَا قَسَمَا بَعْضَ الْمُشْتَرَكِ وَبَقِيَا شَرِكَتَهُمَا فِي الْبَعْضِ وَهُوَ مَوْضِعُ الطَّرِيقِ فَيَجُوزُ ذَلِكَ اعْتِبَارًا لِلْبَعْضِ بِالْكُلِّ وَلِأَنَّ الْمَقْصُودَ بِالْقِسْمَةِ أَنْ يَنْتَفِعَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِنَصِيبِهِ وَإِنَّمَا يَتِمُّ ذَلِكَ إذَا رَفَعَا طَرِيقًا بَيْنَهُمَا وَمَا يَرْجِعُ إلَى تَتْمِيمِ الْمَقْصُودِ بِالْقِسْمَةِ لَا يَكُونُ مَانِعًا صِحَّتَهَا ، وَإِنْ كَانَ نَصِيبُ أَحَدِهِمَا أَكْثَرَ مِنْ نَصِيبِ الْآخَرِ يَنْبَغِي أَنْ يُبَيِّنَ ذَلِكَ فِي كِتَابِ الْقِسْمَةِ وَيَذْكُرَ كَيْفَ الطَّرِيقُ بَيْنَهُمَا ؛ لِأَنَّهُ بَقِيَ فِي مَوْضِعِ الطَّرِيقِ مَا كَانَ لَهُمَا مِنْ الشَّرِكَةِ فِي جَمِيعِ الدَّارِ وَقَدْ كَانَتْ شَرِكَتُهُمَا فِيهَا عَلَى التَّفَاوُتِ فَإِنَّمَا يَحْصُلُ التَّوَثُّقُ أَنْ يُبَيِّنَ ذَلِكَ فِي كِتَابِ الْقِسْمَةِ ؛ لِأَنَّهُمَا إذَا لَمْ يُبَيِّنَا فَرُبَّمَا يَدَّعِي صَاحِبُ الْأَقَلِّ الْمُسَاوَاةَ بَيْنَهُمَا فِي رَقَبَةِ الطَّرِيقِ وَيُحْتَجُّ عَلَى ذَلِكَ بِأَنَّهُ مُسَاوٍ فِي اسْتِعْمَالِهِ بِالتَّطَرُّقِ فِيهِ وَإِنَّمَا يَكْتُبُ الْكِتَابَ بَيْنَهُمَا لِلتَّوَثُّقِ فَيَنْبَغِي أَنْ يَكْتُبَ عَلَى وَجْهٍ يَحْصُلُ بِهِ مَعْنَى التَّوَثُّقِ لَهُمَا .
وَإِذَا كَانَتْ الدَّارُ بَيْنَ رَجُلَيْنِ وَفِيهَا صُفَّةٌ فِيهَا بَيْتٌ وَبَابُ الْبَيْتِ فِي الصِّفَةِ وَمَسِيلُ مَاءِ ظَهْرِ الْبَيْتِ عَلَى ظَهْرِ الصِّفَةِ فَاقْتَسَمَا فَأَصَابَ الصِّفَةَ أَحَدُهُمَا وَقَطَعَهُ مِنْ السَّاحَةِ وَلَمْ يَذْكُرْ طَرِيقًا وَلَا مَسِيلَ مَاءٍ وَصَاحِبُ الْبَيْتِ يَقْدِرُ أَنْ يَفْتَحَ بَابَهُ فِيمَا أَصَابَهُ مِنْ السَّاحَةِ وَيُسِيلُ مَاءَهُ فِي ذَلِكَ فَأَرَادَ أَنْ يَمُرَّ فِي الصِّفَةِ عَلَى حَالِهِ وَيُسَيَّلَ مَاءَهُ عَلَى مَا كَانَ فَلَيْسَ لَهُ ذَلِكَ سَوَاءٌ اشْتَرَطَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَنَّ لَهُ مَا أَصَابَهُ بِكُلِّ حَقٍّ لَهُ أَوْ لَمْ يَشْتَرِطْ ذَلِكَ وَالْقِسْمَةُ فِي هَذَا بِخِلَافِ الْبَيْعِ ؛ فَإِنَّهُ لَوْ بَاعَ الْبَيْتَ وَذَكَرَ فِي الْبَيْعِ الْحُقُوقَ وَالْمَرَافِقَ دَخَلَ الطَّرِيقُ وَمَسِيلُ الْمَاءِ وَإِنْ لَمْ يَذْكُرْ الْحُقُوقَ وَالْفَرْقُ أَنَّ الْمَقْصُودَ بِالْبَيْعِ إيجَابُ الْمِلْكِ وَقَصْدُ الْمُشْتَرِي أَنْ يَتَمَكَّنَ مِنْ الِانْتِفَاعِ ، وَذَلِكَ يَتِمُّ بِالطَّرِيقِ وَالْمَسِيلِ لَا أَنَّ ذَلِكَ خَارِجٌ مِنْ الْمَحْدُودِ فَلَا يَدْخُلُ فِي الْبَيْعِ بِمُطْلَقِ التَّسْمِيَةِ لِلْبَيْتِ إلَّا بِذِكْرِ الْحُقُوقِ وَالْمَرَافِقِ فَالْمَقْصُودُ بِالْقِسْمَةِ تَمْيِيزُ أَحَدِ الْمِلْكَيْنِ مِنْ الْآخَرِ وَأَنْ يَخْتَصَّ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِالِانْتِفَاعِ بِنَصِيبِهِ عَلَى وَجْهٍ لَا يُشَارِكُهُ الْآخَرُ فِيهِ وَإِنَّمَا يَتِمُّ هَذَا الْمَقْصُودُ إذَا لَمْ يَدْخُلْ الطَّرِيقُ وَالْمَسِيلُ لِتَمْيِيزِ نَصِيبِ أَحَدِهِمَا عَنْ الْآخَرِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ ؛ فَلِهَذَا لَا يَدْخُلُ مَعَ ذِكْرِ الْحُقُوقِ وَالْمَرَافِقِ تَوْضِيحُ الْفَرْقِ أَنَّ الْمَقْصُودَ بِالْبَيْعِ الِاسْتِرْبَاحُ ، وَذَلِكَ بِاعْتِبَارِ الْمَالِيَّةِ وَالْمَالِيَّةُ تَخْتَلِفُ بِدُخُولِ الطَّرِيقِ وَالْمَسِيلِ فِي الْبَيْعِ فَعِنْدَ ذِكْرِ الْحُقُوقِ وَالْمَرَافِقِ عَرَفْنَا أَنَّهُمَا قَصَدَا ذَلِكَ فَأَمَّا فِي الْقِسْمَةِ الْمَقْصُودُ التَّمَيُّزُ دُونَ الِاسْتِرْبَاحِ فَبِذِكْرِ الْحُقُوقِ وَالْمَرَافِقِ لَا يَتَبَيَّنُ أَنَّهُمَا لَمْ يَقْصِدَا التَّمْيِيزَ فِي أَنْ لَا يَبْقَى لِأَحَدِهِمَا فِي نَصِيبِ الْآخَرِ
طَرِيقُ مَسِيلِ مَاءٍ وَلَوْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مُفْتَتَحٌ لِلطَّرِيقِ وَلَا مَسِيلُ مَاءٍ ؛ فَإِذَا ذَكَرَ فِي كِتَابِ الْقِسْمَةِ أَنَّ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَا أَصَابَهُ بِكُلِّ حَقٍّ لَهُ جَازَتْ الْقِسْمَةُ وَكَانَ طَرِيقُهُ فِي الصِّفَةِ وَمَسِيلِ مَائِهِ عَلَى طَرِيقِ سَطْحِهِ كَمَا كَانَ قَبْلَ الْقِسْمَةِ ، وَإِنْ لَمْ يَذْكُرْ الْحُقُوقَ وَالْمَرَافِقَ فَالْقِسْمَةُ فَاسِدَةٌ بِخِلَافِ الْبَيْعِ ؛ فَإِنَّهُ يَكُونُ صَحِيحًا ، وَإِنْ لَمْ يَذْكُرْ الْحُقُوقَ وَالْمَرَافِقَ ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ بِالْبَيْعِ مِلْكُ الْعَيْنِ وَهَذَا الْمَقْصُودُ يَتِمُّ لِلْمُشْتَرِي وَإِنْ كَانَ يَتَعَذَّرُ عَلَيْهِ الِانْتِفَاعُ لِعَدَمِ الطَّرِيقِ وَالْمَسِيلِ لَهُ كَمَنْ اشْتَرَى مُهْرًا صَغِيرًا أَوْ أَرْضًا سَبْخَةً فَإِنَّهُ يَجُوزُ ، وَإِنْ كَانَ لَا يَنْتَفِعُ بِالْمُشْتَرَى وَهَذَا ؛ لِأَنَّهُ تَرَكَ النَّظَرَ لِنَفْسِهِ حِينَ لَمْ يَذْكُرْ الْحُقُوقَ وَالْمَرَافِقَ لِيَدْخُلَ الطَّرِيقُ وَالْمَسِيلُ فَلَا يَشْتَغِلُ بِالنَّظَرِ لَهُ فَأَمَّا فِي الْقِسْمَةِ الْمَقْصُودَةِ اتِّصَالُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا إلَى الِانْتِفَاعِ بِنَصِيبِهِ فَإِذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ مُفْتَتَحًا إلَى الطَّرِيقِ وَلَا مَسِيلَ مَاءٍ فَهَذِهِ قِسْمَةٌ وَقَعَتْ عَلَى ضَرَرٍ فَلَا يَجُوزُ إلَّا أَنْ يَذْكُرَ الْحُقُوقَ وَالْمَرَافِقَ فَيُسْتَدَلُّ بِذَلِكَ عَلَى أَنَّهُمَا قَصَدَا إدْخَالَ الطَّرِيقِ وَالْمَسِيلِ لِتَصْحِيحِ الْقِسْمَةِ لِعِلْمِهَا أَنَّ الْقِسْمَةَ لَا تَصِحُّ بِدُونِهِمَا فِي هَذَا الْمَوْضِعِ بِخِلَافِ مَا سَبَقَ تَوْضِيحُهُ أَنَّ الْمُعْتَبَرَ فِي الْقِسْمَةِ الْمُعَادَلَةُ فِي الْمَنْفَعَةِ .
وَإِذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ طَرِيقٌ وَلَا مَسِيلُ مَاءٍ لَا يَحْصُلُ مَعْنَى الْمُعَادَلَةِ فِي الْمَنْفَعَةِ فَلَا تَصِحُّ الْقِسْمَةُ كَمَا لَوْ اسْتَأْجَرَ مُهْرًا صَغِيرًا أَوْ أَرْضًا سَبِخَةً لِلزِّرَاعَةِ لَمْ يَجُزْ لِفَوَاتِ مَا هُوَ الْمَقْصُودُ وَهُوَ الْمَنْفَعَةُ فَإِنْ قِيلَ فَعَلَى هَذَا يَنْبَغِي أَنْ يَدْخُلَ الطَّرِيقُ وَالْمَسِيلُ ، وَإِنْ لَمْ يَذْكُرْ الْحُقُوقَ وَالْمَرَافِقَ لِتَصْحِيحِ الْقِسْمَةِ كَمَا إذَا اسْتَأْجَرَ أَرْضًا دَخَلَ الشُّرْبُ وَالطَّرِيقُ
، وَإِنْ لَمْ يَذْكُرْ الْحُقُوقَ وَالْمَرَافِقَ لِتَحْصِيلِ الْمَنْفَعَةِ قُلْنَا هُنَاكَ مَوْضِعُ الشُّرْبِ وَالطَّرِيقِ لَيْسَ مِمَّا تَتَنَاوَلُهُ الْإِجَارَةُ وَلَكِنْ يُتَوَصَّلُ بِهِ إلَى الِانْتِفَاعِ بِالْمُسْتَأْجَرِ وَالْأَجِيرُ إنَّمَا يَسْتَوْجِبُ الْأُجْرَةَ إذَا تَمَكَّنَ الْمُسْتَأْجِرُ مِنْ الِانْتِفَاعِ فَفِي إدْخَالِ الشُّرْبِ تَوْفِيرُ الْمَنْفَعَةِ عَلَيْهِمَا وَأَمَّا هُنَا مَوْضِعُ الطَّرِيقِ وَالْمَسِيلِ دَاخِلٌ فِي الْقِسْمَةِ وَمُوجَبُ الْقِسْمَةِ اخْتِصَاصُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِمَا هُوَ نَصِيبُهُ فَلَوْ أَثْبَتْنَا لِأَحَدِهِمَا حَقًّا فِي نَصِيبِ الْآخَرِ تَضَرَّرَ بِهِ الْآخَرُ وَلَا يَجُوزُ إلْحَاقُ الضَّرَرِ بِهِ بِدُونِ رِضَاهُ وَإِنَّمَا دَلِيلٌ الرِّضَا اشْتِرَاطُهُ الْحُقُوقَ وَالْمَرَافِقَ ؛ فَلِهَذَا لَا يَدْخُلُ الطَّرِيقُ وَالْمَسِيلُ بِدُونِ ذِكْرِهِ الْحُقُوقَ وَالْمَرَافِقَ وَلَوْ رَفَعَا طَرِيقًا بَيْنَهُمَا وَكَانَ عَلَى الطَّرِيقِ ظُلَّةٌ وَكَانَ طَرِيقُ أَحَدِهِمَا عَلَى تِلْكَ الظُّلَّةِ وَهُوَ يَسْتَطِيعُ أَنْ يَتَّخِذَ طَرِيقًا آخَرَ فَأَرَادَ صَاحِبُهُ أَنْ يَمْنَعَهُ مِنْ الْمُرُورِ عَلَى ظَهْرِ الظُّلَّةِ لَمْ يَكُنْ لَهُ ذَلِكَ ؛ لِأَنَّ أَصْلَ الطَّرِيقِ مُشْتَرَكٌ بَيْنَهُمَا وَكَمَا أَنَّ أَسْفَلَهُ مَمَرٌّ لَهُمَا ، فَكَذَلِكَ أَعْلَاهُ فَهُوَ لَا يُرِيدُ بِهَذَا أَنْ يُحْدِثَ لِنَفْسِهِ حَقًّا فِي نَصِيبِ شَرِيكِهِ وَإِنَّمَا يُرِيدُ أَنْ يَسْتَوْفِيَ حَقَّهُ فَلَا يُمْنَعُ مِنْ ذَلِكَ بِخِلَافِ مَا تَقَدَّمَ فَهُنَاكَ إنَّمَا يُرِيدُ اتِّخَاذَ طَرِيقٍ وَمَسِيلٍ لِنَفْسِهِ فِي مِلْكٍ خُصَّ بِهِ صَاحِبُهُ وَلَيْسَ لَهُ ذَلِكَ وَكَانَ أَبُو حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ يَقُولُ فِي الْعُلُوِّ الَّذِي لَا سُفْلَ لَهُ وَفِي السُّفْلِ الَّذِي لَا عُلُوَّ لَهُ يَحْسُبُ فِي الْقِسْمَةِ ذِرَاعٌ مِنْ السُّفْلِ بِذِرَاعَيْنِ مِنْ الْعُلُوِّ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ يَحْسُبُ الْعُلُوُّ بِالنِّصْفِ وَالسُّفْلُ بِالنِّصْفِ ، ثُمَّ يُنْظَرُ كَمْ جُمْلَةِ ذَرْعِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فَيَطْرَحُ مِنْ ذَلِكَ النِّصْفُ ، وَقَالَ مُحَمَّدٌ رَحِمَهُ اللَّهُ يَقْسِمُ ذَلِكَ عَلَى الْقِيمَةِ قِيمَةِ الْعُلُوِّ
أَوْ قِيمَةِ السُّفْلِ وَقِيلَ أَنَّ أَبَا حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ أَجَابَ بِنَاءً عَلَى مَا شَاهَدَ مِنْ عَادَةِ أَهْلِ الْكُوفَةِ فِي اخْتِيَارِ السُّفْلِ عَلَى الْعُلُوِّ وَأَبُو يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ أَجَابَ بِنَاءً عَلَى مَا شَاهَدَهُ مِنْ عَادَةِ أَهْلِ بَغْدَادَ فِي التَّسْوِيَةِ بَيْنَ الْعُلُوِّ وَالسُّفْلِ فِي مَنْفَعَةِ السُّكْنَى وَمُحَمَّدٌ شَاهَدَ اخْتِلَافَ الْعَادَاتِ فِي الْبُلْدَانِ فَقَالَ : إنَّمَا يُقْسَمُ عَلَى الْقِيمَةِ وَقِيلَ بَلْ هُوَ بِنَاءٌ عَلَى أَصْلٍ آخَرَ وَهُوَ أَنَّ عِنْدَ مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللَّهُ وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ لِصَاحِبِ السُّفْلِ مَنْفَعَتَانِ مَنْفَعَةُ السُّكْنَى وَمَنْفَعَةُ الْبِنَاءِ ؛ فَإِنَّهُ لَوْ أَرَادَ أَنْ يَحْفِرَ فِي سُفْلِهِ سِرْدَابًا لَمْ يَكُنْ لِصَاحِبِ الْعُلُوِّ مَنْعُهُ مِنْ ذَلِكَ فَلِصَاحِبِ الْعُلُوِّ مَنْفَعَةٌ وَاحِدَةٌ وَهِيَ مَنْفَعَةُ السُّكْنَى ؛ فَإِنَّهُ لَوْ أَرَادَ أَنْ يَبْنِيَ عَلَى عُلُوِّهِ عُلُوًّا آخَرَ كَانَ لِصَاحِبِ السُّفْلِ مَنْعُهُ مِنْ ذَلِكَ وَالْمُعْتَبَرُ فِي الْقِسْمَةِ الْمُعَادَلَةُ فِي الْمَنْفَعَةِ ؛ فَلِهَذَا جَعَلَ بِمُقَابَلَةِ ذِرَاعٍ مِنْ السُّفْلِ ذِرَاعَيْنِ مِنْ الْعُلُوِّ وَأَبُو يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ يَقُولُ : لِصَاحِبِ الْعُلُوِّ أَنْ يَبْنِيَ عَلَى عُلُوِّهِ إذَا كَانَ ذَلِكَ لَا يَضُرُّ بِالسُّفْلِ كَمَا أَنَّ لِصَاحِبِ السُّفْلِ أَنْ يَحْفِرَ سِرْدَابًا فِي السُّفْلِ إذَا كَانَ لَا يَضُرُّ بِصَاحِبِ الْعُلُوِّ فَاسْتَوَيَا فِي الْمَنْفَعَةِ فَيَحْصُلُ ذِرَاعٌ مِنْ السُّفْلِ بِذِرَاعٍ مِنْ الْعُلُوِّ وَحُجَّتُهُ لِإِثْبَاتِ هَذَا الْأَصْلِ أَنَّ صَاحِبَ الْعُلُوِّ يَبْنِي عَلَى مِلْكِهِ كَمَا أَنَّ صَاحِبَ السُّفْلِ يَتَصَرَّفُ فِي مِلْكِهِ وَاتِّصَالُ الْعُلُوِّ بِالسُّفْلِ كَاتِّصَالِ بَيْتَيْنِ مُتَجَاوِرَيْنِ فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَنْ يَتَصَرَّفَ فِي مِلْكِهِ عَلَى وَجْهٍ لَا يَلْتَحِقُ الضَّرَرُ لِصَاحِبِهِ وَأَبُو حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ يَقُولُ : صَاحِبُ السُّفْلِ بِحَفْرِ السِّرْدَابِ يَتَصَرَّفُ فِي الْأَرْضِ وَهِيَ خَالِصُ مِلْكِهِ وَصَاحِبُ الْعُلُوِّ يَحْمِلُ مَا يَبْنِي عَلَى حَائِطِ السُّفْلِ
أَيْضًا وَهُوَ مَمْلُوكٌ لِصَاحِبِ السُّفْلِ وَزِيَادَةُ الْبِنَاءِ تَصِيرُ بِحَائِطِ صَاحِبِ السُّفْلِ لَا مَحَالَةَ وَيَتَبَيَّنُ ذَلِكَ فِي الثَّانِي إنْ كَانَ لَا يَتَبَيَّنُ فِي الْحَالِ وَلَا يَكُونُ لَهُ أَنْ يَفْعَلَ ذَلِكَ بِدُونِ رِضَاءِ صَاحِبِ السُّفْلِ وَمُحَمَّدٌ فِي هَذَا الْفَصْلِ وَافَقَ أَبَا يُوسُفَ وَلَكِنْ فِي الْقِسْمَةِ يَقُولُ : تُعْتَبَرُ الْقِيمَةُ ؛ لِأَنَّ الْعُلُوَّ وَالسُّفْلَ بِنَاءٌ وَالْمُعَادَلَةُ فِي قِسْمَةِ الْبِنَاءِ تَتَيَسَّرُ وَلِأَنَّ فِي بَعْضِ الْبُلْدَانِ تَكُونُ قِيمَةُ الْعُلُوِّ أَكْثَرَ مِنْ قِيمَةِ السُّفْلِ وَهُوَ كَذَلِكَ بِمَكَّةَ وَبِمِصْرِ وَفِي بَعْضِ الْبُلْدَانِ قِيمَةُ السُّفْلِ أَكْثَرُ مِنْ قِيمَةِ الْعُلُوِّ كَمَا هُوَ بِالْكُوفَةِ قِيلَ فِي كُلِّ مَوْضِعٍ تَكْثُرُ النَّدَاوَةُ فِي الْأَرْضِ يُخْتَارُ الْعُلُوِّ عَنْ السُّفْلِ وَفِي كُلِّ مَوْضِعٍ يَشْتَدُّ الْبَرْدُ وَيَكْثُرُ الرِّيحُ يُخْتَارُ السُّفْلُ عَلَى الْعُلُوِّ وَرُبَّمَا يَخْتَلِفُ ذَلِكَ أَيْضًا بِاخْتِلَافِ الْأَوْقَاتِ فَلَا يُمْكِنُ اعْتِبَارُ الْمُعَادَلَةِ إلَّا بِالْقِيمَةِ فَاسْتُحْسِنَ الْقِسْمَةُ فِي الْعُلُوِّ وَالسُّفْلِ بِاعْتِبَارِ الْقِيمَةِ ، ثُمَّ تَفْسِيرُ الْمَسْأَلَةِ فِي فَصْلَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنْ يَكُونَ بَيْنَهُمَا سُفْلٌ عُلُوُّهُ لِغَيْرِهِمَا وَعُلُوٌّ سُفْلُهُ لِغَيْرِهِمَا فَأَرَادَ الْقِسْمَةَ فَعَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ يَجْعَلُ بِمُقَابَلَةِ كُلٍّ ذِرَاعٍ ذِرَاعٍ وَالثَّانِي أَنْ يَكُونَ الْمُشْتَرَكُ بَيْنَ الشُّرَكَاءِ بَيْتًا لِسُفْلِهِ عُلُوٌّ وَسُفْلٌ لَا عُلُوَّ لَهُ بِأَنْ كَانَ الْعُلُوُّ لِغَيْرِهِمْ وَعُلُوٌّ لَا سُفْلَ لَهُ فَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ يَجْعَلُ بِإِزَاءِ مِائَةِ ذِرَاعٍ مِنْ الْعُلُوِّ الَّذِي لَا سُفْلَ لَهُ ثَلَاثَةً وَثَلَاثِينَ ذِرَاعًا وَثُلُثًا مِنْ الْبَيْتِ الْكَامِلِ وَبِإِزَاءِ مِائَةِ ذِرَاعٍ مِنْ السُّفْلِ الَّذِي لَا عُلُوَّ لَهُ سِتَّةً وَسِتِّينَ ذِرَاعًا وَثُلُثَيْ ذِرَاعٍ مِنْ الْبَيْتِ الْكَامِلِ ؛ لِأَنَّ الْعُلُوَّ عِنْدَهُ مِثْلُ نِصْفِ السُّفْلِ كَمَا فِي الْفَصْلِ الْأَوَّلِ وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ يُجْعَلُ
بِإِزَاءِ خَمْسِينَ ذِرَاعًا مِنْ الْبَيْتِ الْكَامِلِ مِائَةَ ذِرَاعٍ مِنْ السُّفْلِ الَّذِي لَا عُلُوَّ لَهُ وَمِائَةَ ذِرَاعٍ مِنْ الْعُلُوِّ الَّذِي لَا سُفْلَ لَهُ ؛ لِأَنَّ السُّفْلَ وَالْعُلُوَّ عِنْدَهُ سَوَاءٌ فَخَمْسُونَ ذِرَاعًا مِنْ الْبَيْتِ الْكَامِلِ بِمَنْزِلَةِ مِائَةِ ذِرَاعٍ خَمْسُونَ مِنْهَا سُفْلٌ وَخَمْسُونَ مِنْهَا عُلُوٌّ وَمُحَمَّدٌ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ يَعْتَبِرُ الْمُعَادَلَةَ بِالْقِيمَةِ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى .
وَاذَا كَانَتْ الدُّورُ بَيْنَ قَوْمٍ فَأَرَادَ أَحَدُهُمْ أَنْ يَجْمَعَ نَصِيبَهُ مِنْهَا فِي دَارِ وَاحِدَةٍ وَأَبِي ذَلِكَ بَعْضُهُمْ قَسَّمَ الْقَاضِي كُلَّ دَارٍ بَيْنَهُمْ عَلَى حِدَةٍ وَلَمْ يَضُمَّ بَعْضَ أَنْصِبَائِهِمْ إلَى بَعْضٍ إلَّا أَنْ يَصْطَلِحُوا عَلَى ذَلِكَ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ ، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ الرَّأْيُ فِي ذَلِكَ إلَى الْقَاضِي وَيَنْبَغِي أَنْ يَنْظُرَ فِي ذَلِكَ فَإِنْ كَانَتْ أَنْصِبَاءُ أَحَدِهِمْ إذَا جُمِعَتْ فِي دَارٍ كَانَ أَعْدَلَ لِلْقِسْمَةِ جَمَعَ ذَلِكَ ؛ لِأَنَّ الْمُعْتَبَرَ فِي الْقِسْمَةِ الْمُعَادَلَةُ فِي الْمَنْفَعَةِ وَالْمَالِيَّةِ وَالْمَقْصُودُ دَفْعُ الضَّرَرِ وَإِذَا قَسَّمَ كُلَّ دَارٍ عَلَى حِدَةٍ رُبَّمَا يَتَضَرَّرُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ لِتَفَرُّقِ نَصِيبِهِ وَإِذَا قَسَّمَ الْكُلَّ قِسْمَةً وَاحِدَةً يَجْتَمِعُ نَصِيبُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ فِي دَارٍ وَيَنْتَفِعُ بِذَلِكَ وَالْقَاضِي نَصَّبَ نَاظِرًا فَيَمْضِي قَضَاؤُهُ عَلَى وَجْهٍ يَرَى النَّظَرَ فِيهِ كَمَا يَمْضِي قَضَاؤُهُ فِي الْمُجْتَهَدَاتِ عَلَى مَا يُؤَدِّي إلَيْهِ اجْتِهَادُهُ وَلِأَنَّ الدُّورَ فِي حُكْمِ جِنْسٍ وَاحِدٍ لِاتِّحَادِ الْمَقْصُودِ بِهَا وَهُوَ السُّكْنَى وَالْجِنْسُ الْوَاحِدُ يُقَسَّمُ بَيْنَ الشُّرَكَاءِ قِسْمَةً وَاحِدَةً كَالْغَنَمِ وَالثِّيَابِ الْهَرَوِيَّةِ إلَّا أَنَّهَا تَتَفَاوَتُ مَنْفَعَةُ السُّكْنَى بِاخْتِلَافِ الْبُلْدَانِ وَبِاخْتِلَافِ الْمَحَالِّ فَمِنْ هَذَا الْوَجْهِ نِسْبَةُ الْبُلْدَانِ وَالْأَجْنَاسِ الْمُخْتَلِفَةِ فَعِنْدَ تَعَارُضِ الْأَدِلَّةِ الرَّأْيُ لِلْقَاضِي فَيُرَجِّحُ بَعْضَهَا بِطَرِيقِ النَّظَرِ وَأَبُو حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ يَقُولُ : الدُّورُ أَجْنَاسٌ مُخْتَلِفَةٌ بِدَلِيلِ أَنَّهَا لَا تَثْبُتُ صَدَاقًا بِمُطْلَقِ التَّسْمِيَةِ حَتَّى إذَا تَزَوَّجَ امْرَأَةً عَلَى دَارٍ فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ مَا لَوْ تَزَوَّجَهَا عَلَى ثَوْبٍ ( وَكَذَلِكَ ) لَوْ وَكَّلَ وَكِيلًا بِشِرَاءِ دَارٍ لَمْ يَصِحَّ التَّوْكِيلُ وَبَعْدَ إعْلَامِ الْجِنْسِ جَهَالَةُ الْوَصْفِ لَا تَمْنَعُ صِحَّةَ الْوَكَالَةِ فَعَرَفْنَا أَنَّهَا أَجْنَاسٌ مُخْتَلِفَةٌ
وَالْأَجْنَاسُ الْمُخْتَلِفَةُ لَا تُقْسَمُ قِسْمَةً وَاحِدَةً إلَّا بِاصْطِلَاحِ الشُّرَكَاءِ عَلَى ذَلِكَ ؛ وَهَذَا لِأَنَّ فِي الْأَجْنَاسِ الْمُخْتَلِفَةِ مَعْنَى الْمُعَاوَضَةِ يَغْلِبُ عَلَى مَعْنَى التَّمْيِيزِ وَالْمُعَاوَضَةُ تَعْتَمِدُ التَّرَاضِيَ وَفِي الْجِنْسِ الْوَاحِدِ مَعْنَى التَّمْيِيزِ يَغْلِبُ ، وَذَلِكَ دَاخِلٌ تَحْتَ وِلَايَةِ الْقَاضِي فَفِي الدُّورِ مَعْنَى الْمُعَاوَضَةِ يَغْلِبُ ؛ لِأَنَّ قَبْلَ الْقِسْمَةِ يَتَيَقَّنُ بِأَنَّ نَصِيبَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ فِي أَمْكِنَةٍ مُتَفَرِّقَةٍ فَإِذَا جَمَعَهَا فِي مَكَان وَاحِدٍ يَكُونُ ذَلِكَ بِطَرِيقِ الْمُعَاوَضَةِ وَإِذَا قَسَّمَ كُلَّ ذِرَاعٍ عَلَى حِدَةٍ فَمَعْنَى التَّمْيِيزِ فِيهِ يَغْلِبُ ؛ لِأَنَّ نَصِيبَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ يَكُونُ فِي أَمْكِنَةٍ مُتَفَرِّقَةٍ بَعْدَ الْقِسْمَةِ كَمَا كَانَ قَبْلَهَا ، ثُمَّ الْمَقْصُودُ بِالْقِسْمَةِ تَمْكِينُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ مِنْ الِانْتِفَاعِ بِمِلْكِهِ فَلَا بُدَّ مِنْ اعْتِبَارِ الْمُعَادَلَةِ فِي الْمَنْفَعَةِ وَالتَّفَاوُتُ فِي الْمَنْفَعَةِ فِي الدُّورِ تَفَاوُتٌ عَظِيمٌ فَإِنَّمَا يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْبُلْدَانِ وَبِاخْتِلَافِ الْمَحَالِّ وَبِاخْتِلَافِ الْجِيرَانِ وَبِالْقُرْبِ مِنْ الْمَاءِ وَبِالْبُعْدِ عَنْهُ وَبِالْقُرْبِ مِنْ الرَّبْطِ وَالْبَعْدِ عَنْهُ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ يَتَعَذَّرُ عَلَيْهِ اعْتِبَارُ الْمُعَادَلَةِ فِي الْمَنْفَعَةِ إذَا قَسَّمَهَا قِسْمَةً وَاحِدَةً وَأَنَّ قِسْمَةَ كُلِّ دَارٍ عَلَى حِدَةٍ أَعْدَلُ ، ثُمَّ هِيَ ثَلَاثَةُ فُصُولٍ عِنْدَهُ الدُّورُ وَالْبُيُوتُ وَالْمَنَازِلُ فَالدُّورُ سَوَاءً كَانَتْ مُتَفَرِّقَةً أَوْ مُتَلَازِقَةً لَا يُقَسَّمُ عِنْدَهُ قِسْمَةً وَاحِدَةً إلَّا بِرِضَاءِ الشُّرَكَاءِ وَالْبُيُوتُ تُقَسَّمُ قِسْمَةً وَاحِدَةً سَوَاءً كَانَتْ مُتَفَرِّقَةً أَوْ مُجْتَمَعَةً فِي مَكَان وَاحِدٍ ؛ لِأَنَّهَا تَتَفَاوَتُ فِي مَنْفَعَةِ السُّكْنَى فَالْبَيْتُ اسْمٌ لِمُسَقَّفٍ وَاحِدٍ لَهُ دِهْلِيزٌ فَلَا يَتَفَاوَتُ فِي الْمَنْفَعَةِ عَادَةً .
( أَلَا تَرَى ) أَنَّهَا تُؤَجَّرُ بِأَجْرٍ وَاحِدٍ فِي كُلِّ مَحَلَّةٍ فَتُقْسَمُ قِسْمَةً وَاحِدَةً وَالْمَنَازِلُ إنْ كَانَتْ مُجْتَمَعَةً
فِي دَارِ وَاحِدَةٍ مُتَلَازِقَةً بَعْضُهَا بِبَعْضٍ تُقْسَمُ قِسْمَةً وَاحِدَةً ، وَإِنْ كَانَتْ مُتَفَرِّقَةً تُقْسَمُ كُلُّ مَنْزِلَةٍ عَلَى حِدَةٍ سَوَاءٌ كَانَتْ فِي مَحَالِّ أَوْ فِي دَارٍ وَاحِدَةٍ بَعْضُهَا فِي أَقْصَاهَا وَبَعْضُهَا فِي أَدْنَاهَا ؛ لِأَنَّ الْمَنْزِلَ فَوْقَ الْبَيْتِ وَدُونَ الدَّارِ فَالْمَنَازِلُ تَتَفَاوَتُ فِي مَنْفَعَةِ مَعْنَى السُّكْنَى وَلَكِنَّ التَّفَاوُتَ فِيهَا دُونَ التَّفَاوُتِ فِي الدُّورِ فَهِيَ تُشْبِهُ الْبُيُوتَ مِنْ وَجْهٍ وَالدُّورَ مِنْ وَجْهٍ فَلِشَبَهِهَا بِالْبُيُوتِ قُلْنَا : إذَا كَانَتْ مُتَلَازِقَةً تُقْسَمُ قِسْمَةً وَاحِدَةً ؛ لِأَنَّ التَّفَاوُتَ فِيهَا يَقِلُّ فِي مَكَان وَاحِدٍ وَلِشَبَهِهَا بِالدُّورِ قُلْنَا : إذَا كَانَتْ فِي أَمْكِنَةٍ مُتَفَرِّقَةٍ لَا تُقْسَمُ قِسْمَةً وَهُمَا فِي الْفُصُولِ كُلِّهَا يَقُولَانِ يَنْظُرُ الْقَاضِي إلَى أَعْدِلْ الْوُجُوهِ فَتَمْضِي الْقِسْمَةُ عَلَى ذَلِكَ وَلَوْ اخْتَلَفُوا فِي قِيمَةِ الْبِنَاءِ فَقَالَ بَعْضُهُمْ يَجْعَلُ الْبِنَاءَ بِذَرْعٍ مِنْ الْأَرْضِ ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ يَجْعَلُهَا عَلَى الدَّرَاهِمِ وَالصَّحِيحُ أَنَّ الْقَاضِيَ يَجْعَلُهَا عَلَى الذَّرْعِ إذَا تَيَسَّرَ عَلَيْهِ ذَلِكَ ؛ لِأَنَّ الدَّرَاهِمَ لَيْسَتْ مِنْ الْمِيرَاثِ وَالثَّابِتُ لِقَاضِي وِلَايَةٍ قِسْمَةُ الْمِيرَاثِ بَيْنَهُمْ فَإِذَا جَعَلَ عَلَى ذَلِكَ الذَّرْعِ كَانَ ذَلِكَ تَصَرُّفًا فِي مَحَلُّ وِلَايَتِهِ وَإِذَا جَعَلَ ذَلِكَ عَلَى الدَّرَاهِمِ كَانَ ذَلِكَ تَصَرُّفًا مِنْهُ وَرَاءَ مَحَلِّ وِلَايَتِهِ وَرُبَّمَا لَا يَقْدِرُ كُلُّ أَحَدٍ عَلَى تَحْصِيلِ الدَّرَاهِمِ وَأَدَائِهَا فَلَيْسَ لِلْقَاضِي أَنْ يُكَلِّفَهُ ذَلِكَ تَوْضِيحُهُ أَنَّهُ إذَا جَعَلَ ذَلِكَ عَلَى الدَّرَاهِمِ فَاَلَّذِي وَقَعَ الْبِنَاءُ فِي نَصِيبِهِ الدِّرْهَمُ دَيْنٌ عَلَيْهِ وَرُبَّمَا يَنْوِي ذَلِكَ عَلَيْهِ ، وَإِنْ كَانَ يَخْرُجُ فَنَفْسُ الْقِسْمَةِ يَتَعَجَّلُ نَصِيبَ مَنْ وَقَعَ الْبِنَاءُ فِي نَصِيبِهِ وَيَتَأَخَّرُ نَصِيبُ الْآخَرِ إلَى خُرُوجِ الدَّيْنِ مِنْهُ فَتَنْعَدِمُ الْمُعَادَلَةُ بِذَلِكَ وَإِذَا جَعَلَ ذَلِكَ عَلَى الذَّرْعِ يَتَعَجَّلُ وُصُولَ نَصِيبِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ إلَيْهِ
وَيَتِمَّ الْقِسْمَةَ وَلَا حَقَّ لِبَعْضِهِمْ عَلَى بَعْضٍ فَهَذَا أَوْلَى الْوَجْهَيْنِ وَإِذَا تَعَذَّرَ عَلَيْهِ اعْتِبَارُ الْمُعَادَلَةِ عَلَى الذَّرْعِ فَلَهُ أَنْ يَقْسِمَ عَلَى الدَّرَاهِمِ عِنْدَنَا ( وَقَالَ ) مَالِكٌ رَحِمَهُ اللَّهُ لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ إلَّا أَنْ يَصْطَلِحُوا عَلَيْهِ أَوْ تَكُونَ الدَّرَاهِمُ يَسِيرَةً ؛ لِأَنَّ فِي الْقِسْمَةِ عَلَى الدَّرَاهِمِ مَحْضَ الْمُعَاوَضَةِ وَهُوَ بَيْعُ نَصِيبِ أَحَدِهِمَا مِنْ الْبِنَاءِ بِمَا يُوجِبُ لَهُ مِنْ الدَّرَاهِمِ عَلَى صَاحِبِهِ وَلَيْسَ لِلْقَاضِي وِلَايَةُ الْمُعَاوَضَةِ إلَّا عِنْدَ تَرَاضِي الْخَصْمَيْنِ عَلَيْهِ إلَّا أَنَّ الْيَسِيرَ مِنْ الدَّرَاهِمِ رُبَّمَا يَتَحَقَّقُ فِيهِ الْحَاجَةُ وَالضَّرُورَةُ فَيَتَعَدَّى إلَيْهِ حُكْمُ وِلَايَتِهِ لِلْحَاجَةِ وَأَصْحَابُنَا رَحِمَهُمُ اللَّهُ يَقُولُونَ هَذِهِ الْحَاجَةُ تَتَحَقَّقُ فِي الْكَثِيرِ كَمَا تَتَحَقَّقُ فِي الْقَلِيلِ ؛ لِأَنَّ قِيمَةَ نَصِيبِ أَحَدِهِمَا مِنْ الْبِنَاءِ رُبَّمَا يَكُونُ أَضْعَافَ جَمِيعِ قِيمَةِ الْأَرْضِ فَتَتَعَذَّرُ عَلَيْهِ الْقِسْمَةُ بِطَرِيقِ مُقَابَلَةِ قِيمَةِ الْبِنَاءِ بِالذَّرْعِ مِنْ الْأَرْضِ أَوْ يَقَعُ جَمِيعُ السَّاحَةِ لِأَحَدِهِمَا فَلَا يَتَمَكَّنُ صَاحِبُ الْبَيْتِ مِنْ الِانْتِفَاعِ بِالْبِنَاءِ بِدُونِ الْأَرْضِ وَإِذَا كُلِّفَ نَقْلَ الْبِنَاءِ تَنْقَطِعُ الْمَنْفَعَةُ عَنْهُ ؛ فَلِهَذَا قُلْنَا عِنْدَ الضَّرُورَةِ يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَجْعَلَ الْقِسْمَةَ فِي الْبِنَاءِ عَلَى الدَّرَاهِمِ وَهَذَا لِأَنَّ وِلَايَةَ الْقِسْمَةِ تَثْبُتُ لَهُ فَلَا يَتَعَدَّى فَيَتَعَدَّى وِلَايَتَهُ إلَى مَا لَا يَتَأَتَّى لَهُ الْقِسْمَةُ إلَّا بِهِ كَالْجَدِّ مَعَ مُوصَى الْأَبِ يَصِحُّ مِنْهُ تَسْمِيَةُ الصَّدَاقِ فِي النِّكَاحِ ، وَإِنْ كَانَ التَّصَرُّفُ فِي الْمَالِ إلَى الْوَصِيِّ دُونَ الْجَدِّ ، وَكَذَلِكَ الْأَخُ لَيْسَ لَهُ وِلَايَةُ التَّصَرُّفِ فِي الْمَالِ ، ثُمَّ لَهُ وِلَايَةُ التَّسْمِيَةِ فِي الصَّدَاقِ بِاعْتِبَارِ ثُبُوتِ الْوِلَايَةِ فِي التَّزْوِيجِ .
وَلَوْ اخْتَلَفُوا فِي الطَّرِيقِ فَقَالَ بَعْضُهُمْ يَرْفَعُ طَرِيقًا بَيْنَنَا ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ لَا يَرْفَعُ نَظَرَ فِيهِ الْحَاكِمُ فَإِنْ كَانَ يَسْتَقِيمُ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ طَرِيقًا يَفْتَحُهُ فِي نَصِيبِهِ قَسَمَهُ بَيْنَهُمْ بِغَيْرِ طَرِيقٍ يُرْفَعُ كَمَا بَيَّنَ عَنْهُمْ ، وَإِنْ كَانَ لَا يَسْتَقِيمُ ذَلِكَ رَفَعَ طَرِيقًا بَيْنَهُمْ ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ بِالْقِسْمَةِ تَوْفِيرُ الْمَنْفَعَةِ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ ، ثُمَّ مَوْضِعُ الطَّرِيقِ مُشْتَرَكٌ بَيْنَهُمْ كَغَيْرِهِ فَإِذَا كَانَ يَسْتَقِيمُ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ طَرِيقٌ يَفْتَحُهُ فِي نَصِيبِهِ فَاَلَّذِي يَقُولُ : لَا يَرْفَعُ طَرِيقًا بِطَلَبِ الْقِسْمَةِ فِي جَمِيعِ الْمُشْتَرَكِ ، وَذَلِكَ مُمْكِنٌ مَعَ اعْتِبَارِ الْمُعَادَلَةِ فِي الْمَنْفَعَةِ فَيُجِيبُهُ الْقَاضِي إلَى مَا الْتَمَسَ وَإِذَا كَانَ لَا يَسْتَقِيمُ ذَلِكَ فَفِي قِسْمَةِ مَوْضِعِ الطَّرِيقِ قَطْعُ الْمَنْفَعَةِ عَنْهُمْ ، وَذَلِكَ ضِدُّ مَا هُوَ الْمَقْصُودُ بِالْقِسْمَةِ وَالْقَائِلُ لَا يَرْفَعُ طَرِيقًا فِي هَذَا الْمَوْضِعِ مُتَعَنِّتٌ تَوْضِيحُهُ أَنَّهُ لَوْ كَانَ الْمُشْتَرَكُ بَيْنَهُمْ مَوْضِعَ الطَّرِيقِ فَقَطْ فَطَلَبَ بَعْضُهُمْ قِسْمَتَهُ وَفِيهِ ضَرَرٌ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ لَمْ يُجِبْهُ الْقَاضِي إلَى ذَلِكَ ، وَإِنْ كَانَ فِيهِ مَنْفَعَةٌ لِلطَّالِبِ أَجَابَهُ الْقَاضِي إلَى ذَلِكَ ، فَكَذَلِكَ إذَا كَانَ الْمُشْتَرَكُ مَوْضِعَ الطَّرِيقِ وَغَيْرِهِ .
وَلَوْ اخْتَلَفُوا فِي سَعَةِ الطَّرِيقِ وَضِيقِهِ جَعَلَ الطَّرِيقَ بَيْنَهُمْ عَلَى عَرْضِ بَابِ الدَّارِ وَطُولِهِ عَلَى أَدْنَى مَا يَكْفِيهِمْ ؛ لِأَنَّ بَابَ الدَّارِ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ وَالْمُخْتَلَفُ فِيهِ يُرَدُّ إلَى الْمُتَّفَقِ عَلَيْهِ ، ثُمَّ لَا فَائِدَةَ فِي جَعْلِ الطَّرِيقِ أَعْرَضَ مِنْ بَابِ الدَّارِ ؛ لِأَنَّهُ مَا لَمْ يَدْخُلْ الْحِمْلُ مِنْ بَابِ الدَّارِ لَا يَحْمِلُهُ فِي ذَلِكَ الطَّرِيقِ وَإِذَا جَعَلَ الطَّرِيقَ أَضْيَقَ مِنْ بَابِ الدَّارِ يَتَضَرَّرُ بِهِ الشُّرَكَاءُ وَمَقْصُودُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ أَنْ يَحْمِلَ إلَى مَسْكَنِهِ فِي ذَلِكَ الطَّرِيقِ مَا يُدْخِلُهُ فِي بَابِ الدَّارِ ؛ فَلِهَذَا يَجْعَلُ الطَّرِيقَ بَيْنَهُمْ عَلَى عَرْضِ الدَّارِ وَطُولِهِ .
وَإِذَا وَقَعَ الْحَائِطُ لِأَحَدِ الْقِسْمَيْنِ وَعَلَيْهِ جُذُوعٌ لِلْآخَرِ وَوَقَعَتْ الْقِسْمَةُ عَلَى أَنْ يَكُونَ هَكَذَا أَوْ لَمْ يَذْكُرَا ذَلِكَ فِي الْقِسْمَةِ ؛ فَإِنَّهُ يُتْرَكُ عَلَى حَالِهِ ؛ لِأَنَّهُ وُجِدَ كَذَلِكَ عِنْدَ تَمَامِ الْقِسْمَةِ وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مِلْكُ الْحَائِطِ لِأَحَدِهِمَا وَلِلْآخَرِ عَلَيْهِ حَقُّ وَضْعِ الْجُذُوعِ فَيُتْرَكُ عَلَى حَالِهِ إلَّا أَنْ يَشْتَرِطَ قَلْعَ الْجُذُوعِ عَنْهُ فَحِينَئِذٍ يَجِبُ الْوَفَاءُ بِهِ لِلْحَدِيثِ : { الشَّرْطُ أَمْلَكُ } ، وَكَذَلِكَ لَوْ كَانَ أَزَجُّ وَقَعَ عَلَى حَائِطٍ عَلَى هَذِهِ الصِّفَةِ أَوْ دَرَجَةٍ ، وَكَذَلِكَ أُسْطُوَانَةٌ وَقَعَ عَلَيْهَا جُذُوعٌ ، وَكَذَلِكَ رَوْشَنٌ وَقَعَ عَلَى صَاحِبِ الْعُلُوِّ مُشْرِفٌ عَلَى نَصِيبِ الْآخَرِ فَأَرَادَ صَاحِبُ السُّفْلِ أَنْ يَقْطَعَ الرَّوْشَنُ لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ إلَّا أَنْ يَشْتَرِطَ قَطْعَهُ ؛ لِأَنَّ حَقَّ قَرَارِ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ تَجُوزُ أَنْ تَكُونَ مُسْتَحَقًّا لِإِنْسَانٍ فِي حَائِطِ غَيْرِهِ فَإِذَا تَمَّتْ الْقِسْمَةُ بَيْنَهُمَا عَلَى هَذِهِ الصِّفَةِ يَجِبُ تَرْكُهَا كَذَلِكَ .
( أَلَا تَرَى ) أَنَّهُ لَوْ أَصَابَ أَحَدَهُمَا ثَبْتُ عُلُوٍّ وَالْآخَرَ السُّفْلُ لَمْ يَكُنْ لِصَاحِبِ السُّفْلِ أَنْ يَهْدِمَ الْعُلُوَّ فَأَمَّا إذَا وَقَعَتْ السَّاحَةُ لِأَحَدِهِمَا وَلِلْآخَرِ أَطْرَافُ جُذُوعٍ شَاخِصَةٌ فِيهَا فَأَرَادَ صَاحِبُ السَّاحَةِ قَطْعَ تِلْكَ الْجُذُوعِ فَإِنْ كَانَتْ أَطْرَافُ الْجُذُوعِ بِحَيْثُ يُمْكِنُ الْبِنَاءُ عَلَيْهَا فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَقْطَعَ ذَلِكَ ؛ لِأَنَّ هَذَا لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ قَرَارُهُ مُسْتَحَقًّا لِإِنْسَانٍ فِي سَاحَةِ غَيْرِهِ ، وَإِنْ كَانَ بِحَيْثُ لَا يُمْكِنُ الْبِنَاءُ عَلَيْهَا فَلِصَاحِبِ السَّاحَةِ أَنْ يُجْبِرَهُ عَلَى قَطْعِ ذَلِكَ أَوْ تَفْرِيغِ هَوَاءِ السَّاحَةِ عَنْهُ بِمَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ لَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ حَقًّا مُسْتَحَقًّا لَهُ فِي مِلْكِ الْغَيْرِ إذْ هُوَ لَا يَنْتَفِعُ بِهِ مِنْ حَيْثُ الْبِنَاءُ عَلَيْهِ .
وَلَوْ وَقَعَتْ شَجَرَةٌ فِي نَصِيبِ أَحَدِهِمَا وَأَغْصَانُهَا مُتَدَلِّيَةٌ إلَى نَصِيبِ الْآخَرِ فَقَدْ ذَكَّرَنِي رُسْتُمُ عَنْ مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللَّهُ أَنَّ لَهُ أَنْ يُجْبِرَهُ عَلَى قَطْعِ تِلْكَ الْأَغْصَانِ وَهَذَا مِمَّا لَا يَسْتَحِقُّ إقْرَارَهُ فِي مِلْكِ الْغَيْرِ بِسَبَبٍ مِنْ الْأَسْبَابِ وَذَكَّرَنِي سِمَاعَةُ عَنْ مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللَّهُ أَنَّهُ يُتْرَكُ كَذَلِكَ ؛ لِأَنَّهُ بِالْقِسْمَةِ اسْتَحَقَّ الشَّجَرَةَ بِأَغْصَانِهَا فَتَرْكُ الْأَغْصَانِ عَلَى مَا كَانَتْ عَلَيْهِ عِنْدَ تَمَامِ الْقِسْمَةِ بِمَنْزِلَةِ الْأَزَجِّ وَالدَّرَجَةِ .
وَإِذَا أَصَابَ رَجُلًا مَقْصُورَةٌ مِنْ الدَّارِ وَأَصَابَ الْآخَرَ مَنْزِلٌ طَرِيقُ عُلُوِّ هَذَا الْمَنْزِلِ فِي هَذِهِ الْمَقْصُورَةِ وَلَمْ يَذْكُرُوا ذَلِكَ عِنْدَ الْقِسْمَةِ فَلَا طَرِيقَ لَهُ فِي الْمَقْصُورَةِ ؛ لِأَنَّهُ يَقْدِرُ عَلَى أَنْ يَجْعَلَ طَرِيقَهُ فِي حَقِّهِ مِنْ غَيْرِ ضَرَرٍ وَالْقِسْمَةُ لِتَمْيِيزِ نَصِيبِ أَحَدِهِمَا مِنْ نَصِيبِ الْآخَرِ وَتَمَامُ التَّمْيِيزِ إذَا لَمْ يَبْقَ لِأَحَدِهِمَا حَقٌّ فِي نَصِيبِ الْآخَرِ فَإِذَا أَمْكَنَ ذَلِكَ مِنْ غَيْرِ ضَرَرٍ يَجِبُ إمْضَاءُ الْقِسْمَةِ عَلَيْهِ .
وَإِذَا أَصَابَ أَحَدُهُمَا قِسْمَةَ سَاحَةٍ فِي الْقِسْمَةِ فَأَرَادَ أَنْ يَبْنِيَ فِيهَا وَيَرْفَعَ بِنَاءً وَأَرَادَ الْآخَرُ مَنْعَهُ ، وَقَالَ : إنَّك تَسُدُّ عَلَيَّ الرِّيحَ وَالشَّمْسَ فَلَهُ أَنْ يَرْفَعَ بِنَاءَ مَا بَدَا لَهُ ؛ لِأَنَّ السَّاحَةَ مِلْكُهُ وَالسَّاحَةُ حَقٌّ خَالِصٌ لَهُ وَلِلْإِنْسَانِ أَنْ يَتَصَرَّفَ فِي مِلْكِ نَفْسِهِ بِمَا يَبْدُو لَهُ وَلَيْسَ لِلْجَارِ أَنْ يَمْنَعَهُ عَنْ ذَلِكَ وَلَهُ أَنْ يَتَّخِذَ فِيهَا حَمَّامًا أَوْ تَنُّورًا أَوْ مَخْرَجًا ؛ لِأَنَّهُ يَتَصَرَّفُ فِي خَالِصِ مِلْكِهِ أَرَأَيْت لَوْ أَرَادَ أَنْ يَجْعَلَ فِيهَا رَحًى أَوْ حَدَّادًا أَوْ قَصَّارًا كَانَ لِلْآخَرِ أَنْ يَمْنَعَهُ مِنْ ذَلِكَ وَالْحَاصِلُ أَنَّ مَنْ تَصَرَّفَ فِي خَالِصِ مِلْكِهِ لَمْ يُمْنَعْ مِنْهُ فِي الْحُكْمِ ، وَإِنْ كَانَ يُؤَدِّي إلَى إلْحَاقِ الضَّرَرِ بِالْغَيْرِ .
( أَلَا تَرَى ) أَنَّ مَنْ اتَّجَرَ فِي حَانُوتِهِ نَوْعَ تِجَارَةٍ لَمْ يُمْنَعْ مِنْ ذَلِكَ ، وَإِنْ كَانَتْ تَكْسُدُ بِسَبَبِهِ تِجَارَةٌ وَأَنَّ أَصْحَابَ الْحَوَانِيتِ يَتَأَذَّوْنَ بِغُبَارِ سَنَابِكِ الدَّوَابِّ الْمَارَّةِ وَأَنْ يَتَأَذَّى الْمَارَّةُ بِدُخَانِ نِيرَانِهِمْ الَّتِي يُوقِدُونَهَا فِي حَوَانِيتِهِمْ ، ثُمَّ لَيْسَ لِلْبَعْضِ مَنْعُ الْبَعْضِ مِنْ ذَلِكَ وَلِلْإِنْسَانِ أَنْ يَسْقِيَ أَرْضَهُ وَلَيْسَ لِجَارِهِ أَنْ يَمْنَعَهُ مِنْ ذَلِكَ مَخَافَةَ أَنْ يَقِلَّ مَاءُ بِئْرِهِ فَعَرَفْنَا أَنَّ الْمَالِكَ مُطْلَقُ التَّصَرُّفِ فِيمَا هُوَ خَالِصُ حَقِّهِ ، وَإِنْ كَفَّ عَمَّا يُؤْذِي جَارَهُ كَانَ أَحْسَنَ لَهُ { قَالَ : صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا زَالَ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ يُوصِي بِالْجَارِ حَتَّى ظَنَنْت أَنَّهُ سَيُوَرِّثُهُ } وَالتَّحَرُّزُ عَنْ سُوءِ الْمُجَاوِرَةِ مُسْتَحَقٌّ دَيْنًا وَلَكِنَّهُ لَا يُجْبَرُ عَلَى ذَلِكَ فِي الْحُكْمِ وَالْحِيلَةُ لِلْجَارِ أَنْ يَتَصَرَّفَ فِي مِلْكٍ عَلَى وَجْهٍ يَدْفَعُ بِهِ ضَرَرًا عَنْ نَفْسِهِ وَيَحُولُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَقْصُودِهِ عَلَى مَا حُكِيَ أَنَّ رَجُلًا جَاءَ إلَى أَبِي حَنِيفَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَقَالَ : إنَّ جَارِيَ اتَّخَذَ مُجَمِّدَةً بِجَنْبِ حَائِطِي فَقَالَ :
اتَّخِذْ أَنْتَ أَتُونًا بِجَنْبِ الْحَائِطِ لِيُذِيبَ هُوَ مَا يَجْمَعُ مِنْ الْجَمْدِ وَعَلَى هَذَا قَالَ فِي الْكِتَابِ لَوْ فَتَحَ صَاحِبُ الْبِنَاءِ فِي عُلُوِّ بِنَائِهِ بَابًا أَوْ كَوَّةً فَتَأَذَّى بِذَلِكَ صَاحِبُ السَّاحَةِ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَمْنَعَهُ مِنْ ذَلِكَ ؛ لِأَنَّ اتِّخَاذَ الْبَابِ وَالْكَوَّةِ يَرْفَعُ نَقْصَ الْحَائِطِ وَلَوْ رَفَعَ جَمِيعَ الْبِنَاءِ لَمْ يَكُنْ لِلْآخَرِ أَنْ يَمْنَعَهُ مِنْهُ ؛ فَلِهَذَا أَوْلَى وَلَكِنَّهُ يَبْنِي فِي مِلْكِهِ مَا يَسْتُرُهُ إنْ شَاءَ وَلَيْسَ لِصَاحِبِ الْكَوَّةِ أَنْ يَمْنَعَهُ عَنْ ذَلِكَ ، وَكَذَلِكَ هَذَا الْحُكْمُ فِي الدَّارَيْنِ وَالْجَارَيْنِ وَلَوْ اتَّخَذَ رَجُلٌ بِئْرًا فِي مِلْكِهِ كِرْيَاسًا أَوْ بَالُوعَةً أَوْ بِئْرَ مَاءٍ فَنَزَّ مِنْهَا حَائِطُ جَارِهِ وَطَلَبَ تَحْوِيلَ ذَلِكَ لَمْ يُجْبَرْ عَلَى تَحْوِيلِهِ ؛ لِأَنَّ تَصَرُّفَهُ فِي خَالِصِ مِلْكِهِ ، وَإِنْ سَقَطَ الْحَائِطُ مِنْ ذَلِكَ لَمْ يَلْزَمْهُ ضَمَانُهُ ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُتَعَدٍّ فِي هَذَا السَّبَبِ وَالْمُسَبَّبُ إذَا كَانَ غَيْرَ مُتَعَدٍّ فِي تَسَبُّبِهِ فَهُوَ غَيْرُ ضَامِنٍ ؛ لِمَا تَلِفَ بِهِ كَمَا لَوْ سَقَطَ إنْسَانٌ فِي بِئْرِهِ هَذَا .
وَإِذَا قَسَّمَ رَجُلَانِ دَارًا فَأَخَذَ أَحَدُهُمَا حَيِّزًا وَالْآخَرُ حَيِّزًا فَوَقَعَ لِأَحَدِهِمَا حَائِطٌ لِلظَّاهِرِ مِنْهُ عَلَى آجُرَّتَيْنِ وَأُسُّهُ عَلَى أَرْبَعٍ وَقَدْ دَخَلَ فِي نَصِيبِ صَاحِبِهِ مِنْ ذَلِكَ آجُرَّةٌ فَقَالَ صَاحِبُ الْحَائِطِ أَنَا آخُذُ مِنْ نَصِيبِك مَا دَخَلَ فِيهِ مِنْ أُسِّ حَائِطِي لَمْ يَكُنْ لَهُ ذَلِكَ وَإِنَّمَا لَهُ مَا ظَهَرَ مِنْ الْحَائِطِ عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ ؛ لِأَنَّهُ بِالْقِسْمَةِ اسْتَحَقَّ الْحَائِطَ وَالْحَائِطُ اسْمٌ لِلْبِنَاءِ الْمُرْتَفِعِ مِنْ وَجْهِ الْأَرْضِ فَأَمَّا الْأُسُّ الَّذِي لَيْسَ عَلَيْهِ بِنَاءٌ مُرْتَفِعٌ عَنْ وَجْهِ الْأَرْضِ فَهُوَ أَرْضٌ لَا حَائِطٌ وَالْأَرْضُ وَاقِعٌ فِي قِسْمِ الْآخَرِ فَلَوْ اسْتَحَقَّهُ صَاحِبُ الْحَائِطِ إنَّمَا يَسْتَحِقُّهُ حَرِيمًا لِحَائِطِهِ وَلَيْسَ لِلْحَائِطِ حَرِيمٌ .
وَإِذَا قَسَّمَ الشَّرِيكَانِ دَارًا أَوْ دَارَيْنِ بَيْنَهُمَا لَمْ يَكُنْ لِلْجَارِ فِي ذَلِكَ شُفْعَةٌ ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا شَرِيكٌ لِصَاحِبِهِ وَالشَّرِيكُ مُقَدَّمٌ عَلَى الْجَارِ .
( أَلَا تَرَى ) أَنَّ أَحَدَهُمَا لَوْ بَاعَ نَصِيبَهُ مِنْ صَاحِبِهِ لَمْ يَكُنْ لِلْجَارِ فِيهِ الشُّفْعَةُ ، ثُمَّ فِي دَارٍ وَاحِدَةٍ مَعْنَى التَّمْيِيزِ فِي الْقِسْمَةِ تَغْلِبُ عَلَى مَعْنَى الْمُعَاوَضَةِ وَالشُّفْعَةُ تَخْتَصُّ بِمُعَاوَضَةِ مَالٍ بِمَالٍ .
وَإِذَا اقْتَسَمَ الرَّجُلَانِ دَارًا وَرَفَعَا طَرِيقًا بَيْنَهُمَا ، ثُمَّ أَرَادَ قِسْمَةَ الطَّرِيقِ بَعْدَ ذَلِكَ فَإِنْ كَانَتْ قِسْمَتُهُ تَسْتَقِيمُ بِغَيْرِ ضَرَرٍ قَسَمْتُهُ بَيْنَهُمَا ، وَإِنْ كَانَتْ لَا تَسْتَقِيمُ وَلَا يَكُونُ لِأَحَدِهِمَا طَرِيقٌ لَمْ أَقْسِمْهُ ، ثُمَّ ؛ لِأَنَّ فِي الْقِسْمَةِ هُنَا مَعْنَى الضَّرَرِ وَالْمَقْصُودُ بِالْقِسْمَةِ تَوْفِيرُ الْمَنْفَعَةِ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا لَا تَفْوِيتُهَا .
وَإِذَا اصْطَلَحَ الرَّجُلَانِ فِي الْقِسْمَةِ عَلَى إنْ أَخَذَ أَحَدُهُمَا دَارًا وَالْآخَرُ مَنْزِلًا فِي دَارٍ أُخْرَى أَوْ عَلَى أَنْ أَخَذَ أَحَدُهُمَا دَارًا وَالْآخَرُ نِصْفَ دَارٍ أُخْرَى أَوْ عَلَى أَنْ أَجَرَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا سِهَامًا مَعْلُومَةً مِنْ دَارٍ عَلَى حِدَةٍ أَوْ عَلَى أَنْ أَخَذَ أَحَدُهُمَا دَارًا وَالْآخَرُ عَبْدًا أَوْ مَا أَشْبَهَ ذَلِكَ مِنْ الِاصْطِلَاحِ فِي الْأَجْنَاسِ الْمُخْتَلِفَةِ فَذَلِكَ جَائِزٌ ؛ لِأَنَّ هَذِهِ مُعَاوَضَةٌ تَجْرِي بَيْنَهُمَا بِالتَّرَاضِي وَلَا رِبًا فِي شَيْءٍ مِمَّا تَنَاوَلَهُ تَصَرُّفُهُ وَلَوْ اصْطَلَحَا فِي دَارٍ وَاحِدَةٍ عَلَى أَنْ يَأْخُذَ أَحَدُهُمَا الْأَرْضَ كُلَّهَا وَالْآخَرُ الْبِنَاءَ كُلَّهُ فَهُوَ جَائِزٌ لِلتَّرَاضِي فَإِنَّ الْأَرْضَ وَالْبِنَاءَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَالٌ مُتَقَوِّمٌ مُبَادَلَةُ نَصِيبِ أَحَدِهِمَا مِنْ الْأَرْضِ بِنَصِيبِ الْآخَرِ مِنْ الْبِنَاءِ صَحِيحٌ ، فَإِنْ شَرَطَ عَلَى أَنْ يَكُونَ الْبِنَاءُ لَهُ يَنْقُضُهُ وَتَكُونُ الْأَرْضُ لِلْآخَرِ فَهُوَ جَائِزٌ ، وَإِنْ اشْتَرَطَ أَنْ لَا يُقْلِعَ بِنَاءَهُ فَهَذَا فَاسِدٌ ؛ لِأَنَّ صَاحِبَ الْأَرْضِ لَا يَتَوَصَّلُ بِهَذِهِ الْقِسْمَةِ إلَى الِانْتِفَاعِ بِالْأَرْضِ وَلِأَنَّ هَذَا فِي مَعْنَى بَيْعٍ شُرِطَ فِيهِ إعَارَةٍ أَوْ إجَارَةٍ فَإِنَّ صَاحِبَ الْبِنَاءِ لَمَّا شَرَطَ تَرْكَ الْبِنَاءِ فِي أَرْضِ الْآخَرِ فَإِنْ كَانَ بِمُقَابَلَةِ هَذَا التَّرْكِ شَيْءٌ مِنْ الْعِوَضِ .
فَهُوَ إجَارَةٌ فَاسِدَةٌ شُرِطَتْ فِي بَيْعٍ ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ بِمُقَابِلَتِهَا شَيْءٌ مِنْ الْعِوَضِ فَهُوَ إعَارَةٌ مَشْرُوطَةٌ فِي الْبَيْعِ .
وَإِذَا كَانَتْ الدَّارُ فِي طَرِيقٍ لَيْسَ بِنَافِذٍ لَهَا فِيهِ بَابٌ فَاقْتَسَمَهَا أَهْلُهَا عَلَى أَنْ يَفْتَحَ كُلُّ إنْسَانٍ مِنْهُمْ فِي ذَلِكَ الزُّقَاقِ لِنَفْسِهِ فَهُوَ جَائِزٌ وَلَيْسَ لِأَهْلِ الزُّقَاقِ مَنْعُهُمْ مِنْ ذَلِكَ ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ يَفْتَحُ الْبَابَ بِرَفْعِ بَعْضِ الْحَائِطِ وَلَوْ رَفَعُوا جَمِيعَ الْحَائِطِ لَمْ يَكُنْ لِأَهْلِ الزُّقَاقِ مَنْعُهُمْ عَنْ ذَلِكَ وَلِأَنَّ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الشُّرَكَاءِ حَقَّ الْمُرُورِ فِي هَذَا الطَّرِيقِ إلَى أَنْ يَتَوَصَّلَ إلَى مِلْكِهِ وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ يَفْتَحُ الْبَابَ يُرِيدُ أَنْ يَسْتَوْفِيَ حَقَّ نَفْسِهِ وَلَا يُرِيدُ الزِّيَادَةَ عَلَى ذَلِكَ .
وَلَوْ كَانَتْ مَقْصُورَةً بَيْنَ وَرَثَةٍ بَابُهَا فِي دَارٍ مُشْتَرَكَةٍ لَيْسَ لِأَهْلِ الْمَقْصُورَةِ فِيهَا إلَّا طَرِيقُهُمْ فَاقْتَسَمُوا الْمَقْصُورَةَ عَلَى أَنْ يَفْتَحَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ بَابًا مِنْ نَصِيبِهِ فِي الدَّارِ الْعُظْمَى لَمْ يَكُنْ لَهُمْ ذَلِكَ ؛ لِأَنَّ لَهُمْ طَرِيقًا وَاحِدًا فِي مَوْضِعٍ مَعْلُومٍ مِنْ عَرْصَةِ الدَّارِ فَهُمْ يُرِيدُونَ هَذِهِ الزِّيَادَةَ فِي ذَلِكَ بِأَنْ يَجْعَلُوا جَمِيعَ صَحْنِ الدَّارِ مَمَرًّا فَيَكُونُ لِأَهْلِ الدَّارِ مَنْعُهُمْ مِنْ ذَلِكَ وَمِنْ أَصْحَابِنَا مَنْ يَقُولُ : لَا يُمْنَعُونَ مِنْ فَتْحِ الْبَابِ ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ رَفْعُ الْحَائِطِ وَالْحَائِطُ خَالِصُ حَقِّهِمْ وَإِنَّمَا يُمْنَعُونَ مِنْ التَّطَرُّقِ فِي غَيْرِ الْمَوْضِعِ الْمَعْرُوفِ طَرِيقًا لَهُمْ فِي صَحْنِ الدَّارِ وَلَكِنْ فِي ظَاهِرِ الْجَوَابِ قَالَ : يُمْنَعُونَ مِنْ فَتْحِ الْأَبْوَابِ ؛ لِأَنَّهُمْ إذَا تَمَكَّنُوا مِنْ ذَلِكَ فَرُبَّمَا يَدَّعِي كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ بَعْدَ تَقَادُمِ الزَّمَانِ لَهُمْ طَرِيقًا خَاصًّا فِي صَحْنِ الدَّارِ وَيُسْتَدَلُّ عَلَى ذَلِكَ بِالْبَابِ الْمُرَكَّبِ وَقَدْ يَعْتَمِدُ ذَلِكَ بَعْضُ الْقُضَاةِ فَيُفَصِّلُ الْحُكْمَ بِهِ ؛ فَلِهَذَا مَنَعُوا مِنْ فَتْحِ الْأَبْوَابِ وَلِأَهْلِ الدَّارِ أَنْ يَبْنُوا مَا بَدَا لَهُمْ فِي صَحْنِ الدَّارِ بَعْدَ أَنْ يَتْرُكُوا لَهُمْ طَرِيقًا وَاحِدًا بِقَدْرِ عَرْضِ بَابِ الدَّارِ الْعُظْمَى ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ الْقَدْرَ مِنْ حَقِّهِمْ مُتَّفَقٌ فَيُرَدُّ عَلَيْهِ مَا وَرَاءَ ذَلِكَ الْمَوْضِعِ وَمَا سِوَى ذَلِكَ مِنْ صَحْنِ الدَّارِ فَهُوَ مِلْكٌ خَاصٌّ لِأَهْلِ الدَّارِ فَلَهُمْ أَنْ يَبْنُوا فِيهَا مَا أَحَبُّوا وَيَفْتَحُ أَهْلُ الْمَقْصُورَةِ مَا بَدَا لَهُمْ مِنْ الْأَبْوَابِ فِي ذَلِكَ الْمَوْضِعِ ؛ لِأَنَّهُمْ بِفَتْحِ هَذِهِ الْأَبْوَابِ لَا يَبْنُونَ لِأَنْفُسِهِمْ زِيَادَةً عَلَى مِقْدَارِ حَقِّهِمْ ، وَإِنْ كَانَ لِأَهْلِ هَذِهِ الْمَقْصُورَةِ دَارًا أُخْرَى إلَى جَنْبِ هَذِهِ الْمَقْصُورَةِ فَوَقَعَتْ هَذِهِ الدَّارُ فِي قِسْمِ رَجُلٍ مِنْهُمْ فَأَرَادَ أَنْ يَفْتَحَ بَابًا فِي هَذِهِ الطُّرُقِ الْمَرْفُوعِ بَيْنَهُمْ فَلَيْسَ لَهُ ذَلِكَ ؛
لِأَنَّهُ لَا طَرِيقَ لِهَذِهِ الدَّارِ فِيهَا فَسَاكِنُهَا يُرِيدُ إثْبَاتَ طَرِيقٍ لِنَفْسِهِ فِي طَرِيقٍ مُشْتَرَكٍ الشَّرِكَةُ فِيهَا خَاصَّةٌ وَالطَّرِيقُ الْخَاصُّ بِمَنْزِلَةِ الْمِلْكِ فَكَمَا لَا يُمَكَّنُ مِنْ إحْدَاثِ طَرِيقِ لِنَفْسِهِ فِي مِلْكِ الْغَيْرِ ، فَكَذَلِكَ فِي الطَّرِيقِ الْخَاصِّ وَإِنْ اشْتَرَى الَّذِي أَصَابَتْهُ الْمَقْصُورَةُ هَذِهِ الدَّارَ فَأَرَادَ أَنْ يَجْعَلَ طَرِيقَهَا فِي مَقْصُورَتِهِ ، ثُمَّ يَمُرُّ فِي ذَلِكَ الطَّرِيقِ الْمُشْتَرَكِ فَلَهُ إذَا كَانَ الدَّارُ وَالْمَقْصُورَةُ وَاحِدًا ؛ لِأَنَّ الْكُلَّ فِي حُكْمِ مَنْزِلٍ وَاحِدٍ ، وَإِنْ كَانَ سَاكِنُ الْمَقْصُورَةِ غَيْرَ سَاكِنِ الدَّارِ لَمْ يَكُنْ لَهُ ذَلِكَ ؛ لِأَنَّهُمَا مَنْزِلَانِ وَكَمَا أَنَّهُ لَيْسَ لِسَاكِنِ الدَّارِ أَنْ يَتَطَرَّقَ فِي هَذَا الطَّرِيقِ مِنْ دَارِهِ ، فَكَذَلِكَ لَا يَكُونُ لَهُ أَنْ يَتَطَرَّقَ فِيهِ مِنْ الْمَقْصُورَةِ ؛ لِأَنَّ لِصَاحِبِ الْمَقْصُورَةِ أَنْ يَرْضَى بِتَطَرُّقِهِ فَمَا هُوَ خَالِصُ مِلْكِهِ وَهُوَ الْمَقْصُورَةُ وَلَا يُعْتَبَرُ رِضَاهُ بِذَلِكَ فِي مِلْكِ الْغَيْرِ وَهُوَ الطَّرِيقُ وَفَرْقٌ بَيْنَ هَذَا وَبَيْنَ الشُّرْبِ فَإِنَّ مَنْ لَهُ أَرْضٌ بِجَنْبِ نَهْرٍ شُرْبُهَا مِنْ ذَلِكَ النَّهْرِ إذَا اشْتَرَى بِجَنْبِ أَرْضِهِ أَرْضًا أُخْرَى وَأَرَادَ أَنْ يَسْقِيَ الْأَرْضَ الْأُخْرَى مِنْ هَذَا النَّهْرِ بِإِجْرَاءِ الْمَاءِ فِي أَرْضِهِ لَمْ يَكُنْ لَهُ ذَلِكَ وَفِي الطَّرِيقِ لَهُ ذَلِكَ إذَا كَانَ سَاكِنُ الدَّارِ وَالْمَقْصُورَةِ وَاحِدًا ؛ لِأَنَّ هُنَاكَ يَسْتَوْفِي مِنْ الْمَاءِ فَوْقَ حَقِّهِ فَإِنَّ حَقَّهُ فِي هَذَا النَّهْرِ مِقْدَارُ مَا يَسْقِي بِهِ أَرْضَهُ فَإِذَا سَقَى بِهِ أَرْضَيْنِ فَهُوَ يَسْتَوْفِي أَكْثَرَ مِنْ حَقِّهِ فَيُمْنَعُ مِنْ ذَلِكَ وَفِي الطَّرِيقِ هُوَ الَّذِي يَتَطَرَّقُ سَوَاءٌ دَخَلَ الْمَقْصُورَةَ فَقَطْ أَوْ يَحُولُ مِنْ الْمَقْصُورَةِ إلَى الدَّارِ ؛ فَلِهَذَا لَا يُمْنَعُ مِنْ ذَلِكَ إذَا كَانَ سَاكِنُ الدَّارِ وَالْمَقْصُورَةِ وَاحِدًا .
وَإِذَا اقْتَسَمَ الرَّجُلَانِ دَارًا فَأَخَذَ أَحَدُهُمَا طَائِفَةً وَفِي نَصِيبِ الْآخَرِ ظُلَّةٌ عَلَى الطَّرِيقِ وَكَنِيفُ شَارِعٍ فَالْقِسْمَةُ فِي هَذَا كَالْبَيْعِ وَقَدْ بَيَّنَّا فِي كِتَابِ الشُّفْعَةِ أَنَّ كَنِيفَ الشَّارِعِ يَدْخُلُ فِي بَيْعِ الدَّارِ سَوَاءٌ ذَكَر الْحُقُوقَ وَالْمَرَافِقَ أَوْ لَمْ يَذْكُرْ وَالظُّلَّةُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ لَا يَدْخُلُ إلَّا بِذِكْرِ الْحُقُوقِ وَالْمَرَافِقِ وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ يَدْخُلُ إذَا كَانَ مِفْتَحُهَا فِي الدَّارِ سَوَاءً ذَكَر الْحُقُوقَ وَالْمَرَافِقَ أَوْ لَمْ يَذْكُرْ ، فَكَذَلِكَ فِي الْقِسْمَةِ فَإِنْ هَدَمَ أَهْلُ الطَّرِيقِ تِلْكَ الظُّلَّةَ لَمْ تُنْتَقَضْ الْقِسْمَةُ ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا اسْتَحَقَّ الْبِنَاءَ بِالْقِسْمَةِ ، أَمَّا الْأَرْضُ مِنْ طَرِيقِ الْمُسْلِمِينَ وَإِنَّمَا يَسْتَحِقُّ بِالْقِسْمَةِ مَا كَانَ مُشْتَرَكًا بَيْنَهُمْ قَبْلَ الْقِسْمَةِ وَالْمُشْتَرَكُ الْبِنَاءُ دُونَ الْأَرْضِ وَلَا يَرْجِعُ عَلَى شَرِيكِهِ بِشَيْءٍ ؛ لِأَنَّهُمَا كَانَا يَعْلَمَانِ أَنَّ الظُّلَّةَ عَلَى الطَّرِيقِ فَإِنَّ لَهُمْ مِنْهَا نَفْسَ الْبِنَاءِ لَا حَقَّ الْقَرَارِ ، وَذَلِكَ سَالِمٌ لَهُ .
وَإِذَا اقْتَسَمَا دَارًا فَلَمَّا وَقَعَتْ الْحُدُودُ بَيْنَهُمَا إذَا أَحَدُهُمَا لَا طَرِيقَ لَهُ وَلَا يَقْدِرُ عَلَى طَرِيقٍ فَالْقِسْمَةُ مَرْدُودَةٌ ؛ لِأَنَّهَا وَقَعَتْ عَلَى الضَّرَرِ وَالْمَقْصُودُ تَحْصِينُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِالِانْتِفَاعِ بِمِلْكِهِ لَا قَطْعُ مِلْكِ الْمَنْفَعَةِ عَنْهُ وَقَدْ تَبَيَّنَ أَنَّ فِي هَذِهِ الْقِسْمَةِ قَطْعُ مَنْفَعَةِ الْمِلْكِ عَنْ أَحَدِهِمَا فَكَانَتْ مَرْدُودَةً ، وَإِنْ كَانَ لَهُ حَائِطٌ يَقْدِرُ عَلَى أَنْ يَفْتَحَ بَابًا يَمُرُّ فِيهِ رَجُلٌ وَلَا تَمُرُّ فِيهِ الْحَمُولَةُ فَالْقِسْمَةُ جَائِزَةٌ لِتَمَكُّنِهِ مِنْ الِانْتِفَاعِ بِنَصِيبِهِ بِالتَّطَرُّقِ إلَيْهِ مِنْ هَذَا الْجَانِبِ فَالْأَصْلُ فِي الطَّرِيقِ مُرُورُ النَّاسِ فِيهِ فَأَمَّا مُرُورُ الْحَمُولَةِ فِيهِ لَا يَكُونُ إلَّا نَادِرًا وَبِتَعَذُّرِ ذَلِكَ لَا يَمْتَنِعُ عَلَيْهِ اسْتِيفَاءُ مَا هُوَ الْمَقْصُودُ ، وَإِنْ كَانَتْ بِحَيْثُ لَا يَمُرُّ فِيهِ رَجُلٌ فَلَيْسَ هَذَا بِطَرِيقٍ وَلَا تَجُوزُ الْقِسْمَةُ لِمَا فِيهَا مِنْ قَطْعِ مَنْفَعَةِ الْمِلْكِ عَنْ أَحَدِهِمَا .
وَإِنْ كَانَ اقْتَسَمَا عَلَى أَنْ لَا طَرِيقَ لِفُلَانٍ وَهُوَ يَعْلَمُ أَنَّهُ لَا طَرِيقَ لَهُ فَهُوَ جَائِزٌ بِتَرَاضِيهِمَا ؛ لِأَنَّهُ رَضِيَ بِذَلِكَ لِنَفْسِهِ وَإِنَّمَا لَمْ تَصِحَّ الْقِسْمَةُ لِدَفْعِ الضَّرَرِ عَنْهُ فَإِذَا رَضِيَ بِالْتِزَامِ الضَّرَرِ سَقَطَ اعْتِبَارُ ذَلِكَ الضَّرَرِ .
وَإِذَا اقْتَسَمَا دَارًا عَلَى أَنْ يَسْتَوْفِيَ أَحَدُهُمَا مِنْ الْآخَرِ دَارًا لَهُ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ فَالْقِسْمَةُ عَلَى هَذَا الشَّرْطِ بَاطِلَةٌ ؛ لِأَنَّ فِيهَا مَعْنَى الْبَيْعِ وَاشْتِرَاطُ هَذَا فِي الْبَيْعِ مُبْطِلٌ لَهُ لِنَهْيِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ صَفْقَتَيْنِ فِي صَفْقَةٍ ، وَكَذَلِكَ كُلُّ قِسْمَةٍ عَلَى شَرْطِ هِبَةٍ أَوْ صَدَقَةٍ فَهِيَ فَاسِدَةٌ كَالْبَيْعِ ، وَكَذَلِكَ كُلُّ شِرَاءِ عَلَى شَرْطِ قِسْمَتِهِ فَهُوَ بَاطِلٌ ؛ لِأَنَّ اشْتِرَاطَ الْقِسْمَةِ فِي الشِّرَاءِ كَاشْتِرَاطِ الشِّرَاءِ فِي الْقِسْمَةِ وَإِذَا كَانَتْ الْقِسْمَةُ عَلَى أَنْ يَزِيدَ شَيْئًا مَعْرُوفًا فَهُوَ جَائِزٌ ؛ لِأَنَّهُ لَوْ شَرَطَ فِي الْبَيْعِ زِيَادَةً فِي الثَّمَنِ مِقْدَارًا مُسَمًّى أَوْ زِيَادَةً فِي الْمَبِيعِ شَيْئًا بِعَيْنِهِ جَازَ ذَلِكَ ، فَكَذَلِكَ فِي الْقِسْمَةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
بَابُ قِسْمَةِ الدُّورِ بِالدَّرَاهِمِ يُرِيدُهَا .
( قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ أَحَدُهُمَا وَإِذَا كَانَتْ الدَّارُ بَيْن رَجُلَيْنِ فَاقْتَسَمَاهَا عَلَى أَنْ يَرُدَّ أَحَدُهُمَا عَلَى الْآخَرِ دَرَاهِمَ مُسَمَّاةً فَهُوَ جَائِزٌ ) ؛ لِأَنَّ فِي حِصَّةِ الدَّرَاهِمِ الْمَشْرُوطَةِ الْعَقْدِ بَيْعٌ وَقَدْ تَرَاضَيَا عَلَيْهِ وَجَوَازُ الْبَيْعِ يَعْتَمِدُ الْمُرَاضَاةَ وَقَدْ بَيَّنَّا أَنَّ الشَّرِيكَيْنِ عِنْدَ الْقِسْمَةِ يَحْتَاجَانِ إلَى ذَلِكَ عَادَةً إلَّا أَنَّ الْقَاضِيَ لَا يَفْعَلُهُ إلَّا عِنْدَ الضَّرُورَةِ فَأَمَّا إذَا تَرَاضَيَا عَلَى الْقِسْمَةِ فَذَلِكَ مُسْتَقِيمٌ مِنْهُمَا ، ثُمَّ كُلُّ مَا يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ عِوَضًا مُسْتَحَقًّا بِالْبَيْعِ يَجُوزُ اشْتِرَاطُهُ فِي هَذِهِ الْقِسْمَةِ عِنْدَ تَرَاضِيهِمَا عَلَيْهِ فَالنُّقُودُ حَالَّةً كَانَتْ أَوْ مُؤَجَّلَةً وَالْمَكِيلُ وَالْمَوْزُونُ مُعَيَّنًا أَوْ مَوْصُوفًا مُؤَجَّلًا أَوْ حَالًّا يَجُوزُ اسْتِحْقَاقُهُ عِوَضًا فِي الْبَيْعِ ، فَكَذَلِكَ فِي الْقِسْمَةِ فَإِنْ كَانَ لِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ حَمْلٌ وَمُؤْنَةٌ فَلَا بُدَّ مِنْ بَيَانِ مَكَانِ الْإِيفَاءِ فِيهِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ كَمَا فِي السَّلَمِ وَالْإِجَارَةِ وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ إنْ بَيَّنَا لِلتَّسْلِيمِ مَكَانًا جَازَ ذَلِكَ ، وَإِنْ لَمْ يُبَيِّنَا جَازَتْ الْقِسْمَةُ وَيَتَعَيَّنُ لِلتَّسْلِيمِ مَوْضِعُ الدَّارِ وَكَانَ يَنْبَغِي فِي الْقِيَاسِ أَنْ يَتَعَيَّنَ مَوْضِعُ الْعَقْدِ كَمَا فِي السَّلَمِ عِنْدَهُمَا وَلَكِنَّهُمَا اسْتَحْسَنَا فَقَالَا تَمَامُ الْقِسْمَةِ يَكُونُ عِنْدَ الدَّارِ وَإِنَّمَا يَجِبُ عِنْدَ تَمَامِ الْقِسْمَةِ فَيَتَعَيَّنُ مَوْضِعُ الْوُجُوبِ فِيهِ لِلتَّسْلِيمِ كَمَا فِي الْإِجَارَةِ عِنْدَهُمَا يَتَعَيَّنُ مَوْضِعُ الدَّارِ لَا مَوْضِعُ الْعَقْدِ ؛ لِأَنَّ وُجُوبَ الْآخَرِ بِاسْتِيفَاءِ الْمَنْفَعَةِ ، وَذَلِكَ عِنْدَ الدَّارِ يَكُونُ .
وَإِنْ كَانَتْ الزِّيَادَةُ شَيْئًا مِنْ الْحَيَوَانِ بِعَيْنِهِ فَهُوَ جَائِزٌ ، وَإِنْ كَانَ بِغَيْرِ عَيْنِهِ لَمْ يَجُزْ مَوْصُوفًا كَانَ أَوْ غَيْرَ مَوْصُوفٍ مُؤَجَّلًا كَانَ أَوْ حَالًّا ؛ لِأَنَّ الْحَيَوَانَ لَا يُسْتَحَقُّ فِي الذِّمَّةِ عِوَضًا عَمَّا هُوَ مَالٌ ، وَإِنْ كَانَ بِعَيْنِهِ وَشَرَطَ أَنْ لَا يُسَلِّمَهُ إلَى شَهْرٍ فَهُوَ فَاسِدٌ ؛ لِأَنَّهُ شَرَطَ الْأَجَلَ فِي الْعَيْنِ ، وَذَلِكَ مُفْسِدٌ لِلْبَيْعِ لِكَوْنِهِ غَيْرَ مُنْتَفَعٍ بِهِ بَلْ فِيهِ ضَرَرٌ عَلَى الْمُتَمَلِّكِ لِلْعَيْنِ بِالْعَقْدِ مِنْ غَيْرِ مَنْفَعَةٍ لِلْآخَرِ فِيهِ ، فَكَذَلِكَ فِي الْقِسْمَةِ .
وَلَوْ كَانَتْ الزِّيَادَةُ ثِيَابًا مَوْصُوفَةً إلَى أَجَلٍ مَعْلُومٍ فَهُوَ جَائِزٌ ، وَإِنْ لَمْ يَضْرِبْ لَهُ أَجَلًا لَمْ يَجُزْ كَمَا فِي الْبَيْعِ وَهَذَا ؛ لِأَنَّ الثِّيَابَ تَثْبُتُ فِي الذِّمَّةِ سَلَمًا وَلَا تَثْبُتُ فِي الذِّمَّةِ قَرْضًا وَالسَّلَمُ لَا يَكُونُ إلَّا مُؤَجَّلًا وَالْقَرْضُ لَا يَكُونُ إلَّا حَالًّا فَعَرَفْنَا بِذَلِكَ أَنَّهَا تَثْبُتُ فِي الذِّمَّةِ مُؤَجَّلًا ثُبُوتًا صَحِيحًا وَلَا تَثْبُتُ حَالًّا .
وَإِذَا كَانَ مِيرَاثٌ بَيْنَ رَجُلَيْنِ فِي دَارٍ وَمِيرَاثٌ فِي دَارٍ أُخْرَى فَاصْطَلَحَا عَلَى أَنَّ لِأَحَدِهِمَا مَا فِي هَذِهِ الدَّارِ وَلِلْآخَرِ مَا فِي تِلْكَ وَزَادَ مَعَ ذَلِكَ دَرَاهِمَ مُسَمَّاةً فَإِنْ كَانَا سَمَّيَا سِهَامًا كَمْ هِيَ سَهْمٌ مِنْ كُلِّ دَارٍ جَازَ ؛ لِأَنَّ مَا يَسْتَحِقُّهُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِالْقِسْمَةِ وَالْبَيْعِ مَعْلُومٌ لَهُ ، وَإِنْ لَمْ يُسَمِّيَا ذَلِكَ لَمْ يَجُزْ لِجَهَالَةِ مَا يَسْتَحِقُّهُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا وَهَذِهِ جَهَالَةُ تُفْضِي إلَى تَمَكُّنِ الْمُنَازَعَةِ بَيْنَهُمَا فِي الثَّانِي وَإِنْ سَمَّيَا مَكَانَ السِّهَامِ أَذْرُعًا مُسَمَّاةً مُكَسَّرَةً جَازَ فِي قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ وَلَمْ يَجُزْ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ وَأَصْلُ الْخِلَافِ فِيمَا ذَكَرْنَا فِي الْبُيُوعِ إذَا بَاعَ ذِرَاعًا فِي عَشَرَةِ أَذْرُعٍ مِنْ هَذِهِ الدَّارِ فَالْقِسْمَةُ نَظِيرُ الْبَيْعِ فِي ذَلِكَ .
دَارَانِ بَيْنَ ثَلَاثَةِ نَفَرٍ اقْتَسَمُوهَا عَلَى أَنْ يَأْخُذَ أَحَدُهُمَا إحْدَى الدَّارَيْنِ وَالثَّانِي الدَّارَ الْأُخْرَى عَلَى أَنْ يَرُدَّ الَّذِي أَخَذَ الدَّارَ الْكُبْرَى عَلَى الَّذِي لَمْ يَأْخُذْ شَيْئًا دَرَاهِمَ مُسَمَّاةً فَهُوَ جَائِزٌ ؛ لِأَنَّهُ اشْتَرَى نَصِيبَ الشَّرِيكِ الثَّالِثِ بِمَا أَعْطَاهُ مِنْ الدَّرَاهِمِ وَلَوْ اشْتَرَى نَصِيبَ الشَّرِيكَيْنِ جَمِيعًا بِالدَّرَاهِمِ جَازَ ، فَكَذَا إذَا اشْتَرَى نَصِيبَ أَحَدِهِمَا ، ثُمَّ قَاسَمَ الشَّرِيكَ الْآخَرَ عَلَى قَدْرِ مِلْكِهَا فِي الدَّارَيْنِ ، وَذَلِكَ مُسْتَقِيمٌ أَيْضًا فَقَدْ بَيَّنَّا أَنَّ الدُّورَ تُقَسَّمُ قِسْمَةً وَاحِدَةً بِالتَّرَاضِي ، وَكَذَلِكَ إنْ أَخَذَ الدَّارَ الْكُبْرَى اثْنَانِ مِنْهُمْ وَأَخَذَ الثَّالِثُ الدَّارَ الصُّغْرَى وَإِذَا كَانَتْ دَارًا وَاحِدَةً بَيْنَهُمْ وَأَخَذَهَا اثْنَانِ مِنْهُمْ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا طَائِفَةً مَعْلُومَةً عَلَى أَنْ يَرُدَّا عَلَى الثَّالِثِ دَرَاهِمَ مَعْلُومَةً فَهُوَ جَائِزٌ ؛ لِأَنَّهُمَا اشْتَرَيَا نَصِيبَهُ بِمَا نَفَّذَا لَهُ مِنْ الدَّاهِمِ ، وَكَذَلِكَ إنْ اشْتَرَطُوا عَلَى أَحَدِهِمَا ثُلُثَيْ الدَّرَاهِمِ لِفَضْلٍ فِي مَنْزِلِهِ فَذَلِكَ جَائِزٌ ؛ لِأَنَّهُ يَكُونُ مُشْتَرِيًا ثُلُثَيْ نَصِيبِ الثَّالِثِ وَصَاحِبُهُ الثُّلُثُ .
وَكَذَلِكَ دَارٌ بَيْنَ شَرِيكَيْنِ اقْتَسَمَاهَا نِصْفَيْنِ عَلَى أَنْ يَرُدَّ أَحَدُهُمَا عَلَى الْآخَرِ عَبْدًا بِعَيْنِهِ عَلَى أَنْ زَادَهُ الْآخَرُ مِائَةَ دِرْهَمٍ فَهُوَ جَائِزٌ ؛ لِأَنَّ بَعْضَ الْعَبْدِ عِوَضٌ عَنْ الْمِائَةِ الدَّرَاهِمِ وَبَعْضُهُ عِوَضٌ عَمَّا أَخَذَ مَالِكُ الْعَبْدِ مِنْ نَصِيبِ صَاحِبِهِ بِالْقِسْمَةِ مِنْ الدَّارِ ، وَذَلِكَ مُسْتَقِيمٌ ، وَكَذَلِكَ لَوْ اقْتَسَمَاهَا عَلَى أَنْ يَأْخُذَ أَحَدُهُمَا الْبِنَاءَ وَأَخَذَ آخَرُ الْخَرَابَ عَلَى أَنْ يَرُدَّ صَاحِبُ الْبِنَاءِ عَلَى الْآخَرِ دَرَاهِمَ مُسَمَّاةً فَذَلِكَ جَائِزٌ ؛ لِأَنَّ بَعْضَ مَا أَخَذَ مِنْ الْبِنَاءِ عِوَضٌ مُسْتَحَقٌّ لَهُ بِالْقِسْمَةِ وَبَعْضُهُ مَبِيعٌ لَهُ بِمَا نَقَدَ مِنْ الدَّرَاهِمِ ، وَكَذَلِكَ لَوْ أَخَذَ أَحَدُهُمَا السُّفْلَ وَالْآخَرُ الْعُلُوَّ وَاشْتَرَطَ أَحَدُهُمَا عَلَى صَاحِبِهِ دَرَاهِمَ مُسَمَّاةً ؛ لِأَنَّ السُّفْلَ مَعَ الْعُلُوِّ كَالْبَيْتَيْنِ الْمُتَجَاوِرَيْنِ يَجُوزُ بَيْعُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا ، فَكَذَلِكَ يَجُوزُ اشْتِرَاطُ فَضْلِ الدَّرَاهِمِ عَلَى أَحَدِهِمَا فِي قِسْمَةِ الْعُلُوِّ وَالسُّفْلِ شَرْطُ ذَلِكَ عَلَى صَاحِبِ الْعُلُوِّ أَوْ عَلَى صَاحِبِ السُّفْلِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .
بَابُ قِسْمَةِ الدُّورِ بِتَفْضِيلِ بَعْضِهَا عَلَى الْبَعْضِ بِغَيْرِ دَرَاهِمَ ( قَالَ : رَحِمَهُ اللَّهُ وَإِذَا كَانَتْ الدَّارُ بَيْنَ رَجُلَيْنِ فَاقْتَسَمَاهَا فَأَخَذَ أَحَدُهُمَا مُقَدَّمَهَا وَهُوَ الثُّلُثُ وَالْآخَرُ أَخَذَ مُؤَخَّرَهَا وَهُوَ الثُّلُثَانِ جَازَ ذَلِكَ ) ؛ لِأَنَّ الْمُعْتَبَرَ فِي الْقِسْمَةِ الْمُعَادَلَةُ فِي الْمَالِيَّةِ وَالْمَنْفَعَةِ وَالظَّاهِرُ أَنَّ ذَلِكَ لَا يَتَأَتَّى مَعَ اعْتِبَارِ الْمُسَاوَاةِ فِي الْمِسَاحَةِ وَمَالِيَّةُ مُقَدَّمِ الدَّارِ فَوْقَ مَالِيَّةِ مُؤَخَّرِهَا لِكَثْرَةِ الرَّغْبَةِ فِي الْمُقَدَّمِ دُونَ الْمُؤَخَّرِ وَتَتَفَاوَتُ الْمَنْفَعَةُ بِحَسْبِ ذَلِكَ فَالْقِسْمَةُ لَا تَخْلُو فِي الْعَادَةِ عَنْ التَّفَاوُتِ فِي الْمِسَاحَةِ وَلَا يُعَدُّ ذَلِكَ ضَرَرًا وَإِنَّمَا الضَّرَرُ بِالتَّفَاوُتِ فِي الْمَنْفَعَةِ وَالْمَالِيَّةِ فَفِي ذَلِكَ تُعْتَبَرُ الْمُعَادَلَةُ بَيْنَهُمَا فَإِنْ كَانَتْ الدَّارُ بَيْنَهُمَا أَثْلَاثًا فَأَخَذَ صَاحِبُ الثُّلُثِ نَصِيبَهُ مَا بَقِيَ مِنْ الدَّارِ وَهُوَ أَكْثَرُ مِنْ حَقِّهِ فَهُوَ جَائِزٌ بِمَنْزِلَةِ الْبَيْعِ لِوُجُودِ التَّرَاضِي مِنْهُمَا وَقَدْ بَيَّنَّا أَنَّ الْمَالَ الَّذِي لَا يَجْرِي فِيهِ الرِّبَا يُعْتَبَرُ لِجَوَازِ الْمُبَايَعَةِ فِيهِ الْمُرَاضَاةُ ، فَكَذَلِكَ إنْ كَانَ الَّذِي وَقَعَ فِي قِسْمِ الْآخَرِ لَيْسَتْ لَهُ غَلَّةٌ فَهُوَ جَائِزٌ ؛ لِأَنَّهُ رَضِيَ بِهِ لِغَرَضٍ لَهُ وَهُوَ غَيْرُ مُتَّهَمٍ فِي النَّظَرِ لِنَفْسِهِ فِيهِ وَلَوْ اشْتَرَاهُ بِمَالٍ عَظِيمٍ جَازَ شِرَاؤُهُ ، فَكَذَلِكَ إذَا اخْتَارَ أَحَدُهُمَا أَخْذَهُ فِي الْقِسْمَةِ بِقِسْمِهِ
وَإِذَا اقْتَسَمَا دَارًا بَيْنَهُمَا عَلَى أَنَّ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا طَائِفَةً مِنْ الدَّارِ عَلَى أَنْ رَفَعَا طَرِيقًا بَيْنَهُمَا وَلِأَحَدِهِمَا ثُلُثُهُ وَلِلْآخَرِ ثُلُثَاهُ فَهَذَا جَائِزٌ ، وَإِنْ كَانَتْ الدَّارُ فِي الْأَصْلِ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ ؛ لِأَنَّ رَقَبَةَ الطَّرِيقِ مِلْكٌ لَهُمَا مَحَلٌّ لِلْمُعَاوَضَةِ فَقَدْ شَرَطَ أَحَدُهُمَا لِنَفْسِهِ بَعْضَ نَصِيبِ صَاحِبِهِ مِنْ الطَّرِيقِ عِوَضًا عَنْ بَعْضِ مَا سَلَّمَ إلَيْهِ مِنْ نَصِيبِهِ فِي الْمَنْزِلِ الَّذِي أَخَذَهُ صَاحِبُهُ بِالْقِسْمَةِ ، وَذَلِكَ جَائِزٌ ، وَإِنْ أَخَذَهُمَا طَائِفَةٌ مِنْهُمَا يَكُونُ قَدْرَ الثُّلُثِ وَأَخَذَ الْآخَرَ طَائِفَةً تَكُونُ قَدْرَ النِّصْفِ وَرَفَعَا طَرِيقًا بَيْنَهُمَا يَكُونُ مِقْدَارَ السُّدُسِ فَهُوَ جَائِزٌ ؛ لِأَنَّهُمَا نَفَيَا شَرِكَتَهُمَا فِي مَوْضِعِ الطَّرِيقِ وَقَسَّمَا مَا وَرَاءَ ذَلِكَ عَلَى الْأَخْمَاسِ فَأَخَذَ أَحَدُهُمَا ثَلَاثَةَ أَخْمَاسِهِ وَالْآخَرُ خُمْسَهُ وَلَوْ قَسَّمَا الْكُلَّ بَيْنَهُمَا بِهَذِهِ الصِّفَةِ جَازَ ، فَكَذَلِكَ إذَا اقْتَسَمَا الْبَعْضَ وَبَقِيَا شَرِكَتَهُمَا فِي الْبَعْضِ لِيَكُونَ ذَلِكَ طَرِيقًا لَهُمَا وَلَوْ اشْتَرَطَا أَنْ يَكُونَ الطَّرِيقُ بَيْنَهُمَا عَلَى قَدْرِ مِسَاحَةِ مَا فِي أَيْدِيهِمَا فَهُوَ جَائِزٌ ؛ لِأَنَّهُمَا لَوْ قَسَّمَا الْكُلَّ عَلَى هَذِهِ الْمِسَاحَةِ جَازَ ، فَكَذَلِكَ إذَا اشْتَرَطَا أَنْ يَتْرُكَاهُ مُشْتَرَكًا لِلطَّرِيقِ بَيْنَهُمَا عَلَى قَدْرِ هَذِهِ الْمِسَاحَةِ ، وَكَذَلِكَ إنْ شَرَطَا أَنْ يَكُونَ الطَّرِيقُ لِصَاحِبِ الْأَقَلِّ وَيَكُونُ لِلْآخَرِ مَمَرُّهُ فِيهِ فَهُوَ جَائِزٌ ؛ لِأَنَّ عَيْنَ الطَّرِيقِ مَمْلُوكٌ لَهُمَا فَقَدْ حَصَّلَ أَحَدُهُمَا نَصِيبَهُ مِنْ عَيْنِ الطَّرِيقِ لِصَاحِبِهِ عِوَضًا عَنْ بَعْضِ مَا أَخَذَهُ مِنْ نَصِيبِ صَاحِبِهِ بِالْقِسْمَةِ وَلَكِنْ بَقِيَ لِنَفْسِهِ حَقُّ الْمَمَرِّ فِي ذَلِكَ جَائِزٌ بِالشَّرْطِ كَمَنْ بَاعَ طَرِيقًا مَمْلُوكًا لَهُ مِنْ غَيْرِهِ عَلَى أَنْ يَكُونَ لَهُ حَقُّ الْمَمَرِّ فَإِنَّ ذَلِكَ جَائِزٌ بِمِثْلِهِ بَيْعُ السُّفْلِ عَلَى أَنْ يَكُونَ حَقُّ الْقَرَارِ الْعُلُوِّ لَهُ عَلَيْهِ ، وَإِنْ لَمْ يَشْتَرِطَا
شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ فَالطَّرِيقُ بَيْنَهُمَا عَلَى قَدْرِ مَا وَرِثَا ؛ لِأَنَّهُمَا نَفَيَا شَرِكَتَهُمَا فِي قَدْرِ الطَّرِيقِ فَيَبْقَى فِي هَذَا الْجُزْءِ عَيْنُ مَا كَانَ لَهُمَا مِنْ الشَّرِكَةِ فِي الْكُلِّ .
وَإِذَا كَانَتْ دَارٌ بَيْنَ رَجُلَيْنِ وَبَيْنَهُمَا شِقْصٌ مِنْ دَارٍ أُخْرَى فَاقْتَسَمَاهَا عَلَى أَنْ يَأْخُذَ أَحَدُهُمَا الدَّارَ وَالْآخَرُ الشِّقْصَ وَلَمْ يُسَمِّيَا سِهَامَ الشِّقْصِ لَمْ يَجُزْ ذَلِكَ لِلْجَهَالَةِ فَإِنْ أَقَرَّا أَنَّهُمَا كَانَ يَعْرِفَانِ كَمْ هُوَ يَوْمَ اقْتَسَمَا فَهُوَ جَائِزٌ ؛ لِأَنَّ عَيْنَ التَّسْمِيَةِ فِي الْعَقْدِ غَيْرُ مَقْصُودَةٌ بَلْ الْمَقْصُودُ إعْلَامُ الْمُتَعَاقِدَيْنِ بِهَا وَقَدْ تَصَادَقَا عَلَى أَنَّهُ كَانَ مَعْلُومًا لَهُمَا ، وَإِنْ عَرَفَ ذَلِكَ أَحَدُهُمَا وَجَهِلَهُ الْآخَرُ فَالْقِسْمَةُ مَرْدُودَةٌ وَقَدْ بَيَّنَّا فِي كِتَابِ الشُّفْعَةِ أَنَّهُ إذَا اشْتَرَى نَصِيبَ فُلَانٍ مِنْ الدَّارِ فَإِنْ كَانَ الْمُشْتَرِي يَعْلَمُ كَمْ نَصِيبُهُ جَازَ الْبَيْعُ ، وَإِنْ كَانَ الْبَائِعُ يَعْلَمُ ذَلِكَ دُونَ الْمُشْتَرِي لَمْ يَجُزْ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ وَيَجُوزُ فِي قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ الْآخَرِ رَحِمَهُ اللَّهُ وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ الْجَوَابُ فِي الْقِسْمَةِ عَلَى ذَلِكَ التَّفْصِيلِ أَيْضًا وَقِيلَ بَلْ هَذَا الْجَوَابُ صَحِيحٌ فِي الْقِسْمَةِ وَهُوَ قَوْلُهُمْ جَمِيعًا ؛ لِأَنَّ الْمُعْتَبَرَ فِي الْقِسْمَةِ الْمُعَادَلَةُ فِي الْمَنْفَعَةِ وَالْمَالِيَّةِ وَلَا يَصِيرُ ذَلِكَ مَعْلُومًا لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا إلَّا إذَا كَانَ الشِّقْصُ مَعْلُومًا لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا ؛ فَلِهَذَا قُلْنَا إذَا جَهِلَ أَحَدُهُمَا ذَلِكَ فَالْقِسْمَةُ مَرْدُودَةٌ فَأَمَّا الْبَيْعُ عَقْدُ مُعَايَنَةٍ يُقْصَدُ لِلِاسْتِرْبَاحِ وَالْمُشْتَرِي هُوَ الَّذِي يَقْبِضُ الْمَبِيعَ فَيُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ مِقْدَارُهُ مَعْلُومًا لَهُ فَأَمَّا حَقُّ الْبَائِعِ فِي الثَّمَنِ مَعْلُومٌ فَلِتَحْقِيقِ هَذَا الْمَعْنَى يَظْهَرُ الْفَرْقُ .